تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

[تعليق على ما ذكره ابن بطوطة في كتاب رحلته]

[تعليق على ما ذكره ابن بطوطة في كتاب رحلته]

كتب الشيخ عبَّاس يقول:

55"واعلم أن أبا عبد الله محمّد بن بطوطة الذي هو من علماء أهل السّنة وقد عاش قبل ستّة قرون قد أتى بذكر المرقد الطّاهر لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في رحلته المعروفة باسمه (رحلة ابن بطُوطة) عندما ذكر دخوله مدينة النّجف الأشرف في عودته من مكّة المُعظّمة، فقال: وأهل هذه المدينة كُلّهم رافضيّة وهذه الرّوضة ظهرت لها كرامات، منها أن في ليلة السّابع والعشرين من رجب وتسمّى عندهم ليلة المحيا يُؤتى إلى تلك الرّوضة بكلّ مقعد، من العراقين وخراسان وبلاد فارس والرّوم، فيجتمع منهم الثّلاثون والأربعون ونحو ذلك، فإذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضّريح المقدّس والنّاس ينتظرون قيامهم وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد الرّوضة، فإذا مضى من اللّيل نصفه أو ثلثاه أو نحو ذلك قام الجميع (؟!!) أصحّاء من غير سوء، وهم يقولون: لا اِلـهَ إلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ عَلَيٌّ وَليُّ اللهِ، وهذا أمر مستفيض عندهم سمعته من الثّقات ولم أحضر تلك اللّيلة، لكنّي رأيت بمدرسة الضيّاف ثلاثة من الرّجال، أحدهم من أرض الرّوم، والثّاني من أصفهان، والثّالث من خراسان، وهم مقعدون فاستخبرتهم عن شأنهم فأخبروني أنهم لم يدركوا الليلة المحيا، وإنهم مُنتظرون أوانها من عام آخر، وهذه اللّيلة يجتمع لها النّاس من البلاد خلق كثير، ويقيمون سوقاً عظيمة مدّة عشرة أيّام. (انتهى كلام ابن بطوطة)

أقول: لا تستبعد هذا الحديث فإنّ ما برز من هذه الرّوضات الشّريفة من الكرامات الثّابتة لنا عن طريق التّواتر تفوق حدّ الإحصاء، وهذا شهر شوّال من السّنة الماضية سنة ألف وثلاثمائة وأربعين قد شاهد المُلا فيه مُعجزة باهرة غير قابلة للأفكار ومن المرقد الطّاهر لإمامنا ثَامِنُ الأئِمَّةِ الهُدَاة، وَضَامِنُ الأُمَّةِ العُصَاة(؟!!) مولانا أبو الحسن علي بن موسى الرضا -صلوات الله عليه-، فثلاث نسوة مقعدة مصابة بالفالج أو نظائره قد توسّلن بهذا المرقد الشّريف والأطباء ودكاترة الطب كانت قد أبدت عجزها عن علاجهنّ، فبان ما رزقن من الشّفاء للمُلا ناصعاً كالشّمس في السماء الصّاحية، وكمعجزة انفتاح باب مدينة النّجف على أعراب البادية، وقد تجلّت هذه الحقيقة للجميع فآمن بها على ما حكى حتى دكاترة الطّب الواقفين على أماكن مصابة به من الأسقام، فأبدوا تصديقهم لها مع شدّة تبيّنهم للأمر ورقّتهم فيه، وقد سجّل بعضهم كتاباً يشهد فيه على ما رزقن من الشّفاء.....الخ" [447]. (انتهى كلام الشيخ عبَّاس القُمِّيّ).

ونقول:

أولاً: ليس من المعلوم دفن حضرة أمير المؤمنين علي ÷ في هذا المرقد المشهور في النجف[448].

ثانياً: ابن بطوطة كما قال عنه المترجم الفاضل لرحلته: "رغم أنه كان من الفقهاء والقضاة إلا أنه لم يكن من أهل النظر والتعمّق في دقائق العلوم ومشكلاتها"[449]. وَمِنْ ثَمَّ فنسبة كلام إليه لا يُعطي هذا الكلام أيَّ اعتبار وموثوقية.

ثالثاً: قال مترجم رحلة ابن بطوطة: "يمتاز كتاب «رحلة ابن بطوطة» ويتفوّق على سائر كتب الرحلات الإسلامية في أمرين...... الثاني: من ناحية صدقه في بيان أوضاع البلدان التي رآها وأحوالها، وما قام به من تسجيل وتوثيق وتصوير لعادات الشعوب الذين صادفهم في خطِّ سيره الطويل وتقاليدهم وطقوسهم..... في الواقع يُعتبر كتاب «رحلة ابن بطوطة» مرآةً تعكس حياة مُعاصريه بكل مظاهرها الحسنة والسيئة ويشتمل على جميع الطقوس والآداب التي كانت شائعة في زمنه"[450].

