دراسة علمية لأحاديث المهدي

فهرس الكتاب

21 - باب أحوال السفراء الذين كانوا في زمان الغيبة الصغرى وسائط بين الشيعة وبين القائم

21 - باب أحوال السفراء الذين كانوا في زمان الغيبة الصغرى وسائط بين الشيعة وبين القائم

إن ما يُستفاد مما مرَّ في الأبواب السابقة وما سيأتي في هذا الباب هو أنّ أولئك السفراء والنوّاب كانوا وسائط لأخذ الوجوه والأموال الشرعية [كالزكاة والخمس ونحوها] من الناس فقط. ولما كانت الأموال الشرعية التي تأتي إلى الإمام كثيرة للغاية فإن كثيرين بذلوا كل جهدهم ليدّعوا النيابة له سواء النيابة الخاصة أم العامة!

وكانت مسألة إنكار وفاة الأئمَّة وادّعاء غيبتهم شائعة بين المسلمين قبل عدة أجيال من زمن حضرة العسكري (ع) كما بينت ذلك كتب الملل والنحل والكتب التي ألفت حول الفرق الإسلامية. وقد ذكر كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد] (ص 268 فما بعد) تلخيصاً لأحوال فرق الشيعة كُلِّها[312].

وسنقتصر هنا على ذكر المسائل المُتعلّقة بفترة ما بعد حضرة العسكري:

ينبغي أن نتذكر -بناءً على ما جاء في كتب التاريخ- أنه بعد وفاة حضرة العسكري (ع) شهدت أمه[313] وأخوه لدى القاضي أنه لم يترك ولداً ولما لم يكن من المقطوع به أن «صقيلاً» -إحدى إماء العسكري (ع)- لم تكن حاملاً لذا جعل الخليفة زوجات العسكري تحت المراقبة بواسطة نساء مُعتمدات وزوجات القاضي، وبعد أن تبيّن بشكل قاطع أنها لم تكن حاملاً حَكَمَ القاضي بتقسيم التركة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار نشوء فرق مختلفة (أكثر من عشرة فرق) بين أصحاب حضرة العسكري وأنصاره وأتباعه بعد وفاته، أمكننا أن نُدرك أنه باستثناء فرقة واحدة فقط فإن سائر أتباع حضرة العسكري -وكثير منهم كان يتردَّد باستمرار إلى منزله- لم يكونوا يعتقدون بأنه أنجب ولداً[314]. علاوةً على ذلك كان أقرباء العسكري (ع)، بما في ذلك أخته وأخوه وسائر العلويين، يعتقدون أنه لم يكن له ولد، وكان ذلك أيضاً ما يعتقده نقيب السادات الذي يحتفظ لديه بسجل المولودين العلويين. وبناءً على ما نقله الطبري بعد 25 سنة من وفاة حضرة العسكري جاء رجل إلى القاضي وادّعى أنه ابن الحسن العسكري وقال له: لماذا قسمت تركة والدي بين الورثة ولم تُعطني سهمي؟ قام القاضي بإحضار أفراد الأسرة العلوية جميعهم وأراهم ذلك المُدّعي فأجمعوا جميعاً على أنه يكذب، وقال نقيب السادات: لقد وضعنا جميع زوجات حضرة العسكري أثناء عدة وفاته تحت المراقبة ولم نجد أية واحدة منهنّ حاملاً فلذا قمنا بتقسيم التركة. ولكن ومع الأسف قرّر بعض الأشخاص من حاشية العسكري (ع) أن يخترعوا إماماً قائماً مستفيدين من تجارب الذين فعلوا مثل ذلك منذ عهد حضرة الباقر (ع)[315] -لاسيما الإسماعيلية الذين استطاعوا أن يخدعوا عدداً كبيراً من المسلمين وأنشؤوا فرقة كبيرة ذات إيرادات مالية ضخمة. ‏

55كان أحد أصحاب حضرة العسكري (ع) شخصٌ يُدْعى «مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ الْبَصْرِيُّ»[316] وكان مِمَّن يتردَّد إلى بيت حضرة العسكري في سامراء مدة تسع سنوات. وكان من الذين ساءهم جداً عدم وجود ابنٍ لحضرة العسكري لأن ذلك سيحول بينهم وبين الانتساب إلى ذلك الإمام والحصول على المقام والمنزلة لدى الناس من هذا الطريق! لذلك -كما كانت العادة- أخذوا بالتعاون مع بعض الأعوان بالتخطيط لفكرة اختراع إمام قائم. ولكي يتخلَّصوا من مشكلة شهادة أخ الإمام العسكري (ع) حول عدم وجود ولد له، نشروا عن أخ الإمام العسكري «جعفر بن علي» لقب الكذَّاب كي لا يُصدّقه أحدٌ في نفيه الابن لحضرة العسكري، وأشاعوا قصصاً حول أعمال «جعفر بن علي» السيئة وأما بالنسبة إلى مشكلة شهادة أمّ العسكري بأن ابنها لم يُنجب ولداً فقالوا: إنها قالت ذلك خوفاً على حفيدها وبهدف المحافظة عليه من شرّ الخليفة ومن مؤامرته!

وبهذا كان باستطاعتهم -كما كان رائجاً في ذلك الزمن- أن يُعرّفوا للناس شخصاً من بينهم بوصفه وكيل الإمام القائم الحي الغائب ونائبه فيصلوا عن طريقه إلى المال والجاه! ولم يكونوا يمتنعون بالطبع عن بذل ما يلزم من مال لتحقيق مقصدهم هذا، وكانوا يُعطون المال لمن يقبل عقيدتهم هذه! (الكافي، باب 182، الحديث 7).

كان «مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ» رجلاً قويَّ الشخصيَّة وصلباً ومُتكلِّماً فصيحاً، لكلامه نفوذٌ وتأثيرٌ في الآخرين، فخاف رفقاؤه أن يصبح باباً فعلاً فيُزيح الآخرين عن هذا الأمر ويحرمهم من الأموال الشرعية، لذلك رغم أنه ادَّعى النيابة للإمام إلا أن أعوانه فضّلوا أن يكون الباب والسفير رجلاً بسيطاً ساذجاً ضعيفَ الشخصية قليلَ العلم حتى يُمكن الاستفادة منه ويطمئنوا إلى استمرار أخذ الأموال عن طريق الإمام الغائب وأن لا يُضايقهم في هذا المجال، لذا وجدوا رجلاً بائعاً للزيت والسمن يسكن إلى جانب بيت الإمام العسكري وكان يقوم هو وابنه بخدمة الإمام وَيُدعى «عثمان بن سعيد» فجاؤوا إليهما [أي إلى عثمان وابنه محمد] وقرروا أن يجعلوا عثمانَ بن سعيد باباً وسفيراً [وأن يقتسموا فيما بينهم ما يأتيه من أموال شرعية].

وفي النهاية وبسعي الأعوان والشركاء حرموا «محمد بن نُصَيْر النُّمَيْرِيّ» من ذلك المنصب، فغضب الأخير -إذ كان هو الذي ابتكر موضوع القائم بين أصدقائه وأعوانه- واضطر لأجل إبطال خطة شركائه السابقين ومنافسيه الحاليين إلى إنكار الإمام الغائب من الأساس وتأسيس عقائد وبدع جديدة، وقد وجد للأسف أتباعاً آمنوا به أُطلق عليهم اسم «النُّصَيرية». واليوم يعيش هؤلاء النُّصَيريون في تركيا وسوريا ولبنان و........... .

نذكر الآن عدداً من الأشخاص الذين ادّعوا النيابة والسفارة ثم قام منافسوهم بفضح رياء عدد منهم وكشف خداعهم وانحرافهم، وقد كان لكثير من هؤلاء النُّوّاب المُدّعين مُريدون وأتباعٌ وكان لهم منصبٌ محترمٌ وتأتيهم الأموال والوجوه الشرعية التي يدفعها العوام إليهم بغير وجه حق:

1- أبو عمرو عُثْمَانُ بْنُ سَعيدٍ العَمْرِيُّ، النائب الأول.

2- أبو جعفر مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعيدٍ العَمْرِيُّ، النائب الثاني وابن النائب الأول. في الحديث 19 من باب «ذكر من رآه» (البحار، ج 52) يقول: إن أبا محمد الحسن بن علي العسكري (ع) عرض علينا ابنه [أي المهدي] وقال: "هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ أَطِيعُوا وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا". ومع ذلك ادّعى البابية! ومن الطريف أنه كان يستلم التواقيع من شخص لم يكن يراه؟!! ومن الجهة الأخرى يقول في الحديث 23 من الباب المذكور: رأيت المهدي إلى جانب الكعبة!! ويُراجع أيضاً الحديث 45 من باب «ما ظهر من معجزاته» من الكتاب الحاضر في صفحة 275.

3- أبو بكر البغدادي: ابن أخ النائب الثاني، وقد أورد المَجْلِسِيّ أخباراً في ذمّه! (فَتَأَمَّل). ومن المثير أن نعلم أن حفيد النائب الثاني من ابنته، أي «أبو نصر هبة الله بن أحمد» الكاتب، كان يعتبر الأئمة أيضاً ثلاثة عشر نفراً وكان يعدُّ «زيد بن عَلِيٍّ» في عداد الأئمة.

4- الشيخ أبو القاسم الحُسَيْن بن رَوْح بن أبي بحر النوبختي: النائب الثالث الذي سبق أن بيّنا أحواله. (الصفحة 253 إلى 257 من الكتاب الحاضر). هو راوي الخبر 20 الذي جاء في المجلد 53 من بحار الأنوار في باب «ما خرج من توقيعاته». وهو شخص لما سُئل عن حديث غير مُعتبر، بدلاً من أن يقول إن هذا الحديث غير صحيح لفّق جواباً وأحال الأمر إلى السائل (راجعوا حاشية الصفحات 192 إلى 195 من المجلد 53 من البحار).

5- مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْر النُّمَيْريُّ البَصْرِيُّ: الذي بيّنا أحواله.

