نظرة إلى ما جاء في حاشية «مفاتيح الجنان» من ص 2 إلى ص 12
صرَّح المرحوم الشهيد الثاني (الشيخ زين الدين العاملي) في كتابه «البداية في علم الدراية» (الطبعة الحجرية، ص 72) -كما أشرنا إلى ذلك في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» بأنَّ الأحاديث المُغالية العجيبة التي أوردها الواحدي والثعلبي والزمخشري في كتبهم حول ثواب قراءة سور القرآن أحاديث موضوعة[72].
وقال الأستاذ «محمد باقر البهبودي» أيضاً:
"... إن الزنادقة والغلاة لم يألوا جهداً في إطفاء نور الإسلام وإفساد الشريعة والأحكام، وإيقاع الشك في القلوب، والتلاعب بالحقائق الدينية ومعارفها، وترويج الخرافات والتُّرَّهات والبِدع وإيجاد الفُرقة والاختلاف....
وهكذا نراهم قد اختلقوا معجزات خرافية تافهة مُستبشعة فنشروها على لسان القصاصين ومشايخ الحديث المُغفَّلين ليبتهج المسلمون بتردادها ونقلها وسماعها، كل ذلك تنفيراً لطباع المُتفكِّرين ودحضاً لبيِّنات القرآن ومعجزته الخالدة التي طالما أخذت بأسماع السامعين.
وأخرى لفَّقوا أساطير مزعومة وأحاديث مُزوَّرة تُرغِّب الناس في الزهد والاعتزال وأدرجوا فيها سفاسف التصوف والعرفان ليشتغل الناس بالتفكُّر في ذواتهم عن التشاغل بأعدائهم....
وهكذا ابتدعوا عبادات وصلوات مُخترعة واصطنعوا أدعية جميلة عرفانية وغير عرفانية بشَّروا عُبَّادها وقُرَّاءها بالثوابات الجُزافية والفوز بنعيم الآخرة، فرغب فيها كثيرٌ من العُبَّاد المُغفَّلين لا يفترون عن العبادة [التي ليس لها سند في الشرع] وقراءة الأدعية [الموضوعة] ليلاً ونهاراً، و[بهذا] عدلوا عن السنَّة النبوية العادلة فتشاغلوا بها عن مغزى العبادة والدعاء يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً!"[73]. (مقدِّمة كتاب «صحيح الكافي»، بيروت، الطبعة الأولى، ج1، الصفحة «و» فما بعد، وراجعوا أيضاً كتاب «عرض أخبار الأصول....»، ص 24 حتى 26).
يقول الكاتِب: إن كتب الشيعة - مع الأسف - لم تخلُ من مثل هذه الروايات، فنجد في تفسير «مجمع البيان» [للشيخ الطبرسي] و«تفسير الصافي» [لمحسن فيض الكاشاني] و..... مثل هذه الروايات الخرافية. وقد أورد صاحب «مفاتيح الجِنان» تلك الروايات أيضاً، من ذلك قوله عن سورة يس، نقلاً عن كتاب «مفاتيح النجاح» دون سند: "سُورَةُ يس.... تَعُمُّ صَاحِبَهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتُكَابِدُ عَنْهُ بَلْوَى الدُّنْيَا وَتَدْفَعُ عَنْهُ أَهَاوِيلَ الْآخِرَةِ وَتُدْعَى الْمُدَافِعَةَ الْقَاضِيَةَ تَدْفَعُ عَنْ صَاحِبِهَا كُلَّ شَرٍّ وَتَقْضِي لَهُ كُلَّ حَاجَةٍ وَمَنْ قَرَأَهَا عَدَلَتْ لَهُ عِشْرِينَ حَجَّةً وَمَنْ سَمِعَهَا.... أُعْطِيَ أَلْفَ نُورٍ وَأَلْفَ يَقِينٍ وَأَلْفَ بَرَكَةٍ وَأَلْفَ رَحْمَةٍ وَنَزَعَتْ عَنْهُ كُلَ دَاءٍ وَغِلٍّ "[74]. وقوله أيضاً: "وَمَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ وَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَات !!"[75]...... و"مَنْ قَرَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ أَوْ فِي نَهَارِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ كَانَ فِي نَهَارِهِ مِنَ الْمَحْفُوظِينَ وَالْمَرْزُوقِينَ حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مِائَةَ أَلْفِ مَلَكٍ يَحْفَظُونَهُ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ وَمِنْ كُلِّ آفَةٍ وَإِنْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّة !!"[76] 10.