بناءً على ذلك نقل «ابن بطوطة» الشائعات التي كان يتداولها الناس في المناطق التي زارها، ولكنه -كما صرَّح بذلك - لم يُشاهد بعينه شفاء أحد من الناس كما لم يتكلم مباشرة مع أيّ شخص من الذين نالوا الشفاء.

ولدينا تجربة مع مثل هذه الشائعات المُشتهرة بين الناس التي تتجاوز أحياناً حدَّ الاستفاضة!! ففي سنة 1357 هجرية شمسية[451] شاع بين الناس أن ظلَّ وجه آية الله الخميني قد تمّت مشاهدته على القمر، ولم يُنكر أحد ذلك ولم يستبعده! أو شاع بين أهالي شيراز وأهالي قرية «آباده» خبر عن إمام الزمان، وقد بيَّنا حقيقة ذلك في كتابنا «سوانح أيام» (ص 34). إن مثل هذه الشائعات تنتشر بين عوام الناس انتشار النار في الهشيم وتصل إلى حدِّ الاستفاضة بل التواتر (؟!!). لذلك لا ينبغي قبول مثل هذه المتواترات المخالفة للشرع دون تأمل وتحقيق[452]، لأنها في الواقع ليست متواترة حقيقةً بل شبه متواترة. (فَتَأَمَّل)[453].

رابعاً: إن اعتقاد الناس بالشفاء ببركة المرقد المشهور في النجف مشابه لعقيدة الناس تجاه منارة مسجد البصرة المُتحرّكة. لقد كتب ابن بطوطة عن ذلك يقول:

"ولهذا الجامع سبع صوامع، إحداها الصومعة التي تتحرك بزعمهم، عند ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه. صعدت إليها من أعلى سطح الجامع، ومعي بعض أهل البصرة، فوجدت في ركن من أركانها مقبض خشب مسمراً فيها، كأنه مقبض مملسة البناء. فجعل الرجل الذي كان معي يده في ذلك المقبض، وقال: بحق رأس أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، تحركي، وهزّ المقبض، فتحرّكت الصومعة، فجعلت أنا يدي في المقبض وقلت له، وأنا أقول: بحق رأس أبي بكر خليفة رسول الله ص تحرّكي، وهززت المقبض فتحركت الصومعة فعجبوا من ذلك.

وأهل البصرة على مذهب السنة والجماعة، ولا يخاف من يفعل مثل فعلي عندهم، ولو جرى مثل هذا بمشهد الحسين، أو بالحلة، أو بالبحرين، أو قم، أو كاشان، أو ساوة، أو آوة، أو طوس، لهلك فاعله، لأنهم رافضة غالية"[454].

خامساً: بالنسبة إلى الأمور التي ذكرها الشيخ عبَّاس عن حرم الإمام الرضا (ع) نُحيل القراء المحترمين إلى كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات] (ص 357 فما بعد)، ونُؤكد هنا أن هناك فوائد مادية ومالية كثيرة تترتب على إشاعة مثل هذه الأخبار لذلك فإن مثل هذه المنقولات والمشهورات لا يمكن الوثوق بها في الغالب. قال ابن بطوطة بشأن ضريح النجف:

"...... ثم يدخل القبّة[455] وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل الذهب والفضة، منها الكبار والصغار. وفي وسط القبّة مسطبة مربعة مكسوة بالخشب، عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل، مسمرة بمسامير الفضة، قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء. وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور، يزعمون أن أحدها قبر آدم (ع)، والثاني قبر نوح (ع)، والثالث قبر علي (ع) وبين القبور طسوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يغمس الزائر يده في ذلك ويدهن به وجهه تبركاً!

وللقبة باب آخر عتبته أيضاً من الفضة وعليه ستور الحرير الملون يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله أربعة أبواب، عتباتها فضة وعليها ستور الحرير.

وأهل هذه المدينة كلهم رافضية. وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم أن بها قبر علي (ع)، فمنها أن في ليلة السابع والعشرين من رجب وتُسمَّى عندهم ليلة المحيا....."[456]. ثم ذكر تلك الأمور التي نقلها الشيخ عبَّاس آنفاً، وقال:

"وهذه الليلة [أي ليلة المحيا] يجتمع لها الناس من البلاد، ويُقيمون سوقاً عظيمة مدة عشرة أيام...... ومن الناس في بلاد العراق وغيرها من يصيبه المرض فينذر للروضة [أي روضة عَلِيٍّ (ع)] نذراً إذا برئ، ومنهم من يمرض رأسه فيصنع رأساً من ذهب أو فضة ويأتي به إلى الروضة، فيجعله النقيب في الخزانة. وكذلك اليد والرجل وغيرهما من الأعضاء. وخزانة الروضة عظيمة فيها من الأموال ما لا يُضبط لكثرته"[457]. اهـ.