6- ابنُ أَبِي الْعَزَاقِرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ: كان على صلة ببعض رجال الحكم وأعيان الدولة العباسية. وقد تكلمنا عن أحواله باختصار فيما سبق في ص 253 من الكتاب الحاضر.

7- أحمد بن هلال الكرخي. راجعوا الكتاب الحاضر، ص 255، وقد ادّعى النيابة وأنكر نيابة«عُثْمَانَ بْنِ سَعيدٍ» وكان من منافسيه.

8- أبو طاهر محمد بن علي بن بلال: المعروف بالبلالي. راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، (ص 667 وَ748). كان بينه وبين النائب الثاني خلاف مالي وحسب ما نقل المَجْلِسِيّ لم يرضَ أن يعطي لمحمدِ بْنِ عثمانَ المالَ الذي أخذه من الناس بدعوى النيابة.

9- أبو محمد حسن الشريعي: كان من أصحاب حضرة الهادي وحضرة العسكري وممن ادّعى النيابة! أورد المَجْلِسِيّ حديثاً في ذمّه! (فَتَأَمَّل)

10- أبو عبد الله الحسن بن علي الوجناء النصيبي: كان من مُدَّعي الصلة بالإمام، وكان في بداية أمره من معارضي «النوبختي» لكنه في نهاية المطاف اتّفق مع «ابن روح» سنة 307 هجرية بفضل وساطة «محمد بن الفضل الموصلي»!! (فَتَأَمَّل) يُلاحظ في ذلك الحديث 33 من باب «ذكر من رآه» في المجلد 52 من البحار، ص 47. لقد تمّ دفع مضايقة الأشخاص المذكورين أعلاه (من 6 إلى 9) من خلال التوقيع الذي أراه «الحسين بن روح» للناس مما أدّى إلى كساد دُكانهم أما الفرد رقم (10) فكما قلنا تمّ إسكاته وترويضه بواسطة أحد شيوخ بغداد! (فَتَأَمَّل)

11- أبو عبد الله الباقطاني[317]: كان على صلة ببلاط الخليفة العباسي. وكان أحد الأشخاص الخمسة الذين حضروا مجلس المصادقة الرسمية على نيابة النوبختي (النائب الثالث) بوصفهم من وجوه الطائفة الإمامية! (فَتَأَمَّل) لكن المَجْلِسِيّ أورد خبراً في ذمّه!! (الخبر 19 من باب «ما ظهر من معجزاته و......»). (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ولقد أوردنا ترجمة الخبر المذكور في الصفحة 265 من الكتاب الحاضر.

12- أبو محمد الوجناء: كان أيضاً من الذين ادّعوا الصلة بالمهدي. وكان لديه بالطبع دليل مُوجّه إذْ إنه بعد تلك الضيافة والترحيب الذي نالهما، لو نلت أنا مثل ذلك لكنت قد ادّعيت الرؤية!! وهو راوي الحديث رقم 27 في باب «ذكر من رآه» (البحار، ج 52)! ورغم أنه لم يكن بحاجة إلى المال واستطاع أن يحجّ 54 مرّة، إلا أنه ادّعى أن المهدي الموهوم صرف عليه كثيراً من المال!! وليت شعري! هل يُعطي الإمامُ العادلُ المالَ الذي هو حق الفقراء والمساكين لفرد غير محتاج؟! (وهو من رواة الحديث 10، الباب 134 من الكافي).

13- أَبُو الـْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيُّ: النائب الرابع. يُراجع في شأنه ما سيأتي بعد بضع صفحات في صفحة 300 من الكتاب الحاضر.

14- أَبو عَبْدِ اللهِ الْبَزَوْفَرِيّ: يتعلّق بعصر ما بعد الغيبة الصغرى وإذا كان هو «أبو عبد الله الحسين بن علي بن سفيان الْبَزَوْفَرِيّ» ذاته، فقد كان ذا رغبة شديدة في اختراع مهدي أو مهديين! (راجعوا كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، ( تمحيص الحديث التاسع، ص 220 إلى 223). وكان هناك صلة أيضاً بين أسرة الْبَزَوْفَرِيّ وأسرة النوبختي. وهو راوي الحديث 6 من باب «خلفاء المهدي وأولاده» (بحار الأنوار، ج 53، ص 147). واعترف المَجْلِسِيّ أن روايات كرواية الْبَزَوْفَرِيّ تُخالف المشهور!

15- أحمد بن إسحاق القمي: لاحظوا نموذج من إفاضاته فيما جاء في الصفحة 355 من كتاب «عرض أخبار الأصول .....». ادّعى جنابه في القصة رقم 16 من باب «ذكر من رآه» (البحار، ج 52، ص 23) أن حضرة العسكري (ع) قال: إن المهدي مثل الخضر وذي القرنين! هذا في حين أن الخضر شخصية تعيش في أذهان العوام ذات خصائص خرافية لا نجد أثراً لها في القرآن الكريم! كما ادّعى أن المهدي الذي كان له ثلاث سنوات من العمر فقط تكلم بلسان عربي فصيح قائلاً: أَنَا بَقِيَّةُ اللهِ فِي أَرْضِه‏! حول عبارة «بقية الله» من الضروري مراجعة كتاب «كسر الصنم» ص 732-733. وقد ذكر المَجْلِسِيّ في الصفحة 87 من المجلد 52 من البحار أنه توفي زمن حضرة العسكري وهو خطأ بالطبع.

16- وَ17- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزِيَار الأهوازي وابنه محمد (علي) بن إبراهيم مَهْزِيَار[318]: روى هذان الوكيلان المحترمان (؟!) للناحية، خبراً يدل على أن للمهدي أخاً غائباً باسم موسى!! يُراجع الكتاب الحاضر (ص271 وص272، الحديثان 28 وَ32) وَ(ص315 و322، الأحاديث 6 وَ31 و32 وَ47 من باب «ذكر من رآه» الآتي) و(ص349، الحديث 77 من باب «فضل انتظار الفرج» الآتي، وص357، الحديث 30 من باب «علامات ظهوره») وهي أحاديث مفيدة!! وفي التوقيع رقم 10 (بحار الأنوار، ج 53، ص 181) أُشير إلى أنه كان يشك في الإمام!

18- و 19- القاسم بن العلاء وابنه الحسين بن القاسم: يُراجع بشأن الأب ما ذكرناه في الصفحة 854 من كتاب «كسر الصنم» والكتاب الحاضر، الحديثان 27 وَ37 في ص 270 وَ 273.

20- محمد بن صالح بن محمد الهمداني الدهقان: يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول .....» ص 858، والكتاب الحاضر ص 278، الحديث 51 وما سيأتي بعد بضع صفحات.

21- أبو الحسين محمد جعفر الأسدي العربي: هو راوي القصة المضحكة رقم 14 التي تكررت في المجلد 52 من بحار الأنوار (باب «ذكر من رآه»). اقرؤوا هذه القصة واحكموا عليها بأنفسكم. راجعوا الحديث 14 من باب «ذكر من رآه» الآتي بعد قليل في صفحة 319 من الكتاب الحاضر.

22- الحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ (النصر): راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 852 (الحديث 4 من الباب 182 من الكافي). إن لم يدل هذا الحديث على كذبه فهو يدل على حماقته لأنه لم يسأل شيئاً وسلّم أموال الناس بشكل أعمى. وبالطبع لما كانت المسألة تتعلّق بالمال فإن الاحتمال الأول هو الأقوى.

23- حاجز بن يزيد الوشاء: راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 857.

24- محمد بن أحمد بن جعفر القطَّان القمي: كان من مدّعي الوكالة.

25- محمد بن أحمد:قال المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» لم يَرِدْ ذكره في عداد وكلاء المهدي وسُفرائه.

26- إِسْحَاق الأحْمَر:أورد المَجْلِسِيّ خبراً في ذمّه.

27- أبو دلف المجنون:أورد المَجْلِسِيّ خبراً في ذمّه.

28- أَحْمَدُ بْنُ الـْحَسَنِ المَادَرَائِيّ: مجهول.

29- محمد بن شاذان بن نعيم: مجهول.

30- أبو القاسم الحسن بن أحمد: مهمل.

31- أَبَو صِدَامٍ: مجهول.

32- أبو المغيث الـْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ الـْحَلَّاجُ البيضاوي: اعلم أنه كان من مُدّعي نيابة الإمام. وأصل الحلاج مجوسي من أهل فارس. والشعراء والصوفية يُكثرون من إجلاله وتمجيده في مؤلفاتهم وأشعارهم ويعتبرونه مؤمناً موقناً وعارفاً واصلاً وزاهداً مُتحرّراً من أسر الدنيا ويروون له كرامات عجيبة وغريبة وقد كتب المُستشرقون أيضاً والشيوعيون مؤلفات مفصلة عنه ونفخوا في تنور التصورات الباطلة حوله!! لهذا السبب يظنه العوام شخصية ذات شأن رفيع في حين أن الحقيقة شيء آخر تماماً والعجيب أن علماءنا يلزمون الصمت تجاه هذا الأمر ولا يُوعّون الناس إلى الحقيقة! لذا لا بُدّ لنا هنا من أن نُعرّف به على نحو الاختصار توعيةً للقرَّاء الكرام:

"اعلم أن تشتت الإمامية بعد وفاة حضرة العسكري (ع) في أمر الإمامة وصل إلى حدِّ اختلافهم في عدد الأئمة نفسه. فروى جماعة استناداً إلى حديثٍ رواه «سليم بن قيس الهلالي»[319] من أصحاب أمير المؤمنين علي ÷ أن الأئمَّة ثلاثة عشر[320]، واستناداً إلى هذا الحديث بالذات أورد «أبو النصر هبة الله بن محمد الكاتب» من رجال أيام الغيبة الصغرى ومن معاصري «الحسين بن رَوْح النوبختي» زيدَ بنَ عَلِيّ بن الحسين إمامَ الفرقة الزيدية في عداد الأئمَّة، وكان يقول للحسين بن منصور الحلاج الصوفي المعروف الذي لم يكن يعتقد بأكثر من اثني عشر إماماً: إن الإمام الثاني عشر مات ولن يظهر بعده إمام [يعني أنه لم يكن معتقداً بوجود المهدي الغائب] والساعة (أي القيامة) قريبة!

