دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

23- باب ذكر من رآه

23- باب ذكر من رآه

جمع المَجْلِسِيّ في هذا الباب قصص الذين ادَّعوا رؤية المهدي. وينبغي أن نعلم أن هذه الرؤية المُدَّعاة مثلها مثل رؤية العديد من الناس لدينا - وعددهم كان كبيراً - لوجه من كانوا يُطلقون عليه «نائب الإمام» على سطح القمر في أوائل عهد الثورة في إيران (؟!) فهل يُمكن الوثوق بمثل هذه الرؤية؟! إن رؤية هؤلاء الأفراد تُماثل رؤية إمام الزمان في بلدة «آباده» التي سبق أن شرحناها في الكتاب الحاضر[تحت عنوان ذكر واقعة ذات عبرة] قبل الباب السادس (ص210)! أو تُشبه رؤية الذين كانوا يدَّعون رؤية الإمام والصلة به لما في ذلك من مصلحة كبيرة لهم!

وَعَلَى كُلِّ حَال، فإن القصص التي جمعها المَجْلِسِيّ نقلاً عن أقوال المجاهيل والضعفاء مبنيَّة على حدس الشخص الذي تصوَّر أن الذي رآه كان المهدي، وإذا رأينا في بعض الروايات أن المرئي قال لمن رآه: إنني أنا المهدي، فإما أنه كان يكذب أو كان يمزح أو أن الذي نقل لنا ذلك وضع هذه القصة من أساسها من عند نفسه، والحاصل أن مُجرّد ادِّعاء شخص، حتى لو لم يكن من الضعفاء، لا يُثبت شيئاً فما بالك إذا كان المُدَّعي من الضعفاء!

إن هذا الباب مثله مثل الأبواب السابقة باب فاضحٌ حقيقةً ولا يُمكننا أن نجد فيه حتى حديثاً صحيحاً واحداً يُمكن الاعتماد عليه، لذلك فإن دراسة أحاديث هذا الباب واحداً واحداً لا يعدو إضاعةً لوقت القرّاء. وكثير من أحاديث هذا الباب منقول عن كتاب الكافي[352]. ولذلك سوف نبدأ باستعراض هذه الروايات المنقولة عن الكافي قبل دراستنا لبقية الروايات. الأعداد التي تجدونها على يمين السهم (-->) هي أرقام الأحاديث كما جاءت في المجلد 52 من «بحار الأنوار»، في حين أن الأعداد التي تجدونها على يسار السهم (-->) هي أرقام الأحاديث في الكافي، وسوف نذكر حُكْمَ المَجْلِسِيّ عن كل واحد من هذه الأحاديث بين قوسين كما نصَّ عليه في كتابه «مرآة العقول»، بعد ذلك سنمحِّصُ عدداً مِمَّا تبقى من الأحاديث كنموذج للبقية كي يعلم القُرّاء حال قصص هذا الباب.

* 7 --> الحديث 11 باب 134 من الكافي، اعتبره المَجْلِسِيّ (مَجْهُولاً)، وذكر مُحَقِّق «البحار» في الحاشية أن اسم «نسيم» جاء في الكافي بصورة «سيماء» وقيل: إنه كان أحد غلمان «جعفر بن علي» أخي حضرة العسكري أو أنه كان من المعتمدين لدى الدولة العباسية!

* 8 --> الحديث 2 باب 134 (مجهول).

* 9 --> الحديث 6، الباب 134 (مجهول).

* 10 --> الحديث 8، الباب 134 (مجهول).

* 11 و 45 --> الحديثان 4 و 5، الباب 134 (ضعيف ومجهول).

* 21 --> الحديث 2، الباب 183 (مجهول).

* 22 --> يُشبه الحديث 3، الباب 182 (مجهول).

* 43 --> الحديث 15، الباب 134 (مجهول).

* 46 --> الحديث 7، الباب 134 (صحيح أو مجهول؟!!).

* 47 --> الحديث 9، الباب 134 (مجهول).

* 48 --> الحديث 3، الباب 133 والحديث 12، من الباب 134 (ضعيف).

* 49 --> الحديث 13، الباب 134 (مجهول).

* 52 --> الحديث 10، الباب 134 (مجهول).

الآن ننتقل إلى دراسة نماذج لما تبقَّى من الأحاديث في هذا الباب:

* الخبر 1: أورد الشيخ الطوسي [في كتابه «الغيبة» بسنده] عَنْ «أحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» وهو - كما قال المحقق الفاضل لكتاب «البحار» في الحاشية - راو ضعيف وفيه غلو وارتفاع، وليس محلاً للثقة، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ وَرَدَ الرَّيَّ [ولم يذكر لنا اسم الشيخ ولا مبلغ علمه وعقله ومذهبه]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَدَكِيُّ -وهو شخص مجهول - قَالَ: قَالَ الأوْدِيُّ -وهو مجهول آخر-!!

فهل تقوم حجَّةٌ بمثل هذا السند؟! وهل يصلُحُ هذا دليلاً؟!

