تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

تأمُّلٌ في قاعدة «التسامح في أدلَّة السُّنَن»

تأمُّلٌ في قاعدة «التسامح في أدلَّة السُّنَن»

1قبل البدء بدراسة ونقد كتاب «مفاتيح الجنان»، يجب أن نعلم أن أحد علل شيوع الأحاديث الموضوعة وغير المعقولة والمُخالفة لروح الإسلام بين المسلمين وأحد أسباب انتشار الخرافات والأوهام في أوساطهم قاعدة غير منطقية ولا معقولة تُعرف باسم «التسامح في أدلَّة السنن»، ورغم أنني قد ذكرتُ كلاماً مُفصَّلاً حول هذه القاعدة في كتابي «عرض أخبار الأصول...»[5]، لكنني لدى إعادة قراءتي للكتاب الحالي رأيت من الضروري أن أذْكُرَ هنا كلاماً مُختصراً حول هذه المسألة:

2اعلم أن أحاديث «مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ .....»[6] المشهورة بأحاديث «مَنْ بَلَغَهُ » والتي تُعْتَبَر مُستندَ ودليلَ قاعدة «التسامح في أدلَّة السنن» التي أضرَّت كثيراً، قد رُويت في كتب حديث من أمثال «المحاسن» للبرقي و«الكافي» للكُلَيْنِيّ و«ثواب الأعمال» للشيخ الصدوق، وبعض رواتها هم «علي بن إبراهيم»[7] القائل بتحريف القرآن، و «محمد بن سنان» الكذَّاب[8]، و «عليّ بن الحَكَم» المُفرِّق بين المسلمين وعدو القرآن والراوي لحديث أن القرآن يحتوي سبعة عشر ألف آية[9]!! و «عمران الزعفراني» و «محمد بن مروان» مجهول الحال!

ونذكر هنا أحد هذه الروايات المذكورة كنموذج: "مَنْ بَلَغَهُ شَيْ‏ءٌ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى (شَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَيْرِ) فَعَمِلَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ص لَمْ يَقُلْهُ "[10].

قال الشيخ البهائي:

"قد شاع العمل بالضعاف في السنن وإن اشتدَّ ضعفها ولم تُجبَر"[11].

وقال المَجْلِسِيّ أيضاً:

"اعلم أن أصحابنا رضوان الله عليهم كثيراً ما يستدلُّون بالأخبار الضعيفة والمجهولة على السنن والآداب، ويحكمون بها بالكراهة والاستحباب، وأُوْرِدَ عليه أن الاستحباب أيضاً حكم شرعي كالوجوب فلا وجه للفرق بينهما والاكتفاء فيه بأخبار الضعفاء والمجاهيل، وكذا الكراهة والحرمة لا فرق بينهما في ذلك، وأُجيبَ عنه بأن الحكم بالاستحباب فيما ضعف مستنده ليس في الحقيقة بذلك الخبر الضعيف، بل بالروايات الواردة في هذا الباب [أي باب «من بلغه من الله ثواب على عمل...»] وغيره."[12].

وقد صدق في كلامه، وكما صرَّح فإن مأخذ ومُستند كثير من المُستحبَّات والمكروهات التي نصَّ عليها العلماء وأفتوا بها ومن ثَمَّ اعتبروها جزءاً من دين الله وحثُّوا الناس على فعلها أو حذَّروهم منها هو أحاديث ضعيفة رواتُها غير مُوثَّقين أو فسقة فاسدو العقيدة وكذَّابون ووضَّاعون وَحمْقَى أو مجاهيل، وكم من أمثال هذه الأحاديث والأخبار غير المعقولة والخرافية والمُتعارضة مع العلم يُروَّج بين الناس بواسطة العلماء أو المُتظاهرين بالعلم!