أو قال في «أعمال ليلة الجمعة» (ص 31، أو ص66 من النسخة المُعَرَّبة للمفاتيح): "مَن قرأ الواقعة كلّ ليلة جُمعة أحبّه الله تعالى وأحبّه إلى النّاس أجمعين ولم يَرَ في الدّنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقةً ولا آفةً من آفات الدّنيا ....". أو روى في الصفحة 38 (ص 75 من النسخة المُعَرَّبة للمفاتيح) عن عنبسة بن مصعب عن الإمام الصادق (ع): "مَن قرأ سُورة ابراهيم وسورة الحجر في ركعتين جميعاً في يوم الجُمعة لم يصبه فقر أبداً ولا جنون ولا بلوى !!"[77].
وهذه الأخبار كذبٌ يقيناً وهي أخبار مغالية وتدفع إلى الاغترار. لقد قرأ رسول الله ص وأصحابه مراراً سورة يس وسورة الواقعة ولم تُدْفَع عنهم مصائب الدنيا ولا آفاتها.
أو قال عن سورة الرحمن : "لَا تَدَعُوا قِرَاءَةَ سُورَةِ الرَّحْمَنِ وَالْقِيَامَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ (وَتَأْتِي بِهَا) يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَأَطْيَبِ رِيحٍ حَتَّى تَقِفَ مِنَ اللهِ مَوْقِفاً لَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى اللهِ مِنْهَا ..."[78].
إن من كتب تلك الأمور لم يستخدم عقله وإلا لعرف أنه ليس لِـلَّهِ تعالى مكان يتحيز فيه، حتى يأتي إليه شيء ويقترب منه، ويقف لديه!!
أو كتب قائلاً: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عِنْدَ كُلِّ ﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٣﴾[الرحمن: ١٣]: «لَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِكَ رَبِّ أُكَذِّبُ»، فَإِنْ قَرَأَهَا لَيْلًا ثُمَّ مَاتَ مَاتَ شَهِيداً، وَإِنْ قَرَأَهَا نَهَاراً ثُمَّ مَاتَ مَاتَ شَهِيداً "[79].
ونقول: لو كانت مرتبة الشهادة تُنال بمجرد قراءة هذه السورة على النحو المذكور لما بقيت هناك حاجة إلى الجهاد في سبيل الله وإعداد آلات الحرب!! وهل يريد الاستعمار شيئاً أفضل من هذا؟! (فتأمَّل)
ويقول عن سورة الجمعة: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ÷ قَالَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إِذَا كَانَ لَنَا شِيعَةٌ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْجُمُعَةِ وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بِالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا يَعْمَلُ بِعَمَلِ رَسُولِ اللهِ ص.....". وقد كرَّر المؤلف هذه الرواية الباهرة مرةً أخرى في «المفاتيح» في فقرة «أعمال يوم الجمعة» (ص 48، أو ص 89 من النسخة المُعَرَّبة للمفاتيح)!![80] 11
طبقاً لهذه الرواية عمل رسول الله ص بكل ما كان فيه من مشقات ومرارات وجهاد وعبادات، يعادل قراءة سورتين من القرآن!!! ثم لماذا لا يصلي الشيعي من أتباع الإمام الصادق ÷ صلاة الجمعة بل يصلي مكانها صلاة الظهر؟
12ويقول عن الآية 2 من سورة النبأ إن ﴿عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ ٢﴾هو الولاية وهو حضرة الأمير (ع)؟! هذا في حين أن حضرة الأمير (ع) يدعو - كما في دعاء يوم الاثنين في الصحيفة العلوية - قائلاً: "الْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَنِي بِالْإِيمَانِ وَبَصَّرَنِي فِي الدِّينِ وَشَرَّفَنِي بِالْيَقِينِ وَعَرَّفَنِي الْحَقَّ الَّذِي عَنْهُ يُؤْفَكُونَ وَالنَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ "[81].