كما روى أيضاً عَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَدِيجِيِّ الْكُوفِيِّ» الغالي وفاسد المذهب، عَنِ «الْأَزْدِيِّ» قال:

"سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ قَرِيباً مِنْهَا بَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ قَدْ طُفْتُ سِتَّةً وَأُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ السَّابِعَةَ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ وَشَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ هَيُوبٌ وَمَعَ هَيْبَتِهِ مُتَقَرِّبٌ إِلَى النَّاسِ، فَتَكَلَّمَ، فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ كَلَامِهِ وَلَا أَعْذَبَ مِنْ مَنْطِقِهِ فِي حُسْنِ جُلُوسِهِ فَذَهَبْتُ أُكَلِّمُهُ ...... فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! مُسْتَرْشِدٌ أَتَاكَ فَأَرْشِدْنِي هَدَاكَ اللهُ. قَالَ فَنَاوَلَنِي حَصَاةً، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي فَقَالَ لِي بَعْضُ جُلَسَائِهِ: مَا الَّذِي دَفَعَ إِلَيْكَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: حَصَاةٌ، فَكَشَفْتُ عَنْ يَدِي فَإِذَا أَنَا بِسَبِيكَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَذَهَبْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ قَدْ لَحِقَنِي فَقَالَ: ...... أَتَعْرِفُنِي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: أَنَا الْمَهْدِيُّ أَنَا قَائِمُ الزَّمَانِ أَنَا الَّذِي أَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا يَبْقَى النَّاسُ فِي فَتْرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ[353]، وَقَدْ ظَهَرَ أَيَّامُ خُرُوجِي فَهَذِهِ أَمَانَةٌ فِي رَقَبَتِكَ فَحَدِّثْ بِهَا إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ!".

أقول: ولكن مضت حتى اليوم ألف ومئة عام ولم يخرج المهدي بعد. لذا أراد المجلسيّ أن يوجِّه الرواية ويرتق فتقها فقال بعدها: "بيانٌ: لعل هذا مما فيه «البِدَاء» وأخبر (ع) بأمر غير حتمي معلق بشرط أو المراد بالخروج ظهور أمره لأكثر الشيعة بالسفراء".

لاحظوا مدى أهمّيّة مبدأ «البِداء» لأهل الخرافة، ولو لم يضعوا هذا المبدأ لواجهوا كثيراً من الأمور التي تذهب بماء وجههم وتفضح أكاذيبهم أمام الناس!

* الخبر 2: يروي الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة» أيضاً عن «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» الغالي ذاته، عن رجل مجهول من أهل قم باسم «مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ» قصَّةً غير مترابطةٍ لا يُعرَف رأسها من ذيلها، يدَّعي فيها أَنَّهُ كان يَسِيحُ مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَلم يَصِلْ إلَى شَيءٍ، إلى أن رأى – وهو يطوف حول الكعبة - شاباً أسمرَ يقول: "لَمْ أرَ قَطُّ فِي حُسْنِ صُورَتِهِ وَاعْتِدَالِ قَامَتِهِ ثُمَّ صَلَّى فَخَرَجَ وَسَعَى فَاتَّبَعْتُهُ وَأَوْقَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَفْسِي أَنَّهُ صَاحِبُ الزَّمَانِ!...............[حتى يصل إلى قول ذلك الشاب الأسمر له]: فَإِنَّ الْأَمْرَ [أي الظهور] قَرِيبٌ إِنْ شَاءَ الله"!!

* الخبر 3: يروي الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة» أيضاً عن مجهول ومهمل بِاسْمِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيِّ الْكَاتِبِ عَنْ مجهول آخر بِاسْمِ «أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النُّعْمَانِيِّ» عَنْ مجهول ثالث يدعى «يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَعْفَرِيّ» قَالَ: "حَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وثَلاثِمِائَةٍ وجَاوَرْتُ بِمَكَّةَ تِلْكَ السَّنَةَ ومَا بَعْدَهَا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وثَلاثِمِائَةٍ ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهَا مُنْصَرِفاً إِلَى الشَّامِ فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وقَدْ فَاتَتْنِي صَلاةُ الْفَجْرِ فَنَزَلْتُ مِنَ المَحْمِلِ وتَهَيَّأْتُ لِلصَّلاةِ فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِي مَحْمِلٍ فَوَقَفْتُ أَعْجَبُ مِنْهُمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِمَّ تَعْجَبُ تَرَكْتَ صَلاتَكَ وخَالَفْتَ مَذْهَبَكَ؟ فَقُلْتُ لِلَّذِي يُخَاطِبُنِي: ومَا عِلْمُكَ بِمَذْهَبِي؟ فَقَالَ: تُحِبُّ أَنْ تَرَى صَاحِبَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! فَأَوْمَأَ إِلَى أَحَدِ الأرْبَعَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ لَهُ دَلائِلَ وعَلامَاتٍ. فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَرَى الْجَمَلَ ومَا عَلَيْهِ صَاعِداً إِلَى السَّمَاءِ أَوْ تَرَى المَحْمِلَ صَاعِداً إِلَى السَّمَاءِ؟؟ فَقُلْتُ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ دَلالَةٌ. فَرَأَيْتُ الْجَمَلَ ومَا عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَى السَّمَاءِ وكَانَ الرَّجُلُ أَوْمَأَ إِلَى رَجُلٍ بِهِ سُمْرَةٌ وكَانَ لَوْنُهُ الذَّهَبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ"!!

أقول: بالله عليكم لاحظوا سند هذا الخبر ومتنه وانظروا هل يصلح دليلاً لشـيءٍ؟؟ إنهم يريدون أن يثبتوا أصول دين الله بمثل هذه المهملات، وحقاً إن الإنسان ليحتار ماذا يقول لهؤلاء الكُتَّاب الشيعة. حقاً إني لأتساءَل: لماذا أورد الشيخ الطوسي مثل هذا الخبر المهمل في كتابه؟!

