الفصل الثاني [من مفاتيح الجنان]: في ذِكر الاِسْتِئذانِ لِلدُّخولِ إلى الرَّوضاتِ الشَّريفة
عنونه الشيخ عبَّاس بعنوان: "في ذِكر الاِسْتِئذانِ لِلدُّخولِ في كُلٍّ منَ الرَّوضاتِ الشَّريفة"، لذا نسأله: هل يحتاج من أراد زيارة قبر إلى إذنٍ للدخول؟ وإن كان عليه الاستئذان للدخول فمن الذي سيأذن له؟
يقول صاحب «المفاتيح»: "الأوّل: اذا أردت دخول مسجد النّبي (ص] أو أحد المشاهد الشّريفة لأحد الأئِمَّة (عليهم السلام) فقُلْ: اَللّهُمَّ اِنّي وَقَفْتُ عَلى بابٍ مِنْ أبْوابِ بُيُوتِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ،.... وَأَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَكَ وَخُلَفاءَكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أَحْياءٌ عِنْدَكَ يُرْزَقُونَ، يَرَوْنَ مَقَامي، وَيَسْمَعُوَن كَلامي، وَيَرُدُّونَ سَلامي....... الخ"[675]. فنسأل: هل تريد القول إن قبور الأئِمَّة وأحفاد الأئِمَّة هي «بُيُوتُ النبيِّ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ»!! أليس هذا كذبٌ محضٌ؟! هل لا يزال بيت رسول الله ص باقياً حتى اليوم؟! هل كان صحابة رسول الله يزورون قبره المُطَهَّر ويطلبون منه الإذن لزيارة قبره؟!
ثم إنه رغم أن أئمة الدين والصالحين أحياء عند ربِّهم ولكن حياتهم هذه في دار البقاء وعند ربِّهم لا في هذه الدنيا الفانية. فهم «أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ» [آل عمران: 169] وليسوا «أحياءَ عِنْدَ خَلْقِهِ أو عِنْدَ قُبُورِهِمْ!» (فتأمَّل). ولم يكن رسول الله ص -رغم أن مقامه أعلى من الجميع- عليماً بكل شيء عندما كان حيَّاً بين الناس في هذه الدنيا الفانية قبل رحيله عنها، ولم يكن يرى كل مكان في آنٍ واحد، ولم يكن قادراً على أن يُجيب عدة أشخاص في وقت واحد، وليس من وظيفة النبيّ أو الإمام أن يكون مُطَّلعاً على ما يجري في كل مكان وعالماً بكل شيء. أضف إلى ذلك أن الله تعالى وصف أولياءه الأحياء المُنعَّمين عنده بأنهم: ﴿لا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٣٨﴾أي أن أولياء الله الصالحين هم في دار البقاء لا خوف عليهم ولا حزن يعتريهم. في حين أنهم لو كانوا مُطَّلعين على أحوال أهل الدنيا الفانية وأقوالهم، لأصابهم الحزن والغمّ على الدوام.
بناءً على ذلك يُعلَم أن ما لفَّقه أهل الغُلوّ مثل الكفعمي وأمثاله مُعارض للقرآن، لأن القرآن قال إن أنبياء الله لا علم لهم بالدنيا بعد رحيلهم عنها وأنهم يوم القيامة يقولون: لا علم لنا بأحوال الأمة بعد أن تَوَفَّيْتَنَا (البقرة: 259، والمائدة: 109 و117).
ثم يقول الشيخ عبَّاس مُبيِّناً ألفاظ طلب إذن الدخول إلى قبر أمير المؤمنين: ".... أَأَدْخُلُ يا مَوْلايَ؟ أَأَدْخُلُ يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ؟ أَأَدْخُلُ يا حُجَّةَ اللهِ؟!...". في حين أن القرآن بيَّن لنا أنه ليس للناس بعد الأنبياء حُجَّةٌ (النساء: 165) كما صرَّح أمير المؤمنين ÷ أيضاً أن الحجَّة الإلـهيّة اُخْتُتِمت بالنبي ص فقال: "تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا محمَّدٍ ص حُجَّتُه". (نهج البلاغة، الخطبة 91).
