دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

6 - باب ما ورد من إخبار الله وإخبار النّبيّ ص بالقائم (ع) من طرق الخاصة والعامة

6 - باب ما ورد من إخبار الله وإخبار النّبيّ ص بالقائم (ع) من طرق الخاصة والعامة

لقد ذكرنا أموراً في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 665 إلى 667 و 847 إلى 861) و في الكتاب الحاضر (ص 112 فما بعد) حول «المهدي» في كتب أهل السنة وحول سائر الأمور المُتعلّقة به، فنرجو من القُراء ملاحظة ما ذكرناه هناك قبل قراءة دراستنا التالية لأحاديث هذا الباب:

* الرواية 1: يرويها النعماني [في كتابه الغيبة] عن رجل مجهول مهمل باسم أَحْمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عن مجهول آخر باسم إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحُلْوَانِيِّ عَنْ مجهول باسم أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مجهول آخر باسم هُدْبَةَ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ عَنْ مجهول آخر باسم سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ عَنْ مجهول آخر باسم عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ اليَمَانِيِّ عَنْ مجهول آخر باسم عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ مجهول آخر باسم إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الذي يعتبره علماء الشيعة ضعيفاً لا يوثق بحديثه.

وأما متن الحديث فهو أن رَسُولَ اللهِ ص قال: "نَحْنُ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ الجَنَّةِ رَسُولُ اللهِ وحَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وجَعْفَرٌ ذُو الجَنَاحَيْنِ وعَلِيٌّ وفَاطِمَةُ والْحَسَنُ والْحُسَيْنُ والمَهْدِيُّ".

وأقول: ألا يوجد من يقول لهؤلاء السادة: ما الفائدة من ذكر مئات من هذه الروايات؟ وهل يُمكم الاحتجاج برواية بمثل هذا السند والرواة؟! أضف إلى ذلك هل يُعقل أن لا يكون كل الأنبياء من أمثال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والنساء العظيمات مثل: مريم بنت عمران سادة أهل الجنة، ويقتصر سادة الجنة على حمزة وجعفر عليهما السلام؟!!

* الرواية 2: إضافة إلى ضعف سندها فإن متنها خرافي، إذ تنسب إلى رسول الله ص قوله: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقُومَ القَائِمُ الحَقُّ مِنَّا وذَلِكَ حِينَ يَأْذَنُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ ومَنْ تَبِعَهُ نَجَا ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَلَكَ اللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ فَأْتُوهُ ولَوْ عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وخَلِيفَتِي"!! (وقد سبق أن بيّنّا في صفحة 137 من الكتاب الحاضر معنى «خليفة الله» فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ).

* الرواية 3: هي حديث خرافي ومخالف للقرآن وفي الوقت ذاته رواته من الغلاة! فمثلاً جاء فيه:

".... يَا مُحَمَّدُ ........ إِنِّي قَدْ رَضِيتُ بِكَ عَبْداً وحَبِيباً ورَسُولًا ونَبِيّاً وبِأَخِيكَ عَلِيٍّ خَلِيفَةً وبَاباً فَهُوَ حُجَّتِي عَلَى عِبَادِي...."، هذا في حين أنّ القرآن الكريم (النساء: 165) ونهج البلاغة ينصّان على أنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل. إضافة إلى أننا نسأل: ألم يرضَ اللهُ تعالى بالآخرين عبيداً خاصين له أيضاً؟ ألا ينطبق هذا على الأنبياء الذين أمر الله رسوله محمداً ص بالاقتداء بهم حين قال: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡ [الانعام: ٩٠]؟ أوليس الله هو القائل: ﴿وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا ١٢٥ [النساء : ١٢٥]؟ وأساساً فإن جمل هذا الحديث ليست معقولة، لكن يبدو أن الرواة الذين كانوا من عوام الناس لم يُحسنوا تأليف جمل أفضل منها!

وفي هذه الرواية جاء أن الله ميَّز بعَلِيٍّ بين حزب الله وحزب الشيطان! فنسأل: هل عَلِيٌّ (ع) اليوم بيننا كي نُميّز بواسطته بين الحزبين ؟! إننا نعتقد أنه لو كان عَلِيٌّ (ع) بيننا اليوم لخالف أولئك الذين يدّعون حبّه ولكن عملهم يخالف قولهم.

* الرواية 4: إضافة إلى وجود رواة مجهولين في سندها مثل «عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ» و«الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ» وغيرهما، فإن سندها ينتهي إلى «كَعْبِ الأَحْبَارِ» اليهودي. وأما متنها فيتكلّم عن الآية 55 من سورة النور التي ذكرنا توضيحات كافية بشأنها في الصفحات الماضية، ومما جاء في هذه الرواية: "وَلَيْسَ بِعَزِيزٍ أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ يَوْماً أَوْ نِصْفَ يَوْم"‏ يعني أنه ليس بعزيز على الله أن يُمكّن المؤمنين من الخلافة في الأرض. أقول: من البديهي أن هذا الاحتمال معقول تماماً وليس فيه أي استحالة ولكن ما علاقة ذلك بالابن الموهوم لحضرة العسكري؟

* الرواية 5: مرويةٌ عن التَّمِيمِيِّ بسنده. و«التميميّ» كنية مشتركة بين عدة رواة لا ندري من هو المقصود منهم هنا. وأما متن الحديث فيقول: "قَالَ النَّبِيُّ ص: لَاتَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَقُومَ بِأَمْرِ أُمَّتِي رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ يَمْلَأُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً". فأقول: ليس في الحديث دليل على مهديٍّ يولد ويعيش آلاف الأعوام بيننا حتى يظهر!

* الرواية 6: في سندها رواةٌ مجهولون مثل: «مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصواري» و«الحُسَيْنِ الأَشْقَرِ» و«قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ». وأما متنها ففيه: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص لِفَاطِمَةَ فِي مَرَضِهِ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا بُدَّ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ مَهْدِيٍّ وهُوَ واللهِ مِنْ وُلْدِكِ". أقول: هذا مع أن رسول الله ص نفسه نهى عن كثرة القسم بالله، والقرآن يقول: لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم (أي اللغو). ثم هل كان النبي ص بحاجة لأن يقسم لابنته فاطمة عليها السلام؟ ألم تكن فاطمة مصدقة لكل ما يقوله أبوها دون حاجة لأي قسم؟!

* الرواية 7: يرويها مجاهيل مثل الحَفَّارُ المجهول عَنْ مجهول آخر باسم عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مجهول ثالث باسم أَبِي قِلَابَةَ ... حتى يصل في السند إلى: "عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَالَ أَبِي: دَفَعَ النَّبِيُّ ص الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ )ع( فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصْبَهُ )ع( يَوْمَ الغَدِيرِ وبَعْضَ مَا ذَكَرَ فِيهِ مِنْ فَضَائِلِهِ )ع( إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ بَكَى النَّبِيُّ ص، فَقِيلَ: مِمَّ بُكَاؤُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ )ع( أَنَّهُمْ يَظْلِمُونَهُ ويَمْنَعُونَهُ حَقَّهُ ويُقَاتِلُونَهُ ويَقْتُلُونَ وُلْدَهُ ويَظْلِمُونَهُمْ بَعْدَهُ وأَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ )ع( عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ يَزُولُ إِذَا قَامَ قَائِمُهُمْ وعَلَتْ كَلِمَتُهُمْ وأَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وكَانَ الشَّانِئُ لَهُمْ قَلِيلًا والكَارِهُ لَهُمْ ذَلِيلًا وكَثُرَ المَادِحُ لَهُمْ.. الخ".

أقول: ولكن القائم لم يأت في زماننا رغم كثرة المداحين له المشغولين بمدحه والثناء عليه ليل نهار! هذا وينبغي أن نعلم أن الإسلام نهى عن كثرة المديح والثناء واعتبر ذلك من أعمال الجاهلية كما تدل على ذلك سنة النبي ص بوضوح. (وسائل الشيعة، ج 12، ص132، الحديث 1) ولم يكن النَّبِيّ الأَكْرَم ص ولا أمير المؤمنين علي ÷ يسمحان بكيل المدائح لأيّ شخص.

* الرواية 8: مشابهة للحديث الأول في الباب 2 من المُجلد 51 للبحار وهي إضافة إلى ضعف عدد من رجال سندها فإن متنها أيضاً معلول إذ فيه: "قَالَ‏ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) مَا كَانَ ضَجَّتِ المَلَائِكَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وقَالَتْ يَا رَبِّ يُفْعَلُ هَذَا بِالْحُسَيْنِ صَفِيِّكَ وابْنِ نَبِيِّكَ؟! قَالَ: فَأَقَامَ اللهُ لَهُمْ ظِلَّ القَائِمِ (ع) وقَالَ: بِهَذَا أَنْتَقِمُ لَهُ مِنْ ظَالِمِيه"[226].

أقول: يجب أن نسأل أولئك الرواة: هل كان الوحي يتنزّل على حضرة الإمام الصادق حتى عرف بضجيج الملائكة وما قالوه لربّهم؟! ألا يعلم أولئك الرواة أن الوحي انقطع بعد رسول الله ص؟ وثانياً: وهل يكون قاتلو الحسين أحياء عند قيام القائم حتى ينتقم الله منهم بواسطة القائم؟! لذلك أقول إن أولئك الرواة لما كانوا من العوام ما كانوا يُحسنون تلفيق أفضل من تلك الجمل.

* الرواية 9: يرويها أبوالفضل -الذي كان من الضعفاء- عن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، والثلاثة مجاهيل لا نعلم عنهم شيئاً، فهل يَثْبُتُ بمثل هذه الروايات التي يرويها مجهولٌ عن مثله شيءٌ؟!!

* الرواية 10: عدة من المجاهيل يدّعون أن النبيّ ص قال: "والَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ بَشِيراً لَيَغِيبَنَّ القَائِمُ مِنْ وُلْدِي بِعَهْدٍ مَعْهُودٍ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى يَقُولَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَا لِـلَّهِ فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ ويَشُكُّ آخَرُونَ فِي وِلَادَتِهِ... إلخ". وأقول: لعل دليل هذا الكلام أنه لم يكن لديهم دليل قطعي على وجود ابن لحضرة العسكري (ع)!

* الرواية 11: في سندها مجهول باسم «المُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ» يروي عَنْ قصَّاصٍ يُدعَى «وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ» يَرْفَعُهُ مباشرةً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مع أن هناك سنوات تفصل بينهما "عن رسول الله ص أنه قال: لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي جَلَّ جَلَالُهُ أَتَانِي النِّدَاءُ يَا مُحَمَّدُ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ‏ رَبَّ العَظَمَةِ لَبَّيْكَ! فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ! فِيمَ اخْتَصَمَ المَلَأُ الأَعْلَى قُلْتُ إِلَهِي لَا عِلْمَ لِي.... إلى آخر الحديث الطويل".

قلتُ: من الواضح أن هذه الأمور من وضع الرواة لأن رسول الربّ العليم الحكيم لا يُمكن أن يقول مثل هذه الأمور. ولا ينقضي العجب من المَجْلِسِيّ الذي يقوم بتوجيه هذه الأقوال وتأويلها! أضف إلى ذلك أن متن الحديث يتضمن أمراً مخالفاً للواقع وهو أنه يجعل خروج صاحب الزنج من علامات خروج المهدي، مع أن صاحب الزنج قام سنة 255هـ واليوم مضى على ثورته أكثر من ألف سنة ولم يأتنا المهدي بعد! فمن الواضح أن هذا الخبر تمّ وضعه في تلك الفترة.

* الروايتان 12 و 13: مرويتان عن رواة ضعفاء ولا اعتبار لحديثهم بالطبع.

* الروايتان 14 و 15: مرويتان عن «مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ» و«سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ» وكلاهما من الكذّابين المشهورين بالكذب!! وأما متنهما فمتشابه ينسب إلى رسول الله ص قوله: "طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي وهُوَ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ يَأْتَمُّ بِهِ وبِأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ قَبْلِهِ ويَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ أُولَئِكَ رُفَقَائِي وأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَي:

ينبغي أن نقول لأولئك الرواة: أولاً: كيف سيتم الاقتداء به قبل أن يخرج؟ ثانياً: كيف يكون أكرم الأمة من يقتدي به وهو لم يره ولا علم له بسلوكه؟ وهل هناك هذيان أكثر من هذين الخبرين؟!! إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ!

* الروايتان 16 و 17: إضافة إلى ضعف رواتهما فإن متنهما لا يصحُّ لأنه يقول: "المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي .... تَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وحَيْرَةٌ حَتَّى يَضِلَّ الخَلْقُ عَنْ أَدْيَانِهِمْ" فينبغي أن نقول: هل المهدي من أصول الدين أم من فروعه حتى يضل الخلق بفقدانه؟ إن هذا يُبيّن أن جميع تلك الأخبار موضوعة.

* الروايات من 18وحتى 22: إضافة إلى ضعف بعض رواة سندها وجهالة بعضهم الآخر، فإن متونها تتضمن أقوالاً غير صحيحة بل قولُ زورٍ، إذ جاء فيها "الشَّكّ فِي أَمْرِ المهدي كُفْرٌ" أو "مَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَنِي" أي أنكر رسول الله!!

