[ تفنيد دلائل «ابن قِبَّة الرازيّ» حول النصّ على الأئمَّة وغيبة المهدي] [455]
اعلم أنَّ «محمَّد بْنَ عبدَ الرحمنِ بْنِ قِبَّةَ- بالقاف المكسورة و فتح الباء - الرازيّ أبو جعفر» كان من علماء الشيعة الإمامية المتقدِّمين ومُتكلِّميهم الكبار، وقد مدحوه كثيراً وأثنوا عليه حتى اعتبروه شيخ الإماميّة في عصره. وكان في بداية أمره من المعتزلة ثم صار إمامياً اثني عشرياً بعد ذلك!
كان «ابْنُ قِبَّةَ» على علاقة بأحد «آل نوبخت» هو «الحسن بن موسى النوبختي». وكان لتلك الأسرة مساعٍ قوية في إضعاف الإسلام وإثارة الفرقة بين طوائف المسلمين. ولا يُستبعد أن تكون أيادي «آل نوبخت» هي التي وسوست إلى «ابْنِ قِبَّةَ»، إما مباشرة أو على نحو غير مباشر، وحَرَفَتْه وأدَّت إلى اتِّصاله بـ «الحسن النوبختي». والله أعلم.
ولا يخفى بالطبع أن آراء «ابْنِ قِبَّةَ» لا تخلو من أقوال وآراء صحيحة جداً وموافقةٍ للقرآن وهي تستحق اهتمام الباحثين وتأمُّلهم. فمثلاً نجده يُصرّح قائلاً: "ومن ينحل للأئمَّةِ علمَ الغَيْبِ فهذا كُفْرٌ بالله وخروجٌ عن الإسلام عندنا."[456]. ويقول كذلك: "والغيبُ لا يعلمُهُ إلا اللهُ وما ادَّعاهُ لِبَشَرٍ إلا مُشْرِكٌ كافرٌ"[457].
ويقول أيضاً بشأن الأحاديث والروايات التي وضعها الغلاة لإثبات علم الأئمة بالغيب: "والإمام أيضاً لم يقف على كل هذه التخاليط التي رويت لأنه لايعلم الغيب وإنما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنة ويعلم من أخبار شيعته ما ينهى إليه"[458]. وقد وصف إثبات علم الغيب للأئمة بقوله: "... من الأباطيل من علم الغيب وأشباه ذلك من الخرافات". أي عدَّ هذا القول من الأباطيل والخرافات. (فتأمَّل جدَّاً).
إذن نلاحظ أن أحد مُتكلِّمي الشيعة القدماء والمُدافعين عن التشيع الإمامي كان يردُّ علم الأئمة بالغيب جملةً وتفصيلاً، وهذا يتوافق مع القول الذي نقلناه عن الطَّبْرَسِي مؤلِّف تفسير «مجمع البيان» في التحرير الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (فصل علم الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن، ص 135). وكما نعلم فإن مثل هذه العقيدة [أي النفي القاطع لعلم الأئمة بالغيب] لم يعد لها مشترون كُثر بين علمائنا اليوم، بل معظم أهل المنابر يقومون بترويج الأكاذيب المروية في «الكافي» ونظائره من الكتب، وإشاعتها بين الناس! ولا يقلق أحد على عقائد الإسلام الصحيحة بل يهتم الجميع بإضفاء الصحة على عقائد الفرقة التي تُعجبهم أو الفرقة التي تدر عليهم منافع أكثر من غيرها!! وعندما أقوم ببيان العقائد الصحيحة كالتي ذُكِرَتْ أعلاه، بدلاً من أن يعتبرونني من شيعة عَلِيٍّ (ع) الصادقين، لا يتورَّعون عن محاولة اغتيالي أو سجني ولا عن كَيْلِ التهم الباطلة لي والافتراء عليَّ وإهانتي، ولكي يُبعدوا الناس عني ويجعلوهم يُسيئون الظن بي يُصوِّرون لهم كذباً وزوراً أنني عدوٌّ للأئمة عليهم السلام!!!
روى الشيخ الصَّدوق في كتابه «كمال الدين وتمام النعمة»[459] عدّة رسائل لابْنِ قِبَّةَ الرَّازي هي:
1- ردُّه على «علي بن بشار» الذي كان من القائلين بإمامة جعفر (أخي حضرة العسكري).
2- ردُّه على أحد الإمامية الذي سأل أسئلةً يطرحها المُعتزلة.
3- كتابه الذي ألَّفه في نقض كتاب «الإشهاد» الذي ألَّفه «أبي زيد العلوي» أحد علماء الزيدية.
وسنُبيِّن فيما يلي على نحو الاختصار نماذج من خدعه ومغالطاته التي جاءت في رسائله المذكورة، وقبل البدء في دراسة أقواله ونقضها يجب أن نعترف أن «ابْن قِبَّة» كان حقّاً أستاذاً ماهراً في الكذب والمغالطة والمصادرة على المطلوب ويفوق في هذه الأمور أبا سهل النوبختي بكثير، بل هو أستاذ له في هذه الأمور!
1- قال ابنُ بشَّار: ".... إذْ كان أهلُ الأصنام التي أحدها البدّ قد عكفوا على موجود وإن كان باطلاً؛ وهم [أي الإمامية القائلون بالمهدي الغائب المنتظر] قد تعلقوا بعدم ليس وباطل محض"!
وأجاب «ابنُ قِبَّةَ» عن ذلك قائلاً: "فإن قلت فأين ذلك [المهدي الغائب] دلونا عليه؟!! قلنا: كيف تحبون أن ندلكم عليه؟ أتسألوننا أن نأمره أن يركب ويصير إليكم ويعرض نفسه عليكم؟ أو تسألونا أن نبني له داراً ونحوله إليها ونعلم بذلك أهل الشرق والغرب؟ فإن رمتم ذلك فلسنا نقدر عليه ولا ذلك بواجب عليه!!"[460].
ونسأل ابن قِبَّة: بأيِّ دليل يجب عليك بوصفك مسلماً أن تدل الناس على الهادي الإلهي للأمة؟! ولو سألك أحد المخالفين قبل عدة سنوات -مثلاً في زمن حضرة الرضا أو الجواد أو الهادي أو ......- السؤال ذاته فبمَ كنت تُجيبه؟ إن مشكلتك لا تقتصر على إثبات وجود المهدي بل أنت لا تملك إجابة صحيحة حول إشكالية غيبته المُدَّعاة. والمشكلة الأخرى أنك تقول -دون دليل شرعي-: إن الإمام بعد رسول الله ص يجب أن يكون مصوناً من الخطأ ومعصوماً، في حين أنك تعترف بنفسك أن الإمام لا يعلم الغيب واحتمال وقوع الشخص الذي يفتقد العلم بالغيب في الخطأ احتمال وارد لا يُمكن نفيه. وكذلك تقول -دون دليل شرعي-: "إن إمام المسلمين يجب أن يكون ابناً للإمام الذي قبله!![461] وبما أن حضرة العسكري لم يكن له ابنٌ اضطررت أن تخترع له ابناً غائباً ثم تخترع لهذا الابنِ عمراً متطاولاً على نحو غير مألوف وخارج عن العادة! ولكن حتى الزمن الذي كانت مُدَّة غيبته فيه لا تزال لم تتجاوز الحدّ العادي لم تتكلم عن عمره غير العادي كما أنك لم تكن تقل شيئاً حول ضرورة أن يُثبت بُنُوَّتَه للحسن العسكري (ع) بواسطة معجزة، وذلك لأن الأئمة السابقين -خلافاً للمهدي- لم يُصبحوا أئمة بواسطة إظهار معجزة بل بواسطة التعريف بكل واحد منهم مِنْ قِبَلِ أبيه، لكن حضرة العسكري لم يُعرِّف الأمة بالمهدي اللهم إلا بادِّعاء بضعة أشخاص من الضعفاء والأفراد الذين لا اعتبار لروايتهم، وحتى لو كان للعسكري ابنٌ فإنه لم يكن يمتلك الأهلية للتصدي لمقام زعامة الأمة وإمامتها لأنه كان طفلاً غير بالغ حين وفاة أبيه!![462] (فَتَأَمَّل)
2- قال «ابنُ قِبَّةَ» في معرض ردِّه على «أبي زيد العلويِّ» صاحب كتاب «الإشهاد»[463]:
"وأعجب من هذا قوله: [أي قول أبي زيد العلوي الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد»]: حتى انتهوا إلى الحسن فادَّعَوا له ابناً وقد كانوا في حياة علي بن محمد وسموا للإمامة ابنَه محمداً إلا طائفة من أصحاب «فارس بن حاتم»[464] وليس يحسن بالعاقل أن يشنع على خصمه بالباطل الذي لا أصل له.
والذي يدل على فساد قول القائلين بإمامة «محمد» [بن علي الهادي] هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل بن جعفر لأن القصة واحدة وكل واحد منهما مات قبل أبيه، ومن المحال أن يستخلف الحي الميت ويوصي إليه بالإمامة وهذا أبين فساداً من أن يحتاج في كسره إلى كثرة القول!!"[465]. انتهى.
لاحظوا كيف يَكْذِبُ «ابنُ قِبَّةَ» صراحةً ولا يستحيي من ذلك. فالتاريخ شاهدٌ على أن ما قاله مُؤلِّف كتاب «الإشهاد» صحيحٌ تماماً، وطبقاً لما ترويه كتب الشيعة، كان عدد من الشيعة يعتقدون بإمامة «السيد محمد» ابن الإمام علي الهادي، وبعد انتشار خبر وفاة السيد محمد أثناء حياة أبيه أنكروا موته واعتبروه الإمام الغائب القائم وكانوا يقولون: لا يُمكن للإمام الهادي (ع) أن يقول قولاً غير صحيح وأن يُشير بالإمامة وبخلافته إلى شخص يُفارق الدنيا قبله!
والخدعة الثانية التي قام بها «ابْن قِبَّة» هنا قوله متجاهلاً: "ومن المحال أن يستخلفَ الحيُّ الميِّتَ ويوصيَ إليه بالإمامة"! إذ من البديهي أن مخالفيه لا يقولون مثل هذا القول بل الجميع يعلمون أن لا أحد يقول: إن حضرة الهادي (ع) عهد بالإمامة والخلافة من بعده لابنه «السيد محمد» بعد وفاته، بل يقولون إنه عهد إلى ابنه السيد محمد عندما كان ابنُهُ لا يزال حياً. هل من الممكن أن يكون «ابْن قِبَّة» قد عجز عن فهم موضوع بمثل هذا الوضوح؟!!
3- وقال «ابنُ قِبَّةَ» عن الإمامِ وَ حُجَّةِ الله على الأمَّة:
"والدليل على صِحَّةِ أَمْرِ أبيه أنَّا وإياكم مُجمعون على أنه لابُدَّ مِنْ رَجُلٍ من وُلْدِ أبي الحسن تثبت به حُجَّةُ اللهِ وينقطعُ به عُذْرُ الخَلْقِ وأن ذلك الرجل تلزم حجته من نأى عنه من أهل الإسلام كما تلزم من شاهده وعاينه!! [ونحن وأكثر الخلق ممن قد لزمتنا الحجة من غير مشاهدة]!!"[466]. انتهى.
فنسأل: كيف يُمكن للناس النائين أن يُطيعوا حُجَّة الله؟ مثلاً كيف يُمكن لأهالي كابُل أو مراكش أن يُطيعوا الإمام الساكن في المدينة؟! (وقد سبق أن تكلمنا عن هذا الموضوع فيما مضى من الكتاب الحاضر).
4- ثم قال «ابنُ قِبَّةَ»:
"ونحن وأكثر الخلق ممن قد لزمتنا الحُجَّة من غير مشاهدة، فننظر في الوجه الذي لزمتنا منه الحُجَّة ما هي؟ ثم ننظر مَنْ أولى من الرجلين اللذَيْنِ لا عقب لأبي الحسن غيرهما؟ فأيهما كان أولى فهو الحُجَّة والإمام. ولاحاجة بنا إلى التطويل. ثم نظرنا من أي وجه تلزم الحجة من نأى عن الرسل والأئمة عليهم السلام فإذا ذلك بالأخبار التي توجب الحُجَّة وتزول عن ناقليها تهمةُ التواطؤ عليها والإجماع على تَـخَرُّصِهَا وَوَضْعِهَا، ثم فحصنا عن الحال فوجدنا [أي بعد حضرة الهادي] فريقَيْن ناقلَيْن يزعم أحدهما أن الماضي [أي الإمام الهادي] نصَّ على الحسن [العسكري] (ع) وأشار إليه، ويروون مع الوصية وما له من خاصة الكِبَرِ [أي كِبَرُ السِنِّ] [467] أدلةً يذكرونها وعِلْماً يُثبتونه[468]، ووجدنا الفريق الآخر يروون مثل ذلك لجعفر لا يقول غير هذا، فإنه أولى بنا، نظرنا فإذا الناقل لأخبار جعفر جماعة يسيرة والجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ والتلاقي والتراسل فوقع نقلهم موقع شبهة لاموقع حجة، وحجج الله لا تثبت بالشبهات. ونظرنا في نقل الفريق الآخر فوجدناهم جماعات متباعدي الديار والأقطار مختلفي الهمم والآراء متغايرين فالكذب لا يجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض ولاالتواطؤ (؟!!) ولاالتراسل والاجتماع على تخرُّص خبر ووضعه فعلمنا أن النقل الصحيح هو نقلهم وأن المحق هؤلاء "[469]. انتهى.
أقول: لِيُراجِع القارئ المحترم كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (البابان: 132 و 133، في الصفحات: من 633 إلى 669) لكي يتأكد من كذب «ابنِ قِبَّةَ» ويعلم حقيقة حال تلك الأحاديث التي يدافع عنها «ابنُ قِبَّةَ» ويمدحها ويدَّعي أنها «النقل الصحيح»!!
ثانياً: إن مشكلتنا حول المهدي أسوأ من هذا بكثير، لأن أتباع حضرة العسكري انقسموا بعد وفاته إلى 14 فرقة على أقل تقدير، واحدة منهم فقط كانت تُؤمن بالمهدي الذي هو ابنُ العسكري!! بناءً عَلَى ذَلك، لو صدق «ابْن قِبَّة» في قوله إنه سيتَّبِعُ النهج ذاته الذي توصل بواسطته إلى اكتشاف إمامة حضرة العسكري على حدّ قوله، لوجب عليه أن لا يؤمن بإمامة المهدي لأن أخبار المخالفين لذلك أكثر بكثير من أخبار الموافقين للمهدي، وكان المعتقدون بأن المهدي هو ابن العسكري أقلية قليلة جداً وأشخاص غير معتبرين، هذا بصرف النظر عن أنه حتى لو وُجد ذلك المهدي فإنه سيكون حينذاك طفلاً غير بالغ! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
والطريف أنه عندما وَجَدَ «ابْنُ قِبَّةَ» أنه لا يستطيع أن يطعن في وثاقة أحد الرواة كما أنه لا يستطيع في الوقت ذاته أن يقبل روايته لأنها لا تُوافق هواه، عمد إلى اختراع معنى آخر لروايته يتَّفق مع هواه!! فمثلاً لما قال الشيخ «سديد الدِّين علي بن أبي غانم الجواني»: -الذي اعتبره علماء الشيعة فقيهاً وأثنوا عليه ومدحوه- إنه يعتقد بإمامة «جعفر» [أخو الإمام العسكري] أَوَّلَ «ابْنُ قِبَّةَ» كلامه ذلك دون ذكر دليل على تأويله وقال: "فأمَّا ما حُكِيَ عن ابن أبي غانم رحمه الله فلم يُرِدِ الرَّجُلُ بقوله عندنا يثبت إمامة جعفر، وإنما أراد أن يُعْلِمَ السائلَ أن أهل هذه البيت لم يفنوا حتى لا يوجد منهم أحدٌ."[470]!!
ونسأل: لو أراد «أبو غانم» -الذي كان حسب قولك فقيهاً ومعتمداً ولا يُعاني من أيّ مشكلة في بيان مقصوده- أن يُبيِّن اعتقاده بإمامة جعفر فكيف كان عليه أن يُعبِّر عن ذلك حتى تقبل المعنى الذي يريده ولا تُحمِّله المعنى الذي يتَّفق مع هواك ورغبتك؟! إن هذا الأمر بحدِّ ذاته يدلنا على أن «ابْن قِبَّة» لم يكن صادقاً في ذلك البحث والتحقيق الذي ادّعى أنه قام به للتوصل إلى معرفة الإمام!!
بعد الخدع والمغالطات التي ذكرناها أعلاه أخذ «ابْنُ قِبَّةَ» بتلفيق بعض المطالب واستند لأجل تقوية كلامه إلى الآية 119 من سورة الأنعام المباركة التي توصي المؤمنين بعدم اتِّباع هوى النفس مُلوِّحاً أنه بريءٌ من اتِّباع هوى النفس في هذه المسألة!! ثم ذكر مسألة اختفاء النبيّ في غار ثور، التي أثبتنا في نقضنا لكتاب «التنبيه» للنوبختي (الفقرة 4) عدم ارتباطها أصلاً بمسألة غيبة المهدي. فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
5- ثم قال «ابنُ قِبَّةَ» في معرض ردِّه على صاحب كتاب «الإشهاد»:
"وأما قوله: "إنهم ادَّعَوا للحَسَنِ وَلَدَاً" فالقوم لم يدَّعوا ذلك إلا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث، وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر!"[471]. انتهى.
وأردف «ابنُ قِبَّةَ» مخاطباً «ابن بشار» بقوله:
"ثم نقول: وهذا أيضاً [أي المهدي] لم يَغِبْ حتى ملأ آباؤه عليهم السلام آذان شيعتهم بأن غيبته تكون وعرَّفوهم كيف يعملون عند غيبته....."، ثم قال: وحُجّةٌ أخرى نقول لك يا أبا الحسن: أَتُقِرُّ أن الشيعة قد روت في الغيبة أخباراً؟! فإن قال: لا، أوجدناه الأخبار، وإن قال: نعم، قلنا له: فكيف تكون حالة الناس إذا غاب إمامهم؟ فكيف تلزمهم الحجة في وقت غيبته؟ فإن قال: يقيم من يقوم مقامه؛ فليس يقوم عندنا وعندكم مقام الإمام [أي المعصوم] إلا الإمام [أي المعصوم]، و إذا كان إماماً قائماً[472] فلا غيبة...... الخ"[473].