ثم يقول الشيخ عباس: "ثمّ قَبِّل العتبةَ الشّريفةَ وَاَدْخُلْ". هذا مع أننا نعلم أنه لم يكن زمن الأئِمَّة عتبة لقبورهم حتى يأمروننا بتقبيلها بل إن الملوك الظلمة، والوزراء اللصوص هم الذين بنوا كل تلك الأضرحة والمقابر ذات الأبّهة والفخامة والجلال!!
ثم ما هو سند الكفعمي وأمثاله ودليلهم على أذون الدخول تلك؟! وليت شعري! هل يملك الكفعمي حق التشريع ويحق له أن يضيف شيئاً إلى تعاليم الإسلام؟! لماذا لم يذكر الكفعمي لنا سند ما يدَّعيه ودليله؟
ثم يضيف مؤلِّف «المفاتيح» قائلاً: " [إذن الدخول] الثّاني: [هو] الاستئذان الّذي رواه المجلسي (قُدِّسَ سِرُّهُ) عن نسخةٍ قديمةٍ من مؤلّفات الأصحاب للدّخول في السّرداب المقدّس وفي البقاع المنوّرة للأئمة (عليهم السلام)"!! انتهى.
ونسأله: أيُّ نسخةٍ قديمةٍ؟ ولماذا لم تذكر لنا اسم مؤلِّفها؟ هل مثل هذا يُعَدُّ سَنَداً ودليلاً شرعيّاً؟! هل مجرَّد كون نسخة ما قديمةً يوجب شرعيتها؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
ومن الطريف أنه لفق ما شاء من أمورٍ، ضِمْنَ إذن الدخول هذا، لا تتفق مع الدين ولا ما التاريخ، مثل قوله: "اللّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ وَالثَّناءُ... كَما جَعَلْتَ نَبِيَّنا خَيْرَ النَّبِيّينَ،..... وَمُلُوكَنا اَفْضَلَ الـمَخْلُوقينَ...". فالجملة الأخيرة واضحة الكذب إذ نعلم جميعاً أن ملوكنا لم يكونوا أفضل المخلوقين! أو قوله: "فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سادَةٍ غائِبينَ، وَمِنْ سُلالَة طاهِرينَ، وَمِنْ أَئمَّةٍ مَعْصُومين...". مع أن الأئِمَّة أنفسهم لم يعتبروا أنفسهم معصومين! أو قوله: "وَاللهُ أَكْبَرُ الَّذي أَظْهَرَهُمْ لَنا بِمُعْجِزات يَعْجَزُ عَنْهَا الثَّقَلانِ..."! ونسأل بأي معجزة أظهر الله تعالى لنا الإمام الحسن (ع) مثلاً؟ ومتى قال الإمام الحسن (ع) عن نفسه: أنا حُجَّة الله؟!
ثم العجيب أنهم يطلبون إذن الدخول ثم يدخلون دون أن يأذن لهم أحد؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
***
[675] العجيب أن الشيخ عبَّاس نفسه يقول: " في روايات عديدة أنّ النّبي ص يبلغه سلام المُسلمين عليه، وصلوات المُصلّين عليه حيثما كانوا، وفي الحديث أنّ ملكاً من الملائكة قد وُكّل على أن يردَّ على من قال من المؤمنين صَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّمَ فيقُول في جوابه: «وعليك»، ثمّ يقول المَلَك: يا رسول الله! إنّ فلاناً يُقرئُك السّلام، فيقول رسُول الله ص: «وعليه السّلام»" (مفاتيح الجِنان، ص 330) [أو في ص 436 من النسخة المُعَرَّبَة. (الـمُتَرْجِمُ)]. فنسأل الشيخ: كيف تقول إذن أيها الشيخ إن الأئِمَّة يرون مقامي ويسمعون كلامي، مع أنَّكَ تُقِرُّ هنا بأنَّ رسولَ الله ص نفسَه لا يرى الزائر ولا يسمع كلامه بل الله تعالى خصَّص مَلَكاً وظيفته أن يخبر النبيَّ بسلام من سلَّم عليه؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟! (فتأمَّل).