20 - باب ما ظهر من معجزاته صلوات الله عليه وفيه بعض أحواله وأحوال سفرائه
أولاً: ينبغي أن نعلم أن من عادة أهل كل مذهب أو فرقة -ومن جملتهم الصوفية- أن ينسبوا المعجزات (أو بالأحرى الكرامات وخوارق العادات)[268] لأئمتهم وعظمائهم.
كما أننا نُشاهد مثل هذه الأخبار في كتب اليهود والنصارى. ولو رجعنا إلى كتاب «تذكرة الأولياء» لعطار النيشابوري[269] مثلاً أو كتاب «نفحات الأنس» للجامي[270] وأمثالهما لرأينا فيها أنواع المسائل العجيبة والغريبة المنسوبة للمرشدين ومشايخ الطرق الصوفية. ولا يُعاني أيّ مذهبٍ من أيّ نقص في هذا الأمر!! وَمِنْ ثَمَّ فذكر المعجزات التي ليس لها سند موثوق وقطعي لا يصلح دليلاً على أحقيّة مذهبٍ أو مسلكٍ ما.
ثانياً: يُبيِّن القرآن الكريم لنا أن المعجزات ليست من صنع الأنبياء بل نُسبت إليهم مجازاً. وقد تكلمنا حول هذا الموضوع بما يلزم في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 130 إلى 148) و «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (الصفحات 134 إلى 148 و188 إلى 193 و250 إلى 258 و 317 إلى 318 و320 إلى 343) و «طريق النجاة من شر الغلاة» الفصل الأول إلى الرابع (ص 97 إلى 186) ولا داعي لتكرار الكلام هنا. ولكن من الضروري مطالعة الكتب المذكورة قبل قراءة هذا الباب.
ثالثاً: كلما كانت المنافع والإيرادات المالية الآتية من مذهبٍ أو بدعةٍ أكثر، زاد أربابه في تلفيق واختراع المعجزات والكرامات لأئمته، وقام بائعو الخرافات باختراع ما أمكنهم من المعجزات والكرامات وخوارق العادات لترويج تجارتهم!! كما نجد نماذج لذلك في كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات] (ص 97 إلى 186) كما ذكرنا بعض المطالب حول هذا الموضوع في كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن».
رابعاً: لقد كرَّر الله تعالى نفي علم الغيب عن رسوله ص في القرآن الكريم وأمره أن يقول: ﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ﴾فكيف يمكن لإمامٍ لا يوحى إليه أن يعلم الغيب في كل لحظة ويُخبر عن الأموال وعن كميتها وأصحابها!! ولماذا لم يكن رسول الله ص يفعل ذلك، ولم يكن يُخبر الناس عن مقادير وكيفية الأموال الشرعية كأموال الزكاة وغيرها التي كانت تأتي إليه، ولا يخبر الناس عن أصحابها؟! إن من دواعي الأسف والعجب أن يُسوِّغ أتباع المذاهب لأنفسهم رفع أئمة مذهبهم فوق مقام نبي الله ص واختراعهم لأئمتهم معجزات (أو لِنَقُلْ كرامات) أكثر مما كان له ص!!
لو قرأتم المعجزات التي ذكرها المَجْلِسِيّ في هذا الباب لرأيتم أن أكثرها يتعلق بالأموال الشرعية التي كان الناس يُحضرونها للإمام ونوَّابه، وكان الإمام أو نائبه أو مُمثِّله يُخبر الناس عن ماهيّة تلك الأموال ومقاديرها وأسماء أصحابها!! أو كانوا يقولون لمن يأتيهم بالأموال مثلاً: إن حقنا كان أكثر من ذلك!!
وإذا صحّت هذه الأخبار فهذا يعني أنهم كانوا يتعاملون مع الجن وأن الجن والشياطين كانوا يأتونهم بهذه الأخبار، وفي نظرنا أن الأئمة الكرام كانوا أجل شأناً من القيام بمثل هذه الأعمال. وعلى كل حال، لقد قيل الكثير من الأكاذيب حول أموال الدنيا وسيُقال مثل ذلك في المستقبل! راجعوا هنا أيضاً كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» وقارنوا ما ذُكر هناك بأحاديث هذا الباب.
خامساً: إن أكثرية ناقلي هذه المعجزات أشخاصٌ مجهولو الحال وضعفاء أو أصحاب مصلحة في رواية مثل هذه الأخبار، وبالطبع لا يُوثق بأقوالهم ولا يُسمع لحديثهم! لقد نسبوا لكل مرشد أو سفير أو نائبٍ للمهدي معجزات لم يُروَ عشرها عن رسول الله ص، فكيف يُمكننا أن نُصدِّق أن أصحاب تلك الفرق كانوا أعلى مقاماً وأرفع من رسول الله ص؟!
وسنقوم فيما يلي بتمحيص أحاديث هذا الباب ونترك الحكم عليها للقراء المحترمين:
* الخبر 1: يروي الشيخ الطوسي عن «جَمَاعَة مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا» لا نعرف أسماءهم ولا أوصافهم (؟!) عن أخ الشيخ الصدوق حديثاً يدل على علم الإمام بالغيب! (راجعوا تعليقنا على الخبر الثالث الآتي بعد قليل).
تذكيرٌ مُهِمٌّ: كما سنُلاحظ، تطفح أخبار هذا الباب بنسبة علم الغيب إلى «الناحية» وإخبار الناحية عن زمن وفاة فلان أو علان، أو عن نية بعض الناس القلبية وما يُضمرونه في صدورهم أو الإخبار عن محتويات الأمتعة التي يأتي بها الناس معهم، ولكن الأمر العجيب للغاية أن هذه «الناحية» كانت تتعامل مدّة طويلة مع أشخاص من أمثال «الشلمغاني» -الذي كان مُعتمداً مدّة طويلة مِنْ قِبَلِ «الحسين بن روح النوبختي» ومعاوناً له، أو مثل «أحمد بن هلال العبرتائي» و«أبو بكر البغدادي»- ابن أخ محمد بن عثمان (النائب الثاني)- و «محمد بن علي بن بلال» وتتعاون معهم، ولم يكن لدى الناحية أو نُوَّابها معرفة بمستقبل أولئك الأفراد أو نيّاتهم الحقيقية وقد اضطر أحد أهالي تلك «الناحية المُخترعة» إلى كتابة رسالة لعن كي يتخلص من إزعاجهم ومُضايقتهم!! (فَتَأَمَّل جداً).
* الخبر 2: هذا الحديث يدل أيضاً على علم الإمام بالغيب، وراويه رجل خبيث وعديم الدين وطالب جاه[271] وهو «أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني»[272] 41المشهور بـ «ابن أبي عزاقر» وهو من أعوان «أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ النَّوْبَخْتِيّ» ومن مرتبته، وكان يتعاون معه ولما كان «ابن رَوْحٍ»42 يعيش مُتخفياً، نصب الشلمغانيَّ نائباً له وسفيرَه، وكان توقيعات «الناحية» تصدر مِنْ قِبَلِ «الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ» على يد «الشلمغاني»، والناس يرجعون إليه! كان الشلمغاني أحد كُتَّاب بغداد وأحد مؤلفي الشيعة الإمامية وعلمائهم وكان يتمتع بمقام جليل لدى الطائفة الإمامية قبل أن يقوم بتأسيس مذهب جديد وينحرف عن اتِّباع «الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ»، وكان الإمامية يرجعون إلى مؤلفاته ويستفيدون منها إلى حدّ أن «الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ» في اليوم ذاته الذي تولّى فيه مقام «أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» بشكلٍ رسميٍّ ذهب برفقة جماعة من وجوه الشيعة –بعد أن أدَّى الطقوس والآداب الرسمية لاستلامه منصب «الْعَمْرِيِّ»- إلى منزل الشلمغاني (كتاب خاندان نوبختي، ص 222)، إلى أن وقع خلافٌ بين هذين الشخصين وقام الشلمغاني بدعوة «الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ» إلى المُباهلة فلم يقبل الأخير ذلك لأنه كان يخشى أن تُطرح في جلسة المُباهلة أمورٌ تجعل العوام يُسيئون الظن به أو يستيقظون من غفلتهم، ومن الواضح أنه لم يكن هناك عاقل بينهم يسأل قائلاً: نحن لم نُشاهد المهدي من قبل ولا رأينا خطّ يده كي نعرض عليه ما تأتينا به بوصفه صادراً عنه ونُقارنه به كي نتأكد من صحة انتساب هذا التوقيع إلى المهدي فعلاً، وليس لدينا من دليل على ما تقوله إلا ادِّعاؤك فقط! وأنتما [أي الحسين بن رَوْح والشلمغاني] كنتما رفيقين مُتعاونين فيما سبق وكنتَ يا «ابْنَ رَوْحٍ» تعتبر الشلمغاني شخصاً جليلاً ومحترماً وكانت توقيعاتك تصلنا عن طريقه، فكيف نقبل الآن رسالة اللعن هذه التي لم يكن لها وجود قبل أن يقع بينكم الاختلاف، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المهدي –حسب قولكم- يعلم الغيب وَمِنْ ثَمَّ فإنه كان يعلم أنه لم يكن للشلمغاني قصد شريف وأنه سينحرف في المستقبل؟ لاسيما أن هذه الدعوى يترتب عليها مسألة مهمة جداً وهي مسألة أخذ الأموال والحقوق الشرعية!! [273]
وعندما يئس الشلمغاني من النيابة أدخل في عقائده أموراً من الغُلوّ مثل مسألة الحلول والتناسخ وادَّعى أن روح القُدس قد حلّ فيه وألف كتباً في ردّ المذاهب وصار له أتباع ولكنه اعتُقل في نهاية المطاف وأُعدم. ولما كان لابن رَوْحٍ ارتباط بالسلطة في بغداد قال: إن كل من تقدّم نحو المُباهلة قبل الآخر اعتُبر عدواً للإمام! وهنا أيضاً لم يسأل أحد: لماذا تمّ إعدام الشلمغاني وصديقه «ابن أبي عون» بعد مدّة من الزمن؟ إن هذا يُظهر أن «ابْنَ رَوْحٍ» كان على علم بالتغييرات السياسية وكان يعلم أن الحكومة تنوي اعتقال الشلمغاني، ومن يدري ربما كان لابْنِ رَوْحٍ وأصدقائه دور في تحريض الحكومة على توقيفه!
ومن المهم أن ننتبه إلى أن «ابْنَ رَوْحٍ» لم يُرسل التوقيع إلى «أبي علي بن هَمَّام الإسكافي» ضدّ الشلمغاني إلا عندما أصبح الأخير في قبضة بلاط الخليفة وسجنه!![274] وينبغي أن نعلم أن الشلمغاني حُبس مدّةً من الزمن بسبب المُطالبات المالية التي كان يُطالبه بها ديوان الحكومة (كما نُلاحظ مرّة ثانية نجد مسألة المال في هذا الأمر!)، ولكن لما كان لابن رَوْح نفوذ كبير، وكان لطائفة النوبختيين مقام رفيع لدى الدولة العباسية، لم يُلقوا به بسبب هذه الاختلافات المالية في السجن، بل احتفظوا به في البلاط الملكي[275] فكيف يُمكن له عندما كان محبوساً في بيت الخليفة أن يتّصل بإمام الزمان ويأخذ منه توقيعاً؟! لعلّ الكذابين والضعفاء وحدهم يعلمون الجواب!!!
نعم، لقد كان «ابنُ رَوْح» ماهراً جداً في إبعاد منافسيه من طريقه أو التصالح معهم وترويضهم، وكان يتوصل إلى أهدافه غالباً من خلال إبراز تواقيع تُنسب إلى إمام الزمان! 43ومن جملة ذلك أنه تخلَّص من إزعاج ومُنافسة «أحمد بن هلال»[276] -الذي كان يدَّعي منصب «محمد بن عثمان» (أحد نُوّاب المهدي)- ومن «البلالي» -الذي كان يُقدِّم نفسه على أنه وكيل المهدي- ومن «حسن الشريعي»[277]! كما تخلَّص بمُساعدة أحد أقربائه الذي يُدعى «أبو سهل النوبختي» من شرّ «الحلاج».
كان «ابن رَوْح» رجلاً سياسياً مُحنَّكاً ومُتَلَوِّناً ودبلوماسياً و وصفه الشيخ عبّاس القمي (منتهى الآمال، ج 2، ص 507) بقوله: "كان رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق. وكان يستعمل التقيَّة في بغداد. وبلغ من حسن سلوكه مع المخالفين أن كلّاً من المذاهب الأربعة كان يدَّعي أنه منه"[278]. (فتأمَّل جداً) [279]. ولنفرض جدلاً أن «ابن رَوْح» كان يُمارس التقيّة فإن هذا لا يَضْطَّرُّهُ إلى التظاهر بانتمائه إلى كل واحدٍ من المذاهب الأربعة[280] بل كان يكفيه لإبعاد الخطر عن نفسه أن يتظاهر بانتمائه إلى أحد تلك المذاهب (كالمذهب الشافعي مثلاً). (فتأمَّل جداً).
