دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

19 - باب ذكر أخبار المعمرين لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا القائم

19 - باب ذكر أخبار المعمرين لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا القائم

ذكر المجلسيُّ في هذا الباب أخبار المعمّرين الذين عاشوا فترة طويلةً جداً على نحوٍ خارجٍ عن المألوف ليُثبت بذلك الطول الزائد جداً لعمر المهدي ولكي يقول: بما أنه كان هناك أشخاص عمَّروا طويلاً فليس من المُستبعد ولا المحال أن يكون للمهدي أيضاً عمر طويل للغاية ولا ينبغي على المخالفين أن يستبعدوا ذلك! ولكن - كما قلنا سابقاً- يجب أن نعلم:

أولاً: مجرّد إثبات أن الله أعطى عمراً طويلاً جداً لبعض الأشخاص مثل حضرة نوح ÷ لا يكفي لإثبات أن الله أعطى مثل هذا العمر لفرد آخر أيضاً، بل لا بُدَّ من الدليل الذي يُثبت الوقوع الفعلي لهذه الإمكانية. نعم، كان من الممكن أن يهب الله حضرة إبراهيم أو حضرة موسى أو حضرة يوسف أو حضرة خاتَم النبيين ألف سنة من العمر لكنه، كما نعلم، لم يفعل ذلك.

ثانياً: لقد قلنا مراراً إن معجزة نوح في طول عمره الزائد كانت معجزةً خاصَّةً به وحده، ولا يُمكننا أن نُثبتها لسائر الأنبياء أو الأولياء دون دليل. فمثلاً لا يُمكننا أن نقول: إن رسول الله ص كان يكلم الحيوانات ويعلم لغاتها بدليل أن سليمان كان يعلم لغات الحيوانات [الهدهد والنمل]، أو أن نقول: إن عصا عيسى ÷ تحولت ثعباناً بدليل أن عصا موسى صارت ثعباناً، أو أن نقول: إن حضرة داود تكلم في المهد لأن عيسى فعل ذلك وهكذا .......

ثالثاً: لم يقل أحد إن عمر حضرة نوح ÷ الطويل جداً لم يكن يسير سيراً عادياً وأن نوحاً÷ لم يكن يشيخ مع مرور الزمن، أما أنتم فتقولون: إن المهدي بعد ظهوره سيكون شاباً مثل شخص له من العمر ثلاثين أو أربعين عاماً! وهذا في حدّ ذاته إشكال آخر يُضاف إلى إشكال العمر الطويل جداً!! والأخبار التي تستندون إليها حول المُعمِّرين -على فرض صحتها[261]- تدل كلها على أن أصحابها صاروا شيوخاً مُسنِّين وهرمين مما لا ينسجم مع مهديكم الذي يبقى شاباً دائماً.

رابعاً: في بداية خلق البشر كان عمر أكثر الناس طويلاً، ثم أخذ هذا العمر يتناقص بالتدريج، فلا يمكن قياس عمر شخص في القرون الأخيرة على عمر من عاشوا قبل آلاف السنين. فمثلاً: معاصرو حضرة نوح ÷ كان لهم جميعاً أعمارٌ طويلةٌ مثل نوح -رغم أن نوحاً كان أطول عمراً من سائر الناس في عصره، بدليل أنهم كانوا يعتبرونه بشراً مثلهم ويقولون: ﴿مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ [المؤمنون : ٢٤]، ويقولون أيضاً: ﴿مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا [هود: ٢٧]، إذْ لو كان عمر نوح سبعمئة عام وعمر الآخرين سبعين أو ثمانين عاماً لما اعتبره الناس بشراً مثلهم! إضافة إلى ذلك، فإن أجساد أصحاب الأعمار الطويلة كانت تختلف عن أجساد الناس في عصرنا كما قال تعالى بشأن أجساد قوم عاد بعد إهلاكهم: ﴿تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ ٢٠ [القمر: ٢٠]، وقال أيضاً: ﴿فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ ٧ [الحاقة: ٧]. في حين أن تشبيه الناس في العصور المُتأخرة بأعجاز النخل يبدو مُغرقاً في المبالغة[262]. خاصةً أنه قد رُوي: أن رسول الله ص أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [263].