لقد كذب «ابْنُ قِبَّة» هنا عدَّةَ كِذْباتٍ: الأولى أن أهل التحقيق - على الأقل - يعترفون اليوم أن الأحاديث التي عَرَّفَتْ بجميع الأئمة الاثني عشر لم تصدر عن الرسول والأئمة - عليهم السلام - بل تم وضعها في زمن لاحق، وكان الأئمَّة عليهم السلام وأصحابهم المقرّبين جاهلين بتلك الأحاديث والنصوص الموضوعة[474]، وأنت بدلاً من إبراز دليل ومستند موثوق تُحيلنا إلى سند غير مُعتبر لا يُثبت مسألةً! كما أن أحاديث أهل السنة لا تشمل ابنَ حضرة العسكري!
ثم إنه ليس لدينا أيُّ حديث مُعتبر عن أجداد المهدي يذكر شيئاً عن وظيفة المؤمنين وتكليفهم الشرعي سوى ضرورة انتظار الفرج. (فَتَأَمَّل)
ثالثاً: الأحاديث التي رُويت عن أمير المؤمنين علي ÷ أو حضرات الصادقَيْن -عليهما السلام- عن القائم -كحديث لوح جابر أو الأحاديث التي نصَّت على أسماء الأئمة الاثني عشر جميعهم- أحاديث موضوعة قطعاً، إذْ لم يكن الأئمةُ ولا أصحابُهم يعلمون من قبل من سيكون الإمام من بعدهم، ولذلك نجد أن حضرة الصادق وحضرة الهادي عهدا بالإمامة من بعدهما لأحد أبنائهما فلما تُوفي الابنان قبل وفاة أبويهما عهدا بالإمامة إلى ابن آخر من أبنائهما ولو كانا يعلمان من قبل أسماء الأئمة جميعهم لَمَا وقعا في ذلك!![475] خاصة أن التاريخ يشهد على وقوع انشقاقات وانقسامات مُتعدِّدة بين شيعة كل إمام من الأئمة بعد وفاته، الأمر الذي يُثبت أنه لم يتمّ تعريف الأمة من قبل بأسماء جميع الأئمة، كما أن هناك أحاديث كثيرة تدل على أن أصحاب بعض الأئمة لم يكونوا يعرفون من سيخلف إمامهم في الإمامة، فقوله إن "آباء المهدي ملؤوا آذان شيعتهم بأن غيبته تكون وعرَّفوهم كيف يعملون عند غيبته" كذب محضٌ.
رابعاً: حتى بين تلك الأخبار الموضوعة نجد كثيراً منها يتعلّق بقائم غير الابن الموهوم لحضرة العسكري[476]، ومع ذلك قام مُحدِّثونا بعرض تلك الأحاديث على العوام بوصفها أحاديث تثبتُ المهدي!! (فَتَأَمَّل جدَّاً)
خامساً: حول كذب «ابْنِ قِبَّةَ» نسأل السؤال التالي: لم يكن الأئمة هم الذين بيَّنوا التكليف الشرعي للمأمومين في زمن الغيبة، بل الذي حدَّد ذلك هو «أبُو جَعْفَر مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ العَمْرِيُّ» من خلال التوقيعات التي كان يُصدرها، والتي جعل فيها الرواة غير المعصومين لأحاديث الأئمة خلفاء -عَمَلِيَّاً- للأئمة المعصومين!! فقل لنا: هل صدق «العَمْرِيُّ» فيما قاله أم كان كاذباً؟ إن قلت: صدق، فنسألك: "ألست تقول ليس يقوم عندنا مقام الإمام المعصوم إلا إمام معصوم" وعلى هذا الأساس أصررت على ضرورة أن يكون لحضرة العسكري (ع) ابناً كي لا تنقطع سلسلة المعصومين، فكيف يُمكن لغير المعصوم أن يُلبِّي حاجة المؤمنين إلى الهداية في زمن الغيبة وأن يُقيم حُجَّة الله عليهم؟! وإن قلت: إن «العَمْرِيَّ» كذب، فعليك أن تُحدِّد التكليف الشرعي للمأمومين طيلة ألف ومئتي عام بعد وفاة حضرة العسكري!! وذلك لأن مصير حوالي خمسين مليون إنسان في بلادنا اليوم أصبح مرهوناً بتصرف فقيه غير معصوم يعتقد لنفسه «ولايةً مطلقةً» -نعوذ بالله تعالى-!!! ويُخالف رئيس جمهوريةٍ يعتبر أن حدود صلاحيات «ولي الأمر» هي حدود الفقه لا غير! ولا شك أن لك ولنظائرك دور في إيجاد مثل هذا الوضع الذي هو ظُلْمٌ لِدِينِ اللهِ حَقَّاً.
6- وكتب «ابنُ قِبَّةَ» في رسالته الثانية حول إثبات «الغَيْبَةِ» يقول:
"قالوا [أي المعتزلة] لو كان الحسن بن علي (ع) قد نصَّ على من تدَّعون إمامته لسقطت الغيبة [أي لأن الجميع عندئذٍ سيكونون قد عرفوا مَن هو خليفة الحسن العسكري]. والجواب في ذلك أن الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الإنسان إلى بلد يكون معروفاً فيه ومُشَاهداً لأهله ويكون غائباً عن بلد آخر، وكذلك قد يكون الإنسان غائباً عن قوم دون قوم وعن أعدائه لا عن أوليائه؛ فيُقال إنه غائب وإنه مستتر. وإنما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمَّن لا يوثق بكتمانه من أوليائه وأنه ليس مثل آبائه (ع) ظاهراً للخاصَّة والعامَّة، وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه، وهم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه (ع).... الخ"!!.[477] انتهى.
وكرَّر «ابنُ قِبَّةَ» كذبه الفاضح الواضح هذا في رسالته الثالثة - أي ردِّه على كتاب «الإشهاد» إذ قال:
"والجواب عما سأل أن الإمام لم يستتر عن مسترشديه إنما استتر خوفاً على نفسه من الظالمين!!! "[478]. انتهى.
في حين أنه هو نفسه يعلم أن لا أحد يستطيع الوصول إلى المهدي في فترة غيبته الكبرى لا من مخالفيه ولا من موافقيه ولا حتى مجتهدي الشيعة، ومن حيث الأساس والمبدأ الفرق بين الغيبة الصغرى والكبرى هو أنه في مُدَّة الغيبة الصغرى كان هناك عدد معدود من الأفراد -رغم أنهم غير موثوقين- يدَّعون اتِّصالهم بالمهدي، على عكس الحال في مُدَّة الغيبة الكبرى التي لم يعد أحد فيها يرى المهدي ولا يستطيع الاتِّصال به والوصول إليه، ولهذا السبب تمت إحالة الشيعة إلى رواة أحاديث الأئمَّة، وإلا فلو كان هناك عدد من أصحاب المهدي قادرون على الاتِّصال به في عهد الغيبة الكبرى لَمَا بقي هناك فرق بين الغيبتين الصغرى والكبرى ولقام أولئك الأفراد بإيصال أخبار المهدي وفتاويه وتوصياته لسائر الشيعة ولَمَا بقيت هناك حاجة في إرجاع الناس إلى رواة أحاديث الأئمة السابقين.
ثم بلغ «ابنُ قِبَّةَ» القمَّة في الكذب حين قال بوقاحة تامَّة [خلال نقضه لكتاب «الإشهاد» لأبي زيد العلوي]:
"وأما قوله: وما بال الإمام في تقية من إرشادهم وليس في تقية من تناول أموالهم والله يقول اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً؟؟ فالجواب عن ذلك إلى آخر الفصل يقال له: إن الإمام ليس في تَقِيَّةٍ من إرشاد من يريد الإرشاد، وكيف يكون في تَقِيَّةٍ وقد بيَّن لهم الحقَّ وحثَّهم عليه ودعاهم إليه وعلَّمهم الحلال والحرام حتى شُهِرُوا بذلك وعُرِفوا به؟!!"[479].
هذا في حين أن الأئمَّةَ السابقين لاسيما حضرات الصادِقَيْنِ -عليهما السلام- هم الذين بيَّنوا أحكام الحلال والحرام والطريقة الصحيحة لسير المجتمع الإسلامي وليس المهدي الذي لم يره أحد! وليس في أيدينا شيء عن المهدي سوى بضعة أحاديث معدودة نقلها لنا النواب على لسانه أو عدة توقيعات نسبوها إليه ولم يُشاهد أحد من الناس صدورها عنه بشكل مباشر. وأكثر تلك التوقيعات كانت لأجل مطالبة الناس بالأموال والوجوه الشرعية أو لعن بعض الوكلاء والنواب، ولم يأتِ فيها أيُّ فكرة أو موضوع لا سابقة له سوى توقيع إرجاع الناس إلى رواة أحاديث الأئمة السابقين. إن المهدي، بعد وفاة «عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيِّ» [النائب الرابع] أصبح خارجاً تماماً عن إمكانية وصول طالبي الإرشاد والهداية وسائر الناس إليه سواءً مباشرة أو عبر وسطاء، وَكَذِبُكَ يُثيرُ العَجَبَ حقَّاً!!
ولقد كرَّرَ «ابنُ قِبَّةَ» هذا الكَذِب مرَّات عديدةً، ومن ذلك قوله في معرض نقضه لكلام أبي زيد العلوي الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد»:
"ولكن أخبرنا عن الإمام من العترة عندك من أي قسم هو؟ فإن قال: من المجاهدين؛ قيل له: فمن هو؟ ومن جاهد؟ ويعلم من خرج وأين خيله ورجله؟ فإن قال: هو ممن يعظ بالأمر والنهي عند إعواز الأعوان، قيل له: فمن سمع أمره ونهيه؟ فإن قال: أولياؤه وخاصته. قلنا: فإن اتبع هذا وسقط فرض ما سوى ذلك عنه لإعواز الأعوان وجاز أن لا يسمع أمره ونهيه إلا أولياؤه فأي شيء عِبْتَهُ على الإمامية؟ وَلِمَ أَلَّفْتَ كتابَكَ هذا؟ وَبِمَنْ عرَّضْتَ؟ وليت شعريَ وبِمَنْ قَرَّعْتَ بِآيِ القرآن وألزمته فرض الجهاد........ الخ "[480].
من البديهي أنه كان باستطاعة العالم الزيدي -على الأقل- أن يُري لـ«ابْن قِبَّة» شخصاً ظاهراً -ولو بغير وجه حق- بوصفه إماماً، ويذكر له مكانه، كما أن «ابْن قِبَّة» ذاته كان قادراً على فعل ذلك إلى ما قبل وفاة حضرة العسكري، لكن المهدي، بناءً على آخر توقيع صدر عنه أو نُسب إليه، أصبح خارجاً تماماً عن إمكانية وصول حتى مُحبِّيه وأصدقائه إليه (ولولا ذلك لَمَا أُرجع الناس إلى رواة أحاديث الأئمة السابقين) ولم يعد أمره ولا نهيه يصل إلى أحد من الناس بما في ذلك المجتهدين!! فلماذا تكذب؟ والآن نحن نُوجّه لك الأسئلة ذاتها التي تسألها ونسألك: أين إمامك؟ مَنْ مِنْ أصحابه رآه وسمع منه مسألةً؟ ولماذا لا يظهر اليوم مع أن مُؤيِّديه وأنصاره في إيران يُبْدُونَ شَوقَهُم الشديد إلى ظهوره ويدعون الله لأجل ذلك ليل نهار، كي يُبلِّغ مسؤولي البلاد على الأقل الذي هم من مُريديه أمره ونهيه وإرشاده؟!!
وينبغي أن نعلم أن نقاشنا مع «ابْن قِبَّة» ونظائره، بمعزل عن مسألة عدم ثبوت وجود المهدي، هو في مسألة الغيبة الكبرى بحدّ ذاتها التي كتب عنها «عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيُّ» في آخر توقيع أصدره عن قول المهدي، يقول: "..... يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيّ! ............ سَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ"[481].[482] وأرجع الناس في فترة الغيبة الكبرى إلى رواة أحاديث الأئمة! فقل لنا الآن: هل كذب عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيّ فيما كتبه؟ أم أنك تكذب في قولك: إن أصدقاء المهدي ينقلون وجوده وأمره ونهيه لك ولأمثالك؟! وكيف يُمكنهم أن يُخبروا عن إمام غير مرئي وينقلوا لنا أقواله؟!! ومن أين لك أن تعلم على وجه اليقين أن الذين ادَّعوا الصلة بالمهدي في عهد الغيبة الكبرى كانوا صادقين حقيقةً؟!
ثم إن المعنى الذي جعله «ابْنُ قِبَّةَ» للغَيبَة، لا علاقة له بموضوع بحثنا على الإطلاق، لأنه من البديهي -كما قلنا مراراً - أنه عندما يكون الشخص في مصر مثلاً أو في المدينة، يكون غائباً عن المدن الأخرى كمَدْيَن أو كنعان (فلسطين) أو مكَّة، وإذا كان في مَدْيَن أو في الطائف كان غائباً عن مصر أو كنعان أو مكَّة أو المدينة، وهكذا....، وكذلك الذي يكون حاضراً لدى أوليائه وأحبائه فقط، يكون غائباً عن أعدائه بالطبع، والعكس بالعكس. ولا حاجة أصلاً لذكر مثل هذا الأمر البديهي. لكن نقاشنا هو بشأن شخصٍ، ليس أنه لا يوجد أي خبر عنه خلال ألف ومئتي عام فَحَسَبْ، بل حتى معظم أصدقاء أبيه وأتباعه، أي 13 فرقة من أصل 14، لم يكونوا يعتقدون بوجود مولودٍ لأبيه، ولا يعرفون مثل ذلك الولد، ولم يخبر أحدٌ عن وجود مثل ذلك الولد سوى بضعة أفراد غير موثوقين. وثانياً: ما أخبر عنه أولئك الأفراد القلائل هو وجود طفلٍ غير بالغ ليس مؤهَّلاً لإمامة الأمة وإرشادها، في حين أنك تقول إن الأمة بحاجة دائمة إلى إمام معصوم «لا يسهو ولا يغلط»! مع أن الإمام إذا لم يعلم الغيب[483]، فإن احتمال السهو بشأنه واردٌ غيرُ مُنْتَفٍ!.
7- ويُشْكِلُ صاحبُ كتاب «الإشهاد» على الإمامية قائلاً :
"ثم قال صاحب الكتاب [أي كتاب الإشهاد]: ويُقَال لهم [أي للإمامية]: لِمَ استتر إمامكم عن مسترشده؟ فإن قالوا: تقيَّةً على نفسه؛ قيل لهم: فالمسترشد أيضاً يجوز له أن يكون في تقيَّةٍ من طلبه لا سيما إذا كان المسترشد يخاف ويرجو ولا يعلم ما يكون قبل كونه، فهو في تَقِيَّةٍ، وإذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجْوَزُ. وما بال الإمام في تقيَّةٍ من إرشادهم وليس هو في تقيَّةٍ من تناول أموالهم؟ والله يقول: ﴿ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسَۡٔلُكُمۡ أَجۡرٗا﴾ [يس: ٢١]، وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٤]، فهذا مما يدلُّ على أن أهل الباطل عرض الدنيا يطلبون، والذين يتمسكون بالكتاب لا يسألون الناس أَجْراً وهُمْ مُهْتَدُونَ..."[484]. انتهى.
لاحظتم في الصفحات السابقة نماذج لأكاذيب «ابْنِ قِبَّةَ» الصريحة، ولكنكم سترون هنا أغرب النماذج لخروج «ابْنِ قِبَّةَ» عن موضوع النقاش وتهرُّبه من الإجابة الصريحة وخداعه وتضليله، حقاً إنه قد سبق في قدرته على الخداع والتمويه آل نوبخت - ومنهم «أبي سهل النوبختي» - بمراحل بعيدة! إنه يقول ردَّاً على هذا الإشكال الأخير الذي طرحه صاحب كتاب «الإشهاد»:
"و الجواب عما سأل: أن الإمام لم يستتر عن مسترشده إنما استتر خوفاً على نفسه من الظالمين. فأما قوله: فإذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجوز، فيُقَالُ له: إن كنتَ تريد أن المأموم يجوز له أن يتقي من الظالم ويهرب عنه [ويغيب] متى خاف على نفسه كما جاز للإمام فهذا لَعَمْرِي جائزٌ!! وإن كنتَ تريد أن المأموم يجوز له أن لا يعتقد إمامة الإمام [المعصوم] للتَقِيَّةِ فذلك لا يجوز إذا قَرَعَتْ الأخبار سَمْعَهُ وقَطَعَتْ عُذرَه، لأن الخبر الصحيح يقوم مقام العيان وليس على القلوب تَقِيَّةٌ، ولا يعلم ما فيها إلا الله"[485]. انتهى.
لاحظ أيها القارئ المحترم كيف انحرف «ابنُ قِبَّةَ» عن موضوع البحث واخترع من عند نفسه تفسيراً لكلام المعترض (أبي زيد العلوي الزيدي) ثم أجاب عمَّا لفَّقه نفسه من تفسيرٍ لكلام مخالفه؟!! إن «ابْنَ قِبَّةَ» نفسه يعلم أفضل من غيره أن لا أحد تحدَّث عن التَّقِيَّةِ القَلْبِيَّةِ لأنه قول لا معنى له، لكنه لم يتورَّع عن ذكر مثل هذا القول المهمل ليحرف أذهان مُخاطَبيه مع أنه يعلم أن التَّقِيَّةَ القَلْبِيَّةَ سالبة بانتفاء الموضوع، وكما قال هو نفسه لا أحد يعلم ما في صدور العباد سوى الله تعالى، وَمِنْ ثَمَّ إن كانت في قلب إنسانٍ عقيدةٌ ما ولم يُظْهِرْها فلن يطلع أحدٌ على عقيدته، حتى تأتي النوبة إلى موضوع التَّقِيَّةِ أو عدم التَّقِيَّةِ.
