تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

مُقَدِّمَة المؤلف

مُقَدِّمَة المؤلف

الحمدُ لِـلَّهِ حمداً لا يَنْفَدُ، والشكر والثناء لِـلَّهِ المُتعال شُكْراً لا يبلُغُهُ العَدُّ، إذْ منحني القدرة على تنقيح بعض مؤلفاتي القديمة وتهذيبها، في هذه الأيام التي أصبحت فيها مُشرَّداً، ونال منِّي ضعف الشيخوخة ما نال، وأنهكتني الأمراض الناجمة عن الاعتقالات والحبس المُتكرّر في الفترة الأخيرة، إضافةً إلى فقداني للحُريّة وللأمْن على نفسي، إذ لا آمن في كل لحظة من هجوم الخرافيين ومأجوري المشايخ عليَّ، مما حدا بي إلى ترك السَّكَن في منزلي، حتى أنه لم يَكُنْ يُسمحُ لي بإقامة صلاة الجمعة في منزلي ولا أن أعقد فيه جلسات تفسير القرآن للأصدقاء والمعارف!

أجل، في هذه الأيام الأخيرة من عمري التي لم أعد قادراً فيها على فعل شيء ذي بال، ولا قادراً على الوصول إلى الكتب التي أحتاجها، قمتُ بإعادة النظر في كتابٍ كنتُ قد ألَّفتُه حول كتاب «مفاتيح الجنان» ووزَّعْتُه على عَدَدٍ محدودٍ من الأصدقاء والإخوة في الإيمان، فاشتغلتُ بتنقيحه وتحريره من جديد.

وقبل البدء بدراسة كتاب «مفاتيح الجنان» ونقده والتعريف بمؤلِّفِه، أرى من الضروري أن أُذكِّر إخواني أن الله تعالى حصر هداية البشر بهداية القرآن فجعل كتابه هاديَ المسلمين ومرشدهم فقال عزَّ مِنْ قائل: ﴿قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰ[سورة البقرة: 120 و الأنعام:71] ، وقال أيضاً: ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢[البقرة: ٢] أي أن أهل الإنصاف والتحقيق إن كانوا يبحثون عن الحق والهداية فعليهم أن يبحثوا عنهما في القرآن. وقال تعالى كذلك: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٥٧[يونس : ٥٧].

لقد اعتبر الله تعالى مراراً كتابَه ﴿هُدٗى لِّلنَّاسِ[البقرة: ١٨٥]، فيجب على جميع المسلمين فرداً فرداً أن يزنوا كلَّ ما يُعرض عليهم باسم الدين والشريعة -ومن جملة ذلك الأحاديث والأدعية والزيارات- بميزان القرآن الكريم فإن لم يكن ما يُعرض عليهم مُتوافقاً مع كتاب الله ولا مُنسجماً مع الهداية الإلهية، وجب عليهم رفضه وإلا كانوا ممن يُحارب كتاب الله ويُعاديه.

إن الإسلام دين الله، وقد ارتضى الله لعباده هذا الدين إلى يوم القيامة، وجعل لهذا الدين ميزاناً، كي لا يتمكَّن كلُّ شخص أن يُدخل في دين الله ما يشاء أو يُنقِص منه ما يشاء. اعتبر اللهُ كتابه الحكيم «ميزاناً» وقال: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ ١٧[الشورى: ١٧] وقال كذلك: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ[الحديد: ٢٥].

من هذا المنطلق فإن واجب المسلمين وتكليفهم هو أن يزنوا كل أمور دينهم بميزان القرآن ليحفظوا بذلك دينَهم الإلهي من النقص والزيادة أو التغيير والتحريف ودسِّ أمورٍ مُخالفةٍ للدين فيه. ولكن للأسف الشديد، لقد قصَّر المسلمون في هذا الأمر وتركوا العقل جانباً وقبلوا كل ما وصل إلى أيديهم باسم الدين وأُعجبوا به ولم يزنوه بهذا الميزان الإلهي.

وإننا لنتعجَّب كيف ترك المسلمون كتاب الله وانحرفوا عنه، وابتُلوا بأنواع الخرافات والأوهام؟!! رغم أنه تعالى جعل لهم القرآن «ميزاناً» كي يزنوا به الأمور الدينية فيميِّزوا بواسطته بين الحق والباطل ولا يسمحوا بتلويث دين الله وتشويهه، ورغم أن رسول الله ص وأئمَّة الدين الكرام أوصوا وصايا عديدة مُؤكَّدة بعدم التسرُّع في قبول كل خبر وحديث منقول عنهم، بل عرضه أولاً على كتاب الله، فإن وافق القرآن قُبِلَ وإلا وَجَبَ رَفْضُهُ.

لقد قال رسول الله ص: «فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَخُذُوا بِهِ، ومَا خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فَدَعُوهُ [2]». وَ رُوِيَ عن حضرات الصادِقَيْن (أي الإمامين الباقر والصادق)-عَلَيْهِمَا السَّلامُ- أنهما قالا: «لَا تُصَدِّقْ عَلَيْنَا إِلَّا مَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ [3]». وقد تكلَّمْنَا في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» بما فيه الكفاية على كون القرآن «ميزاناً» وعلى وصيِّة أئمة الدين بوجوب عرض الروايات على كتاب الله (فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ)[4].

