دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

باب خبر سَعْد بن عبد الله و رؤيته للقائم ومسائله عنه

باب خبر سَعْد بن عبد الله و رؤيته للقائم ومسائله عنه

نقل المَجْلِسِيّ في البحار عن الشيخ الصَّدوق قوله: إن «سعد بن عبد الله الأشعري» كان أحد الذين التقوا بالمهدي! لكن النجاشيّ قال: إن بعض أصحابنا اعتبر لقاء «سعد بن عبد الله» لحضرة العسكري خبراً موضوعاً. وَعَلَى كُلِّ حَال، روى الصدوق في [كمال الدين‏] عن «أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى» بواسطة «مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ النَّوْفَلِيِّ»، لكن «أَحْمَدَ بْنَ عِيسَى» هذا مجهول الحال! وروى عن «أَحْمَدَ بْنِ طَاهِرٍ الْقُمِّيِّ» وهو أيضاً مجهول ومهمل، عَنْ «مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ الشَّيْبَانِيِّ» وهو ضعيف ومن الغلاة، عَنْ «أَحْمَدَ بْنِ مَسْرُورٍ»، وهو أيضاً مهمل!! عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأشعري الْقُمِّيِّ!!

لاحظوا أن الصدوق نقل هذا الحديث عبر خمس وسائط عَنْ «سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ» وهذا لا يتطابق مع طريقة الصدوق ومنهجه، وكما أشار المُحقق المحترم لكتاب «بحار الأنوار» في الحاشية: يروي الشيخ الصَّدوق أحاديثه عَنْ «سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ» عبر واسطة واحدة دائماً هي إما والده [أي والد الشيخ الصدوق] أو [شيخ الصدوق] «محمد بن الحسن الوليد» أو عن كليهما عَنْ «سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ».

والإشكال الثاني في هذه الرواية أن ثلاثة من الوسطاء الخمسة من رجال سندها مجهولون ومهملون وأحدهم من الغلاة وهذا يجعل هذا الخبر في غاية الضعف.

والإشكال الثالث الأكثر أهمية مما سبق أن علماء الرجال لم يعدّوا «سَعْدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ» في عداد من روى عن إمام الزمان ولا في عداد من رأى معجزاته بعكس ما جاء في هذا الخبر الذي ينسب إلى سعد بن عبد الله مشاهدته لمعجزة للمهدي!

والإشكال الرابع أنه ذُكِرَ في متن الرواية أن أحمد بن إسحق تُوفّي زمن الإمام الحسن العسكري، وهذا يناقض الأخبار التي اعتبرته من نواب إمام الزمان! وأنه عاش لسنوات عديدة بعد الإمام العسكري (ع).

والإشكال الخامس أن الرواية تقول إن صاحب الأمر كان يلعب برمانة ذهبية ويدحرجها بين يديه في حين أن الكُليني روى عن الإمام الصادق (ع) قوله: "إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ لَا يَلْهُو وَلَا يَلْعَب‏"[364]. والطريف أنه قد جاء في الرواية أنه كان "بِيَدِهِ [أي بيد الإمام العسكري (ع)] قَلَمٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْطُرَ بِهِ عَلَى الْبَيَاضِ قَبَضَ الْغُلَامُ عَلَى أَصَابِعِهِ فَكَانَ مَوْلَانَا (ع) يُدَحْرِجُ الرُّمَّانَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَشْغَلُهُ بِرَدِّهَا لِئَلَّا يَصُدَّهُ عَنْ كِتْبَةِ مَا أَرَادَ"! ولكن من الجهة الأخرى يروي أن هذا الغلام ذاته كان يخبر عن الغيب و يجب عن أسئلة الضيوف الفقهية والكلامية!! أضِف إلى ذلك أن امتلاك الإمام العسكري لرمانة ذهبية باهظة الثمن جداً لا يُعدُّ فضيلةً له.