إن قصد صاحب كتاب «الإشهاد» هو أنه بناء على ما تقولونه [معشر الإمامية] من أنه يجوز للإمام المعصوم المنصوب وهادي الأمة مِنْ قِبَلِ الله أن يترك هداية الأمَّة خوفاً على حياته، و يغيب عن أنظار الناس بشكل كامل، ويصبح خارجاً تماماً عن إمكانية الوصول إليه، فإنه سيكون من الجائز أيضاً على المأموم أن لا يبحث عن الإمام المعصوم تَقِيَّةً، كي لا يوقع نفسه في المخاطر والمهالك!! لكن «ابْنَ قِبَّةَ» تجاهل مثل هذا الإشكال الواضح تماماً وأتى بكلام لم يكن بأي وجه من الوجوه مقصوداً للسائل، فقال: نعم لَعَمْرِي متى خاف المأموم على نفسه جازت له التَقِيَّةُ كما جازت للإمام!! وانطبق عليه البيت القائل:
از كرامات شيخ ما اين است كه شكر خورد و گفت شيرين است!
أي:
من كرامات شيخنا أنه أكل السكر وقال إنه حُلْوُ الطعم!
في الواقع إشكال المخالفين أن هادي الأمة الذي نصبه الله لأجل إرشادها لا يجوز له أن يختفي ويغيب ويُصبح خارج متناول الناس بشكل تام حتى لو كانت حياته عُرضة للخطر لأن وظيفته ليست سوى إبلاغ أحكام الله وتطبيق شريعته، وإلا لو جاز الاختفاء والغياب بسبب الخوف على الحياة لوجب أن يغيب الأنبياء في بداية دعوتهم التي كانوا فيها أكثر وحدة وعُرضة للخطر من الأئمة، مع أن الأنبياء كانوا يُبلِّغون الحق رغم الأخطار المُحيطة بهم والمُهدِّدة لحياتهم إلى درجة أن بعضهم استُشهد في هذا السبيل أو كاد أن يستشهد، كما نجد أن حضرة إبراهيم (ع) أُلقي في النار ومع ذلك لم يتوقف عن دعوة الناس في السر والعلن، كما أن حضرة موسى (ع) رغم أنه كان ملاحقاً في مصر وكان عُرضة لخطر القتل بشكل قوي جداً لكنه رغم ذلك لم يمتنع من العودة إلى مصر والدعوة فيها، فلو كان الإمام المعصوم مُتَّبِعاً لسنة الأنبياء وسائراً على منهجهم فلا يجوز له أن يختفي ويتوارى بحُجَّة المحافظة على حياته بدلاً من قيامه بإرشاد الأمة وهدايتها وتبليغ دين الله. وعلى فرض أن مثل ذلك التصرف يجوز في حق الإمام الذي تحتاج الأمة كلها إلى هدايته، فسيكون أكثر جوازاً بالنسبة إلى المأموم الذي لا يتمتع بمثل ذلك الوضع [أي لا تحتاج الأمة إلى هدايته] فيجوز له أن يبتعد عن الأخطار ولا يبحث عن الإمام وأن لا يقوم بواجب الأمر بالمعروف (معرفة الإمام) والنهي عن المنكر (اتِّباع الإمام والحاكم بغير حق)، وأن لا يُظهر عقيدته الصحيحة! وفي هذه الحالة عندما يختفي الإمام بشكل تام ويُصبح كالمعدوم ويختفي المأموم كذلك، لا يبقى في الميدان حق ولا حقيقة، وفي الواقع يُصبح هذا الوضع بمثابة انتهاء الإمامة المعصومة وانعدامها في المجتمع!! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
وفي معرض ردِّه على السؤال المُهِمّ الذي وجَّهه صاحب كتاب «الإشهاد» إلى الإمامية قائلاً: "وما بال الإمام في تقيَّةٍ من إرشادهم وليس هو في تقيَّةٍ من تناول أموالهم؟"سأل «ابْنُ قِبَّةَ» صاحبَ «الإشهاد» قائلاً:
"ويُقَال لصاحب الكتاب: أخبرنا عن الإمام منكم إذا خرج وغلب، هل يأخذ الخمس؟ وهل يجبي الخراج؟ وهل يأخذ الحق من الفيء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلك؟ فإن قال: لا فقد خالف حكم الإسلام، وإن قال: نعم، قيل له: فإن احتج عليه رجل مثلك بقول الله عز وجل: ﴿ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسَۡٔلُكُمۡ أَجۡرٗا﴾ [يس: ٢١] وبقوله ﴿إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ﴾ [التوبة: ٣٤]، بأي شيء تجيبه حتى تجيبك الإمامية بمثله.."[486]. انتهى.
لاحظوا أن «ابْنَ قِبَّةَ» طرح، خداعاً للسائل، فرضاً لم يُراعِ مثله في حق إمامه الموهوم!! فقد سأل: "إذا خرج إمامكم وغلب، هل يأخذ الخمس ويجبي الخراج والفيء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلك أم لا؟". وهو يعلم أن جواب صاحب «الإشهاد» عن هذا السؤال سيكون الإيجاب قطعاً، لكنه تجاهل تماماً أن هذا الفرض لا يصح إلا إذا كان الإمام ظاهراً وقادراً ويقوم بجباية تلك الأموال في إطار قيامه بوظيفة إرشاد العباد وإدارة دفة حكم المسلمين وتلبية متطلبات المجتمع الإسلامي، فهو يجبي بالطبع الزكاة والجزية والخراج وخمس الغنائم الحربية عملاً بتعاليم الإسلام وأحكام الشرع ضمن قيامه بوظائف الإمامة لا أن عمله يقتصر على أخذ تلك الوجود الشرعية فقط لا غير دون أن يقوم بأي وظيفة أخرى من وظائف الإمامة!! لكن إشكال صاحب كتاب «الإشهاد» على الشيعة الإمامية هو: لماذا يقوم إمامكم، الذي لا يأخذ على عاتقه أي مهمَّة من مهام ووظائف إمامة وقيادة المجتمع الإسلامي كما هو مقتضى وظيفة الإمامة، ولا يدير شؤون المسلمين بيديه، ويمارس التقية فلا يقوم بواجب إرشاد العباد وهدايتهم، ولكنه رغم ذلك لا يُمارس التقية في أخذ الأموال ولا يكل هذا الأمر إلى حين ظهوره وتمكُّنه؟!! وقد تهرب «ابْنُ قِبَّةَ» عن الإجابة عن هذا الإشكال وأجاب عن إشكال لا مورد له افترضه من عند نفسه!!
ثانياً: الزيدية لا يأخذون الخُمس عندما يكون الحكم بأيديهم.
ثالثاً: رغم أن الخُمس يتعلَّق بغنائم الحرب فقط ولكننا لن نخوض هذا البحث هنا ونكتفي بالقول إن أئمَّتك وهبوا الخُمس لشيعتهم حتى ظهور المهدي وأعفوهم من دفعه[487]، فلماذا تنسى كل شيء عندما تُطرح مسألة المال؟ ولماذا لا يزال نواب إمامكم العامُّون يأخذون الخُمس من الناس وينطبق عليهم المثل: المَلِكُ وَهَبَ وَغُلامُ المَلِكِ لا يَهِبُ!!
رابعاً: أورد مُؤلَّف كتاب «الإشهاد» الآية 21 من سورة يس بشأن شخصٍ لا يملك الحكم بيده ولا يعمل إلا بالدعوة فقط، وقال إن الداعي الذي لا ينتظر مالاً من أحد أفضل من الداعي الذي يُطالب الناس بالمال وأدعى لثقة الناس به، لأن الداعي يقوم في الحقيقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب ديني كالصلاة والصوم والحج ومن العبادات التي يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى ولا يجوز أخذ المال على أدائها. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). بناءً عليه فلا علاقة بين كلام الشيخ الزيدي «أبي زيد العلوي» والحكومة الإسلامية وتقسيم الزكاة والخراج بين الفقراء والمساكين في المجتمع. هل من المعقول أن «ابْنَ قِبَّةَ» لم يفهم هذه الأمور الواضحة إلى هذه الدرجة ولم يُدرك الفرق بين الإمام المتواري خلف ستار الغيبة التامة والذي لا أثر له بَيْن المؤمنين ولا عَيْن، وبين الإمام الممسك بزمام أمور الحكم والذي يحتاج إلى المال لإدارة دفة أمور المجتمع وتأمين حاجة الفقراء والمساكين وحفظ الحدود وحماية الثغور وإصلاح الطرق وبسط الأمن .......الخ؟!!
خامساً: لم نذكر الآية 34 من سورة التوبة لإمامكم أيضاً بل ذكرناها لأجل أمثالك ممن يأخذون المال من الناس باسم الإمام ويبيعونهم مقابل ذلك الخرافات والمغالطات والتفرقة المذهبية!!
سادساً: أما قولك: «إنا نعمل بالكتاب والسنة» فنسألك: قل لنا من فضلك في أيِّ موضع من كتاب الله أمر الله بأخذ الخُمس من الكاسب والتاجر والموظف والطبيب و.......، ومتى أخذ رسول الله ص وأمير المؤمنين علي ÷ الخُمس من كسب الناس وكدِّ يمينهم حتى تُطالب بالخُمس اتِّباعاً للكتاب والسنة بزعمك؟![488]
8- وقال «ابْنُ قِبَّةَ» مُدافعاً عن إمامة الابن الأكبر للإمام:
"إذا رأينا جماعات كثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنهم رأوا أن الأكبر منهما قد حمل ذلك، ووجدنا جماعة يسيرة في موضع واحد يشهدون أن الأصغر منهما فعل ذلك، ولم نجد لهذه الجماعة خاصة يأتوا بها، فلم يجز في حكم النظر وحفيظة الإنصاف وما جَرَتْ به العادة وصَحَّتْ به التجربة ردّ شهادة تلك الجماعات وقبول شهادة هذه الجماعة والتهمة تلحق هؤلاء وتبعد عن أولئك"[489].
هنا انتبه «ابْنُ قِبَّةَ» إلى أن كلامه هذا يستتبع إشكالاً واضحاً يمكن لمخالفيه أن يطرحوه عليه وهو قولهم: إذاً كيف أعرضتم يا معشر الإمامية عن قول أكثرية مؤمني صدر الإسلام الذين قبلوا بإمامة أبي بكر وزعامته، ورجَّحْتُم قول الأقلية؟! فقال مستدركاً:
"فإن قال خصومنا: فما تقولون في شهادة سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد [القِلَّة] لأمير المؤمنين (ع)، وشهادة تلك الجماعات وأولئك الخلق [الكثيرون] لغيره [أي أبي بكر] أيهما كان أصوب؟ قلنا لهم: لأمير المؤمنين (ع) وأصحابه أمور خُصَّ بها وخُصُّوا بها دون من بإزائهم فإن أوجدتمونا مثل ذلك أو ما يقاربه لكم فأنتم المحقون: أَوَّلُـها: أن أعداءه(؟!!)[490] كانوا يُقِرُّون بفضله وطهارته وعلمه. وَقَدْ رُوِّينَا وَرَوَوْا لَهُ مَعَنَا أَنَّهُ ص خَبَّرَ "أَنَّ اللهَ يُوَالِي مَنْ يُوَالِيهِ وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ"[491]. فوجب لهذا أن يُتَّبَعَ دون غيره.
والثاني: أن أعداءه (؟!!) لم يقولوا له نحن نشهد أن النبي ص أشار إلى فلان بالإمامة ونصبه حجَّةً للخلق وإنما نصبوه لهم على جهة الاختيار كما قد بلغك.
والثالث: أن أعداءه (؟!!) كانوا يشهدون على أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) أنه لا يكذب لِقَوْلِهِ ص: مَا أَظَلَّتِ الـْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ. فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم.
والرابع: أن أعداءه (؟!!) قد نقلوا ما نقله أولياؤه مما تجب به الحجة وذهبوا عنه بفساد التأويل.
والخامس: أن أعداءه (؟!!) رَوَوْا فِي الْـحَسَنِ وَالْـحُسَيْنِ "أَنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، وَ رَوَوْا أَيْضاً أَنَّهُ ص قَالَ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". فلما شهدا لأبيهما بذلك وَصَحَّ أنهما من أهل الجنَّة بشهادة الرسول ص وَجَبَ تصديقُهُما لأنهما لو كَذَبَا في هذا لم يكونا من أهل الجنَّة......الخ"[492].
ثم وجَّه «ابْنُ قِبَّةَ» سؤالاً لصاحب كتاب «الإشهاد» فقال:
"ويقال لصاحب الكتاب: هل تعرف في أئمة الحق أفضل من أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ فَمَنْ قَوْلُهُ لا، فيُقَالُ له: فهل تعرف مِنِ المُنْكَرِ بعد الشرك والكفر شيئاً أقبح وأعظم مما كان من أصحاب السقيفة؟ فَمَنْ قَوْلُهُ لا. فيُقَالُ له: فأنت أعلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد أو أمير المؤمنين (ع)؟ فلا بد من أن يقول أمير المؤمنين. فيُقَالُ له: فما باله لم يجاهد القوم؟؟ فإن اعتذر بشيء قيل له: فاقبل مثل هذا العذر من الإمامية فإن الناس جميعاً يعلمون أن الباطل اليوم أقوى منه يومئذٍ، وأعوان الشيطان أكثر، ولا تُهَوِّل علينا بالجهادِ وذِكْرِهِ فإن الله تعالى إنما فرضه لشرائط لو عرفتها لقلَّ كلامُكَ وقَصُرَ كتابُكَ ونسأل الله التوفيق."[493].
رحم الله المرحوم «قلمداران» رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين كل خير لتأليفه الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» (بررسى نصوص امامت) [طَرِيق الاتِّحاد -دراسة نصوص الإمامة]، فقد قدَّم بكتابه هذا خدمة جليلة للمسلمين لاسيما لمن يُحبُّون عَلِيّاً (ع) حُبَّاً صادقاً، حتى لا يُخدعوا بالأقوال المشهورة التي رغم شهرتها فهي غير معتبرة ولا موثوقة، ومن جملتها ادِّعاءات «ابْنِ قِبَّةَ» الكاذبةِ هذه وأمثالها! ومن الواضح أنه لما كانت أيدي «ابْن قِبَّة» خالية من الدليل والمستند لجأ إلى الخدع والمغالطات، وإلا فإنه يعلم جيداً ما يلي:
أولاً: لم يكن أحد -لاسيما من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم القرآن- يُنكر فضل عَلِيٍّ (ع) وطهارته وعلمه، كما أنهم كانوا يعلمون أن عَلِيّاً لا يُنكر أيضاً سوابق الصحابة الآخرين وجهادهم وفضلهم ونقاءَهم وعلمَهُم ولم يكن يعتقد أن الله لا يُحبُّ أحداً سواه. بل إنه (ع) لم يكن يعتقد أن المهاجرين والأنصار كانوا معادين له لأنه كان يعلم -حسب قولكم- أن عدوَّه عدوّ الله، وبالطبع لم يكن لِيُبايِعَ عدوَّ اللهِ الذي ارتكب أكبر ذنب بعد الشرك والكفر، كما لم يكن ليقبل عدوّاً آخر لِـلَّهِ صهراً له!
ثانياً: عندما قال مسلمو صدر الإسلام: إننا اخترنا أبا بكر للخلافة فإنهم قالوا ذلك بناءً على أن الخلافة تنال المشروعية من خلال تشاور أهل الحلِّ والعقد والمهاجرين والأنصار ثم مُبايعتهم للفرد المنتخب ورضاهم به، ولم يكونوا يعتقدون بنص شرعي من الله ورسوله على شخص مُحدَّد ونصب النبيّ ص له في مقام الحكم والخلافة، وكانت تلك أيضاً عقيدة أمير المؤمنين علي ÷ التي عبَّر عنها في احتجاجه على منافسيه حيث لم يُشر إلى كونه منصوصاً عليه ومنصوباً مِنْ قِبَلِ الله ورسوله لإمارة المسلمين وحكمهم[494]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثالثاً: لا تدل شدَّة صدق «أبي ذرٍّ الغفاري» على كذب الآخرين! لأن ثبوتَ الشيء لا يفيدُ نفي ما عداه، ولو كان سائر الصحابة كاذبين لَمَا بايع عَلِيٌّ (ع) الكاذبين الذين تعدَّوا على أحد أصول الشريعة ولَمَا أثنى عليهم ومدحهم وأضفى المشروعية على حكمهم لأن مُبايعة مثل هؤلاء الكذابين المُفترضين أكبر إثم بعد الشرك والكفر، واحتمال مثل هذه العمل من حيدر الكرَّار (ع) غير وارد، كما أنه لن يكون هناك معنى عندئذٍ لقول حضرة الصادق (ع): إني أنتسِبُ إلى الكاذب الغاصب للحق الإلهي لجدِّي من طريقين!![495] (فَتَأَمَّل)
رابعاً: لماذا لم تذكر نموذجاً واحداً على الأقل من التأويلات الفاسدة التي زعمت أن مخالفيك يقومون بها للأخبار التي تدل على النصِّ عَلَى عَلِيّ (ع) مِنْ قِبَلِ الله ونصبه في مقام الخلافة والحكم، مع بيانكَ تأويلها الصحيح؟ كي يتبيَّن أن تفسيرك لهذه الأحاديث صحيح وتفسير المخالفين لك غير صحيح؟ ألا تعلم أن الادِّعاء المُجرَّد لا يُثبت شيئاً؟!