خامساً: جميع الأشخاص الذين عمَّروا طويلاً شاهدهم الناس، فما علاقة ذلك بشخص لم يُشاهده أحد؟

سادساً: قال تعالى بشكل عام: ﴿وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ ٦٨ [يس: ٦٨][264]، وقال أيضاً: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا[الأحزاب: 62 وفاطر: 43]. بناءً على ذلك عليكم إذا حاولتم إثبات عمر طويل جداً للمهدي أن تُقرّوا بظهور عوارض الشيخوخة عليه أيضاً[265]. وفي المثل قال أمير المؤمنين علي ÷ عن نفسه أيضاً: "إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً ورَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي". وروى المَجْلِسِيُّ ذاته في المجلد 52 من «بحار الأنوار» في باب «سيره وأخلاقه وخصائص زمانه» الحديث 30، عن الإمام الرضا ÷ أنه صرّح بضعف بدنه نتيجة كِبَرِ سِنِّهِ وقال خلال كلامه: (وَكَيْفَ أَكُونُ ذَاكَ عَلَى مَا تَرَى مِنْ ضَعْفِ بَدَنِي). ونسأل: ‏ألستم تقولون إن المهدي ابن هؤلاء الأئمة أنفسهم، فكيف يختلف عنهم فلا يشيخ ولا يكون له له ظل..... الخ، من سائر الخصائص العجيبة والغريبة الأخرى التي تُثبتونها له؟!!

سابعاً: كل من يُعمّر طويلاً يُصبح له أولاد وأحفاد وأولاد أحفاد، ولكن مهديكم ليس كذلك! ويبدو أن هؤلاء المُدَّعين لا يعتبرون المهدي تابعاً لسنة رسول الله ص! ولنا أن نسأل: هل تزوّج المهدي أم لم يتزوّج حتى الآن؟ إن تزوّج فأين زوجته وأولاده، ومن رآهم؟ وكيف اطَّلعتم على حاله؟! وإن لم يتزوّج واختار العزوبيّة يكون قد خالف سنن الأنبياء لاسيما سنة جدِّه النَّبِيّ الأَكْرَم ص وأجداده من الأئمَّة!! وقد قال تعالى في كتابه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗ [الرعد: ٣٨].

ثامناً: إن عمر حضرة نوح ÷ المعجز الذي تعتبرونه مظهراً لطول العمر لم يصل بشهادة القرآن إلى ألف عام، أما مهديكم غير المرئي فقد مضى عليه الآن أكثر من ألف وأربعمئة عام! ربّما كان تشبيه المهدي بنوح يُقنع العوام زمن الشيخ الطوسي أو السيد المرتضى، أما اليوم فقد أصبحت القضيّة أكثر إشكالاً!

تاسعاً: معظم أخبار هذا الباب جمعها الشيخ الصدوق الذي كان شخصاً ساذجاً وصفه الشيخ المفيد بأنه لم يكن من أهل التدقيق والتأمُّل في الروايات، وسندها معلول وعلامات الكذب في أكثرها واضحة للعيان!! وعمل المَجْلِسِيّ في جمع مثل هذه الأخبار التي لا اعتبار لها كصنيع من يأتي إلى المحكمة بمئات المستندات المُزوّرة ليُثبت ادِّعاءه فهل يُمكن إثبات أيّ قضية بذلك؟! بالطبع لا.

