دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

الفصل الأول نظرة إلى الروايات الواردة حول أمّ الإمام الثاني عشر

الفصل الأول نظرة إلى الروايات الواردة حول أمّ الإمام الثاني عشر

1- روى المجلسيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن الشيخ الصدوق في كتابه [إكمال الدين‏] عن أستاذه ابْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اللهِ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: "حَدَّثَتْنِي السيِّدَةُ حَكِيمَةُ بِنْتُ الإمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ التقِيِّ ÷ قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ الإمَامُ الْحَسَنُ العسكريُّ (ع) فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى سَيُظْهِرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحُجَّةَ وهُوَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ. قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ: ومَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ لِي نَرْجِسُ. قُلْتُ لَهُ: واللهِ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ مَا بِهَا أَثَرٌ [من آثار الحَمْل]. فَقَالَ: هُوَ مَا أَقُولُ لَكِ ....... فَلَمَّا أَنْ فَرَغْتُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وأَفْطَرْتُ وأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَرَقَدْتُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ فَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي وهِيَ [أي نرجس] نَائِمَةٌ لَيْسَ بِهَا حَادِثٌ [أي لا خبر عن وضعها لحمل!].. الحديث"[11].

2- رواية أخرى مناقضة للرواية السابقة: يروي المجلسيُّ في كتاب «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي عن السيدة حكيمة قَالَتْ: "بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ ÷ سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِينَ ومِائَتَيْنِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وقَالَ يَا عَمَّةُ اجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ سَيَسُرُّكِ بِوَلِيِّهِ وحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي قَالَتْ حَكِيمَةُ فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ وأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ وخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ ÷ وهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْنِ دَارِهِ وجَوَارِيهِ حَوْلَهُ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي الْخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ مِنْ سَوْسَنَ فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ فَلَمْ أَرَ جَارِيَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ [أي للحمل] غَيْرَ سَوْسَنَ... الحديث"[12].

توضيح: كما لاحظنا ذكرت الرواية السابقة أن اسم الجارية «نرجس» وأنه لم يكن عليها أي أثر من آثار الحَمْل، أما الرواية الأخيرة فتذكر أن اسم الجارية «سوسن» وأن أثر الحَمْل كان ظاهراً عليها!