* الخبر 4: يرويه الشيخ الطوسي [في كتاب «الغيبة»] عن «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» الذي لا اعتبار لروايته، يُسْنِدُ إلى أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاسِ قَالَ حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ العسكري (ع) بِسُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ تُوُفِّيَ وَأُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ‏ وَ وُضِعَتْ وَنَحْنُ ... نَنْتَظِرُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنَا غُلَامٌ عُشَارِيٌّ حَافٍ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِفَهُ فَتَقَدَّمَ وَقَامَ النَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَمَشَى فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ"!!.

أقول: لقد جمع الشيخ الطوسي هذه القصص على نحوٍ ينطبق عليه المثل: «الغريق يشبَّثُ بكل حشيش»، يريد من خلال هذه القصص أن يثبت أن المهدي شوهد ورآه الناس، في حين أنه ليس في هذه الأخبار اسم للمهدي ولا أي دليل على أن من شوهد كان هو المهدي فعلاً، بل شاهد عددٌ من المجهولين شخصاً فتصوَّروا وتخيَّلوا أنه المهدي!

الخبر 5: روى الشيخ الطوسي [ في كتابه «الغيبة»‏] عن عددٍ من المجهولين عن مجهول باسم «أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيِّ» قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ المُسْتَجَارِ بِمَكَّةَ وجَمَاعَةٌ زُهَاءُ ثَلاثِينَ رَجُلاً... إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَابٌّ [كالعادة] مِنَ الطَّوَافِ... فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا جَمِيعاً هَيْبَةً لَهُ...". ثم يذكر أن الشاب جلس بينهم وأخذ يدعو بأدعية، ثم قام، وذكر أن هذا تكرَّر عدَّة أيَّام إلى أن قال لهم شخص اسمه «أَبُو عَلِيٍّ الـْمَحْمُودِيُّ»: يَا قَوْمِ! أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ هَذَا وَاللهِ صَاحِبُ زَمَانِكُمْ! فَقُلْنَا: وَكَيْفَ عَلِمْتَ يَا أَبَا عَلِيٍّ؟؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ يَدْعُو رَبَّهُ ويَسْأَلُهُ مُعَايَنَةَ صَاحِبِ الزَّمَانِ! ثم قال لهم [أي المحمودي]: نِمْتُ مِنْ لَيْلَتِي تِلْكَ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ ص فَقَالَ يَا أَحْمَدُ رَأَيْتَ طَلِبَتَكَ؟؟ فَقُلْتُ: ومَنْ ذَاكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي عَشِيَّتِكَ هُوَ صَاحِبُ زَمَانِكَ"!!

أقول: بالله عليكم هل يمكن إثبات عقيدة من عقائد الدين بمثل هذه الخيالات والأحلام؟

* 61الخبر 6: يروي الشيخ الطوسي [في كتابه «الغيبة»] عن «أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ»! الذي روى لنا في الخبر 1 من هذا الباب عن شَيْخٍ وَرَدَ الرَّيَّ دون أن يذكر لنا اسمه وصفته، وهو يروي لنا هنا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قَزْوِينَ -وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ وَلا مذهبَهُ أيضاً (ما أوثقهم مِنْ رواة!!)- يروي قصَّةً عن مجهول ثالث باسم «حَبِيبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ بْنِ شَاذَانَ الصَّنْعَانِيِّ» قَالَ: دَخَلْتُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ الأهوازيِّ [وهو أحد مُدَّعِي النيابة والسفارة عن الإمام] فَسَأَلْتُهُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ [العسكري] (ع) فَقَالَ: يَا أَخِي! لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، حَجَجْتُ عِشْـرِينَ حَجَّةً كُلاً أَطْلُبُ بِهِ عِيَانَ الإمَامِ فَلَمْ أَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً! فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً نَائِمٌ فِي مَرْقَدِي إِذْ رَأَيْتُ قَائِلًا يَقُولُ: يَا عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ! قَدْ أَذِنَ اللهُ لِي فِي الْحَجِّ. فَلَمْ أَعْقَلْ لَيْلَتِي حَتَّى أَصْبَحْتُ فَأَنَا مُفَكِّرٌ فِي أَمْرِي أَرْقَبُ الْمَوْسِمَ لَيْلِي وَنَهَارِي، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْمَوْسِمِ أَصْلَحْتُ أَمْرِي وَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ يَثْرِبَ فَسَأَلْتُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ لَهُ خَبَراً"!! (أيُّ إمام هذا الذي كان مُطَّلعاً على أقل حركة نقل وانتقال مالية وكان يعلم من خلال اطِّلاعه على الغيب صاحب كل كيس مال ومقدار ما في الكيس من ذهب أو فضة، ولكنه رغم ذلك لم يطلب طول عشرين عاماً من أحد نُوَّابه أن يُخبر هذا المسكين عن حقيقة المسألة كي يُصبح «وكيلاً» في وقت أبكر ويطلب المال من الناس بوصفه نائباً للناحية؟!). والأكثر طرافةً أن هذا الوكيل ذاته يقول: إن الإمام -الذي يُخبر حسب قولهم عن الأمور المُغيَّبة بشكل متواصل- لم يعرفه بل سأله قائلاً: "مِنْ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ الْأَهْوَازِ. فَقَالَ لِي: تَعْرِفُ بِهَا ابْنَ الْخَضِيبِ؟ فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اللهُ دُعِيَ فَأَجَابَ. فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ فَمَا كَانَ أَطْوَلَ لَيْلَتَهُ وَأَكْثَرَ تَبَتُّلَهُ وَأَغْزَرَ دَمْعَتَهُ أَفَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَازِيَارَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ.................

