دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

دراسة علمية لأحاديث المهدي

دراسة علمية لأحاديث المهدي

الْحـَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ. أما بعد:

لابُدَّ أن تكون عقائد الدين الإلهي وأعماله وأصوله وفروعه مُطابقةً لمصادره ومُستنداته وأدلته النقلية (القرآن الكريم أو سُنَّة النبيّ القطعية) وللعقل السليم. أي أنه لا يُمكن الاعتماد على الأخبار المشكوك بصحتها أو الوثوق بأحاديث الفرق التي تظهر فيها بكل وضوح علامات الوضع والأغراض الخاصة، أو الاستناد إلى أحاديث تُحقِّق مصالح من قاموا بوضعها.

إنَّ دين الله الذي كان في أساسه -بالتأكيد - ديناً واحداً وطريقاً واحداً، قد تبدَّل في زماننا هذا إلى عشرات المذاهب، وأتى أتباع كلُّ مذهب بآلاف الأحاديث والتفلسُف والأدلة والمستندات التي تُعْجِبُهُم هم فقط، واختلقت كلُّ فِرْقَةٍ مئات المستندات والأخبار الموضوعة لتأييد عقيدتها، حتى أصبحت أخبار الآحاد تبدو وكأنها أخبارٌ مستفيضةٌ ومتواترةٌ!! وأصبحت حانوتاً يدُرُّ أرباحاً كبيرةً وفوائدَ كثيرةً لِكُلِّ مُدَّعٍ مذهبيٍّ.

هذا كله رغم أنَّ كتاب الله أمر المسلمينَ بنصٍّ صريحٍ بعدم التفرّق والتحزّب فقال: ﴿وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٣١ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٣٢ [الروم: ٣١، ٣٢]، وأنَّ الإمام علياً ÷ قال في ذمِّ اختلاف العلماء في الفتوى والرأي:

«تَرِدُ عَلَى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ في حكمٍ مِنَ الأحكامِ فَيَحْكُمُ فيها بِرَأيهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلكَ القَضيّةُ بِعَينها عَلَى غَيرِهِ فَيَحْكُمُ فِيها بِخِلافِ قَولِهِ!!.... و إلهُهُم واحدٌ وَنَبيّهم واحدٌ وكتابهم واحدٌ ! أفأمَرَهُمُ اللهُ -سُبحانهُ- بالاختلاف فَأطاعوهُ أم نَهاهُم عنهُ فَعَصَوهُ؟! أم أنزَلَ اللهُ -سُبحانهُ- ديناً ناقِصاً فَاستعانَ بهم على إتمامهِ؟! أم كانوا شُرَكاء لَهُ فَلَهُم أن يَقُولوا و عَلَيهِ أن يَرضى؟!! أم أنزَلَ الله -سُبحانَهُ- ديناً تامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ ص عَن تبليغهِ و أدائِهِ؟! وَاللهُ -سبحانهُ- يَقولُ: ﴿مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖ [الانعام: ٣٨]، وَفِيهِ ﴿تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى [النحل: ٨٩]، وذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَأَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: ﴿وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢ [النساء : ٨٢] ". (نهج البلاغة، الخطبة 18).

وقال أيضاً:

"وَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ ولا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ ولا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ ورَسُولِهِ ولَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ ولا أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ... فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ ولَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ ... أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللهَ وُفِّقَ ومَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ[65]". (نهج البلاغة، الخطبة 147).

حقاً إنه لمِمَّا يثير العجب أن نجد المسلمين رغم كل تلك التحذيرات المؤكَّدة قد تفرَّقوا إلى فرق عديدة وأطلقت كل فرقة على نفسها اسماً مذهبياً فرحوا به واطمأنُّوا إليه. واعتبر كل واحد من تلك الفِرَق نفسَه مُحِقّاً وحده وأتى على ذلك بآلاف الأدلة ولم يُبْدِ أحد منهم أي استعداد لدراسة دلائل الآخرين والتعامل معها بإنصاف بل لم يكونوا مستعدين حتى لمجرد التفكير بها، وإن أرادوا قراءة أدلة الآخرين قراءة موضوعية فإنهم يفعلون ذلك بعد أن يكونوا قد أصدروا حكمهم سابقاً، فلا يبدون رأيهم أو يكتبون شيئاً في هذا الصدد إلا بهدف معارضته وإدانته.

