تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

الفصل التاسع [من مفاتيح الجنان]

الفصل التاسع [من مفاتيح الجنان]

يتعلَّق هذا الفصل بشهر ربيع الأول. يقول مؤلف المفاتيح:

"فيها في السّنة الثّالثة عشرة من البعثة هاجر النّبي ص من مكّة إلى المدينة المنوّرة فاختبأ هذه اللّيلة في غار ثور، وفاداه أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بنفسه فنام في فراشه غير مجانب سيوف قبائل المشركين، وظهر بذلك على العالمين فضله ومواساته وإخاءه النّبي ص؛ فنزلت فيه الآية: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ[البقرة: ٢٠٧]."[642]. انتهى.

أقول: إن هذا الكلام صحيح تماماً وكل المسلمين يؤمنون به، ولكنكم تقولون: لا شيء يخفى على الإمام سواءً كان من أمور الماضي أم الحاضر أم المستقبل (الباب 106 من أصول الكافي)[643]، بناءً على ذلك فالإمام عَلِيٌّ كان عالماً «بما كان وما يكون وما هو كائن» وَمِنْ ثَمَّ كان يعلم أنه لن يصل إليه أذَىً من المشركين، وَمِنْ ثَمَّ، فالذي يُقدم على عمل خطير حسب الظاهر ولكنه يعلم أنه لن يُصيبه منه أيّ ضرر، ليس له في الإقدام على هذا العمل أيّ امتياز أو فضيلة. أضف إلى ذلك أنه في ليلة المبيت ذاتها ذهب رسول الله ص برفقة أبي بكر إلى غار ثور وكان أبو بكر قد جهّز للنبيّ مُقدّمات السفر من الزاد والراحلة وسائر اللوازم، ولم يكن أبو بكر عالماً بالمستقبل عندما كان في غار ثور مع النبيّ وواجه الاثنان خطر المشركين، ونزلت الآية 40 من سورة التوبة في شأن رسول الله ص وأبي بكر. فإن كنتم من أتباع عَلِيٍّ ومُحبّيه حقَّاً فإن ذلك الإمام الجليل كان مظهراً للإنصاف والعدل، فلماذا لا تُشيرون أدنى إشارة إلى جهود أبي بكر طيلة سفر الهجرة إلى المدينة الذي تمّ خفاءً وكان محفوفاً بالمخاطر؟!

ومما يُؤسَفُ له أن بعض علمائنا يقولون عن الآية -التي لا مُنكر لنزولها في شأن أبي بكر- كلاماً للعوام مضمونه أنه ليس في وجود أبي بكر مع رسول الله ص في غار ثور أيّة فضيلة، مثلما لم يكن لوجود صاحبَيْ يوسف (ع) المُشْرِكَيْن برفقة يوسف (ع) في السجن أيّ فضيلة!!! مع أنه من الواضح تماماً أن مُصاحبة المشركَيْن ليوسف في السجن لم يكن باختيارهما ورغبتهما بعكس مُصاحبة أبي بكر للنَّبِيّ الأَكْرَم ص طول الهجرة وفي غار ثور الذي كان باختياره ورغبته، ووضع نفسه وماله على طبق من الإخلاص وخاطر بهما -دون أيّ معرفة بالمستقبل- في مرافقته للنبيّ ص.

أو يقولون: إن المُراد من المعيّة الإلهية التي ذُكرت في الآية 40 من سورة التوبة [أي جملة: إِنَّ اللهَ مَعَنَا ]: الإحاطة الإلهية بكل شيء التي تشمل إحاطته تعالى بالكفار أيضاً مع أنه ليس في هذا أيّ فضيلة خاصة لأبي بكر!! ولكن هذا الكلام لا يعدو المغالطة والخداع للعامة، لأنه ليس المقصود من تلك الجملة في الآية الإحاطة والقيّومية الإلهية التكوينية لأن النبيّ لا يقول لمُرافقه في لحظة الخطر: لا تحزن لأن الله معنا مثلما هو مع الكفار والحيوانات والجمادات!! إنهم بكلامهم الناشئ من التعصب هذا لا يُراعون حتى مقام النبيّ ص أيضاً!! من البديهي أن المراد من المعيّة الإلهية في الآية 40 من سورة التوبة معيّة التأييد والرحمة والنصرة. أي أن النبي قال لصاحبه: إن لطف الله وحمايته معنا أنا وأنت مثلما قال تعالى لموسى وهارون -عليهما السلام-: ﴿قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ ٤٦[طه: ٤٦]فهل قال الله تعالى لموسى وهارون الخائفين من بطش فرعون: إنني معكما كما أنا مع فرعون وسائر الموجودات؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟! إن الله قال عن معيَّته الخاصة -أي معيّة اللطف- للمتقين: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ ١٢٨[النحل: ١٢٨]. بناءً على ذلك فإن المعيّة الإلهية في الآية 40 من سورة التوبة تدل على فضيلة كبيرة لأبي بكر لأنها معيّة التأييد والحفظ والنصرة الخاصة بالمؤمنين الصادقين والمتقين الحقيقيين.

أو أنهم يقولون: إن أبا بكر لم يكن مؤمناً إيماناً صحيحاً لأن المؤمن إيماناً راسخاً لا يخاف من شيء إذا كان مع نبيّ الله!! وهذا أيضاً كلام باطل لأن القرآن الكريم قال: ﴿لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا[التوبة: ٤٠]. فأولاً: أنتم فسَّرتم كلمة «لَا تَحْزَنْ » على معنى «لا تخف» وهذا تحريف لمعنى الآية ومخالف للإنصاف العلمي! وفي نظرنا لا يصحّ لشخص من أتباع عَلِيٍّ أن يترك الأمانة جانباً ويُترجم الآية على نحو مغلوط! (فتأمَّل دون العصبيَّة).

وثانياً: إن حزن أبي بكر الذي لا يعلم الغيب أمرٌ في محلّه ولا يستحق اللوم أو الذمّ، لأن رسول الله ص كان في الظاهر في معرض الخطر تماماً وإذا كان في معرض الخطر فإن كل مجاهداته وتعاليمه وشريعته أيضاً كانت في معرض الخطر وفي رأينا كل مسلم صادق يجب أن يحزن في مثل هذا الموقف. فكيف تعتبرون حزن أبي بكر وغمّه هنا أمراً قابلاً للذمّ؟ أضف إلى ذلك أن حزن الإنسان لوحدته وفقدانه الأمن خاصةً لمن لا يعلم الغيب أمر طبيعي لا ملامة عليه فيه.

ثالثاً: ثم إن النهي في هذه الآية ليس نهي تحريم بل نهي المُداراة والتسلية. فقد قال تعالى مراراً لرسوله: «لَا تَحْزَنْ »، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ ١٢٧[النحل: ١٢٧]. وقال تعالى على لسان الملائكة الذين أرسلهم إلى حضرة لوط (ع): ﴿وَقَالُواْ لَا تَخَفۡ وَلَا تَحۡزَنۡ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهۡلَكَ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ ٣٣[العنكبوت: ٣٣]، وقال سبحانه لنبيّه الأكرم: ﴿فَلَا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّا نَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ ٧٦[يس: ٧٦]، فهل ارتكب النبيّ عملاً مُحرّماً في حزنه بسبب عداوة الكفار له ومكرهم به؟ بالطبع لا. إذن فإن النهي في الآية 40 من سورة التوبة لم يكن نهي تحريم بل نهي مواساة وتسلية. إن كنا صادقين في قولنا: إننا شيعة عَلِيٍّ (ع) فعلينا أن نكون مُنصفين وصادقين وأن نقتدي بالإمام في إنصافه وعدله، أما مُجرّد الادّعاء فلا يُفيدنا في شيء (فَتَأَمَّل).

ثم يقول الشيخ عبَّاس القُمِّيّ بشأن يوم التاسع من ربيع الأول: "اليوم التاسع: عيد عظيم وهو عيد البَقْر وشرحه طويل مذكور في محله"[644]. ولكنه لم يُوضّح لنا لماذا عُدّ هذا اليوم عيداً؟! إن قصدهم هو اليوم الذي طُعن فيه الخليفة الثاني في محراب الصلاة بخنجر كافر مجوسيّ وتُوفي بتلك الطعنة. لكنهم بدلاً من لعن ذلك المجوسي القاتل الذي قتل صهر عَلِيٍّ (ع) وأبو زوجة رسول الله ص، والبراءة منه، اعتبروا ذلك اليوم عيداً عظيماً ولم يعتبروا الشخص الذي نال شرف مُبايعة عَلِيٍّ له بالخلافة، شهيدَ المحراب، وكم من أعمال غير معقولة ولغو يقومون بها في ذلك اليوم! ويعلم من أمضى زماناً في الحوزات العلمية الشيعية ماذا يفعلون!!

