دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

6الأدلة على بطلان الرجعة

6الأدلة على بطلان الرجعة

لا توجد في القرآن الكريم أي آية تشير إلى رجوع الأموات إلى عالم الدنيا قبل يوم القيامة بل يوجد ما ينفي ذلك بصراحة: يقول تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ٣٠ ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ ٣١ [الزمر: ٣٠، ٣١].

فهذه الآية تبين أنه بعد الموت سيكون الخصام يوم القيامة فقط، أي سيخاصم النبي الكفار في يوم القيامة. ويقول تعالى أيضاً: ﴿وَٱلسَّلَٰمُ عَلَيَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيّٗا ٣٣ [مريم: ٣٣]. فهذه الآية تبين أن عيسى ÷ وُلد مرةً واحدةً، ومات واحدةً ويُبعث واحدةً وهو البعث يوم القيامة.

وروى المجلسيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن الشيخ حسن بن سليمان[45] في كتابه: «منتخب البصائر» عن الإمام موسى الكاظم ÷ قال: "لَتَرْجِعَنَّ نُفُوسٌ ذَهَبَتْ وَلَيُقْتَصَّنَّ يَوْمَ يَقُومُ، وَمَنْ عُذِّبَ يَقْتَصُّ بِعَذَابِهِ وَمَنْ أُغِيظَ أَغَاظَ بِغَيْظِهِ وَمَنْ قُتِلَ اقْتَصَّ بِقَتْلِهِ. وَيُرَدُّ لَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ مَعَهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ ثُمَّ يَعْمُرُونَ بَعْدَهُمْ ثَلَاثِينَ شَهْراً ثُمَّ يَمُوتُونَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْ أَدْرَكُوا ثَأرَهُمْ وَشَفَوْا أَنْفُسَهُمْ، وَيَصِيرُ عَدُوُّهُمْ إِلَى أَشَدِّ النَّارِ عَذَاباً، ثُمَّ يُوقَفُونَ بَيْنَ يَدَيِ الجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤْخَذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ".

والجواب: يقول تعالى في سورة «المؤمنون»: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٠٠ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ ١٠١ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٢ [المؤمنون : ٩٩، ١٠٢]. فهذه الآية تنفي الرجعة بكل وضوح. وفي القرآن آيات أخرى أيضا تنفي الرجعة كقوله تعالى: ﴿ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ ٤٦ [غافر: ٤٦].

أما في «نهج البلاغة» فقد جاء في الرسالة رقم 31 من رسائل الإمام علي ÷ وصيته إلى ابنه الحسن ÷ يقول فيها: "واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَؤوداً المُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِنَ المُثْقِلِ والمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ المُسْرِعِ وأَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لا مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ ووَطِّئِ المَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ المَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ ولا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ.". فعليٌّ ÷ يؤكِّد أن لا عودة إلى الدنيا لأحد بعد الموت.

***

والرواية الأخرى التي يستندون إليها لإثبات وجود إمام الزمان (المهدي الغائب) هي ما روي عن رسول الله ص أنه قال: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة"[46].

والجواب: لا ندري مدى صحَّة هذه الرواية، ولكن على أي حال، من الواضح أن المقصود من إمام الزمان فيها هو الإمام الحاكم الفعلي الذي يدير زمام أمور المسلمين في كل عصر، سواء كان براً أم فاجراً، فإذا كان مؤمناً كان على المسلمين أن يؤدوا دورهم المطلوب منهم في الأمور السياسية فينصروه ويدعموه، وإن كان فاجراً فعلي المسلمين أن يرفضوا طاعته، فالمقصود من هذه الرواية أن على المسلم أن يكون مهتما بأمور بلده ومجتمعه وبالاطلاع عليها، وهناك روايات أخرى تؤيد هذا الكلام. روى الشيخ المفيد في كتابه «الاختصاص» عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ – أي حضرة الإمام موسى الكاظم ÷ - قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً إِمَامٍ حَيٍّ يَعْرِفُهُ. قُلْتُ: لَمْ أَسْمَعْ أَبَاكَ يَذْكُرُ هَذَا يَعْنِي إِمَاماً حَيّاً! فَقَالَ÷: قَدْ وَاللهِ قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ص. قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ يَسْمَعُ لَهُ وَيُطِيعُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"[47].

إن جملتَي «إِمَامٍ حَيٍّ يَعْرِفُهُ - إِمَامٍ يَسْمَعُ لَهُ وَيُطِيعُ» جديرتان بالتأمُّل الدقيق، إذ أنها تبين أن المقصود من الإمام في كثير من الأحاديث الإسلامية هو الإمام الحي الذي ينبغي أن يراه الناس ويسمعوا كلامه لا الإمام الغائب الذي لا يمكن الوصول إليه بأي وجهٍ من الوجوه!! وكما يقول أستاذنا السيد «مصطفى الطباطبائي»: "أحياناً يأتي الكلام [في النصوص الشرعية] عن «الإمام» ويُرادُ منه زعيمٌ مرشدٌ مؤمنٌ على مستوى عالٍ من العلم والتقوى ومعرفة مسائل عصره، يسترشد به الآخرون ويأتمُّون بهداه ومعرفته التي اكتسبها بالسعي والتعقُّل الصحيح في عالم الخليقة وفي كتاب الله وسنَّة النبيّ القطعية ص، ويَرجِعون إليه في حل وفصل أمور المسلمين، وهذا المعنى، بالطبع، يجب على المسلمين أن يكون لهم دائماً مثل هذا الإمام والزعيم، كما أن كل مذهب و دين أو مسلك سياسي مطلق بحاجة إلى مثل هذا الزعيم والمرشد (والحديث المذكور أعلاه يؤيد هذا القول). وأحياناً تأتي كلمة «الإمام» ويُقْصَد منها الكتاب الإلـهي الحاضر دائماً الذي هو في متناول أيدي الناس على الدوام، ويمكن للجميع أن يستفيدوا من إرشاده وهَدْيِهِ، ولا تعرِض له «غيبةٌ» أبداً، وهذا الإمام هو في الواقع القرآن الكريم ذاته بدليل ما جاء في القرآن نفسه من قوله تعالى: ﴿وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةً [هود: ١٧]؛ فيُستَفاد من هذه الآية أن إمام جميع المسلمين الذي كان يتبعه حتى النبي ص والأئِمَّة عليهم السلام أنفسهم هو القرآن[48]، وهو الإمام الحاضر، وإمام جميع الأزمنة، والإمام بدون «غيبة»".

[45] الحسن بن سليمان الحلّي (كان حياً 802 هـ) عالم إمامي، حلي المولد عاملي المحتد. تتلمّذ على الفقيه الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (ت 786 هـ)، وكان محدثاً وفقيهاً وصنّف كتباً، منها: مختصر «بصائر الدرجات» لسعد بن عبد الله الأشعري القمي (المتوفّى 299 أو 301 هـ). (المُتَرْجِمُ) [46] الحرّ العاملي، «وسائل الشيعة»، ج16، ص 246. (المُتَرْجِمُ) [47] بحار الأنوار، ج 23، ص 92. والنوري الطبرسي، مستدرك ‏الوسائل، ج18، ص 177. (المُتَرْجِمُ) [48] حول هذا الموضوع يُراجَع ما ذكرناه في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 324 - 325 (البرقعي)