نعم، كان «ابن رَوْح» رجلاً معسول اللسان[281] وكان انتهازيَّاً يدور مع المصلحة حيث تدور، ويَعرِفُ من أين تُؤْكَل الكَتِف -كما يُقال -، وكان أكثر ذكاءً من النُّوَّاب الثلاثة الآخرين وأكثر خداعاً للعوام منهم، ولهذا السبب استطاع أن يختصّ النيابة لنفسه من بين وكلاء (النائب الثاني) العشرة الآخرين في بغداد، رغم أنهم كانوا جميعاً أكثر قرباً منه من جناب النائب الثاني «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» وأوثق صلةً، ومع ذلك استطاع «ابن رَوْح» أن يزيحهم من طريقه أو يسكتهم وينال النيابة! [282] وكان يُعرّف بنفسه من جهة على أنه وكيل المهدي ونائبه، ومن الجهة الأخرى كان يأكل الفالوذة مع وزراء الدولة العباسية وكبار المسؤولين فيها ويختلط بهم ويُعاشرهم[283] ولم يكونوا يجهلون وجهه الآخر بل يرونَ أن مكانته لدى عوام الشيعة تصبُّ في صالحهم، كما نجد أن الخليفة العباسي «الراضي بالله» كان يقول[284]: "... والله لوددت أن مثله [أي الحسين بن رَوح] ألفاً تحمل الإمامية أموالها إليه فيفقرهم الله، ولا أكره غِنَى هؤلاء من أموالهم." [285] (كتاب «خاندان نوبختى» [الأُسْرَةُ النَّوْبَخْتِيَّة]، ص 220).
وقد أعلن في مجلس أعيان وأكابر الحكومة العباسية أفضلية الخلفاء الراشدين طبقاً لترتيب خلافتهم! (بحار الأنوار، ج 51، ص 356). وقد أدَّى هذا الكلام إلى ضحك أحد الحاضرين الذي كان يعرف الوجه الآخر لابن رَوْح فقال خارج المجلس للنائب: "يا سيدي! رجل يرى بأنه صاحب الإمام، ووكيله يقول ذلك القول لا يُتعجَّب منه؟!"، لكن «ابن رَوْح» لم يُعطه أيّ إجابة مُقنعة!!
من الواضح أنه لا يُمكن أن نحمل عمله هذا على التقيّة لأنه في المجلس ذاته اعتبر شخصٌ عليّاً÷ أفضل من عمر ولم يُواجه أيّ خطر. كما لم يكن «ابن رَوْح» مجبوراً على كل هذه المخالفة لعقائده إذ كان يُمكنه لزوم الصمت أو إظهار الحيرة كأن يقول مثلاً في المجلس الذي اعتبر فيه أحد الأشخاص أن عليّاً أفضل من سائر الخلفاء في حين اعتبر آخرون أبا بكر وعمر الأفضل، إن الله تعالى يقول: ﴿تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسَۡٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٣٤﴾ [البقرة: ١٣٤] فلسنا مُكلّفين بأن نحكم بشأنهم؟! أو كان يستطيع أن يترك المجلس عدّة دقائق بحُجّة من الحُجج –كالوضوء ونحوه- ونحو ذلك من المهارب.
ولما سمع «ابنُ رَوْح» أحدَ خُدَّامه (بوَّابه) يشتم معاوية طرده، ومهما أصرّ عليه البوَّاب المسكين كي يُعيده إلى العمل لم يقبل رجاءه!! في حين أنه كان باستطاعته أن يُنبِّهه إلى ضرورة الكفِّ عن مثل ذلك التصرُّف أو كان بإمكانه أن يصبر إلى أن يقع قيلٌ وقال بشأن بوابه عندئذ يتّخذ قراره ويقول: الآن عرفت أنه يقول كذا ويشتم معاوية، لذا سأطرده من العمل.
والخلاصة كيف يُمكننا أن نثق بأخبار أمثال هؤلاء الأشخاص ونعتمد على أقوالهم؟! ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسُۡٔولٗا ٣٦﴾ [الإسراء: ٣٦].
44تذكيرٌ: تأمل أيها القارئ المحترم في هذه المسألة ولاحظ أنه لو لم يُدافع علماؤنا عن أفراد مثل «أَبِي الْقَاسِمِ الـْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ النَّوْبَخْتِيِّ»[286] ولم يُثنوا عليهم ولم يُبرّروا أعمالهم المشكوكة لانهدم البناء الواهن الذي بنوه بأنواع المُغالطات والاحتمالات التي لم تثبت وبالتلاعب بآيات القرآن والأحاديث التي لا اعتبار لها التي يسوقونها لإثبات وجود المهدي!! ولذلك ليس لديهم مندوحة سوى الاستفادة من الذين استغلّوا عوام الناس تحت لافتة الوكالة المُدَّعاة والنيابة والسفارة للإمام الغائب[287]، وأن يُبجِّلوا ويُجلّوا عدّة أشخاص كي لا تنقطع الشعرة التي تربطهم بالمهدي الموهوم! (فتأمَّل جداً).
* الخبر 3: ادَّعت «حكيمة» -التي لم ترَ المهدي[288]- خرافةً وقالت: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً مِنْ وِلَادَةِ نَرْجِسَ فَإِذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ الزَّمَانِ يَمْشِي فِي الدَّارِ! فَلَمْ أَرَ لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ! فَتَبَسَّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) فَقَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الأئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي يَوْمٍ كَمَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي سَنَةٍ..." [289] (يعني أن المهدي الذي كان عمره أربعين يوماً كان كالذي عمره أربعين سنة؟!!).
أقول: ولكن القرآن يردُّ مثل هذا الادِّعاء إذ يقول إن الأنبياء بشرٌ كسائر البشر [لا يختلفون عنهم إلا بالوحي]: ﴿إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ [إبراهيم: ١١]. ثم كيف لم يكبر النبيّ الأكرمص والإمام علي والحسنين وحتى حضرة العسكري ÷ عاماً كل يوم وكَبُرَ المهدي كذلك؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
نعم، لقد لفَّقوا كل ما أمكنهم من كلام مخالف للقرآن ولسيرة النبي ص وسنّته وللعقل. فمثلاً لم يكن رسول الله ص يعلم بما كان وما يكون ولذلك لما جاء إليه جماعة من قبيلة «عضل» و«القارة» في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة وطلبوا منه أن يُرسل معهم جماعة من أصحابه ليدعوا قبائلهم إلى الإسلام ويُعلّموهم أحكام الدين، استجاب النبي ص لطلبهم وأرسل معهم جماعة من أصحابه. وكذلك لما جاء «أبو البراء عامر بن مالك» زعيم قبيلة بني عامر إلى النبيِّ ص وطلب منه أن يُرسل جماعةً من أصحابه إلى أهل «نجد» وقال: أنا أحميهم وأمنع عنهم، فأرسل النبي الأكرم ص جماعة من علماء الصحابة وقُراء القرآن -وكانوا حوالي أربعين رجلاً- معه لكن كلا المجموعتين من الصحابة الدعاة تعرّضوا للحصار وللغدر وقُتلوا، واستُشهد أفراد المجموعة الأولى في منطقة «الرجيع» واستُشهد أفراد المجموعة الثانية في منطقة «بئر معونة». وقال أنس: لم أرَ رسول الله ص حزن و وَجَدَ وَجْدَاً شديداً على مصيبة وقعت به كما حزن و وجدَ لتلك الحادثتين وظلّ قَرابة شهرٍ يدعو باللعن على أولئك الغادرين.
لاحظوا كيف أن رسول الله ص لم يكن له علم بالغيب ولا بحوادث المستقبل، ولكن جاء في الخبر الأول في هذا الباب قول «الحسين بن رَوْح» عن قول الإمام الموهوم لعلي بن بابويه لما استأذنه فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ: "لَا تَخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ! فَأَعَادَ وَقَالَ: هُوَ نَذْرٌ وَاجِبٌ أَفَيَجُوزُ لِيَ الْقُعُودُ عَنْهُ؟ فَخَرَجَ فِي الْجَوَابِ: إِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَكُنْ فِي الْقَافِلَةِ الأخِيرَةِ. وَكَانَ فِي الْقَافِلَةِ الأخِيرَةِ فَسَلِمَ بِنَفْسِهِ وَقُتِلَ مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَافِلِ الأُخَرِ"!! [وتعرَّضت إلى السلب والنهب بالطبع]!! نعم! الرسول الأكرم ص الذي كان جبريل ينزل عليه لم يكن يعلم الغيب، ولكن هؤلاء يعلمون الغيب!!! فهل علينا أن نقبل القرآن وسيرة النبيّ ص أم نقبل ادّعاء أمثال أولئك الأفراد؟!
في رأينا –كما يعرف من لهم علم بالتاريخ- كان هناك ارتباط سرّي بين عدد من القراصنة في القرنين 16 و17 الميلاديين وبين ملك إنجلترا، ووجود علاقة بين بعض قُطّاع الطرق واللصوص وبين بعض رجال السلطة وأصحاب النفوذ أمر وارد ومحتمل، ولما كان «ابن رَوْح» على صلة ببلاط الدولة العباسية ونتيجة لذلك كان على علم بالأخبار التي تتم وراء الكواليس فكان يستفيد من مقامه هذا ويُخبر أحد أتباعه البُسطاء السُّذج عن تلك الأمور كي يظنها معجزة له (أو كرامة) فيجعله وكيلاً له!! إن الصلة الوثيقة بين «الحسين بن رَوْح» وبلاط الدولة العباسية يُمكن ملاحظتها بوضوح في الخبر 9 في الصفحة 295 من المجلد 51 من بحار الأنوار! (فَلَا تَتجَاهَلْ). وراجع أيضاً الخبرين 9 و53 في هذا الباب.
* الخبران 4 و55: لا يُعلم راويهما!! لأن المجلسي نقلهما عن كتاب الخرائج للراوندي[290] الذي رواه بقوله: «رُوِيَ» دون بيان هوية الراوي ولا زمانه ولا مكانه؟! وهذا الراوي المجهول روى عن «محمد بن هارون الهمداني» -المجهول أيضاً- قال: "كَانَ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي لِي حَوَانِيتُ اشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَ ثَلَاثِينَ دِينَاراً قَدْ جَعَلْتُهَا لِلنَّاحِيَةِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَا وَاللهِ مَا نَطَقْتُ بِذَلِكَ وَلَا قُلْتُ فَكَتَبَ (ع) إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ [الذي كان في تلك الأيام يدَّعي السفارة عن الإمام الغائب لأخذ الأموال والوجوه الشرعية] اقْبِضِ الْحَوَانِيتَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا عَلَيْهِ"[291].
والطريف أن المهدي الغائب لم يسأل: هل سامحتنا في الثلاثين ديناراً المُتبقّية لك أم لا؟ (فتأمَّل). وقد جعلوا هذه القصة دليلاً على علم كاتب الرسالة بالغيب. (والقصة هي الحديث 28 من الباب 182 من الكافي).
* الخبر 5: مرّةً ثانيةً ينقل من كتاب «الخرائج» تأليف الراوندي الذي عاش في القرن السادس الهجري عن «مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الشَّاشِيِّ»[292] وهو شخص مجهول ومهمل وينتمي للقرن الثالث الهجري ولا أحد يعلم شيئاً عن هوية الرواة بين الراوندي والشاشيّ! فالحديث مُنقطع السند.
وعلى كل حال تقول الرواية إنَّ «مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الشَّاشِيَّ» قال لمحمد بن الحُصَيْن أن يُعطي مال الغريم (أي سهم الإمام) إلى شخص اسمه «حاجز» [ابن يزيد الوشَّاء]. ولا نعلم من هو محمد بن الحُصَيْن فهو مهمل ومجهول. وهذه الرواية أيضاً تدل على علم الإمام بالغيب!
* الخبر 6: هو أيضاً من الأساطير المكتوبة في كتاب «الخرائج» ذاته الذي ينقل عن رجلٍ من استر آباد! - هكذا دون بيان هوية الرجل وما مذهبه! وهل كان له عقل سليم أم لا! – أنه قال: "صِرْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَمَعِي ثَلَاثُونَ دِينَاراً فِي خِرْقَةٍ مِنْهَا دِينَارٌ شَامِيٌّ فَوَافَيْتُ الْبَابَ وإِنِّي لَقَاعِدٌ إِذْ خَرَجَ إِلَيَّ جَارِيَةٌ أَوْ غُلَامٌ الشَّكُّ مِنِّي قَالَ هَاتِ مَا مَعَكَ قُلْتُ مَا مَعِي شَيْءٌ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَقَالَ مَعَكَ ثَلَاثُونَ دِينَاراً فِي خِرْقَةٍ خَضْرَاءَ مِنْهَا دِينَارٌ شَامِيٌّ وخَاتَمٌ كُنْتَ نَسِيتَهُ فَأَوْصَلْتُهُ إِلَيْهِ وَأَخَذْتُ الْخَاتَمَ". لاحظوا أن شخصاً مجهولاً يُعطي ماله لجاريةٍ أو لغلام، وعلى القارئ أن يصدق أن تلك الجارية أو ذلك الغلام أخبرا عن أمرٍ من الغيب، رغم مخالفة هذا للقرآن الكريم [الذي ينفي علم الغيب عن غير الله].
ولم يسأل أحد: لماذا عندما افترى المنافقون الإفك بحقِّ عائشة زوج النبي ص لم يعلم النبيص الغيب وبقي مُتغيِّراً نحوها مدَّة شهرين بل فكَّر بمُفارقتها، إلى أن أنزل الله آيات محكمات في براءتها وطهارتها من الإفك، أما هؤلاء فيُثبتون علمَ إمامٍ غير مرئيٍّ بالغيب نقلاً عن أقوال أفراد مجهولين! يبدو أنهم يعتبرون الإمام غير المرئي أعلى رتبةً من رسول الله ص!!
