دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

25- باب التمحيص والنهي عن التوقيت وحصول البداء في ذلك

25- باب التمحيص والنهي عن التوقيت وحصول البداء في ذلك

روى المجلسي في هذا الباب خمسين روايةً عن رواة مجاهيل أو غلاة أو كذابين!! وكثير من روايات هذا الباب منقول من كتاب «الغيبة» للنعماني وهو كتاب خرافي لا اعتبار له.

1- يقول كثير من أخبار هذا الباب إن علَّة طول الغيبة امتحان الشيعة إذ لابُدَّ من تمحيص الشيعة وغربلتهم كَمَا يُغَرْبَلُ الزُّؤَانُ [الشيعة غير الحقيقيين] مِنَ الْقَمْحِ [الشيعة الصادقين]! (الأحاديث 2 و3 و 20 و21 --> 33، و 36 --> 38).

2- يقول عدد من الأحاديث في هذا الباب: إن التوقيت [أي تحديد وقت خروج القائم] كذب. (الأحاديث من 5 حتى 9 و 19، 39، 41، 44، 45، 47) ولكن الطريف أن نعلم أن المَجْلِسِيّ حدد وقت الظهور في رسالة «الرجعة».

3- يُبيِّن عدد من أحاديث هذا الباب -خلافاً للمجموعة السابقة- وقت الخروج ويعتبر عدم حصول الخروج في الوقت المذكور ناجماً عن «البداء» أو يُشير إلى أصل «البداء» فقط! (الأحاديث من 10 حتى 12، و 40 و 42 و 43).

4- كما أن هناك عدداً من الأحاديث لا علاقة لها بعنوان هذا الباب. وسنتأمل فيما يلي نماذج لكل واحد من هذه المجموعات الأربعة:

* 1- روايةٌ ضعيفةٌ [ينقلها المجلسي عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي‏] تقول إن أَمِيرَ الـْمُؤْمِنِينَ (ع) وَذَكَرَ الْقَائِمَ فَقَالَ: "لَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ مَا لِـلَّهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ [أي لهداية الناس]"؟!

وأقول: ليس الجاهل هو الذي يقول ذلك بل العالم بالقرآن والذي تعلم من حضرة عليٍّ(ع)[371] هو الذي يقول إنه بعد إكمال الدين وإتمام النعمة ويأس الذين كفروا من الإسلام وعدم إشارة القرآن إلى هادٍ أو زعيم غير نبيٍّ منصوص عليه ومنصوب مِنْ قِبَلِ الله تعالى، لم يبقَ أي دليل على وجود حاجة لقيام مهدي. (فتأمَّل).

ثم إن امتحان الناس لا يختصّ بانتظار المهدي ولا يحتاج إليه لأن الله تعالى قال في إحدى السور المكّيّة المباركة: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣ [العنكبوت: ٢، ٣]. ألم تُمتَحَن أمم نوح وسليمان وعيسى و....؟! ألم يُمْتَحَن أصحاب رسول الله ص الذين لم تكن مسألة الغيبة مطروحة لديهم أصلاً؟! ألم يُمْتَحَنُ الشيعة حتى زمن حضرة العسكري (ع)؟! وعموماً لا يمكن لمسألة الامتحان أن تكون مبرِّراً لغيبة تطول ألف سنة!

* 4 و18 - يروي الشيخ الطوسي أن «عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ» قَالَ: "قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ [أي الإمام الكاظم] (ع): يَا عَلِيُّ! إِنَّ الشِّيعَةَ تُرَبَّى بِالأمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَةٍ! [أي تربى على الأمل بقيام دولة العلويين دولة آل البيت]. وَقَالَ يَقْطِينٌ لابْنِهِ عَلِيٍّ: مَا بَالُنَا قِيلَ لَنَا [أي أن دولة بني العباس ستقوم] فَكَانَ وَقِيلَ لَكُمْ [أي دولة الأئِمَّة ستقوم] فَلَمْ يَكُنْ؟! فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ الَّذِي قِيلَ لَكُمْ وَلَنَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ أَمْرَكُمْ حَضَرَكُمْ فَأُعْطِيتُمْ مَحْضَهُ وَكَانَ كَمَا قِيلَ لَكُمْ! وَإِنَّ أَمْرَنَا لَمْ يَحْضُرْ فَعُلِّلْنَا بِالأمَانِيِّ، وَ لَوْ قِيلَ لَنَا إِنَّ هَذَا الأمْرَ لا يَكُونُ إِلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ لَقَسَتِ الْقُلُوبُ وَ لَرَجَعَتْ عَامَّةُ النَّاسِ عَنِ الإسْلامِ وَ لَكِنْ قَالُوا مَا أَسْرَعَهُ وَمَا أَقْرَبَهُ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِ النَّاسِ وَتَقْرِيباً لِلْفَرَجِ". (وهو الحديث 6 في الباب 139 من أصول الكافي الذي اعتبره المَجْلِسِيّ في كتابه «مرآة العقول» ضعيفاً).

