دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

[بطلان عـقيدة الرجعة][407]

[بطلان عـقيدة الرجعة][407]

لا يخفى بالطبع أن تلك القصة تستند إلى القول بالرجعة - أي رجعة بعض الأموات إلى الدنيا قبل قيام القائم -. وينبغي أن نقول لواضعي مثل هذه الروايات: إن القول برجعة بعض الأموات إلى هذه الدنيا قبل يوم القيامة قول مخالف لكثير من آيات القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ١٥ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تُبۡعَثُونَ ١٦ [المؤمنون : ١٥، ١٦]. وينبغي أن ننتبه إلى الآيات التي جاءت قبل هاتين الآيتين وذكرت مراحل خلق الإنسان كلها (قبل الولادة وحتى القيامة) لذلك لا يُمكننا القول إن الله صرف النظر هنا عن ذكر إحياء بعض الخلق قبل القيامة وبعد موتهم وانتقالهم إلى عالَم البرزخ (أي الرجعة)!! أضف إلى ذلك أنه ليس ممكناً للإنسان في أيِّ مرحلة من مراحل خلقه ونُموِّه وتكامله أن يرجع إلى المراحل السابقة، وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكننا أن نقول -دون دليل قويم- أن بعض الناس سيرجعون إلى الدنيا بعد أن كانوا قد انتقلوا منها إلى عالَم البرزخ أي عالَم ما بعد مرحلة الدنيا! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).

وقال تعالى أيضاً: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٠٠ [المؤمنون : ٩٩، ١٠٠].بعد هاتين الآيتين مباشرة ذكر الله تعالى النفخ في الصور والقيامة ولم يذكر أيّ شيء عن الرجوع إلى الدنيا قبل القيامة لأنه لا يوجد بين الموتة الأولى وبين القيامة إلا البرزخ فقط لا غير.

وقال تعالى: ﴿أَفَمَا نَحۡنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨ إِلَّا مَوۡتَتَنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ ٥٩ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٦٠ [الصافات : ٥٨، ٦٠]. في هذه الآية الكريمة يُبيِّن الله تعالى لنا تعجُّب أهل الجنة وسعادتهم من أنهم ماتوا مرَّة واحدة في الدنيا ولن يموتوا بعد ذلك بالجنة مع أنه لو كان هناك في الدنيا رجعة لكان هناك موت ثان ولما قالوا: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى. وكذلك قال تعالى: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰ[408]...... [الدخان: ٥٦]،وقال أيضاً: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ٣٠ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ ٣١ [الزمر: ٣٠، ٣١]. وقال أيضاً: ﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢٧ بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡل [الانعام: ٢٧، ٢٨] ، وقال كذلك عن المُسيئين: ﴿وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ ٩٥ [الأنبياء: ٩٥]، وقال: ﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَيۡهِمۡ لَا يَرۡجِعُونَ ٣١ [يس: ٣١]، وقال: ﴿فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ تَوۡصِيَةٗ وَلَآ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ يَرۡجِعُونَ ٥٠ [يس: ٥٠]. بناءً على هذه الآيات فإن «الرَّجْعَةَ» كذب محض لا أساس له على الإطلاق وهي من وضع الوضاعين الكذبة.

وللأسف لقد تلاعبوا بمعنى الآية 95 من سورة الأنبياء وخدعوا العوام حين جعلوها آيةً تُثْبِتُ «الرَّجْعَةَ» مع أنها في الواقع آيةٌ تنفي «الرَّجْعَةَ» بكل وضوح!! فمثلاً نسب «ابن أبي عُمير» الذي لا اعتبار لحديثه، و «ابن سنان» الكذاب الضعيف، إلى الإمام كلاماً يُظهره بمظهر الجاهل بالقرآن، وافتروا على حضرات الصَّادقَيْن -عليهما السلام- أنهما قالا: "كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اللهُ أَهْلَهُ بِالْعَذَابِ لَايَرْجِعُونَ فِي «الرَّجْعَةِ»، فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ فِي «الرَّجْعَةِ» لِأَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَايُنْكِرُ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْقِيَامَةِ مَنْ هَلَكَ وَمَنْ لَمْ يَهْلِكْ، فَقَوْلُهُ لايَرْجِعُونَ، عَنَى فِي الرَّجْعَةِ فَأَمَّا إِلَى الْقِيَامَةِ يَرْجِعُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ"!! (بحار الأنوار، ج 53، ص 52، الحديث 29، نقلاً عن تفسير «علي بن إبراهيم» الخرافاتي).