3- ويروي المجلسيُّ في «بحار الأنوار» رواية أخرى مناقضة لكل من الروايتين السابقتين: "عن بِشْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّخَّاسُ قال: أَتَانِي كَافُورٌ خَادِمُ الإمام علي النقي ÷ فَقَالَ مَوْلَانَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: يَا بِشْرُ! إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ وهَذِهِ المُوَالَاةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ(؟!)، وأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وإِنِّي مُزَكِّيكَ ومُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا الشِّيعَةَ فِي المُوَالَاةِ بِسِـرٍّ أَطَّلِعُكَ عَلَيْهِ وأُنْفِذُكَ فِي ابْتِيَاعِ أَمَةٍ فَكَتَبَ كِتَاباً لَطِيفاً بِخَطٍّ رُومِيٍّ ولُغَةٍ رُومِيَّةٍ وطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ وأَخْرَجَ شُقَّةً صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وعِشْرُونَ دِينَاراً فَقَالَ خُذْهَا وتَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ واحْضُرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةً يَوْمَ كَذَا فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ السَّبَايَا وتَرَى الْجَوَارِيَ فِيهَا سَتَجِدُ طَوَائِفَ المُبْتَاعِينَ مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي الْعَبَّاسِ وشِرْذِمَةً مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى الْمُسَمَّى عُمَرَ بْنَ يَزِيدٍ النَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تَبْرُزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وكَذَا لَابِسَةٌ حَرِيرَيْنِ صَفِيقَيْنِ تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَرْضِ ولمْسِ المُعْتَرِضِ والِانْقِيَادِ لِمَنْ يُحَاوِلُ لَمسَهَا، وتَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةً مِنْ وَرَاءِ سَتْرٍ رَقِيقٍ فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ وَاهَتْكَ سَتْرَاهُ فَيَقُولُ بَعْضُ المُبْتَاعِينَ عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ رَغْبَةٌ فَأَشْفِقْ عَلَى مَالِكَ! فَيَقُولُ النَّخَّاسُ: فَمَا الْحِيلَةُ ولَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ؟ فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ: ومَا الْعَجَلَةُ؟ ولَا بُدَّ مِنِ اخْتِيَارِ مُبْتَاعٍ يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وإِلَى وَفَائِهِ وأَمَانَتِهِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَّاسِ وقُلْ لَهُ إِنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلَطَّفَةً لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وخَطٍّ رُومِيٍّ ووَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ ووَفَاءَهُ ونُبْلَهُ وسَخَاءَهُ تُنَاوِلُهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ ورَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا مِنْكَ قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبُو الْحَسَنِ ÷ فِي‏ أَمْرِ الْجَارِيَةِ. فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً وقَالَتْ لِعُمَرَ بْنِ يَزِيدَ: بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، وحَلَفَتْ بِالْمُحَرِّجَةِ والْمُغَلَّظَةِ أَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَمَا زِلْتُ أُشَاحُّهُ فِي ثَمَنِهَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ ÷ مِنَ الدَّنَانِيرِ، فَاسْتَوْفَاهُ وتَسَلَّمْتُ الْجَارِيَةَ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً، وانْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى الْحُجَيْرَةِ الَّتِي كُنْتُ آوَى إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَمَا أَخَذَهَا الْقَرَارُ حَتَّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا ÷ مِنْ جَيْبِهَا وهِيَ تَلْثِمُهُ وتُطْبِقُهُ عَلَى جَفْنِهَا وتَضَعُهُ عَلَى خَدِّهَا وتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا. فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا: تَلْثِمِينَ كِتَاباً لَا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ؟! فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْعَاجِزُ الضَّعِيفُ الْمَعْرِفَةِ(؟!)بِمَحَلِّ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ[13] أَعِرْنِي سَمْعَكَ، وفَرِّغْ لِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلِيكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا بْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ.......

[وتحكي قصتها ثم يواصل «بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ» حديثه فيقول]:

قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا انْكَفَأْتُ بِهَا إِلَى سامراء دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ الإمَامِ عَليٍّ النَّقِيِّ ÷ فَقَالَ: كَيْفَ أَرَاكِ اللهُ عِزَّ الْإِسْلَامِ وذُلَّ النَّصْـرَانِيَّةِ وشَرَفَ مُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِهِ ÷؟ قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؟ قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكِ فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى ‏لَكِ بِشَرَفِ الْأَبَدِ؟ قَالَتْ: بُشْـرَى بِوَلَدٍ لِي قَالَ لَهَا: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وغَرْباً ويَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً. قَالَتْ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللهِ ص لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ. قَالَ لَهَا: مِمَّنْ زَوَّجَكِ المَسِيحُ ووَصِيُّهُ؟ قَالَتْ: مِنِ ابْنِكَ أَبِي مُحَمَّدٍ ÷. فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفِينَهُ؟ قَالَتْ: وهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَزُرْنِي فِيهَا مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ ؟[14] قَالَ فَقَالَ: مَوْلَانَا يَا كَافُورُ! ادْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ. فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: هَا هِيَهْ فَاعْتَنَقَتْهَا طَوِيلاً وسَرَّتْ بِهَا كَثِيراً. فَقَالَ لَهَا أَبُو الْحَسَنِ ÷: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ! خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ والسُّنَنَ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وأُمُّ الْقَائِمِ ÷"[15].