وينبغي أن نقول: لقد مضت ألف ومئتي سنة ولم يظهر المهدي، ولكن المشايخ لا يزالون يدعون الناس إلى انتظار ظهور المهدي ولو أن الأئمة كانوا يعلمون أن المشايخ بارعون في خداع العوام وماهرون ومُتخصصون في هذا الأمر إلى هذا الحد لَمَا شعروا بأنهم مُلزمون بالقول: «ما أسرعه! ما أقربه!». إن عمل المشايخ هذا ليس أقل من معجزة!![372]

* الروايتان 11 و 42 - طبقاً لرواية الشيخ الطوسي يقول الإمام الباقر (ع) لأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ: "يَا ثَابِتُ! إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ وَقَّتَ هَذَا الأمْرَ فِي السَّبْعِينَ، فَلَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى أَهْلِ الأرْضِ (؟!) فَأَخَّرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ [إذاً الأحاديث التي تقول "كَذَبَ الْمُوَقِّتُونَ، مَا وَقَّتْنَا فِيمَا مَضَى!" كاذبةٌ]، فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ الحَدِيثَ وَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السِّتْرِ فَأَخَّرَهُ اللهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا".

فنسأل: وهل كان الإمام الباقر (ع) يوحَى إليه حتى عَلِمَ بأن الله أَخَّرَ موعد الظهور إلى 140 سَنَةٍ؟! لاحظوا بأيِّ أكاذيب خدعوا العوام؟ وثانياً: سنة 70 تُوافق حضرة السجاد (ع) الذي كان اسمه عليّاً، وسنة 140 تُوافق حضرة الصادق (ع) الذي كان اسمه جعفرَ. و هذا يعني أن الأخبار التي رووها عن النبي ص أنه قال عن المهدي: اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، أخبارٌ كاذبةٌ.

* الرواية 13 - حديث مرسلٌ يرويه «العيَّاشِيّ» الخرافاتي مباشرة ودون ذكر وسائط عن «أبي لبيد المخزومي» والطريف أكثر أن أبا لبيد هذا مهملٌ أيضاً!! وقد افترى على الإمام الباقر (ع) حديثاً يطفح بالألغاز وَتَمَّ فيه التلاعب بالحروف الأبجدية والحروف المقطَّعة في أوائل سور القرآن!! والسؤال الذي يطرح نفسه أن الإمام الهادي للأُمَّة لا ينبغي أن يكون طارحاً للألغاز والطلاسم! فالأوقات التي عينها الإمام في هذه الرواية بطريقة الألغاز غير مفهومة مِنْ قِبَلِ عامة الناس المخاطَبين بالشريعة! وثانياً: هي تخالف أحاديث «كذب الوقّاتون»!

* الرواية 49 - حديث ضعيف وافتراء على الإمام الصادق (ع) بأنه قال: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً مُبَارَكاً يُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ ويُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وجَاعِلُهُ رَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَدَّثَ عِمْرَانُ امْرَأَتَهُ حَنَّةَ بِذَلِكَ وهِيَ أُمُّ مَرْيَمَ فَلَمَّا حَمَلَتْ كَانَ حَمْلُهَا بِهَا عِنْدَ نَفْسِهَا غلام [غُلاماً] فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏... ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثى‏ أَيْ لا تَكُونُ الْبِنْتُ رَسُولا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ واللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ فَلَمَّا وَهَبَ اللهُ لِمَرْيَمَ عِيسَى كَانَ هُو الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِمْرَانَ‏ ووَعَدَهُ إِيَّاهُ فَإِذَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ مِنَّا شَيْئاً فَكَانَ فِي وَلَدِهِ أَووَلَدِ وَلَدِهِ فَلا تُنْكِرُوا ذَلِكَ"!.