خامساً: لا شك ولا ريب أن كلام حضرات الحسنين -عليهما السلام- على عيننا ورأسنا ونحن أكثر شوقاً لقبول كلامهما منك، ولكن أين ومتى شهد ذينك الإمامين الجليلين على النص الإلهي على أبيهما ونصب الله له في مقام حكم المسلمين وخلافة رسول الله ص، ولماذا لم يُثبت الكُلَيْنِيّ شهادتهما هذه؟! كما أنك لم تُبرز لنا أيَّ سند ودليل على ادِّعائك هذا!! إن كنت صادقاً فيما تقول يا جناب الشيخ «ابْنِ قِبَّةَ» فلماذا لم يكن لابن حضرة المُجْتَبَى (ع) أيُّ علم بهذا الموضوع؟! فقد سأل رجلٌ الحسنَ المُثَنَّى بن الحسن المُجْتَبَى (ع): ألم يقل رسول الله ص: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: بلى، والله لو عنى بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم بذلك فإن رسول الله ص كان أنصح للمسلمين, ولقال: يا أيها الناس! هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. (ثم أضاف): والله لئن كان اللهُ ورسولهُ اختارا عليَّاً لهذا الأمر وجعلاه القائم للمسلمين من بعده، ثم ترك عليٌّ أمرَ اللهِ ورسولِهِ لكان عليٌّ أعظمَ الناس خطيئةً وجُرماً في ذلك[496] "!! [497]
سادساً: نحن أيضاً نسأل «ابْنَ قِبَّةَ»: هل أنت أعلم بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم حضرة سيد الشهداء -عليه آلاف التحية والثناء-؟! فلماذا لم يُبايع الحسينُ يزيداً رغم الكثرة الواضحة لجنود يزيد بل أقدم على مجاهدتهم وقتالهم؟ لقد كان الإمام الحسين (ع) أعلم منك قطعاً بشروط الجهاد وأحكامه وكان يعلم أن عدم جهاد أبيه الكريم للخلفاء الذين سبقوه كان له علّة أخرى، وكان يعلم أفضل منك أن أباه الكريم ليس أنه لم يُجاهد أولئك الخلفاء فحسب بل بايعهم وأعطى لخلافتهم المشروعية.
إن بيعة عَلِيّ (ع) لأبي بكر وعمر ومدحه إياهما أفضل دليل على أن عمل أصحاب السقيفة وعمل شورى الأشخاص الستة بعد عمر لم يكن بأيِّ وجه من الوجوه مخالفاً للشرع لأن عَلِيّاً لا يُشارك في عمل مخالف للشرع. من البديهي أن بيعة التلميذ الأول لمدرسة رسول الله ص للخلفاء الراشدين امتياز وافتخار كبير لهم لم يتمتع به أيُّ خليفة أو حاكم في عالَم الإسلام سواهم. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
سابعاً: لو أن رسول الله ص نصب عَلِيّاً بأمر من الله حاكماً على المسلمين وخليفةً له مباشرةً عليهم ونزلت آية في هذا الأمر ثم تعدّى أبو بكر وعمر هذا الحكم الإلهي الصريح واتَّخذوه ظهرياً لكان عملهما هذا إثم كبير قطعاً يصل إلى مرتبة ليست أقل من الكفر، ومَنْ الذي لا يعلم أنه لا تجوز مُبايعة الكافر ولا طاعته؟ (فَلَا تَتَجَاهَلْ). فقل لنا بربِّك: كيف بايع عَلِيٌّ الكفار وأطاعهم وقال عن عمر: ".... فلما احتضر [أبو بكر] بعث إلى عمر فولَّاه فسمعنا وأطعنا وبايعنا وناصحنا... إلى آخر الكتاب"[498].
9 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»:
"فأقول وبالله الثقة: الدليل على أن الإمامة لا تكون إلا لواحد أن الإمام لا يكون إلا الأفضل والأفضل يكون على وجهين إما أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كل واحد من الجميع، فكيف كانت القصة فليس يكون الأفضل إلا واحداً، لأنه من المحال أن يكون أفضل من جميع الأمة أو من كل واحد من الأمة، وفي الأمة من هو أفضل منه؛ فلمَّا لَمْ يَجُزْ هذا وصَحَّ بدليل تعترف الزيدية بصحته أن الإمام لا يكون إلا الأفضل صحَّ أنها لا تكون إلا لواحد في كل عصر....الخ"[499].
مرَّة أخرى يُغالط «ابْن قِبَّة» ويُكرِّر الخلط بين معنيين للإمام: فَإِنْ كانت الإمامةُ بمعنى إرشاد الناس وهدايتهم وتعليمهم القرآن والسنة، كما قلنا، فإنها عندئذٍ لن تكون منحصرة بأسرة خاصة وعدد محدود من الأفراد، وإن كانت بمعنى الإمارة والرئاسة واستلام زمام الأمور فهي تعتمد على الانتخاب والاختيار بعد تشاور المؤمنين، فلو وُجِدَ سَيِّدٌ شريفٌ عالمٌ أعلم من جميع علماء عصره لكن المؤمنين لم يختاروه ولم يُبايعوه لم يُعَدَّ إماماً مشروعاً. ولهذا السبب نرى أن عَلِيّاً (ع) بايع الخلفاء الذين اختارهم المؤمنون وبايعوهم. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
10 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»: "إذْ كان الناس محتاجين في كل عصر إلى من يكون خَبَرُهُ لا يختلف ولا يتكاذب، كما اختلفت أخبار الأمة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت.."!! [500].
هذا الكلام يدل على أنَّ «ابْنَ قِبَّةَ» لم يكن أقلَّ من «أبي سهل النوبختي» في الوقاحة والكذب أبداً، إذْ إنه يعلم جيداً أنه عندما يَعْتَبِرُ اختلافَ أئمَّةِ مخالفيه في أقوالهم دليلاً على عدم صحة عقائدهم، فإن حال أئمة الشيعة في وجود اختلاف بين أقوالهم وأفعالهم لا يختلف عن ذلك أيضاً، وقد اضطر الكُلَيْنِيّ بسبب اختلاف أقوال الأئمة الاثني عشر وأفعالهم إلى الإتيان بأحاديث الباب 119 في الكافي[501]. وقد وصل موضوع الاختلاف في أقوال الأئمَّة إلى حدّ أن الشيخ الطوسي اعترف أن إحدى أكبر الانتقادات التي وُجِّهَتْ إلى الشيعة هي أن أحاديثهم يُناقض بعضُها بعضاً ولا يوجد خبرٌ دون أن يكون هناك خبرٌ آخر يُناقضه، ولا روايةٌ لا توجد روايةٌ أخرى تُخالفها!! وقد ألَّف كتابه «الاستبصار فيما اختلَفَ من الأخبار» بهدف رفع هذه المشكلة ورتقها، فَجَمَعَ بين الأخبار المتعارضة بتأليفات من عند نفسه وحمل بعض الروايات على التَّقيّة!
ومما يُثبت ذلك أيضاً ما جاء في كتاب «المقالات والفِرَق» مما يلي:
"أن «عمر بن الرياح الأهوازي» زعم أنه سأل أبا جعفر [الباقر] عن مسألة فأجابه فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فزعم أنه سأله تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني فيه في هذه المسألة عامك الماضي؟! فذكر أنه قال له أن جوابنا ربما خرج على وجه التقية، فشك في أمره وإمامته فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له «محمد بن قيس» فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له لم فعلت ذلك؟ فقال فعلته للتقية، وقد علم الله إني ما سألته إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقبوله والعمل به فلا وجه لاتقائه إياي، وهذه حالي، فقال له «محمد بن قيس»: فلعله حضرتك من أتقاه! فقال [«ابن الرياح»]: ما حضر مجلسه في واحدة من الحالتين غيري، ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبخيت ولم يحفظ ما أجاب به في العام الماضي فيجيب بمثله، فرجع عن إمامته و قال لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيء من الوجوه ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله..."[502].
وجاء في كتاب «المقالات والفِرَق» أيضاً:
"فلما قُتِل الحسين حَارَتْ فرقةٌ من أصحابه وقالوا: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين، لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقَّاً واجباً صوابا من موادعته معاوية وتسليمه الخلافة له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوته؛ فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل أصحابه جميعاً، خطأ باطل غير واجب، لأن الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية حتى قُتل وقُتِل أهل بيته وأصحابه، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد والعدَّة خطأ باطل؛ فشكوا لذلك في إمامتهما فدخلوا في مقالة العوام ومذاهبهم"[503].
11- اعتبر «ابْنُ قِبَّةَ» أن عقيدة اختيار الأمة وانتخابها للخليفة والإمام عقيدة خاطئة، وتغافل عن أن الأمة منذ سنوات متمادية محرومة من الوصول إلى الإمام المعصوم المنصوب من عند الله -حسب قولكم-، إذن هل يجب أن يسود الهرج والمرج بين المسلمين وأن لا يكون للناس رئيسٌ وإمامٌ حاكمٌ؟! وكل ما تقوله بشأن زمن حرمان أمة الإسلام من الإمام؛ نقوله نحن بشأن وضع الأمة بعد وفاة رسول الله ص مباشرةً. (فَتَأَمَّل). أما إن قلتَ: إن الأمة قد تُخطئ ويشتبه عليها الأمر في اختيار الأصلح والأجدر لمنصب الإمامة، قلنا: لا حرج في ذلك لأن الإسلام أمرنا باتِّباع الإمام بشرط اتِّباعه للكتاب والسنة، فإذا تخطَّاهما استحق العزل ووجب على المسلمين اختيار شخص آخر لحكمهم. ثانياً: في هذا العالَم الفاني لا بُدَّ في كل عمل من طيِّ المسيرة التكاملية واكتساب التجربة والمهارة فيه، فعندما تعتاد الأمة على انتخاب رئيسها بعد التشاور فإنها ستُصبح تدريجياً أكثر بصيرة وتجربة في اختيار الأصلح وأكثر قدرة على تشخيص الأجدر لهذا المنصب، كما أن الإمام بسبب إحساسه بمراقبة الناس له سيكون أقل جرأة هو وبطانته على التعدي على أحكام الكتاب والسنة[504]. فبدلاً من السعي لإثبات «الإمامة المنصوص عليها» من الله ورسوله من الأفضل السعي في تربية أمة الإسلام وتعليمها كي لا تكون بحاجة إلى إمام معصوم قَيِّمٍ عليها يُرشدها في كل أمر.
12- ويجيب «ابْنُ قِبَّةَ»، الذي عاش في أواخر القرن الثالث الهجري وربما في أوائل القرن الرابع أيضاً، عن السؤال الذي يوجهه المعتزلة للإمامية ويقول: "إذا ظهر [المهدي] فكيف يُعْلَمُ أنه محمد بن الحسن بن علي (ع)؟" يجيب عن هذا السؤال بإجابتين تدلان على أنه كان أكثر احتيالاً من «أبي سهل النوبختي»![505] قال:
"فالجواب في ذلك أنه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم!!"[506]
هذا في حين أنه قد مضت ألف سنة على وفاة الرواة - غير الموثوقين بالمناسبة - الذين رووا لنا وجوده وإمامته، ولم يبق منهم أحد اليوم لكي يعرِّف الناس بالمهدي حين ظهوره بأنه هو ابن حضرة العسكري!!
ثم قال «ابْنُ قِبَّةَ» في جوابه الثاني:
"وجواب آخر وهو أنه قد يجوز أن يُظْهِرَ مُعْجِزَاً يَدُلُّ على ذلك. وهذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به، وإن كان الأوَّل صحيحاً!"[507].
فنقول له: يُعْلَم أن إجابتك الأولى خاطئة بلا أي شبهة، وأنه لا يوجد اليوم شخصٌ يمكنه أن يؤيد ويثبت بُنُوّة المهدي لحضرة الحسن العسكري (ع)! اللهم إلا أن تقول إن شهود المهدي و رواة ولادته، سَيُعَمِّرون أيضاً آلاف السنين مثله!! أو أنهم سيحيون من قبورهم عند ظهوره ليشهدوا أنه هو نفسه ابن الحسن العسكري!!
ثانياً: لماذا لا تقول الفِرَقُ الأخرى كالواقفية مثلاً - أو المباركية (المشروحة في الفَقَرة 157 من كتاب «المقالات والفِرَق»)[508] ونظائرها - إن «موسى بن جعفر» كان إماماً منصوصاً عليه، وغاب، وحين ظهوره سيتعرَّف عليه عددٌ من أوليائه، أو سيُظهِر معجزةً تدل على أنه هو موسى بن جعفر؟! فإن قُلْتَ: لقد ثبت موته، قلنا: لم يكن هناك أيُّ خلاف في وجود حضرة الكاظم (ع)، لكن الاختلاف وقع في موته ونحن نأخذ بالأمر المُتَّفق عليه، على عكس حالة المهدي المشكوك في ولادته بشدة، والذي لم يقل بولادته سوى أقلية قليلة من أصحاب حضرة العسكري، فنحن لا نردُّ رأي الأكثرية! وقد قال «ابْنُ قِبَّةَ» نفسه ما يُشبه هذا القول في الفقرة 4 التي نقلناها عنه. ولا يوجد سوى هذا الفرق بين «موسى بن جعفر» و «المهدي». ولا يُمكن إثبات شيء بمُجرّد الخيالات المُلفَّقة[509].
ثالثاً: لا يجوز أن تستند أحكام شريعة الإسلام لاسيما في مجال العقائد والإيمانيات إلى عبارات من مثل: «من الممكن» و «يُحتمل» و «ربَّما» و...... وأمثالها، بل لا بُدَّ من إقامة الدليل الشرعي على أن المهدي سيأتي وتُعْرَفُ هوِّيَّته خلال إظهاره للمعجزة!
رابعاً: المعجزة خاصَّةٌ بالأنبياء فقط في حين أن بحثنا يدور حول الأوصياء والأئمة الذي نتَّفق وإياكم على أنهم لم يكونوا أنبياء، فَقُلْ لَنَا: متى وأين قال الإسلام: إن غير النبيّ يُمكنه الإتيان بمعجزة؟ وأيّ إمام من الأئمة السابقين أتى -طبقاً للنقل المعتبر والمتَّفق عليه- بمعجزة لإثبات إمامته حتى يكون المهدي ثاني من يفعل ذلك؟! ماذا كانت معجزة حضرة السجاد أو حضرة موسى بن جعفر أو ....... وأمام أيّ أشخاص أظهروها[510]، وأين قال علماؤنا إن شرط إمامة المسلمين بعد رسول الله ص امتلاك الإمام لمعجزة؛ حتى تَقُولَ إن المهدي سيأتي بمعجزة ليُثبت هويته؟!
خامساً: لقد تجاهل «ابْنُ قِبَّةَ» أنه لو تقرَّر أن يأتي المهدي بمعجزةٍ لَمَا كان هناك لزوم لغيبته من الأساس لأن المعجزة تُبطل مؤامرة مخالفيه من جهة وتُثبت أنهم على غير حق من الجهة الأخرى وتكون أيضاً سبباً في إيمان الشيعة به واتِّباعهم له[511].
سادساً: لم تقل شيئاً بشأن عمر المهدي المخالف للعادة والمألوف والذي لا يُشبه عمر أجداده أبداً؟! لقد أمر الله تعالى رسوله ص أن يقول: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ﴾ [الكهف: ١١٠] أي أنه بشر كسائر البشر لا يختلف عنهم سوى في تلقِّيه الوحي، ولذلك كان النبيّ ص يشيخ مع مرور الأعوام وَكِبَرِ السن شأنه في ذلك شأن سائر بني آدم. كما أن الأئمة باعترافكم -في الظاهر على الأقل- لم يكونوا يتلقَّوْن الوحيَ فحتى هذا التمايز والاستثناء لم يكونوا يتمتعون به، فكيف يُمكن للمهدي أن لا يشيخ ويهرم رغم مرور ألف ومئتي عام على ولادته المزعومة ويبقى شاباً حتى يوم ظهوره حين يظهر شاباً بين الثلاثين والأربعين؟!! إن أبناءَ البشر العاديين لا يُعمِّرون مئات السنين، وإذا أردت أن تعتبر أن المهدي استثناءٌ عن جميع البشر كما كان حال حضرة نوح (ع) وحال أصحاب الكهف، فهات برهانك ودليلك الشرعي على هذا الأمر، لأن مُجرَّد إثبات إمكانية أمر لا تحلُّ الإشكال بل لا بُدَّ من الإتيان بدليل قاطع على الوقوع الفعلي له ولا يُمكن الاكتفاء في هذا الأمر بمُجرَّد الظن والاحتمال! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
13- ويذكر «ابْنُ قِبَّةَ» الإشكال الذي يطرحه كتاب «الإشهاد» على الإمامية بقوله: "إن منهم [أي من الشيعة الإمامية] فرقةٌ [واحدة فقط] قَطَعَتْ على موسى [بن جعفر، أي آمنوا بإمامته] وائْتَمُّوا بعده بابنه علي بن موسى [الرضا]". فيرُدُّ «ابْنُ قِبَّةَ» عليه قائلاً: إن قوله:
"قول رجل لا يعرف أخبار الإمامية لأن كل الإمامية - إلا شرذمةٌ وَقَفَتْ [على موسى بن جعفر] وشذوذٌ قالوا بإمامة إسماعيل وعبد الله بن جعفر [الأفطح] - قالوا بإمامة «علي بن موسى» ورووا فيه ما هو مدون في الكتب. وما يُذْكَرُ مِنْ حَمَلَةِ الأَخْبَارِ وَنَقَلَةِ الآثار خمسةٌ مالوا إلى هذه المذاهب في أول حدوث الحادث وإنما كَثُر من كَثُر منهم بعدُ"![512].