توضيح: أولاً: ذكر في هذه الرواية أن اسم الجارية هو «مليكة» مما يتناقض مع ما ذكر في الروايتين السابقتين. ثانياً: في الروايتين السابقتين تسأل السيدة «حكيمة» الإمام الحسن العسكري: من هي أم القائم؟ فيجيب: «نرجس». ولكن في هذه الرواية يظهر أنه قبل أن يتزوج الإمام الحسن العسكري من «نرجس» كانت حكيمة تعلم من هي أم القائم، لأن الإمام العاشر عرفها بها وقال لها: هذه أم القائم. فهذا تناقض واضح آخر!

4- الرواية الرابعة التي تناقض كل ما سبق، يرويها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» للصدوق بسنده "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُطَهَّرِيِّ قَالَ قَصَدْتُ حَكِيمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ÷ بَعْدَ مُضِـيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ ÷ أَسْأَلُهَا عَنِ الحُجَّةِ ومَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الحَيْرَةِ الَّتِي فِيهَا. فَقَالَتْ لِي: اجْلِسْ فَجَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَتْ لِي: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى لَا يُخَلِّي الأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ نَاطِقَةٍ أَوْ صَامِتَةٍ ولَمْ يَجْعَلْهَا فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ تَفْضِيلًا لِلْحَسَنِ والْحُسَيْنِ (ع) وتَمْيِيزاً لَهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي الأَرْضِ عَدِيلُهُمَا، إِلَّا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى خَصَّ وُلْدَ الحُسَيْنِ بِالْفَضْلِ عَلَى وُلْدِ الحَسَنِ كَمَا خَصَّ وُلْدَ هَارُونَ عَلَى وُلْدِ مُوسَى وإِنْ كَانَ‏ مُوسَى حُجَّةً عَلَى هَارُونَ والْفَضْلُ لِوُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَة، ولَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ حَيْرَةٍ يَرْتَابُ فِيهَا المُبْطِلُونَ ويَخْلُصُ فِيهَا المُحِقُّونَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ! وإِنَّ الحَيْرَةَ لَا بُدَّ وَاقِعَةٌ بَعْدَ مُضِـيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ (ع). فَقُلْتُ: يَا مَوْلَاتِي! هَلْ كَانَ لِلْحَسَنِ (ع) وَلَدٌ؟ فَتَبَسَّمَتْ ثُمَّ قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَسَنِ (ع) عَقِبٌ فَمَنِ الحِجَّةُ مِنْ بَعْدِهِ؟ وقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الإِمَامَةَ لَا تَكُونُ لِأَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ (ع)، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدَتِي! حَدِّثِينِي بِوِلَادَةِ مَوْلَايَ وغَيْبَتِهِ (ع)؟ قال [قَالَتْ‏] : نَعَمْ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا نَرْجِسُ فَزَارَنِي ابْنُ أَخِي (ع) وأَقْبَلَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهَا فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي! لَعَلَّكَ هَوِيتَهَا فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَا يَا عَمَّةُ لَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْهَا. فَقُلْتُ: ومَا أَعْجَبَكَ؟؟ فَقَالَ (ع): سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدٌ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ الَّذِي يَمْلَأُ اللهُ بِهِ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً. فَقُلْتُ: فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: اسْتَأْذِنِي فِي ذَلِكَ أَبِي. قَالَتْ فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وأَتَيْتُ مَنْزِلَ أَبِي الحَسَنِ فَسَلَّمْتُ وجَلَسْتُ فَبَدَأَنِي (ع) وقَالَ يَا حَكِيمَةُ ابْعَثِي بِنَرْجِسَ إِلَى ابْنِي أَبِي مُحَمَّدٍ. قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي عَلَى هَذَا قَصَدْتُكَ أَنْ أَسْتَأْذِنَكَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا مُبَارَكَةُ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَكِ فِي الأَجْرِ ويَجْعَلَ لَكِ فِي الخَيْرِ نَصِيباً. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي وزَيَّنْتُهَا ووَهَبْتُهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ وجَمَعْتُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِي فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّاماً ثُمَّ مَضـَى إِلَى وَالِدِهِ، ووَجَّهْتُ بِهَا مَعَهُ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبُو الحَسَنِ (ع) وجَلَسَ أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) مَكَانَ وَالِدِهِ وكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي وقَالَتْ يَا مَوْلَاتِي نَاوِلْنِي خُفَّكِ فَقُلْتُ بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي ومَوْلَاتِي واللهِ لَا دَفَعْتُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ ولَا خَدَمْتِينِي بَلْ أَخْدُمُكِ عَلَى بَصَرِي فَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) ذَلِكَ فَقَالَ: جَزَاكِ اللهُ خَيْراً يَا عَمَّةُ! فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ إِلَى وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصِحْتُ بِالْجَارِيَةِ وقُلْتُ: نَاوِلِينِي ثِيَابِي لِأَنْصَـرِفَ.... الحديث"[16].