أفلم يوجد من يسأل أولئك الرواة: لماذا يكفر من يُنكر المهدي؟! وهل هو من أصول الدين أو أركانه؟ ولماذا لم يُشر القرآن الكريم الذي بيَّن الإيمان والكفر «بلسان عربي مُبين» إلى المهدي بل لم يُشر أصلاً إلى عقيدة «الإمامة المنصوص عليها» التي يُشكّل المهدي جزءاً منها؟[227] أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ ولهذا السبب فإن علماء الشيعة أنفسهم يعتبرون - حسب الظاهر - المسلمين غير الشيعة الذين لا يؤمنون بأصل «الإمامة المنصوص عليها» مسلمين، ولكننا نتعجب كل العجب كيف يمرُّون على مثل هذه الروايات -وعددها ليس بالقليل- دون أن يعترضوا عليها بشيء بل يلزموا الصمت ولا يقومون بتوعية الناس إلى الحقيقية في هذا الموضوع!! (فَتَأَمَّل جداً).

ونحن لا نتوقع بالطبع من المَجْلِسِيّ الذي كان يعمل في خدمة السلاطين الصفويين (لم يكن لدى الملوك الصفويين[228] من مهمة سوى تعميق الاختلاف بين الشيعة والسنة).

* الروايات 23 إلى 26: في سندها رواةٌ مجهولون مثل «مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ القَيْسِيِّ» عَنْ «سَهْلِ بْنِ تَمَامٍ البَصْرِيِّ» عَنْ «عِمْرَانَ القَطَّانِ» وأمثالهم ممن لا ندري هل لهم وجود حقيقي أم أنها مُجرد أسماء مُلفَّقة لا وجود لأصحابها أصلاً؟! وأما متن الخبر فهو تكرار لمتون الأخبار التي سبقت مع إضافة أمر جديد إذ يقول متن هذه الروايات: "أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ وزِلْزَالٍ يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وسَاكِنُ الأَرْضِ" أو "يَمْلَأُ قُلُوبَ عِبَادِهِ عِبَادَةً" أو "يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تُنْزِلُ لَهُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا وتُخْرِجُ لَهُ الأَرْضُ بَذْرَهَا". هنا يجب أن نسأل أولئك الرواة: كيف يرضى عنه عند خروجه ساكن السماء وسكان الأرض، أليسوا راضين الآن عنه؟! وهل سيجعل جميع سكان السماء والأرض مسلمين أيضاً! وما المقصود من نزول قطر السماء عند خروجه, فلماذا تُنزلُ السماءُ قطرَها الآن مع أنه لم يأت بعد؟ إنها أسئلة على أولئك الرواة أن يجيبوا عنها.

* الرواية 27: إضافة إلى ضعف رواة سندها وجهالتهم مثل «عَلِيِّ بْنِ قَادِمٍ»، فإن متنها يُخالف مذهب الإمامية ويخالف روايات الاثني عشرية لأنه ينسب إلى رسول الله ص قوله: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلًا مِنِّي يُوَاطِئُ اسْمُهُ‏ اسْمِي واسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي.... الحديث". إذن طبقاً لهذا الحديث سيكون اسم المهدي محمد بن عبد الله و ليس محمد بن الحسن العسكري! وقد أورد المجلسي في بحار الأنوار عديداً من الأخبار بهذا المضمون أي أن اسم المهدي محمد بن عبد الله!! فإذا كان الأمر كذلك فلماذا أورد مشايخ الشيعة أخباراً تخالف مذهبهم الذي يرى أن المهدي ابن حضرة الحسن العسكري (ع)؟! ينبغي أن نقول: «الغريقُ يتشبَّثُ بكل حشيش».

* الروايات من 28 إلى 30: إضافة إلى وجود مجاهيل في أسانيدها فإن متنها لا يصح إذ جاء فيه مثلاً: "المَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ". نقول: إذن كلُّ سيد [أي منسوب للنبيّ ص] يُمكنه أن يثور بوصفه مهدياً استناداً إلى مثل هذه الأحاديث.

* الرواية 31: راويها شخصٌ مجهول عن مجهول آخر عن «وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ» القصَّاص عن ابْنِ عَبَّاسٍ أنه أقسم فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قائلاً: "...... لَا واللهِ مَا هُوَ [أي المهدي] مِنْ وُلْدِي ولَكِنْ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ )ع("! فينبغي أن نسأل: هل في دين الإسلام خفايا وأسرار لا تنكشف إلا بقسم ابن عباس؟ أضف إلى ذلك أن ابن عباس أقسم لوهب بن مُنبّه فما مصير الآخرين وسائر الناس الذين لم يسمعوا قسم ابن عباس؟! ثم هل يُمكن للمجاهيل أن يُعرّفوا المسلمين بهُداة الأمة؟!

* الروايتان 32 و 36: عدة من الضعفاء والمجاهيل افتروا على النبيّ حديثاً يُمجّد نفسه وآله فيه!

* الرواية 33: عدة أشخاص مجهولين يروون خبراً مُبهماً، إضافةً إلى ضعف رواته يقول: "مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ نُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا نَجْمٌ مِنْهَا طَلَعَ فَرَمَقُوهُ بِالْأَعْيُنِ وأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ أَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ فَذَهَبَتْ بِهِ ..."! فنسأل ما علاقة هذا الحديث بالمهدي؟ نعم الفائدة الوحيدة لهذا الحديث وأمثاله تضخيم الكتاب وخداع العوام.

* الرواية 34: إضافةً إلى ضعف رواتها، تتضمّن أموراً مُبهمة إذ تنسب إلى رسول الله ص قوله لجعفر بن أبي طالب: ".. أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ عِنْدِي آنِفاً فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهَا إِلَى القَائِمِ [ما الشيء الذي سيدفعه؟ ليس من المعلوم!] هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟ قَالَ: لَا . قَالَ: ذَاكَ الَّذِي وَجْهُهُ كَالدِّينَارِ وأَسْنَانُهُ كَالْمِنْشَارِ وسَيْفُهُ كَحَرِيقِ النَّارِ [وهل تتم الاستفادة من السيوف في زمن المهدي؟!!] يَدْخُلُ الجَبَلَ ذَلِيلًا ويَخْرُجُ مِنْهُ عَزِيزاً يَكْتَنِفُهُ جَبْرَئِيلُ ومِيكَائِيلُ". يقول كاتب هذه السطور: جدير بالقارئ أن يتأمل هذه العبارة ويُلاحظ أيّ هراء لفّقه واضع الرواية مما لا يفهمه هو نفسه، وكل ما في الأمر أنه جعل من رسول الله ص وجبريل وميكائيل عليها السلام وسيلة لنشر أفكاره، وليت شعري! ألا يعلم هؤلاء أن جبريل لا ينزل على أحد بعد النبيّ ص؟

* الرواية 35: يروي عِدَّةٌ من الضعفاء أو المجهولين عن الإمام الباقر (ع) كلاماً فيه إهانة لحضرة موسى عليه السلام إذ يقول: "نَظَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (ع) فِي السِّفْرِ الأَوَّلِ بِمَا يُعْطَى قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ مُوسَى: رَبِّ اجْعَلْنِي قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ! فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحْمَدَ. ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّانِي فَوَجَدَ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَهُ فَقِيلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّالِثِ فَرَأَى مِثْلَهُ فَقَالَ مِثْلَهُ فَقِيلَ لَهُ مِثْلُهُ". أقول: هل ذُكر القائم في جميع أسفار التوراة؟ وما الفائدة من هذا العمل لاسيما من تكرار ذلك الأمر لأمة موسى؟! ولو قيل مثل هذا الكلام بحق شخص جاهل عسير الفهم بأنه رغم طلبه لأمر غير معقول عدة مرات وسماعه الجواب يُكرّر السؤال ثانيةً وثالثةً ورابعةً, ألا يُعتبر إهانةً له؟ لا أدري ما هو غرض أولئك الرواة من إهانة رُسُل الله؟ هذا عدا عن أنه لو كان القائم حقيقةً لوجب عليه -بوصفه مسلماً- أن يؤمن بموسى وإلا لكان كافراً.

* الرواية 37: تتضمن نقلاً للروايات التي أوردها صاحب كتاب «كشف الغمة» نقلاً عن «أبي نعيم الأصفهاني» الذي أورد في كتابه أربعين حديثاً هي ذات الأحاديث المذكورة سابقاً بعينها. وقد اشتُهر أن أبا نعيم الأصفهاني من أهل السنة. وعلى كل حال كان أبو نعيم ضعيفاً في استخدام العقل وكان همه جمع الحديث بغض النظر عن صحة الأحاديث أو سقمها وكونها ضعيفة مردودة أم صحيحة مقبولة!

ولقد روى أهل السنة بالطبع أحاديث موضوعةً كثيرةً عن رواةٍ مجهولي الحال. وينبغي أن نعلم أن عدداً من علماء أهل السنة السُّذج رووا كثيراً من أحاديث الرواة الشيعة، ثم جاء الشيعة بعد ذلك فأخذوا هذه الأخبار عينها من كتب أهل السنة واعتبروا ذلك دليلاً من كتب الخصم على صحة عقائدهم!![229] وعلى كل حال ففي هذه الأحاديث الأربعين التي رواها أبو نعيم أخبارٌ تُثبت وتُوضّح أن المهديَّ الخياليَّ خرافةٌ. فمثلاً الأخبار من 1 إلى 3 التي أوردها أبو نعيم تذكر أن المهدي عندما يقوم يملك سَبْعاً [أي سبع سنين] أَوْ تِسْعاً. فإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يسأل شخصٌ: هل كل هذا الجدل والنقاش والقيل والقال والوعود الوردية وتدوين الكتب المختلفة التي تدعو إلى انتظار المهدي آلاف السنين هو لأجل رئاسة تدوم تسع سنوات فقط!! أي أن العالَم سيبقى كل فترة الدنيا مليئاً بالجور والظلم ما عدا تسع سنوات! فهل هناك عاقل يُمكن أن يُسَرَّ بمثل هذا الوعد أو البُشرى؟ فما بالك برسول الله ص الحكيم؟!

وفي الأخبار 4 و5 و6 أن المَهْدِيَّ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة، والخبر 5 يقول: إن "فَاطِمَة كانت عِنْدَ رَأْسِ النبيِّ - وهُوَ فِي الحَالَةِ الَّتِي‏ قُبِضَ فِيهَا -ِ فَبَكَتْ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ص إِلَيْهَا رَأْسَهُ فَقَالَ: حَبِيبَتِي فَاطِمَةُ مَا الَّذِي يُبْكِيكِ فَقَالَتْ أَخْشَى الضَّيْعَةَ مِنْ بَعْدِكَ ...". فأقول: هل يُمكن لامرأة عاقلة مُتوكلة على الله تؤمن أن مصيرها بيد الله أن تقول مثل ذلك الكلام غير المتوازن على فراش احتضار أبيها؟ ألا تُسبِّب بمثل هذا الكلام انزعاج أبيها وحزنه؟! هل يمكن أن يصدر مثل هذا عن فاطمة الزهراء التي كانت امرأة عالمة ذات بعل عالم وشجاع مثل حضرة علي (ع)؟! ألم تكن فاطمة عليها السلام تعتبر الله أرحم وأكثر شفقة من أي مخلوق بما في ذلك رسول الله ص؟!

والخبر 7 يقول: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا كرعَةُ" وهذا يُخالف الأخبار الأخرى التي تقول إنه يخرج من مكة أو يقوم في مكة. ثم تُبيّن الأخبار 8 و9 و10 و11 صفات المهدي الجسمية كقولها: "لَوْنُهُ لَوْنٌ عَرَبِيٌّ وَجِسْمُهُ جِسْمٌ إِسْرَائِيلِيٌّ [230](؟!) عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٌ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّي" أو قولها: "أَجْلَى الجَبِينِ أَقْنَى الأَنْفِ". فأقول: إذن كل من يتّصف بهذه الصفات يمكنه أن يدّعي أنه المهدي! وعلى كل حال فقد اهتمَّت هذه الأخبار بطول المهدي وقامته وشكله وأتت بأمور لا تتناسب مع أحاديث النبي ص، ومن المقطوع به أنها لا يمكن أن تكون من كلامه ص. وفي الخبر 13 يقول: "لَيَبْعَثَنَّ اللهُ مِنْ عِتْرَتِي رَجُلًا أَفْرَقَ الثَّنَايَا أَجْلَى الجَبْهَةِ يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا...". وفي الخبر 12: "بَيْنَكُمْ وبَيْنَ الرُّومِ أَرْبَعُ هُدَنٍ يَوْمُ الرَّابِعَةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ آلِ هِرَقْلَ يَدُومُ سَبْعَ سِنِينَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ يُقَالُ لَهُ المُسْتَوْرِدُ بْنُ غَيْلَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ إِمَامُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ المَهْدِيُّ (ع) مِنْ وُلْدِي".

أقول: أفلم يوجد من يقول لهذا الراوي الجاهل أن سلاطين الروم وهرقل انقرضوا منذ مئات السنين ولم يظهر المهدي بعد!!

لقد نقل المجلسي هذه الروايات عن الحافظ أبي نعيم الذي كان من أهل السنة بغرض إثبات وجود المهدي في حين أنه عندما تُنقَل أمورٌ ضعيفةٌ عن أي شخص فإن هذا لا يزيد القضيَّة إلا ضعفاً. (فَلَا تَتجَاهَلْ).

وفي الخبر 15: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ فِي أُمَّتِي يَبْعَثُهُ اللهُ عِيَاناً لِلنَّاسِ يَتَنَعَّمُ الأُمَّةُ وتَعِيشُ المَاشِيَةُ وتُخْرِجُ الأَرْضُ نَبَاتَهَا...". ولنا أن نسأل ألا تُخرِج الأرض نباتها الآن ؟ ثم في الخبر 16 أن رَسُول اللهِ ص يقول: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وعَلَى رَأْسِهِ غَمَامَةٌ فِيهَا مُنَادٍ يُنَادِي هَذَا المَهْدِيُّ خَلِيفَةُ اللهِ فَاتَّبِعُوهُ"!! ومن المُسلَّم به أن مسألة وجود الخليفة لِـلَّهِ مسألة باطلة لا تصحّ وقد تكلمنا عن هذا الموضوع بما يلزم فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ[231].

وفي الخبر 17: "يَخْرُجُ المَهْدِيُّ وعَلَى رَأْسِهِ مَلَكٌ يُنَادِي هَذَا المَهْدِيُّ فَاتَّبِعُوهُ"!! ونسأل: ما معنى مخاطبة المنادي السماوي أو الملائكة لشخص غير نبيّ؟ إن كانت هذه المخاطبة وحيٌ فإن الوحي قد انقطع بعد رسول الله ص بإجماع المسلمين، وليت شعري! لماذا لم يكن المنادي السماوي يُكلم الناس زمن رسول الله ص؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟

وفي الخبر 18 -كالخبر 23-: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنِ النَّاسِ وزَلَازِلَ فَيَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وسَاكِنُ الأَرْضِ يَقْسِمُ المَالَ صِحَاحاً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ومَا صِحَاحاً؟ قَالَ: السَّوِيَّةُ بَيْنَ النَّاسِ" [أي أنه لا يُراعي استحقاقات الناس المختلفة؟!!]. وفي الخبر 19: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً"وفي الخبر 20: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَبَعَثَ اللهُ فِيهِ رَجُلًا اسْمُهُ اسْمِي وخُلُقُهُ خُلُقِي، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) "!!

وهذه الأخبار كلها تتعارض مع أخبار أخرى تقول إن كنية المهدي: أبو القاسم أو غير ذلك. فهذا يُبيّن حال هذه الروايات المتعارضة التي يُناقض بعضها بعضاً.

36وفي الخبرين 21 و 35[232]: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص لَا يَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي واسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي...". إذن يتبيَّن أن هذا المهدي ليس هو مهدي الشيعة محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر!!! وفي الخبر 35 أن المهديَّ "يَمْلِكُ سَبْعاً أَوْ تِسْعاً، ولَا خَيْرَ فِي العَيْشِ بَعْدَ المَهْدِيِّ"، وهنا ينبغي أن نقول لأولئك الرواة والكُتَّاب: أكُلُّ ذلك الكلام والاهتمام ولطم الصدور والاحتفالات السنوية الطويلة والعريضة لأجل مُلْك يدوم سبع سنوات فقط ولا خير في العيش بعده؟!

والأخبار 22 و23 و24 تقول: "المهديّ يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وعَدْلًا. ويَكُونُ عَطَاؤُهُ هَنِيئاً"، وفي الخبر 25: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ...[إلى قوله]: ويَعْمَلُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ سَبْعَ سِنِينَ ويَنْزِلُ بَيْتَ المَقْدِسِ". وهنا نقول: أولاً: هل كل تلك الوعود لأجل سبع سنوات فقط؟ وثانياً: هذا الخبر يُعارض الأخبار التي تقول إن المهدي يسكن الكوفة.

وفي الخبر 26 يقول: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ فَائْتُوهَا ولَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللهِ المَهْدِيَّ". إذن، يظهر أنهم يعتبرون جيش أبي مسلم الخراساني الذي جاء من الشرق براياته السوداء جيشَ المهديِّ وأبا مسلم هو المهدي! من الواضح أن هذا الخبر وضعه أنصار بني العبّاس ولا أدري ما فائدة وجوده في كتب الشيعة؟!!

وفي الأخبار 27 و32 و33 تمّ تكرار هذا الأمر بعينه، أي الذي مُؤدّاه أن أبا مسلم [الخراساني] هو المهدي!![233] وفي الأخبار 28 و29 و30 و31، تكرار لتلك الأمور السابقة ذاتها وأن المهديَّ: "يُصْلِحَ أُمَّةً بَعْدَ فَسَادِهَا"، وأنه "يَتَنَعَّمُ أُمَّتِي فِي زَمَنِ المَهْدِيِّ )ع( نِعْمَةً لَمْ يَتَنَعَّمُوا قَبْلَهَا قَطُّ يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً ولَا تَدَعُ الأَرْضُ شَيْئاً مِنْ نَبَاتِهَا إِلَّا أَخْرَجَتْهُ"وأن"المَهْدِيَّ هُوَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ الجَنَّةِ" وفي الخبر 34 أن "عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ )ع( سأل رَسُولَ اللهِ ص: أَمِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ المَهْدِيُّ أَمْ مِنْ غَيْرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: لَا بَلْ مِنَّا". والخبر 37: مخالف لمذهب الشيعة إذ لا علاقة له بابن حضرة العسكري.

والخبران 38 و39: مخالفان للقرآن لأنهما يذكران أن المسيح يهبط إلى الأرض ويُصلي خلف المهدي. فينبغي أن نقول هنا:

37أولاً: لقد صرَّح القرآن الكريم بأنّ اللهَ توفَّى عيسى (ع)، كما جاء في سورة آل عمران: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران: ٥٥]، وأن عيسى (ع) سيقول لِـلَّهِ تعالى يوم القيامة: ﴿وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ١١٧ [المائ‍دة: ١١٧]. وثانياً: في القرآن الكريم آيات تُثبت أن أهل الجنة ذاقوا في الحياة الدنيا موتةً واحدةً فقط: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ ٥٦ [الدخان: ٥٦]. وثالثاً: يقول تعالى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَ [الأنبياء: ٣٤]، فهذا يدل على أن عدم موت عيسى (ع) وبقاءه حيّاً، مخالفٌ لآيات القرآن، كما أنه لو قيل إن الإنسان يحيى في الدنيا مرَّةً ثانيةً بعد موته ثم يموت موتَةً أخرى لكان ذلك مخالفاً لآيات القرآن لأن القرآن ذكر أن أهل الجنة لم يذوقوا في الدنيا إلا موتةً واحدةً.

