دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

26- باب فضل انتظار الفرج ومدح الشيعة في زمان الغيبة وما ينبغي فعله في ذلك الزمان

26- باب فضل انتظار الفرج ومدح الشيعة في زمان الغيبة وما ينبغي فعله في ذلك الزمان

أورد المجلسيُّ في هذا الباب 77 حديثاً حسب الظاهر، إلا أن الواقع أن معظمها مكرر إما في هذا الباب ذاته أو في الأبواب السابقة! وسنقوم بدراسة وتمحيص عدد من هذه الأحاديث كنموذج فقط، وليس من الصعب على القارئ المحترم أن يدرك حال سائر الأحاديث:

* الحديث 5 - راويه إما «علي بن إبراهيم القمي» أي ذلك الأحمق ذاته القائل بتحريف القرآن، أو شخص ضعيف مثل «عَمْرو بن شِمْر». وأما متنه ففي البداية ينسب الرواة إلى الإمام الباقر (ع) أنه يوصي أصحابه قائلاً: ".. واكْتُمُوا أَسْرَارَنَا". فأقول: ليس من المعلوم ما هي أسرارهم؟ فإن كانت أموراً دينيّة أي من عقائد الدين وأحكامه فإن كتمانها حرام، وكل من يكتم أحكام الله فإنه يستوجب اللعن من الله، كما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ ١٥٩ [البقرة: ١٥٩]، إضافةً إلى أن أحكام الدين ليست من الأسرار بل لابد من إعلانها على نحو متساو لجميع الناس ولا ريب أن الرسول المبلغ عن الله الذي وصفه ربه بأنه «رحمة للعالمين» لا يضِنُّ على أحدٍ في إبلاغ رسالة الرحمة الإلـهية، كما قال تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٖ [الأنبياء: ١٠٩][375]، وبناءً عليه فلم يُبلّغ رسول الله ص شيئاً على نحو سرِّي لأحد. أما إن كان المقصود من «الأسرار» نشاطات الإمام السياسية ضد الحكومة الجائرة في عصره ودعوته الناس إلى إقامة الحكم العادل، ففي هذه الحالة يتوجَّب على الشيخ الطوسي، وتبعاً له يجب على المَجْلِسِيّ أن يعدلا عن قولهما بأن الحكومات قبل المهدي لم تكن تواجه أيّ خطر أو تهديد مِنْ قِبَلِ الأئمة، ولو قبلوا ما جاء في هذا الحديث ونظائره فلن يبقى ثمَّة دليل أو عذر لغيبة المهدي وحرمان الأمة من حضوره.[376] (فَتَأَمَّل)

ثم يقول الإمام الباقر (ع) في بقية هذا الحديث: "وانْظُرُوا أَمْرَنَا ومَا جَاءَكُمْ عَنَّا فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ فِي الْقُرْآنِ مُوَافِقاً فَخُذُوا بِهِ وإِنْ لَمْ تَجِدُوا مُوَافِقاً فَرُدُّوهُ".

أقول: وهذا كلام حقٌّ، وقد رُوِيَتْ رواياتٌ عديدةٌ عن الأئِمَّة في هذا المعنى، لكن للأسف كثير من الشيعة الذين يدَّعون حبَّ الأئِمَّة واتِّباع أقوالهم، لا يطبّقونها فتجد في كتبهم كثيراً من الأمور المخالفة للقرآن.

* الحديث 6 - عددٌ من الضعفاء والغلاة مثل «الْعَمْرَكِيِّ الْبُوفَكِيِّ» يروون: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ أنه سأل الإمام الصادق (ع) "مَا طُوبَى؟ قَالَ (ع): شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَصْلُهَا فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) ولَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا وفِي دَارِهِ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا وذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طُوبى‏ لَـهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ"!!

