الفصل الخامس [من مفاتيح الجنان]
1- يذكر الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في الصفحة 54[146] قصَّةً بشأن الإمام علي بن محمد النقي (ع) راويها شخص من الغلاة الوضَّاعين يُدعى «محمد بن موسى»[147] ادَّع فيها أن الإمام قال: "...الْأَيَّامُ نَحْنُ مَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؛ فَالسَّبْتُ اسْمُ رَسُولِ اللهِ ص وَالْأَحَدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْإِثْنَيْنِ [الْإِثْنَانِ] الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (ع) وَالثَّلَاثَاءُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - وَالْأَرْبِعَاءُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - وَأَنَا وَالْخَمِيسُ ابْنِي الْحَسَنُ وَالْجُمُعَةُ ابْنُ ابْنِي..... الخ"
إذن، الإمام زين العابدين كان - نعوذ بالله - يمزح في أدعية أيام الأسبوع التي أوردها الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في الفصل الثالث من الباب الأول للمفاتيح، حين قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ فِي يَوْمِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْآحَادِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ". فكان قصده إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ في عليٍّ هذا وفيما بعده من أفراد عليٍّ!!! أو أنه لما قال "اللَّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الْخَمِيسِ خَمْساً" فإنه كان يقصد: في حضرة الحسن العسكري - الذي لم يكن قد وُلِد بعد - اقضِ لي خَمْساً!!! لأن تلك الأيام لم تكن في الواقع ظرفاً زمانياً يعيش فيه الأئِمَّة بل كانت الأئِمَّة أنفسهم!! وكان قصده من عبارات « في الاثنين» و «في الثلاثاء» و «في الأربعاء» أن ظرف الزمان والمظروف فيه، كلاهما واحد وهم الأئِمَّة عليهم السلام! هذا هو التناقض في كلام ملفقي الأدعية و بائعي الخرافات.
2- بعد تلك القصة الخرافية ذكر الشيخ عبَّاس القُمِّيّ زيارةً لأمير المؤمنين[148] ليس لها سند في بحار الأنوار (ج 99، ص 211 فما بعد) ولا في «جمال الأسبوع» للسيد ابن طاووس، كل ما في الأمر أن السيد ابن طاووس الخرافي هذا قال بشأنها: "زيارة أمير المؤمنين (ع) برواية مَنْ شَاهَدَ صَاحِبَ الزَّمَانِ (ع) وهو يزور بها، في اليقظة لا في النوم!!".
بغض النظر عن كون رواة هذه الزيارة مجهولين، فإن متن الزيارة أيضاً مخالف للعقل والقرآن وهذا أوضح دليل على وضعها.
في هذه الزيارة يقول الزائر لأمير المؤمنين: "وَأَنَا ضَيْفُكَ فِيهِ وَجَارُكَ؛ فَأَضِفْنِي يَا مَوْلَايَ وَأَجِرْنِي فَإِنَّكَ كَرِيمٌ تُحِبُّ الضِّيَافَة ...!!". يبدو أن هذا الضيف، الذي لم يُدعَ إلى الضيافة، يتصور أن رسول الله ص والأئمة يسمعون كلامه لأنهم حاضرون وناظرون في كل مكان لذلك فهو يتوقع منهم أن يُحسنوا ضيافته! ولا يدري أن أولئك الكرام رحلوا عن الدنيا إلى دار السلام ولم يعد لهم علم بالدنيا وما فيها من فسق وفجور وخيانة وآثام، وإلا لما كانت الدار التي انتقلوا إليها بعد وفاتهم دار السلام بل دار الغُصص والأحزان. وأساساً لم يُكلّفِ اللهُ الأنبياءَ والأئمَّةَ أن يستضيفوا الوضاعين الكذابين بعد رحيلهم عن الدنيا ويقبلوا كلامهم، بل الأنبياء والأولياء جميعهم مُطيعون لِـلَّهِ وحده.