ولا يخفى أننا لو بحثنا في آثار علمائنا بعيداً عن التعصب والتحيّز الأعمى لتبيَّن لنا أن أقوالهم في بعض الواجبات والمُحرَّمات أيضاً تستند إلى أحاديث ضعيفة، رغم أن العلماء مُتَّفِقُون ومُجْمِعُون على أن الحكم بالوجوب أو الحُرمة لا يجوز الاستناد فيه إلا إلى دلائل تُفيد العلم، بل هم مُتفقون أيضاً على أن أخبار الآحاد غير المحفوفة بالقرائن القطعية لا تُفيد العلم ولا تُوجب العمل بأيّ حال من الأحوال، فما بالك بالأخبار الضعيفة!!

وبالطبع ادَّعى حارس البدع ومُروّج الخرافات «محمد باقر المَجْلِسِيّ»، ربَّما بهدف تقوية الحديث المذكور، أن هذه الأحاديث قد نقلها الفريقان، ولكن كلامه هذا غير صحيح، ولم يذكر هو نفسه اسم أيّ كتاب من كتب أهل السنة روى مثل هذا الحديث. ولذلك قال الشيخ البهائي في كتابه «الوجيزة»: "وهي مما تفرَّدنا بروايته"[13]. (فَتَأَمَّل)

ولقد ذكر المَجْلِسِيّ -الذي لديه ميل شديد للخرافات- وذكر غيره أيضاً، شبه دليل واضح البُطلان للدفاع عن أحاديث «مَنْ بَلَغَهُ» وقاعدة «التسامح في أدلَّة السنن». وسأذكر بعض الأمور في هذه المسألة على نحو الإجمال، كي يقف إخوتي في الإيمان على ضعف كلام المَجْلِسِيّ وموافقيه:

أولاً: قال رسول الله ص والأئمة إنه لا بُدَّ أن يكون كل حديث مُؤَيَّداً مِنْ قِبَلِ كتاب الله في حين أن أحاديث «مَنْ بَلَغَهُ » لا مُؤيِّدَ لها لا في القرآن ولا في السنة القطعية، وحتى لو فرضنا أن أحد طرق الأحاديث المذكورة صحيحة، فإننا نقول إن سند الحديث يُؤخذ بعين الاعتبار ويُقبل عندما لا يكون المتن مُتعارضاً مع القرآن، مع أن القرآن الكريم لا يُؤيد الاعتماد على الأخبار الضعيفة والأقوال التي لا تُفيد العلم بل أكثر ما تُفيده هو إيجاد «الظنِّ»، وقد انتقد كتاب الله في كثير من المواضع الاعتماد على «الظنّ». ومن جملة ذلك: سورة البقرة (الآية 78) ويونس (الآية 36) والجاثية (الآية 24) والنجم (الآية 23). لقد قال القرآن مراراً: ﴿وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡ‍ٔٗا[النجم : ٢٨]وقال أيضاً: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌ[الاسراء: ٣٦] وقال: ﴿نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ[الانعام: ١٤٣]، وقال كذلك: ﴿قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ[الانعام: ١٤٨]، وقال أيضاً: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ ١١٦[النحل: ١١٦]، وقال أيضاً: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ[يونس : ٦٨].

ثانياً: إن أحاديث «مَنْ بَلَغَهُ. ..» تتعارض مع آية «النبأ» التي قال تعالى فيها: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ٦[الحجرات: ٦]. فهذه الآية تدل على أن قول الفاسق لا يجوز قبوله قبل التحقُّق من صدق الخبر وحصول العلم بصحَّته، فكيف نقبل بالأحاديث المنقولة عن الضعفاء وعن الأفراد الكذَّابين والفَسَقَة وفاسدي العقيدة والتي لا نملك أيَّ دليل على صحَّتها.

يقولون نحن لا نستند في حكم الاستحباب أو الكراهة إلى روايات الضعفاء أو إلى أقوال رواة غير موثوقين وفُسَّاق بل نعمل بهذه الروايات استناداً إلى أخبار «مَنْ بَلَغَهُ ....» التي أحد طرقها على الأقل صحيح.

ولكن الحقيقة أنهم يعلمون أنفسهم أن جميعَ طرق روايات «مَنْ بَلَغَهُ » معلولةٌ ولا يصحُّ أيٌّ منها، وأن واحداً من طرقه فقط اعتُبِرَ حسناً. بناءً على ذلك فإن أحاديث «مَنْ بَلَغَهُ » التي ليس لها مُؤيِّدٌ من الكتاب ولا من السنة لا تتمتع من ناحية سندها أيضاً بوضع قويّ، وَمِنْ ثَمَّ فلا يُمكن الاستناد إليها، وعليه فقبول أخبار «مَنْ بَلَغَهُ » في حُكم قبول خبر الفاسق قبل التبيُّن! (فَتَأَمَّل)

ثالثاً: إن الاستحباب أو الكراهة من الأحكام الخمسة وهما من الأحكام الشرعية وجزء من الشريعة، تماماً كحُكمي الوجوب والحُرمة، ولا فرق بينها. فبأيِّ دليل لا تعتمدون في الوجوب والحُرمة على الأحاديث غير الصحيحة ولكنكم تعتمدون في أمر الاستحباب والكراهة على الأحاديث غير الصحيحة؟!

لقد أقرَّ الشيخ «يوسف البحراني» صاحب «الحدائق الناضرة» - وهو من العلماء الأخباريين - في «كتاب الحج» أن الاستحباب والكراهة كالوجوب والحُرمة كلها من أحكام الشريعة التي لا تثبت إلا بدليل واضح وصريح، ولكنه قال: إن بعض الفقهاء، مثل «محمد الموسوي العاملي» صاحب «مدارك الأحكام» حمل الأحاديث الضعيفة على الاستحباب أو على الكراهة لأنه لم يكن يرغب -من باب الاحتياط- بردِّ جميع الأخبار الضعيفة وتركها. واعترف[14] الشيخ «البحراني» أن هذا الموقف منه غلطٌ محضٌ[15].

ونقول للذين يُرتِّبون الأثر على الأحاديث الضعيفة: إن النقطة المُهمّة في هذا الموضوع التي لا يجوز إغفالها هي أنه إذا كان الفقيه يمتنع عن ردِّ جميع الأحاديث الضعيفة بدعوى الاحتياط في استنباط الأحكام وخشيةَ أن يكون بعضها من أحكام الشرع، فإن الاحتياط الواجب في استنباط الأحكام يقتضي من الفقيه أن لا يُدخل حُكماً ليس من أحكام الشرع في الشريعة باعتماده على الأحاديث الضعيفة! (فَتَأَمَّل) وبعبارة أخرى فإن العمل بقاعدة «التسامح في أدلّة السنن» لا يُعدُّ احتياطاً بل مخالفة للاحتياط؛ لأن الاحتياط هو العمل بمفاد آية «عدم حُجّيّة الظن» [سورة النجم: 28] وبآية «النهي عن اتِّباع ما ليس للإنسان به علم» [سورة الإسراء: 36] وبآية «النبأ» [سورة الحجرات: 6].

رابعاً: قال رسول الله ص -برواية الشيعة والسنة-: «فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[16]. وحديث «مَنْ بَلَغَهُ » يُؤدِّي إلى العمل بأحاديث أفراد كذَّابين وفسقة أو مجهولين لا تُعرف هويَّتهم [وَمِنْ ثَمَّ الوقوع في مظنَّة الكذب على رسول الله ص] ومن المقطوع به أن الشرع الحنيف لا يرضى بهذا الأمر.

فنتيجة كل ما سبق أن العمل بقاعدة «التسامح في أدلّة السنن» سيُؤدي يقيناً إلى ترويج أنواع الخرافات ونشر الأوهام وإشاعة العقائد الحمقاء المُضادة للعقل والعلم والتي تُوجب وَهَنَ الإسلام العزيز وَضَعْف المسلمين وتأخّرهم وتبثُّ الفُرقة والاختلاف بينهم، وهذه الأعراض السيئة أفضل دليل على بُطلان القاعدة المذكورة، فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ.

إحدى مشاكل المسلمين الكُبرى مسألة الخرافات والأوهام، وللأسف نادراً ما نُشاهد علماء الدين والمُعمَّمين ينهضون إلى مُحاربة البدع والخرافات التي أُشرِبَت قلوبُ العوام بِـحُبِّها، أو يسعون في توعية الناس، بل على العكس من ذلك نُشاهد أنهم إذا رأوا شخصاً قد نهض لتوعية الناس طعنوا به وحاربوه وشوَّهوا سُمعته في أعين الناس. لقد نشأ الناس طيلة القرون والعصور الماضية على فهم سطحيٍّ لأمور الدين، وجهلٍ بحقائق الشرع المبين، وبمسألة التوحيد، وبُعْدٍ عن تعاليم القرآن الكريم. كما أدَّى كتمان العلماء لحقائق الدين وسكوتهم وصمتهم أمام الخرافاتن إلى شيوعها ورسوخها في قلوب الناس. كلنا نعلم "أيَّ ضربة قاصمة حلَّت بالدين بسبب الاعتماد على الكلام الذي لا سند له والأخذ بالأحاديث والأخبار الموضوعة والواهية، وأيَّ ضرر ألحقه هذا الأمر بأركان الإسلام، وأيَّ مُستمسك ضدّ الدين قدَّمه لأعداء دين الإسلام"[17].

إن الخطر الأكبر للخرافات هو أنه يجعل أولي الألباب وأصحاب الفكر النيّر والطبقة المُثقَّفة سيئي الظن بالإسلام لأنهم يضعون تلك الأباطيل على حساب دين الله ولا يدرون أن الإسلام ذاته أكبر عدوٍّ للخرافات والأوهام، وأن أحد الأهداف الأساسية للدين إنقاذ عباد الله من غلّ الرسوم وقيود الطقوس الخرافية وتحريرهم من براثن الجهل والأوهام. كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡ[الاعراف:١٥٧].

3ومن جملة الأمور الخرافية ذات الأضرار الاجتماعية البالغة عقيدة الناس بأحفاد وذراري الأئمة الذين انتشرت قبورهم كانتشار النار في الهشيم في سائر أنحاء البلاد، ولوَّثت عقيدة الناس وأضاعت أموالهم وأوقاتهم في زيارة المزارات التي يُنفق على بنائها وتعميرها وصيانتها وترميمها مبالغ باهظة، حتى أصبحت تلك المزارات باب رزق لعدد من الطفيليين العاطلين عن العمل، وللأسف لا يُسمع في مواجهة ذلك أيُّ صوت من العلماء.

كتب «عبد الله المُستوفي» يقول:

"في بعض القُرى تُوجد قبور لأحفاد وذراري الأئمة بعضها يستند إلى رؤيا رآها بعض العُبَّاد بأنه في الموضع الفُلاني دُفن أحد أولاد الأئمة أو يستند إلى العثور على بعض الأشياء التي تدل على دفن إنسان في ذلك الموضع، وكل ذلك ليس له أصل ولا أساس معقول. وفي هذا المجال يظهر بعض الدجالين الذين يخطر لهم أن يستفيدوا من تولي قبر أحد أحفاد الأئمة فيفترون مثل تلك المنامات، التي لا حُجّة في الصحيح منها فما بالك بالمكذوب؟! فيخدعون بمثل تلك الأكاذيب البُسطاء من أهالي الأرياف ويصنعون لهم قبوراً لذراري الأئمة مكذوبة من أساسها ويبنون عليها قُبَّة وضريحاً ليقوم أهالي المنطقة البُسطاء بالإنفاق عليها وتقديم النذور للإمام زاده (أي حفيد الإمام) المُخترع، فيستفيد أولئك الدجالون من هذه الأموال ويعيشون عليها! وقد اتَّفق أن حدث نزاع بين شخصين على أحد القبور المُزوَّرة لحفيدِ إمامٍ مُخترع، فأقسم أحد الشخصين بهذا الإمام زاده لإثبات أحقيَّته بتولي قبره، فقال رفيقه وقد تملَّكه الغضب الشديد: أيُّ إمام زاده هذا الذي تقسم به، هل هذا الذي اخترعناه سويَّةً؟!"[18].

ومن جملة الخرافات التي شاعت بين عوام المسلمين بل حتى بين بعض المُتظاهرين بالعلم نتيجةَ صَمْتِ العلماء تجاهها: الاعتقاد بالكرامات وبظهور المُعجزات من قبور الأئمة أو قبور الصالحين من أولادهم وأحفادهم أو قبور سائر العلماء والصالحين. هذا في حين أن مثل هذا الاعتقاد مُخالف لأصل «التوحيد» وللعقائد الإسلامية والقرآنية الأصيلة. كان أهالي تركستان في عصر القاجاريين يعتقدون أن أصحاب القبور والمزارات من أولياء الله في تلك المناطق هم المُدافعون الوحيدون عن الوطن وذلك استناداً إلى أن أولئك الأولياء كانوا أصحاب كرامات وأعمال خارقة للعادة زمن حياتهم وَمِنْ ثَمَّ كان أهالي تلك المناطق يُوقنون أنه ببركة قبور أولئك الأولياء ورجال الله لن يستطيع الكفار أن يقتربوا من حدود بلدانهم. ولكن رؤساء الكفر جاؤوا دون أن يمنعهم أحد واقتربوا من تلك البلدان ولم يقم أولياء الله بأيّ معجزة لصدهم!

"كان سكان إحدى المدن التي تُدعى «حضرة تركستان» من توابع مدينة «خوقند» يعتقدون أن هذه المدينة مصونة من أيِّ اعتداء للكفار عليها بواسطة المزار الشريف لما يُسمَّى بـ «السلطان خواجه أحمد»، ولكن لم يطل الزمن حتى وجد أهل تلك البقعة أنفسهم تحت وابل من رصاص بنادق الجنود الروس وقنابل مدافعهم فاستسلمت المدينة لهم!"[19].

وجاء في كتاب «أمير كبير وإيران» نقلاً عن كتاب «تاريخ تبريز وجغرافيتها»: "وما يتعلّق بموضوعنا هنا هو أن علماء تبريز المُعتبرين كانوا يُدافعون عن أمير [كبير] إلى أن صنعت بقعة «صاحب الأمر» مُعجزةً في ميدان «صاحب الزمان» (سنة 1265)! كان أحد القصَّابين يجرُّ بقرةً لأجل ذبحها فتفلَّتت البقرة من يديه وقطعت الرسن، ولجأت إلى تلك البُقعة فلما أراد القصَّاب أن يسحبها من هناك وقع ومات على الفور[20]. وهربت البقرة على الفور إلى منزل الميرزا حسن المتولي. لعل الحيوان غير الناطق قد أُلهم فعل ذلك!! فقال الناس: لقد صنع صاحب الأمر (ع) مُعجزةً.... وأضاءت مصابيح جميع الدكاكين وارتفعت أصوات الصلوات وهنَّأ الجميع بعضهم بعضاً بأن مدينة «تبريز» أصبحت مدينة صاحب الأمر وأصبحت معفيّةً من ضرائب الحكّام وحكمهم!! بعد ذلك، صار الحُكْم تابعاً لصاحب المقام العظيم..... وأضاء المسجد والمقام كله بالمصابيح وانتشر الصياح من فوق الأسطح وضرب الناس الطبول!