إن أحاديث -أو بالأحرى قصص وحكايات- هذا الباب تستند بشكل فاضح إلى عقائد العوام وخرافاتهم وهي أكثر إضحاكاً من حكايات الجدَّات!! فمثلاً في الخبر الأول يقول شخص جاوز الثلاثمئة عام من عمره ولا يزالُ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (؟!) عندما سأله الناس عَنْ قِصَّتِهِ وَحَالِهِ وَسَبَبِ طُولِ عُمُرِهِ: "..... فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَالِدٌ قَدْ نَظَرَ فِي كُتُبِ الْأَوَائِلِ وَقَرَأَهَا وَقَدْ كَانَ وَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ نَهَرِ الْحَيَوَانِ [أي ماء الحياة] وَأَنَّهَا تَجْرِي فِي الظُّلُمَاتِ (؟!!) وَأَنَّهُ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا طَالَ عُمُرُهُ فَحَمَلَهُ الْحِرْصُ عَلَى دُخُولِ الظُّلُمَاتِ (؟!!) فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ حَسَبَ مَا قَدَّرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ فِي مَسِيرِهِ وَأَخْرَجَنِي مَعَهُ وَأَخْرَجَ مَعَنَا خَادِمَيْنِ بَازِلَيْنِ وَعِدَّةَ جِمَالٍ لَبُونٍ وَرَوَايَا وَزَاداً وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَسَارَ بِنَا إِلَى أَنْ وَافَيْنَا طَرَفَ الظُّلُمَاتِ [من هنا يتبيّن أن ماء الحياة لم يكن بعيداً كثيراً عنه فليته أعطانا عنواناً أكثر دقّة؟! بالمناسبة في أيّ جهة تقع الظلمات؟! من المفيد أن يطَّلع علماء الجغرافية على هذه القصص!].ثُمَّ دَخَلْنَا الظُّلُمَاتِ فَسِرْنَا فِيهَا نَحْوَ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا [ولكنه لم يقل لنا في أي جهةٍ ساروا! وهذا أيضاً من مشاكل الكذب] وَكُنَّا نُمَيِّزُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ أَضْوَأَ قَلِيلًا وَأَقَلَّ ظُلْمَةً مِنَ اللَّيْلِ فَنَزَلْنَا بَيْنَ جِبَالٍ وَأَوْدِيَةٍ وَرَكَوَاتٍ وَقَدْ كَانَ وَالِدِي يَطُوفُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ فِي طَلَبِ النَّهَرِ......... فَعَثَرْتُ بِنَهَرِ مَاءٍ أَبْيَضِ اللَّوْنِ عَذْبٍ لَذِيذٍ لَا بِالصَّغِيرِ مِنَ الْأَنْهَارِ وَلَا بِالْكَبِيرِ يَجْرِي جَرْياً لَيِّناً فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَغَرَفْتُ مِنْهُ بِيَدِي غُرْفَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً فَوَجَدْتُهُ عَذْباً بَارِداً لَذِيذاً فَبَادَرْتُ مُسْرِعاً إِلَى الرَّحْلِ فَبَشَّرْتُ الْخَدَمَ بِأَنِّي قَدْ وَجَدْتُ الْمَاءَ فَحَمَلُوا مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الْقِرَبِ وَالْأَدَاوِي لِنَمْلَأَهَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ وَالِدِي فِي طَلَبِ ذَلِكَ النَّهَرِ وَكَانَ سُرُورِي بِوُجُودِ الْمَاءِ لِمَا كُنَّا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَكَانَ وَالِدِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَائِباً عَنِ الرَّحْلِ مَشْغُولًا بِالطَّلَبِ فَجَهَدْنَا وَطُفْنَا سَاعَةً هَوِيَّةً فِي طَلَبِ النَّهَرِ فَلَمْ نَهْتَدِ إِلَيْهِ (؟!!) حَتَّى إِنَّ الْخَدَمَ كَذَّبُونِي وَقَالُوا لِي لَمْ تَصْدُقْ فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إِلَى الرَّحْلِ وَانْصَرَفَ وَالِدِي أَخْبَرْتُهُ بِالْقِصَّةِ؛ فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! الَّذِي أَخْرَجَنِي إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَحَمُّلِ الْخَطَرِ كَانَ لِذَلِكَ النَّهَرِ وَلَمْ أُرْزَقْ أَنَا وَأَنْتَ رُزِقْتَهُ وَسَوْفَ يَطُولُ عُمُرُكَ حَتَّى تَمَلَّ الْحَيَاةَ ............... الخ".

أيها القارئ المحترم! أنصف القول! هل هناك من له أدنى ذرّة من نعمة العقل يجرؤ أن يُقدِّم مثل هذه القصة ليُثبت ادِّعاءه أمام مجمع من أساتذة الجامعات أو في وسط من الأشخاص الفضلاء ذوي الفكر والفهم؟! في رأينا إن مثل هذا النموذج من الحديث والنماذج التي ذكرناها في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» علامات تدل على مدى عقل الشيخ الصدوق وعلمه وفهمه! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. لعلّكم تُلاحظون أن مثل هذه الأساطير لا تُثمر سوى سوء ظن الناس بالإسلام وهذه بحدّ ذاتها أكبر مصيبة.

في القصة ذاتها، يروي الفرد المذكور عن رسول الله ص أنه قال: ".... كُنْتُ أَرْعَى الْغَنَمَ فَإِذَا أَنَا بِذِئْبٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ فَقَالَ لِي: وَأَنْتَ مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ [أي أن رسول الله ص كان قبل نبوَّته قادراً على التحاور مع الذئاب بلغتهم!!] قُلْتُ: أَرْعَى الْغَنَمَ ..... فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ وَإِذَا أَنَا بِثَلَاثَةِ أَمْلَاكٍ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا هَذَا مُحَمَّدٌ بَارَكَ اللهُ فِيهِ فَاحْتَمَلُونِي وَأَضْجَعُونِي وَشَقُّوا جَوْفِي بِسِكِّينٍ كَانَ مَعَهُمْ وَأَخْرَجُوا قَلْبِي مِنْ مَوْضِعِهِ وَغَسَلُوا جَوْفِي بِمَاءٍ بَارِدٍ كَانَ مَعَهُمْ فِي قَارُورَةٍ حَتَّى نَقِيَ مِنَ الدَّمِ ثُمَّ رَدُّوا قَلْبِي إِلَى مَوْضِعِهِ وَأَمَرُّوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى جَوْفِي فَالْتَحَمَ الشِّقُّ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى!!.... الخ".