من الطبيعي أن كلَّ من أراد أن يبتدع بدعةً في الدين أو يفتري أكاذيب ويلصقها بالإسلام، أن يقوم بنسبة بدعته وأكاذيبه إلى النبيّ ص وأئمة الدين أو إلى الرواة ذوي السمعة الحسنة كي تلقى القبول لدى الآخرين. وبناء عليه، فمُجَرَّد كون الراوي عادلاً وصادقاً لا يكفي لقبول روايته بل لا بُدَّ من تقييم كل رواية ووزنها بميزان القرآن الكريم، فَرُبَّ أحاديث باطلة رُوَاتُها رجالٌ بسطاءُ طيبو القلب وعدولٌ، استطاع واضع الحديث أن يخدعهم وينشر أكاذيبه بواسطتهم! لاسيما في القرنين الثاني والثالث الهجريين حيث لم تكن هناك حوزة علمية ولا جامعة يقوم علماؤها بالتدقيق والتفحُّص في كل ما يروج من أحاديث وأخبار دينية، فكان كل من شاء أن يضع الحديث يضعه وينشره بين العابدين والزاهدين من السُّذَّج والبسطاء الذين تنطلي عليهم أحاديثه ويُصدِّقون كلَّ خبر بسرعة، الأمر الذي أدَّى إلى ضلال المسلمين. ولكن لحسن الحظ فإن كثيراً من الخرافات والأمور المُخالفة لروح الدين، رُويت عن طريق غُلاة ومُنحرفين وأفراد مشهورين بالكذب والوضع، أُثبِتَتْ أسماؤهم وأحوالهم في كتب الرجال (مما يُسَهِّل كشف زيف أحاديثهم).

في زماننا هذا، قام شخصٌ ذو بضاعة من العِلْم مُزجاة، بكتابة ديباجة وتقريظ على كتاب «مفاتيح الجنان» مضمونه أن ميزان معرفة الرجال في أخبار أهل البيت يعتمد على اتّصافهم بصدق الحديث وأداء الأمانة، وأن أهم معيار لمعرفة صدق الأخبار من كذبها هو إحراز صدق لهجة الراوي وسماعه من الثقات!

ويجب أن نقول: كم من أشخاص صادقين وزاهدين وعابدين لا تتوافق عقائدهم ولا أفكارهم مع كتاب الله! نعم، لا شكَّ أن الصدق من صفات المُتقين، ولكن من الممكن أن يُخطئ الصادقُ أو يظنَّ الصدقَ في راوٍ كاذبٍ فيروي عنه. فكم من أمور باطلة رُويت عن هؤلاء الرواة الموثوقين وأدَّت إلى ابتلاء الناس بالانحراف بل حتى وقوعهم في حبائل الشِّرْك!

وبناءً على ذلك، فقد وقع المُحدِّثون ذوو البصيرة الضعيفة ومُقلِّدوهم، في خطأ كبير عندما صرفوا جُلَّ همَّتهم إلى التحقُّق من صحة السند ووثاقة الرواة ولم يلتفتوا أو يهتموا اهتماماً جِدِّيَّاً بمتون الأخبار ولم يتفكَّروا ويتعمَّقوا فيها. وَمِنْ ثَمَّ فإن ذلك المدح والثناء لكتاب «مفاتيح الجنان» الذي ذُكر في تلك الديباجة والتقديم ليس في محلِّه، ويجب على العلماء البصيرين بعقائد القرآن أن يُحقِّقوا في جميع ما ذُكر من أمور في كتاب «مفاتيح الجنان» ويُميِّزوا الحق من الباطل والصواب من الخطأ فيه. وللأسف لم يُقدِم أحدٌ حتى الآن على مثل هذا العمل المُهِمّ ولم ينتدب أيُّ مُحقِّق مُريد لخير الناس إلى إرشادهم في هذا المجال. ولذلك فإننا نُقدِّم اليوم -طلباً لرضا الله وخدمةً لعباده- هذا الكتاب المُختصر إلى إخوتنا في الدين مُحتسبين الأجر على ذلك عند الله. ونأمل أن يُهيِّئَ الله تعالى لهذا الكتاب الانتشار بين الناس على الرغم من مُخالفة المُسترزقين بالدين وتُجَّار الخرافات وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيز.

خادم الشريعة المُطهَّرة: سيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي

[2] أصول الكافي، بَابُ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَشَوَاهِدِ الْكِتَابِ، ج1، ص 69، الحديث 1. وسائل الشيعة، ج 18، ص 78، الحديث 10. (الـمُتَرْجِمُ) [3] الحديث رواه مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَدِيرٍ - ونقله الحر العاملي عنه في وسائل الشيعة، ج 18، ص 89، حديث 47. (الـمُتَرْجِمُ) [4] راجعوا مُقدِّمة الكتاب المذكور لاسيما ص 32 - 34 ، وص 265-267 من الترجمة العربية لكتاب عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول. تذكير مهم: أرجو من القراء المُحترمين قبل أن يقرؤوا الكتاب الحالي، أن يقرؤوا مُقدِّمة الإصدار المُنقّح الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» ويقرؤوا الأمور التي ذكرناها في الصفحة 917 فما بعد منه، وذلك لأن قراءةَ تلك الأمورِ والمسائلِ مفيدةٌ جداً لاستيعابٍ أفضل وفهمٍ أعمق لمطالب الكتاب الحالي. وقد أحلنا القُرَّاء في كثير من مواضع الكتاب الحالي إلى الكتاب المُشار إليه (عرض أخبار الأصول) وإلى كتاب «زيارت و زياراتنامه» (أي زيارة المزارات وأدعية الزيارات) [للمرحوم قلمداران].