لاحظوا إلى أيّ حدٍّ كان أولئك الرواة يلعبون بعقول العوام ويخدعونهم. لقد وضعوا هذا الحديث لمن لا علم له بالقرآن ولا معرفة له بالمسائل الدينية لاسيما أن عدد المُتعلِّمين في كل مدينة وبلدة في تلك الأزمنة الماضية كان قليلاً والعالمين منهم بالقرآن والأحاديث أقل، بل نادرين.

وأما قصة هذا الحديث فاعلم أن الله تعالى قال في كتابه: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَ‍َٔابٖ ٢٩ [الرعد: ٢٩]. كما تلاحظون ليس في هذه الآية أيُّ إشارة إلى شجرةٍ، والآية عامة وتتحدث عن عاقبة المؤمنين الذين عملوا الصالحات، وقد فسَّر المُفسِّرون أيضاً الآية المذكورة بهذا المعنى، وبالطبع لا يجوز للمُفسِّر أن ينسب الأقوال غير الموثوقة إلى كلام الله تعالى. ولكن لا يخفى أنه قد شاعت بين المسلمين أحاديث -بغضّ النظر عن صحتها وسقمها- تُفيد أن «طوبى» اسم شجرة في الجنة كبيرة جداً جداً أصلها في المكان الذي يقطن فيه النبيّ ص في الجنة، وأغصانها المُتعدّدة تُظلِّل أماكن جميع المؤمنين في الجنة. ومن الجدير بالذكر أن الحديث الذي ذكر هذا الأمر موقوف على «أبي سعيد الخدري» وليس مُتَّصلاً بالنبيّ ص فهو حديث غير مُعتبر، كما أن سائر الروايات في هذا الموضوع لا تتمتَّع بوضع حسن. (يُراجع في ذلك تفسير «مجمع البيان» للطبرسي). وَعَلَى كُلِّ حَال، ليس للرواية المذكورة علاقة بالمهدي، ولكن الطريف في الأمر أن «ابن فضَّال» الواقفي الذي لا يؤمن بإمامة خمس أئمة من الأئمة الاثني عشر روى لنا هذا الحديث لإثبات المهدي! وجاء إلى آية قرآنية عامة فجعلها خاصة بمُنتظري القائم الموهوم كي يخدع العوام بذلك!

* الحديث 8 - يرويه أبو الجارود وهو من الضعفاء[377]، فيقول: "عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: ذَاتَ يَوْمٍ وعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ‏ اللهُمَّ لَقِّنِي إِخْوَانِي مَرَّتَيْنِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَ مَا نَحْنُ إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: لا إِنَّكُمْ أَصْحَابِي وإِخْوَانِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ آمَنُوا ولَمْ يَرَوْنِي لَقَدْ عَرَّفَنِيهِمُ اللهُ بِأَسْمَائِهِمْ وأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ أَصْلابِ آبَائِهِمْ وأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ...".

أقول: ولكن الله تعالى قال لرسوله في القرآن الحكيم: ﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ ٩ [الأحقاف: ٩] كما أنه لما جاءه ابن أُمّ مكتوم الضرير يسعى وكان ص مشغولاً بدعوة كبار قريش فعبس وتولى عنه عاتبه ربه تعالى قائلاً: ﴿وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣ أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ ٤ [عبس : ٣، ٤][378]. كما قال تعالى لنبيّه في سورة التوبة: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ [التوبة: ١٠١]. وبناءً على ذلك، فليس من وظيفة رسول الله ص أن يعلم السعداء من الأشقياء بل وظيفته الإبلاغ والبشارة والإنذار، فالقرآن الكريم يردُّ كَذِبَ «أبي الجارود».

* الأحاديث 9 و10 و60 - راجعوا بشأن هذه الأحاديث الثلاثة ما ذكرناه في الكتاب الحاضر (ص187).