كتب «نادر ميرزا» الذي شاهد ذلك المشهد يقول: لقد ذهب «مير فتاح» بتلك البقرة ورمى عليها بردعة مصنوعةً من قماش كشميري وذهب الجند كلهم فأخذوا يُقبِّلون ظلف البقرة، ويأخذون روثَهَا ليتبرَّكوا به!! وأرسل كبار القوم إلى ذلك المكان مصابيح وستائر نَذَرُوها لذلك المكان، إلى حدّ أن سفير إنجلترا أرسل ثُرَيَّا من البلّور فعلَّقوها هناك, وتمّ استخدام السدنة والمُستخدمين (الفرَّاشين) وبدأ أهالي النواحي يأتون فوجاً فوجاً لزيارة تلك البقرة! وكل يوم كان يُسمع حصول معجزة بأن الأعمى الفلاني أبصر والأبكم الفلاني نطق والأعرج الفلاني مشى! وقام بعض كبار القوم بتقوية هذا العمل. ومضت مدة شهر كاملة لم يجرؤ أحد على الكلام في هذا الأمر. ومن قضاء الله ماتت البقرة. لكن الناس لم يكفُّوا عن تقديسها. وأنَّى لحاكم تلك المنطقة أن يتجرأ على أن ينبس ببنت شَفَة حول هذا الأمر؟... إلخ"[21].

وكتب مُعيّر الممالك يقول: "ارتكب أحد الخُدّام الداخليين [لِقَصْرِ المَلِكِ] خطيئةً ولما علم أن سيدته ستغضب عليه وتُعاقبه هرب ليلاً ولجأ إلى ضريح حضرة عبد العظيم [في رَيّ]. فلما وصل الخبر إلى مسامع الشاه رقَّ قلبه لحاله..... فقرّر أن يجعل لأمثاله من الخدم ملجأً ومأمناً أقرب من مرقد حضرة عبد العظيم كي يلجؤوا إليه عند الضرورة، فأمر أحد سدنة الحرم المُسنِّين أن يُعلن بين الناس أنه رأى مناماً قيل له فيه إن أحد أحفاد الأئمة (إمام زاده) يُدعى «عباسعلي» مدفونٌ إلى جانب شجرةِ دُلْبٍ[22] قديمةٍ ذات أغصان مُتشعِّبة تقع في جوار قناة «مهر كرد»! لما سمع الناس هذا النداء فرح أهل الحرم وطلبوا من الشاه أن يضرب سياجاً حول تلك الشجرة! فأمر الشاه بنصب سياج وصبغه بدهان أخضر! ومنذ ذلك الحين عُرفت الشجرة باسم شجرة عباسعلي. وعلَّقوا على جذع الشجرة دعاءَ زيارةٍ خاصة بها، ووضعوا حولها شمعدانات فضية وكانوا يُشعلون الشموع حولها كل ليلة! شيئاً فشيئاً ازدادت أهمية تلك الشجرة وترسخ تقديسها في قلوب الناس وأخذ أهالي المنطقة ينذرون نذوراتهم لها من قبيل الحلوى وغير ذلك ويطبخونها عندها، ويربطون على جذع الشجرة ولحائها ما يُسمَّى بالدخيل (عُقَد وَخُيُوط). وبهذا نشأ لمُتسوّلي الحرم مركزٌ يُشكل نقطة جذب للأنظار ومأمناً قريباً يحميهم"[23].

وفي زماننا أيضاً بعد وفاة آية الله السيد كاظم شريعتمداري، نشر أنصاره وأتباعه منشوراً ووضعوا له فيه دعاء زيارة خاصة به! وكذلك بعد أن تُوفي خصمه الذي كانت زمام أمور البلاد بيده بنوا لقبره من بيت مال هذا الشعب الفقير حرماً وقُبَّة ومئذنتين وصنعوا له دعاء زيارة خاصة به وأُضيف دكان آخر إلى دكاكين الاسترزاق السابقة!