[حتى يصل إلى قول الرجل له]: فَأَنَا فِي التَّقِيَّةِ إِلَى يَوْمِ يُؤْذَنُ لِي فَأَخْرُجُ! فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! مَتَى يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ؟ فَقَالَ: إِذَا حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ سَبِيلِ الْكَعْبَةِ وَاجْتَمَعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَاسْتَدَارَ بِهِمَا الْكَوَاكِبُ وَالنُّجُومُ! فَقُلْتُ: مَتَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ لِي: فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا!!".

لاحظوا كيف أراح هذا الإمام الموهوم نفسه بقوله: «في سَنَةِ كَذَا وَكَذَا»، وترك أهم مسألةٍ مُبهمةً، والطريف أيضاً أن إجابة المهدي تخالف سائر الروايات التي تنص على أن خروجه سيقع قُبَيل يوم القيامة، كما أن الأكثر طرافةً أن مهدي السيد «ابن مهزيار» هذا حدَّد وقت الخروج في حين أن المجلسي روى في الحديث رقم 6 في باب «التمحيص والنهي عن التوقيت» في المجلد 52 من البحار في عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "كَذَبَ الْمُوَقِّتُونَ! مَا وَقَّتْنَا فِيمَا مَضَى وَلَانُوَقِّتُ فِيمَا يَسْتَقْبِل"!! (فتأمَّل)

يقول القرآن الكريم عن زمن قيام الساعة: ﴿يَسۡ‍َٔلُ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلۡقِيَٰمَةِ ٦ فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ ٧ وَخَسَفَ ٱلۡقَمَرُ ٨ وَجُمِعَ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ ٩ [القيامة: ٦، ٩]. أمَّا هذه الرواية فتقول: إن زمن الظهور هو زمن القيامة ذاته، وهذا على عكس سائر الروايات التي تقول إن المهدي يخرج قبل القيامة وليس حين يختلّ نظام الكون الحالي!! وليس عبثاً قول من قال: «حبل الكذب قصير»، لأن هذه الرواية تُخالف الروايةَ 19 في باب (التمحيص والنهي عن التوقيت) الذي ينسب إلى «الناحية» قوله: «أَمَّا ظُهُورُ الْفَرَجِ فَإِنَّهُ إِلَى اللهِ وَكَذَبَ الْوَقَّاتُون‏»، وتخالف الرواياتِ المشابهةَ لها كالروايات من 5 إلى 8 من الباب 25. فمثلاً في الرواية 5 يقول الإمام الباقر (ع): «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ كَذَبَ الْوَقَّاتُون» ثلاث مرَّات!!

ثم إن هذا الوكيل لم يكن بارعاً إذْ لم ينقل في هذه القصة -على الأقل- نصَّ المهدي على وكالته ونيابته، بل نقل لنا حواراً مُضْحِكاً!! ولما كان حبل الكذب قصير لم يقم طول مدّة نيابته بتعريف ابنه «محمد بن إبراهيم المهزيار» على المهدي، حتى اضطر المسكين أن يخترع لنفسه نيابة باختلاق قصة لا اعتبار لها[354]!!! وينبغي أن نقول: وا مصيبتاه! من هؤلاء النُّواب الطائشين كثيري الخبط والنسيان!! والخطأ الآخر الذي وقع به هذا النائب هو روايته الحديث 28 في باب (ذِكْرُ مَنْ رآه) الذي علَّق عليه المُحقِّق الفاضل لكتاب البحار في الحاشية قائلاً: "ولا يخفى أن الحديث شاذٌّ جداً تُشْبِهُ ألفاظُهُ مخائلَ المصنفين القصَّاصين ومقامات الحريري وأضرابه"![355]

* الخبر 12: مرَّةً أخرى نجد روايةً عن «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» الذي لا اعتبار لروايته، يروي عن مجهولٍ يُدعى «أَبِي ذَرٍّ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَوْرَةَ» عن فرد مجهول كان -حسب ادِّعاء الرواة- زَيْدِيّاً أنه قَالَ: سَمِعْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ مِنْ جَمَاعَةٍ يَرْوُونَهَا عَنْ أَبِي رحمه الله أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى «الْحَيْرِ» قَالَ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى «الْحَيْرِ» [يبدو أن هذه المنطقة كانت قرب سامراء وأن قصر الخليفة كان فيها] إِذَا شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ يُصَلِّي ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ وَوَدَّعْتُ وَخَرَجْنَا ....... .