في الفترة التي كانت طائفة الإمامية تنتظر فيها انتهاء زمن الغيبة وظهور الإمام الغائب كان زِمَام إدارة أمورهم الدينية والدنيوية بيد النُّوَّاب والوكلاء. وكان الحسين بن منصور الحلاج البيضاوي يقوم بنشر آرائه والدعوة إلى عقائده في مراكز الشيعة الأساسية لاسيما في قم وبغداد. كان الحلاج في بداية أمره، -طبقاً لما يرويه المُصنِّفون من الإمامية- يُعرّف نَفْسَهُ للناس بوصفه رسولَ الإمام الغائب ووكيله وبابه، ولهذا السبب أورده الإمامية وذكروه في عداد مُدَّعي البابية. ولما ذهب إلى رؤساء الإمامية في قم سعى إلى إقناعهم بقبول العنوان المذكور أعلاه، وأبدى رأيه بشأن الأئمَّة طبقاً لما أوردناه أعلاه، وكانت تلك المقالات ذاتها سبباً في تبرؤ شيعة قم الإمامية منه وطرده من مدينة قم.

كان ادِّعاء الحلاج بشأن البابية وإبدائه رأيه الخاص حول عدد الأئمة بمثابة إعلان خصومة صريحة بينه وبين الأسرة النوبختية لأن أحد أفراد تلك الأسرة، يعني «أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي» كان صاحب مقام الوكالة والبابية للإمام الغائب منذ سنة 305 هـ . ق، وكان قبل ذلك أيضاً من خواص النائب الثاني للإمام الغائب «أبي جعفر محمد بن عثمان العَمْري» وموضع أسراره. كما كان شخص آخر من تلك الأسرة وهو «أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي» يُعتبر رئيس الإمامية في بغداد في فترة قيام الحلاج.

وبعد أن ظهرت من الحلاج مقالات الحلول وادِّعاء المعجزات[321] وادِّعاء الرسالة والربوبية، قرَّر أيضاً أن يجعل «أبا سهل إسماعيل النوبختي» [وكان من الأشخاص الذين صادقوا على بابية الحسين بن روح النوبختي] من جملة أعوانه، كي يجعل آلاف الشيعة الإمامية تبعاً لذلك -باعتبارهم تابعين في أقوالهم وأفعالهم لأوامر أبي سهل النوبختي وسائر آل نوبخت- يؤمنون بعقائده، خاصةً أن جماعة من رجال البلاط العباسي كانوا ذوي ظن حسن بالحلاج وكانوا يميلون إليه فلو اتَّبعه آل نوبخت أيضاً لَمَا بقي أمام الحلاج أيُّ عائق ولاستطاع استناداً إلى كثرة أصحابه وإلى نفوذ كبار رجال الدولة المُتنفّذين والمسؤولين في قصر الدولة العباسية أن يُعدّ لدينه الجديد[322] مؤسسة مهمة[323]!!

ولكن «أبا سهل النوبختي» الذي كان شيخاً مُجرّباً وعالماً ذكياً وحاذقاً ونشيطاً، لم يكن يستطيع أن يرى داعيةً صوفيةً يمدُّ جذوره لدى الدولة العباسية أمام سلطة قادة الجيش الأتراك وأمراء القادة، بواسطة مقالات جديدة، لاسيما أن هذه المقالات ستقضي من جهة على كثير من العقائد التي أسَّسها على أساس مُحكم مُتكلِّمو الإمامية بشكل عام -بما في ذلك أبو سهل النوبختي ذاته- وحافظوا عليها بكل قوّة في مواجهة انتقادات المُخالفين لهم!

لذا أبدى «أبو سهل النوبختي» غاية التدبير والفراسة والنشاط لدفع حركة الحلاج واقتلاع دعوته من جذورها، ذلك أنه لم يكن من السهل أبداً إدانة مثل هذا الشخص الذي كان -قبل الجميع وقبل آل نوبخت- مُدَّعياً للإمامة، على يد القضاة والأئمة والوزراء سُنيي المذهب[324]، في عاصمة الخلفاء التي لم يكن لقضاة الإمامية وعلمائهم أيّ تدخل في حلّ وفصل الدعاوي فيها، هذا علاوةً على وجود الأحقاد الطائفية والخصومات السياسية، وكان لابُدّ من استعمال الذكاء وبُعد النظر والدقة للنجاح في هذا المسعى!

من المحتمل أنه بعد عودة الحلاج إلى بغداد وشروعه في دعوة عامَّة الناس إلى مذهبه سنة 296 هـ، لجأ أبو سهل النوبختي لتحقيق الغرض المذكور إلى «أبي بكر محمد بن داود الأصفهاني» إمام المذهب الظاهري، ويبدو أن أبا سهل النوبختي كان وراء إصدار «محمد بن داود» إمام أهل الظاهر قبل وفاته لفتوى وجوب قتل الحلاج سنة 297 هـ ، أضف إلى ذلك أن الصداقة الشخصية بين أبي سهل النوبختي و«أبي الحسن علي بن الفرات» الذي كان في ذلك الوقت وزيراً مقتدراً للخليفة العباسي، وميل ذلك الوزير إلى الإمامية، كان لهما دور في تسهيل تحقيق خطة أبي سهل النوبختي!

وعلى كل حال، فإنه مما لا شك فيه أن «أبا سهل النوبختي» قام بفضح أمر الحلاج في بغداد وحمل الناس على الانفضاض من حوله حتى أصبح كذب دعاويه وأساليبه الماكرة حديث الخاص والعام في الاجتماعات الصغيرة والكبيرة.

وقعت أثناء قيام الحلاج بدعوته مناظرتين بينه وبين «أبي سهل النوبختي» قام الحلاج في كليهما بدعوة أبي سهل إلى الانضمام إليه ومتابعته في دعوته كما ادَّعى فيهما القدرة على صنع المعجزات حسب ما جاء في الروايات التاريخية [325]. وفي المقابل قام «أبو سهل النوبختي» من خلال الإجابات المُفحمة[326] التي كان يردُّ بها على الحلاج ومن خلال مطالبته إياه بأعمال عجز عن القيام بها، بفضح الحلاج ولهذا السبب لم يزدهر أمره. وفيما يلي نذكر روايتين بقيتا لدينا في هذا الباب:

1- روى الشيخ أبو جعفر الطوسي بواسطتين "عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ ابْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَ الْحَلَّاجِ وَيُظْهِرَ فَضِيحَتَهُ وَيُخْزِيَهُ وَقَعَ لَهُ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِمَّنْ تُجَوَّزُ عَلَيْهِ مَخْرَقَتُهُ[327] وَتَتِمُّ عَلَيْهِ حِيلَتُهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ وَظَنَّ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِفَرْطِ جَهْلِهِ وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَجِرَّهُ إِلَيْهِ فَيَتَمَخْرَقَ [بِهِ‏]، وَيَتَسَوَّفَ بِانْقِيَادِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَسْتَتِبَّ لَهُ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنَ الْحِيلَةِ وَالْبَهْرَجَةِ عَلَى الضَّعَفَةِ لِقَدْرِ أَبِي سَهْلٍ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ وَمَحَلِّهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ أَيْضاً عِنْدَهُمْ وَيَقُولُ لَهُ فِي مُرَاسَلَتِهِ إِيَّاهُ: إِنِّي وَكِيلُ صَاحِبِ الزَّمَانِ (ع) وَبِهَذَا أَوَّلًا كَانَ يَسْتَجِرُّ الْجُهَّالَ ثُمَّ يَعْلُو مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَقَدْ أُمِرْتُ بِمُرَاسَلَتِكَ وَإِظْهَارِ مَا تُرِيدُهُ مِنَ النُّصْرَةِ لَكَ لِتُقَوِّيَ نَفْسَكَ وَلَا تَرْتَابَ بِهَذَا الْأَمْرِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ لَهُ: إِنِّي أَسْأَلُكَ أَمْراً يَسِيراً يَخِف مِثْلُهُ عَلَيْكَ فِي جَنْبِ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْكَ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ وَهُوَ أَنِّي رَجُلٌ أُحِبُّ الْجَوَارِيَ وَأَصْبُو إِلَيْهِنَّ وَلِي مِنْهُنَّ عِدَّةٌ أَتَحَظَّاهُنَّ وَالشَّيْبُ يُبْعِدُنِي عَنْهُنَّ [وَيُبْغِضُنِي إِلَيْهِنَّ‏] وَأَحْتَاجُ أَنْ أَخْضِبَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَأَتَحَمَّلُ مِنْهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِأَسْتُرَ عَنْهُنَّ ذَلِكَ وَإِلَّا انْكَشَفَ أَمْرِي عِنْدَهُنَّ فَصَارَ الْقُرْبُ بُعْداً وَالْوِصَالُ هَجْراً، وَأُرِيدُ أَنْ تُغْنِيَنِي عَنِ الْخِضَابِ وَتَكْفِيَنِي مَؤُنَتَهُ وَتَجْعَلَ لِحْيَتِي سَوْدَاءَ فَإِنِّي طَوْعُ يَدَيْكَ وَصَائِرٌ إِلَيْكَ وَقَائِلٌ بِقَوْلِكَ وَدَاعٍ إِلَى مَذْهَبِكَ مَعَ مَا لِي فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَصِيرَةِ وَلَكَ مِنَ الْمَعُونَةِ. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْحَلَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ وَجَوَابِهِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي مُرَاسَلَتِهِ وَجَهِلَ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ بِمَذْهَبِهِ وَأَمْسَكَ عَنْهُ وَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ جَوَاباً وَلَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِ رَسُولًا وَصَيَّرَهُ أَبُو سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُحْدُوثَةً وَضُحْكَةً وَيَطْنِزُ[328] بِهِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ وَشَهَّرَ أَمْرَهُ عِنْدَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَانَ هَذَا الْفِعْلُ سَبَباً لِكَشْفِ أَمْرِهِ وَتَنْفِيرِ الْجَمَاعَةِ عَنْهُ."[329].

