تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

[بحث حول ادّعاء علم النبي والأئمة بالغيب]

[بحث حول ادّعاء علم النبي والأئمة بالغيب]

لقد تكلمت كثيراً في خطبي وكتبي عن العلم بالغيب الذي يُنسب للنبيّ والأئمة، ومن جملة ذلك بحثٌ مُفصَّلٌ في التنقيح والإصدار الثاني لكتابي «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (ص 130 فما بعد) وفي الكتاب الحاضر (ص 189 إلى 196). إحدى الموارد المُتعلّقة ببحث العلم بالغيب مسألة ليالي القدر في شهر رمضان. روى الشيخ الصدوق في كتاب الصوم من كتابه «من لا يحضره الفقيه» (ص 174، الحديث 4) عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع): "أَنَّ النَّبِيَّ ص لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَسَارَ إِلَى مِنًى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَامَ خَطِيباً فَقَالَ بَعْدَ الثَّنَاءِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ سَأَلْتُمُونِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَمْ أَطْوِهَا عَنْكُمْ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ بِهَا عَالِماً، اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ! أَنَّهُ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ صَحِيحٌ سَوِيٌّ فَصَامَ نَهَارَهُ وَقَامَ وِرْداً مِنْ لَيْلِهِ وَوَاظَبَ عَلَى صَلَاتِهِ‏ وَهَجَرَ إِلَى جُمُعَتِهِ وَغَدَا إِلَى عِيدِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَفَازَ بِجَائِزَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَل"[560].

كما نُلاحظ صرَّح رسول الله ص أنه لا يعلم على وجه الدقة أيُّ ليلة هي ليلة القدر. وكما ذكرت في كتابي «جامع المنقول في سنن الرسول» (كتاب الصيام، باب أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) لم يتم تعيين ليلة القدر في سائر الروايات، لذلك يهتم الناس بالعشر الأواخر أو بالأسبوع الأخير من شهر رمضان.

ولا يخفى أن الحديث الذي ذكرناه أعلاه ونظائره تنفي الأكاذيب التي ادَّعوها من أن الملائكة تنزل على الإمام في ليلة القدر وتُطلعه على المُقدّرات في السنة القادمة. وقد جمع الكُلَيْنِيّ هذه الأكاذيب في الباب 99 من الجزء الأول من أصول الكافي. (راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 560 فما بعد).

وبالطبع لا ينحصر نفي علم الغيب عن غير الله في الحديث المذكور أعلاه بل هناك أحاديث أخرى تنص على ذلك. ومن جملتها حديث مروي عن حضرة عَلِيٍّ (ع) أنه قال: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ص فَقَالَ: أَخْبِرُونِي أَيُّ شَيْ‏ءٍ خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ؟ فَعَيِينَا بِذَلِكَ كُلُّنَا حَتَّى تَفَرَّقْنَا، فَرَجَعْتُ إِلَى فَاطِمَةَ (ع) فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ص وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا عَلِمَهُ وَلَا عَرَفَهُ؛ فَقَالَتْ: وَلَكِنِّي أَعْرِفُهُ خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ص فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! سَأَلْتَنَا أَيُّ شَيْ‏ءٍ خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ؟ خَيْرٌ لَهُنَّ أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ. فَقَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ فَلَمْ تَعْلَمْهُ وَأَنْتَ عِنْدِي؟ فَقُلْتُ: فَاطِمَةُ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ص وَقَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي»"[561].

وهناك حديث آخر أيضاً: "عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ص صَبِيحَةَ عُرْسِي وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ وَتَنْدُبَانِ آبَائِي الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَتَقُولاَنِ فِيمَا تَقُولاَنِ: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ». فَقَالَ ص: «أَمَّا هَذَا فَلاَ تَقُولُوهُ، مَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللهُ »"[562].

ونماذج هذه الأحاديث كثيرة آمل أن لا يغفل عنها المؤمنون.

***

للأسف في هذه الأيام الأخيرة من عمري وبهذا الجسم الواهن والضعيف ومع ضعف البصر ورجفان اليد والبدن العليل الذي أعاني منه، وفقدان الأمن والعيش بالتخفي والتواري عن أعين مأموري الحكومة الذين لا يزالون يتعقَّبونني بصورة مخفية وغير رسمية ليُنجزوا المهمة التي فشلوا في إنجازها سابقاً أي اغتيالي، مما يضطرني إلى تغيير مكان إقامتي بشكل متواصل وإلى قضاء عدة أيام في منزل أحد أصدقائي الخيِّرين أو عدد من أقربائي غير الخرافيين! لم أعد قادراً على إنجاز كثير من الأبحاث. هذا وقد قام عددٌ من المأمورين المسلحين التابعين للحكومة، قبل فترة قريبة، بمداهمة منزلي فلما لم يجدوني فيه وواجهوا المستأجر سألوه عني لكنه لم يكن يعلم مكاني، فرجعوا خائبين خاسرين! وقد أخبرني بعض أهل الخير عن هذه الأعمال الخفية (التي تتم دون مذكرة قانونية ودون استناد إلى حكم محكمة أو قاض ودون إعطاء المتهم إمكانية الدفاع عن نفسه أو إبلاغه عن التهمة التي هو متهم بها....) ومثل هذا الأمر يتم كثيراً في هذه الحكومة، مثل وفاة المرحوم أبو القاسم اللاهوتي وابنه في ظروف غامضة!! لقد كان المرحوم اللاهوتي شيخاً خرافياً ولكنه كان صادقاً غير مراء وكان من أنصار السيد الخميني المتحمِّسين والمخلصين له جداً، لكنه لما لم يُنفّذ رغبات أولئك الذين وصلوا إلى السلطة حديثاً وأسكرتهم قوة الجاه والسلطان حذو النعل بالنعل أزاحوه اجتماعياً وصفّوه من ساحة الحياة!! والعجيب كيف لم يُبدِ السيد الخميني ردَّ فعلٍ جدِّيٍ في مواجهة مثل هذه الحادثة ولم يُلاحق أو يعتقل الذين كانت لهم علاقة بحادثة توقيف ووفاة المرحوم اللاهوتي الغامضة!! نعوذ بالله من مُضلات الفتن.

لقد تذكرت ذلك الحديث الذي وصف الإمام الصادق ÷ فيه علماءَ السوء بقوله: "... وَإِنَّ شِرَارَكُمْ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوطَأَ عَقِبُهُ، إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَذَّابٍ أَوْ عَاجِزِ الرَّأْيِ"[563]، أي أن شراركم من يُحبّ أن يسير الناس وراءه ويكون قائداً وقدوةً للناس ويضطر لأجل ذلك أن يكون كاذباً وأن يكون عاجزاً عن إظهار رأيه ويضطر إلى موافقة ما يُعجب العامة.

كما قال الإمام الصادق ÷: "قَالَ رَسُولُ اللهِ ص إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَسِيرُ الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ بِالتَّقِيَّةِ. أَبِي يَغْتَرُّونَ؟ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لَأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانَ!" [564].

في رأينا إن مسؤولي البلاد كاذبون في ادِّعائهم حُبّ عليٍّ (ع)[565]، وشيعة عليٍّ الحقيقيون (ع) وأتباعه ومُحبّوه الصادقون هم نحن قطعاً الذين نُبرّئ ساحة ذلك الإمام الهُمام من الأحاديث الكاذبة التي ينسبونها إلى حضرته ونسعى أن نتَّبعه.

إن أمير المؤمنين علي ÷ لم يفرض على الخوارج - طالما لم يلجؤوا إلى السيف ولم يُقدموا بعد على إيذاء الناس وقتلهم- أيّ حدود بل حتى لم يقطع رزقهم من بيت المال، ورغم أنهم كانوا يشتمونه ويُسيئون الأدب بحقه [بل كانوا يُكفِّرونه] لم يمنعهم من التعبير عن رأيهم، أما اليوم فمُدّعو حُبّ عليٍّ (ع) سجنوني عدَّة مرَّات وسعى بعضهم إلى قتلي، ولم يسمحوا لأيّ أحد مخالف لرأيهم أن يُعبّر عن رأيه، كما لم يسمحوا لي أن أقيم صلاة الجمعة في منزلي مع عدد من أصدقائي ومنعوا جلسات تفسير القرآن الأسبوعية التي كنت أعقدها في منزلي!!

إن هذه الطريقة في إدارة بلد إسلامي لن تُثمر سوى الآثار الوخيمة التي أثمرتها أعمال الكنيسة في القرون الوسطى، وعلينا فقط أن نتضرع إلى الله بأعين دامعة وأن نسأله من كل قلوبنا وبِنِيَّةٍ خالصةٍ أن لا تضع الأجيال اللاحقة هذه الأعمال على حساب الإسلام، وأن يُدركوا أن مثل هذه الأعمال لا علاقة لها بالإسلام والقرآن الكريم، كما أن أعمال آباء الكنيسة لم يكن لها علاقة بتعاليم حضرة عيسى (ع). إنني أدعو في هذه الأيام دائماً أن يحفظ الله الإسلام من خطر المشايخ الخرافيين. آمين يا رب العالمين.

[560] وسائل الشيعة، ج 7، ص 219. [561] وسائل الشيعة، ج 14، ص 43، الحديث رقم 7. [562] سنن ابن ماجه، ج1، س 611، الحديث 1897. [563] أصول الكافي، ج 2، ص 299. [564] الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 2، باب «طلب الرئاسة»، الحديث 8، وباب «من وصف عدلاً وعمل بغيره»، الحديثان 1 و 2، وباب «اختتال الدنيا بالدين»، الحديث 1. [565] رُوِيَ عن أمير المؤمنين علي ÷ أنه قال: " ألا إن هذه الأمة لابُدَّ مفترقةٌ كما افترقت الأمم قبلهم، فنعوذ بالله من شرِّ ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال: إنه لابد مما هو كائن أن يكون ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، شرُّها فرقةٌ تنتحلني ولا تعمل بعملي، فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدى نبيكم ص واتبعوا سنته واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن، فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه، وارضوا بالله عزَّ وجلَّ ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد ص نبيَّاً وبالقرآن حَكَمَاً وإماماً" (تاريخ الطبري، ج4، ص 479.). وقال الإمام الصادق ÷ أيضاً: "لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا." (رجال الكِشِّيّ، ص 295. وانظروا أيضاً كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، حاشية ص 27).