إحدى المسائل التي يجب التأمُّل والتفكير فيها مليَّاً مسألة «المهدي الموعود» (ابن الإمام الحسن العسكري). يجب أن نُحقّق هل لهذه المسألة دليل من الكتب السماوية أو العقل أم لا؟ لقد قمنا في الكتاب الحاضر بتحقيق هذه المسألة، ونُشهد الله أننا لا نبتغي من كتابة هذا الكتاب إلا رضا الله تبارك وتعالى وهداية أبناء وطننا وإرشادهم وهداية وإرشاد كل طالب هداية. وأما الذين كانوا أصحاب حوانيت مذهبية يسترزقون بواسطة المذهب أو الذين يُقلِّدونهم تقليداً أعمى ومُبْتَلُونَ بالتعصُّب المذهبي فلا أمل لنا في اهتدائهم!

ينبغي أن نعلم أن كل بدعة وكل مذهبٍ، مهما كان باطلاً، طالما درَّ أموالاً على رؤسائه فإنه من الصعب جداً أن يزول في وقت سريع، بل سنجد أفراداً جُدُداً كثيرين يتَّجِهون إليه يوماً بعد يوم ليستفيدوا من فوائده، وَمِنْ ثَمَّ فإن خرافاتِ ذلك المذهب ستزداد انتشاراً، وأتباعَهُ سيزدادون عدداً، فإذا زالت المنافع التي تتحقق منه أو استيقظ الناس و وعوا الحقيقة، في هذه الحالة فقط يُمكن لهذا الباطل أن يزول بمرور الزمن.

فمثلاً رغم أن الإسلام نهى عن التردُّد إلى زيارة المشاهد والقبور إلا أنه لمّا وُجدت النذور والأوقاف التي يأخذ عليها سدنة القبور مبالغ خلو رجل باهظة ولمّا وُجد التبرُّع بالأموال إلى الأضرحة وأُوقفت الأشياء الثمينة والأثريَّة كالسجَّاد واللوحات والثريَّات عليه وأُهديت الجواهر النفيسة وغيرها إلى القبور، راجت بدعة زيارة المشاهد هذه وزاد الاهتمام بها يوماً بعد يوم ووُضعت آلاف الروايات الكاذبة حول أهمية زيارة المشاهد و وُجد آلاف المستخدمين والسدنة والشيوخ الذين يدافعون عن عمارة تلك المشاهد وزيارتها حتى أصبح السفر لزيارة المشاهد من أهم العبادات وأصبح عددُ زوّار القبور أكثر من عدد روّاد المساجد وحفّاظ القرآن، وقد اخترع أصحاب هذا الدُكَّان -دُكَّان المشاهد- أنواعاً عجيبة من الأجر والثواب لزوّار المشاهد لا يوجد مثله لأي عبادة أخرى رغم أنه لا توجد حتى آية واحدة في القرآن الكريم تحث على تلك الزيارات، ومن أراد أن يتأكد من كلامنا هذا فليراجع ما كتبناه في كتابنا: «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات ونصوص الزيارات].

إذن، لم نكتب كتابنا هذا لتُجَّار الخرافات من أصحاب الحوانيت المذهبية والمتعصبين ولا نأمل كثيراً باهتدائهم. وإنما كتبنا هذا الكتاب لأهل الإنصاف ولطالبي الهداية والحق، وللباحثين عن حقيقة موضوع المهدي الغائب (ابن حضرة العسكري).