في هذه الزيارة يُخاطب الزائر الإمام بقوله: "وَأَجِرْنِي فَإِنَّكَ كَرِيمٌ تُحِبُّ الضِّيَافَةَ وَمَأْمُورٌ بِالْإِجَارَةِ!"، في حين أن الأمام نفسه لم يكن في حال حياته يعتبر أحداً سوى الله جاراً وملجأً له ولم يقل للناس أبداً أن هناك كائن يستحق أن يستجير به الإنسان ويلجأ إليه سوى الله عزّ وجل، هذا فضلاً عن أن الإمام المُنادى في الدعاء ليس حاضراً الآن في هذه الدنيا.
15وأكثر الأمور خرافية أن الزائر يعتبر حضرة فاطمة (ع) حاضرةً ناظرةً ويُخاطبها قائلاً: "امْتَحَنَكِ الَّذِي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكَ !!!".
هل فهم واضع هذه الزيارة ما لفَّقه فيها من كلام؟ هل فهم السيد ابن طاووس هذا الكلام عندما دوَّن هذه الزيارة في كتابه؟ ليت شعري! كيف يمتحن الله شخصاً لم يخلقه بعد؟!
وفي هذه الزيارة يتزلَّف الزائر للأئمة ويتملّقهم ويصفهم بأوصاف خرافية كالتي جاءت في الصلوات الخرافية في أعمال يوم الجمعة (ص 52)[149] فيقول: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا خُزَّانَ عِلْمِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا تَرَاجِمَةَ وَحْيِ اللهِ...". وقد أوضحنا في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 429 و 830) بُطلان مثل هذا الكلام.
ثم يقول الزائر في هذه الزيارة مُخاطباً حضرات الحسنين - عَلَيْهِمَا السَّلَام -: "فَأَضِيفَانِي فَأَحْسِنَا ضِيَافَتِي...... فَإِنَّكُمَا مَأْمُورَانِ بِالضِّيَافَةِ"!! من أين علم الزائر أنهما مأموران بهذا الأمر بعد وفاتهما؟!!
و وصف كاتب الزيارة الإمامَ بأوصاف مثل: "الوَفِيِّ والطَّيِّبِ والطَّاهِر والزَّكِيِّ وَالْبَرِّ والْصَّادِقِ الْأَمِينِ والتَّقِيُّ النَّقِيُّ ونُورِ اللهِ...الخ". ولكن الشيخ عبَّاس القُمِّيّ أورد مباشرةً بعد هذه الزيارة، وفي بداية الفصل السادس، «دعاء الصباح» الذي صوَّر كاتبه فيه الإمام عليّاً (ع) وكأنه شخص آثمٌ مُذنبٌ مُتَّبِعٌ لهواه، إذ ادَّعى أن عليَّاً (ع) قال في ذلك الدعاء: "فَاصْفَحِ اللَّهُمَّ عَمَّا كُنْتُ أَجْرَمْتُهُ مِنْ زَلَلِي وَخَطَائِي ..."، أو قال: "إِلَهِي قَلْبِي مَحْجُوبٌ وَنَفْسِي مَعْيُوبٌ وَعَقْلِي مَغْلُوبٌ وَهَوَائِي غَالِبٌ وَطَاعَتِي قَلِيلَةٌ وَمَعْصِيَتِي كَثِيرَةٌ وَلِسَانِي مُقِرٌّ بِالذُّنُوب ...!!".
ألم يكن هناك من يقول لهؤلاء الأفراد الوضاعين للأدعية: لماذا لا تُوضِّحون لنا موقفكم النهائي الثابت، فمرَّةً تعتبرون الإمام طيباً طاهراً تقياً نقياً، ونورَ الله، ومرّة تُصوِّرونه مُذنباً آثماً مُتَّبعاً لهواه؟!
[146] ص 96 من النسخة المُعَرَّبة لمفاتيح الجنان. [147] الحديث مذكور في بحار الأنوار للمجلسي، ج 99، ص 210. وفي «جمال الأسبوع» لابن طاووس، الفصل الثالث. [148] النسخة المُعَرَّبة لمفاتيح الجنان، ص 98. [149] النسخة المُعَرَّبة لمفاتيح الجنان، ص 93.