ونقول: إن الإشكال الأول في كلام «ابْنُ قِبَّةَ» هذا هو ببساطة: أنه كذبٌ! لأن أكثرية شيعة الإمام الصادق ÷ مالوا بعده إلى إمامة ابنه «عبد الله بن جعفر الأفطح» بدلاً من القول بإمامة ابنه الآخر «موسى بن جعفر»![513]
والإشكال الثاني: أن «ابْنَ قِبَّةَ» يريد بكذبه هذا أن يعتبر الأكثرية ملاكاً لقبول العقيدة الصحيحة، ويقول إن أنصار حضرة الكاظم وحضرة الرضا وأتباعهما كانوا أكثر من أتباع الواقفية والفطحية، في حين أننا نجدُ «ابْنَ قِبَّةَ» نفسَه، في حالات أخرى، ومنها في حالة المهدي، يتجاوز هذا الملاك تماماً ويترك قول أكثرية أصحاب حضرة العسكري (ع) الذين لم يكونوا يعتقدون بإنجابه لابنٍ ويُرجِّحُ الأَخْذَ -دون دليلٍ مُرَجِّحٍ- بقول الأقلية القليلة من أتباعه الذين اعتقدوا بولادة ابنٍ له!! وهذا ما يُقال له الازدواجية في المعايير!
ومن الجدير بالذكر طبعاً أنَّ «ابْنَ قِبَّةَ» ادَّعى في رسالته هذه كاذباً أن أنصار إنجاب حضرة العسكري لابنٍ كانوا هم الأكثرية! (تُراجع الفقرة 4 من أقوال «ابْنِ قِبَّةَ»).
المشكلة الثالثة هي السؤال: إذا كان عدد أتباع فرقة ما قليلاً في بداية دعوتهم ثم ازدادوا شيئاً فشيئاً، فهل يُعَدُّ هذا دليلاً على بطلان تلك الدعوة؟ وإذا كان عدد أتباع فرقة ما كثيراً في بداية أمرهم ومنذ شروع دعوتهم، هل يُعَدُّ هذا دليلاً على حقانية هذه الفرقة؟ (فلماذا لا تعتبرون أهل السنة إذن الذين كانوا أكثرية دائماً، على حق؟). في رأينا إن ميزان تشخيص الحق من الباطل ليس الكثرة ولا القلة، بل هو كتاب الله وسنة رسوله ص الجامعة غير المُفرِّقة وليس شيئاً آخر (فَلَا تَتَجَاهَلْ). للأسف إن «ابْنَ قِبَّةَ» كاتب يلجأ في كثير من الموارد إلى سلاحِ الكذب!!
14 - ويردُّ «ابْنُ قِبَّةَ» على صاحب كتاب «الإشهاد» قائلاً:
"ثم رجع صاحب الكتاب إلى أن يعارضنا بما تدَّعيه الواقفة على موسى بن جعفر، ... وقد بينا أنا علمنا أن موسى [بن جعفر] (ع) قد مات بمثل ما علمنا أن جعفراً [الصادق] مات، وأن الشك في موت أحدهما يدعو إلى الشك في موت الآخر، وأنه قد وقف على جعفر (ع) قومٌ أنكرت الواقفة على موسى عليهم، وكذلك أنكرت قول الواقفة على أمير المؤمنين (ع). فقلنا لهم: يا هؤلاء [الواقفين على موسى بن جعفر]: حجتكم على أولئك هي حجتنا عليكم فقولوا كيف شئتم تحجوا أنفسكم."[514]. (يعني أن كل دليل تقيمونه على وفاة الإمام جعفر الصادق أو وفاة الإمام علي وَتَرُدُّونَ به على من وقف عليهما، نستخدمه نفسه لإثبات وفاة موسى بن جعفر وَنَرُدُّ به وَقْفَكُم عليه).
أولاً: ما مِن رَيْبٍ أن عقيدة الواقفية (المنكرين لوفاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم ÷ والقائلين بغيبته) عقيدة باطلة وغير معقولة، شأنها في ذلك شأن عقيدة كل من أنكر وفاة إمام من الأئمة وقال بغيبته. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا يرى «ابْنُ قِبَّةَ» عيب عقيدته في الوقف على المهدي ونفي وفاته والقول بغيبته أيضاً؟ ألا ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ﴾ [البقرة: ٤٤] ؟ كيف تُبَرِّر لنفسك يا «ابْنَ قِبَّةَ» عقيدتك بالمهدي وعدم موته وغيابه، رغم فقدان النص الشرعي على ذلك، ورغم مخالفة ذلك للعقل والتجربة، وكيف لا تنتبه إلى أنه حتى لو كان للمهدي الموهوم وجود، فاليوم بعد هذه المدة الطويلة جداً لابدَّ أن يكون قد تُوُفِّيَ، مثله في ذلك مثل آبائه، بل تُصِرُّ على إثبات عمر متطاول خارج عن العادة له، على نحو لا يشبه فيه عمر أي إمام من آبائه وأجداده!! ألست في ذلك تشابه الواقفية -الذين أنكروا موت إمامهم- رغم مخالفتك لهم؟!! ألا يحق لهم أن يقولوا لك: باؤك تجرُّ وباؤنا لا تُجُرُّ؟! (فلا تتجاهل ولا تتعصَّب).
15- يقول «ابْنُ قِبَّةَ» إن رسول الله ص قال: "خَلَّفْتُ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي[515]".[516]
ونقول: لو صَدَرَ الحديثُ المذكورُ بِصُورَتِهِ المذكورةِ أعلاه، فإن في عطف «العِترة»[517] على «كتاب الله» أوضحُ دليل على أنه لم يكن قصدُ رسولِ اللهِ ص من هذا الحديث نَصْبَ عَلِيٍّ في مقام الخلافة المباشرة بعده وتعيينه بأمر الله حاكماً على الأمة، لأنه من الواضح تماماً أن القرآن ليس إنساناً حتى يستطيع أن يأخذ على عاتقه زمام أمور المسلمين! بناءً عَلَى ذَلك، فإن الحديث يدل على أن رسول الله ص اعتبر ذينك الأمرين (الثقلين) مرجعين يرجع إليهما الناس لمعرفة مسائل الشريعة في آخر الزمن. وثانياً: يدل اعتبار القرآن الكريم «الثقل الأكبر» وعطف «العِترة» عليه على أن المراد من «العِترة» العترة التي لا تبتعد أبداً عن القرآن. والنتيجة أنه لو وصل إلينا خبر عن «العِترة» لا يتَّفق مع القرآن فعلينا أن نرفضه استناداً إلى هذا الحديث ذاته، ومن الله التوفيق، كما أنه ليس في هذا الحديث ذكر لاثني عشر إمام منصوبين مِنْ قِبَلِ الله.
16 - يقول «ابْنُ قِبَّةَ»:
"ثم يُقال له: إنا إنما علمنا أن في العترة من يعلم التأويل ويعرف الأحكام بخبر النبيص الذي قدَّمْنَاه وبحاجتنا إلى مَنْ يُعرِّفُنا المرادَ من القرآن ومن يفصل بين أحكام الله وأحكام الشيطان، ثم علمنا أن الحق في هذه الطائفة من ولد الحسين (ع) لمَّا رأينا كل من خالفهم من العترة يعتمد في الحكم والتأويل على ما يعتمد عليه علماء العامة من الرأي والاجتهاد والقياس في الفرائض السمعية التي لا علة في التعبد بها إلا المصلحة، فعلمنا بذلك أن المخالفين لهم مبطلون.
ثم ظهر لنا من علم هذه الطائفة بالحلال والحرام والأحكام ما لم يظهر من غيرهم ثم ما زالت الأخبار تَرِدُ بنصِّ واحدٍ على آخر حتى بلغ الحسن بن علي (ع) فلما مات ولم يُظْهِرِ النَّصَّ والخَلَفَ بَعْدَهُ[518] رجعنا إلى الكُتُب التي كان أسلافنا رووها قبل الغيبة فوجدنا فيها ما يدل على أمر الخلف من بعد الحسن [العسكري] (ع) وأنه يغيب عن الناس وَيَـخْفَى شَخْصُهُ وأن الشيعة تختلف وأن الناس يقعون في حيرة من أمره فعلمنا أن أسلافنا لم يعلموا الغيب وأن الأئمة أعلموهم ذلك بخبر الرسول ص، فصحَّ عندنا من هذا الوجه بهذه الدلالة كونه ووجوده وغيبته؛ فإن كان هاهنا حجة تدفع ما قلناه فلتظهرها الزيدية فما بيننا وبين الحق معاندةٌ والشكر لِـلَّهِ"[519].
ثم قال أيضاً:
" ... إن هذا الأمر [أي أمر الإمامة] لا يَصُحُّ بإجماعنا وإيّاكم عليه [أي على أن النبيَّ جعل العترةَ خلفاء له] وإنما يَصُحُّ بالدليل والبرهان، فما دليلك على ما ادعيت؟ وعلى أن الإجماع بيننا إنما هو في ثلاثة أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام، ولم يذكر الرسول ص ذريته وإنما ذكر عترته، فملتم أنتم إلى بعض العترة دون بعض بلا حُجَّة وبيان أكثر من الدعوى، واحتججنا نحن بما رواه أسلافنا عن جماعة حتى انتهى خبرهم إلى نَصِّ الحسين بن علي (ع) على عليٍّ [زين العابدين] ابنِهِ، وَنَصِّ عليٍّ على محمَّدٍ [الباقرِ] وَنَصِّ محمَّدٍ على جعفر [الصادقِ]، ثم استدللنا على صحة إمامة هؤلاء دون غيرهم ممن كان في عصرهم من العترة بما ظهر من علمهم بالدين وفضلهم في أنفسهم وقد حمل العلم عنهم الأولياء والأعداء وذلك مبثوث في الأمصار معروف عند نقلة الأخبار، وبالعلم تتبين الحجة من المحجوج والإمام من المأموم والتابع من المتبوع، وأين دليلكم يا معشر الزيدية على ما تدَّعون؟!
ثم قال صاحب الكتاب[520]: ولو جازت الإمامة لسائر بني هاشم مع الحسن والحسين (ع) لجازت لبني عبد مناف مع بني هاشم ولو جازت لبني عبد مناف مع بني هاشم لجازت لسائر ولد قصي ثم مد في هذا القول.
فيُقال له: أيها المحتج عن الزيدية! إن هذا لشيءٌ لا يُسْتَحَقُّ بالقرابة وإنما يُسْتَحَقُّ بالفضل والعلم ويَصُحُّ بالنصِّ والتوقيف؛ فلو جازت الإمامة لأقرب رجل من العترة لقرابته لجازت لأبعدهم؛ فافصِل بينك وبين من ادَّعى ذلك وأظْهِرْ حُجَّتَكَ وافْصِل الآنَ بينك وبين من قال: ولو جازت لولد الحسن لجازت لولد جعفر، ولو جازت لهم لجازت لولد العباس، وهذا فصلٌ لا تأتي به الزيدية أبداً إلا أن تفزع إلى فصلنا وحجتنا، وهو النص من واحد على واحد وظهور العلم بالحلال والحرام."!![521]
ونقول: إن «ابْنَ قِبَّةَ» لم يذكر لنا - كما هي عادته - سوى مجموعة من الادِّعاءات التي لا دليل عليها!![522]، هذا إن لم نَقُل أنه مارس الكذب فيما قاله!
فأولاً: قولُكَ إن العلم الذي ظهر من الأئمة لم يظهر مثله من غيرهم!!! نسألكَ: بينك وبين الله! أيُّ علم ظهر من حضرة الجواد أو الهادي أو العسكري (ع) مِمَّا لم يظهر نظيره من جناب «زيد بن عَلِيٍّ» رحمه الله، الذي جُـمِعَ كتابُ «مسند الإمام زيد» من الروايات المنقولة عنه، أو لم يظهر مثله من الطبري أو مالك بن أنس أو محمد بن الحسن الشيباني أو الشافعي أو الأوزاعي، مما يجعلك تعتبر أولئك الأجلاء الثلاثة أئمَّةً ولا تعتبر هؤلاء العلماء أئمَّةً أيضاً؟!
ثانياً: إن النصوص التي تدَّعي أنها تدلُّ على أن كلَّ إمام نصَّ على الإمام الذي بعده ليست نصوصاً موثوقةً ولا معتبرةً بأيّ وجه من الوجوه!! ولو رجع القارئ الكريم على سبيل المثال إلى أحاديث الباب 125 أو 126 أو 131 من أصول الكافي التي استعرضناها ومحَّصناها في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» لرأى أنه ليس بينها حتى حديث صحيح واحد!! لكن جناب «ابْن قِبَّة» يتجاهل هذا الموضوع ويتعامى عنه!!
ثالثاً: إن الأحاديث المروية في كتب أهل السنة عن رسول الله ص حول مُصْلِحِ آخرِ الزمان، بصرف النظر عن ضعف أسانيدها، تختلف كثيراً عن «محمد بن الحسن العسكري» الذي عاش ألفاً ومئتي عام حتى الآن، ولا تنطبق عليه، كما أن كثيراً مما جاء في كتبنا من أحاديث عن القائم هو في الواقع من وضع الفرق الأخرى التي وضعوها عن قائمهم هم، لكن علماءنا جاؤوا بعد ذلك وجمعوا تلك الأحاديث ضمن أخبار الابنِ الموهوم لحضرة العسكري (ع) واعتبروا أنَّها تشيرُ إليه! كما أن حيرة أصحاب الأئمة لا تنحصر بحيرة أتباع حضرة العسكري (ع) فقط بل قد وقعت مثل تلك الحيرة بعد زمن كل إمام من الأئمة منذ حضرة الباقر (ع) -بل حتى قبل الإمام الباقر - وحتى آخر إمام!! فهل تريد إنكار التاريخ؟!
رابعاً: هل من الإنصاف أن نعتبر شجاعة جناب «زيد بن عَلِيّ» أو «يحيى بن زيد» أو جناب «النفس الزكية» وتضحياتهم وعلمهم أقل من شجاعة وتضحيات وعلم حضرات الكاظم أو الجواد أو الهادي أو العسكري؟ نحن لا نُصِرُّ طبعاً على أن علم من ذكرناهم من شخصيات آل البيت (مثل زيد ويحيى .... الخ) كان أكثر من علم الأئمة عليهم السلام، لكننا نقول: إنه ليس من دليل على أن علم تلك الشخصيات كان أقل من علم الأئمة المذكورين. إضافةً إلى ذلك، إنْ كان المقصود من الإمامة هو الحكم والسلطة والأخذ بزمام الأمور فإن هذا العنوان أكثر صدقاً على جناب «زيد» و«يحيى» اللذَيْن قاما وجاهدا. بناءً عَلَى ذَلك، فإنك لم تأتِنا بكلامٍ مُستَدَلٍّ ومُستَنَدٍ، ولم تذكر سوى ادِّعاءات لا دليل عليها!
خامساً: ولم تأتِنا أيضاً بأيّ دليل وبرهان من الكتاب والسنة على أن أئمة المسلمين وحكامهم منحصرون في اثني عشر نفراً لا أكثر! (فَتَأَمَّل جدَّاً).
17 - قال «ابْنُ قِبَّةَ» إن صاحب كتاب «الإشهاد» قال:
"اعلم أن النبي ص لما أمرنا بالتمسك بالعترة كان بالعقل والتعارف والسيرة ما يدل على أنه أراد علماءَهم دون جُهَّالهم والبررة الأتقياء دون غيرهم، فالذي يجب علينا ويلزمنا أن ننظر إلى من يجتمع له العلم بالدين مع العقل والفضل والحلم والزهد في الدنيا والاستقلال بالأمر فنقتدي به ونتمسك بالكتاب وبه.
وإن قال: فإن اجتمع ذلك في رجلين وكان أحدهما ممن يذهب إلى مذهب الزيدية والآخر إلى مذهب الإمامية بمن يقتدى منهما؟ ولمن يتبع؟ قلنا له: هذا لا يتفق فإن اتفق فرق بينهما دلالة واضحة إما نص من إمام تقدمه وإما شيء يظهر في علمه....الخ"[523].
هنا أيضاً لم يتخلَّ «ابْنُ قِبَّةَ» عن الخداع والمغالطة والخلط بين مفهومين للإمامة، كما تجاهل مسألة «البيعة» المهمة وتعامى عنها!! لذا نُذكِّره أنه لو توافرت صفات العلم والتقوى والزهد و ... في أكثر من شخص، فلا مانع أن يكون كلٌّ منهم إماماً لجماعةٍ من المُكلَّفين (الفرقان: 74). هذا عندما يُراد من الإمامة الإرشادَ الديني. أما إن كان المقصود من الإمامة الحكم واستلام زمام الأمور والسلطة السياسية ووُجِدَتْ الصفات المذكورة والشروط اللازمة للإمامة بهذا المعنى في أكثر من شخص فمن الطبيعي أن يكون الإمام مَنْ يُبايعه أكثرية المؤمنين ويختارونه. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
18 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»:
"فإن كان قياس الزيدية [أي ترجيحهم للإمام المجاهد القائم على الإمام القاعد] صحيحاً؛ فزيدٌ بن علي أفضل من الحسن بن علي [المجتبى] لأن الحسن [المجتبى] وادعَ [معاوية] وزيدٌ حارَبَ حتى قُتِلَ، وكفى بمذهبٍ، يُؤَدِّي إلى تفضيل زيدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) قُبْحَاً، وَاللهُ الْمُسْتَعان"[524].
أقول: أولاً: إن ما تقتضيه عقائد الزيدية ليس على النحو الذي ذكرته، لأن حضرة الحسن المجتبى (ع) بصرف النظر عن جهاده في زمن الخلفاء الراشدين، لما كان يعتبر نفسه أفضل لهذا المنصب من غيره ولما كان الناس قد بايعوه بالإمامة فإنه جاهد معاويةَ وحاربه مرَّات عدّة، فلمَّا تبيَّن له أن التغلُّب على معاوية وأتباعه غير ممكن، لم يُلقِ بأصحابه إلى التهلكة دون جدوى. بناءً عَلَى ذَلك، فلم يكن حضرة الحسن المجتبى (ع) بأيّ وجه من الوجوه مصداقاً للقاعدين، بل كان من أعلى مصاديق المجاهدين. وبالطبع لا يُمكن للزيدية حسب عقائدهم أن يعتبروا حضرة الحسن المجتبى «قاعداً». (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
ثانياً: لنفرض أنك لم تكذب في نقلك لعقيدة الزيدية، وأن ما نسبته إليهم صحيح، فنقول: إنهم على كل حال لم يقولوا قولاً مخالفاً للشرع، ورغم أن الزيدية لم يذهبوا في الواقع إلى مثل هذا التفضيل الذي نسبته إليهم فإننا نسألك: بأيِّ دليلٍ مِنْ آيةٍ أو نهيٍ شرعيٍّ اعتبرتَ تفضيل حفيد أخي حضرة المجتبى (ع) عليه أمراً قبيحاً جداً ولُمت من قال به؟!