قال المَجْلِسِيّ عن هذا اليوم في كتابه «زاد المعاد» (ص 404 فما بعد):

"وأما اليوم التاسع من ربيع الأول، فاعلم أن بين علماء العامة والخاصة خلافاً في تاريخ وفاة عمر بن الخطَّاب -عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ وَالعَذَابُ[645]-، والأشهر بين الفريقين أن قَتْلَهُ كان في اليوم السادس والعشرين من شهر ذي الحجة كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، وقال بعضٌ في اليوم السابع والعشرين أيضاً. ومستند هذين القولين نقل المؤرخين، ويظهر من الكتب المعتبرة - وكما هو مشهور الآن بين عوام الشيعة - أن قتله كان في اليوم التاسع من ربيع الأول، وكان ذلك مشهوراً أيضاً في السابق بين جمعٍ من محدِّثي الشيعة، وقد أشار السيد الأجل علي بن طاووس في كتاب «الإقبال» إلى أن ابن بابويه نقل رواية عن الإمام الصادق ÷ في أن مقتل ذلك الملعون كان في التاسع من ربيع الأول...".

لست أدري لماذا يُصِرُّ هؤلاء الكُتَّاب كلَّ هذا الإصرار على بثّ الفرقة بين المسلمين وإبعاد بعضهم عن بعض، رغم كل تأكيدات الإسلام على الوحدة والاتِّحاد؟!! ويلٌ للمسلمين من أولئك الكُتَّاب!

ثم قال الشيخ عبَّاس [في البند الخامس من أعمال يوم 17 ربيع الأول][646]:

"ويدعو بالدّعاء «اَللّهُمَّ أَنْتَ حَيٌّ لا تَمُوتُ .... الخ» وهو دعاء مبسوط لم أجده مسنداً إلى المعصوم، لذلك رأيت أن أتركه رعاية للاختصار فمن شاء فليطلبه من «زاد المعاد»".

وعلينا أن نسأل الشيخ عبَّاس: وهل لبقية الموضوعات التي نقلتَهَا في كتابك سندٌ صحيحٌ؟!! بالطبع لا!! ثانياً: إن الرواية التي ليس لها سند صحيح يجب تركها وطرحها جانباً، لا أن نحيل القراء لأجلها إلى كتب أخرى!

ويقول أيضاً نقلاً عن الشيخ الخرافي سيد ابن طاووس:

"قد وجدت النّصارى سوجماعة من الملمين يعظّمون مولد عيسى (عليه السلام) تعظيماً لا يعظّمون فيه أحداً من العالمين، وتعجّبتُ كيف قنع من يعظِّم ذلك المُولد من أهل الإسلام كيف يقنعون أن يكون مولد نبيّهم الذي هو أعظم من كلّ نبيّ دون مولد واحد من الأنبياء... الخ"[647].

وينبغي أن نقول: هل النصارى الذين يحتفلون بيوم مولد عيسى (ع) ويُنفقون أموالاً طائلةً في ذلك اليوم يفعلون ذلك لأمْرِ عيسى (ع) لهم بذلك؟! بالطبع لا. وفي الإسلام كذلك، فلا يُحبِّذ الشارع صرف الأموال على إضاءة المصابيح وطباعة أنواع الأوراق و..... لأجل ولادة الأنبياء والأولياء، في حين أنه لدينا كل هذا العدد من الفقراء والمرضى والأُميِّين في المجتمعات الإسلامية. ولهذا السبب فلم يُقم أمير المؤمنين علي ÷ في فترة خلافته أيّ مراسم خاصة للاحتفال أو للعزاء في مناسبات ولادة أو وفاة رسول الله ص أو أبنائه أو ولادة أو وفاة حضرة الزهراء (ع)، ولم يُعلن عطلةً عامةً في تلك المناسبات، ولم يعترض على الخلفاء الذين سبقوه بسبب عدم إقامتهم مثل تلك الاحتفالات أو العزاء لأجل ولادة النبيّ أو رحيله ص؟! فهل ترغبون أن يُقلّد المسلمون النصارى في هذه الأمور ؟!

***

[642] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 397. (الـمُتَرْجِمُ) [643] حول أحاديث الباب 106 من أصول الكافي راجعوا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، صفحة 541 إلى 581. [644] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 397. (الـمُتَرْجِمُ) [645] هكذا ذكر المصنِّف، ولكن هذه العبارة غير موجودة في الترجمة العربية لكتاب «زاد المعاد»، تعريب وتعليق علاء الدين الأعلمي، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، باب فضائل شهر ربيع الأول، ص 253. ويبدو أن هذه العبارة كانت موجودة في الأصل الفارسي الذي نقل عنه المؤلف البرقعي، وأن المُعَرِّب أي علاء الدين الأعلمي حذفها من ترجمته لقباحتها. (الـمُتَرْجِمُ) [646] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 398. (الـمُتَرْجِمُ) [647] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، البند السادس من أعمال 17 ربيع الأول، ص399. (الـمُتَرْجِمُ)