لكن قبل التحقيق بشأن الإمام الثاني عشر ينبغي أن نرى، بدايةً، هل الإمامةُ - طبقاً لتعاليم الشـرع – منحصـرةٌ بعددٍ خاصٍّ من الأشخاص المنصوبين مِنْ قِبَلِ الله تعالى أم لا؟ و بعد الاطلاع على حقيقة هذه المسألة سيتَّضح بالطبع وضع الشخص الثاني عشر من تلك السلسلة. كما أنه من المفيد أن نعلم: هل في وجود الإمام الغائب الذي لا يمكن الوصول إليه نفعٌ للناس أم لا؟

إذا لاحظنا فرق الشيعة المختلفة، نجد الزيدية مثلاً -الذين يعيش معظمهم في اليمن ولديهم أعلام وعلماء كبار وكتب عديدة - يدَّعون انحصار الإمامة في أربعة أشخاص أي الإمام علي وحتى الإمام زين العابدين عليهم السلام [رغم أن الزيدية يطلقون على سائر أئمتهم الذين جاؤوا بعد أولئك الأئمة الأربعة لقب إمام أيضاً] ولا يعتبرون بقية أئمة الشيعة الإمامية أئمةً منصوصاً عليهم مِنْ قِبَل الله ويستدلون على قولهم بأدلة كثيرة وبأحاديث عديدة واردة في كتبهم. كما نجد الإسماعيلية يعتقدون بأول ستة أئمة من أئمة الإمامية فقط [أي من الإمام عليّ حتى الإمام جعفر الصادق] وينكرون إمامة البقية [ويدينون بإمامة غيرهم]، ويقيمون دلائل على قولهم، وكذلك المذاهب الأخرى التي تشعبت عن الشيعة وكلها كانت تدعي حب الإمام عليٍّ ÷!![66].

يرى كثيرٌ من تلك المذاهب الإمامةَ منحصرةً بعددٍ محدَّدٍ من الأشخاص هم الأئمة الذي يدين أتباع كل مذهب بإمامتهم. لكن القرآن الكريم لا يعتبر الإمامة، سواء كانت إمامة هداية وإرشاد أم إمامة كفر وضلال، منحصرةً بأفراد محدَّدين.

لقد تم بحث موضوع «الإمامة» بالمعنى الشائع بين الناس لدينا، أي الإمام المنصوص على إمامته مِنَ الله والمنصوب إماماً مِنْ قِبَلِ الله تعالى، و وُضِّحَ بشكل كاف و وافٍ في كتاب ««شاهراه اتِّحاد يا بررسى نصوص امامت» [طريق الاتِّحاد أو دراسة وتمحيص نصوص الإمامة]، تأليف المرحوم «قلمداران».

كما أنني، كاتب هذه السطور، أوردتُ توضيحات كافية حول مفهوم الإمامة في القرآن الكريم في التنقيح الثاني لكتابي «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (خاصَّةً الصفحات: 324 إلى 325 و344-345 و369-370 ومن الصفحة 381 إلى ص 389)، والتنقيح الثاني لكتابي «نقد كتاب مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (الصفحات من: 361 إلى 395)، فلا داعي لتكرار البحث في موضوع «الإمامة» وليتفضَّل القُرَّاء المحترمون بمراجعة تلك الكتب.

[65] إشارة إلى الآية 9 من سورة الإسراء المباركة. [66] من أراد الوقوف على جميع فرق الشيعة القديمة وكيفية تشعبها وعقائدها فعليه أن يرجع إلى كتاب «فرق الشيعة» للنوبختي المتوفَّى فيما بين سنة 300 و310 هـ والذي يعده الشيعة الإمامية من أفاضلهم وعلمائهم المرموقين ومن عائلة عرفت بالعلم والفضل في أوساط الشيعة. وكتاب «المقالات والفرق» لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي المتوفَّى سنة 301 هـ والذي يُعَدّ من محدثي الشيعة الإمامية ومن مشايخ "محمد بن جعفر بن قولويه" في الرواية ومن أصحاب حضرة الإمام الحسن العسكري. (المُتَرْجِمُ)