هذا وقد قالوا عن هذا الشخص الراوي طويل العمر أن اسمه «عَلِيَّ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ خَطَّابِ المغربي» وأنه عندما يجوع يبيّض الشعر الذي تحت شفته فإذا شبع اسودّ ذلك الشعر ثانيةً!! وإذا تكلَّم صار ذلك الشعر أحمر اللون!! [جديرٌ باهتمام علماء الحيوان، ولعلّ جناب « عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ المغربي» لم يكن من نوع البشر بل كان ديكاً رومياً!]. ولكن النقطة ذات العبرة أكثر من غيرها أن هذا الديك الرومي يدّعي أنه التقى بإلياس والخضر (؟!) وشرب من أيديهما الماء وأنهما قالا له: "سَتُعَمَّرُ حَتَّى تَلْقَى الْمَهْدِيَّ وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِذَا لَقِيتَهُمَا فَأَقْرِئْهُمَا السَّلَامَ"!! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. أيها القارئ المحترم! فكِّر مليّاً وانظر هل كان الشيخ الصدوق حين كتابة هذه السطور في كتابه «كمال الدين» يفهم ما يكتبه أم لا؟! لقد تذكّرت هنا بيت الشعر عربي:

فإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

الحكاية الثانية: بناءً على نقل الشيخ الصدوق فإنَّ «عُبَيْدَ بْنَ شَرِيدٍ الْجُرْهُمِيَّ» [عَاشَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَ خَمْسِينَ سَنَة، وأدرك النبي ص وأدرك الخلفاء الأربعة وأدرك عهد معاوية ....... الخ] وادَّعى قائلاً: وَأَدْرَكْتُ مَنْ قَدْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ [أي خمسون عاماً أكبر من عمر حضرة نوح!] فَحَدَّثَنِي عَمَّنْ قَدْ كَانَ قَبْلَهُ قَدْ عَاشَ أَلْفَيْ سَنَةٍ!! [ويبدو أنه لم يكن أحد يعرفه سوى الكذابين!].

وهذا الرجل عينه [الموثوق جداً!!] تفضَّل بالقول: "... حَدَّثَنِي مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرٍ [يبدو أنه كان بلا اسم!] أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ النَّابِغَةِ مِمَّنْ دَانَتْ لَهُ الْبِلَادُ كَانَ يُقَالُ لَهُ «ذُو سَرْحٍ» كَانَ أُعْطِيَ الْمُلْكَ فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ وَكَانَ حَسَنَ‏ السِّيرَةِ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ سَخِيّاً فِيهِمْ مُطَاعاً فَمَلَكَهُمْ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ (!!) وَكَانَ كَثِيراً مَا يَخْرُجُ فِي خَاصَّتِهِ إِلَى الصَّيْدِ وَالنُّزْهَةِ فَخَرَجَ يَوْماً إِلَى بَعْضِ مُتَنَزِّهِهِ فَأَتَى إِلَى حَيَّتَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَالْأُخْرَى سَوْدَاءُ كَأَنَّهَا حُمَمَةٌ وَهُمَا يَقْتَتِلَانِ وَقَدْ غَلَبَتِ السَّوْدَاءُ الْبَيْضَاءَ وَكَادَتْ تَأْتِي عَلَى نَفْسِهَا فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِالسَّوْدَاءِ فَقُتِلَتْ وَأَمَرَ بِالْبَيْضَاءِ فَاحْتُمِلَتْ حَتَّى انْتَهَى بِهَا إِلَى عَيْنٍ مِنْ مَاءٍ بَقِيَ عَلَيْهَا شَجَرَةٌ فَأَمَرَ فَصُبَّ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ وَسُقِيَتْ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا نَفَسُهَا فَأَفَاقَتْ فَخَلَّى سَبِيلَهَا فَانْسَابَتِ الْحَيَّةُ وَمَضَتْ لِسَبِيلِهَا وَمَكَثَ الْمَلِكُ يَوْمَئِذٍ فِي مُتَصَيَّدِهِ وَنُزْهَتِهِ فَلَمَّا أَمْسَى وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ حَاجِبٌ وَلَا أَحَدٌ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ رَأَى شَابّاً آخِذاً بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ وَبِهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْجَمَالِ شَيْ‏ءٌ لَا يُوصَفُ فَسَلَّمَ عَلَى الْمَلِكِ فَذَعِرَ مِنْهُ الْمَلِكُ وَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَنْ أَدْخَلَكَ وَأَذِنَ لَكَ فِي الدُّخُولِ عَلَيَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَصِلُ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا غَيْرُهُ؟؟ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: لَا تُرَعْ أَيُّهَا الْمَلِكُ! إِنِّي لَسْتُ بِإِنْسِيٍّ وَلَكِنِّي فَتًى مِنَ الْجِنِّ أَتَيْتُكَ لِأُجَازِيَكَ عَلَى بَلَائِكَ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ عِنْدِي. قَالَ الْمَلِكُ وَمَا بَلَائِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: أَنَا الْحَيَّةُ الَّتِي أَحْيَيْتَنِي فِي يَوْمِكَ هَذَا وَالْأَسْوَدُ الَّذِي قَتَلْتَهُ وَخَلَّصْتَنِي مِنْهُ كَانَ غُلَاماً لَنَا تَمَرَّدَ عَلَيْنَا وَقَدْ قَتَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي عِدَّةً كَانَ إِذَا خَلَا بِوَاحِدٍ مِنَّا قَتَلَهُ فَقَتَلْتَ عَدُوِّي وَأَحْيَيْتَنِي فَجِئْتُ لِأُكَافِيَكَ بِبَلَائِكَ عِنْدِي، وَنَحْنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْجِنُّ لَا الْجِنُّ!! [ما معنى هذا الكلام؟ لعل المعنى في قلب الشاعر!!] فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْجِنِّ؟ ثُمَّ انْقَطَعَ الْحَدِيثَ الَّذِي كَتَبَ أَخِي فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَمَامُهُ."[266].