ثم يذهب هذا الرجل زيدي المذهب إلى عنوان المنزل الذي أعطاه إياه الشاب حسن الوجه ويأخذ المال من ذلك المنزل، وبما أن الشاب حسن الوجه قال له عن نفسه: إنني «محمد بن الحسن» فإن الشيخ الطوسي ينتظر منَّا أن نُصدِّق بأنه كان المهدي! وأنه لا يحق لنا أن نقول: إن هناك مئات الأشخاص اسمهم «محمد بن الحسن»، فلماذا يجب علينا أن نعتبر كلام شخص [زيديّ المذهب] هو نفسه لا يؤمن بإمامة حضرة العسكري ولا إمامة أبيه ولا ابنه، حُجَّةً على وجود المهدي؟! بل من أين لنا أن نعلم أن الرواة لم يُلفِّقوا هذه القصة من الأساس ويضعوها على لسان شخص زيدي؟

* الخبر 13: حديث مرفوع[356] لا اعتبار له، [ينقله المجلسي عن الاحتجاج للطبرسي و‏الغيبة للطوسي‏] يرويه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَفَعَهُ عَنِ «الزُّهْرِيِّ» - وهذا الرفع لا يصح للانقطاع بين محمد بن يعقوب و«الزُّهْرِيِّ»، الذي كان من أهل السنة، ولعل الطوسي نقل عنه ليكون ذلك حسب ظنه مصداقاً لمقولة: «الفضل ما شهدت به الأعداء»!! ولكن لما كان السارق الغرُّ عديم التجربة يقتحم مستودع التبن!! فإن واضع الحديث أتى بكلام لا يوافق لا رأي أهل السنة ولا رأي الشيعة[357]!! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ.

قَالَ [أي «الزُّهْرِيُّ»]: "طَلَبْتُ هَذَا الأمْرَ طَلَباً شَاقّاً حَتَّى ذَهَبَ لِي فِيهِ مَالٌ صَالِحٌ فَوَقَعْتُ [أي ذهبت‏] إِلَى الْعَمْرِيِّ وخَدَمْتُهُ ولَزِمْتُهُ وسَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ الزَّمَانِ فَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ وُصُولٌ [بالطبع كُلَّمَا تدلَّل أصحاب الدكاكين أكثر ازداد شوق الزبائن إلى بضائعهم!] فَخَضَعْتُ. فَقَالَ لِي: بَكِّرْ بِالْغَدَاةِ [الذي قال قبل لحظات إن الوصول إلى صاحب الزمان محال، تغير موقفه الآن بعد أن سمع المزيد من التملُّق وأصبح المحال لديه ممكناً!] فَوَافَيْتُ واسْتَقْبَلَنِي ومَعَهُ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وأَطْيَبِهِمْ رَائِحَةً بِهَيْئَةِ التُّجَّارِ وفِي كُمِّهِ شَيْ‏ءٌ كَهَيْئَةِ التُّجَّارِ فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ دَنَوْتُ مِنَ الْعَمْرِيِّ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ فَعَدَلْتُ [أي رجعت‏] إِلَيْهِ وسَأَلْتُهُ فَأَجَابَنِي عَنْ كُلِّ مَا أَرَدْتُ ثُمَّ مَرَّ لِيَدْخُلَ الدَّارَ وكَانَتْ مِنَ الدُّورِ الَّتِي لا نَكْتَرِثُ لَهَا، فَقَالَ الْعَمْرِيُّ: إِذْ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ سَلْ فَإِنَّكَ لا تَرَاهُ بَعْدَ ذَا. فَذَهَبْتُ لأسْأَلَ فَلَمْ يَسْمَعْ ودَخَلَ الدَّارَ ومَا كَلَّمَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ الْعِشَاءَ إِلَى أَنْ‏ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ ...الخ".

أقول: أولاً: لم يبيِّن الراوي من هو المقصود من«العَمْري» فإن قصد نائب صاحب الزمان فإن ما يذكره يصب في حانوت نيابته [ أي فلا تقبل شهادته فيه]. ثانياً: هناك كثير من الشبان ذوي الوجه الحسن فمن أين لنا أن نعلم أن الذي رآه الزهري – حسب الخبر المذكور – هو المهدي؟؟ ثالثاً: قوله ملعون من أخَّر العشاء خطأ، لأن الوارد عن رسول الله ص ملعون من أَخَّرَ المغرِبَ حتى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ[358] أي يجب أن تؤدى صلاة المغرب في أول وقتها، أما بالنسبة إلى صلاة العشاء فالمستحب - في رأي بعض الفقهاء على الأقل - تأخيرها ويستند هؤلاء إلى ما روي عن رسول الله ص من قوله: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ" وفي رواية أخرى "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"[359].

* الخبر 14: [يرويه الشيخ الطوسي أيضاً في كتابه «الغيبة»] راويه: «أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ» الذي لا اعتداد بروايته، عن عدد من المجهولين الذين ربما يكون أحمدُ الرَّازِيُّ قد اخترع أسماءهم من عند نفسه، ليروي قصَّةً كاذبةً على لسان «أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيِّ» يقول فيها: "... فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ سَاجِدٍ رَافِعٌ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّمَاء"!

ونسأل: ألا تكون راحتا اليدين على الأرض أثناء السجود فكيف كانت إحدى يدي أو إصبع المهدي تُشير إلى السماء أثناء سجوده؟! إن رائحة الكذب تفوح من جميع أنحاء هذه القصة!! ولكن ما الضرر في ذلك ما دامت تصبُّ في مصلحة «الحسين بن رَوْح» الذي كان من أقرباء «أَبِي سَهْلٍ النَّوْبَخْتِيِّ».