توضيح: يتبـيَّن من هذه الرواية أن «حكيمة» كانت تعلم بالأمر قبل أن يتزوج الإمام الحسن العسكري من تلك الجارية، بل هي التي هيَّأَتْهَا له للزفاف، ولكن الروايتين الأوليين ذكرتا أنه عندما حملت الجارية بالمهدي لم تكن «حكيمة» تعلم بالقضية أصلاً! وهذا تناقض واضح.

وثانياً: جاء في هذه الرواية: ".. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَـى أَبُو الحَسَنِ [الإمام علي النقي] ÷ وجَلَسَ أَبُو مُحَمَّدٍ [الإمام الحسن العسكري] ÷ مَكَانَ وَالِدِهِ وكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ، فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي....". أي أن حكيمة ذهبت صدفةً إلى منزل الإمام الحسن العسكري، في حين أن الروايتين الأوليين ذكرتا أن الإمام العسكري هو الذي نادى حكيمة وطلبها إليه وقال لها: "يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.."، فهذا أيضاً تناقضٌ جليٌّ آخر.

ثالثاً: هذه الرواية تبين أن «نرجس» كانت جارية «حكيمة»، وأنه قبل أن يتزوجها الإمام الحسن العسكري لم تكن «حكيمة» تعلم أنها ستكون أم الإمام القائم، في حين أن الرواية الثالثة ذكرت أن الإمام الحسن العسكري هو الذي عرَّف حكيمة بنرجس وقال لها: «هذه أم القائم!» فهذا تناقض واضح آخر أيضاً.

5- الرواية الخامسة التي تناقض كل ما سبق: يرويها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» بسنده "عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الخَيْزَرَانِيِّ عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ الحسن العسكري ÷ ... قَالَ أَبُو عَلِيٍّ [الخَيْزَرَانِيُّ] فَحَدَّثَتْنِي أَنَّهَا حَضَرَتْ وِلَادَةَ السَّيِّدِ (ع) وأَنَّ اسْمَ أُمِّ السَّيِّدِ صَقِيلُ وأَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (ع) حَدَّثَهَا بِمَا جَرَى عَلَى عِيَالِهِ فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا بِأَنْ يَجْعَلَ مَنِيَّتَهَا قَبْلَهُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ فِي حَيَاةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)"[17].

[11] بحار الأنوار، ج 51، ص2، حديث رقم 3. [12] بحار الأنوار، ج 51، ص 17، حديث رقم 25 . [13] لماذا تحدثت مع مبعوث الإمام بهذه الصورة الحادة والعنيفة؟ إنه لم يقل شيئاً سيئاً! [14] هل فهم واضع هذه الرواية هذا الكلام الذي لفَّقه؟ ومن أسلمت على يد الزهراء عليها السلام كيف لم تكن تعرف فرائض الإسلام ومستحباته، حتى يقول لها الإمام، كما في تتمة الرواية: "خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ والسُّنَنَ"؟! [15] بحار الأنوار، ج 51، ص 6 - 10، حديث رقم 12. [16] بحار الأنوار، ج 51، ص 11 - 12، حديث رقم 14. [17] بحار الأنوار، ج 51، ص 5، حديث رقم 10.