ثالثاً: ثم نسألك: إن كنتَ مؤمناً بالآية 95 من سورة النساء فقل لنا: هل تعتبر حضرة سيد الشهداء (ع) أفضل أم حضرة الحسن المجتبى (ع)؟[525] هل تعتبر حضرة سيد الشهداء (ع) أفضل أم حضرة الجواد (ع)؟[526] وبأيّ دليل معتبر تعتبر حضرة الجواد أفضل من «زيد بن عَلِيّ بن الحسين» أو من «يحيى بن زيد» أو أفضل من «محمد النفس الزكية» وتعتبر الجواد إماماً ولا تعتبر أولئك المجاهدين الأجلاء الكرام أئمةً؟! (فتأمَّل ولا تتعصَّب).
19 - وقال «ابْنُ قِبَّةَ»:
"...... والإمامة لا يتم أمرها إلا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام رب العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزيدية بإمامته إلا وهو يقول في التأويل أعني تأويل القرآن على الاستخراج وفي الأحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط لأن ذلك كان ممكناً لو كان القرآن إنما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد، فأمَّا القرآن فقد نزل بلغات كثيرة وفيه أشياء لا يُعرَف المُرادُ منها إلا بتوقيفٍ، مثل الصلاة والزكاة والحج وما في هذا الباب منه، وفيه أشياء لا يُعرف المراد منها إلا بتوقيف مما نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عُرف بالتوقيف دون غيره فليس يجوز حمله على اللغة لأنك تحتاج أولا أن تعلم أن الكلام الذي تريد أن تتأوَّلَهُ ليس فيه توقيفٌ أصلاً لا في مُجْمَلِهِ ولا في تفصيله.
فإن قال منهم قائلٌ: لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يُعْرَفَ بالتوقيف فقد وقف الله رسوله ص عليه وما كان سبيله أن يُستَخْرَجَ فقد وكل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض فاستغنينا بذلك عمَّا تدعون من التوقيف والموقف.
قيل له: لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادين كل واحد منهما يجوز في اللغة ويحسُنُ أنْ يُتَعَبَّدَ اللهُ به، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلامٌ يَحْتَمِلُ مرادين متضادين.
فإن قال: ما ينكر أن يكون في القرآن دلالةٌ على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدبروه علموا المراد بعينه دون غيره؟
فيُقَال للمعترض: بذلك أنكرنا هذا الذي وصفته لأمر نخبرك به: ليس تخلو تلك الدلالة التي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملةً للتأويل أو غير محتملة، فإن كانت محتملةً للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية، وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذاً توقيفٌ ونصٌّ على المراد بعينه، ويجب أن لا يُشْكِلَ على أحدٍ عِلْمُ اللغة معرفة المراد وهذا ما لا تنكره العقول وهو من فعل الحكيم جائزٌ حسنٌ، ولكنا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدين واللغة، ولو كان هناك آيات تفسر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريقٌ من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي ولكان مَنْ تأوَّل الآيةَ خارجاً من اللغة ومن لسان أهلها لأن الكلام إذا لم يحتمل التأويلَ فحَمَلْتَهُ على ما لا يحتمله خَرَجْتَ عن اللُّغَةِ التي وقع الخطاب بها فدُلُّونا يا معشر الزيدية على آيةٍ واحدةٍ اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدل نصَّاً وتوقيفاً على تأويلها، وهذا أمر متعذرٌ، وفي تعذره دليلٌ على أنه لا بُدَّ للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به وهذا عندي واضح."[527].
ونقول: للأسف إن «ابْنَ قِبَّةَ» لا يكُفُّ عن الكَذِب، وإلا فهو نفسه يعلم أنه: أولاً: رغم وجود مفردات لقبائل أو بطون مختلفة من قريش أو مفردات ذات أصل غير عربي -كأن تكون من أصل آرامي أو سرياني أو فارسي....- في القرآن الكريم، إلا أنَّه لا يوجد عربيٌّ واحدٌ يعتبرُ القرآنَ الكريمَ غيرَ فصيحٍ بل قد بلغت فصاحته وبلاغته حدَّاً جعلهم يعتبرونه ساحراً لسامعيه! (المدثر: 24). لقد فضح «ابْنُ قِبَّةَ» نفسه بهذا الكذب عندما تعامى عن أنَّ استخدامَ كلمةٍ أو مراعاةَ قاعدةٍ نحوية مُتعلِّقة ببطنٍ من بطون قريش لا يُوجب القول بأن القرآن نزل بلغات وألسنة مُتعدِّدة. وهل يُمكن لإنسان عاقل إذا وجد - بلا تشبيهٍ - بضعة كلمات غير فارسية في منظومة «الشاهنامه» أن يقول إن «الشاهنامه» نُظِمَت بلغات وألسنة مُتعدِّدة؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ونسألك: ألا تعتقد بالقرآن الذي يقول: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡ﴾ [إبراهيم: ٤] ؟ ألا تعلم أن المشركين أيضاً ما كانوا يقولون لرسول الله ص إننا لا نفهم كلامك بل كانوا يقولون له إننا لا نقبل رسالتك وما تدعونا إليه؟! لا يوجد إنسان يُشكِّك بأن القرآن نزل بلغة قبيلة قريش الكبرى، كما نجد القرآن نفسه يصف نفسه بأنه نزل بلغة عربية واضحة مُبِينة ويقول: ﴿وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣] ويقول عن نفسه: ﴿قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا غَيۡرَ ذِي عِوَجٖ﴾ [الزمر: ٢٨]. بناءً عَلَى ذَلك، فإنَّ كُلَّ من كان عالماً باللغة العربية كان قادراً على فهم معاني آيات القرآن، ولذلك نجد أن كثيراً من غير العرب كتبوا تفاسير مُفصّلة للقرآن الكريم لقيت اهتمام العرب أنفسهم كتفاسير الزمخشري والفخر الرازي والمودودي و......الخ، بناءً عَلَى ذَلك، فإن ما ذكرتَه من كَذِبٍ لن يُبقي لك سوى سواد الوجه!
ثانياً: أما قولك إن هناك مفرداتٍ تحتمل معنيين مُتضادين من ناحية الدلالة اللفظية واللغوية فهذا لا يَرِدُ قطعاً في آيات الأحكام دون أن يترافق بقرينة من أيّ نوع كان أو دليل خارجي يحملنا على ترجيح أحد المعنيين والعدول عن المعنى الآخر!! وأنت لم تفعل سوى الادِّعاء وخداع العوام ولم تأتنا حتى بنموذج واحد على ما تقول، أما نحن فنذكر نموذجاً كي يتضح قصدنا أكثر وينكشف كذبك -وبالتالي عدم حسن نيَّتك-! فمثلاً اختلف العلماء في مسألة التيمُّم حول جواز التيمُّم بالصخرة التي فوقها غبار[528] أم لا؟ بالطبع يُمكن للعالم المنصف غير المُتعصِّب أن يصل إلى الإجابة الصحيحة بالاستفادة من كلمة «منه» في الآية 6 من سورة المائدة وأن يعتبرها قرينة على رجحان معنى التراب في المسألة المذكورة، ويرفع بذلك الإبهام والإجمال في الآية 43 من سورة النساء. لأن كلمة «منه» تدل على أنه يجب أن يصل جزء من الشيء المُتيَمَّم به للمُتيَمِّم وإلا لكانت كلمة «منه» لغواً[529]. بناءً عَلَى ذَلك، فإن حُجَّتك مُجرَّد ادِّعاء لم تذكر عليه أيَّ شواهد.
أما لو كنت تقصد غير آيات الأحكام فإن ادِّعاءك هذا سيكون أكثر افتضاحاً لأنه لا خلاف في أنَّ التفصيل غير مطلوب في غير آيات الأحكام، وأنَّ الإيمانَ الإجماليَّ بمُجرِّده يرفع المسؤولية عن المؤمن، بناءً عَلَى ذَلك، فلا حاجة لمترجمٍ ومُفصِّلٍ ومُبيِّنٍ من عند الله، وادِّعاؤك زائد! أضف إلى ذلك أنه لو كان القرآن كما تقول فكيف كان العرب يؤمنون بعد سماعهم آيات الله وقبل أن يُترجمها النبيّ لهم ويُبيِّن لهم تأويلها؟!
ثالثاً: لو كان المُفسِّر المُعيَّن من الله لآيات القرآن والإمام المُبيِّن لها مِنْ قِبَلِ الله رافعاً لكل اختلاف وإشكال فالنتيجة الطبيعية ينبغي أن تكون عدم وجود أيّ اختلاف في تفاصيل الأحكام الشرعية بين علمائكم معشر الشيعة الإمامية لأن عندكم أحد عشر مُفسِّراً ومُبيِّناً لمراد الله من آيات كتابه، في حين أن الواقع أن الخلاف بين علماء مذهبكم لا يقلُّ عن الخلاف بين علماء سائر المذاهب!! يا تُرى هل أدَّى مُفسِّروكم المنصوبين مِنْ قِبَلِ الله وظيفتهم على نحو كامل وصحيح؟!!
رابعاً: أنت تحتجُّ في زمن الغيبة على عالم زيدي وتُناظره، ولو كانت الحاجة إلى إمام مُفسِّر ومُبيِّن منصوب من الله حاجةً ماسَّةً وضروريةً إلى ذلك الحدّ الذي ذكرته، لكانت الغيبةُ مُتعارضةً مع هذه الضرورة! فأنت لا تملك الوصول إلى ذلك الإمام «المهدي» فكيف لك أن تُلبِّي حاجتك إلى المُبيِّن المعصوم؟ قُلْ لنا حتى نفعل نحن أيضاً مثلك في تلبية حاجتنا إلى معرفة التفسير الواجب اتِّباعه! هل تفعل شيئاً سوى رجوعك إلى أحاديث الأئمة الطاهرين من قبل واستخراجك المعاني أو استنباطك الأحكام من أحاديثهم؟! أي أنك تقوم بمثل ما يقوم به علماء سائر المذاهب؟!! بَاؤُكَ تَجُرُّ وَبَائِي لَا تَجُرُّ؟!
هل أخبار الأئمة السابقين كافيةٌ لتلبية حاجتنا إلى معرفة الأحكام الشرعية للمسائل الحادثة اليوم أم لا؟ إن قلتَ كافيةٌ فلن تكون هناك إذاً حاجةٌ إلى المهدي، وإن لم تكن كافيةً فلم يكن من الجائز إذاً للمهدي أن يغيب لأنه بغيابه حُرِمْنَا من الهداية الكاملة وَمِنْ ثَمَّ فلم تقم حُجَّة الله علينا. وفي رأينا إن الغيبة بحدِّ ذاتها دليل قاطع على أن ادِّعاءكم «ضرورةَ وجود مُفسِّر ومُبيِّن مِنْ قِبَلِ الله للشريعة بعد رسول الله ص» ادِّعاءٌ باطلٌ! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
خامساً: قلتَ للعالم الزيدي: إن كان الدليل الموجود في القرآن لأجل فهم مراد القرآن أو حلِّ الإبهام أو الإجمال الموجود في آية من آياته قابلاً لأكثر من تأويل أو تفسير، فإن هذا الدليل ذاته سيشمله الإشكال ذاته الذي طرحناه، ولكنك أخفيت عن العالم الزيدي أن أحاديث الأئمة الذين تُعرِّفهم للناس بوصفهم مُبيِّنين لمراد القرآن ومُفسِّرين للمعاني المقصودة من آياته أحاديث «صعبة مُستصعبة»[530] وَمِنْ ثَمَّ فإن كلام أئمتك سيشمله إشكالك ذاته الذي أوردته على العالم الزيدي! في حين أن القرآن عرَّف نفسه بأنه كتاب مُيسَّر للذكر وخاطب العرب المُعاصرين للنبيّ جميعهم، وهم أيضاً لم يدَّعوا أن القرآن الذي أتى به رسولُ الله ص ليس مفهوماً لهم. وفي الواقع مُجرَّد توجيه القرآن الكريم خطابه إلى الناس دون استثناء (بقوله: يا أيها الناس) لدليل واضح على أن القرآن كان مفهوماً لهم، فمثلاً لو تكلمتُ اليوم مع الإيرانيين المُعاصرين بلغة كتاب «الدُّرَّة النادرة» وخاطبتُهم بعبارة: أيها الناس، أي اعتبرت أن مُخاطَبيَّ هم عامة الناس كلهم، لكان عملي هذا عمل خاطئ وكنت مسؤولاً عن هذا الخطأ لأن مُخَاطَبِيَّ الذين سيفهمون كلامي لن يكونوا سوى بضعة أساتذة خبراء في كلية الآداب، فلم يكن لديَّ الحق في اعتبار «الناس» مُخَاطَبِيَّ. (مع ملاحظة أنه لا خلاف في أن الله الرحمن الرؤوف الرحيم واللطيف لا يُكلِّف الإنسان بما لا يُطيقه). أو كان يجب عليَّ أن أقول: أيها الناس، لقد وجَّهتُ كلامي لبضعة أساتذة خبراء في كلية الآداب وعلى الناس أن يسألوهم عن معنى ما قلتُ!! فهل لديك دليلٌ على أن الله تعالى الذي وجَّه خطابه إلى «الناس» دون قيد أو استثناء قام بمثل ذلك العمل الذي ضربت له مثالاً؟
في رأيك، هل كان عمل مُنْزِلِ القرآن، ناقصاً - والعياذ بالله - عندما أرسل رسوله الأكرم ص لتفصيل ما أجمله في كتابه ولِيُبَيِّنَهُ للناس، وقام ذلك النبيّ الكريم ببيان شريعة الله وتفصيل مُجملات الدين لأصحابه ومُعاصريه من خلال أقواله وأفعاله على مدى ثلاثة وعشرين عاماً على أحسن وجه، وأعلن لهم على هذا النحو مسائل التوحيد والمعاد والنُّبوة، وفي الوقت ذاته لم يُبيِّن مُنْزِل القرآن ضرورة وجود فرد منصوبٍ مِنْ قِبَلِه تعالى بعد النبي لِيُفَسِّرَ مراده تعالى من آيات كتابه، ولم يذكر ذلك حتى في خطبة الغدير؟! أم أنك أنت الذي اخترعت لاحقاً مثل هذه الصفة والوظيفة للأئمة؟!!
سادساً: لو لم تكن آيات القرآن تُوضِّح بعضها بعضاً ويُبيِّن بعضها ما أُبهم أو أُجمل في بعضها الآخر فلماذا قال حضرة عَلِيٍّ (ع) عن القرآن: «ويَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ويَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ» (نهج البلاغة، الخطبة 133)، حتى أدَّى ذلك إلى ضلال صاحب تفسير «الميزان» الذي قام بكتابة تفسير مُفصّل للقرآن استناداً إلى هذه القاعدة؟!!
أيها القارئ المحترم! ينبغي أن نعلم أن «ابْنَ قِبَّةَ» في احتجاجه على العالِم الزيديِّ أحاله إلى الأقوال الضعيفة والواهية ذاتها التي جمعها الكُلَيْنِيّ في أبواب «الكافي» المختلفة! وتجنُّباً للتكرار من الضروري مراجعة التحرير الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الأبواب 51 و 59 و 80 والباب 56، الحديث 8).
20 - ويقول «ابْنُ قِبَّةَ»:
"وأما قوله كيف يتّخذه اللهُ شهيداً على من لم يرهم ولا أمرهم ولا نهاهم؟ فيُقَال: له ليس معنى الشهيد [أو الشاهِد] عند خصومك ما تذهب إليه، ولكن إن عبت الإمامية بأن من لم ير وجهه ولا عرف شخصه لا يكون بالمحل الذي يدعونه له، فأخبِرْنَا عنك مَن الإمام الشهيد من العترة في هذا الوقت؟؟ فإن ذكر أنه لا يعرفه دخل فيما عاب ولزمه ما قَدَّرَ أنه يُلزَمُ خصومَهُ. فإن قال: هو فلان، قلنا له: فنحن لم نر وجهه ولا عرفنا شخصه فكيف يكون إماماً لنا وشهيداً علينا...... الخ"[531].
وأقول: إن إشكال العالم الزيدي واردٌ قطعاً ويقيناً على الإمامية، إذْ قال: لا بُدَّ أن يكون الإمام مشهوداً ومرئياً وحاضراً بين الناس لكي يستطيع كل من أراد الاتِّصال به أن يصل إليه، ولكي يتعلَّم منه المُكلَّفون القرآن وأحكام الشريعة وقوانين الإسلام. وهذا الموضوع واضحٌ جداً لا يشكُّ فيه أيُّ مُسْلمٍ مُنصف. ومن حيث المبدأ فإن الشخص الذي لا يراه أحدٌ من الناس بما في ذلك العلماء المجتهدون، ولا يستطيع أحدٌ أن يتعلّمَ منه شيئاً ولا أن يهتدي بهدايته وإرشاده، والذي لا يستفيد أحدٌ منه في حلِّ معضلات المجتمع وقضاياه المختلفة ولا نحصل منه على أيّ أثر أو فائدة؛ هو في حكم المعدوم، فكيف يكون مثل هذا الإمام زعيماً وشاهداً وحُجَّةً مِنْ قِبَلِ الله على خلقه؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
ولكن إذا وُجدت ظروف لم يقبل فيها المؤمنون إماماً واجداً لشروط الإمامة ولم يمنحوه المشروعية من خلال مُبايعتهم له، ووصل أشخاص من طُرق أخرى إلى سُدَّة الحكم وأخذوا بيدهم زمام أمور السلطة، فإن ذلك لا يُبرِّر لنا القولَ بأن ثمَّة إماماً معصوماً خلف الستار لكنه غائبٌ وغيرُ مرئيٍّ!! بل الواقع والحقيقة أن الحاكم المذكور يُعتبرُ أميراً وقائداً فاقداً للمشروعية لأنه لم ينل إمامته ورئاسته بالبيعة الحرّة واختيار أكثرية المؤمنين له، ولذا فيجب على المُكلَّفين أن يُنزلوه عن سُدَّة الحكم ويعزلوه، وعندما يجدون شخصاً تتحقق فيه صفات الإمام وشروطه ويكون قد نال الرئاسة والسلطة من خلال مُبايعة أكثرية المؤمنين له فلا شك أنه سيكون عندئذ إماماً مشروعاً تجب طاعته في أمره ونهيه طالما التزم بالكتاب والسنة ولم يتخطَّاهما[532]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ).