* الخبر 7: قصةٌ أخرى أيضاً من القصص المذكورة في كتاب «الخرائج» تقول: "رُوِيَ عَنْ مَسْرُورٍ الطَّبَّاخِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ لِضِيقَةٍ أَصَابَتْنِي فَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْبَيْتِ فَانْصَرَفْتُ فَدَخَلْتُ مَدِينَةَ أَبِي جَعْفَرٍ [يبدو أن المقصود محمد بن عثمان العَمْري النائب الثاني] فَلَمَّا صِرْتُ فِي الرَّحْبَةِ حَاذَانِي رَجُلٌ لَمْ أَرَ وَجْهَهُ وَقَبَضَ عَلَى يَدِي وَدَسَّ إِلَيَّ صُرَّةً بَيْضَاءَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عَلَيْهَا كِتَابَةٌ فِيهَا اثْنَا عَشَـرَ دِينَاراً وَعَلَى الصُّـرَّةِ مَكْتُوبٌ مَسْرُورٌ الطَّبَّاخُ". ونسأل: لماذا علينا أن نُصدِّق هذه القصة؟!
* الخبر 8: مرّةً أخرى نجد مؤلف كتاب «الخرائج» يقفز من القرن السادس مباشرة إلى القرن الثالث (؟!!) إذ يروي مباشرةً ودون ذكر وسائط عن «محمد بن شاذان» الذي كان من أهل القرن الثالث، قوله: "اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نَاقِصَةً عِشْرِينَ فَأَتْمَمْتُهَا مِنْ عِنْدِي وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّيِّ وَلَمْ أَكْتُبْ كَمْ لِي مِنْهَا فَأَنْفَذَ إِلَيَّ كِتَابَهُ وَصَلَتْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لَكَ فِيهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً"! كان آخذ المال من الوكلاء مجهولي الحال للمهدي. يُعلَم أن هؤلاء القصاصين لم يكن لهم من عمل سوى اختراع قصص لإثبات علم الغيب للإمام الموهوم!! (وهو الحديث 23 من الباب 182 من الكافي).
* الخبر 9: كان «الحسين بن رَوْح» -كما مرَّ في دراستنا للخبرين 2 و3- على علاقة وثيقة ببلاط الدولة العباسية وكان مُطَّلعاً على أخبار الحكومة، وفي هذا الخبر يخبر اثنين من أصحاب المناصب الحكومية بالمناطق التي سيُرسلون إليها، ولا غرو فصلته الوثيقة ببلاط الخلافة تجعله على اطلاع بالقرارات التي تُتَّخذ فيه![293] (فلا تتغافل). ويُراجَع أيضاً الخبر 53 الآتي في الباب ذاته.
* الخبران 10 وَ54: هما من أطرف قصص كتاب «الخرائج» ويُشبهان كثيراً قصص الصوفية! مع فارق أن قول الهاتف السماوي في هذه القصة أكثر إضحاكاً من هاتف قصص الصوفية! وكالعادة خلَّص الكاتب نفسه من عناء التعريف بالرواة بلفظ «رُوِي»، إذ يقول: "رُوِيَ عَنْ غِلَالِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي الرَّجَاءِ الْمِصْرِيِّ وَكَانَ أَحَدَ الصَّالِحِينَ [وهو أيضاً شخص مجهول] قَالَ: خَرَجْتُ فِي الطَّلَبِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) [أي بعد وفاة حضرة العسكري] فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَظَهَرَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَسَمِعْتُ صَوْتاً وَلَمْ أَرَ شَخْصاً يَا نَصْرَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ قُلْ لِأَهْلِ مِصْرَ هَلْ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللهِ ص فَآمَنْتُمْ بِهِ؟ قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ اسْمَ أَبِي «عَبْدُ رَبِّهِ» وَذَلِكَ أَنِّي وُلِدْتُ بِالْمَدَائِنِ فَحَمَلَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّوْفَلِيُّ إِلَى مِصْرَ فَنَشَأْتُ بِهَا فَلَمَّا سَمِعْتُ الصَّوْتَ لَمْ أَعْرِجْ عَلَى شَيْءٍ وَخَرَجْتُ"!!
أولاً: إنَّ عِلْمَ الذين لم يُعاصروا رسول الله ص بوجوده ناشئٌ عن شهادة القرآن الكريم -المعجزة الخالدة الباقية المُتاحة دائماً في متناول الناس-، وعلاوةً على ذلك هناك أخبارٌ مُتواترةٌ حقيقةً منقولةٌ جيلاً بعد جيل عن حضرة النبيّ ص وسيرته وأقواله وأفعاله، بالإضافة إلى شهادة التاريخ الموثوق القاطعة وبشارات كتب الأديان قبل الإسلام، ولذلك لم يُشكّك أيُّ إنسان ولا حتَّى أيُّ عاقل غير مسلم طول ألف وأربعمئة سنة مضت، بوجود النبيّ ص.
ثانياً: ما علاقة ذلك بشخص لا يُوجد قول واحدٌ متَّفق عليه حول أي شأن من الشؤون المُتعلّقة به؟![294] ولو جاز قبول قضية بلا أساس إلى هذا الحدّ لكان في استطاعة كل شخص أن يقول لمن يُشكّك بوجود كل كائن خيالي مثل فرس بالدار أو جنية البحر: هل رأيتم هارون الرشيد أو السلطان محمود الغزنوي اللذين تؤمنون بوجودهما؟ إذن فلا تُنكروا وجود جنية البحر لمُجرّد عدم رؤيتكم لها! وهكذا....... فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً؟! من هذا يُعْلَم أن رواة هذه القصص كانوا حقيقةً محرومين من نعمة العقل!
* الخبر 11: رواه أيضاً الراوندي صاحب «الخرائج» مستخدماً لفظ «رُوي» كعادته - ليعفي نفسه من التعريف بالرواة - وقفز من القرن السادس إلى القرن الثالث مباشرةً إذ روى دون واسطة عن أحمد بن أبي روح من أهل القرن الثالث قصة مخالفة للشرع!! سلَّم الله أيديهم إذا لا يتورَّعون من رواية قصص مخالفة للشرع أيضاً في سبيل إثبات وجود إمام موهوم!!! في هذه القصة أرادت امرأة أن تقضي ديناً على أمِّها مقداره عشرة دنانير ولكن لما كان صاحب القرض غير شيعي (أو كان ناصبياً على حدِّ قول الراوي) لم تكن المرأة راغبةً بدفع المال له لذا طلبت من إمام الزمان حلاً لهذه القضية! فأفتاها إمام الزمان في رسالة بما يُخالف فقه الشيعة إذ أجاز لها أن تُوزِّع المال المذكور بين أخواتها الفقراء دون إذن صاحب المال أي الدائن ولا رضاه! جلَّ الخالق! ألم يكن إمامهم مُلتزماً بشريعة الإسلام ومُتَّبعاً لها؟ هل يجوز أن لا يردَّ المسلم الدين إذا كان الدائن نصرانياً أو يهودياً؟
الخبر 12: رواه «مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ السَّيَّارِيُّ» -وهو في الاحتمال الغالب ذلك العدو اللدود للقرآن الذي عرّفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 149 -150)- قال: "أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِيِّ الْحَارِثِيِّ فِي جُمْلَتِهَا سِوَارُ ذَهَبٍ" [أقول: من هو هذا المرزباني وماذا كان عمله؟! لا أحد يعلم! من هذا يُعلَم أن أفراداً كثيرين في القرن الهجري الثالث كانوا يستغلّون مسألة الغيبة بادِّعاء الوكالة والنيابة ليحصلوا على أموال الناس دون تعب]. ويتابع الراوي قائلاً: "فَقُبِلَتْ وَرَدَّ السِّوَارَ وَأُمِرْتُ بِكَسْرِهِ فَكَسَرْتُهُ فَإِذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ ونُحَاسٍ وصُفْرٍ فَأَخْرَجْتُهُ وَأَنْفَذْتُ الذَّهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُبِلَ"! [ما أحسن ذوقه! يُعلَم أن المرزباني كان صائغاً ماهراً جداً!]. أقول: ما المقصود من هذا الخبر وما علاقته بالمهدي؟ ينبغي أن نقول: المعنى في بطن الشاعر! ومن الممتع أن نعلم أن مثل هذا الخبر الفاقد لأي معنى أورده الشيخ المفيد في كتابه «الإرشاد»!! (وهو الحديث 6 من الباب 182 من الكافي بسند آخر).
* الخبر 13: هو الحديث العاشر في الباب 182 من الكافي وليس من المعلوم ما علاقته بالمهدي، وقد اعتبر المَجْلِسِيّ في كتابه مرآة العقول هذا الحديث مجهولاً.
* الخبر 14: هو الحديث الحادي عشر في الباب 182 من الكافي وهو ضعيف حسب قول المَجْلِسِيّ. جاء اسم الراوي في الكافي: «نضر البجلي» في حين جاء في البحار: «نصر البلخي» الذي كان من الغلاة. (يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 855).
* الأخبار 15 وَ16 وَ17 وَ18: هي الأخبار 15 وَ19 و20 و24 من الباب 182 من أصول الكافي. (يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 858 إلى 859). يَتَبَـيَّنُ من الخبر 15 أن الوكالة والنيابة كانت تجارةً مزدهرةً ورابحةً جداً وكان عشرات وربما مئات الأشخاص يدَّعون النيابة عن المهدي ويأخذون الأموال بالقُوّة وبإثارة اللغط وبالإكراه بحُجّة أخذ سهم الإمام، ولم يكونوا يتورَّعون عن الكذب في هذا السبيل!! وليت شعري! هل أبقوا أيَّ ماء وجه للمهدي الغائب بمثل هذه الأخبار؟!
في الخبر 18 -المنقول في الكافي عن «الحسين الأشعري»، وفي البحار عن «الحسن الأشعري» وفي هذه الصورة هو شخص مجهول- قَالَ: "كَانَ يَرِدُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) فِي الْإِجْرَاءِ عَلَى الْجُنَيْدِ قَاتِلِ فَارِسِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَاهَوَيْهِ وَأَبِي الْحَسَنِ وَآخَرَ فَلَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَدَ اسْتِئْنَافٌ مِنَ الصَّاحِبِ (ع) بِالْإِجْرَاءِ لِأَبِي الْحَسَنِ وَصَاحِبِهِ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْجُنَيْدِ شَيْءٌ قَالَ: فَاغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ فَوَرَدَ نَعْيُ الْجُنَيْدِ بَعْدَ ذَلِك"! من هذا يَتَبَـيَّنُ أن كاتب الرسالة كان قد اطَّلع على موت الجُنيد قبل اطِّلاع الراوي على ذلك، ولكن الرواة الجاهلين بالقرآن يُحبُّون أن يُفسِّروا هذه المسألة بعلم الإمام بالغيب!! لا بُدَّ من مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول ....»، (ص 174-175).
* 45الخبر 19: حديث مرفوع يصل إلى «أبي العباس أَحْمَدَ الدِّينَوَرِيِّ السَّرَّاجِ» الذي يقول: "انْصَرَفْتُ مِنْ أَرْدَبِيلَ إِلَى دِينَوَرَ أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ وذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وكَانَ النَّاسُ فِي حِيرَةَ فَاسْتَبْشَرَ أَهْلُ دِينَوَرَ بِمُوَافَاتِي واجْتَمَعَ الشِّيعَةُ عِنْدِي فَقَالُوا: اجْتَمَعَ عِنْدَنَا سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنْ مَالِ المَوَالِي ونَحْتَاجُ أَنْ نَحْمِلَهَا مَعَكَ وتُسَلِّمَهَا بِحَيْثُ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا ... قَالَ: فَلَمَّا وَافَيْتُ قَرْمِيسِينَ (أي كرمانشاه) كَانَ أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ الحَسَنِ [وهو شخص مجهول الحال أيضاً] مُقِيماً بِهَا فَصِرْتُ إِلَيْهِ مُسَلِّماً فَلَمَّا لَقِيَنِي اسْتَبْشَرَ بِي ثُمَّ أَعْطَانِي أَلْفَ دِينَارٍ فِي كِيسٍ [لاحظوا أيَّ مبالغ باهظة كانت تصل إلى أيدي الوكلاء والنُّوَّاب؟!! ولم يكن عبثاً ذلك الجدل والنزاع والتنافس بين الأفراد الانتهازيين الخادعين للعوام لكسب أموال الوكالة والنيابة، ومن هنا نفهم أنهم كانوا حقيقة بحاجة إلى اختراع إمام كي يصلوا إلى المنافع والأموال عن طريقه!]...... فَلَمَّا وَرَدْتُ بَغْدَادَ لَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ غَيْرَ الْبَحْثِ عَمَّنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالنِّيَابَةِ....". ثم تذكر الرواية الطويلة أنه زار في هذا الصدد في بغداد ثلاثة أشخاص من مدّعي النيابة منهم «الْبَاقَطَانِيّ»[295] وَ«إِسْحَاق الأحْمَر» وَ«أبو جَعْفَر الْعَمْرِيّ» فلم يجد حجة على صحة نيابتهم.