* الحديثان 13و20 - يرويهما «علي بن إبراهيم» الأحمق الذي يعتقد بتحريف القرآن، عن شخص مجهول باسم «بسطام بن مرة» عن شخص ضعيف ملعون يُدعى «عمرو بن ثابت»، ينسب إلى سيد العابدين أنه قال: "مَنْ ثَبَتَ عَلَى وَلايَتِنَا فِي غَيْبَةِ قَائِمِنَا أَعْطَاهُ اللهُ أَجْرَ أَلْفِ شَهِيدٍ مِثْلِ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وأُحُدٍ"!!

ينبغي أن نقول: إن الله تعالى مدح شهداء بدر وأُحد، ولكننا لا نجد في القرآن أيّ كلام عن شيعة زمن الغيبة. والحديث 20 مرويّ عن «عمار الساباطي» فطحيّ المذهب الذي لم يكن يؤمن بالاثني عشر إمام! من المعلوم إذن أن هؤلاء الرواة الكذابين كان يرمون إلى تحقير أصحاب رسول الله ص الذين نزلت آيات كثيرة في مدحهم! ولا نملك إلا أن نقول لعنة الله على الكذَّابين. وفي هذا الباب أحاديث كثيرة من هذا النمط.

* الحديث 24 - في سنده «عَنِ الأسَدِيِّ عَنِ النَّخَعِيِّ عَنِ النَّوْفَلِيِّ» والثلاثة إما ضعفاء ومجروحون أو من الغلاة ولا يُعتدُّ بروايتهم!

* الحديث 34 - راويه «الْفَضْل بْن أَبِي قُرَّةَ» ضعيفٌ ومتنه يتعارض مع قوله تعالى ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]، يُراجع بِشأنه ما قلناه في التعليق على الحديث رقم 49 في باب «النهي عن التوقيت».

* الحديث 35 - يرويه «العيّاشيُّ» الذي كان شخصاً قليل العلم وخرافاتياً [وكثير الرواية عن الضعفاء] وافترى على حضرة باقر العلوم (ع) رواية حول الآية 77 من سورة «النساء» المدنية تقول: "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [الباقر] (ع) فِي قَوْلِهِ ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ [النساء : ٧٧]: إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الإمَامِ، فَطَلَبُوا الْقِتَالَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْحُسَيْنِ (؟!!) قَالُوا: ﴿أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ [إبراهيم: ٤٤](؟!!)، أَرَادُوا تَأْخِيرَ ذَلِكَ إِلَى الْقَائِمِ (ع)"!!

وسنأتي بنص الآيات التي تم الاستشهاد بها ليتضح مدى كذب هؤلاء الوضَّاعين! قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا ٧٧ [النساء : ٧٧].

كما تلاحظون تخاطب الآية والآيات التي تتلوها (حتى الآية 81) المنافقين وضعاف الإيمان الذين كانوا بين المسلمين زَمَنَ رسولِ اللهِ ص قبل أن ينزل الإذن بالقتال، وكان يُقال لهُم أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وجاهدوا أنفسكم واصبروا وتحمَّلوا الأذى وكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وامتنعوا عن قتال المشركين، ولكنهم كانوا يقولون لا ينبغي أن نجلس مكتوفي الأيدي أمام ظلم المشركين واضطهادهم لنا، ولكن لمَّا حلَّ زمنُ الدفاع ومواجهة المشركين المعتدين على المسلمين في المدينة، خافوا من المشركين وتقاعسوا عن الجهاد ولم يرغبوا في الحضور في ساحات القتال بل كانوا يختلقون الأعذار ليَفِرُّوا من الجهاد!

أما الآية الثانية التي ورد ذكرها في الرواية فهي قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَ لَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ ٤٤ [إبراهيم: ٤٤].

كما تلاحظون، تتعلق هذه الآية بكل وضوح بيوم القيامة، ولا علاقة لها بمنكري المهدي أو بمعارضيه. ثانياً: السورة مكية ونزلت قبل سورة النساء لكن العياشي الخرافاتي قليل العلم يقول: "فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ القِتَالُ مَعَ الحُسَـيْنِ(؟!!) قَالُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ أي إِلَى زمن الْقَائِمِ!! وينبغي أن نسأل العياشي: لقد جاء في الآية أن الله أمر هؤلاء القائلين باتِّباع الرسل، فهل تعتبرون «المهدي» من «الرسل» حتى أوَّلْتُم الآية بالمهدي؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!