* الرواية 38: هنا ينقل المجلسيُّ مُجدّداً عن كتاب «كشف الغمّة» الذي أُلِّف في القرن السادس الهجري، ما نقله صاحب كشف الغمة بدوره عن كتاب «كفاية الطالب» لصاحبه محمد بن يوسف الشافعي الكنجيّ الذي جمع في كتابه أخباراً في 25 باباً هي عين الأخبار التي ذُكِرَت سابقاً، كل ما في الأمر أنها مروية هنا عن رواة مجهولين من أهل السنة. وينبغي أن نقول إن إعادة وتكرار الأخبار ذاتها عن ضعفاء ومجهولين سواءً كانوا من السنة أم من الشيعة لا يُثبت شيئاً![234] (فَلَا تَتَجَاهَلْ).

بَيْدَ أنَّ في أخبار كتاب «كفاية الطالب» خرافات أخرى أيضاً لا توجد في الأخبار السابقة. من جملة ذلك أنه روى في الباب الرابع أن رَسُولُ اللهِ ص قال: "يُقْتَلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئاً لَا أَحْفَظُهُ". أفلم يوجد من يسأل ذلك الراوي الوضَّاع: أي كنز هذا هو كنزنا وأي خليفة تقصد، وما هي الفائدة من تلفيق هذه المُبهمات؟! ثم ينقل في الأبواب 1 و2 و4 و5 عين الأحاديث التي مرّت سابقاً، وفي الباب السادس يقول عن المهدي أنه: "يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْساً أَوْ سَبْعاً أَوْ تِسْعاً"، وهذا أيضاً تكرار لما سبق. وينبغي أن نقول: ما هي جدوى أن ينتظر الناس آلاف السنين وأن تُختَرَع آلاف الأحاديث وتُسوَّد آلاف الصفحات بأن المهدي قادم، لكي يأتي هذا المهدي في آخر الزمن ويعيش مدة تسع سنوات على أكثر تقدير، ثم يُحرَم الناس منه بقيّة عمر الدنيا؟! ماذا يُسمِّي مُؤيّدو المهدي مثل هذا الأمر؟! ثم ما معنى أن يشكّ الراوي بين خمس أو سبع أو تسع سنوات؟!! ويقول في هذا الباب السادس أيضاً: إن "أَخْوَالَهُ‏ كَلْبٌ" [أي من قبيلة بني كلب]، ..... فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ". ويذكر في الباب السابع أن المهديَّ "يُصَلِّي بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (ع)"، وأن رَسُول اللهِ ص يقول: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟"، مما يُفيد أن مقام المهدي أعلى من مقام حضرة عيسى!! إن الراوي وضع من عنده مقاماً ورتبةً لعيسى (ع)! هذا في حين أن المهديَّ وكلَّ تابِعٍ لرسول الله ص يجب عليه أن يؤمن بعيسى (ع)، فإذا لم يُؤمن به كان كافراً، فالقرآن صريح بوجوب الإيمان به وبجميع الأنبياء. أضف إلى ذلك أن هناك آياتٍ كثيرةً في القرآن الكريم نزلت بشأن عيسى (ع) في حين لم تنزل آية واحدة بشأن المهدي، بل إن القرآن لا يُؤيِّد وجود مثل هذا المهدي بالأوصاف التي يذكرونها كما ذكرنا سابقاً.

وفي الأبواب التالية وحتى الباب الثالث عشر يُكرّر القصص السابقة نفسها التي تنطوي على العيوب ذاتها وليس في تكرار هذه الأخبار من فائدة سوى إضاعة الوقت. وفي الباب الرابع والعشرين يستند لإثبات المهدي إلى الآية 67 من سورة المائدة، والحق والإنصاف أنه لا يُمكننا أن نجد دليلاً لا علاقة له بمدلوله أكثر من هذا!! حقاً لا يُمكن لأحد أن يُباري هؤلاء الرواة في قدرتهم على تلفيق الكلام غير المترابط!

وفي الباب الخامس والعشرين أراد أن يأتي بدليل لإثبات الحياة الطويلة جداً للمهدي فقاس حياة المهدي على بقاء عيسى والخضر وإلياس في حين أن القرآن يقول إن حضرة عيسى وإلياس قد تُوفيا، كما أنه لا أثر في القرآن لـ «الخضر» بل هي قصة شاعت بين المسلمين لا أكثر!! فضلاً عن أن قياس غير الأنبياء على الأنبياء غير صحيح، كما بينّا ذلك مراراً ولا يُمكننا أن ننسب معجزة نبيّ من الأنبياء إلى نبيّ آخر، بناءً على ذلك لا يُمكن أن ننسب الحياة الطويل الإعجازية لحضرة نوح (ع) إلى نبيّ آخر، فما بالك بأن نُثبتها لغير نبيّ (فَتَأَمَّل ولَا تَتَجَاهَلْ). وكذلك أصحاب الكهف كان عمرهم معجزة إلهية ولم يكن لهم هم أنفسهم، علم بذلك إلى مُدَّةٍ بعد استيقاظهم، وقد صرّح الله تعالى بذلك في كتابه، ولكننا لا نستطيع أن ننسب إلى الآخرين، بما في ذلك المهدي ذلك الأمر دون دليل. خاصةً بالنسبة إلى شخص يوجد شك حقيقي في ولادته ووجوده من الأساس.

لاحظوا، إضافةً إلى ذلك، أننا لا نُعارض فكرة إمكانية العمر الطويل لأي إنسان، لكننا نُريد إثبات هذا الأمر وتحققه الفعلي لزيد أو عمر[235]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ثم استُدِلَّ أيضاً ببقاء الدَّجال وإبليس في حين أن موضوع الدَّجال هو بذاته جزء من الأحاديث والقصص المُتعلّقة بالمهدي محلّ النزاع، وأخبار الدجال من الموضوعات، وأما إبليس فكان بتصريح القرآن (الكهف: 50) من الجن فقياس البشر على غير البشر قياس مع الفارق. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).

هنا استدل على بقاء عيسى عليه السلام بقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا ١٥٩ [النساء : ١٥٩] في حين أن هذه الآية لا علاقة لها أصلاً ببقاء عيسى بل هي تُبيِّن أن كل كتابيٍّ سيُؤمن بعيسى (ع) الحقيقي قبل وفاته، ولا شكَّ أن المحتضر عند وفاته وانتقاله إلى العالَم الآخر يصبح بصره حديداً ويرى الحقائق كما هي، رغم أن هذا الإيمان والتوبة الاضطرارية لن ينفعانه. ومقصودنا أن مُنكري نبوة عيسى أي اليهود، والذين غلوا فيه أي النصارى، سيُؤمنون عند احتضارهم بعيسى (ع) الحقيقي وتنكشف لهم الحقيقة. وليس في هذه الآية أيُّ كلام حول عودة حضرة عيسى (ع) قبل القيامة إلى الدنيا، بل تكلمت الآية في ذلك المقطع المذكور عن شهادة المسيح يوم القيامة، وليس هناك أيُّ مُبرِّرٍ لعدم الإشارة مُطلقاً إلى موضوع مهمّ إلى هذه الدرجة أي ظهور المسيح من جديد في هذه الدنيا[236]. خاصةً أن «تَوَفَّى» معناها الاستيفاء الكامل والتام، وعندما يأتي هذا التعبير في القرآن ولا يكون المقصود منه النوم، فإنه لا يُستخدم إلا بمعنى «الموت»، ولذلك قال الله تعالى: ﴿يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران: ٥٥]، كما أن عيسى نفسه استخدم تعبير التوفي بحق نفسه (المائدة: 117) يعني أنه كسائر الأنبياء الذين يُتَوَفَّوْنَ لا يبقى له بعد وفاته أيّ علم بأحوال العالَم.

هذا، ولا توجد في القرآن الكريم -باستثناء الآية 60 من سورة الأنعام والآية 42 من سورة الزمر اللتين تتضمنان قرينةً دالة على إرادة معنى النوم- أيُّ آية لم يتمّ استخدام فعل «تَوَفَّى» فيها بمعنى «الموت»، وكما استُخدمت كلمة «توفَّى» في آيات مُتعدّدة بشأن الرسول الأكرم ص (يونس: 46 وآيات أخرى) استُخدمت كذلك بشأن حضرة عيسى (ع)، وليس هناك أيّ مبرر يُجيز أن نعتبر أن كلمة «توفَّى» الخاصة بعيسى جاءت على معنى آخر مختلف دون وجود قرينة تُثبت ذلك، ونحن أبناء الدليل.

أما قولهم: "إن معنى الآية إني أرفعك إليَّ وأصعد بك"، فلا ينبغي أن نتوهَّم أن لِـلَّهِ مكاناً خاصاً محدَّداً وأن الله تعالى أخذ عيسى إلى مكانه!! بل المقصود رفع مقام عيسى[237] وذلك كقوله تعالى: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦ [البقرة: ١٥٦] حيث لا يُقصد من كلمة «إِلَيْهِ» العودة إلى مكان مُحَدّد. من الواضح إذن أن الله ليس له جهة مُحدّدة.

وقد استند الراوي هنا إلى الآية 33 من سورة التوبة وقد ذكرنا ما يلزم من توضيح بشأن هذه الآية في باب «الآيات المؤولة بقيام القائم» (ص 182 - 183).

* الرواية 39: يُراجع تعليقنا على الخبر 22 في الصفحة 221 من الكتاب الحاضر.

* الرواية 40: يقول: ذكر الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ «حمعسق» بِإِسْنَادِهِ قَالَ: "السِّينُ سَنَاءُ المَهْدِيِّ (ع) والقَافُ قُوَّةُ عِيسَى (ع) حِينَ يَنْزِلُ فَيَقْتُلُ النَّصَارَى ويُخَرِّبُ البِيَعَ"![238] ثم قال المَجْلِسِيّ: "وَعَنْهُ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّ الْمَهْدِيَّ (ع) يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُحْيِيهِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى رَقْدَتِهِمْ فَلَا يَقُومُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة"! (أيُّ عمل بلا فائدة!).

38أيُّها القارئ المحترم! لاحظ سورة الشورى في القرآن الكريم واعلم أن هذه السورة مكية ولاحظ الآيات التي ابتدأت السورة بها واحكم بنفسك على مقدار الترابط والتناسب في قول من يقول: إن القرآن الكريم أشار في خطابه لمشركي مكة في بداية سورة الشورى إلى سناء المهدي وقوّة عيسى!! وقارن هذا القول بالقول المُستند لأخينا الفاضل جناب السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي- حفظه الله تعالى- الذي يقول: إن الحروف المُقطّعة في القرآن الكريم علامات على أسماء الله بدليل أن عَلِيّاً (ع) كان يستفيد من هذه الحروف في دعاء الله في الغزوات والحروب، كما روى «نصر بن مزاحم المنقري» في كتابه: «ما كان عَلِيٌّ (ع) في قتال قطُّ إلا نادى: كهيعص» (وقعة صفين، ص 231) أو رُوي أن الإمام قال: «يا كهيعص اغفر لي» (تفسير الطبري، ج 16، ص 44، والإتقان للسيوطي، ج 2، ص 10). ورُوي في تفسير الميبُدي أن عَلِيّاً (ع) كان يُقسم بـ «كهيعص»، ولما كنا نعلم أنه لا يُمكننا الحلف إلا بأسماء الله الحسنى دلّ ذلك على أن هذه الحروف إشارة إلى أسماء الله الحسنى التي كان الإمام يحلف بها. كما رُوي على سبيل المثال أن ابن عباس[239] كان يقول: "الكاف الكافي والهاء الهادي والعين العالم والصاد الصادق" (الإتقان للسيوطي، ج 2، ص 9). وروى الشيخ الصدوق أيضاً عن حضرة السجاد أن عَلِيّاً (ع) قال: "مَا مِنْ حَرْفٍ [أي من الحروف المُقطّعة في أوائل السور] إِلَّا وَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ عَزَّ وَ جَل....." (معاني الأخبار، ص 44).

* الرواية 41: [ينقلها عن كتاب «الطرائف» عن ابْنِ عَبَّاسٍ] عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ: "المَهْدِيُّ طَاوُوسُ أَهْلِ الجَنَّةِ"!! إذن علينا أن نقول له: هنيئاً لك!

ثم أخذ المَجْلِسِيّ بذكر الروايات التي وردت في كتب أهل السنة عن المهدي وتتبيّن حقيقة هذه الروايات إذا راجعنا ما ذكرناه في هذا الكتاب (ص 112 فما بعد) ولا حاجة لتكرار الكلام هنا.

بعد انتهائه من ذكر كل تلك المُكرّرات بدأ المجلسيّ هنا بإيراد روايات منسوبة إلى أمير المؤمنين والحسنين والأئمة التالين عليهم السلام، بعضها مُبهم وغامض وبعضها مُكرّر وكل رواتها ضعفاء ومجهولو الحال ومتونُها خرافية نقطع يقيناً بعدم صدورها عن الأئمة بل هي من وضع الرواة! فمثلاً، في الخبر السادس (ص 134) يروي عن الإمام الحسين قوله: " المهدي ..... المَوْتُورُ بِأَبِيهِ المُكَنَّى بِعَمِّهِ يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ"[240]، وفي الخبر السابع يقول: " مَرَّ الحُسَيْنُ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وهُمْ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ ص فَقَالَ أَمَا واللهِ لَا يَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ مِنِّي رَجُلًا يَقْتُلُ مِنْكُمْ أَلْفاً ومَعَ الأَلْفِ أَلْفاً ومَعَ الأَلْفِ أَلْفاً.."!! هذا في حين أنه لم يعد هناك أثر لبني أُميّة اليوم ومع ذلك لم يظهر هذا المَهْدِيّ!