562- كان عددٌ من أتباع الحلاج الجهلاء يعتقدون أنه يغيب عن أنظارهم ثم يظهر في الجوّ بعد مدّة قليلة. قام الحلاج في أحد الأيام بتحريك يده لِقَوْمٍ فنثر منها دراهم في وسطهم وكان بينهم «أبو سهل النوبختي»، فقال للحلاج: دعك من هذا العمل وأعطني درهماً قد نُقش عليه اسمك واسم أبيك كي أُؤمِنَ بك ويُؤمِنَ بِكَ خَلْقٌ كثيرٌ معي. فقال الحلاج: كيف أعطيك شيئاً لم يُصنَع؟ فردّ عليه أبو سهل قائلاً: مَنْ أَحْضَرَ مَا لَيْسَ بِـحَاضِرٍ صَنَعَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ! [330]

ويمكن من بعض القرائن أن نستنبط أن هذه المُناظرة الأخيرة بين الحلاج وأبي سهل النوبختي وقعت بين 298 و301 هـ في الأهواز أو فيما جاورها من القُرى، وفي الأيام التي كان الحلاج يُحضِرُ فيها للناس في مدينة الأهواز والقرى المجاورة لها طعاماً وشراباً وكان يقذف بينهم بدراهم سمّاها «دراهمَ القدرة»!، وكان الذي قام بكشف حيله في الأهواز -غير أبي سهل النوبختي- وأجبره على ترك الأهواز المُتكلِّم المُعتزلي المعروف «أبو علي الجبّائي»[331]، ويبدو أنه التقى في تلك الأيام ذاتها بأبي سهل النوبختي وكان بينهما اجتماعات في مدينة الأهواز"[332].

وجاء في كتاب «الفخري في الآداب السلطانية»: ".... وكان الحلاج مُخَلَّطاً يلبس الصوف والمسوح تارةً، والثياب المصبغة تارةً، والعمامة الكبيرة والدراعة[333] تارةً، والقباء وزي الجند تارةً، وطاف بالبلاد ثم قدم في آخر الأمر بغداد وبنى بها داراً، واختلفت آراء الناس واعتقاداتهم فيه وظهر منه تخليط، وتَنَقَّلَ من مذهب إلى مذهب، واستغوى العامة بمخاريق كان يعتمدها، منها أنه كان يحفر في بعض قوارع الطرقات موضعاً ويضع فيه زقاً فيه ماء، ثم يحفر في موضع آخر ويضع فيه طعاماً، ثم يمرّ بذلك الموضع ومعه أصحابه فيحتاجون هناك إلى ماء يشربونه ويتوضؤون به، فيأتي هو إلى ذلك الموضع الذي قد حفره وينبش فيه بعكاز فيخرج الماء فيشربون ويتوضؤون، ثم يفعل كذلك في الموضع الآخر عند جوعهم فيخرج الطعام من بطن الأرض، ويوهمهم أن ذلك من كرامات الأولياء، وكذلك كان يصنع بالفواكه يدخرها ويحفظها ويخرجها في غير وقتها، فشغف الناس به، وتكلم بكلام الصوفية، وكان يخلطه بما لا يجوز ذكره من الحلول المحض، وكثر شغف الناس به وميلهم إليه حتى كانت العامة تستشفي ببوله، وكان يقول لأصحابه: أنتم موسى وعيسى ومحمد وآدم، انتقلت أرواحهم إليكم!!"[334].

ويقول «أبو بكر محمد بن يحيى الصولي» - العالم والأديب العباسي المعروف: "أنا رأيت هذا الرجل [الحلاج] مرَّات وخاطبته، فرأيت جاهلاً يتعاقل وعَيِيَّاً يتبالغ وفاجراً يتزهَّد. وكان ظاهره أنه ناسك صوفيّ فإذا علم أن أهل بلدةٍ يرون الاعتزال صار معتزليَّاً أو يرون الإمامة صار إماميَّاً وأراهم أن عنده علماً من أئمَّتهم، أو رأى أهل السنة صار سنيَّاً. وكان خفيف الحركة مفتنا قد عالج الطب وجرَّب الكيميا وكان مع جهله خبيثاً وكان ينتقل في البلدان"[335].

وقال أحد المسافرين إلى الهند: "وكان معي في السفينة رجل يدعى بالحسين بن منصور [الحلاج] فلما خرجنا من المركب قلت له في أي شيء جئت إلى ههنا؟ قال لأتعلَّم السحر وأدعو الخلق إلى الله تعالى"[336].

"وكان ابن نصر القشوري قد مرض فوصف له الطبيب تفاحة فلم توجد فأومأ الحلاج بيده إلى الهواء وأعطاهم تفاحة فعجبوا من ذلك وقالوا من أين لك هذه؟ قال: من الجنة! فقال له بعض من حضر: إن فاكهة الجنة غير متغيرة وهذه فيها دودة! قال: لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء، فحل بها جزء من البلاء! فاستحسنوا جوابه أكثر من فعله!"[337]

"وأحضره الوزير علي بن عيسى وناظره [في مجلس من العلماء] فلم يجده يقرأ القرآن ولا يعرف من الفقه شيئاً ولا من الحديث ولا من الأخبار ولا الشعر ولا اللغة. فقال له علي بن عيسى: تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها، كم تكتب ويلك إلى الناس تبارك النور الشعشعاني ما أحوجك إلى الأدب. ثم أمر به فصُلب حيَّاً في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس ثم حمل إلى دار السلطان فحبس بها"[338].

" قام وزير الخليفة العباسي «حامد بن العباس» يوماً بإحضار أحد أصدقاء الحلاج وكان يُعرف بالسُّمَّرِيّ، وقال له: ألم تكن تعتقد أن صديقك الحلاج يهبط عليك من السماء؟ قال: بلى! فقال الوزير، لقد تركته في بيتي وحده مطلق اليدين والرجلين فلماذا لا يذهب حيث يشاء؟!

وقال الطبري[339]: "[حدثنا عبيد الله بن عثمان الصيرفي قال قال لنا أبو عمرو بن حيويه]: لما أُخْرِجَ الحلاج ليقتل مضيت في جملة الناس ولم أزل أزاحم حتى رأيته فقال لأصحابه: لا يهولنَّكم هذا فإنِّي عائدٌ إليكم بعد ثلاثين يوماً! وهذا إسناد صحيح لا شكَّ فيه، وهو يكشف حال هذا الرجل أنه كان مُمَخْرَقَاً يستخفُّ عقولَ الناس إلى حالة الموت. أنبأنا القزاز أنبأنا أحمد بن على أنبأنا القاضي أبو العلاء قال لما أخرج الحسين بن منصور ليقتل أنشد:

طلبت المُستقـرَّ بكل أرضٍ فلم أرَ لي بأرضٍ مسـتقرَّاً

أطعتُ مطامعي فاسـتعبدتني ولو أني قنعت لكنتُ حُرَّاً

[وجاء في كتاب «صلة تاريخ الطبري»][340]: "قال أبو سعيد النقاش في (كتاب) «تاريخ الصوفية»: منهم من نسبه إلى السحر[341] ومنهم من نسبه إلى الزندقة وحكى أبو عبد الرحمن السلمى اختلاف الطائفة فيه ثم قال هو إلى الرد أقرب. وكذا حطَّ عليه الخطيب وأوضح سحره وضلاله"[342].

وفي «صلة تاريخ الطبري»[343] أيضاً: "أفعال الحلاج وأقواله وأشعاره كثيرة وقد جمعت أخباره في كتاب سميته «القاطع لمجال اللجاج بمحال الحلاج» فمن أراد أخباره فلينظر فيه، فقد كان هذا الرجل يتكلَّم بكلام الصوفية فيندر له كلمات حسان ثم يخلطها بأشياء لا تجوز". (تاريخ الأمم والملوك وصلته، الطبري، دار القاموس الحديث، ج 12، ص 45 إلى 55).

***

لنأتِ الآن إلى الكلام عن شخص آخر من النُّواب:

57طبقاً لما رواه المَجْلِسِيّ، كان أحد مُدَّعي النيابة شخص يُدعى «محمد بن صالح الهمداني» وكان عمله جباية سهم الإمام وكان يأخذ المال من الناس بالقوة والمكر والحيلة (الحديث 25 من الباب 182 من الكافي) وقد ادَّعى هذا الشخص أنه كتب رسالةً[344] إلى «الناحية» قال فيها: "إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُقَرِّعُونِي بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِكَ (ع) أَنَّهُمْ قَالُوا خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللهِ".

يقول كاتب هذه السطور (البرقعي): إن هذا الكلام حق لأن كثيراً من الأشخاص الذين كانوا يلتفون حول الأئمة لم يكونوا ذوي نيَّة صادقة، كما مرّ معنا في الصفحات الماضية[345]. وكانوا يخترعون المعجزات المُزوَّرة لجذب قلوب العوام وكانوا يبنون على قبور الأئمة القباب والأضرحة الذهبية والفضية ويُلفِّقون نصوص زيارات لهم تتضمن أموراً مخالفة للقرآن! وللاطِّلاع على هذه البدع راجعوا كتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» وكتاب «زيارت وَزيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات].

58وينبغي أن نعلم أن كثيراً من الذين لم يكونوا يستطيعون أن يستفيدوا ويصلوا إلى منافعهم من خلال الحكومة القائمة كانوا يضطرون إلى أن يتظاهروا بأنهم من خواص الأئمة ومُقرّبيهم وكانوا ينتقدون الخلفاء ويطعنون بهم ويلعنونهم ويبثون الفرقة والخلاف وكانوا يخترعون أئمةً أعلى رتبةً من رسول الله ص في مواجهة الحُكّام الحاليين! وعلى كل حال، أدَّت الأعمال السيئة لجماعة الوكلاء إلى ضعف ثقة الناس بهم ولذلك تمّ وضع حديث «محمد الهمداني» لحلّ هذه المشكلة، لكن هذا الحديث لم يُحقق الغرض المطلوب لأنه طبقاً لهذا الحديث النوراني (!!) قامت «الناحية» بإعطاء إجابة عجيبة بل مضحكة لا تفيد شيئاً سوى خداع العوام الجهلاء!! بناءً على ادِّعاء «محمد بن صالح» أجابه الإمام الغائب قائلاً: "وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ مَا قَالَ اللهُ‏ تَعَالَى:﴿وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ١٨ [سبا: ١٨] فَنَحْنُ وَاللهِ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ فِيهَا وَأَنْتُمُ الْقُرَى الظَّاهِرَةُ"!

