35ذكر واقعة ذات عبرة
سأنقل لكم قصة حدثت معي بالذات وأتمنّى أن يتأمّلها القارئ المحترم.
لم أكن قد تجاوزت الأربعين من عمري بعد عندما قرّرت السفر إلى ميناء «بوشهر» بقصد الإبحار إلى الهند. في مسيرنا نحو «بوشهر» توقّفت الحافلة في قرية تُدعى «آباده» تقع بين أصفهان وشيراز, وكانت الشمس قد غربت لتوّها وكان البرد شديداً، فهرع الركّاب إلى المقهى لتناول الشاي والطعام الساخن، ولكني أردت أن أصّلي المغرب أولاً، فدخلت المسجد ورأيت داخله جماعةً لم يكن عددها بالقليل قد فرغوا من الصلاة وجلسوا ينتظرون قدوم واعظ كان على موعد معهم ليُلقي عليهم درساً دينياً، فأديت صلاتي ثم سألت: ماذا ينتظر هؤلاء الجالسون؟ فقيل لي: إنهم ينتظرون الواعظ الذي ذهب إلى «إقليد» ولا ندري متى سيرجع. ففكرت في نفسي أن أصعد المنبر وألقي بضع كلمات قُربةً إلى الله توعيةً لهؤلاء الناس. فصعدت المنبر وألقيت عليهم كلمة مُختصرةً، ولكن لما كان من الممكن للحافلة أن تتحرك فإني أنهيت الكلمة بشكل مفاجئ ونزلت مستعجلاً من على المنبر وخرجت من المسجد لأجد الحافلة مُستعدة للانطلاق فلحقت بها وانطلقنا على الفور.
[وحسبما تبين فيما بعد] يبدو أن الناس في المسجد استمتعوا بخطبتي كثيراً ولما نزلتُ من المنبر قال بعضهم لبعض، إن هذا السيد أجاد في الكلام، وما أحرانا أن ندعوه للبقاء لدينا. فأرسلوا بضعة أشخاص عقب خروجي ليعرضوا عليَّ هذا الاقتراح فلم يجدوني كوني كنت قد انطلقت على الفور بالحافلة. فبحثوا يميناً وشمالاً ولم يجدوني، وكل من سألوه: من كان ذلك السيد وأين هو الآن وما اسمه؟ لم يعطهم جواباً! فقالوا في أنفسهم: كأن هذا السيد قد ذاب وبلعته الأرض أو تبخّر إلى السماء! ومهما بحثوا لم يجدوا لذلك الشيخ الواعظ أثراً ويبدو أن أحدهم قال: لقد كان ذلك السيد إمام الزمان الذي أمضينا عمرنا شوقاً لرؤيته! وغاب بمجرد خروجه من المسجد، وبدأ الناس يُظهرون تأسّفهم ويبكون وينوحون قائلين: أيها السيد! لقد جئتنا ولم نعرفك، وأبرقوا برقيةً إلى بعض علماء شيراز وأخبروهم بأن إمام الزمان جاء إلى مسجد «آباده» عند المغرب وألقى عليهم كلمةً ثم غاب! وكان كثيرٌ من الحاضرين في المسجد يشهدون على هذا الأمر!! ولما دخلتُ [في اليوم التالي] إلى مساجد شيراز كنت أسمع في كل مكان هذا الخبر ولكنني لم أجرؤ على بيان حقيقة القصَّة!
إذا عرفنا ذلك أدركنا أن ملء المجلسي وأمثاله كتبهم بأقوال الكذابين أو الضعفاء أو المجهولين، ليس بأقوى من النقل عن عدة مئات من الأشخاص الذين رأيناهم، ولذلك فإننا نؤكد هنا أنه لو اجتمع ألف صفر سوية لمَا تشكّل منهم أيّ عدد! (فَتَأَمَّل).