الفصل الثالث [من مفاتيح الجنان]: في زِيارَة النّبيّ والزّهراء والأئمّة بالبقيع
ثم يقول الشيخ عبَّاس [في بداية الفصل الثالث[676]] الصفحة 318:
"اعلم انّه يُستَحبُّ أكيداً لكافة النّاس ولا سيّما للحجّاج أن يتشرّفوا بزيارة الرّوضة الطّاهرة والعتبة المنوّرة لمفخرة الدّهر مولانا سيّد المرسلين محمّد بن عبد الله صلوات الله وسلامُه عليه، وترك زيارته جفاء في حقّه يوم القيامة. وقال الشّهيد (رحمه الله): فإنْ تَرَكَ النّاسُ زيارَتَهُ فعلى الإمام أن يجبرهم عليها، فإن ترك زيارته جفاءٌ محرّمٌ..."!!
عندئذٍ إذا سأل أحدٌ هؤلاء المُبتدعة: لو أن شخصاً مؤمناً كان يقطن في قبيلة بعيدة عن المدينة أثناء الحياة الشريفة لرسول الله ص في هذه الدنيا ولم يقم بزيارته ص هل كان يُعتبر مُجافياً للنبيّ؟ فلن يجيبوه عن سؤاله سوى بإثارة اللغط والصياح واتِّهامه والافتراء عليه! من هذا يَتَبَـيَّنُ على أحوال أصحاب النبيّ وأعمالهم بعد رحيله ص [677] أو تجاهل ذلك كي يُثبِتَ صحَّةَ خرافاتِهِ!!
ثم أورد الشيخ عبَّاس عقب ذلك مباشرةً (ص 319) حديثاً غير معتبر راويه «إسماعيل بن مِهران»[678] ادَّعى فيه أن الإمام الصّادق (ع) قال: "إِذَا حَجَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَخْتِمْ حَجَّهُ بِزِيَارَتِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ". (بحار الأنوار، ج 97، ص 139). أو ادَّعى نقلاً عن راويين ضعيفين هما: «هارون بن مسلم» وَ«مسعدة بن صدقة»[679] أن رسول الله ص قال: "مَنْ زَارَنِي حَيّاً أَوْ مَيِّتاً كُنْتُ لَهُ شَفِيعَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [680]. وقد بيَّنَّا عيوب هذه الأحاديث وسائر الأحاديث التي جاءت في هذا الفصل في كتاب «زيارت وَزيارتنامه» (ص 230 فما بعد) فلا نُكرِّر ذلك هنا.
للأسف، يسعى تُجَّار الخرافات دائماً أن لا يعلم الناس أن تعيين الشفيع وتكليفه بالشفاعة أمرٌ منوطٌ بالله وحده وليس متروكاً للناس، وأن الأنبياء والأولياء بعد انتقالهم من دار الفناء إلى دار البقاء لا تبقى لهم صلة بهذه الدنيا الفانية ومُجرياتها. وأن الأئِمَّةَ أنفسَهم الذين يحثُّ تُجَّارُ الخرافاتِ الناسَ دائماً على ويُرغِّبونهم زيارة مراقدهم بذلك قد صرَّحوا بما يُخالف هذا الأمر!! مِنْ ذلك قول الإمام الباقر (ع): "كَانَ رَسُولُ اللهِ ص وَالِاسْتِغْفَارُ لَكُمْ حِصْنَيْنِ حَصِينَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ، فَمَضَى أَكْبَرُ الْحِصْنَيْنِ وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَارُ؛ فَأَكْثِرُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ مِمْحَاةٌ لِلذُّنُوبِ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ٣٣﴾[الانفال: ٣٣]" [681]. (بحار الأنوار، ج 90، ص 279 وَ281). بناءً على ذلك لا يُمكننا اليوم الوصول إلى شخص رسول الله ص وعلينا إذا أذنبنا أن نستغفر الله أنفسنا.
[676] تحت عنوان: "في زِيارَة النّبيّ والزّهراء والأئمّة بالبقيع صلوات الله عليهم أجمعين في المدينة الطيّبة". مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 421. (الـمُتَرْجِمُ) [677] يُراجَع الكتاب الحاضر، حاشية الصفحة 198، وكتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] الصفحة 12 فما بعد. [678] عرَّفنا بحاله في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ج2، ص 662 - 663 و 813. [679] عرَّفنا بحاله في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ج1، ص 216-217. [680] هذا الحديث الموضوع أصله في كتاب «قرب الإسناد» للحِمْيَري، ص 31، ونقله عنه صاحبا الوسائل والبحار وغيرهما. انظر مثلاً بحار الأنوار، ج 97، ص 139 . (الـمُتَرْجِمُ) [681] راجعوا الصفحة 187 من الكتاب الحالي.