دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

1المهدي الموعود و غيبته

1المهدي الموعود و غيبته

للأسف، كما نعلم، ظَهَرَتْ بعد الرحيل المُحْزِن للرسول الأكرم ص فِرَقٌ عديدةٌ بين المسلمين، عددُها كبيرٌ جداً لا يسع هذه المقالة المختصرة ذكرها جميعاً، ومن أراد الاطلاع على أحوالها ومعرفة عقائدها فعليه الرجوع إلى الكتب المفصَّلة التي أُلِّفَتْ حول الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة.

أما هنا فسأقتصر على ذكر بعض الفرق - كنموذج - فقط، وهي الفرق التي كانت تَدَّعي حُبَّ علي بن أبي طالب ÷، ليعلم القُرَّاء المحترمون أن المسلمين قد عرفوا سابقاً مسألةً مشابهةً لمسألة ابن حضرة الإمام الحسن العسكري ÷ وغيبته. وبعد ذلك سأقوم بدراسة موضوع «المهدي الموعود وغيبته» دراسةً علميةً محقّقةً، وبفحص وتمحيص الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع.

بعد وفاةِ الإمامِ «الحسن بن علي» ÷ دعا جماعةٌ أخاه الكريم الإمام «الحسين بن علي» ÷ للقدوم إليهم لمبايعته بالإمامة، لكن بعد استشهاد ذلك الإمام الجليل، حارت فرقةٌ من أصحابه وقالوا: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل أخيه الحسين، فالإمام الحسن، رغم كثرة أنصاره وقوته، وادَع معاوية وصالحه وتنازل له عن الخلافة وكان يأخذ معاشاً مالياً منه، في حين أن الإمام الحسين ÷، رغم قلَّة أنصاره، حارب يزيد بن معاوية حتى استُشهِدَ هو وأصحابه جميعاً، فشكُّوا لذلك في إمامتهما وذهبوا إلى إمامة «محمد بن الحنفية» (أخ الإمام الحسين لأبيه)، وقالوا إن مقامه أعلى حتى من مقام الحسن المجتبى ÷، وأن الحَسَن إنَّما ذهب بأمرٍ من أخيه «ابن الحنفية» إلى قتال معاوية، وأنه ترك قتال معاوية بأمر من أخيه «ابن الحنفية»!!

وبعد موت «محمد بن الحنفية» قالت فرقة بل هو حي لم يمت ولن يموت أبداً بل غاب عن الأنظار وهو مختبئٌ في جبل رَضْوَى حيث تأتيه الغزلان كل صباح فيشرب من ألبانها، وعن يمينه أسد وعن يساره نمر!!

وقال فريق آخر من أنصار «محمد بن الحنفية» إنه مات وانتقلت الإمامة بعده إلى «أبي هاشم عبد الله بن محمد» الذي كان أهم أبنائه! وسُمِّيَتْ هذه الفرقة بالهاشمية نسبةً إلى «أبي هاشم» كنية «عبد الله بن محمد».

وبعد موت «أبي هاشم» قالت فرقة إن «عبد الله بن محمد» قد مات وعهد بالإمامة إلى أخيه «علي بن محمد»، وقال جماعة آخرون بل إن «أبا هاشم عبد الله بن محمد» أوصى من بعده إلى «محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب» وأوجدوا بذلك فرقة «الراوندية»!

والنموذج الآخر أنصار «عبد الله بن معاوية» [بن جعفر بن أبي طالب]، لمَّا قُتِل على يد أبي مسلم الخراساني، افترق أصحابه ثلاث فرق، ففرقة قالت إن «عبد الله بن معاوية» لم يمت بل هو حي وهو في جبال أصفهان! وفرقةٌ قالت: بل مات ولم يوص لأحد من بعده. وذهبت فرقة ثالثة إلى القول بتناسخ الأرواح في حقه!!

وللأسف فإن جميع الفرق الإسلامية قامت بوضع الحديث لإقناع الناس بأنها على حق، ودعماً لأهدافها السياسية. ومن جملة ذلك الأحاديث التي وُضِعَتْ دعماً لأبي مسلم الخراساني! كالحديث الذي يقول: "إذا رَأيْتُمُ الرَّايات السُّودَ قَد جاءَتْ مِنْ قِبَلِ خُرَاسانَ فأتُوها فإِنَّ فِيها خَلِيفَةَ الله المَهْدِيِّ"[8]!! ومن الواضح أن أتباع أبي مسلم الخراساني الذي كانوا يرفعون الرايات السوداء وضعوا هذا الحديث كي يجعلوا المسلمين ينضمون إليهم![9]

وذهبت فرقةٌ من المسلمين إلى إمامة حضرة «أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين» ÷، ولكن لما أجاب الإمام الباقر عن سؤال سأله إياه «عَمْرو بن رياح» بإجابة، ثم في سنةٍ أخرى أجاب عن السؤال ذاته بإجابة مختلفة، اعتزله «عمرو بن رياح» وآخرون قائلين: كيف يجيب الإمام بإجابتين مختلفتين؟![10]