ثم إنَّ الأفعال التي وردت في الآية مثل: "قيل" و"كُتِبَ" و"قالوا" أفعال ماضية كُلُّها ولا يمكن أن تتعلق بزمن الإمام الحسين، لكن رغم ذلك نجد العياشي يتغافل عن هذا الأمر ويقول إن الآية تتعلَّق بزمن سيد الشهداء(ع)!!

للأسف لقد تلاعب رُوَاة العياشي بمعاني آيات القرآن ونسبوا أكاذيبهم إلى حضرة الباقر (ع) ويبدو أنهم كانوا يعتبرون الإمام الباقر جاهلاً باللغة العربية!

* الحديث 40 - في سنده عدو القرآن «علي بن أبي حمزة البطائني»[379] الواقفي الذي لا يؤمن بالأئمة بعد حضرة الكاظم، ويروي رواية تدل على تحريف القرآن!! إذ يقول: إن المهدي يُبايع الناس على كتاب جديد!!

* الحديث 42 - حديثٌ عن ضعفاء وكذابين[380].

* الحديث 44 - يرويه عدد من الضعفاء والمجاهيل الذين يروون قصة تتعلّق بعصر أبي مسلم الخراساني!

ملاحظة: كثيرٌ من روايات هذا الباب تأمر بالسكوت والجلوس في المنزل وعدم المشاركة في الثورات ضد الحكام الظالمين الجائرين!! لقد ذكر المَجْلِسِيّ هنا عدداً من أحاديث الكُلَيْنِيّ، وبما أننا تعرّضنا إلى دراستها ونقدها في كتاب «بت شكن» [كسر الصنم] أو كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» فلا داعي لتكرار كلامنا عليها ثانيةً هنا.

* الحديثان 53 و57 - يتضمنان تلاعباً بمعنى الآية 71 من سورة الإسراء[381] فلا بُدَّ من مراجعة الصفحات 324-325 و422 و701-703 من كتاب «كسر الصنم».

* الحديث 58 - هذا الحديث من الأحاديث التي لا تصبُّ في مصلحة حكومة عصرنا لأنه يقول: "كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (ع) فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ"! وعلى المسؤولين في بلادنا أن يُفكّروا بحلّ بشأن مثل هذه الأحاديث!

* الحديث 59 - هو حديث فاضح جداً يُعرف بحديث «اللوح» ولا حاجة لإعادة نقده، ويُمكنكم الرجوع في ذلك إلى الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 167 فما بعد) وإلى التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 183 «باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم»، ص 862 فما بعد)، والكتاب الشريف «معرفة الحديث» للأستاذ محمد باقر البهبودي (ص 109).

* الحديث 63 - عبارة عن جمل مأخوذة من نهج البلاغة ولا علاقة لها على الإطلاق بالمهدي، لأن أمير المؤمنين علي ÷ كان يُرغِّب أصحابه في كثير من خطبه بالجهاد. وثانياً: قام ابنا ذلك الإمام الجليل أي حضرات الحسنين -عليهما السلام- بالسيف في وجه طواغيت عصرهما. وأكثر ما تدل عليه هذه الجمل أن الإمام علياً (ع) نهى عن الثورة غير المدروسة وغير المُعَدّ لها جيداً ونهى عن الاستعجال في الأمور، ولا علاقة لذلك بالمهدي (= ابن حضرة العسكري). وينبغي أن نقول: الغريق يتشبَّث بِكُلِّ حشيش!

