دُعَاءُ النُّدْبَةِ
اعلم أن رسول الله ص قال: "مَا مِنْ شَيْءٍ [لَيْسَ شَيْءٌ] أَكْرَمَ عَلَى الله تَعَالَى مِنَ الدُّعاء ِ"[760]. ولكن ينبغي أن لا نغفل في الوقت ذاته (أو نتغافل) عما رُويَ عن الأئِمَّة من قولهم: "خُذُوا مَا رَوَوْا وذَرُوا مَا رَأَوْا ". لذلك يجب على المسلم أن يُدقّق في أخذه للمطالب الشرعية ولا يتسامح في ذلك ولا يقبل كلَّ شيء دون التأمُّل فيه ومُلاحظة مصدره وسنده، وعليه أن ينتبه بشكل خاص إلى عدم تعارضه مع كتاب الله. لكن الواقع أننا نرى في كتب الأدعية أن كثيراً من العلماء والكُتَّاب يذكرون الدعاء الذي دعا به العالم الفلاني أو الزاهد الفلاني في مكان ما وأعجبهم، ويتصرّفون حياله كتصرُّفهم مع الدعاء ذي السند الصحيح ومع الأمور المُوافقة للقرآن الكريم!! مع أن الواقع ليس كذلك بل كل ما في الأمر أن ذلك العالم الفلاني رأى ذلك الدعاء مناسباً ووضع مضامين الدعاء من بنات أفكاره عملاً بإذن الشرع العام بالدعاء وسجَّع ألفاظه وأراد حسب ظنِّه أن يُظهر محبَّته، ولحسن الحظ أنه لم ينسب كلامه إلى النبيّ أو الإمام، لكن المُحدِّثين السُّذَّج الذين جاؤوا بعده تعاملوا مع دعائه وكأن صاحب الدعاء قد نقل مضامين دعائه عن الإمام إما مباشرةً أو عبر وسائط من الرواة!! كما لم يُدقّقوا النظر في أن عدم ذكر الراوي أو الرواة وعدم الانتساب إلى الإمام دليل واضح على أن الناقل الأول لهذا الدعاء لم يكن يعتبره منسوباً إلى الإمام.
وعلى كل حال، فإن كثيراً من الأدعية ونصوص الزيارات وأذون الدخول المذكورة في الكتب التي حققنا فيها إما لا يصل سندها إلى النبيّ ولا الإمام وهي من بنات أفكار الآخرين وليست مأثورة ولا مروية عن الإمام مثل كثير من الأمور المذكورة في كتاب «المفاتيح» والكتب المُشابهة له، أو مُسندة لكن سندها معلول مخدوش لا يُعتمد عليه. وأحد أكثر هذه الأدعية شُهرةً ورواجاً «دُعَاء النُّدْبَة». ولهذا الدعاء قصة أذكرها هنا ليُسجِّلها التاريخ وتطَّلع عليها الأجيال اللاحقة فينتبهوا ويتيقَّظوا، أما أهل زماننا فقد أصابني اليأس من استيقاظهم.
[760] مستدرك الوسائل (الطبعة الحجرية)، ج 1، ص 361، والتاج الجامع للأصول، ج 5، ص 109.