قال: "وَصِرْتُ [أول الأمر] إلى «الْبَاقَطَانِيّ» فَوَجَدْتُهُ شَيْخاً مَهِيباً لَهُ مُرُوءَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفَرَسٌ عَرَبِيٌّ وَغِلْمَانٌ كَثِيرٌ وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ عِنْدَهُ يَتَنَاظَرُونَ قَالَ: فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَحَّبَ وَقَرَّبَ وَسَرَّ وَبَرَّ. قَالَ: فَأَطَلْتُ الْقُعُودَ إِلَى أَنْ خَرَجَ أَكْثَرُ النَّاسِ. قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ دِينِي فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ دِينَوَرَ وَافَيْتُ وَمَعِي شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ [من سهم الإمام] أَحْتَاجُ أَنْ أُسَلِّمَهُ فَقَالَ لِي احْمِلْهُ! [أي أحضره] قَالَ: فَقُلْتُ أُرِيدُ حُجَّةً قَالَ تَعُودُ إِلَيَّ فِي غَدٍ. قَالَ: فَعُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ وَعُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ. قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِ فَوَجَدْتُهُ شَابّاً نَظِيفاً مَنْزِلُهُ أَكْبَرُ مِنْ مَنْزِلِ الْبَاقَطَانِيِّ وَفَرَسُهُ وَلِبَاسُهُ وَمُرُوءَتُهُ أَسْرَى وَغِلْمَانُهُ أَكْثَرُ مِنْ غِلْمَانِهِ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاسِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجْتَمِعُ عِنْدَ الْبَاقَطَانِيِّ! قَالَ: فَدَخَلْتُ وَسَلَّمْتُ فَرَحَّبَ وَقَرَّبَ. قَالَ: فَصَبَرْتُ إِلَى أَنْ خَفَّ النَّاسُ. قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ حَاجَتِي. فَقُلْتُ لَهُ: كَمَا قُلْتُ لِلْبَاقَطَانِيِّ وَعُدْتُ إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ. قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ [أي النائب الثاني، وكان أبو جعفر العَمْري أي عثمان بن سعيد النائب الأول وكان يعيش في زمن حضرة العسكري قرب منزله وكان يعمل ببيع السمن] فَوَجَدْتُهُ شَيْخاً مُتَوَاضِعاً عَلَيْهِ مُبَطَّنَةٌ بَيْضَاءُ قَاعِدٌ عَلَى لِبْدٍ فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ لَيْسَ لَهُ غِلْمَانٌ وَلَا مِنَ الْمُرُوءَةِ وَالْفَرَسِ مَا وَجَدْتُ لِغَيْرِهِ[296]. .... قَالَ فَقَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَصِلَ هَذَا الشَّيْءُ إِلَى مَنْ يَجِبُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ تَخْرُجُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى وَتَسْأَلُ دَارَ ابْنِ الرِّضَا[297] وَعَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْوَكِيلِ وَكَانَتْ دَارُ ابْنِ الرِّضَا عَامِرَةً بِأَهْلِهَا فَإِنَّكَ تَجِدُ هُنَاكَ مَا تُرِيدُ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَمَضَيْتُ نَحْوَ سُرَّ مَنْ رَأَى وَصِرْتُ إِلَى دَارِ ابْنِ الرِّضَا وَسَأَلْتُ عَنِ الْوَكِيلِ فَذَكَرَ الْبَوَّابُ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ فِي الدَّارِ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ آنِفاً.... فَخَرَجَ بَعْدَ سَاعَةٍ فَقُمْتُ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِي إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ وَسَأَلَنِي عَنْ حَالِي وَمَا وَرَدْتُ لَهُ فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي حَمَلْتُ شَيْئاً مِنَ الْمَالِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَبَلِ وَأَحْتَاجُ أَنْ أُسَلِّمَهُ بِحُجَّةٍ. قَالَ فَقَالَ: نَعَمْ ثُمَّ قَدَّمَ إِلَيَّ طَعَاماً وَقَالَ لِي: تَغَدَّ بِهَذَا وَاسْتَرِحْ فَإِنَّكَ تَعِبْتَ فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْأُولَى سَاعَةً فَإِنِّي أَحْمِلُ إِلَيْكَ مَا تُرِيدُ. قَالَ: فَأَكَلْتُ وَنِمْتُ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ نَهَضْتُ وَصَلَّيْتُ وَذَهَبْتُ إِلَى الْمَشْرَعَةِ فَاغْتَسَلْتُ وَنَضَّرْتُ [وَ] انْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِ الرَّجُلِ وَسَكَنْتُ إِلَى أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ رُبُعُهُ فَجَاءَنِي بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ رُبُعُهُ وَمَعَهُ دَرْجٌ فِيهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَافَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ وَحَمَلَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ فِي كَذَا وَكَذَا صُرَّةً فِيهَا صُرَّةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً إِلَى أَنْ عَدَّدَ الصُّرَرَ كُلَّهَا وَصُرَّةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الذَّرَّاعِ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَاراً. قَالَ فَوَسْوَسَ إِلَيَّ الشَّيْطَانُ فَقُلْتُ: إِنَّ سَيِّدِي أَعْلَمُ بِهَذَا مِنِّي[298]؟! فَمَا زِلْتُ أَقْرَأُ ذِكْرَهُ صُرَّةً صُرَّةً وَذِكْرَ صَاحِبِهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَيْهَا عِنْدَ آخِرِهَا ثُمَّ ذَكَرَ قَدْ حُمِلَ مِنْ قَرْمِيسِينَ [أي كرمانشاه] مِنْ عِنْدِ «أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمَادَرَائِيِّ» أَخِي الصَّوَّافِ كِيسٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ وَكَذَا وَكَذَا تَخْتاً مِنَ الثِّيَابِ مِنْهَا ثَوْبُ فُلَانٍ وَثَوْبٌ لَوْنُهُ كَذَا حَتَّى نَسَبَ الثِّيَابَ إِلَى آخِرِهَا بِأَنْسَابِهَا وَأَلْوَانِهَا [وهذا يشبه ما يفعله من يخاوون الجن ويتنبؤون بالفال....] قَالَ فَحَمِدْتُ اللهَ وَشَكَرْتُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ مِنْ إِزَالَةِ الشَّكِّ عَنْ قَلْبِي. فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ مَا حَمَلْتُ إِلَى حَيْثُ يَأْمُرُنِي «أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْرِيُّ». قَالَ فَانْصَرَفْتُ إِلَى بَغْدَادَ وَصِرْتُ إِلَى «أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ»، قَالَ وَكَانَ خُرُوجِي وَانْصِرَافِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ فَلَمَّا بَصُرَ بِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ لِمَ لَمْ تَخْرُجْ فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي مِنْ سُرَّمَنْرَأَى انْصَرَفْتُ قَالَ فَأَنَا أُحَدِّثُ أَبَا جَعْفَرٍ بِهَذَا إِذْ وَرَدَتْ رُقْعَةٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ مِنْ مَوْلَانَا صَاحِبِ الْأَمْرِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَمَعَهَا دَرْجٌ مِثْلُ الدَّرْجِ الَّذِي كَانَ مَعِي فِيهِ ذِكْرُ الْمَالِ وَالثِّيَابِ وَأَمَرَ أَنْ يُسَلَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ إِلَى «أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَطَّانِ الْقُمِّيِّ» ... الخ".
وأقول: لقد تكررت في هذه القصة أكثر من مرّة العقيدة المعروفة التي تقول: «لا تخلو الأرض من حُجَّة لِـلَّهِ». ولا بُدَّ في هذا الموضوع من الرجوع إلى كتاب «عرض أخبار الأصول» (ص 400 إلى 402) وكتاب «راهى به سوى وحدت اسلامى» [طريقٌ نحو الوحدة الإسلامية] تأليف جناب السيد «مصطفى الحسيني الطباطبائي» (ص 75 إلى 80). والدليل الواضح الآخر على تلفيق هذه القصة أنها تتضمَّن إثبات العلم بالغيب الذي بيّنا مراراً وتكراراً بُطلانه. وفي رأينا لا يُمكن لمن يؤمن بالقرآن الكريم أن يُصدّق مثل هذه القصّة والذي يُصدّق بها يُكذّب في الواقع بالقرآن.
وقد وردت هذه القصة بشيء من التغيير في الألفاظ في الحديث 16 من الباب 182 من الكافي الذي اعتبره المَجْلِسِيّ في كتابه «مرآة العقول حديثاً ضعيفاً، وجاء ضمنها ذلك الدعاء الشركي الذي يقول: "يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَاي ......."، ويُراجع في شأنه كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن (ص 62- 63) وكتاب «عرض أخبار الأصول .....» (93-94).
* الخبر 20: قصة يرويها عدوّ القرآن اللدود «السياري»[299] تدل على علم الإمام بالغيب. وقد ورد جزء منها في الحديث 27 من الباب 182 من الكافي.
* الخبران 21 و24: يدلان أيضاً على العلم بالغيب. بالنسبة إلى هذه الأحاديث التي تدل على معرفة المهدي بوقت وفاة الأشخاص لا بُدَّ من الرجوع إلى الصفحات 174-175 من كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، والحديث 24 هو الحديث 17 من الباب 182 من الكافي ذاته الذي اعتبره المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» حديثاً مجهولاً.
* الخبر 23: قصة مرفوعة ولا تحتاج بالطبع إلى نقد وتمحيص لأن «أحمد بن محمد العلوي» الذي كان من أهل القرن السادس يروي مباشرةً دون واسطة عن «محمد بن علي العلوي الحسيني» مجهول الحال الذي كان في القرن الثالث![300]. ويذكر الراوي قصةً طويلةً يدَّعي فيها أنه رأى «قيَّم الزمان ووليَّ الرحمن وهو بين النائم واليقظان» فعلَّمَهُ دعاءً كان عظيم التأثير!
وأما السبب في قوله: بين النوم واليقظة فهو الفرار من سؤالين مُقدَّرين الأول: أنه لو قال: رأيته في المنام لقيل له: إن الرؤى والأحلام ليست حُجَّةً بإجماع الفقهاء، ولو قال: رأيته في اليقظة لسُئل: إنك لم ترَ المهدي من قبل فكيف عرفت أن من رأيته بمنامك هو المهدي؟!
الأحاديث من 25 حتى 36 هي أحاديث الباب 182 من الكافي ذاتها التي رُويت بالترتيب التالي في البحار وقد تكلمنا عليها في كتاب «عرض أخبار الأصول .......». الأعداد التي على يمين السهم هي حسبما جاء في المجلد 51 من بحار الأنوار والأعداد التي على يسار السهم هي أرقام الأحاديث كما جاءت في الباب 182 من المجلد الأول من الكافي.
* 25 --> 4
* 26 --> 7
* 27 --> 9 - 46راويه «القاسم بن العلاء» ولما كان يدّعي النيابة والسفارة فقد روى ما يصبُّ في مصلحته وينفعه وأثبت لصاحب الأمر علم الغيب، حيث قال: إن المهدي أخبره أن الولد الذي جاءه لن يموت بعد ولادته. أقول: وهذا مخالف تماماً للقرآن لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]. وجاء في كتب السيرة والتفسير حول الآيتين 23 وَ24 من سورة الكهف ما يُفيد أنه لما سُئل النبيُّ ص أسئلةً فوعد بالإجابة عنها غداً ولم يستثنِ بقول إن شاء الله؛ تأخر عنه الوحي لهذا السبب [لم يأته الوحي حتى 40 يوماً]، ولم يستطع رسول الله ص أن يُجيب عن أسئلة السائلين في تلك المدّة. ثم نزل الوحي بعد مدّة وجاءه الجواب. كما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦﴾ [الحجرات: ٦] أن رسول الله ص أرسل «الوليد بن عقبة بن أبي معيط» إلى قبيلة بني المصطلق ليأخذ منهم مال الزكاة، وكان بينهم وبينه في الجاهلية دم فلما خرجوا وتلقّوه بالتعظيم والحفاوة، ظنَّ أنهم خرجوا لقتله فخاف وهرب ورجع إلى النبي ص وقال له: إنهم ارتدوا وأرادوا قتلي ومنعوا الصدقة! فغضب النبي صوبعث إليهم خالد بن الوليد مع مجموعة من الأفراد وأمره أن يُراقب أحوالهم فإذا تأكد من ارتدادهم قاتلهم. فلمَّا تحقّق خالد بن الوليد من الأمر تبيّن له أن الوليد بن عقبة لم يكن صادقاً فيما قاله، فجمع الزكاة من القوم وعاد ونزلت الآية المذكورة وبيَّنت أن الوليد بن عقبة فاسقٌ وأنه قد كذب وافترى فيما قاله للنبي ص. إذن لو كان النبي ص يعلم الغيب لعرف كذب الوليد بن عقبة من بداية الأمر ولما أرسل كتيبة خالد لاستطلاع حقيقة الخبر ولَمَا حزن. ولو كان النبيّ ص يعلم الغيب لاجتنب الأضرار التي وقعت عليه ولما مسَّه الضرّ، كما قال تعالى: ﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١٨٨﴾ [الأعراف: ١٨٨].
ولكن رغم هذه الآيات الواضحات لا يزال عددٌ من عديمي الاطّلاع يُثبِتُون لأبناء ابنة هذا النبيّ الكريم صعلمَ الغيب!!
* 28 وَ23 وَ52 --> 13- 47راويه «الحسن بن الفضل بن زيد» مجهول الحال. وأما متنه فيقول: "كَتَبَ أَبِي بِخَطِّهِ كِتَاباً فَوَرَدَ جَوَابُهُ ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّي فَوَرَدَ جَوَابُهُ ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّ رَجُلٍ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَرِدْ جَوَابُهُ فَنَظَرْنَا فَكَانَتِ الْعِلَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ تَحَوَّلَ قَرْمَطِيّاً".