من هذا الدعاء يَتَبَـيَّنُ أن "النَّبَأَ الْعَظِيمِ"ليس الإمام ذاته، بل الإمام مؤمن بالنبأ العظيم. (فتأمَّل). بمُلاحظة أنَّ الآية ذكرت اختلاف أهل مكّة حول هذا النبأ العظيم يُمكننا أن نقول: إنَّ الخبر المذكور لم يكن قضية التوحيد ولا نُبُّوة النبيّ لأنَّ أهل مكّة كانوا مُتَّفقين على رفض هذين الأمرين، أما بشأن مسألة بعث الأموات والقيامة فكان بعضهم يعتقد ببقاء الروح ولا يرفض فكرة المعاد الروحاني في حين كان فريق آخر يشكُّ في إمكانيّة المعاد، وفريق ثالث يُنكر المعاد كُليَّة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً أن الله تعالى قال بعد تلك الآية مرَّتين بلهجة فيها تهديد: ﴿كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ ٥﴾[النبا: ٤، ٥]، وأنه قال في الآية السابعة عشرة من السورة: ﴿إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا ١٧﴾[النبا: ١٧]، ثُمَّ أخذ بذكر جهنَّم وعذابها وذِكر الجنَّة، فإنَّه من الواضح أنَّ ذلك النبأ العظيم المُختلف فيه يتناسب مع واقعة القيامة العظيمة التي ستقع في المُستقبل. ورغم أنَّ تفسير «مجمع البيان» يذكر عادةً الأخبار الخُرافية [التي يرويها الكُلَيْنِيّ في الكافي] إلا أنَّه هنا أهمل تماماً ذِكر الرواية التي تدَّعي أنَّ «النبأ العظيم» هو الولاية. كما لم يعتنِ تفسير «الميزان» بتلك الروايات وقال: إنَّ المُراد من النبأ العظيم البعث والقيامة لأن القرآن الكريم اهتمَّ اهتماماً تاماً وأكَّد في السور المكية لاسيما تلك السور التي نزلت في أوائل البعثة على إثبات القيامة ويوم الفصل.
وكذلك تفسير «الأمثل» ذَكَرَ -حفاظاً على اعتبار الروايات- ثلاثة أحاديث غير مُعتبرة، ولما رأى أنَّ مضمون هذه الأحاديث لا يتناسب مع آيات سورة «النبأ» ادَّعى ادِّعاءً لا دليل عليه بأنَّه من الممكن أن يكون المقصود الباطني للآيات هو «الولاية»!! لكنه أثناء تفسير الآية اعترف أنَّ كون أكثر المُشركين مُختلفين حول مسألة «المعاد» يُؤكِّد على تفسير الآية بالبعث والمعاد. وصرَّح أن تفسير الآية بالمعاد راجح على سائر الأقوال.
ويقول كاتب هذه السطور: لو جاز القول بمعنى باطني للآيات لا يتناسب مع ظاهرها ولا يتعلَّق به فإنَّنا نقول أيضاً: إنَّ المعنى الباطني لـ «النَّبَأ الْعَظِيم» هو أنَّ علماء الدين والمشايخ مُتعصِّبون وخُرافيُّون وأنَّهم سببٌ لانحراف عوام الناس وضلالهم، وكانت تلك مسألة يصعب قبول العوام لها لذلك كانوا مُختلفين فيها مُتردِّدين بشأنها وسوف يعلمون يوم القيامة أيَّ خدعة وقعوا بها؟! «باؤك تجرُّ وبائي لا تجرّ»!
إضافةً إلى ذلك فإن سورة النبأ نزلت في مكة ولم يكن أهل مكة في ذلك الحين يتساءلون حول حضرة عَلِيٍّ (ع) أو يختلفون بشأنه حتى يُنزِّل اللهُ جواباً وبياناً بشأن اختلافهم ذاك.
