الفَصْلُ الخامِسُ [من مفاتيح الجنان]: في فَضل الكوفة ومَسجدها الأعظم وأعماله
بيَّن الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في هذا الفصل فضيلة الكوفة ومسجدها وقد ذكرنا سابقاً توضيحات حول هذا الموضوع (ص 35). في هذا الفصل نقل الشيخ عباس أموراً من كتاب «مصباح الزائر» للسيد ابن طاووس الخرافي مضمونها أنه إذا كنت في الكوفة ومسجدها فقل كذا وكذا. ونسأل: هل ما جاء في كتاب «مِصباح الزائر» هو من عند الله أو علَّمه رسول الله ص للمسلمين؟!
ثم أورد زيارةً لأمير المؤمنين (ع) في مسجد الكوفة. ونسأل: أليس مسجد الكوفة مسجد الله؟! هل يختلف مسجد الكوفة عن سائر المساجد؟! أليست المساجد لِـلَّهِ ولا يجوز أن ندعو مع الله أحداً؟ فهل يجوز أن ندعو غير الله في المسجد ونكيل له المدائح ونتملّقه بصنوف الإطراء والثناء؟! لا سيما عبارات وجُمَل لم يقل الإمام أيّ واحدة منها بحق نفسه أو أولاده!! هل عَلِيٌّ حاضر في المسجد وحاضر في مرقده في الوقت ذاته ويسمع كلامكم؟! في هذه الزيارة يقول الزائر ما يُشبه قول المشركين (سورة الزمر: 3): "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ أَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ زُلْفَى، أَنْتَ وَلِيِّي وَسَيِّدِي وَوَسِيلَتِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ "!!
ونسأل: لو كان الإمام حياً في دنيانا الفانية هذه وقال: لست راضياً عن هذه المدائح ولست وسيلتكم[721]، أولم تقرؤوا أقوالي في «نهج البلاغة» (الخطبة 110) إذ اعتبرت أن وسيلة التقرب إلى الله هي الإيمان والعمل لا الأشخاص؟! ألم تقرؤوا قول حفيدي: "مَنْ تَوَجَّهَ بِحَاجَتِهِ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ جَعَلَهُ سَبَبَ نُجْحِهَا دُونَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْحِرْمَانِ، وَاسْتَحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَوْتَ الْإِحْسَان"[722]. فما هذه الأوهام التي تقولونها عني؟ متى سمَّيتُ نفسي الصديق الأكبر والفاروق الأعظم؟ متى اعتبرت نفسي "الْحَبْلَ الْمَوْصُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِه"؟ ما معنى قولكم عني أنني "خَاصَّةُ نَفْسِ الْمُنْتَجَبِين"؟ لماذا تقولون كلاماً مشوشاً مثل: "أَنْتُمْ نُورُ اللهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا أَنْتُمْ سُنَّةُ اللهِ"؟ هل عَلِيٌّ تابع لسنة الله أم هو ذاته سنة الله؟ كل عالم يعلم أن هذه الجمل خرافات وأوهام فكيف لم يعلم بذلك كُتَّاب تلك الأدعية والزيارات؟!
ثم روى الشيخ عبَّاس بعد ذلك أسطورة حول حضرة الأمير (ع) وصفها بأنها «معجزة[723] لأمير المؤمنين عليه السلام» فقال: "في بنت عزباء كانت قد غاصت في ماء فيه العلق فَوَلَجَتْ علقة في جوفها فَنَمَتْ وَكَبُرَتْ مما امتصته من الدم، فَعَلا بذلك بطن البنت، فحسبها إخوتها حُبْلى فراموا قتلها، فأتوا أمير المؤمنين عليه السلام ليحكم بينهم...الخ"[724].
هذا في حين أن دودة العلق مهما كَبُرَت لا يُمكنها أن تصل إلى حدِّ يجعل البطن كبيرةً. ثم إنه طبقاً لهذه الأسطورة لم يَقُمْ عَلِيٌّ (ع) باستدعاء قابلةٍ ماهرةٍ، وإلا لو فعل ذلك لأدركَتْ القابلةُ الماهرةُ ببساطة أن المرأةَ ليست حاملاً. وثالثاً: قال في آخر هذه القصَّة: "وفي بعض الروايات: أنه (ع) مدَّ يده فأتى بِقِطَع من الثَّلْج من جِبال الشام وجعله عند الطَّسْت فانْسَلَّت العلَقَة". والجملة لا تحتاج إلى تعليق. أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
ثم عنون صاحب المفاتيح فقرةً بعنوان: «أعمال باب الفَرَج المعروف بمقام نوح (ع)»[725]، هذا في حين أن مدينة الكوفة بُنيت في زمن الخليفة الثاني ولم تكن هناك أيّ مدينة في ذلك قبل ذلك، فما علاقة هذه المدينة ومسجدها بحضرة نوح (ع)؟ الله أعلم!
وليت شعري! هل قام رسول الله ص بهذه الأعمال وهل كان يقرأ تلك الكلمات العجيبة والغريبة، فمثلاً يقول الزائر: "لَا تَجْعَلْ هَذِهِ الشِّدَّةَ وَلَا هَذِهِ الْمِحْنَةَ مُتَّصِلَةً بِاسْتِيصَالِ الشَّأْفَة ". أيُّ إمام صالح من أئمة الدين الكرام أجرى على لسانه مثل هذه الجمل الركيكة؟! قارنوا هذه العبارات بالأدعية المُعتبرة المروية عن رسول الله ص كي تعلموا الفرق بين الثرى والثريا![721] من الضروري الرجوع إلى الصفحة 200 فما بعد من الكتاب الحالي، فقرة: الشبهة السابعة. [722] الصحيفة السجادية، الدعاء الثالث عشر. [723] في الغالب عندما ينسب كُتَّابنا الأعمال الخارقة للطبيعة إلى غير الأنبياء يستخدمون كلمة «الكرامات» خداعاً للعوام، ولكن الشيخ عباس هنا يستخدم بصراحة كلمة «المعجزة». [724] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 505-506 . (الـمُتَرْجِمُ) [725] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 514. (الـمُتَرْجِمُ)