أقول: من الواضح أن السفراء والنواب إنما يجيبون على كتاب شخصٍ مريد لهم مستسلم لأقوالهم، أو شخص يرسل إليهم مالاً، أما إذا كان السائل فقيهاً يسأل ويتفحّص ولم يُرسل مالاً ولا يُطيع الآخرين بيُسر وسهولة فإنهم لا يُجيبونه! وأما قوله: إن الرجل الذي لم يُجَبْ على سؤاله صار قرمطياً فهذا ليس بمُبرّر لأنه حتى لو كان السائل كافراً فلابد من إجابته على سؤاله أو استفتائه. (فلا تتجاهل).
وقد ادُّعي في هذه الأخبار أن الإمام كان يعلم الغيب وكان عليماً بما في صدور الناس مُطَّلعاً على ضمائرهم وهذه هي عقيدة «الغلاة» الملعونين على لسان الأئمة. قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٧﴾ [المائدة: ٧]. وقال تعالى أيضاً: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥﴾ [البقرة: ٢٠٤، ٢٠٥]، أي أن النبيّ قد يُعجَب بقول شخص دون أن يعلم بنيَّته القلبيّة الحقيقيّة وأن عمله سيكون مُعاكساً لقوله. وقال سبحانه أيضاً: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ﴾ [التوبة: ١٠١]. بناءً على ذلك فإن العليم ببواطن العباد هو الله وحده وهو وحده الذي يعلم ما يجول في عقول الناس وأذهانهم. ولكن ماذا نفعل إذا كان الرواة الوضَّاعون لا علم لهم بآيات القرآن.
* 29 --> 21
* 30 --> 30 - راويه «الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ الْعَلَوِيُّ» شخص مهمل لا ذكر له أصلاً في كتب الرجال.
* 31 وَ32 --> 485- حديث مرفوع والحديث الثاني قال عنه المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» حديث مجهول! والقصة كما يقولون (؟!): إن «محمد بن إبراهيم بن مهزيار» قال: "كَانَ اجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ فَحَمَلَهُ ورَكِبَ فِي السَّفِينَةِ وخَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً فَقَالَ: يَا بُنَيَّ رُدَّنِي رُدَّنِي فَهُوَ الْمَوْتُ واتَّقِ اللهَ فِي هَذَا المَالِ وأَوْصَى إِلَيَّ ومَاتَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَمْ يَكُنْ أَبِي يُوصِي بِشَيْءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ أَحْمِلُ هَذَا المَالَ إِلَى الْعِرَاقِ وأَكْتَرِي دَاراً عَلَى الشَّطِّ ولَا أُخْبِرُ أَحَداً فَإِنْ وَضَحَ لِي شَيْءٌ كَوُضُوحِهِ أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) أَنْفَذْتُهُ وإِلَّا تَصَدَّقْتُ بِهِ [لاحظوا أن هذا الشخص هو ابن أحد النواب ورغم ذلك فإنه بذاته لا يدري هل قضية المهدي الغائب صحيحة أم لا!!] فَقَدِمْتُ الْعِرَاقَ واكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى الشَّطِّ وبَقِيتُ أَيَّاماً فَإِذَا أَنَا بِرَسُولٍ مَعَهُ رُقْعَةٌ فِيهَا يَا مُحَمَّدُ مَعَكَ كَذَا وكَذَا فِي جَوْفِ كَذَا وكَذَا حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً فَسَلَّمْتُ المَالَ إِلَى الرَّسُولِ. وبَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ لِي رَأْسٌ فَاغْتَمَمْتُ فَخَرَجَ إِلَيَّ قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ فَاحْمَدِ اللهَ"!! [أي من الآن فصاعداً على الناس أن تدفع الأموال إليك! وينبغي القول: هنيئاً لك أيها الراوي. ولكن هذا الخبر هو إما ادِّعاء مِنْ قِبَلِك، وهو مُجرّد مُستند لفتح دكان ذي إيرادات مالية وفيرة، وليس معجزة!! راجعوا الصفحة 853 من كتاب «عرض أخبار الأصول ......»].
* 34 --> 16 - جاء في الكافي «يزيد بن عبد الله» بدلاً من «يزيد بن عبد الملك».
* 35 وَ39 وَ59 --> 27- 49راويه «علي بن زياد» وهو ـ بقطع النظر عن هذا الخبر ـ مجهول الحال. لكن الممقاني الذي ألَّف كتابه الرجالي لتطهير أمثال هؤلاء الرواة، اعتبره حسن الحال استناداً إلى هذه الرواية!! مع أن هذا ليس بصحيح. ولو أخذنا هذه الرواية بالذات بعين الاعتبار لعرفنا أن راويها ساقط من الاعتبار لأن متن روايته مخالف للقرآن حيث جاء فيه: "كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيُّ يَلْتَمِسُ كَفَناً فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ"! أي أنهم أخبروه بتاريخ وفاته! فهذا يُخالف القرآن الكريم[301] ويُخالف قول علي بن أبي طالب ÷ الذي كان ينفي – كما في نهج البلاغة- علمه بوقت وفاته. (راجعوا في هذا الموضوع الصفحات 174-175 من كتاب «عرض أخبار الأصول ......»).
* 36 --> 31
* 50الخبر 37 - رواه «محمد بن أحمد الصفواني» المهمل ومجهول الحال. وأما متن الخبر فقصة طويلة كلها مدح للقاسم بن العلاء - الذي كان يدّعي الوكالة والنيابة – وتمجيده والثناء عليه، ولا عجب أن يقوم مدَّعو النيابة برواية أحاديث في مدح أنفسهم ومدح إمامهم. ولكن لما كان الكاذب الجاهل مثله مثل السارق عديم التجربة الذي يقتحم مستودع القش ليسرق منه! اخترع الراوي نقاشاً دار بين القاسم وصديق له يُدعى «عبد الرحمن بن محمد السنيزي» وفضح من خلال هذه المُباحثة جهله بالقرآن الكريم!
يقول القاسم في هذه المُباحثة: إن وكيل الإمام أخبره عن يوم وفاته، وأن صديقه الذي يُدْعى عبد الرحمن أنكر عليه ذلك وقال له: "يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! اتَّقِ اللهَ فَإِنَّكَ رَجُلٌ فَاضِلٌ فِي دِينِكَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَقْلِكَ، واللهُ عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُ﴾ وقَالَ: ﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ فَلَا يُظۡهِرُ عَلَىٰ غَيۡبِهِۦٓ أَحَدًا﴾ فَضَحِكَ الْقَاسِمُ وقَالَ لَهُ: أَتِمَّ الآيَةَ ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ﴾ ومَوْلَايَ هُوَ المُرْتَضَى مِنَ الرَّسُولِ".
وأقول: هل كان القاسم يعتبر المهدي رسولاً؟! هل يجوز للمسلم أن يعتقد برسول بعد الرسول الأكرم ص؟! ألم يكن الشيخ الطوسي الذي أورد هذه الرواية في كتابه يعلم أن الكُلَيْنِيّ عقد الباب 61 من الكافي خصيصاً لبيان الفرق بين الرسول والإمام؟! وللتعرّف على أخطاء هذه القصة لا بُدّ من العودة إلى كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الصفحات 174-175، والصفحات 380 حتى 398، والصفحات 566-567). كما تُراجع فيه الصفحة 130-134 حول علم الغيب الاستقلالي وغير الاستقلالي.
وبقية الأخبار التي نقلها المَجْلِسِيّ من الباب 182 من الكافي هي كما يلي:
* 44 وَ65 --> 23 - يرويه «مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ» مجهول الحال. ولكن العجيب جداً أن الممقاني يقول عنه: إنه ثقة بل ما فوق الثقة لأنه كان وكيل الناحية[302]. ويتجاهل الممقاني تماماً أن كثيراً من وكلاء الأئمة الذي لم يكن هناك شك على الأقل في وجودهم، أو مُدَّعي الوكالة، تبيَّن فيما بعد أنهم كانوا فسقة وضالين وأشخاصاً فاسدين، مثل وكلاء الإمام موسى بن جعفر (ع)[303] (يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول....»، ص 197). أو «أبو منصور العجلي» الكوفي الذي تبرأ منه الإمام الباقر (ع) لكنه ادَّعى بعد رحيل الباقر أن الإمام الباقر جعله وصيَّه، وكان يقول: إن علياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر كانوا أنبياء مرسلين وأنه هو أيضاً نبيّ مُرسل وأن نبوته ستبقى في ستة أجيال له آخرهم القائم، وكان هذا الرجل من الذين أشاعوا مسألة القائم بين المسلمين!
* 45 --> 851 - راويه «إِسْحَاقُ بْنُ يَعْقُوب» مجهول الحال. وهو الذي روى التوقيع رقم 10 في المجلد 53 من البحار والذي يتضمن ما يُشبه مضمون هذا الحديث. ولما كان راوياً للخرافات اعتبره الممقاني جليل القدر! وقد روى الممقاني عنه أن الإمام الغائب كتب له عن غيبته قائلاً: "وَ أَمَّا وَجْهُ الِانْتِفَاعِ بِي فِي غَيْبَتِي فَكَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ إِذَا غَيَّبَهَا عَنِ الْأَبْصَارِ السَّحَابُ"!![304]ثم زعم أن الإمام قال: "وَإِنِّي لَأَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاءِ"[305].
فأقول: هذا القول مخالفٌ تماماً لكلام حضرة عليٍّ (ع) (نهج البلاغة، الحكمة 88، وبحار الأنوار، ج 90، ص 279 وَ281) الذي قال: "كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ: أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللهِ، وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ"[306].
ثم إن الكواكب والنجوم جمادات لا عقل لها ولا شعور فكيف تكون أماناً لأهل السماء؟! من هذا يَتَبَـيَّنُ أن واضع الرواية كان مُتأثراً بعقيدة المُنجّمين القديمة التي أبطلها العلم والتي كان أصحابها يعتقدون أن الأجرام السماوية كائنات حية وليست جمادات! إذن الإمام الذي كان «مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ» يدَّعي الارتباط به والتمثيل له لم يكن يعلم شيئاً من حقائق علم النجوم.
ثم يقول: إن الإمام قال له في تتمة ذلك الخبر: "فَأَغْلِقُوا أَبْوَابَ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَعْنِيكُمْ وَلَا تَتَكَلَّفُوا عَلَى مَا قَدْ كُفِيتُمْ"!
من هذا يَتَبَـيَّنُ أن الذين كانوا يكتبون الرسائل وينسبونها إلى «الناحية» كان يُشكل عليهم الإجابة عن المسائل!
* 53 --> 12 - في هذا الخبر يحكي لنا جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْيَمَانِيُّ قصَّةً هي في الكافي أيضاً من رواية شخص مجهول يُدعى «علي بن الحسين اليماني». ولمعرفة التعليق عليها تُراجع التوضيحات التي ذكرناها ذيل الأخبار رقم 2 وَ3 و9 في هذا الباب.
* الخبر 38: أحد أقرباء أسرة «العَمْري» (النائب الأول والثاني) يروون قصة تصبُّ في مصلحة جدهم وتدل كالعادة على علم الإمام بالغيب. ولكن الله تعالى قال لنبيّه مراراً: ﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ﴾ [الانعام: ٥٠]. والعجيب أن النبي لا يعلم الغيب ولكن حفيده يعلم الغيب!! هذا في حين أن والد هؤلاء الأئمة أي حضرة عليّ بن أبي طالب (ع) لم يكن يعلم الغيب، حتى أنه كان يُعيِّن ولاةً على الأمصار ظانَّاً فيهم الخير، فيخرج أكثرهم خونة وسارقين دون أن يكون له علم سابق بذلك[307]. ويجهل ـ كما هو مسطور في كتب الشيعة ـ حكم المذي ويستحيي أن يسأل رسول الله ص عن حكمه لأن ابنته فاطمة تحته، فيطلب من المقداد أن يسأل رسول الله ص عن الأمر[308]. (فتأمَّل)
* الخبران 40 و41: رواتهما مجهولو الحال: أحدهم «أحمد بن محمد بن عباس» والثاني «محمد بن زيد بن مروان» يروون عن لسان أحد أتباع فرقة الزيدية -كي يأتوا بظنهم بقول تنطبق عليه قاعدة «الفضل ما شهدت به الأعداء»!- أنه عرّف بـ «أَبِي طَاهِرٍ الزُّرَارِيِّ» على أنه من وكلاء القائم، وقال: كان ابن أبي سورة -زيدي المذهب- قد رأى شاباً حسنَ الوَجْهِ قال له: "أَنْتَ مُضَيَّقٌ وَعَلَيْكَ عِيَالٌ فَامْضِ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ الزُّرَارِيِّ .. فَقُلْ لَهُ شَابٌّ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا يَقُولُ لَكَ صُرَّةٌ فِيهَا عِشْرُونَ دِينَاراً جَاءَكَ بِهَا بَعْضُ إِخْوَانِكَ فَخُذْهَا مِنْه".
وفي جزء من الحديث 41 قال الراويان نقلاً عن أحد الصوفية: إن صوفياً من أهل الإسكندرية التقى بإمام الزمان! ولكن الأكثر أهميةً من كل ذلك أن رواة هذا الحديث يُثبتون ليس للإمام فقط بل حتى لوكلاء المهدي الموهوم علمهم بالغيب وبما في صدور مُضيفيهم وضمائرهم!!