وقال الشيخ عبَّاس القمي أيضاً بشأن سورة القدر: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ «إنا أنزلناه» فِي صلاة الفريضة نَادَاه مُنَادٍ من عند الله: اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَك ما تقدَّم من ذنبك !!"[82].
يعني استأنف من جديد خطاياك وجرائمك! لا ندري لماذا لم يستخدم كُتَّاب مثل هذه الأحاديث وناقلوها عقولهم فيُدركوا أنَّ هذه الأخبار مُتعارضة مع القرآن ومع القانون الإلهي الذي بيَّنه تعالى بقوله ﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ ٨﴾[الزلزلة: ٧، ٨]، وقال: ﴿كُلُّ ٱمۡرِيِٕۢ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ ٢١﴾[الطور: 21]، وقال: ﴿كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨﴾[المدثر: ٣٨]، وقال أيضاً: ﴿يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ ١٦﴾[لقمان: ١٦].
ما ذكرناه يكفي لمعرفة مقدار صلة حواشي هذا القسم من كتاب «مفاتيح الجنان» بالإسلام والمسلمين، ولا نحتاج إلى مزيد من التفصيل في ذلك. وبالطبع فإنَّ وضع سائر أقسام «المفاتيح» ليس أفضل من ذلك. فعلى سبيل المثال يقول في «أعمال نهار الجمعة» (ص 49، أو ص71- 72 من النسخة المُعرَّبة): "مَن قال بعد فريضة الظّهر وفريضة الفجر في يوم الجُمعة وغيره من الأيّام: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ فَرَجَهُم، لم يمت حتّى يدرك القائم (عليه السلام) !!!". أو قال في «أعمال ليلة الجمعة» (ص 31، أو ص 66 من النسخة المُعرَّبة): "من قرأ بني إسرائيل (= الإسراء) في كلّ ليلة جمعة لم يمت حتّى يدرك القائم (عليه السلام) فيكون من أصحابه !!!".
ينبغي أن نعلم أنَّ واضع هذه الأحاديث نسبها إلى الإمام الصادق ÷ غافلاً عن أنَّه لم يكن في ذلك الزمن من إمام سواه، أي أنَّه عند الصدور المُفترض لهذه الأحاديث كان الإمام القائم هو حضرة الصادق نفسه لا غيره! ألم يفهم واضع الحديث ما لفَّقه من كلام؟ لماذا لم يسأل الشيخ عبَّاس نفسه عند كتابته لهذين الحديثين: ما هو إذن تكليف ومصير الأشخاص الذين قرؤوا هذه السورة أو هذه الصلوات حتى عهده ورحلوا عن الدنيا دون أن يُدركوا حضرة الصادق أو الإمام الثاني عشر؟![83]
وبالطبع عليَّ أن أسأل نفسي هل كان الشيخ عبَّاس وأمثاله يُفكِّرون فيما يكتبون أصلاً؟ أم أنهم لم يكن لهم أيُّ صلة بعقلهم ولم يكونوا يعتبرون أن الاستفادة من عقلهم أمراً واجباً!
وفي الصفحة ذاتها يقول بشأن قراءة سورة «ص»: قال: "وبسند معتبر عن الباقِر (عليه السلام) قال: مَنْ قرأ سورة ص في ليلة الجُمعة أعطي من خير الدّنيا والآخرة ما لم يُعط أحدٌ من النّاس إلا نبيّاً مُرسلاً أو ملكاً مُقرّباً وأدخله الله الجنّة، وكلّ من أحبّ من أهل بيته حتّى خادمه الذي يخدمه وإن لم يكن في حدّ عياله ولا في حدّ من يشفع له!!"[84].
ويقول في الصفحة ذاتها أيضاً: "وقال (عليه السلام): من قرأ سورة الكهف كلّ ليلة جمعة لم يمت إلا شهيداً وبعثه الله مع الشّهداء ووقف يوم القيامة مع الشّهداء !!"[85].
وأيضاً يروي في الصفحة ذاتها عن الإمام الصادق ÷ قوله: "وقال (عليه السلام): من قرأ سورة السّجدة في كلّ ليلة جمعة أعطاه الله كتابه بيمينه ولم يحاسبه بما كان منه وكان مِن رفقاء محمّد وأهل بيته (عليهم السلام) !!"[86].