أقول: بالله عليكم لاحظوا أيَّ مهملات جمعوها وراكموها في الكتب الدينية. فأولاً: لم يكن لدى عمران ولا حَنَّة كتاب «الجفر» ولا «الجامعة» و ...... حتى ينظر فيها، فلذلك لو لم يتحقَّق ما أخبرا به فإنَّ هذا أقل تعجباً من الإمام الذي ينظر حسب قولكم في «الجفر» و «الجامعة». فأيُّهما نقبل؟ (من الضروري في هذا المجال مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الباب 98، ص 552 إلى 555).

ثانياً: إن الكلام المنسوب للإمام هنا لا يتوافق مع القرآن الكريم لأن كتاب الله ذكر لنا أن امرأة عمران هي التي نذرت، وليس في القرآن أيُّ إشارة إلى أن الله أخبر عمران بهذا الأمر، في حين أن الله تعالى صرَّح لنا أنه بشَّر زكريا (ع) بابنه يحيى (ع) وبشَّر مريم (ع) بابنها عيسى (ع). بناءً على ذلك، لم يكن لنذر «حَنَّة» علاقة بعمران كي يُبشِّره الله ثم لا يقع ما بشَّره به في ابنه!! (آل عمران: 33 إلى 47). ولكن لما كان الرواةُ جاهلين بالقرآن الكريم لم يعرفوا ما يُلَفِّقونه!!

هذا ولما لم يكن لدى المجلسي وغيره دليل ومستند صحيحٌ فإنه يحاول أن يجد في كل موضوع مستمسكاً يستدل به، من ذلك قوله بعد ذكره أحاديث هذا الباب: "..... فإن مَرَّ هذا الزمان ولم يظهر الفرج والعياذ بالله كان ذلك من سوء فهمنا والله المستعان [أي أن الإخبار سيتحقق في وقت آخر أو في شخص آخر ولكنكم لم تفهموا ذلك فلا تُنكروا!] أو مع أن احتمال «البداء» قائم في كل من محتملاتها!! كما مرت الإشارة إليه في خبر ابن يقطين والثمالي وغيرهما فاحذر من وساوس شياطين الإنس والجان وعلى الله التكلان!!"[373].

أقول: نعم! بهذه التأويلات يريد المجلسيّ إلباس المضامين المُختَلَقَة لرواياته لباس الحقيقة والصواب ليقتنع بها الناس ويصدقوها!!

وفي الحديث 34 من باب «فضل انتظار الفَرَج» يقول رواةٌ جاهلون: "أَوْحَى اللهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَكَ فَقَالَ لِسَارَةَ" هذا في حين أن القرآن بين لنا إن سفراء الله تعالى [أي ملائكته] بشروا بأنفسهم سارة ذاتها مباشرةً بأنها ستنجب ولداً (هود: 71 -73). والمضحك أكثر أنهم قالوا - كما في بقية الرواية- : " فَقَالَتْ: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّهَا سَتَلِدُ وَيُعَذَّبُ أَوْلَادُهَا أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ بِرَدِّهَا الْكَلَامَ عَلَيَّ!!". وهذا كذب أيضاً لأن سفراء الله دعوا اللهَ لسارة ولزوجها (هود: 73)، أضِف إلى ذلك أن هذا الكلام مخالف لقاعدة ﴿لا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ[الأنعام: 164 والإسراء: 15 و فاطر: 18 والنجم: 38] فإذا كانت سارة قد أخطأت فما علاقة أولادها بذلك حتى يُعَذَّبوا؟!

ويواصل راوي الحديث روايته قائلاً: "قَالَ‏ فَلَمَّا طَالَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَذَابُ ضَجُّوا وَبَكَوْا إِلَى اللهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ يُخَلِّصُهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ فَحَطَّ عَنْهُمْ سَبْعِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): هَكَذَا أَنْتُمْ لَوْ فَعَلْتُمْ لَفَرَّجَ اللهُ عَنَّا فَأَمَّا إِذْ لَمْ تَكُونُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَاهُ"! لاحظوا كيف أنهم مستعدون لتصغير عظمة الله تعالى كي يثبتوا خرافاتهم! نعوذ بالله من العصبية.

[371] قال عليٌّ - عليه السلام - عن النبيِّ ص: "فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ" (نهج البلاغة، الخطبة 133). وقال: "بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ". (نهج البلاغة، الخطبة 235). [372] ليس هناك في هذه المعجزة سوى إشكال واحد هو سوء الظن بالإسلام مِنْ قِبَلِ أصحاب الفكر العميق والباحثين المحققين، وللأسف فإن المشايخ غير قلقين لهذا الأمر!! [373] المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 52، ص 121. (المُتَرْجِمُ)