* 62الخبر 14 مُكرَّر: جاء هذا الحديث في «بحار الأنوار» تحت رقم 14 خطأً! [ويرويه الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة»]. راويه «أَحْمَدِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّازِيِّ» المغالي ذاته، عن أحد مُدَّعي النيابة ويُدعى «أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الأسَدِيِّ العربي» الذي يقصُّ علينا حكايةً. ولقد أورد المَجْلِسِيّ هذه القصة أيضاً في المجلد 91 من البحار، الصفحة 81 فما بعد. وراويها سواءً كان الغساني أم الأصفهاني، راوٍ مجهول ولا اعتبار لما يُروَى عنه. وللاطِّلاع على هذه القصة ونقدها راجعوا التنقيح الثاني لكتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (ص 61 - 62).

وسنذكر أحاديث هذا الباب تحت الأرقام ذاتها التي ذكرها المَجْلِسِيّ في البحار وهذه الأرقام أقل بعدد واحد من أرقام أحاديث هذا الباب:

* الخبر 15- [يرويه الشيخ الطوسي في كتابه «الأمالي»‏] راويه «أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَهَّامُ» عن مهمل يُدعى «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُطَّةَ» الذي يحكي لنا قصة غير مترابطة لا يُعرف أولها من آخرها ولا يُعلم ماذا يريد أن يقول صاحبُها!! واأسفاه على العمر الذي يُنفق على مثل هذه الأباطيل!

* الخبر 16- [يرويه الشيخ الصدوق في كتابه «كمال الدين»‏] راويه «عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْوَرَّاقُ» المهمل والمُتفرّد وحده بنقل هذه الرواية التي يرويها عَنْ «سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ» قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْخَلَفِ بَعْدَهُ ............. إلى أن يصل إلى قوله أنه رأى المهدي وحده!

أولاً: كان هذا الراوي نفسه يدَّعي النيابة، وَمِنْ ثَمَّ فإن ادِّعاء المُدَّعي لأمر يصبُّ في مصلحته لا يُسمع منه. ثانياً: في خبر «سعد بن عبد الله» (البحار، ج 52، ص 87) قيل: إن «أحمد بن إسحاق» تُوفي قبل وفاة حضرة العسكري (ع) في منطقة تقع على بعد ثلاثة فراسخ من بلدة «حلوان» الواقعة في ولاية «كرمانشاهان» ودُفن هناك!! لاحظوا كيف لا يتورَّع الكذَّابون عن رواية القصص المتعارضة التي يناقض أحدها الآخر.

* الأخبار 17 و24 و29: الطريف أن «مُظَفَّر العلوي» يروي عن «ابن العيَّاشي» المجهول عن «أبيه» وهو عن «آدم بن محمد البلخي» المهمل عن «علي بن الحسين (الحسن) بن هارون» عن مهمل باسم «جعفر بن محمد بن عبد الله بن القاسم» عن مجهول باسم «يعقوب بن منفوس (منقوش)» قال: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ العسكريِّ (ع) وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَى دُكَّانٍ فِي الدَّارِ وَعَنْ يَمِينِهِ بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُسْبَلٌ فَقُلْتُ لَهُ: سَيِّدِي! مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ: ارْفَعِ السِّتْرَ فَرَفَعْتُهُ فَخَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ خُمَاسِيٌّ لَهُ عَشْرٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَاضِحُ الْجَبِينِ أَبْيَضُ الْوَجْهِ دُرِّيُّ الْمُقْلَتَيْنِ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ مَعْطُوفُ الرُّكْبَتَيْنِ فِي خَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٌ وَفِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)! فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ، ثُمَّ وَثَبَ فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ ادْخُلْ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ! فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا يَعْقُوبُ انْظُرْ مَنْ فِي الْبَيْتِ فَدَخَلْتُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً.

يَتَبَـيَّنُ إذن أن مهدي هؤلاء الكذابين يتلاشى ويُصبح غير مرئيٍّ! مع أن النبيّ ص وعلياً (ع) لم يكونا يغيبان ويتلاشيان عن الأنظار! والأعجب من ذلك أن «مُظَفَّر العلويَّ» -وليتَ كان لديه قليلاً من العقل يمنعه من حكاية مثل هذه القصة- كان نفسه مُدَّعياً للنيابة والسفارة وَمِنْ ثَمَّ فمن الطبيعي أن يكون السفيرُ على صلةٍ بالمهدي وارتباط به وأن يكون قد رآه من قبل لا أن يُخبر عن وجود المهدي عبر عدة وسائط من أسماء أشخاص مجهولين ومهملين!! ولا شك أنه كان أحمق للغاية لأنه روى أن المهدي كان يتكلم في الليلة الثانية لولادته!! (الحديث 24). وإذا سألنا كيف يُمكن لطفل رضيع ذي يومين من العمر أن يتكلم؟! فمن المؤكد أنه سيُجيبنا قائلاً: كما تكلَّم حضرة عيسى (ع) في المهد. وبالطبع لا ينبغي أن ننتظر منه أن يفهم أن عيسى (ع) كان نبيَّاً والمهديُّ لم يكن نبيَّاً، وقياس النبيّ على غير النبيّ خطأ ولا يصح. ثانياً: من حيث المبدأ وكما أكَّدنا مراراً لا يُمكن أن ننسب معجزات نبيّ من الأنبياء إلى غيره إلا بدليل. وقد اعتُبِر الراوي «عبد الله السوري» من الأشخاص الذين رأوا «المهدي» مع أن اسمه لم يُذكر في الحديث 26.