وقال فريق من المسلمين إن الإمام هو من قام بالسيف، فقالوا بإمامة علي بن أبي طالب والحسن والحسـين عليهم السلام، ثم من بعده قالوا بإمامة «زيد بن علي بن الحسين» ثم بإمامة ابنه «يحيى بن زيد» وبعده بإمامة «عيسى» وبعده بإمامة «محمد بن عبد الله» المعروف بالنفس الزكية. وبعد شهادة محمد بن عبد الله النفس الزكية قال جماعةٌ لم يمت بل غاب واختفى وسيظهر ويقوم قريباً! وفي زمنه قالت فرقة بإمامة حضرة «جعفر بن محمد الصادق» ÷. وأوصى الإمام جعفر أثناء حياته بالإمامة من بعده إلى ابنه إسماعيل، لكن إسماعيل توفي في حياة أبيه، فأنكرت جماعة موت إسماعيل في حياة أبيه لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده وقلَّدَهُم ذلك له، وأخبرهم أنه صاحبهم، والإمام لا يقول إلا الحق، وهؤلاء هم فرقة الإسماعيلية، وكان ناصر خسرو الشاعر الإيراني المعروف من هذه الفرقة. واعتقد بعضهم أيضاً أن «محمد بن إسماعيل» إمامٌ، وأنه لم يمت بل هو يعيش في مدن الروم!

بعد وفاة الإمام جعفر الصادق ÷ أنكرت فرقةٌ موته وقالت إن «جعفر بن محمد» حيٌّ لم يمت بل اختفى عن الأنظار، وسيظهر قريباً ويلي أمر الناس، وهو القائم المهدي. في حين قالت فرقةٌ أخرى إن الإمام بعد جعفر، حفيده «محمد بن إسماعيل بن جعفر». وروت فرقةٌ أخرى حديثاً عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام إذا نُصِبَ، لذا ذهبوا إلى انتقال الإمامة بعد جعفر إلى ابنه «عبد الله بن جعفر» المُلَقَّب بـ«الأفطح»، الذي كان أكبر أولاد جعفر بن محمد سناً وسموا بـ«الفطحية». وقالت فرقةٌ إن الإمام بعد «جعفر بن محمد» هو ابنه «موسى بن جعفر» [الإمام الكاظم]، فلما استُشهد حضرة الإمام موسى بن جعفر ÷ في السجن، افترق أتباعه إلى خمس فرق، فقالت فرقة إن موسى بن جعفر لم يمت، بل هرب من السجن نهاراً ولم يره أحد وأنه سيعود قريباً حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً! وقال فريقٌ آخر إنه مات لكنه سيبعث من جديد!

وقالت فرقةٌ ثالثة: ليس هناك إمام بعد موسى بن جعفر ÷، وانتهت الإمامة بموته، وهؤلاء عرفوا بـ«الواقفة». وقالت فرقةٌ: لا ندري أحيٌّ «موسى بن جعفر» أم ميت؟ لأنا قد روينا فيه أخباراً كثيرةً تدلُّ على أنه القائم المهدي الذي سيقوم ضد الظلم، فلا يجوز تكذيبها! وقالت فرقةٌ إن الإمام بعد الإمام الكاظم ÷ ابنه «علي بن موسى الرضا» ÷.

بعد وفاة «علي بن موسى الرضا» أيضاً قالت فرقةٌ إن الإمام من بعده أخوه «أحمد بن موسى بن جعفر» المُلَقَّب بـ «شاهچراغ»! و رجعت فرقةٌ أخرى عن إمامة علي بن موسى بعد موته إلى قومهم من الزيدية. وقالت فرقة أخرى إن الإمام الرضا أوصى من بعده لابنه «محمد بن علي» [الإمام الجواد]، بيد أنه لما كان محمد بن علي هذا لا يزال صغيراً عند وفاة أبيه لم يقبل بعضهم بإمامته.

كانت تلك بعض النماذج لِفِرَقٍ ظهرت في عالم الإسلام قبل حضرة الإمام الحسن العسكري÷ وظهورها يستدعي التأمُّل حقيقةً، ولكن كما قلنا في هذه المقالة سوف نخصص أربعة فصول لبحث مسألة ابن حضرة العسكري الذي اعْتُبِرَ أنه «المهدي الموعود»، وتمحيص الأحاديث المتعلِّقة به. نأمل أن يتقبَّل الله مسعانا ويعينني وإياكم على نصرة دينه، وأن لا ينسى القُرَّاءُ الكرام هذا العبد الفقير من صالح دعائهم. إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ.

***

[8] أخرجه أحمد بن حنبل في المسند (ج5، ص 277، رقم 22441)، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج4، ص 547، رقم 8531) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أيضاً: نعيم بن حماد (ج1، ص 311 ، رقم 896). (المُتَرْجِمُ) [9] أو الحديث الذي جاء في مقدمة ابن خلدون (ترجمة محمد پروين گنابادى)، ج1، ص 619 و 620 و 625 و 626. (البرقعي) [10] من المفيد في هذا الموضوع الرجوع إلى التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 196 والصفحات من 204 إلى 207، والصفحات من 231 إلى 237.