[5] راجعوا الكتاب المذكور، ص 53 فما بعد (أو الصفحات 79 فما بعد، من ترجمته العربية). [6] تمام الحديث: "مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ مِنَ اللهِ عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَه رَجَاءَ ذَلِكَ الثَّوَابِ، أُوتِيَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ كَمَا بَلَغَه !". وسيذكر المؤلف لاحقاً نماذج لألفاظ روايات هذا الحديث. (الـمُتَرْجِمُ) [7] لمعرفة حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول...»، الصفحات 79 و 97، 112 فما بعد 162. [8] لمعرفة حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول...»، الصفحات 304 حتى 308. [9] لمعرفة حاله راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول...»، ص 278-279 و360 و373 و411 و414 و633 و826 و835. ولم يروِ هذا الرجل حديث القرآن سبعة عشر ألف آية فقط، بل روى أحاديث أخرى دالة على تحريف القرآن أيضاً!! راجعوا «بحار الأنوار»، ج 89، ص 48، الحديث 7، و ص 50 الحديث 14، و ص 59 الحديث 41. [10] بحار الأنوار، ج 2، (كتاب العلوم، باب 30) ص 256، الحديث 1، نقلاً عن «ثواب الأعمال» للشيخ الصدوق. [11] كتاب الدراية، من مؤلفات شيخنا البهائي، المعروف بالوجيزة، الطبعة الحجرية، الفصل الثاني، الصفحة الرابعة. [12] المَجْلِسِيّ، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج‏8، ص 112. (الـمُتَرْجِمُ) [13] كتاب الدراية، من مؤلفات شيخنا البهائي، المعروف بالوجيزة، الطبعة الحجرية، الفصل الثاني، الصفحة الرابعة. [14] ونصّ عبارة الشيخ يوسف البحراني هي: " لكنه [أي صاحب المدارك] وأمثاله جَرَوْا على هذه القاعدة الغير المربوطة والكلية الغير المضبوطة، من حَمْل الأخبار الضعيفة متى رموها بالضعف على الاستحباب أو الكراهة تفادياً من طرحها بالكلية. وهو غلط محض، فإنَّ الاستحباب والكراهة أيضاً حكمان شرعيان كالوجوب والتحريم لا يجوز القول بهما إلا بالدليل الصحيح الصريح‏". «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة»، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1405 هـ. ق.،‏ [25 مجلداً]، ج‏16، ص89. (الـمُتَرْجِمُ) [15] وللأسف لقد ارتكب هذا الخطأ المحض هو وسائر الفقهاء مراراً وتكراراً في كتبهم الفقهية! وليس في متناول يدي هذه الأيام كتاب «الحدائق الناضرة» كي أذكر لكم المُجلد ورقم الصفحة حول هذا الموضوع. وقد نقلتُ الأمر الذي ذكرتُه أعلاه من مُفكِّرتي الخاصة بتدوين المُلاحظات. [16] نهج البلاغة، الخطبة 210، وبحار الأنوار، ج 2، ص 117، وصحيح مسلم، ج 1، ص 10، وسنن ابن ماجه، ج 1، ص 14. [17] مفاتيح الجنان، الديباجة، ص 2. [18] «شرح زندگانى من يا تاريخ اجتماعى و ادارى دوره‌ى قاجاريه» [أي: شرح حياتي، أو التاريخ الاجتماعي والإداري لعصر الأسرة القاجارية]. تأليف عبد الله المستوفي، ج 3، ص 574. [19] تاريخ روابط سياسى ايران وانگليس در قرن نوزدهم ميلادي، [أي تاريخ العلاقات السياسية بين إيران وإنجلترا في القرن التاسع عشر الميلادي]، تأليف محمود محمود، انتشارات إقبال، ج 3، ص 846. [20] يقول الكاتب: في الاحتمال الغالب أن يكون القصَّاب قد أُصيب بجلطة قاتلة تُوفي منها على الفور، إذ يُكثر القصابون من أكل الشحوم والدسم. [21] أمير كبير وإيران، فريدون آدميت، ص 428 - 429. [22] شجرة الدُّلْب شجرة طويلة الجذوع ذات أوراق تشبه الكف، لا تثمر وإنما تُزرَع لخشبها وظلِّها. (الـمُتَرْجِمُ) [23] يادداشتهايى از زندگانى خصوصى نادر الدين شاه، [أي مذكرات عن حياة الملك ناصر الدين شاه الخاصة]، دوستعلي مُعيّر الممالك، كتاب فروشي علمي، فصل «أسطورة شجرة عباسعلي».