‏ الخبر 18- يقول شخص مجهول يُكنَّى بـ «أبي هارون»: "رَأَيْتُ صَاحِبَ الزَّمَانِ (ع) وَ وَجْهُهُ يُضِي‏ءُ كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَرَأَيْتُ عَلَى سُرَّتِهِ شَعْراً يَجْرِي كَالْخَطِّ وَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ فَوَجَدْتُهُ مَخْتُوناً". (وهل كان يشك في ختان الإمام حتى أراد أن يرى ذلك بأم عينه؟!) وينبغي أن نسأل المَجْلِسِيّ وأمثاله: ما الذي يُثبته قول شخص لا يُعرف اسمه ولا صفته؟

* الخبر 19- يرويه «مَاجِيلَوَيْهِ» -ضعيف العقل- عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ جَعْفَرٍ الْفَزَارِيِّ -الضعيف الذي كان يضع الحديث - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ وَ«مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» [وهو النائب الثاني] قَالُوا عَرَضَ عَلَيْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ [العسكري] (ع) ابْنَهُ وَنَحْنُ فِي مَنْزِلِهِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَقَالَ: هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ أَطِيعُوا وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا! قَالُوا: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَمَا مَضَتْ إِلَّا أَيَّامٌ قَلَائِلُ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (ع)".

هذا في حين أنهم يقولون في رواياتهم: لا يجوز التلفظ حتى باسم الإمام وكانوا يسعون في إخفاء ولادته، ورغم ذلك جاء في هذا الحديث أنهم أروه لأربعين شخصاً، مع أن مثل هذا العدد من الأشخاص في القرن الثالث الهجري ليس بالعدد القليل خاصةً في مدينة [صغيرة] مثل سامراء. ثم إن كلا «العَمْريين» كان يدَّعي النيابة والسفارة وهذا يستلزم رؤية المُوَكِّل وأخذ التوقيع منه، وقد ادّعى هذا «العَمْري» ذاته في روايات أخرى أنه رأى الإمام خارج منزل حضرة العسكري (ع) في مكة! كما ادَّعى آخرون أيضاً أنهم رأوا المهدي في مناسبات أخرى! (كالحديث 25).

* الخبر 26- حقَّاً إنَّ كاتب هذه السطور محتارٌ من عقل الشيخ الصدوق الذي ذكر هو نفسه في كتابه «كمال الدين» أنهم أظهروا المهدي إلى أربعين شخصاً وقالوا: لن تروه بعد اليوم (الحديث 19 من هذا الباب ذاته) ثم روى هو نفسه هذا الحديث ونقله عن «محمد الكوفي» الذي كان يؤمن بالجبر والتشبيه وينقل عن الضعفاء[360] أن 65 شخصاً رأوا المهدي!!

من البديهي أنه لا يُمكن القول: إن 25 شخصاً كانوا قد رأوا المهدي الموهوم قبل الجلسة التي رآه فيها أربعون شخصاً لأن كثيراً من الـ 25 شخصاً هؤلاء يدَّعون رؤية المهدي بعد حضرة العسكري (ع)! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). والأكثر طرافة في هذا الخبر أن اسمَيْ النائبين الثالث والرابع لم يُذكرا فيه!

* الخبر 27- راجعوا الصفحة 273 من الكتاب الحاضر.

* 63الخبران 28 و 32- قال المُحقق الفاضل لكتاب البحار عن الحديث 28 هذا: "ولا يخفى أن الحديث شاذٌّ جداً تُشْبِهُ ألفاظُهُ مخائلَ المصنفين القصَّاصين ومقامات الحريري وأضرابه"!! يدل هذان الحديثان على أنه كان للمهدي أخٌ غائبٌ أيضاً باسم «موسى»!! وبالنسبة إلى الحديث الأخير راجعوا ما ذكره المحقق المحترم لكتاب البحار في حواشيه على الصفحة 42 و 43 للمجلد 51 من «بحار الأنوار».

إلى هنا بيَّنا عدداً من الـ 55 قصة المذكورة في هذا الباب ولو أردنا أن نأتي ببقية أخبار هذا الباب كلِّها لأصبح الكتاب كتاباً مُفصَّلاً جداً، والأهم من ذلك تضييع الأوقات والعُمْر وذلك لأننا لا نجد في تلك الأحاديث حتى حديثاً واحداً خالياً من الخلل أو العيب!!!

إن قصص هذا الباب تُشبه حكايات الجدَّات التي يحكونها لتنويم الأطفال بل بعضها أكثر إضحاكاً من تلك الحكايات!! في هذه القصص يَعْبُرُ «المهديُّ» الأبواب المغلقة ويغيب ويختفي عن النظر فجأة، ويُحَوِّل الحصى إلى ذهب ويشفي المريض ويملك في منطقة «صابر» في المدينة قصراً[361]!! وفي القصة رقم 55 يُعيد السن المكسور والواقع على الأرض إلى حالته السابقة! ويُصيب بالعمى امرأة سُنِّيَّةً ثم يُعيد إليها بصرها! يَشْفي مُصاباً بالشلل ويبرئُ ضريراً. يقطع في غزة في فلسطين رأس شخص كان يُدافع عن معاوية! ويمسح بيده على رأس مجروح جَرَحَهُ أحد أنصار علي فيشفيه! ويُعطي إناء من الماء لعدة عطشى فلا ينتهي الماء من الإناء مهما شربوا!! و.......الخ. ونقول:

أولاً: لقد روى أتباع الفرق الباطلة لاسيما الصوفية بل حتى غير المسلمين من أتباع الديانات الأخرى ما يُشبه هذه المعجزات والكرامات والخوارق العجيبة عن أئمتهم ومشايخهم ورهبانهم وهي لا تقل إعجازاً عن القصص المروية عن المهدي الوهمي. فلماذا نُصدّق قصص المهدي ونُكذِّب قصص أولئك؟[362]

ثانياً: إن من له علم بالقرآن وسيرة النبيّ ص لا يُمكنه أن يُصدّق هذه القصص. فخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يقول: ﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ ٨٠ [الشعراء : ٨٠] ولم يقل: إني أشفي نفسي. ولما هاجر رسول الله ص إلى المدينة مرض عدد من الصحابة وأُصيبوا بالحُمّى، وكُسرت رُباعيته ص في معركة «أُحد» وجُرحت شفته وأُصيب عاتقه المبارك بضربة كان يتألم منها حتى سنة، ولكن النبيّ ص لم يُعد رباعيته إلى مكانها وحالتها الأولى كما لم يشفِ مرضى الصحابة بمسح يده عليهم. ولم يشفِ جرحى بدر وأُحد بمسح يده. (فتأمَّل). وأُصيب الإمام زين العابدين (ع) يوم عاشوراء بالحُمّى ولم يشفه أبوه من ذلك. وابتُلي حضرة الرضا (ع) بانسداد الأمعاء أو على حسب قولكم أكل العنب أو الرمان المسموم ولم يشفِ نفسه! وهكذا......

ثالثاً: يقول رسول الله ص في ما رُوي عنه من أدعية ومنها دعاء «الجوشن الكبير»: «لا يشفِي المرضى إلا هو». ويصف القرآن الكريم المشركين بأنهم إذا أُحيط بهم ومسَّهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين أو إذا كانوا في البحر وهبَّت عاصفة وخشوا من الغرق والهلاك دعوا الله مخلصين له الدين قائلين: لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ، أي إذا هم يعتبرون أن لغير الله يداً أيضاً في نجاتهم! (الأنعام: 63 و 64، الإسراء: 66 و 76، العنكبوت: 65). يَتَبَـيَّنُ إذن أنهم عندما يكونون في البر أيضاً أو في مكان آمن، ثم يَـحِلُّ بِهِم مِنَ الخَطَر ما حلّ بهم في البحر، يُصبحون مُوحِّدين وإلا فلا. ولو أردنا أن نأتي بجميع آيات القرآن المُتعلّقة بهذا الموضوع وأن نشرح مسألة الإذن الإلهي العام وإذنه الخاص لطال بنا الكلام ولأدّى ذلك إلى تكرار ما ذكرناه في كتبنا الأخرى[363].

[352] راجعوا كتابنا «عرض أخبار الأصول .....» للاطِّلاع على ما ذكرناه بشأن هذه الأحاديث. [353] من المعروف أن تيه بني إسرائيل في الصحراء دام حوالي أربعين سنة. [354] اعتبر المجلسي في كتابه «مرآة العقول» الحديث 5 من الباب 182 مجهولاً. والمجهول قسم من أقسام الحديث غير المعتبر. راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 852. [355] بحار الأنوار، طبع بيروت، ج 52، ص 33. (المُتَرْجِمُ) [356] الحديث المرفوع عند علماء الحديث الإمامية هو الذي لم يكن راويه معاصراً للنبيّ أو الأئمة وَمِنْ ثَمَّ فلا يمكن أن يروي مباشرة عنهم، ومع ذلك روى عنهم مباشرةً ولم تُذكر الواسطة بين هذا الراوي وبين من روى عنهم في سند الحديث. ومثل هذا يُسمّى لدى علماء الحديث من أهل السنة بالحديث المرسل. وهو بشكل عام حديث ضعيف لا يُعْتَمَدُ عليه. (المُتَرْجِمُ) [357] إلى حد أنهم اضطروا كعادتهم إلى الاستفادة من الذريعة الشائعة جداً وهي: «اشتباه النُّسَّاخ وخطؤهم». [358] الحديث رواه الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» [1: 220] عن الإمام الصادق (ع) قال: "مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ طَلَباً لِفَضْلِهَا فقِيلَ لَهُ إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يُؤَخِّرُونَ الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ فَقَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ عَدُوِّ اللهِ أَبِي الْخَطَّابِ". [359] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 3، ص 146. [360] للتعرُّف على أحواله راجعوا كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات]، الصفحة 98، وكتاب «معرفة الحديث»، ص 96. [361] من جهة يقولون: إنه غاب عن الأنظار خوفاً من القتل أو يقولون في القصة السادسة من هذا الباب: إنه لا يُقيم سوى في الجبال وفي الفيافي والبيادي. ومن الجهة الأخرى يقولون: إن لديه قصراً في «صابر»؟ فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يهجم عمال الخليفة على ذلك المكان المشار إليه ليعتقلوه؟! [362] من الضروري في هذ المجال مراجعة كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 261 فما بعد. [363] يُراجع في ذلك التنقيح الثاني لكتاب المؤلِّف أي المرحوم البرقعي: «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، فصل «توحيد العبادة». (المُتَرْجِمُ)