أو يقول في الصفحة 15 (ص من النسخة المُعرَّبة): كل من قرأ الدعاء الفلاني لم يفتح الله له ديوان ذنوبه!!
إنَّ مثل هذه الأقوال تُخالف قول الله في القرآن الكريم: ﴿فَلَنَسَۡٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسَۡٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٦﴾[الاعراف: ٦] فالله تعالى يعتبر الأنبياء مسؤولين فكيف يُمكن أن يكون من قرأ سورةً أو دعاءً غير مسؤول وأن لا يُحاسبه الله؟! أفلا تعقلون؟
حقاً إنَّ السؤال المُحيِّر: ألم يسأل مؤلِّف «مفتاح الجنان» أو مؤلِّف «مفاتيح الجنان» وأمثالهما أنفسهما: كيف يُمكن أن يقول دين الله من جهة: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣... وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٦﴾[العنكبوت: ٢ و 3 و ٦]، ويقول: ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ٢١٤﴾[البقرة: ٢١٤]. أي أنَّ الوصول إلى السعادة الأبديّة رهين بالإيمان والعمل الصالح والمُجاهدات المُخلصة.
ثم يقول من الجهة الأخرى: إن قرأتم الدعاء الفلاني أو أدَّيتم الزيارة الفلانية فستكون الجنة والسعادة الأبدية من نصيبكم؟!! إنَّ مثل هذا العمل يستوجب بلا ريب نقض الغرض من تشريع الأحكام لأنه في مثل هذه الحالة، سيقول كل إنسان في نفسه: لماذا أترك العمل البسيط الذي يُدخلني الجنة وأُتعب نفسي باختيار الأعمال الصعبة؟! إذا كان من الممكن شراء الجنة بقراءة دعاء أو زيارة فلماذا أتحمَّل عناء جهاد النفس والتضحية والجهاد في سبيل الله؟
أجل، لو صدَّق الناس هذه الثوابات العجيبة والغريبة لأدَّى ذلك إلى تهرُّبهم من الالتزام بالأعمال وإلى فقدان قيمة كل ما جاء في الشرع من ترغيب بالعمل بالأوامر وباجتناب نواهي الشرع وترهيب من ارتكاب المعاصي والذنوب. فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا؟
[72] راجعوا الصفحات 35- 37 من الكتاب المذكور. (أي عرض أخبار الأصول ...) [73] ملاحظة: ما بين المعقوفتين: [ ] هو من كلام البرقعي أدرجه بين كلام البهبودي بقصد التوضيح. (الـمُتَرْجِمُ) [74] مفاتيح الجِنان، حاشية الصفحة 3، والحديث المذكور منسوب لأبي بكر! (راجعوا: مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج1، ص 304). ملاحظة للمُتَرْجِمُ: هكذا جاء في حاشية ص 3 من المفاتيح، ولكن أصل الرواية كما في بحار الأنوار هي هكذا: "مَنْ سَمِعَ سُورَةَ يس عَدَلَتْ لَهُ عِشْرِينَ دِينَاراً فِي سَبِيلِ الله وَمَنْ قَرَأَهَا عَدَلَتْ لَهُ عِشْرِينَ حَجَّةً وَمَنْ كَتَبَهَا وَشَرِبَهَا أَدْخَلَتْ جَوْفَهُ أَلْفَ يَقِينٍ وَأَلْفَ نُورٍ وَأَلْفَ بَرَكَةٍ وَأَلْفَ رَحْمَةٍ وَأَلْفَ رِزْقٍ وَنَزَعَتْ مِنْهُ كُلَّ غِلٍّ وَدَاء". أي أن الثواب المذكور في الرواية هو لمن كتبها ونقعها وشرب محلولها!!! وليس لمن سمعها. (المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 89، ص 291). (الـمُتَرْجِمُ) [75] بحار الأنوار، ج 79، ص 63 (نقلاً عن كتاب «عُدَّة الداعي» لابن فهد الحلّيّ) (الـمُتَرْجِمُ) [76] مفاتيح الجِنان، حاشية الصفحة 4، وهذا الحديث موجود في «وسائل الشيعة»، ج4، ص 886، الحديث 1. ولاحظوا أن أحد رواته هو «إسماعيل بن مهران» الذي عرفنا به في كتابنا كتاب «عرض أخبار الأصول....»