والإشكال السادس في هذه الرواية ما ذُكِرَ في متنها من أن إمام الزمان كان يُخبِر عن أموال الناس بالغيب مع أن الله نفى علم الغيب عن أحد سواه. أضف إلى ذلك أن هذه الرواية تذكر أن أحمد بن إسحاق نسي ثوب امرأة عجوز في حقيبته ولم يأت بها إلى الإمام فطالبه الإمام بها فاكتأب لذلك إلى أن وجد ذلك الثوب تحت قدمَي الإمام العسكري خلال الصلاة. أقول فبالله عليكم لاحظوا أي خرافات باسم الإسلام اخترعوا وافترَوا. إن الإنسان يحتار ماذا يقول لهؤلاء المحدّثين، هل إمامكم أعلى رتبة من رسول الله ص؟! عندما عاد رسول الله ص من غزوة بني المصطلق وحثّوا الجمال التي عليها الهودج على السير تحرك هودج عائشة دون أن تكون هي فيه حيث كانت تبحث عن عقد لها فقدته، فلما رجعت رأت الناس قد ذهبوا بهودجها وتركوها في البادية وحدها، فرآها صفوان بن المعطِّل، وكان قد بقي أيضاً وراء الجيش فعرفها فَقَدِمَ بها المدينة، عندئذ افترى المنافقون حديث الإفك الذي جعل رسول الله ص يتغيّر نحو عائشة حتى قالت إنها بقيت شهرين كاملين لا ترى اللطف الذي كانت تراه من النبي ص حتى أنه فكر بمفارقتها، إلى أن نزلت الآيات من 11 إلى 20 من سورة النور تُبَرِّئُها وتثبت طهارتها، فرسول الله ص لم يدر بتخلُّف أَهْلِهِ وبقائها في البادية وحدها ولم يكن متأكِّداً من براءتها قبل أن ينزل الوحي عليه، ولكن إمام هؤلاء الكذَّابين كان يعلم ببقاء ثوب العجوز في الحقيبة!! كذلك لما هاجر رسول الله ص لم يكن قادراً على طيّ الأرض بل تحرّك ماشياً أو راكباً وكان يتوارى عن أنظار المشركين ويسلك وعر الطريق ولكن إمام الكذّابين كان باستطاعته أن يأتي بأموال الناس ويحضرها لديه من مسافة فراسخ عديدة!

والإشكال السابع في هذه الرواية ما جاء في متنها من أن الله عز وجل قد أمر برجم الزانية المحصنة مع أن هذا افتراء على الله ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا [الانعام: ٢١] فالرجم موضع خلاف بين الفقهاء ولم يأمر الله به [في كتابه] فكيف تقول الرواية إن الله أمر بالرجم؟ ألم يعلم الرواة أن الله تعالى قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ ١٦٨ إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ١٦٩ [البقرة: ١٦٨، ١٦٩]، كما قال تعالى مرات عديدة في كتابه بأسلوب الاستفهام الإنكاري: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ؟؟

والإشكال الثامن في هذا الخبر أنه فسّر الحروف المقطعة في أول سورة مريم أي «كهيعص» بأن المقصود من الكاف كربلاء ومن الهاء هلاك العترة ومن الياء يزيد ومن العين عطش الحسين ومن الصاد صبر الحسين! وهذا أيضاً غير صحيح ومخالف لقول المفسِّـرين ولقول حضرة الإمام علي بن أبي طالب ÷ الذي نقل عنه المجلسي في البحار ذاته تفسيره لتلك الحروف بأن المقصود من كل منها اسم من أسماء الله عز وجل، بناء على ذلك فالمقصود من «كهيعص» هو أن الله تعالى أقسم في بداية سورة مريم بصفاته على أن ما سيأتي في السورة حق و واقع. (راجعوا الصفحة 227 من الكتاب الحاضر).

على كل حال، ما ذكرناه هو بعض الإشكالات في متن ذلك الخبر ذي السند المتهافت وهناك إشكالات كثيرة أخرى، ففي متنه جمل تخالف كثيراً من آيات القرآن الكريم، ولكننا نكتفي هنا بما ذكرناه من إشكالات. وسعد بن عبد الله الأشعري هذا الذي تُنسب إليه هذه الرواية، قد ألف كتاباً بعنوان «المقالات والفرق» ولم يشر فيه أدنى إشارة إلى رؤيته صاحب الأمر، فلو كان هذا الخبر صحيحاً عنه لأشار إليه في كتابه.

أيها القارئ المحترم! لقد أورد الشيخ الصدوق هذا الخبر الفاضح في كتابه «كَمَال الدِّيْن» ونسأل: يا تُرى لو كان للصدوق درايةٌ كافيةٌ بالقرآن، ولو كان قد استخدم عقله كما يجب هل كان من الممكن أن يروي مثل هذا الخبر في كتابه؟!

[364] الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 311، باب 128، حديث 15.