هذا في حين أن سورة سبأ مكية وكما قلنا مراراً وتكراراً لم تكن مسألة الإمامة مطروحة في مكة بأيّ وجه من الوجوه حتى يُنزل الله آية حول الإمام أو الإمامة أو حول وكيل الإمام ونائبه! يقول تعالى في هذه الآية المباركة: إننا جعلنا بين قوم سبأ -الذين كانوا يسكنون في اليمن الحالية- وبين القرى المباركة في بلاد الشام قرىً ظاهرةً يبعد أحدها عن الآخر مسافات مُحدّدة كي يُمكنهم أن يسيروا فيها بأمن وراحة بال أياماً وليالي (راجعوا في هذا الشأن تفسير مجمع البيان للطبرسي)، ولو انتبهنا إلى الآيات التي جاءت قبل هذه الآية وبعدها للاحظنا أن الله تعالى ذكر قوم سبأ كنموذج على كفران النعمة وظلم النفس ونتائجهما وأن الآية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالإمام وسفير الإمام.

ولكن بناءً على تلك الآية أقسم الإمام بالله (؟!) أن المقصود من «القرى التي باركنا حولها» هم نحن، وأن المقصود من «القرى الظاهرة» أنتم الوكلاء!! بالله عليكم لاحظوا كيف يتلاعب هؤلاء الرواة الماكرون بآيات القرآن، وهذا الحديث غيض من فيض.

***

59لنأتِ الآن إلى دراسة حال «أَبِي الـْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيِّ» آخر النُّواب والسفراء الأربعة الذي كان نشاطه أقل من سائر النواب لاسيما النائب الثالث، ولهذا السبب لم يتمّ وضع قصص كثيرة حوله خلافاً لما تمّ حول «الحسين بن رَوْح».

60وعلى كل حال، لما دنا أجل «أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيُّ» الذي كان النائب الرابع حسب قول علمائنا، أدرك أنه لا يُمكن مواصلة هذا الطريق، فلما اقترب من الموت صحا ضميره وندم على ما سبق ولم يشأ أن يتحمل بعد وفاته وِزر النيابة الكاذبة ووبال أخذ الوجوه الشرعية من الناس البُسطاء، أو لأسباب أخرى الله أعلم بها، أصدر توقيعاً من طرف الإمام الوهمي ينص على أن النيابة انتهت ولن يكون هناك بعد الآن نائب ولا سفير!

وقد جاء نصُّ هذا التوقيع في كثير من كتب الشيعة ومن جملتها كتاب «منتهى الآمال» للشيخ عباس القُمِّي الذي ذكر في نهايته عبارات هذا التوقيع كما يلي: "... يَا عَلِيَّ‏ بْنَ‏ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ! أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلَاءِ الْأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ... [346]".[347]

فلما انقطعت النيابة والسفارة بموت النائب الرابع، واجه المُسترزقون بالدين خطر انقطاع أرزاقهم، وهو خطر لم يكونوا مُستعدِّين أبداً للتغاضي عنه، لذا فكَّروا بحلّ وقالوا: صحيح أنه لم يعد هناك نائب خاص للإمام ولكن رواة حديث الأئمة هم بشكل عام قائمون مقام الإمام ويُعَدُّون نُوَّابه العامُّون وقالوا: إن إمام الناحية (؟!) قال: "وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ أحَادِيثِنَا؛ فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللهُ عليهم"!!

وينبغي أن ننتبه أنه لما لم تكن مسألة الاجتهاد والتقليد مطروحةً في ذلك الزمن بَعْد، إذْ طُرحت في زمن لاحق، لذا ذُكرَ «رواة الحديث» في التوقيع ثم قام المجتهدون بعد ذلك بتطبيق «رواة الحديث» على أنفسهم!!

أولاً: النقطة المهمَّة جداً هي أنه ليس لدينا أيّ دليل على انتساب هذا التوقيع إلى الشارع سوى ادِّعاء «العَمْريّ»!! (فَلَا تَتَجَاهَلْ). ونُكرّر ثانيةً القول بأن الذين لم يكونوا قد شاهدوا الإمامَ الغائبَ وخطَّ يده لم يكن في وُسعهم أن يعرفوا أن ذلك التوقيع أو المكتوب هو من قول الشارع فعلاً أم لا؟! وقد افترى رواتنا كل تلك الأكاذيب على لسان الأئمَّة عليهم السلام، فما الفرق بين هذا الادِّعاء وبين سائر الروايات حتى نقبل هذا التوقيع بوصفه سنداً شرعياً؟! وليت شعري! هل يُثبت مكتوبٌ لم يتمّ إحراز نسبته إلى كاتبه، شيئاً؟ هل دين الله يستند إلى أساس بمثل هذا الضعف والوهن؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟

ولقد بينا في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» الذي سميناه أيضاً «بُت شكن» أي كسر الصنم (ص59)، عدداً من الإشكالات في هذا الحديث من الضروري مراجعتها ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها:

ثانياً: في هذه الرواية اعتبر المهدي الوهمي نفسه «حُجَّةً»! في حين أن الله تعالى هو الذي يملك وحده تعيين «الحُجَّة الشرعية»، والحال أننا لا نجد في كتاب الله أثراً لمثل هذه الحُجّة الغائبة لأن القرآن الكريم بيّن لنا أنه ليس للناس بعد الأنبياء من حُجّة (النساء: 165) كما قال أمير المؤمنين علي ÷ أيضاً: «.. تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ» (نهج البلاغة، الخطبة 91). فكيف يعتبر حفيده نفسه حُجَّة؟!!

ثالثاً: هذا التوقيع أرجعنا إلى «رواة الأحاديث»، وكما نعلم كان «رواة الأحاديث» هم أصحاب الأئمة وحاشيتهم في حين أن الأئمة اشتكوا من كثير من الأفراد الذين كانوا من بطانتهم ومن حواشيهم الملتفِّينَ حولهم وطعنوا بهم لأن كثيراً منهم لم يكونوا موثوقين ولا مطيعين للأئمة طاعة صادقة وتامّة، فكيف يكون أشخاص غير موثوقين حُجّةً؟!

رابعاً: اعتبر الحديث المذكور «رواة الأحاديث» حُجّة علينا مما يعني أن أشخاصاً من قبيل «الصفَّار» و«البرقي» و«الكُلَيْنِيّ» و«الصدوق» و...... الخ حُجَّة علينا، هذا في حين أن مجتهدينا يردُّون كثيراً من روايات أولئك المُحدّثين ويُخطِّئونهم، فهل يردّ المجتهدون قول من جعله الإمام حُجّةً علينا؟!!

خامساً: إن كتب الرجال حفظت لنا أسماء رواة أحاديث الأئمة ولم يكن أيٌّ منهم مجتهداً، وليس لدينا من دليل على أن الاجتهاد كان شرطاً لرواية الحديث. كما روى الرواة أيضاً أحاديث متناقضة ومتعارضة.

سادساً: لم يُشَر في هذا الحديث بأيّ وجه من الوجوه إلى أخذ الوجوه الشرعية، لكنكم تأخذون هذه الوجوه من الناس استناداً إلى هذا الحديث؟! (فَتَأَمَّل)!

والحديث الآخر الذي يتمسكون به لاستغفال العوام والركوب على ظهورهم حديث موضوع مذكور في تفسير موضوع ومنسوب زوراً إلى حضرة العسكري (ع)، ذُكِرَ ذيل قوله تعالى: ﴿وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ ٧٨ [البقرة: ٧٨]. مع أن هذه الآية جاءت في ذمِّ تقليد عوام اليهود لأحبارهم الذين لم يكونوا يعلمون شيئاً من الكتاب سوى الأماني والظن مثل شعبنا اليوم الذي لا علم له بتعاليم دينه! فهذه الآية تذمّ الذين يركَنون إلى التقليد ولا يعلمون شيئاً من كتابهم السماوي الذي أنزله الله لهدايتهم، إلا أن الحديث الذي جاء في تفسيرها يقول على العكس: "فَمَنْ قَلَّدَ مِنْ عَوَامِّنَا مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ فَهُمْ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ فُقَهَائِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوه"[348]!

أولاً: هذا الحديث معارض للآية القرآنية التي ذمَّت سبب التقليد المُتمثّل بعدم العلم بالكتاب السماوي، في حين أن الحديث يعتبر التقليد جائزاً!! (فَتَأَمَّل). لذا يجب أن نقبل الآية الإلهية ونترك الحديث الموضوع.

ثانياً: العيب الكبير في هذا الحديث أنه أحال إلى أمر مُتعذّر بل أحال إلى أمر محال!! فكيف يعلم العوام أن الشيخ المُعمَّم الفلاني صائن حقيقةً لنفسه ومخالف لهواه ومطيع لِـلَّهِ؟! فكم من شخص يتظاهر رياءً بالعبادة والزهد ليخدع بذلك العوام! (فَلَا تَتَجَاهَلْ).