أما لو قيل إن المقصود من الإمامة هنا إرشاد الناس إلى مسائل الشريعة وأحكامها وإلى العقائد الصحيحة؛ فينبغي القول إن مثل هذا الإمام -كما قلنا مراراً- لم يكن في أيِّ زمن من الأزمان مُنحصراً بشخص واحد فقط ولن يكون [وانحصاره باثني عشر نفراً لأجل جميع الأزمنة أيضاً يفتقد إلى الدليل الشرعي]، بل كل فرد عالم مُتَّقٍ يُمكنه أن يكون إماماً للناس من خلال بيانه لعقائد الإسلام وأحكامه مع ذكر الدليل الشرعي[533] على كل ما يقوله وأن يُبيِّن لهم أصول دين الله وأحكامه.
من الواضح أن «ابْنَ قِبَّةَ» الذي اعتاد على المغالطة لم يَكُفَّ عنها هنا وتجاهل أنه لو قام عالم مُتَّقٍ في إندونيسيا بهداية الناس إلى تعاليم الكتاب والسنة كان إماماً لهم بطبيعة الحال، وإن لم يكن إماماً لأهل مراكش، والعكس بالعكس، ولا علاقة لهذا الموضوع أبداً بالمهديِّ الذي لا يستطيعُ أحدٌ من الناس أن يصل إليه في أيّ نقطة من نقاط الكرة الأرضية والذي لا يترتب على وجوده أيّ أثر إيجابي أو سلبي في جميع أنحاء الدنيا!! والموضوع الآخر أن الشهادة لا تنحصر بالأئمة بل المؤمنون الصادقون جميعهم -كما ينص القرآن على ذلك- شهداءُ لِـلَّهِ على الناس، كما قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡ﴾ [الحديد: ١٩]. إن الانتباه إلى الأمور التي ذكرناها أعلاه يكشف بطلان كثير من ضجيج وخداع ومغالطات «ابْنِ قِبَّةَ».
21- ويقول «ابْنُ قِبَّةَ»:
"مذهب الإمامية أن الأحكام منصوصة. واعلموا أنا لا نقول منصوصة على الوجه الذي يسبق إلى القلوب [أي لا يحتاج في معرفته إلى بحث وتأمُّل] ولكن المنصوص عليه بالجمل التي مَنْ فَهِمَهَا فَهِمَ الأحكامَ من غير قياس ولا اجتهاد [؟!! قل لنا إذاً ما هو عمل المجتهدين من الشيعة الإمامية؟] فإن قالوا: عنده [أي إمامنا] ما يخالف هذا كله [أي غير ما عندكم معشر الإمامية] خرجوا من التعارف، وإن تعلقوا بمذهب من المذاهب قيل لهم: فأين ذلك العلم هل نقله عن إمامكم أحد يوثق بدينه وأمانته؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: قد عاشرناكم الدهر الأطول فما سمعنا بحرف واحد من هذا العلم وأنتم قوم لا ترون التقية ولا يراها إمامكم فأين علمه وكيف لم يظهر ولم ينتشر؟ ولكن أخبرونا ما يؤمنا أن تكذبوا فقد كذبتم على إمامكم كما تدعون أن الإمامية كذبت على جعفر بن محمد (ع) وهذا ما لا فصل فيه.
مسألة أخرى ويُقَال لهم: أليس جعفر بن محمد عندكم كان لا يذهب إلى ما تدعيه الإمامية وكان على مذهبكم ودينكم؟ فلا بد من أن يقولوا: نعم اللهم إلا أن تبرءوا منه فيُقَال لهم: وقد كَذَبَتْ الإماميةُ فيما نقلته عنه، وهذه الكتب المؤلَّفة التي في أيديهم إنَّما هي من تأليف الكذَّابين؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فإذا جاز ذلك فَلِمَ لا يجوز أن يكون إمامكم يذهب مذهب الإمامية ويدين بدينها وأن يكون ما يحكي سلفكم ومشايخكم عنه مُوَلَّداً موضوعا لا أصل له؟ ....."[534].
أقول: أولاً: علاوةً على الأخبار التاريخية القاطعة فإن أحاديث الإمامية نفسها تدل على أن جناب «زيد بن عَلِيّ» رحمه الله لم يكن على مذهب الإمامية، فلماذا تتجاهل كون الحديث 5 من الباب 59 من الكافي يدل على أن «زيد بن عَلِيّ» لم يكن مُعتقداً بالنصِّ الإلهي على إمامة أخيه حضرة الباقر (ع)[535].
ثانياً: إذا أردتَ أن تتأكد أن الزيدية لم يكذبوا على أئمتهم خلافاً لِمَا فعلتموه أنتم فعليك أن تَكُفَّ عن تجاهلك لحقيقة أن ما نقلوه عن أئمتهم نقله أيضاً سائر المسلمين، ولو كانوا قد افتروا الكذب على أئمتهم لخالَفَتْ أقوالُهُم أقوالَ أكثرية المسلمين. اللهم إلا أن تقول من فرط التعصُّب إن الأكثرية تكذبُ ولا يصدق أحد سوى نحن الأقلية!! وادِّعاء ذلك ليس مُستبعداً منك بالطبع!
ثالثاً: يَتَـبَيَّنُ من شكوى أئمة الشيعة الكرام وتبرُّمهم بأصحابهم والمُلتفِّين حولهم والتي أثبتموها أنتم أنفسكم في كتبكم أن احتمال تلفيق الأكاذيب مِنْ قِبَلِكم على الأئمة أقوى منه لدى الزيدية. ولا غَروَ، فعلماؤكم الكبار كالمَجْلِسِيّ مثلاً لم يعتبر معظم أحاديث «الكافي» صحيحةً، وهذا بحدّ ذاته دليلٌ على أن الثقة في رواياتكم أضعف وأقل من الثقة في روايات الآخرين. ولقد أوضحنا هذه الحقيقة في مقدّمة التنقيح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الصفحات من 26 إلى 37، والباب 59، وفصل: «تذكير بمظلومية الأئمة»، ص376) فَلْتُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
رابعاً: ادِّعاؤكم هذا بأن الأحكام منصوص عليها في مذهب الإمامية ......الخ ذهب أدراج الرياح مع غيبة إمامكم، واضطر علماؤكم إلى سلوك الطريق ذاته الذي يسلكه علماء سائر فرق المسلمين ومذاهبهم أي الأخذ بقواعد علم أصول الفقه والعمل بالاجتهاد!! أي العمل ذاته الذي كنتم تعترضون عليه وتنتقدونه على مدى سنوات عديدة بسبب تعصُّبكم وطائفيَّتكم، أما سائر الفرق فقد سلكوا هذا الطريق قبلكم كما تعلَّموه من رسول الله ص. فقد ورد في خبر مُعَاذ أنه "لَمَّا أَرَادَ النبيُّ ص أَنْ يَبْعَثَه إِلَى الْيَمَنِ سأله قَائلَاً: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟». قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللهِ؟». قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ص. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ص وَلاَ فِي كِتَابِ اللهِ؟؟». قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ص صَدْرَهُ، وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِى وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ»[536].
خامساً: إنك تقول إن الأئمَّة لا يعلمون الغيب ولا يُوحَى إليهم، فقُلْ لنا كيف سيعرفون إذاً تفاصيل الأحكام؟ أليس ذلك سوى استنباطهم لها من الكتاب والسنة؟ في هذه الحالة فإن بقية علماء الإسلام وأئمة المسلمين يدَّعون أيضاً أنهم يأخذون علمهم من الكتاب والسنة، كما أن مُجتهديكم معشر الشيعة يختلفون في فتاواهم وآرائهم وليسوا مصونين من الاختلاف في الفتوى والرأي. وقد قلنا مراراً إن على المسلم أن يتَّبع الفتوى التي تكون دلائلها وبراهينها أقوى، وأن لا يتعصَّب لمذهب فقهي مُعيَّن لمُجرَّد كونه مذهب آبائه وأجداده. نعوذ بالله من العصبيَّة.
إن أخطاء «ابْنِ قِبَّةَ» وأكاذيبه لا تنحصر فيما ذكرناه بالطبع، وقد أتيت بنماذج منها فقط لتنبيه القراء وأترك بقيتها لتحقيق القراء المحترمين وتأمُّلهم وتفحُّصهم ولا أستطيع التفصيل أكثر من ذلك وأختم الكتاب بتذكير نهائي.
***
إنه مما يؤسف له جداً أن تُخْدَع الشعوب دائماً ولا تسعى وراء التفكير والتعقُّل والاستفادة من نعمة العقل. فمثلاً بدلاً من توجه الناس إلى الله تعالى الذي أغرقهم بنعمه وهو الحاضر الناظر في كل مكان وهو القادر على كل شيء وهو الذي أخبرنا بأنه أَقْرَبُ إِلَيْنا مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وقال لنا: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ﴾ [غافر: ٦٠]، وكأنه يقول لنا إنني أرحم بكم من أيِّ أحد آخر، وأعلم بحالكم، وقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦]؛ تجدهم رغم كل ذلك يتركون التوجُّهَ إلى مثل هذا الإله ويتوجَّهُون إلى عبدٍ مُفترضٍ [موهوم لا دليل على وجوده] فيسألونه حوائجهم ويطلبون منه المدد وكأنه أعلم بهم من الله، وأرحم بهم وأقرب إليهم من الله!!! ويقولون "يا مهدي أدركني"! وكأنهم لا يعتبرون الشِّرْكَ بالله الذي حاربه جميع الأنبياء شيئاً سيئاً!!
ومن الجهة الأخرى يقوم المسؤولون و ولاة الأمور الذين يأكلون عرق جبين هؤلاء العوام البُسطاء والذين كان من المفروض أن يُوَّعُوهم ويُرشدوهم ويُخْلِصوا لهم النُّصْح، يقومون بدلاً من ذلك بخداعهم وإبقائهم في الجهل والخرافات! كما كان البهلوي الثاني[537] يقول: ـ مخادعاً شعبه ـ إن إمام الزمان المهدي حفظني من السوء حين وقعت من على صهوة الجواد وأخذ بيدي وحال دون كسر عظم جنبي!! وكما قام آخرون بإلباس بعض جنودهم في جبهة الحرب لباساً أبيضَ وحملوهم على خيول بيضاء وأرسلوهم إلى الجبهة باسم المهدي ليُحرِّضوا الناس على القتال والاستبسال!!
هنا يصدق قول الشاعر:
دردا كــــه دواى درد پنهــــانـى مـــا افسوس كه چارهى پريشانى ما
در دست كسانى است كه پنداشتهاند آبــادى خويش را به ويرانـى ما
أي:
وا ألماه، دواء دائنا الخفيّ وا أسفاه، حل مشكلة اضطرابنا
بِيَدِ أشخاصٍ قد حسبوا أن عمرانهم لا يكون إلا بخرابنا
أجل منذ أن وجدت الدنيا كان الأمر كذلك، ولذا لا حل إلا أن تستيقظ الشعوب نفسها وتنطلق نحو التفكير والتعقُّل ولا تتخلَّى عن نعمة العقل الذي هو حجة الله الباطنة على كل إنسان، بل تستخدمه حق الاستخدام.
آمل أن يرحم أصحاب الحوانيت المذهبية هذا الشعب المسكين وأن يخافوا الله فيه ويتقوه ويكفوا عن التكسب بالدين على حسابه.
في الختام آمل من القارئ المحترم إن رأى في كتابي هذا قصوراً أو أخطاء أن يعذرني، لأنني كتبت كتابي هذا في زمن الشيخوخة والاكتئاب والضعف، وكتبتُهُ على عجل في زمنٍ لم يبق لديَّ فيه أمل باهتداء الناس، إذْ أصبح كل من يُظهر بعض الحقائق [المرَّة] تنهال عليه آلاف التهم والافتراءات، ولا يأتيه أحدٌ بأي إجابة منطقية عمَّا طرحه!! ورغم ذلك أقدمت على تأليف هذا الكتاب طلباً لرضا الله تعالى ومعذِرةً إلى ربِّي واستجابةً لطلب إخوتي في الإيمان ورغبتهم إلي أن أكتب كتاباً في هذا الشأن، فأقدمتُ على كتابة هذا الكتاب المختصر في بضعة أيام، رغم أنني كنت منزعجاً لما أحسسته فيه من نقص. ثم في أيام الترحال من منزل إلى آخر بعد خروجي من السجن، سعيتُ بِقَدْرِ الإمكان في إصلاح ما في الكتاب من نقص وتنقيحه وتكميله، ولكنِّي بسبب مرضي الناجم عن سجني وضعف الشيخوخة ويأسي من مسؤولي البلاد، وبسبب عدم إمكانية وصولي إلى مكتبتي الشخصية وفقداني للإمكانات المطلوبة لم أتوفَّق إلى تنقيحه وتكميله بأكثر مما فعلته في الكتاب الحاضر. أسأل الله تعالى أن يوفِّق الشباب النابِه في بلادنا إلى مواصلة أبحاثنا هذه وتأليف كتب أفضل من الكتاب الحاضر بهدف إيقاظ الناس وتوعيتهم. آمين يا ربَّ العالمين.
وأرى مناسباً أن أختم كتابي بالأبيات التالية: ما بر سر عهديم كه داديم خدا را همت نبود در سر ما غير وفا را گفتاكه نگوئيد و نخوانيد و نياريد جز گفتهى من گركه صفائى است شما را ما بندهى گفتار اوييم اركه نگويد از خويش نسازيم بر او مدح وثنا را وصفش بجز آن وصف كه خود كرده نياريم زان سو نرود فهم بشر غير خطا را أي: نحن على العهد الذي عاهدنا الله عليه لم يكن في فكرنا لِـلَّهِ إلا الوفاء قال لا تقولوا ولا تدعوا ولا تأتوا إلا بكلامي إذا أردتم لأنفسكم الصفاء نحن تَـبَعٌ لما يقوله لنا فإن لم يقل شيئاً لا نخترع من عند أنفسنا مدحاً أو ثناء لا نصفه إلا بما وصف به نفسه لا يذهب فهم البشـر عن ذلك إلا إلى أخطاء
وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى وَخَافَ عَوَاقِبَ الرَّدَى.