* الخبر 42: راويه «أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَيَّاشٍ الجوهري» مختل العقل والدين، الذي عرّفنا به في كتاب «نقد مفاتيح الجنان .....» (ص248حتى 252). المحور الأساسي لهذا الخبر -الذي عده المجلسي من المعجزات- إصلاح ذات البين بين أبي غالب الزراري وزوجته! ولعلّهم يُريدون أن يجعلوا ذلك معجزة للمهدي الموهوم!
* الخبران 43 وَ65: حول هذه القصة يُراجع ما ذكرناه من توضيح حول الخبر رقم 2. في جزء من هذه القصة نُسب إلى «أبي عبد الله البزوفري» ادّعاء العلم بالغيب!! وهو الشخص ذاته الذي أتحف المسلمين نقلاً عن أقوال الضعفاء والمجاهيل باثني عشر مهدياً! (راجعوا «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (تمحيص الحديث التاسع، ص 220 حتى 223). لاحظوا أيّ أشخاص كانوا يعلمون الغيب!!
وعلى كل حال فإن تُجّار الخرافات بارعون في اختراع المعجزات لكل من يشاؤون، فمثلاً هنا «الْبَزَوْفَرِيُّ» يجيب عن سؤال شرعي فيعدون ذلك من معجزات الإمام ويعتبرونه نائباً للإمام! أو يهب اللهُ الشيخَ الصدوقَ عليَّ بنَ بابويه أولاداً فيعتبرون ذلك من معجزات الإمام لأنه دعا له! ومثلاً محمد بن علي بن بابوية حفظ مقداراً كبيراً نسبيّاً من الحديث رغم أن فيها كثيراً من الخرافات فاعتبروها من معجزات الإمام في حين أنها لو كانت معجزةً لوجب ألا تختلط أحاديثه بالخرافات.
* الخبر 46 - قصة أخرى أيضاً افتُريت لإثبات العلم بالغيب.
* الخبر 47 - يرويه «محمد بن إبراهيم بن مهزيار» الذي كان يدّعي النيابة وكان من المُتاجرين بالدين، قال: "وَفَدْتُ الْعَسْكَرَ زَائِراً فَقَصَدْتُ «النَّاحِيَةَ» فَلَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: انْصَرِفْ فَإِنَّكَ لَا تَصِلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَارْجِعِ اللَّيْلَةَ [من كانت هذه المرأة؟ وأي منصب كان لها؟ لا أحد يعلم!] فَإِنَّ الْبَابَ مَفْتُوحٌ لَكَ فَادْخُلِ الدَّارَ وَاقْصِدِ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ السِّرَاجُ فَفَعَلْتُ وَقَصَدْتُ الْبَابَ فَإِذَا هُوَ مَفْتُوحٌ وَدَخَلْتُ الدَّارَ وَقَصَدْتُ الْبَيْتَ الَّذِي وَصَفَتْهُ فَبَيْنَا أَنَا بَيْنَ الْقَبْرَيْنِ أَنْتَحِبُ وَأَبْكِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتاً وَهُوَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللهَ وَتُبْ مِنْ كُلِّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَقَدْ قَلَّدْتَ أَمْراً عَظِيماً".
لماذا كان القبران داخل المنزل؟! ماذا فعل هذا النائب حتى يتوب؟ من كان صاحب الصوت؟ لا يعلم أحدٌ الإجابات عن هذه الأسئلة وكل ما يُمكننا قوله: المعنى في بطن الشاعر!!
* الخبران 48 وَ49 - راويهما «نصر بن الصباح» الذي اعتبره علماء الرجال ضعيفاً وفاسد المذهب ومن الغلاة. لكن الممقاني أراد أن يُحسّن حاله استناداً إلى أنه نقل كلاماً عن «الناحية»، مع أنه روى خبراً يصبُّ في مصلحته ويفيده!! وقال المُحشّي المحترم لكتاب البحار: وقع في الخبر 48 سقط وتبديل. وعلى كل حال يُشبه الخبر 48 الخبر 5 في هذا الباب ذاته وليس في الحديثين من فائدة سوى دفع الأموال والوجوه الشرعية وإثبات العلم بالغيب!
* الخبر 50 - هو كالخبر 44 راويهما «محمد بن شاذان بن نعيم» مجهول الحال. يدّعي النيابة عن الإمام ويخترع معجزات ولم يأتنا في هذه الرواية بفائدة سوى الحديث عن دفع الوجوه الشرعية والعلم بالغيب وسوء القول بحق جعفر بن علي أخي حضرة العسكري (ع).
* الخبر 51- 52راويه «مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ» الذي كان من مدّعي الوكالة والنيابة، وحسب ادّعائه أنه سأل سؤالاً أحمقاً وطلب الدعاء لتحرير فرد من السجن يُدعى «باداشاكه» قال: "كَتَبْتُ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ لباداشاكه وَقَدْ حَبَسَهُ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأسْتَأْذِنُ فِي جَارِيَةٍ لِي أَسْتَوْلِدُهَا؟ فَخَرَجَ [أي التوقيع]: اسْتَوْلِدْهَا وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ، وَالْمَحْبُوسُ يُخَلِّصْهُ اللهُ. فَاسْتُولِدَتِ الْجَارِيَةُ فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ وَخُلِّيَ عَنِ الْمَحْبُوسِ يَوْمَ خَرَجَ إِلَيَّ التَّوْقِيعُ".
ينطبق على هذا المثل الذي يقول: (بيت شعر)
از كرامات شيخ ما اين اســـت كه شكر خورد و گفت شيرين است!
ومعناه: من كرامات شيخنا أنه أكل السكر وقال إنه حلــو الطعــــــم!
وتمّ إطلاق سراح المحبوس في اليوم ذاته الذي وصلت فيه الرسالة من «الناحية». (وقد قلنا سابقاً: إن النواب كانوا على اطِّلاع بالقرارات الحكومية التي تُتَّخذ في بلاط الدولة العباسية). وعلى كل حال فمن حيث المبدأ، معظم الذين يذهبون إلى السجن يتمّ إطلاق سراحهم بعد مدّة، ولكن تجار الخرافات يُحبّون أن يختلقوا من كل أمر بسيط معجزة!
* الخبران 56 وَ66 - يحكي «أبو القاسم بن أبي حليس» (أبي حابس) مجهول الحال حكايات يُمكن أن نفهم من خلالها أنه كان من الغلاة. يتعلّق عدد من قصصه كالعادة بموضوع أخذ الوجوه الشرعية! ولكن الأكثر أهمية من كل ذلك أن الحديث 56 يذكر أنهم قبلوا المال من شخص («لَمْ يَكُنْ مِنَ الْإِيمَانِ عَلَى شَيْءٍ» وَ«لَمْ يَكُنْ مِنْ دِينِ اللهِ عَلَى شَيْء»)، أما في الحديث 66 فجاء أن مال المُرجئ لا يُقبل: «لَا حَاجَةَ لِي فِي مَالِ الـْمُرْجِئ»! سبحان الله! باؤك تجرُّ وبائي لا تجرّ!
* الخبر 57 - يرويه مجهول يُدعى «عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَشْعَرِيُّ» يقول: "قَالَ كَانَتْ لِي زَوْجَةٌ مِنَ الْمَوَالِي قَدْ كُنْتُ هَجَرْتُهَا دَهْراً فَجَاءَتْنِي فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ قَدْ طَلَّقْتَنِي فَأَعْلِمْنِي. فَقُلْتُ لَهَا: لَمْ أُطَلِّقْكِ وَنِلْتُ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَكَتَبَتْ إِلَيَّ بَعْدَ شَهْرٍ تَدَّعِي أَنَّهَا حَمَلَتْ. فَكَتَبْتُ فِي أَمْرِهَا وَفِي دَارٍ كَانَ صِهْرِي أَوْصَى بِهَا لِلْغَرِيمِ (ع) أَسْأَلُ أَنْ تُبَاعَ مِنِّي وَيُنَجَّمَ عَلَيَّ ثَمَنُهَا فَوَرَدَ الْجَوَابُ فِي الدَّارِ: قَدْ أُعْطِيتَ مَا سَأَلْتَ وَكَفَّ عَنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ وَالْحَمْلِ فَكَتَبَتْ إِلَيَّ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تُعْلِمُنِي أَنَّهَا كَتَبَتْ بَاطِلًا وَأَنَّ الْحَمْلَ لَا أَصْلَ لَهُ وَالْحـَمْدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْعالَمِين".
أقول: من البديهي أنهم لم يكونوا يعلمون ما يقولونه، لذا لزموا الصمت بشأن المرأة والحمل، ولم يُجيبوا، لكن الراوي يميل إلى جعل هذا الأمر من باب العلم بالغيب!
* الخبر 58 - مجهولٌ يقول: إن «الناحية» كان يُخبر عن أمورٍ ستقع في المستقبل، وهذا أمر مخالف للقرآن الكريم الذي قال: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗا﴾ [لقمان: ٣٤] !![309] وجزء من هذا الخبر هو الخبر 2 من الباب ذاته.
* الخبر 60 - يرويه مجهول باسم «محمد بن علي الأسود» الذي ينقل لنا قصةً تدل على العلم بالغيب! ومن هذه القصص يَتَبَـيَّنُ أن علم الغيب لديهم يتعلّق بأخذ الأموال والألبسة أكثر مما يتعلّق بأيّ شيء آخر! ليت الذي ادّعوا العلم بالغيب هؤلاء قدّموا لنا دواء للأمراض المُستعصية أو اخترعوا لنا شيئاً يُفيد عامة الناس!
* الخبر 62- 53يرويه «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَتِّيلٍ» قَالَ: "كَانَتِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ مِنْ أَهْلِ «آبَهْ» وكَانَتِ امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عِبْدِيلٍ الآبِيِّ مَعَهَا ثَلَاثُ مِائَةِ دِينَارٍ فَصَارَتْ إِلَى عَمِّي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَتِّيلٍ وقَالَتْ أُحِبُّ أَنْ أُسَلِّمَ هَذَا الْمَالَ مِنْ يَدِي إِلَى يَدِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ قَالَ فَأَنْفَذَنِي مَعَهَا أُتَرْجِمُ عَنْهَا فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللهُ أَقْبَلَ عَلَيْهَا بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ورحب بها وسأل عن أحوالها بلغة أهل «آبه»"!!هذا في حين أن رسول الله صلم يُملِ أيّ رسالة بغير اللغة العربية، وكان يتكلم مع سلمان الفارسي أو صهيب الرومي باللغة العربية. (فتأمَّل) وبما أن كثيراً من الإيرانيين كانوا يُقيمون في ذلك الزمن في العراق فلا يبعد أن يكون «ابن روح» قد تعلم بضع كلمات فارسية منهم[310]. لكن الراوي يريد أن يُصوّر لنا معرفة «ابن روح» بالفارسية معجزة!! وفي نظرنا اختراعُ إمام غير موجود والتمكُّن من جذب آلاف الدراهم والدنانير إلى «الناحية» هو المعجزة!!
* الخبر 63- راويه «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَتِّيلٍ» السابق ذاته الذي يحكي لنا قصة عن العلم بالغيب وعن سكّة كانت تعود إلى مكانها!!
* الخبر 64- راويه «الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ» الذي تعتبره كتب الرجال من الضعفاء وأن حديثه منكر [لذا فروايته لا تستحق الاعتناء]. وليس في هذه القصة من خبر مفيد سوى العلم بالغيب وطيّ الأرض!!
* الخبر 67- رواه شخصٌ خرج من وطنه ليفحص عن أمر المهدي ويبحث عنه فوصلت إليه رسالة تدعوه إلى عدم الفحص. فانصرف عن ذلك!
* 54الخبران 68 وَ69- هما قصتان مُتشابهتان تفيدان أن شخصين أحضرا سبائك ذهب إلى «الناحية» وفي الطريق فُقدت منهم بضعة سبائك فقام الشخصان بتعويض ما فقداه من السبائك بشراء سبيكة أخرى من مالهما الخاص. لكن «الحسين بن رَوْح» لم يقبل السبيكة غير الأصلية وأخبر الشخص الأول عن مكان السبيكة الضائعة وأظهر للشخص الثاني السبيكة الضائعة التي وصلت إلى يده (أي يد ابن رَوْح) قبل مجيئه!!!