، ص 662-663 و 813. والراوي الآخر «الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْعَلَاء» الواقفي، الذي اختلف علماء الرجال بشأنه ولكن لم يوثِّقْهُ أحدٌ، وضعَّفه الفاضل الجزائري. وهو ذاته راوي الرواية العجيبة التي تقول: "مَنْ قَرَأَ سُوَرَ الطَّوَاسِينِ الثَّلَاثَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ وَفِي جِوَارِ اللهِ وَكَنَفِهِ وَلَمْ يُصِبْهُ فِي الدُّنْيَا بُؤْسٌ أَبَداً..... الخ". (ص 31، أو ص66 من النسخة المُعَرَّبة للمفاتيح). راجعوا وسائل الشيعة، ج 5، ص 59، الحديث 9. [77] لمشاهدة الرواية المذكورة راجعوا وسائل الشيعة، ج 5، ص 59، الحديث 9. [78] مفاتيح الجِنان، حاشية الصفحة 5، وانظروا الرواية المذكورة في وسائل الشيعة، بَابُ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْحَوَامِيمِ وَالرَّحْمَنِ وَالزَّلْزَلَةِ وَالْعَصْرِ فِي النَّوَافِل، ج 4، ص 809، الحديث 2. [79] مفاتيح الجِنان، حاشية الصفحة 6. وأصل الحديث لدى الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص116-117. ونقله عنه الحُر العاملي في وسائل الشيعة، ج6، ص72. (الـمُتَرْجِمُ) [80] لقراءة الحديث المذكورة بتمامه راجعوا وسائل الشيعة، ج 4، ص 790، الحديث 8. بعض رواة الحديث المذكور هم: «منصور بن حازم» الذي عرفنا به في كتابنا «عرض أخبار الأصول....»، ص 342 فما بعد. و«إسماعيل بن مهران» الذي عرفنا به في ذلك الكتاب أيضاً في ص 662-663 و813. والراوي الآخر للحديث هو «محمد بن حسان» الذي ضعَّفه الشيخ الطوسي والغضائري وابن داود والعلامة الحلي وقال عنه النجاشي: يروي عن الضعفاء كثيراً! [81] الصحيفة العلوية، بترجمة محلاتي، ص 623. [82] للاطِّلاع على الحديث المذكور راجعوا «وسائل الشيعة»، ج 4، ص 811، الحديث 9. أحد رواته «الحسين بن أبي العلاء» الذي عرَّفنا به في حاشية الصفحة 44 من الكتاب الحالي. [83] لمُطالعة هذين الحديثين راجعوا كتاب «مستدرك الوسائل»، ج 1، ص 423، وكتاب «وسائل الشيعة»، ج 5، ص 88، الحديث 8. وبالمناسبة فإن راوي الحديث الأخير هو «الحسين بن أبي العلاء» الذي سبق أن عرّفنا به في حاشية الصفحة 44 من الكتاب الحالي. [84] لرؤية هذا الحديث راجعوا «وسائل الشيعة»، ج 5، ص 89- 90، الحديث 1. وأحد رواة هذا الحديث هو «عمرو بن جبير العزرمي» وهو مجهول. وينبغي أن نقول للشيخ عباس: لقد فهمنا أيضاً معنى قولك «وبسند مُعتبر»! [85] لرؤية هذا الحديث راجعوا «وسائل الشيعة»، ج 5، ص88، الحديث 9. اثنان من رواة هذا الحديث هما «محمد بن حسان» و «إسماعيل بن مهران». للاطِّلاع على حالهما راجعوا حاشية الصفحة 46 من الكتاب الحالي. [86] راجعوا «وسائل الشيعة»، ج 5، ص 89، الحديث 13. وراوي هذا الحديث «الحسين بن أبي العلاء» الذي عرّفنا به في حاشية الصفحة 44 من الكتاب الحالي.