خادم الشريعة المطهَّرة:
أبوالفضل بن الرضا (البرقعي)
[455] وضعتُ هذا العنوان من عندي بغية التوضيح (المُتَرْجِمُ) [456] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 106. (المُتَرْجِمُ) [457] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 116. (المُتَرْجِمُ) [458] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 110. (المُتَرْجِمُ) [459] من الجدير بالذكر أن آية الله محمد باقر الكمرهاى كان من أصدقائي الحميمين وكان بيننا مخالطة وصحبة وثيقة جداً. وقد قام بترجمة كتاب «كمال الدين» للشيخ الصَّدوق لأجل كتاب فروشي إسلامية في طهران وتمّ نشر الترجمة مع النص العربي، وقد ساهمتُ في تصحيح الأخطاء المطبعية لذلك الكتاب لذا قام المترجم بذكر اسمي في الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من الكتاب وأهدى إليّ نسخة منه بعد طبعه ونشره، وما نقلته هنا من كتاب «كمال الدين» منقول عن هذه النسخة المذكورة. [460] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 54. (المُتَرْجِمُ) [461] راجعوا حول هذا الادِّعاء كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (باب 121: ثبات الإمامة في الأعقاب....، ص 609- 610). [462] من الضروري في هذا الموضوع مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الأبواب من 130 إلى 134، الصفحات من 658 إلى 669). [463] ليعلم القارئ المحترم أن «أبا زيد العلوي» مؤلِّف كتاب «الإشهاد» كان من الزيدية، و لم يكن في وسع «ابنِ قِبَّةَ» أن يتَّهم أتباع ذلك المذهب - كما فعل في اتهام أهل السنة بغير وجه حق بأنهم أعداء عليٍّ عليه السلام!! - ببغض أئمة أهل البيت عليهم السلام والتعصب ضدَّهم، ولكن هذا لم يمنعه من قوله عن «الزيدية» في آخر ردِّه على الكتاب المذكور: "وهي أشدُّ الفِرقِ علينا"! (فتأمَّل)! [464] قال الشيخ علي أكبر الغفاري محقق كتاب «كمال الدين»: "هو «فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني» نزيل العسكر من أصحاب الرضا (ع) غال ملعون أهدر أبو الحسن العسكري (ع) دمه وضمن لمن يقتله الجنة، قتله جنيد. راجع منهج المقال، ص 257.". انتهى (المُتَرْجِمُ) [465] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 107. (المُتَرْجِمُ) [466] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 54. (المُتَرْجِمُ) [467] أما في حالة خليفة الإمام جعفر الصادق (ع) فاضطررتم - فراراً من الإقرار بأنه كان الابن الأرشد للإمام الصادق - أن تتحجَّجوا بوجود عيب جسماني فيه، بل اعتبرتموه جاهلاً!! والسؤال: ألم يكن عبد الله يعيش في بيت أبيه، أفلم يتعلم خلال مدة حياة أبيه أي شيء من العلم منه؟! وليتذكر القارئ المحترم أن «ابنَ قِبَّةَ» هو من علماء الشيعة الإمامية الذين لم يكونوا يعتقدون بعلم الأئمَّة بالغيب. راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 138، لا سيما الحديثين 13 و 14)، لتروا كيف أنهم يراعون الأصول والقواعد فقط عندما يصب ذلك في مصلحتهم ويوافق هواهم وميلهم!! [468] أين تمَّ إثبات هذا العلم أي الدلائل الأخرى التي تدعيها؟! إنك لم تذكر قبل عدَّة أسطر من دليل لمعرفة الإمام سوى الأخبار المتواترة ولم تشر إلى «أدلة أخرى يذكرونها»!! [469] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 55 . (المُتَرْجِمُ) [470] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 58. (المُتَرْجِمُ) [471] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 107. (المُتَرْجِمُ) [472] أي إذا كان من يقوم مقام الإمام السابق إماماً قائماً، أي ظاهراً. [473] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 57 . (المُتَرْجِمُ) [474] ينبغي الرجوع إلى كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، فصل «تاريخ الأئمة يُكذّب أحاديث النص على الأئمة»، (ص 233 إلى 266)، وكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (الأبواب من 128 إلى 139، ص643 إلى 696) وكتاب «معرفة الحديث» للأستاذ الشيخ محمد باقر البهبودي، ص 90 إلى 94. [475] راجعوا في ذلك كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (فقرة فرق الشيعة بعد الإمام الصادق، الصفحة 282، وفقرة فرق الشيعة بعد الإمام الهادي، الصفحة 287). [476] كالحديث 3 من الباب 128 في الكافي. راجعوا التحرير الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 881 - 882. [477] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 61 . (المُتَرْجِمُ) [478] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 111 . (المُتَرْجِمُ) [479] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 112. (المُتَرْجِمُ) [480] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 124. (المُتَرْجِمُ) [481] كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص 516. (المُتَرْجِمُ) [482] راجعوا الصفحة 300 من الكتاب الحالي. [483] نُذَكِّر بأن «ابْنَ قِبَّةَ» كان من القائلين بعدم علم الأئمَّة بالغيب، وأن من يقول إن الأئمَّة يعلمون الغيب خارجٌ عن الإسلام. وارجعوا أيضاً إلى كتاب «تضادّ مفاتيح الجنان مع القرآن» (ص 192 إلى 196 و ص 323 إلى 324). [484] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 111. (المُتَرْجِمُ) [485] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 111 - 112. (المُتَرْجِمُ) [486] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 113. (المُتَرْجِمُ) [487] في هذا الموضوع ألَّف المُحقق الفاضل أخونا المجاهد المرحوم «حيدر علي قلمداران» كتاباً فريداً من جزأين بعنوان «حقائق عريان در اقتصاد قرآن» [الحقائق المكشوفة في اقتصاد القرآن]، الجزء الأول منه خاص بفريضة الزكاة، والجزء الثاني خاص بموضوع «الخُمس». ونوصي القراء الكرام بقراءة هذا الكتاب وصية مؤكدة. [488] يجب أن ننتبه إلى أن أخذ خُمس ما يغنمه الفرد من غير غنائم الحرب لم يكن معروفاً لدى المسلمين حتى عهد الإمام الصادق (ع)، ولذلك فإن على من يدَّعي العمل بالكتاب والسنة أن يأتي بدليل يثبت أن رسول الله ص وأميرَ المؤمنين علياً ÷ طَالَبَا الناسَ في فترة حكمهما بدفع خمس أموالهم، أو يثبت أن علياً اعترض على عدم قيام الخلفاء الثلاثة قبله بتطبيق سنة جباية خمس أموال الناس. أما الإتيان برواية عن حضرة الصادق (ع) أو حضرة الكاظم (ع) فإن هذا لا يحل المشكلة. ينبغي هنا الرجوع إلى كتاب «الخمس» وكتاب «رسالتان» للمرحوم حيدر علي قلمداران. [489] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 59. (المُتَرْجِمُ) [490] من علامات الخداع والتضليل الذي يمارسه «ابْنُ قِبَّةَ» أنه يُعَبِّر في جميع أنحاء رسائله عن الذين لم يختاروا علياً لمنصب الإمامة بعد النبي مباشرةً بعبارة: "أعداء علي"!! (فتأمَّل) مع أن الحقيقة هي أن أصحاب النبي ص - خلافاً لادعائه الكاذب - كانوا على علاقة طيبة بعليٍّ (ع) ولم يكن بين عليٍّ (ع) وبينهم عداوة. (يُراجع كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، ص 373 وما بعدها) و كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ص 120. هذا وقد بيَّن حضرة علي (ع) كيف يكون سلوكه مع أعدائه بالعبارات التالية: "إِنِّي واللهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وهُمْ طِلاعُ الأرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ ولا اسْتَوْحَشْتُ وإِنِّي مِنْ ضَلالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ والْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي ويَقِينٍ مِنْ رَبِّي، وإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهِ لَمُشْتَاقٌ وحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ ولَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وفُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً وعِبَادَهُ خَوَلاً والصَّالِحِينَ حَرْباً والْفَاسِقِينَ حِزْباً...". (نهج البلاغة، الرسالة 62). و قال: "أَلا وإِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ"(نهج البلاغة، الرسالة 173). بناء على ذلك فإن علياً (ع)لم يكن ليبايع الفجَّار والمدَّعين الكذبة مُطْلَقَاً، فضلاً عن أن يبايع الكُفَّار! [491] لم ينقل «ابْن قِبَّة» هذا الحديث بأمانة، لأن ما قاله النبيّ ص في غدير خم هو دعاؤه الله تعالى بقوله: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاه ". [492] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 59 - 60. (المُتَرْجِمُ) [493] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 125 - 126. (المُتَرْجِمُ) [494] من الضروري في موضوع الخلافة المباشرة لحضرة علي (ع) قراءة «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، (الفصلان الخامس والسادس من الباب الثاني، ص347 وما بعدها)، ومراجعة الصفحة 408 أيضاً من الكتاب الحاضر. [495] يُراجع «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 176، ص 829). ملاحظة: يشير المؤلف البرقعي في هذا إلى ما روي عن الإمام الصادق ÷ من قوله: "ولقد ولدني أبو بكر مرتين" في إشارة إلى انتساب الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) إلى أبي بكر من طريقين إذْ كان الإمام (ع) ابن فاطمة الملقَّبة بـ «أم فروة». وأم فروة هذه كان أبوها: القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمِّها: أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. (المُتَرْجِمُ) [496] يُنْظَر: ابن عساكر الدمشقي، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، دار الفكر، ج13، ص 69 و70 و71. (المُتَرْجِمُ) [497] يراجع كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 117 إلى 119 و ص 157 فما بعد). [498] مستدرك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف الغطاء، ص 119 – 120، (طبع لبنان) وقارن بالرسالة رقم 62 من نهج البلاغة. وقد ذكر أخونا الفاضل السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي هذه الرسالة في كتابه الشريف «راهى به سوى وحدت اسلامى» [طريق نحو الوحدة الإسلامية]، (الصفحات 164 إلى 167). [499] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 98. (المُتَرْجِمُ) [500] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 61. (المُتَرْجِمُ) [501] من الضروري في هذا الأمر الرجوع إلى كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (فقرة: نتيجة ما سبق، ص 138 إلى 142). وإلى كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 22 «باب اختلاف الحديث» في الصفحات 229 إلى 240 والباب 119 في الصفحات 597 إلى 607). [502] سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القُمِّيّ (ت 301هـ)، المقالات والفرق، صحَّحه وقدَّم له وعلَّق عليه الدكتور محمد جواد مشكور، نشر طهران، مؤسسه مطبوعاتى عطائى، ط2، ص 75. [503] المقالات والفرق، الأشعري القمي، ط2، ص 25. ومن الطريف أن نعلم أن «ابْنَ قِبَّةَ» قال في معرض رده على كتاب «الإشهاد» مُذَكِّراً مؤلفه: "و التغرير بالنفس قبيح و من التغرير أن تخرج جماعة قليلة لم تشاهد حرباً ولا تدربت بدربة أهله إلى قوم متدربين بالحروب تمكنوا في البلاد وقتلوا العباد وتدربوا بالحروب ولهم العدد والسلاح والكراع ومن نصرهم من العامة ويعتقدوا أن الخارج عليهم مباح الدم مثل جيشهم أضعافاً مضاعفة. فكيف يسومنا صاحب الكتاب أن نلقي بالأغمار المتدربين بالحروب؟! وكم عسى أن يحصل في يد داع إن دعا من هذا العدد؟! هيهات هيهات، هذا أمر لا يزيله إلا نصر الله العزيز العليم الحكيم". (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 119). وراجعوا أيضاً كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، فصل «نتيجة ما مرَّ» ، ص 138 فما بعد. [504] من الضروري الرجوع إلى الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (فصل «العقل منكر للنص»، ص 68 إلى 75) حيث أورد مؤلفه المحترم المرحوم «قلمداران» قول الشيخ مرتضى مطهري في هذا المجال. [505] قارنوا بين كلام «ابْنِ قِبَّةَ» هنا و كلام «أبي سهل النوبختي» (الفقرة 5) في الكتاب الحاضر. [506] يعني أن الذين رووا ونقلوا لنا إمامته، فأوجب نقلهم هذا عِلمنا بإمامته، هم أنفسهم سيثبتون وينقلون لنا عند ظهوره أنه هو ابن الحسن بن علي العسكري!! [507] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 62. (المُتَرْجِمُ) [508] وصف صاحب كتاب «المقالات والفِرَق» هذه الفرقة بقوله: "فرقةٌ ثالثة زعمت أن الإمام بعد جعفر، محمد بن إسماعيل بن جعفر، وأمه أم ولد وقالوا إنَّ الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلما تُوفِّي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل وكان الحق له، ولا يجوز غير ذلك لأنها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد حسن وحسين، ولا تكون إلا في الأعقاب. ولا يكون لإخوة إسماعيل: عبد الله الأفطح، وموسى في الإمامة حق كما لم يكن لمحمد بن الحنفية [أخي حضرة سيد الشهداء] فيها حق مع علي بن الحسين. وأصحاب هذه المقالة يُسَمَّونَ المُباركية برئيس لهم كان يُسَمَّى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر". انتهى. (كتاب «المقالات والفِرَق»، الفقرة 157، الصفحتان: 80 - 81) [509] طالما لا يوجد في الخلافات بين المذاهب الإسلامية دليل أو مستند شرعي أو عقلي فستبقى مثل هذه المجادلات إلى أن تقوم الساعة ويُنفخ في الصور! [510] لنفرض أنك تُصِرُّ مُتعصِّباً على أن حديث الغدير يدل دلالة واضحة على النص على عَلِيّ (ع) خليفةً وأميراً وحاكماً، وأن الحُجَّةَ قد تمَّت في هذا الموضوع على المهاجرين والأنصار! وأن الإمام عَلِيّاً لم يُظهر لهم معجزة لإثبات إمامته الإلهية لأنهم أنكروها عناداً وعن علم!! فنقول: إن النبيّ لم يُعرّف في خطبته الغديرية حضرة السجاد أو حضرة موسى بن جعفر أو ..... للأمة بوصفهم حكاماً وخلفاء على الناس من بعده فلماذا لم يقوموا بالإتيان بمعجزات لإظهار إمامتهم وإتمام الحُجَّة على الخلق؟! [511] خاصة في زمن الصفوية أو زماننا حيث يدعو الناس لدينا ليل نهار أن يُعجّل اللهُ فَرَجَ المهدي ويصرفون أموالاً طائلة على إضاءة المصابيح في الشوارع وتوزيع الحلوى لأجله! [512] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 106. (المُتَرْجِمُ) [513] جاء في كتاب «المقالات والفِرَق»: "..... فمال إلى عبد الله وإمامته جُلُّ مَنْ قال بإمامة أبيه وأكابر أصحابه، إلا نفر يسير عرفوا الحق، وامتحنوا عبد الله بالمسائل في الحلال والحرام والصلاة والزكاة والحج فلم يجدوا عنده علماً، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر هم المُسَمَّوْنَ بالفطحية، سُمُّوا بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقال بعضهم كان أفطح الرجلين.. ومال عند وفاة جعفر والقول بإمامة عبد الله عامَّةُ مشايخ الشيعة وفقهاؤها ولم يشُكُّوا إلا أن الإمامة في عبد الله وفي ولده من بعده.". (كتاب «المقالات والفِرَق»، الفقرة 162، ص 87). وتُراجَع أيضاً الصفحة 93 من كتاب «معرفة الحديث» للشيخ محمد باقر البهبودي. [514] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 114. (المُتَرْجِمُ) [515] كان «ابْنُ قِبَّةَ» منتبهاً إلى أهمية عطف «العترة» على «الكتاب» بواو العطف، وما يستتبعه ذلك من اتِّحاد الحكم فيهما، لذلك نجده يصرِّح قائلاً: "... لأن الكتاب والعترة خُلِّفَا مَعَاً وَالخَبَرُ نَاطِقٌ بِذَلِكَ شَاهِدٌ بِهِ". (انظر كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 116). [516] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 94 و ص 95. (المُتَرْجِمُ) [517] حول هذا الحديث يُراجَع ما ذكرناه في التنقيح الثاني لكتاب كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (فصل «ما العمل إذن؟» ص 62 فما بعد). [518] إذاً هل تعترفون أن الأحاديث التي نقلها أمثال المجلسي في أن حضرة العسكري (ع)عرف شيعته بابنه بوصفه الحُجَّة من بعده، أحاديث كاذبة؟! [519] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 113. (المُتَرْجِمُ) [520] يقصد: أبا زيد العلوي الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد» في الرد على الإمامية. (المُتَرْجِمُ) [521] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 115 - 116. (المُتَرْجِمُ) [522] هنا يجدر أن نرد عليه بعبارته ذاتها التي وصم بها الشيخ الزيدي صاحب كتاب «الإشهاد» بقوله: "ولم يقل في شيء من ذلك: الدليلُ على صحة تأويلي كيت كيت، وهذا شيء لا يعجز عنه الصبيان!!". (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 125). (المُتَرْجِمُ) [523] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 120. (المُتَرْجِمُ) [524] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 126. (المُتَرْجِمُ) [525] انتبهوا إلى أن «ابْنَ قِبَّةَ» اعتبر في احتجاجه على العالم الزيدي حضرة المجتبى تاركاً للقتال والحرب وأن سؤالنا مبني على ما يقوله «ابْنُ قِبَّةَ» ويلتزم به. [526] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الباب 130. [527] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 99 - 100. (المُتَرْجِمُ) [528] لأن الغبار الموجود فوق الصخرة يشمله معنى الصعيد أي التراب. [529] من الجدير بالذكر أن قصدنا من الإنصاف وعدم التعصب أن يقوم الشخص ببيان أكثر ما يمكنه من الدلائل والقرائن لإثبات وجهة نظره، وأن لا يتجاهل أيَّ واحد من الأصول ولا يتعامى عن سائر الآراء المخالفة، وإنْ عدل عن قاعدة كلية فعليه أن يأتي بدليله على ذلك. بناءً عَلَى ذَلك، كلما استند الرأي الفقهي إلى الدليل والشواهد والقرائن أكثر وكلما كان تجاهله للأصول والقواعد أقل كان أقرب للإنصاف وأوجب للاتِّباع. فمثلاً في المثال الذي ذكرناه أعلاه تجاهل مَنْ أفتى بجواز التيمُّم بالصخر في الواقع وجود كلمة «منه» في الآية 6 من سورة المائدة ولم يأتِ بتفسير لهذه الكلمة أو لم يُبيِّن ما محلها، أما العالم الذي أفتى بعدم جواز التيمُّم بالصخر فإنه -شأنه في ذلك شأن العالم الذي أجاز ذلك- راعى لزوم التقيد بالدلالة اللفظية واللغوية للكلمات كما أولى عنايته عمل رسول الله ص وأصحابه، ولكنه خلافاً لصاحب الرأي الأول أعطى لكلمة «منه» شأناً ومحلاً ولم يتجاهلها. بناءً عَلَى ذَلك، فلديه نقاط استناد أكثر من صاحب القول الأول فيما رجَّحه من رأي. (فَتَأَمَّل). في رأينا لو رُوعِيَتْ هذه القواعد التي أشرنا إليها في جميع موارد الاختلاف في الآراء الفقهية فإن هذه الاختلافات إن لم تَزُلْ نهائياً أصبحت ضئيلةً للغاية. [530] راجعوا في هذا الموضوع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الباب 159. [531] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 121. (المُتَرْجِمُ) [532] بالنسبة إلى موضوع البيعة ورأي أمير المؤمنين علي ÷ بشأنها لا بُدَّ من الرجوع إلى كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن»، (الفصلان الخامس والسادس، الباب الثاني، ص 351). وكتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 28- 29). [533] كي يتمكّن الناس من مقارنة دلائله ومستنداته بدلائل سائر العلماء ومستنداتهم فلا يكون اتِّباعُهُم له تقليداً أعمى! (فَتَأَمَّل) [534] كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 122 - 123. (المُتَرْجِمُ) [535] يُراجع الباب المذكور -أي الباب 59- من كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول». [536] الحديث رواه أبو داود في سننه (3593) والترمذي في سننه (1327) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ". وأخرجه أيضاً الدارمي في السنن (168) وأحمد بن حنبل في المسند، ج 5، ص 230، ح(22357). ولكن البخاري قال في "التاريخ الكبير" (ج2، ص 277): "لا يَصِحُّ". ومن طريق الطيالسي أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (ج2، ص 758- 759), وقال: "هذا حديث لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه". انتهى. وحكم الألبانيُّ بضعفه. (المُتَرْجِمُ) [537] يقصد آخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوي الذي أُطيح به عام 1979. (المُتَرْجِمُ)