* الحديث 76 - يرويه عدد من الضعفاء من جملتهم «علي بن أبي حمزة البطائني» واقفّي المذهب الذي لم يكن يعتقد بالأئمة بعد حضرة الكاظم (ع)، وقد افترى على الإمام الصادق ÷ بأنه قال: إن المقصود من الآية 158 من سورة الأنعام المباركة خروج المهدي وقيامه!! وسنذكر للقراء الكرام فيما يلي الآية المشار إليها مع أخذنا بعين الاعتبار الآية 210 من سورة البقرة والآية 33 من سورة النحل والآيات قبل الآية 158 المشار إليها من سورة الأنعام:

قال تعالى: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ١٥٨ [الانعام: ١٥٨].

تلاحظون أن الله تعالى قال إن المشركين لا يؤمنون رغم رؤيتهم لكل هذه الآيات البيّنات والدلائل الواضحات، ولا يُوحِّدون الله ولا يؤمنون بالقيامة وينتظرون أن تظهر لهم الملائكة أو أن تظهر لهم إمارات الساعة وعلامات القيامة القطعية، هذا مع أن الإيمان الاضطراري لا قيمة له، وَمِنْ ثَمَّ فيا أيها النبيّ قل لهم: انتظروا كي تروا نتيجة كفركم وعدم إيمانكم ونحن المؤمنون سننتظر معكم أيضاً. إذن، كما لاحظتم، لا علاقة لهذه الآية المكية بالمهدي من قريب ولا من بعيد. وليت شعري! هل من المعقول أن يقول رسول الله ص لأهل مكة في زمنه انتظروا ظهور المهدي؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟

ثم لماذا لا ينفع الناس إيمانهم إذا آمنوا يوم خروج القائم؟ أليس المهدي المنتظر – حسب قولكم - إنما سيظهر لأجل أن يدعو الناس للإيمان؟! فإذا كان الهدف من ظهوره آخر الزمان نشـر العدل والدعوة إلى الإيمان فكل من آمن عندئذٍ سينفعه إيمانه، وإلا ما الفائدة من قيام المهدي إذن؟! بالطبع لا يُنتظر من الضعفاء والمجروحين أن يضعوا حديثاً أفضل من مثل هذه الأباطيل!

* 64الحديث 77 - وهو آخر أحاديث الباب: يقول راويه «ابن مهزيار» -الذي تعرّفنا على قصصه في الصفحات السابقة -: "كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الحَسَنِ [أي الإمام الكاظم] (ع) أَسْأَلُهُ عَنِ الْفَرَجِ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِذَا غَابَ صَاحِبُكُمْ عَنْ دَارِ الظَّالِمِينَ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ"!!

أقول: هذه الإجابة غير صحيحة لأنه إذا كان المقصود من «صاحبكم» صاحب الزمان فإنه قد غاب، ولا يوجد منذ أكثر من ألف عام في دار أيّ ظالم من الظالمين ومع ذلك فَلَمْ يحصل الفَرَجُ!! ومن حيث المبدأ لم يكن «ابن مهزيار» قصَّاصَاً ماهِراً!