ثم في الخبر الأول من الأخبار المنسوبة إلى علي بن الحسين – عليهما السلام – (ص 134) ينقل المَجْلِسِيُّ عنه قوله: "وإِنَّ لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الأُخْرَى أَمَّا الأُولَى فَسِتَّةُ أَيَّامٍ وسِتَّةُ أَشْهُرٍ وسِتُّ سِنِينَ.." هذا في حين أن كتب الشيعة تقول: إن غيبته الصغرى سبعون عاماً ونيّف!

ثم ينقل هنا رواية عن الكافي عن أمير المؤمنين (ع) يقول فيها إن الحيرة وغيبة المهدي تطول "سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ.." شك أمير المؤمنين، أي أنه عليه السلام لم يكن يعلم حقيقةَ الأمر بشكل دقيق؟![241] وفي الخبر السابع يروي عن حضرة العسكري (ص 160) قوله: "ثُمَّ يَخْرُجُ [أي القائم المهدي] فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الأَعْلَامِ البِيضِ تَخْفِقُ فَوْقَ رَأْسِهِ بِنَجَفِ الكُوفَةِ"! أقول: هذا في حين أن الأخبار الأخرى تقول إنه يخرج من المشرق وإن راياته سوداء!! ومن المُحتمل أن يكون هذا الحديث من وضع خصوم أبي مُسلم الخُراساني وخصوم العباسيين. وعلى كل حال فلا فائدة من هذه الروايات سوى إضاعة الوقت! وينبغي القول: إنها كلها من وضع الرواة الجهلة.

[226] في الظاهر إن مسؤولية أحاديث هذا الباب تقع على عاتق «عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ» الذي كان في ابتداء أمره فطحيّ المذهب (للتعرُّف على حاله يُراجَع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 591-592). [227] (وقد سبق أن بيّنّا في صفحة 137 من الكتاب الحاضر معنى «خليفة الله» فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ). وكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 318- 319. [228] لم يكن الصفويون شيعة بل كانوا على مذهب «أهل الحق»! (فلا تتجاهل). [يقول المترجم: لقد بيّنت ماهية الفرقة التي تُسمّي نفسها «أهل الحق» في حاشية الصفحة 112 من الكتاب الحاضر فَلْتُرَاجَعْ ثَمَّةَ]. [229] راجعوا الأمور التي نقلناها عن «ابن خلدون» ص 118 فما بعد من الكتاب الحالي، وقارنوها مع أحاديث هذا الباب. [230] في الخبر الثاني عشر قيل إن المهدي كأنه من رجال بني إسرائيل (؟!) عليه عباءتان قِطْرِيَّتان (أي مصنوعتان في قَطَر)!! [231] يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 436 إلى 440 و ص 656. [232] ومثل ذلك الخبر 39 في الصفحة 102 من المجلد 51 من بحار الأنوار، وقد اضطر المجلسي لأجل رفع هذا الاختلاف الفاحش أن يقول أن كلمة «أبي» التي جاءت في مثل هذه الروايات تصحيف لكلمة «ابني»!! عجباً لهذا التأويل!! [233] راجعوا الكتاب الحاضر ص 126 وص 135 (النقطة الأولى). [234] لقد ذكرنا في الكتاب الحاضر تحقيق ابن خلدون حول الأخبار المُتعلّقة بالمهدي التي وردت في كتب أهل السنة وهو تحقيق عميق وذكي ومفيد جداً فراجعه في ص 152 فما بعد، فقرة «في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك». [235] أي أن إمكان الشيء أعم من وقوعه فمثلاً لا شك أن الله قادرٌ على أن يخلق رجلاً بأربعة أعين أو عدة رؤوس ولكن وقوع ذلك فعلاً يحتاج إلى دليل خاص عليه. (المُتَرْجِمُ) [236] على قول أخينا العالم الفاضل المرحوم «عليجان نوبخت» كيف يُمكن للقرآن الكريم أن لا يُوَفِّرَ ذكر «كلب» أصحاب الكهف (الكهف: 18) أو ذكر اسم زيد - ابن النبي بالتّبني- (الأحزاب: 37) ولكنه يمتنع عن ذكر عودة عيسى المسيح إلى الدنيا وعن ذكر المهدي الذي سيملأ الدنيا عدلاً وأمناً؟! (فلا تتجاهل). [237] هذا التأويل لا تُساعد عليه اللغة بل الأولى أن يُقال: إن معنى «رَافِعُكَ إِليَّ» رافعك إلى حيث لا سلطان إلا سلطاني ولا حكم إلا حكمي ولا أمر غير أمري وهذا يُشبه قوله تعالى: ﴿... إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٦[العنكبوت: 26] إذ من المؤكّد أنه ليس المقصود أنه مهاجر إلى المكان الذي يتواجد فيه الله -تعالى الله عن التحيّز بمكان أو التحدُّد بزمان- بل إنه مُهاجر إلى حيث أمره ربّه بالهجرة. [238] من أظهر علامات الوضع في هذا الخبر وأمثاله أنه يخالف القرآن الكريم الذي تبين آياته العديدة أن الله إنما شرع القتال في سبيله لدفع ظلم الظالمين الذين يقاتلون المؤمنين على دينهم، ولرد المعتدين ورفع الظلم عن المستضعفين المضطهدين بسبب إيمانهم، ولضمان حرية العقيدة ونشر الدعوة، وليس لأجل قتل كل غير مسلم حتى ولو كان مسالماً أو معاهداً!! بل لقد جعل الله تعالى الحفاظ على دور العبادة بما في ذلك الصوامع والبيع من غايات الجهاد القتالي! (المُتَرْجِمُ) [239] الذي في متن كتاب المرحوم البرقعي نسبة هذا الحديث إلى رسول الله ص وهو خطأ لأننا إذا رجعنا إلى كتاب «الإتقان» للسيوطي وجدنا أن الرواية موقوفة على ابن عباس. (المُتَرْجِمُ) [240] راجعوا الصفحة 135 من الكتاب الحاضر، النقطة الثانية من فقرة «مقدمة لقراءة أخبار المهدي». [241] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، دراسة الحديث 7 من الباب 137. (ص 679-680).