أولاً: تعلمون يقيناً أن القرآن لا يقتصر على آية واحدة حول هذا الموضوع بل لا بُدَّ من الانتباه إلى سائر الآيات المُتعلِّقة بهذا الموضوع، كما قمنا قبل قليل بذكر سائر الآيات ذات العلاقة بهذا الموضوع.

ثانياً: من الواضح تماماً أن الآية 95 من سورة الأنبياء بَيَّنَت الأمر بالصورة العُرفية التي يفهمها عوام الناس وخواصهم وهي مُوجَّهة لكل عاقل منصف لا يسعى إلى تحميل عقيدة اعتنقها من قبل على معنى الآية، بل يُدرك مفهوم الآية بوضوح تام، كما أنه لم يقع أيُّ اختلاف حتى الآن في فهم الآية 151 من سورة الأنعام! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). وسنذكر الآية المرادة كي يحكم القارئ الكريم بنفسه حول هذه المسألة. يقول تعالى: ﴿قُلۡ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشۡهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَاۖ فَإِن شَهِدُواْ فَلَا تَشۡهَدۡ مَعَهُمۡ [الانعام: ١٥٠] ثم قال تعالى في الآية التي أشرنا إليها: ﴿قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم [الانعام: ١٥١]. فهل قال عاقلٌ حتى الآن أن الآية قالت: يحرم عليكم أن لا تُشركوا بالله ويحرم عليكم أن لا تقتلوا أولادكم وأن لا تقتلوا النفس التي حرَّم الله ....... الخ؟!! أو قال عن الآية التي تقول: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَ[409]..... [الأعراف: ١٢] ، إن المقصود أن الله وبَّخ إبليس لأنه سجد؟!![410]

بالطبع إن مفهوم الآية 95 من سورة الأنبياء واضح أيضاً وهو أن الهالكين لا «رَجْعَةَ» لهم إلى الدنيا (كما قال تعالى في الآية 93: «كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ»)، ولما كان إثبات الشيء لا ينفي ما عداه بالطبع فإن الذي يُفهَم بوضوح من سائر آيات القرآن أن الصالحين أيضاً لا رجعة لهم إلى الدنيا، ولم يكن القرآن في تلك الآية في صدد الفصل بين الهالكين وغيرهم بشأن هذا الأمر [أي عدم رجوعهم إلى الدنيا] على الإطلاق. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).

ثالثاً: إن الآية 95 من سورة الأنبياء ليست في صالح مسألة الرجعة أبداً لأنه طبقاً لعقيدة المُعتقدين بالرجعة لا يرجع إلى الدنيا إلا من بلغ أعلى المراتب في الكفر أو الإيمان، وبناءً على ذلك، فمن لوازم الرجعة مثلاً أن يرجع موسى وفرعون، في حين أن الله أهلك فرعون وآله بالعذاب (الأنفال: 54) وَمِنْ ثَمَّ فإنَّهم لن يرجعوا إلى الدنيا بناءً على الرواية المذكورة أعلاه!! [التي قالت: كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اللهُ أَهْلَها بِالْعَذَابِ، لَا يَرْجِعُونَ فِي «الرَّجْعَةِ»]. فإن قلتَ: إن «الرَّجْعَةَ» خاصة بهذه الأمة لا غيرها! سألنا: ما هي الحكمة من رجعة أبي بكر وعمر حسب قولكم وعدم رجعة نمرود وفرعون؟!!

[407] هذا العنوان من عندي للتوضيح. (المُتَرْجِمُ) [408] لما استخدم تعالى كلمة «الموتة» بدلاً من كلمة «الموت» ترجمناها بموتة واحدة. [409] لاحظوا الآيات من 148 حتى 152 من السورة ذاتها. [410] ما يريد المؤلف رحمه الله قوله هنا: هو أن «لا» زائدة وأن معنى الآية 95 من سورة الأنبياء: حرام على قرية أهلكناها رجوعهم إلى الدنيا. (المُتَرْجِمُ)