[375] راجعوا كتاب «نقد مفاتيح الجنان»، ص 322. [376] راجعوا الصفحة 239 من الكتاب الحاضر. [377] للاطَّلاع على أحواله يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول..»، ص107 و444. يقول المُتَرْجِمُ: ورد في كتب الرجال قول الإمام عن أبي الجارود: إنه أعمى في الدنيا والآخرة. انظر رجال الطوسي، تصحيح وتعليق: ميرداماد الأسترابادي، ج2، ص495. وفيه: "عن أبي أسامة، قال، قال لي أبو عبد الله (ع): ما فعل أبو الجارود؟! أما والله لا يموت إلا تائهاً." و"عن أبي بصير، قال: ذكر أبو عبد الله (ع) كثير النواء، وسالم بن أبي حفصة، وأبا الجارود، فقال: كذَّابون مُكَذَّبون كُفَّار عليهم لعنة الله، قال قلتُ: جُعِلتُ فداك! كذَّابون قد عرفتهم فما معنى مُكَذَّبون؟ قال: كذَّابون يأتونا فيخبرونا أنهم يصدقونا وليسوا كذلك، ويسمعون حديثنا فيكذبون به.". (المُتَرْجِمُ) [378] من العلامات البارزة جداً للتعصب المذهبي ما يقوله علماؤنا من كلام مضحك بشأن الآيات الأولى من سورة «عبس»، إذ يقولون: إن الخطاب فيها ليس مُوجّهاً إلى النبيّ بل إلى رجل من بني أُميَّة كان مع النبي صلى الله عليه وآله، فلما أقبل ابن أمّ مكتوم تنفَّر منه وجمع نفسه خشية أن يُصيبه شيء من وسخ ذلك الضرير الأشعث رثّ الهيئة ونأى بنفسه جانباً وعبس في وجهه وأعرض عنه! أيُّها القارئ المحترم: اقرأ هذه الآيات بنفسك واحكم هل هناك أيُّ مناسبة أو معنى لمخاطبة الله أحد بني أُميَّة مباشرةً؟ وأن يقول له: لماذا تُعرض عن شخص جاءك يخشى الله ويسعى إلى الهداية وما يُدريك لعلّه يزَّكى، وتُقبل بدلاً منه على من يُبدي استغناءه عن الهداية؟! ويحتجّ علماؤنا بأن النبي معصوم وأن العصمة لا تتناسب مع العتاب، والحقيقة أنه لا يوجد أيّ دليل قرآني على عصمة الأنبياء خارج موضوع إبلاغ الوحي والشريعة وإعلام الناس بالأحكام (راجعوا ما ذكرناه حول العصمة في كتابنا «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص350 إلى 352 في الحاشية). بناءً على ذلك، فلا علاقة لهذه الحادثة بالعصمة بالمعنى الذي قلناه بل الحادثة تتعلّق باختيار النبي ص بين الاهتمام بهداية أحد كبار قريش وتبلغيه دعوة الله وبين دعوة ابن أمّ مكتوم الذي كان قد آمن من قبل. ثانياً: كانت نيّة النبيّ ص صالحةً تماماً. فقد كان يرغب في جذب أحد كبار قريش إلى الإسلام لأن في إسلامه تأثير على سائر الناس. وقد عبس النبيّ قلقاً وخشيةَ أن تفوته فرصة مناسبة لهداية قومه، ومثل هذا الأمر لا يتنافى مع العصمة. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ثالثاً: كان ابن أُمّ مكتوم ضريراً ولم يكن قادراً على مشاهدة عبوس النبيّ ص! بناءً على ذلك لم تُزعجه أو تحزنه تلك الحالة الطبيعية وغير الإرادية التي عرضت للنبيّ ص كما أن ذلك الموقف لا يمس أبداً خلق النبي العظيم ولا يتعارض مع رفقه ورحمته. رابعاً: إن عتاب الله لنبيه لا ينحصر بالآيات المذكورة فقط، فإصراركم على صرف الآيات عن النبيّ ص لا يحلّ مشكلتكم ولا يُثبت قولكم! [379] للاطِّلاع على أحواله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الصفحات 163 و 196 فما بعد. [380] في سنده «مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ» أحد الكذّابين والوضّاعين، انظر مثلاً ما قاله عنه العلامة الحلي في رجاله [ص251]: "محمد بن الحسن بن جمهور العمِّيّ: عربيٌّ بصريٌّ روى عن الرضا (ع). كان ضعيفاً في الحديث غالياً في المذهب فاسداً في الرواية لا يُلتَفَتُ إلى حديثه ولا يُعْتَمَدُ على ما يرويه.". وفي سنده أيضاً «أبو الجارود» الذي ذمه الإمام كما مرّ. (المُتَرْجِمُ) [381] أي قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا ٧١ [الاسراء: ٧١]. (المُتَرْجِمُ)