لاحظوا أن الكذابين لم يعرفوا كيف يُنهوا هذه القصة لذا تركوها مبتورة دون خاتمة، ورغم ذلك جمع جناب الصدوق مثل هذه الأساطير في كتابه؟

وجاء في إحدى هذه القصص والحكايات أنهم وجدوا داخل أحد أهرامات مصر بلاطة قائمة من مرمر فقدَّروا أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها فإذا عليها كتابة يونانية [مع أننا نعلم أن فراعنة مصر كانوا يكتبون باللغة الهيروغليفية[267] لا اليونانية! ثم لماذا كانوا قد كتبوه على الباب وهل تُكتب مثل هذه الموضوعات على الباب؟!] ... [إلى أن يصل في آخر الحكاية إلى قوله عن ذلك المكتوب في الحجر] : "فإذا فيها مكتوب: أنا الريان بن دومغ فسُئِل أبو عبد الله عن الريان من كان هو؟ قال: هو والد العزيز ملك يوسف (ع) واسمه الريان بن دومغ وقد كان عمَّر العزيز سبعمائة سنة وعمَّر الريان والده ألفاً وسبعمائة سنة(!!) وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة (!!!)".

وأقول: إن اختراع الأكاذيب مجاني، فما أحسن أن نُكثر منها!

ونكتفي بهذا المقدار في هذا الباب ونقول: يا حسرةً على أوقات الناس وأعمارهم التي تُضَيَّعُ على مثل هذه الأساطير!

[261] راجعوا بند «تاسعاً» الآتي بعد قليل لمعرفة صحة هذه الأخبار أو سُقمها. [262] أورد المجلسي قول «أبي الفتح الكراجكي» صاحب كتاب «كنز الفوائد» الذي أورد فيه أعمار الأنبياء نقلاً عن التوراة، ونُلاحظ هناك أننا كلما اقتربنا من حضرة إبراهيم فمن بعده نَقُصَت الأعمار. (بحار الأنوار، ج 51، ص 292). [263] التاج الجامع للأصول، ج 2، ص80. (يقول المترجم: الحديث رواه مالك في الموطأ مرسلاً، ويُؤيّد معناه الحديث التالي الذي رواه أحمد في مسنده عن ابن عمر أنه قال: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ص وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ"). [264] قارنوا ذلك بالآية 70 من سورة النحل والآية 5 من سورة الحج. [265] راجعوا الآية 4 من سورة مريم. [266] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 51/ ص 233 -234. (المُتَرْجِمُ) [267] اكتشف «شامبليون» الفرنسي هذه اللغة أول مرة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.