والحديث الثاني يشتمل على قصة طريفة هي التالية: " ... امْرَأَةٌ دَخَلَتْ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ وَقَالَتْ لَهُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! أَيُّ شَيْءٍ مَعِي؟ فَقَالَ: مَا مَعَكِ فَأَلْقِيهِ فِي دِجْلَةَ ثُمَّ ائْتِينِي حَتَّى أُخْبِرَكِ. قَالَ فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ وَحَمَلَتْ مَا كَانَ مَعَهَا فَأَلْقَتْهُ فِي دِجْلَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ وَدَخَلَتْ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ فَقَالَ لِمَمْلُوكَةٍ لَهُ: أَخْرِجِي إِلَيَّ الْحُقَّةَ. فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ هَذِهِ الْحُقَّةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَكِ وَرَمَيْتِ بِهَا فِي دِجْلَةَ أُخْبِرُكِ بِمَا فِيهَا أَوْ تُخْبِرِينِي؟ فَقَالَتْ لَهُ: بَلْ أَخْبِرْنِي. فَقَالَ: فِي هَذِهِ الْحُقَّةِ زَوْجُ سِوَارِ ذَهَبٍ وَحَلْقَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا جَوْهَرٌ وَحَلْقَتَانِ صَغِيرَتَانِ فِيهِمَا جَوْهَرٌ وَخَاتَمَانِ ....... الخ". وبيَّن «الحسين بن رَوْح» محتويات الحُقَّة دون أن يراها!![311]
نعم هذه القصة تشبه قصص الصوفية، ولا يُصدِّقها إلا من ليس له اطِّلاع على الإسلام والقرآن. وينبغي أن نقول لهؤلاء: إن أنبياء الله لم يكونوا يعلمون الغيب، فها هو سليمان عليه السلام يُرسل الهدهد ليتقصَّى له أخبار سبأ وملكتها، وها هو حضرة موسى (ع) الذي كان من أولي العزم من الرسل لم يكن يعلم قبل عودته إلى قومه من الطور أن أخاه هارون (ع) لم يقع منه أيُّ تقصير تجاه ما فعله قومه من عبادة العجل، كما لم يكن حضرة موسى (ع) يعلم سبب خرق العبد الصالح للسفينة أو سبب قيامه ببناء الجدار دون سؤال أجر على ذلك، كما قال حضرة نوح (ع) عن أتباعه: ﴿وَمَا عِلۡمِي بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١١٢﴾ [الشعراء : ١١٢]. ولم يكن يعقوب (ع) يعلم بوجود ابنه يوسف في مصر وظل سنوات يبكيه حتى ابيضت عيناه. أما هؤلاء النواب المزعومين للإمام فيعلمون كل شيء خاصة الأخبار المتعلقة بالذهب والفضة! ولما كان الراوي مُدركاً لمدى مبالغته في روايته لذا أقسم بالله وبالاثني عشر إمام على صدقه فيما رواه وأنه لم يزد فيه ولم يُنقص منه شيئاً، ليُقنع مُستمعيه بصدق كلامه!! (وعندئذ هل تجرؤون على عدم تصديق كلامه؟!).
* الخبر 70- يرويه «مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ أَحْمَدَ الزَّرْجِيُّ» مجهولُ الحال عن شابٍّ لا نعلم اسمه ولا دينه أنه صاح بجارية اسمها متردد بين غزال وَزلال وقال لها حدِّثي بحديث الميل [أي الكحل] والمولود، فقالت: "كَانَ لَنَا طِفْلٌ وَجِعٌ فَقَالَتْ لِي مَوْلَاتِي ادْخُلِي إِلَى دَارِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فَقُولِي لِحَكِيمَةَ تُعْطِينَا شَيْئاً نَسْتَشْفِي بِهِ مَوْلُودَنَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وسَأَلْتُهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ حَكِيمَةُ ائْتُونِي بِالْمِيلِ الَّذِي كُحِلَ بِهِ المَوْلُودُ الَّذِي وُلِدَ الْبَارِحَةَ يَعْنِي ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فَأُتِيَتْ بِالْمِيلِ فَدَفَعَتْهُ إِلَيَّ وحَمَلْتُهُ إِلَى مَوْلَاتِي فَكَحَلَتِ الْمَوْلُودَ فَعُوفِيَ وبَقِيَ عِنْدَنَا وكُنَّا نَسْتَشْفِي بِهِ ثُمَّ فَقَدْنَاهُ". وهذا خبر مجهول عن مجهول آخر! (وبالطبع يجب عليكم أن تُصدّقوا قصة هَذَيْن المجهولين!!).
ننتقل الآن إلى الباب التالي الذي يتحدث عن أحوال سفراء المهدي في زمن الغيبة الذين ادَّعَوا السفارة عنه والنيابة له:
[268] وضعوا كلمة الكرامة أو خرق العادة (!!) كي لا يعترض عليهم أحد ويقول: وهل لغير الأنبياء معجزات أيضاً؟ [269] هو: الشيخ فريد الدين محمد بن إبراهيم المعروف: بالعطار النيشابوري المتوفى سنة 637هـ، له عديد من الكتب في التصوف [بالفارسية] منها كتابه المذكور «تذكرة الأولياء» ترجم فيه لسبعين شيخاً من مشاهير رجال التصوف وأقطابهم. (المُتَرْجِمُ) [270] هو: عبد الرحمن بن أحمد الجامي الأديب الصوفي ولد سنة 817 وتوفي سنة 898 هـ، له في التصوف عشرات الكتب بالعربية والفارسية، منها كتابه المشار إليه «نفحات الأنس من حضرات القدس في طبقات المشايخ» يذكر فيه مناقب مشايخ الصوفية ونبذ من أقوالهم وكراماتهم. (المُتَرْجِمُ) [271] ومطعونٌ به في كتب رجال الشيعة. (المُتَرْجِمُ) [272] أفضل كتاب وأكثره فائدة للاطِّلاع على أحوال الشلمغاني وعلى كتابه «التكليف» كتاب «معرفة الحديث» للأستاذ محمد باقر البهبودي. (مركز انتشارات علمى وفرهنگى، ص 216 إلى 219)، وقد كتب السيد إقبال الآشتياني عنه أيضاً: "يبدو أن هدفه كان في البداية الاستيلاء على مقام «الحسين بن روح» وإعلان نفسه باباً بدلاً منه". (خاندان نوبختى [الأُسْرَةُ النَّوْبَخْتِيَّة]، ص 223). [273] إن تأمُّلَ رواياتِ هذا الباب من البحار يُبيِّن أن أهم مسألة مطروحة ضمن الأخبار المُتعلّقة بالمهدي ونُوّابه مسألة الأموال والوجوه الشرعية. [274] نقل المجلسي في البحار عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي بسنده عن أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ قال: "لَمَّا أَنْفَذَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رض) التَّوْقِيعَ فِي لَعْنِ ابْنِ أَبِي الْعَزَاقِرِ أَنْفَذَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ فِي دَارِ الْمُقْتَدِرِ إِلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ... الخ". (بحار الأنوار، ج 51، ص 323 - 324). [275] لم يكن الخلفاء العباسيون يتورعون عن رمي الأئِمَّةِ بالسجن ولكن المُثير للانتباه أنهم لم يُرسلوا نائب الإمام إلى السجن بل احتفظوا به في البلاط تحت الإقامة الجبرية. [276] كان من أصحاب حضرة العسكري. راجعوا بشأنه كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ص 190 و 191. [277] بحار الأنوار، ج 51، ص 377. [278] منتهى الآمال، ج 2، ص 507 و508. (وفي النسخة المعرَّبة وعنوانها: منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، تعريب أ. نادر التقي، بيروت، الدار الإسلامية، 1994م/1414هـ ،ج2، ص 672). (المُتَرْجِمُ) [279] كان هناك شبه كبير من هذه الناحية بين «الحسين بن منصور الحلاج» و «ابن روح» مع فارق أن ابن روح كان أذكى من الحلاج وأكثر تجربةً منه. وفي «صلة تاريخ الطبري» أن أبا بكر الصولي قال: " قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيت جاهلاً يتعاقل وصبيّاً يتبالغ وفاجراً يتزهَّد. وكان ظاهره أنه ناسك صوفيّ فإذا علم أن أهل بلدةٍ يرون الاعتزال صار معتزليَّاً أو يرون الإمامة صار إماميَّاً وأراهم أن عنده علماً من أئمَّتهم، أو رأى أهل السنة صار سنيَّاً...". والطريف أنهم لا يعتبرون عمل الحلاج «تقيةً» ولكنهم يعتبرون عمل «ابن رَوْح» تقيةً!! كما أنه من الممُتِع أن نعلم أن السيد «ابن رَوْح» لم يكن يُحبّ إعطاء وصولات عن الأموال التي كان يأخذها من الناس وقد تمكّن من الحصول على موافقة النائب الثاني على هذا الأمر! (بحار الأنوار، ج 51، ص 354). [280] لقد شوّه علماء الشيعة مسألة التقيّة مع الأسف فأخذوا يُبرِّرون كل عمل بحُجّة التقيّة ويُسهّلون الأمر على أنفسهم!! (فتأمل). [281] يكفي لمعرفة مقدار لسانه المعسول أن نعلم أنه كان قادراً على تغيير عقيدة من يلتقي بهم ممن كانوا يُسيئون الظن به فيجعل معظمهم يُغيّرون فكرتهم عنه ويُحسنون الظن به! (بحار الأنوار، ج 51، ص357). وهنا لا ينبغي أيضاً أن نُغفل حماقة مُخاطَبيه وجهالتهم، فمثلاً كان هناك فرد يُدعى «أحمد الخجندي» كان يتقصَّى حقيقة مسألة المهدي ويبحث فيها بكل جدٍّ وإصرار. فكتب إليه «ابن رَوْح» توقيعاً لِـحَرف أفكاره (؟!) مفاده أن الطلب والبحث يجرّان إلى الشرك!! وعبارته هي التالية: "مَنْ بَحَثَ فَقَدْ طَلَبَ وَمَنْ طَلَبَ فَقَدْ دَلَّ وَمَنْ دَلَّ فَقَدْ أَشَاطَ وَمَنْ أَشَاطَ فَقَدْ أَشْرَكَ!". فَكَفَّ الخجندي عَنِ الطَّلَبِ وَرَجَع!! (بحار الأنوار، ج 53، باب ما خرج من توقيعاته، الخبر 22). هذا بدلاً من أن يسأله: بأيّ دليل شرعي تقول هذا الكلام؟ ألم يقل الله تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف: ١٠٧]، أولم يقل جدُّ مهديكم حضرة باقر العلوم (ع): "إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ فَاسْأَلُونِي مِنْ كِتَابِ اللهِ"؟ (فتأمّل جداً). [282] كان «جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتِّيلٍ» أحدَ المُقَرَّبين من «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» (النائب الثاني) وأحد وكلائه. وكان يشتكي قائلاً: "كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعَمْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَهُ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ بِبَغْدَادَ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ رَوْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيهِمْ وَكُلُّهُمْ كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى حَاجَةٍ أَوْ إِلَى سَبَبٍ يُنَجِّزُهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةُ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَيْهِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ!! قَالَ وَقَالَ مَشَايِخُنَا كُنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ كَائِنَةٌ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ إِلَّا «جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتِّيلٍ» أَوْ أَبُوهُ لِمَا رَأَيْنَا مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ ...." (بحار الأنوار، ج 51، 353 - 354). لكن الشخص الذي فاز بالنيابة لم يجلس بالطبع مكتوف الأيدي بل قام – مراعاةً للحيطة والحذر وتقويةً لأمر نيابته- بالسعي إلى إبطال الأثر السلبي لتلك الشكاية وقال على لسان «أم كلثوم» ابنة «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» (النائب الثاني): "كَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ قُدِّسَ سِرُّهُ وَكِيلًا لِأَبِي جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللهُ سِنِينَ كَثِيرَةً يَنْظُرُ لَهُ فِي أَمْلَاكِهِ وَيُلْقِي بِأَسْرَارِهِ الرُّؤَسَاءَ مِنَ الشِّيعَةِ وَكَانَ خِصِّيصاً بِهِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُ بِمَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَارِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَأُنْسِهِ. قَالَتْ: وَكَانَ يَدْفَعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ دِينَاراً رِزْقاً لَهُ غَيْرَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ مِنَ الشِّيعَةِ مِثْلِ آلِ الْفُرَاتِ وَغَيْرِهِمْ لِجَاهِهِ وَلِمَوْضِعِهِ وَجَلَالَةِ مَحَلِّهِ عِنْدَهُمْ فَحَصَّلَ فِي أَنْفُسِ الشِّيعَةِ مُحَصَّلًا جَلِيلًا لِمَعْرِفَتِهِمْ بِاخْتِصَاصِ أَبِي إِيَّاهُ وَتَوْثِيقِهِ عِنْدَهُمْ وَنَشْرِ فَضْلِهِ وَدِينِهِ وَمَا كَانَ يَحْتَمِلُهُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَتَمَهَّدَتْ لَهُ الْحَالُ فِي طُولِ حَيَاةِ أَبِي إِلَى أَنِ انْتَهَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ ......" (بحار الأنوار، ج 51، ص 356). [283] كتب الدكتور عبَّاس إقبال الآشتياني يقول: "أصبح منزل الحسين بن رَوح محلاً لتردد كبار المسؤولين في الدولة العباسية ورجال البلاط والوزراء السابقين وكان بعضهم يستعين بالحسين بن روح لتسيير أعماله لدى الخلفاء والأمراء!". (كتاب خاندان نوبختى [الأُسْرَةُ النَّوْبَخْتِيَّة]، ص 219). [284] انظر كتاب «أخبار الراضي بالله والمتقي لله» لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي (ت 335 هـ.). [285] ليس من المُستبعد أن «ابن رَوْح» كان يدفع إلى جيوب العباسيين مقداراً من الإيرادات التي تأتيه باسم النيابة عن الإمام الغائب، ثم طمع يوماً فلم يدفع لهم حصتهم لذا تعرّض إلى لومهم ومؤاخذتهم ولكنه لما كان مُتعاوناً معهم وصاحب نفوذ بين الشيعة لم يؤدِّ ذلك به إلى الحبس بل بقي في قصر الخليفة تحت الرقابة والإقامة الجبرية كي يُسوُّوا حسابهم معه! [286] هو ثالث نواب وسفراء المهدي الأربعة في فترة غيبته الصغرى حسب عقيدة الإمامية الاثني عشرية. (المُتَرْجِمُ) [287] قراءة الصفحة 26 وما بعدها، من كتابي «سيرتي الذاتية» مفيدة للتعرّف على الأوضاع التي تحدث في الغالب لأجل الوصول إلى الرئاسة الدينية على الناس. [288] راجعوا الصفحة 139 من الكتاب الحاضر. [289] بناء على رواية الكليني (الباب 131، الحديث 3) أوصى الإمام الجواد سنة 220 هجرية عبد الله المساور أن يُسلّم ابنه الإمام الهادي ما تركه الإمام الجواد عندما يصل الهادي إلى سن البلوغ. أي أنه عندما تُوفي الإمام الجواد كان لابنه الهادي 6 أو 8 سنوات من العمر وكان في نظر أبيه غير بالغ، في حين أنه لو كان الإمام يكبر في اليوم أو في الشهر مقدار سنة لكان الإمام الهادي في زمن كتابة تلك الوصية شخصاً راشداً وبالغاً تماماً! فأيّ القولين نُصدّق؟! [290] كتاب «الخرائج والجرائح» تأليف قطب الدين الراوندي من علماء الشيعة الإمامية في القرن السادس الهجري، توفي في قم سنة 573 هـ. [291] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51، ص 294. [292] وهو راوي الحديث 11 من الباب 182 من الكافي الذي أورده المَجْلِسِيّ في الصفحة 297 من المجلد 51 من بحار الأنوار تحت رقم الحديث 14. [293] ونصُّ الرواية عن راويها المجهول يقول: "وُلِّينَا دِينَوَرَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ فَجَاءَنِي الشَّيْخُ قَبْلَ خُرُوجِنَا فَقَالَ إِذَا أَرَدْتَ الرَّيَّ فَافْعَلْ كَذَا فَلَمَّا وَافَيْنَا دِينَوَرَ وَرَدَتْ عَلَيْهِ وَلَايَةُ الرَّيِّ بَعْدَ شَهْرٍ فَخَرَجْتُ إِلَى الرَّيِّ فَعَمِلْتُ مَا قَالَ لِي". (المُتَرْجِمُ) [294] أي أن هناك أقوال مختلفة حول اسم المهدي وحول اسم أمه وحول تاريخ ولادته وكيفية ولادته ونشأته وحول مكان ظهوره ومدة حكمه و... و .. أي حول كل ما يتعلق به! (المُتَرْجِمُ) [295] جاء اسمه في الحديث 31 من الباب 182 من الكافي: «الباقطائي» وهذا يدل أنه كان على ارتباط بالدولة العباسية! وينبغي أن نعلم أن هذا الرجل ذاته الذي وُصف هنا بأنه مُدَّع كاذب هو ذاته الذي حضر في ذلك المجلس الذي عُقد بعد وفاة «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» (النائب الثاني) وكان المُقرّر أن يُنصب فيه «الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ النوبختي» خليفةً له وأن يُصبح النائب الرسمي للإمام الغائب، فحضر «الباقطائي» بوصفه أحد وجوه الإمامية وأكابرهم، والواقع أن نيابة النوبختي تمَّ تأييدها ودعمها والمصادقة عليها من قبل مثل هذا الشخص!! وبالطبع كان أحد الحاضرين الآخرين في ذلك المجلس من أقرباء النوبختي وهو «أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي»! (فَتَأَمَّل). (كتاب «خاندان نوبختي» [أي الأسرة النوبختية]، ص 225). وكان الشخص الآخر في ذلك المجلس المُشار إليه: «أبا علي محمد بن همّام» وأقل ما يُمكن في حقّه أنه كان شخصاً ساذجاً سريع التصديق ولم يكن موثوقاً كثيراً لدى علمائنا! (يُراجع كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ص 229). ما أحسنه من مجلس!! [296] أيها القارئ المحترم لقد أمضى كاتب هذه السطور شطراً كبيراً من عمره في الحوزات العلمية في النجف وقم ومشهد، وعاشرتُ المشايخ سنوات طويلة. وفي رأي هذا العبد الفقير كان «مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ» يتَّبع سياسةً تُشبه سياسة أحد مشايخي وأساتذتي. ففي أيام الشباب عندما كنت أدرس العلوم الدينية في قم كان هناك عالم دين له في قلبي منزلة عزيزة ومحترمة جداً وقد درست عنده ردحاً من الزمن وكنت أحياناً أذهب لزيارته لتفقّد أحواله وكنت ألتقي به في القسم الخارجي من منزله الذي كان غرفةً متواضعةً جداً وحقيرةً وفقيرةً. لم يكن في تلك الغرفة من شيء سوى بساط قديم جداً قد ذهب لونه وكرسيٌّ قديمٌ ومُهترئٌ. كان في نظري أُسوةً في الزهد والتقوى والإعراض عن مباهج الدنيا، إلى درجة أنني وضعت مرّةً ريالاً بشكل سري قرب كرسيّه. إلى أن دعاني بعد مُدّةٍ إلى حفل زفاف ابنته فما إن وضعت قدمي في القسم الداخلي من منزله إلا وأُصبت بالدهشة والحيرة. وجدت غرفاً فاخرةً مليئةً بالوسائل الجيدة والسجادات الثمينة والمرايا الفارهة. والخلاصة وجدت أن ما جعله في الغرفة الخارجية لأجل العامة لم يكن يتناسب أبداً مع أوضاع بيته الداخلية!! (فَتَأَمَّل). والنقطة الأخرى هي أنه لو كان من الواجب على النائب الواقعي للإمام أن يكون زاهداً فلماذا كان النائب الثالث يعيش برفاهية مثل النائبين الكاذبين اللذين جاء ذكرهما في هذه الرواية إلى درجة أنه كان له بوَّاب خاصّ! (راجعوا الصفحة 258 من الكتاب الحاضر). لم يكن النائب الثالث يُعرض عن المال إلى حدّ أنه بالإضافة إلى الأموال التي كانت تصله من قبل الوزراء وكبار أعيان الدولة كان يأخذ كل شهر ثلاثين ديناراً من «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِيِّ» تلقاء إشرافه على أملاكه في حين أن المُتوقّع منه بوصفه تابعاً صادقاً لـ «مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ»، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه لم يكن بحاجة للمال وكان لديه دخل جيد، أن يخدم نائب إمامه لوجه الله وقربةً إلى الله ولا يأخذ على هذه الخدمة مالاً بل يقول: إن الأفضل أن يُنفق هذا المال على ضعفاء الشيعة وعلى تبليغ شريعتنا، وأنه بالنظر إلى مشاغلكم الكثيرة واضطراركم إلى ملاحقة أمور الشيعة وارتباطكم بالإمام فإني بكل رغبة وبدون أيّ طمع مالي أخدمكم وأُساعدكم، لأن أُسرة النوبختي الإمامية كان لديها نفوذ كبير في بغداد بسبب ما لديها من أملاك وثروة ومقام علمي وإداري واعتبار شخصي. (كتاب «خاندان نوبختي» [الأسرة النوبختية]، ص 109). [297] كان يُقال لكل من الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري: ابن الرضا. والمقصود هنا هو حضرة العسكري. [298] لقد أوردوا هذا الجزء من القصة كي يعتبرَ المُخاطَبُ البسيطُ الساذجُ أن الشك والتردد في هذا الموضوع من وسوسة الشيطان فلا يسمح للشك في هذه القصة أن يتسرّب إلى قلبه. (فَتَأَمَّل) والكل يعلم أن العادة كانت حتى زمن قريب أنه عندما ينوي شخص الحجّ يُخبر معارفه وأقاربه وأهل حيّه عن عزيمته هذه ويجتمع الجيران والأقرباء والمعارف لدى الشخص الذي نوى الحجّ هذا العام كي يطلبوا منه أن يدعو لهم ويُودّعوه أو إذا كان لديهم أمانة أن يُرجعوها إليه ويُشيعوه. ولا شك أنه كان لصُناع المهدي جواسيس ومُخبرين في وسط أولئك الجمع من الأفراد وكانوا يُراقبون «أحمد الدينوري» ولعلَّهم كانوا يُرافقونه في وسط القافلة حتى يصل إلى بغداد حيث كان يُرسل ما يلزم من الأخبار إلى بغداد وسامراء كي تتمّ الاستفادة منها في الرسائل الصادرة مِنْ قِبَلِ «الناحية»، ومن الواضح أن هذه الجماعة كانت أكثر حِنكةً وتجربةً وحذاقةً من أعوان «الباقطاني» و «إسحاق الأحمر»! (فَتَأَمَّل) وفي زماننا أيضاً كنا نسمع أخباراً في أيام الحرب العراقية ضد إيران يرويها عدد كثير من الناس يقولون إنهم شاهدوا ظهور شخص نورانيّ (؟!) كان يتراءى لهم من بعيد (؟!) وكان يُقال: إنه المهدي الذي ظهر لأجل تأييد جنود إيران!! وفي رأينا إن مثل هذا العمل أو القول ليس له من فائدة سوى جعل العقلاء يُسيئون الظن بالإسلام والقرآن، ولكن واأسفاه! لا ينتبه العلماء إلى هذا الأمر. [299] تم التعريف به في كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 149- 150. [300] فالسند ساقط من الاعتبار لما فيه من جهالة وانقطاع. (المُتَرْجِمُ) [301] أي يُخالف قوله تعالى: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُ﴾ [لقمان: 34]. (المُتَرْجِمُ) [302] نُذكّر بأن المقصود بالناحية في هذه الروايات الناحية المقدسة أي المهدي الغائب المتواري عن الأنظار في فترة غيبته الصغرى، حسب عقيدة الشيعة الإمامية. (المُتَرْجِمُ) [303] وهم علي بن أبي حمزة البطائني وزياد القندي وعثمان بن عيسى فهؤلاء الثلاثة كانوا وكلاء للإمام موسى بن جعفر وقد اختارهم الإمام بنفسه وعينهم وكلاء له، لكنهم خانوه وأكلوا أمواله وإضافةً إلى ذلك أوجدوا فرقة الواقفية وأنكروا الأئمَّة بعد الإمام موسى بن جعفر وكذَّبوهم في ادِّعائهم للإمامة وفسَّقوهم ومن أراد التأكُّد من ذلك فليراجع كتب رجال الشيعة. (المُتَرْجِمُ) [304] حول هذا القياس الفاسد وغير المُتناسب راجعوا الكتاب الشريف «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] ( تمحيص الحديث السادس، ص 199). [305] هذا الرواية رواية مشهورة عن «إسحاق بن يعقوب» وقد أوردها المجلسيّ في بحار الأنوار، ج52، ص 92، حديث 7، نقلا عن كتاب الاحتجاج للطبرسي. (المُتَرْجِمُ) [306] راجعوا كتاب «نقد مفاتيح الجنان....»، ص 194. [307] يُراجع كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] ص 268 إلى 270. [308] يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول ......»، ص 65، وكتاب «نقد مفاتيح الجنان .....»، ص 326 إلى 328. [309] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 174-175. [310] هذا إذا لم نعتبره قُمِّيَّاً، وإلا فإذا اعتبرناه قُمِّيَّاً فإن معرفته بلغة أهل «آبه» التي كانت من ضواحي قم القديمة لم يكن شيئاً عجيباً إطلاقاً. (راجعوا كتاب: «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة] تأليف الأستاذ عباس إقبال الآشتياني، ص 214). [311] ليس من البعيد أن يكون أحد خُدّام «ابن روح» لحق بالمرأة، ولما رمت المرأة الصندوق في دجلة ورجعت، قام الخادم بأخذ ذلك الصندوق وأوصل نفسه إلى «ابن روح» بسرعة قبل وصول تلك المرأة إليه، وأخبره عن محتويات الصندوق فقام «ابن روح» بعرض التمثيلية التي قرأناها في الحديث أعلاه!! (فلا تتجاهل). وكما تعلمون كان مدّعو النيابة يُمارسون الكثير من هذه الشعوذات ومن جملة ذلك أن «الحسين بن منصور الحلاج» المعروف لدى الخاصة والعامة يبدو أنه سافر مدة إلى الهند لتعلم السحر والشعوذة وكان ماهراً في خداع العوام مثله في ذلك مثل ابن روح! (يراجع في هذا الشأن ما سيأتي في هذا الكتاب الحاضر في صفحة 294). أليس من المضحك أن يكون «الحسين بن روح» الذي تُثبت له هذه الأخبار العلم بالغيب، تنقل عنه الكتب المعتبرة أنه لم يكن له علم ردحاً من الزمن بنشاطات الشلمغاني المنحرفة!! (فتأمَّل) وكما قالوا: كان الشلمغاني في بداية الأمر ينشر أخباراً باسم «الحسين بن روح» وكان يُقدّم نفسه للشيعة الإمامية بوصفه بابه. تروي أم كلثوم ابنة أبي جعفر محمد بن عثمان العَمْري أن الشلمغاني أصبح مقرّباً لدى أبناء بسطام -اللذين كانوا مسؤولين عن دواوين الدولة- وذلك بسبب إقبال «الحسين بن روح» عليه وجعله إياه محترماً لدى الناس. ولما بدأ ارتداده كان يروي كل كذب وكفر باسم الحسين بن روح فكانوا يقبلون ذلك منه إلى أن افتضح أمره وانكشف للحسين بن روح عند ذلك أقدم الحسين بن روح على إنكار تلك الأقاويل التي كان ينسبها إليه. ولما عرفت أم كلثوم بانحرافات الشلمغاني ذهبت إلى النائب الثالث أي الحسين بن روح وقالت: "هُرعت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح وأخبرته عن القصة وقد قبل مني لأنه كان يثق بي". («خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة])، ص 232 و 234).