في زماننا كان الناس يُقلّدون آية الله العظمى السيد كاظم شريعتمداري سنين عديدة، وكانوا يُجلّونه ويحترمونه جدًّا، لكنهم قالوا أخيراً إنه اشترك في محاولة انقلاب على حكومة السيد الخميني فصادروا المكتبة والأبنية التي كانت تحت إشرافه في قم وبثوا في الإذاعة والتلفاز إظهاره للتوبة والندم! وبعد ذلك بمُدّة قالوا بحق آية الله العظمى الشيخ حسينعلي المنتظري نجف آبادي الذي عارض ممارسة الشدة والعنف والتطرف بلا مبرِّر مِنْ قِبَلِ أصحاب السلطة وكان الناس يعتبرونه مدّةً من الزمن نائباً للإمام وقائماً مقامه من بعده، لكنهم في آخر المطاف قالوا إنه دافع عن بعض أقربائه وأنه جمع حوله معارضي الحكم ولهذا السبب منعوه من التحرك وأجلسوه في بيته ولم يسمحوا له بالدفاع عن نفسه وأزالوا صوره من الدوائر الحكومية وجدران المدن وأبعدوا الناس والعوام الذين خُدعوا بدعاياتهم السابقة عنه. وهناك الكثير من أمثال هذه النماذج. وليت شعري! هل كان المُحقق الكركي الذي تعاون مع جماعات «القزلباشية» (ذوي العصابات الحمراء حول الرأس) من أتباع فرقة «أهل حق»[349] عديمي الدين، للسيطرة على إيران، وكان العوام يُقلِّدونه، مطيعاً لأمر مولاه حقيقةً؟! ألا يُقلِّد العوام الدكتور وآية الله العظمى الشيخ «محمد جعفر جعفري لنگرودي» لأنه مخالف لهوى نفسه ومطيع لأمر مولاه؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟

ثالثاً: إن الذين يقولون بوجوب التقليد، يقولون لا بُدّ من تقليد المجتهد الأعلم، مع أن تشخيص الأعلم وتمييزه إن لم يكن أمراً محالاً فليس بعيداً كثيراً عن المحال، إذ يوجد في بلاد الإسلام في كل عصر وزمان عشرات المجتهدين كلٌّ منهم نشر رسالته العملية وقال فيها إن تقليد الأعلم واجب مما يفيد أنه يعتبر نفسه الأعلم ولذلك كتب للمُقلِّدين رسالةً. فكيف للعلماء الذين درسوا في الغالب سنوات عديدة مع بعض في حوزة علمية واحدة لا يعلمون هم أنفسهم من الأعلم من بينهم، أما العوام الجاهلون فعليهم أن يعلموا ذلك؟!

رابعاً: يقول صاحب كتاب «كفاية الأصول» إن هذا الحديث لا يدل على وجوب التقليد ولم يأتِ فيه أيّ كلمة تفيد الوجوب، إضافةً إلى أنه ليس معنى التقليد قبول أحكامه.

خامساً: هذا الحديث لا يُمكن الاستناد إليه لأنه ورد في تفسير موضوع من أساسه ومن المُسلّم به أنه ليس لحضرة العسكري (ع) وأن شأن الإمام العسكري أجلّ من أن يكون قد كتب ما جاء فيه من أمور[350]. (فَلَا تَتَجَاهَلْ). وإشكالات هذا الحديث أكثر من ذلك بالطبع، ولكننا نكتفي بهذا المقدار. (يُراجع في ذلك مُقدّمة تفسير «تابشى از قرآن» (قبس من القرآن)، فصل «التعليم والتعلُّم واجبان والتقليد حرام»).

ينبغي أن نعلم أن بعض الفقهاء اعتبروا الحكم والسلطة ملكاً للمجتهدين استناداً إلى هذه الروايات الضعيفة، وقد استفاد أحد المجتهدين مع الأسف من هذا الموضوع وأعطى الشرعية للقزلباشية غير المسلمين ثم طرح سلاطين الصفوية أنفسهم -خداعاً للعوام- بوصفهم نُوَّاباً للمُحقِّق الكركي [الذي اعْتُبر نائباً لإمام الزمان] ولنظائره من المراجع. وسننقل لكم هنا بعض المطالب التي ذكرها الكتاب القيّم «ارمغان آسمان» [هدية السماء] (ص146 فما بعد) تأليف الفاضل المجاهد الأستاذ حيدر علي قلمداران رحمه الله، توعية للقراء حول هذا الموضوع، قال:

"أحد الأخطاء الكبيرة المنتشرة في أذهان الناس تصورهم بأن كل مجتهد هو «حاكِمُ شَرْعٍ»، أي هو الخليفة الإسلامي الذي يجب على الناس أن يأتوا إليه ويوصلوه إلى مسند الحكم ويُسلّموه السلطة ليحكمهم ...... فإذا لم يفعل الناس ذلك فهم مسؤولون أمام الله، وعلى كل حال فهو «حاكِمُ شَرْعٍ» وتصرفاته نافذةٌ شرعاً في أموال الناس وأنفسهم! في حين أن الواقع ليس كذلك وأن هذا التصور خطأ كبير. نعم لا بُدّ أن يكون الحاكم الشرعي وسلطان المسلمين فقيهاً وعالماً بأحكام الله، وأهلاً لمقام السلطنة والحكم، ولكن ليس كل فقيه حاكم شرع. وبعبارة أخرى يجب أن يكون كلُّ حاكِمٍ فقيهاً ولكن ليس كل فقيه حاكم (أي بينهما علاقة عموم وخصوص مطلق باصطلاح علم المنطق)....... وسنُسلِّم زمام الكلام الآن لجناب السيد الحاج الشيخ «أسد الله الممقاني» الذي كان من جملة هؤلاء الفقهاء وكتب رداً وتفنيداً لهذه العقيدة التي لا أساس لها نقلاً عن كتابه «دين وشؤون»، قال:

وذهب بعض علماء الشيعة الآخرين إلى أن المجتهدين الكبار يقومون مقام الإمام -عليه الصلاة والسلام- في زمن الغيبة، وكل من شغل هذا المقام، أي مقام الحاكم ورأس السلطة المنيع، غيرهم، كان جائراً وكان اتِّباعه حراماً ومعصيةً ........ وحتى السلطان ذاته لا يَعْتَبِرُ نفسَه مُجازاً إلا استناداً إلى رأي المجتهد الذي يُقلِّده، وأقل ما يجب عليه فعله هو أن يستأجر قصر حكمه كلَّ سنةٍ من المجتهد الذي يُقلِّده كي لا يُعتَبَر مكانُ صلاتِهِ مكاناً مغصوباً! (لماذا يُؤجِّلُهُ المجتهدُ العادلُ أساساً؟!) .......

إن الدليل الذي يذكره أصحاب هذا الرأي لإثبات مُدَّعاهم فقرتان من حديث شريف طبَّقُوهُمَا على هذه المسألة. لقد استندوا لإثبات نيابة العلماء العامة للإمام إلى الحديثين التاليين:

الحديث الأول: "عن إسحاق بن يعقوب في حديثٍ أنه سأل المهديَّ (ع) عن مسائل فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ: أمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ ...... وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ أحَادِيثِنَا؛ ....... الخ". فسَّر الذين يقولون بنيابة المجتهدين الكبار للإمام عبارة (الـْحَوَادِثُ الْوَاقِعَة) بجميع مهمات الأمور الداخلية والخارجية والعسكرية والمدنية وغيرها، وعبارة (رُوَاةِ أحَادِيثِنَا) بالعلماء الأعلام، أو المجتهدين الكبار، وقالوا: كان مقصود الإمام (ع) أنه يجب على الناس أن يرجعوا في إدارة أمورهم إلى رواة أحاديثنا أي إلى علماء الفقه، بمعنى أن السلطة وإدارة دفة الحكم قد أُوكلت إليهم! ولكن في هذا الدليل خَلَلٌ من عدة وجوه:

1- كان هذا الحديث الشريف جواباً عن أسئلة وُجّهت إلى حضرة الحُجّة (ع) وليس لدينا أيُّ اطِّلاع على ماهية الأسئلة التي سُئلت ولذلك فإن مورد الحديث وسبب صدوره مجهول بالنسبة إلينا والنص الذي لا يكون سبب وروده المُعيَّن ولا مدلوله صريحان لا يُعتبر برهاناً قطعياً ولا اعتبار له في الشرع والمنطق.

2- من الواضح أن عبارة (الـْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) [إن لم تكن إشارة إلى الحوادث التي ذُكرت في رسالة السؤال] ليس لها معنى شرعياً مُحدّداً أي أنها ليست كالصلاة والصوم والحج والجهاد والخُمس والزكاة التي نُقلت من معناها اللغوي الأصلي وأصبح لها مفهوم خاص مصطلح عليه في لسان الشرع، بل المقصود من (الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) المفهوم الذي يتبادر إلى الذهن في عُرف العامة. وعندما يتحدَّث العربي إلى صديقه عن (الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) فلا شك أن صديقه عربي اللسان لا يفهم من هاتين الكلمتين أمور الدولة والمهام المدنية والعسكرية بل لا تأتي إلى ذهنه مثل هذه المفاهيم أصلاً. إن العربي يفهم من عبارة (الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَة) معنى المسائل المُتجدّدة التي تقع دون أن يكون لها مثال سابق مثل شرب الدخان وأمثاله وقد أيَّد الشيخ مرتضى الأنصاري -أعلى الله مقامه- في «المكاسب» هذه النظرية، ونحن أيضاً نُعطي للحديث الشريف هذا المعنى وليس لهذا المعنى أيّ علاقة بما يرمي إليه أصحاب هذا الرأي لأن الحكم والسلطان اللذَين بدآ مع دين الإسلام كانا جزءاً من النُّبوة وكانا عين الإمامة وخلاصة تشكيلات الدين، ولا يُمكن اعتبارها أبداً إحدى (الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَة) أي المسائل الجديدة التي تظهر فجأةً دون مثال سابق ويلزم معرفة حكمها!

3- إن رواة أحاديث الأئمَّة ليسوا مجتهدين بالضرورة، فرواية الحديث أمر والاجتهاد أمر آخر، لأن الاجتهاد يحتاج إضافةً إلى تتبع الأخبار والتدقيق في نقلها، إلى فهم مدلولاتها وحكمتها وإلى امتلاك ملكة استخراج الأحكام اللازمة منها. بناءً على ذلك، ولو كان مدلول الحديث يدل على النيابة العامة فلن يكون ذلك الحق مُنحصراً بالمجتهدين فقط بل كل من صحّ تلقيبه براوي أحاديث الأئمة كان أهلاً للنيابة العامة ومستحقاً لها!

4- كان أمر الإمام برجوع الناس إلى رواة الحديث أمراً إرشادياً ولم يكن أمراً للوجوب. فقد سُئل الإمام أسئلةً كان أحدها مُتعلّقاً بالحَوَادِثِ الوَاقِعَةِ فقال الإمام في إجابته: "وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَة .......الخ"، ولو كانت مسألة النيابة العامة حكماً إلهياً واقعياً لصارت ذات موضوعية تستدعي الإيجاب، وعندئذ لكان على الإمام أن يُبيِّن هذا الحكم قبل غيبته دون أن يُوجَّه إليه سؤال خاص.

5- كلمة «الرواة» جمعٌ، فجعل الرواة حكاماً شرعيين يجب على الناس الرجوع إليهم في إدارة شؤونهم يستلزم اجتماع حكم وسلطان أشخاص مُتعدّدين في وقت واحد ومكان واحد، وهذا أمر متعذَّرٌ لأن آراء هؤلاء الحكَّام ستتعارض، بل قد يُناقِضُ بعضُها بعضاً ومن المحال في المنطق والعقل إطاعة الأوامر المُتضادة لأن الجمع بين النقيضين مستحيل. ولو صرفنا النظر عن مفهوم كلمة «الرواة» التي تفيد الجمع -وأقل مدلول الجمع في لسان العرب ثلاثة فما فوق- وقلنا: يمكن انتخاب أحد الرواة في كل عصر وبمرور العصور يتعاقب هؤلاء الرواة المُنتخبون فيُصبحون جمعاً وهذا هو المقصود من مجيء كلمة «الرواة» بصيغة الجمع، لَمَا كان هذا التأويل أيضاً قابلاً للتطبيق لأن رواة الأحاديث في كل عصر كثيرون جداً ولا يُمكن للمسلمين أن يُرجِّحوا أحدهم على الآخر، كما أن اتِّباع بعضهم دون الآخر سيؤدِّي إلى وقوع الاختلاف، كما نرى ذلك في شأن التقليد والاجتهاد اليوم، إذْ لم نرَ حتى الآن أن المجتهدين العظام اجتمعوا على رأي واحد بعد وفاة المجتهد ومرجع التقليد السابق، هذا في مسألة الرئاسة الدينية فما بالك في موضوع أمور الحكم، نعم، سيكون ذلك سبباً لوقوع الثورات والاختلافات والنزاعات الدائمة التي ستؤدي إلى الفتن والفساد الذي لا يُمكن تحمُّله.

6- إن النيابة العامة أي الرئاسة الفعلية والتشكيلات الظاهرية واستلام زمام السلطة وإدارة الدوائر وقيادة الجيوش والعساكر وقوى الأمن وإن كان حقاً مُحقَّقاً للإمام (ع) ولكن تلك الأمور لم تكن بيده قبل غيبته وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكن أن يوكِلَها إلى غيره. كل هذه الإشكالات تُوضِّح أن الحديث الأول لا يدل بأيّ وجه من الوجوه على ما يدّعونه.

الحديث الثاني الذي جعلوه شاهداً على مُدَّعاهم هو مقبولة «عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ» المروية عن حضرة الصادق (ع)، هذا مع أن الحديث الذي يُطلق عليه (مقبولة) ليس مُعتبراً ولا مُعتمداً عليه لدى العلماء والمجتهدين كما يعتمدون الأحاديث الصحيحة، فما بالك بالاعتماد عليه في مثل هذا الموضوع المهم.

نصُّ المقبولة كما يلي: قَالَ "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ ...... فَقالَ (ع): يَنْظُرَانِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَنَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً ..... قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا وَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَكِلَاهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيثِكُمْ؟‏ فقَالَ: الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا وَأَوْرَعُهُمَا. قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ لَا يُفَضَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صاحبه. فَقَالَ: يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ".

في القسم الأول من هذا الحديث الشريف ذُكر لفظ «الحكم» و «الحاكم» بمعنى السلطان ونائب الإمام -عليه الصلاة والسلام- وقيل: إن مراد الإمام أن كل من ميَّز الحلال عن الحرام وفهم أحكامنا فعليكم أن تطيعوه فقد جعلته عليكم رئيساً وسلطاناً! وهذا الدليل أيضاً كسابقه دليل سقيم من عدة جهات:

1- كان سؤال «عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ» من الإمام الصادق (ع) -كما هو واضح- يعود إلى تنازع شخصين من الأصحاب حول الدين والميراث وقد عرَّف الإمام لهما شخصاً عارفاً بالأحكام بوصفه حَكَمَاً بينهما، وهذا الأمر الجزئي لا علاقة له على الإطلاق بمسألة النيابة العامَّة التي لم يَرِدْ ذكرُها إطلاقاً في نصِّ الحديث، ومدلول الحديث صريح ومورده أخصُّ كثيراً من المعنى الذي يُفسِّرونه به، أي أنه لا يُمكن تعميم معناه إلى ما يرمون إليه بأيّ وجه من الوجوه.

2- معنى كلمة «الحُكْم» في اللغة العربية الأمر و«الحاكم» بمعنى الآمر ولم تُسْتَخْدَم هذه الكلمات أبداً في عُرف الشرع بمعنى السلطان والنائب العام. نعم، من ناحية العلماء المُتأخرين وفي عرف العوام استُخدمت هذه الألفاظ بمعنى القاضي كما استُخدمت المحكمة بمعنى مكان الحُكْم وهذا الاصطلاح لا يفيد كون هذه الكلمات شرعية، وحتى كلمتي «الحَكَم» و«الحاكم» على هذين المعنيين لا يدلان على مُدَّعاهم. إن الطوائف التي تعيش في العصر الحاضر كأقلية في مجتمعاتها، تقوم بحلّ نزاعاتها فيما بينها بقدر الإمكان. وعلى فرض صدور المقبولة عن الإمام فعلاً[351]، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الشيعة كانت جماعة معارضة لحكومة بني العباس، وأن الإمام مُفترض الطاعة كان موجوداً وحاضراً بين الشيعة، فإنه من المحتمل أن يكون الحديث ناظراً إلى هذا الأمر [أي إلى وجوب ترافع المتخاصمين إلى الإمام ليفصل بينهم].

3- لو كان استرداد حقوق حضرة الصادق (ع) من الآخرين ممكناً في زمن حياته (ع) لكان هو أولى بالتصرف بالطبع، ولكان إيكال ذلك إلى الآخرين رغم وجود الإمام وحياته ورغم إمكانية نقل ذلك إلى أولاده، مخالفاً للمنطق ومنافياً لوظيفة الإمام، وإذا كان استرداد الحقوق المذكورة غير ممكن فإن تحويل ذلك إلى الآخرين عبث ويُذكِّرنا بالمثل القائل (فاقد الشيء لا يُعطيه)! ولا يُمكن صدور العمل العبثي من الإمام في عقيدتنا نحن أتباع المذهب الجعفري. في الواقع كيف كان من الممكن للإمام أن يُعيّن نائباً عامَّاً له، رغم وجود الإمام نفسه ووجود أولاده، وأن يكل إليه إدارة أمور عامة الناس؟ هذا رغم أن الإمام ذاته كان ممنوعاً بشكل كامل من إدارة أعمال الناس.

بصرف النظر عن عدم دلالة أيٍّ من الحديثين على المعنى المُدَّعى، لو فرضنا على سبيل المحال أننا قبلنا بالنيابة العامة لرواة الأحاديث والفقهاء العارفين بأحكام الشرع، واعتبرنا أن المقصود من الرواة وغيرهم المجتهدون الجامعون لشروط الاجتهاد، فإننا سنُواجه معضلةً تتمثَّلُ في أن مُجرّد كون الشخص مجتهداً جامعاً للشروط لا يعني بالضرورة أهليته للحكم، ولا شك أن الإمام لا يوكل للعلماء الأعلام أمراً بمثل هذه الأهمية دون بيان أيّ قيد أو شرط له لأن ذلك سيستلزم في أغلب الأحوال إيكال منصب مهم جداً إلى أشخاص غير مُؤهّلين له! ....... ثم إن المجتهدين الكبار كانوا مُتعدّدين في كل عهد، ووجود سلاطين مُتعدّدين في وقت واحد ومنطقة واحدة -كما سبق أن قلنا- أمرٌ مُتعذِّرٌ ومحالٌ، والحاصل أن الذين أثبتوا النيابة العامة للعلماء الأعلام عن حضرة الإمام -عليه الصلاة والسلام- لا يملكون دلائل كافية على صحة قولهم، ولم يثبت في دين الإسلام مثل هذا المنصب لا نقلاً ولا عقلاً، هذا فضلاً عن أن أصحاب هذا الرأي لا يملكون أدلةً صحيحةً من الأساس ...... ولذلك قال الشيخ مرتضى الأنصاري في باب الخُمس بصراحة: لم تثبت نيابة المجتهدين للإمام عليه السلام! (فَتَأَمَّل جداً).

بعد أن انتهينا من مسألة الوكالة والنيابة عن الأئمة ينبغي أن ننصرف إلى الخرافات الواردة في المجلد 52 من «بحار الأنوار»!

***

[312] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....» الصفحات: 197، و 379 و658 إلى 661، و665 إلى667. و673 إلى 675 و846 إلى 850. [313] أي تلك المرأة ذاتها التي أرجعت حكيمة -عمة حضرة العسكري- الشيعة إليها: (إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدة، أمّ أبي محمد .....). (بحار الأنوار، ج 51، ص 364). كما أورد الكُلَيْنِيّ في الكافي أن أمّ حضرة العسكري ادّعت وصيته. (أصول الكافي، الباب 181، الحديث 1). [314] راجعوا الصفحة 59 فما بعد من الكتاب الحاضر، أو كتاب «معرفة الحديث» (ص 90 إلى 93)، وكتاب «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة]، (ص 162 إلى 165). [315] أي منذ وفاة حضرة باقر العلوم (ع) سنة 114هـ. وحتى 260هـ. أي سنة وفاة حضرة العسكري. [316] الحديث المعروف بخبر «المُفضَّل بن عُمَر» المذكور في بداية المجلد 53 من بحار الأنوار، باب «ما يكون عند ظهوره»، كما أشار إلى ذلك المُحقق والمُعلّق المحترم على بحار الأنوار، هو في الاحتمال القوي جداً من وضع مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ هذا أو أحد أتباعه. [317] اسمه في الكافي «الباقطائي» (ج 1، باب 182، الحديث 31). [318] هناك اختلاف حول اسمه. [319] للتعرف على أحواله راجعوا كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص 37- 38). [320] من الضروري في هذا المجال مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، ص 1109-1110 و 1129 إلى 1133. [321] ذكر المَجْلِسِيُّ في بحار الأنوار لِمُنَافِسِ الحلاجِ أي «الحسين بن روح النوبختي» معجزات أيضاً أو كرامات إن شئت، ولم يعترض عليها جناب «أبو سهل» بشيء!! بل ألّف لخداع العوام كتاباً مليئاً بالمغالطات باسم «التنبيه في الإمامة» للدفاع عن العقيدة التي كان يؤمن بها «الحسين بن روح»!! وسنقوم بدراسة أقواله في الصفحات الآتية ونكشف خداعه ومكره. [322] لقد وضع لِدِينِهِ الجديد أحكاماً من عند نفسه أيضاً! (تاريخ الطبري مع صلته، ج 12، ص 48 و54). [323] وجاء في تاريخ الطبري أيضاً عنه: "في رأسه رئاسة وكبر". (تاريخ الطبري وصلته، ج 12، ص 55). [324] لأن الحجاج كان حسب الظاهر من أهل السنة فإذا طالب الشيعة بقتله سيقول الوزراء العباسيون السُّنَّة: "هو سنيٌّ وإنما يريد قتله الرافضة"! فلا يطيعونهم في قتله. (المُتَرْجِمُ) [325] جاء في صلة تاريخ الطبري: "بسندٍ إلى محمد بن يحيى الرازي يقول سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول: لو قدرت عليه لقتلته بيدي، قرأت آية من كتاب الله فقال يمكنني أن أؤلف مثله أو أتكلم!!". وجاء أيضاً أن الحلاج "كان يُدخل يده في كُمِّه ويخرجها مملوءةً مِسْكَاً!!" (تاريخ الطبري وصلته، ج12، ص 53، و 55 و 64). [326] بالطبع لم يكن «أبو سهل النوبختي» يُوجّه مثل هذه الأجوبة المُفحمة والمطالبات المُحرجة لابن طائفته «الحسين بن روح»! لاحظوا الأحاديث 62 و 68 و 69 من الباب 20 من الكتاب الحاضر في صفحة 280 و 281. [327] جاء في تاج العروس للزبيدي: المَخْرَقَةُ : إظْهارُ الخُرْقِ توصُّلاً إلى حِيلَةٍ وقد مَخْرَقَ . والمُمَخْرقُ: المُموَّهُ وهو مُستعارٌ من مَخاريقِ الصِّبيان. (المُتَرْجِمُ) [328] طَنَزَ به يَطْنِزُ طَنْزاً: كلَّمه باستهزاء وسَخِرَ بِهِ، فهو طَنَّاز -كشَدَّاد-. والطَّنْز بالفَتْح: السُّخْرِيَة. (من لسان العرب وتاج العروس) (المُتَرْجِمُ) [329] الشيخ الطوسي، كتاب «الغيبة للحجَّة»، ص 401 - 402 . (المُتَرْجِمُ) [330] انظر تاريخ الطبري وصلته، ج 11، ص 86 - 88. (المُتَرْجِمُ) [331] جاء في تاريخ الطبري وصلته".... عن أبى الحسن أحمد بن يوسف قال كان الحلاج يدعو كل وقت إلى شيء على حسب ما يستنكه طائفة طائفة وأخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن الناس بالأهواز وكورها بالحلاج وما يخرجه لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها والدراهم التي سماها «دارهم القدرة»، حُدِّث أبو على الجبائي فقال لهم: هذه الأشياء محفوظة في منازل تمكن الحيل فيها ولكن أدخلوه بيتاً من بيوتكم لا من منزله وكلفوه أن يخرج منه جرزتين شوكاً فإن فعل فصدِّقوه، فبلغ الحلاج قوله وان قوماً قد عملوا على ذلك فخرج عن الأهواز". انتهى من كتاب صلة تاريخ الطبري.(تاريخ الطبري، ج 12، وقائع سنة 309 هـ، ص 53). [332] عباس إقبال الآشتياني، كتاب «خاندان نوبختى» [أي: الأُسْرَةُ النَّوْبَـخْتِيَّة]، (ص 110 فما بعد)، باختصار وتلخيص. [333] ثوب من صوف وجبة مشقوقة المقدم يلبسها المشايخ والزُّهَّاد عادةً. (المُتَرْجِمُ) [334] الفخري في الآداب السلطانية، محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي (709هـ)، ترجمة وحيد الگلپايگاني، ص 355 إلى 357، وقد كتب أخونا الفاضل «سيد مصطفى الحسيني الطباطبائي» -حفظه الله تعالى - مقدمةً على الطبعة الثانية للكتاب بطلبٍ من الناشر. [يقول المترجِم: أما في النسخة العربية الأصلية لتاريخ الفخري - تحقيق عبد القادر محمد مايو، بيروت، دار القلم العربي، 1418هـ/1997م - فهو في ص 254 - 255]. [335] صلة تاريخ الطبري، للطبيب والمؤرِّخ "عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ" (369هـ)، ص 71. وانظر أيضاً: تاريخ الطبري وصلته، ج11، ص 88 فما بعد، وعبارته: (فرأيت جاهلاً يتعاقل وعَيِيَّاً يتفاصح وفاجراً يُظهر التنسُّك). (المُتَرْجِمُ) [336] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 71. (المُتَرْجِمُ) [337] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 68. (المُتَرْجِمُ) [338] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 70. (المُتَرْجِمُ) [339] الواقع أن قائل هذا الكلام ليس الطبري نفسه، بل «عُرَيْب بن سَعْد القُرطُبيّ» مؤلف كتاب «صلة تاريخ الطبري»، ص73 فما بعد. وهو أيضاً في تاريخ الطبري وصلته، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار المعارف، ط3، ج 11، ص 219 إلى 223. (المُتَرْجِمُ) [340] هذه الجملة بين المعقوفتين من عندي للتوضيح. (المُتَرْجِمُ) [341] جاء في كتاب «صلة تاريخ الطبري»: "قال أبو زرعة وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول زوجت ابنتي من الحلاج الحسين من منصور لِمَا رأيتُ مِنْ حُسْنِ طريقته، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحرٌ محتالٌ خبيثٌ كافرٌ". انتهى. [342] عُرَيْب بن سعد القُرطُبيّ، صلة تاريخ الطبري، ص 74. (المُتَرْجِمُ) [343] نسب المرحوم البرقعي هذا الكلام إلى الطبري نفسه وقد صحَّحت الأمر بما ذكرته في متن الترجمة، لأن الواقع أن الكلام ليس للطبري نفسه، بل لِـ «عُرَيْب بن سعد القرطبي» صاحب كتاب «صلة تاريخ الطبري»، ص 72. راجع حواشي الصفحة السابقة. (المُتَرْجِمُ) [344] في رأينا كان الهدف من وضع هذا الحديث كسب المنزلة والمقام لعدد من الوكلاء وتقليل الأثر السلبي لحديث «خُدَّامنا وقُوَّامنا شرار خلق الله». [345] حول أصحاب الأئمة راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول .....»، فصل تذكير حول مظلومية الأئمة، ص 376 فما بعد. [346] ابن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص 516. (المُتَرْجِمُ) [347] رغم أن جميع علماء الشيعة يقبلون بهذا التوقيع الذي ينص على أنه لا يجوز لشخص أن يدّعي نيابة الإمام ويعتبر نفسه قائماً مقام «علي السَّمُرِيّ» ويأخذ تحت هذا العنوان الوجوهَ الشرعيةَ وسهمَ الإمام من الناس، إلا أنكم ترون أن العلماء لا يمتنعون عن أخذ سهم الإمام. من هذا يُعلم أن العلماء يستفيدون من جهل البسطاء والعوام. وللأسف لقد وُجد آلاف الأشخاص ممَّن ادَّعَوا الفقه والاجتهاد وجعلوا أنفسهم نتيجةً لذلك نواباً للإمام الغائب بين الناس وقاموا بأخذ الوجوه الشرعية ليصرفوها طبقاً لرأيهم، دون حسيب ولا رقيب! والسؤال الذي يطرح نفسه: من أين يعلم الناس أن هؤلاء العلماء ليسوا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٤ [التوبة: ٣٤]. ومن الضروري في هذا الشأن مراجعة التنقيح الثاني لكتاب «نقد مفاتيح الجنان في ضوء آيات القرآن» (ص 92 إلى 95). [348] التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري، ص 300، والمجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص 88. (المُتَرْجِمُ) [349] سبق أن عرّفنا بهذه الفرقة الضالَّة في الصفحة 112 من الكتاب الحاضر، فراجعه. (المُتَرْجِمُ) [350] لو رأى أحد الأكاذيب والخرافات التي جاءت في هذا التفسير فتساءل: أيّ إمام ذاك الذي كان جاهلاً إلى هذا الحد؟! وقد بيّن العالم المُحقّق الشيخ محمد تقي الشوشتري (التوستري) مؤلف كتاب «الأخبار الدخيلة» (ص 152 فما بعد) أكاذيب هذا الكتاب وأخطائه الكثيرة وقال: لو كان هذا الكتاب صحيحاً فالإسلام كاذب. ورُوي عن المرحوم الغضائري الذي كان من أكابر علماء الرجال أن راوي هذا التفسير شخص كذاب وضعيف رواه عن مجهولين أيضاً!! أي باطل عن باطل! [351] اثنان من رواة مقبولة «عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ» أي «محمد بن عيسى» و «داود بن الحصين» ضعيفان ولهذا السبب فليس لهذا الحديث قيمة تُذكر لأن السند يتبع أخسَّ الرجال كما أن النتيجة تتبع أخسَّ المُقدّمات.