سادساً: ما أحسن ما قاله أخونا الفاضل الأستاذ السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي -حفظه الله تعالى- أنه من الأولى أن يستدل كل مذهب -لاسيما في المسائل المُتعلّقة بالتوحيد ومسائل الدين الأصلية بالدلائل القطعة والواضحة أو بالأدلة العقلية المحضة أو بآيات الكتاب الإلهي الصريحة كي لا يكونوا مصداقاً للآية الكريمة التي تقول: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ... وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ ٨[الحج : ٣-8]، وإلا فإن التشبث بمثل هذه الأخبار والقصص لا يفيد أيّ مذهب أو مرام، لأن أهل كل فرقة ومذهب يروون عن أئمة دينهم العظماء الكبار مثل هذه العجائب والكرامات بل لا يخلو العالَم غير الإسلامي الذي نُسخت مِلَلُهُ وأُمِرنا أن ندعوهم إلى الإسلام من مثل هذه القصص والأخبار. فعلى سبيل المثال كتبوا عن «بلزپاسكال» العالم والمُفكّر الفرنسي المشهور في القرن السابع عشر:

"..... كان پاسكال يسعى في بداية فترة تحوله الديني إلى أن يجعل أخته ووالده وجميع أفراد أسرته يعتنقون ما آمن به، والآن يسعى لجذب أصدقائه نحو عقيدته..... وكرَّس كل همِّه لتأليف كتاب كبير باسم «مدح المسيحية» وكان قصده من تأليف ذلك الكتاب أن يُفحم الملاحدة ويُرشدهم ويحثَّهم على تغيير عقيدتهم.... وفي 24 مارس (آذار) كان أفراد دير [پور رويال] يزورون شُجيرة شوك تُمَثِّل تاج عيسى. وعندما وصل الدور إلى مارجريت [الحورية، وهي ابنة أخت پاسكال التي كانت تُعاني من مرض في العين] كي تجثو على ركبتيها [أمام تاج الشوك] مسحت عينها بشُجيرة الشوك فشُفيت على الفور! وقد وقعت معجزات مشابهة أخرى في الأيام التالية لذلك اليوم على نحو أخذ الناس يتصوَّرون شيئاً فشيئاً أن عناية الله قد شملت حال دير [پور رويال] لأن شُجيرة الشوك تلك قد صنعت من قبل مثل تلك الشفاءات العجيبة..... وقد أدَّت معجزة القديسة اپين في دير [پور رويال] إلى ازدحام عجيب في ذلك الدير....."[458].

أو أنه في النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي ادَّعت امرأة تُدعى «برناديت سوبيرو» (وُلدت عام 1844 وتُوفيت عام 1879 م) في مدينة «لور» التي تقع في فرنسا وعدد سكانها يُقارب العشرين ألف نسمة، أن السيدة الجليلة قد ظهرت لها. وقد فسَّر الناس أن المقصود من السيدة المذكورة حضرة مريم العذراء -عليها السلام-!! فقاموا ببناء مزار في المكان الذي تحدثت عنه السيدة «برناديت» وأصبح معروفاً جداً، ولا يوجد وبالطبع أحدٌ مدفونٌ في ذلك المزار.

في هذا المعبد كلما نال شخص الشفاء في حضور جماعة من الشهود كُتِبَ في دفتر خاص وُضِعَ هناك محضر جلسة في ذلك و وقَّع عليه أولئك الشهود الذين شهدوا حادثة الشفاء. وهناك أمثلة كثيرة على مثل هذا الأمر. بناءً على ذلك هل تقبلون أن يُقال لكم: إذا كان إِمامُكُم يصنع معجزات عجيبة فإن لدينا تاج شوك ومكان ظهر فيه شخص عظيم، يصنعان معجزات أيضاً، فتعالوا وآمنوا بديننا!!".

وكتب «ابن بطوطة» يقول:

"يُحكى أن الشيخ الولي أحمد الرفاعي رضي الله عنه كان مسكنه بأم عبيدة [قرية] بمقربة من مدينة واسط...... وكانت محلاً لاجتماع الصوفية والدراويش".

قال ابن بطوطة عن أولئك الجماعة:

".....ولما انقضت صلاة العصر ضربت الطبول والدفوف، وأخذ الفقراء في الرقص، ثم صلوا المغرب وقدموا السماط، وهو خبز الأرز والسمك واللبن والتمر، فأكل الناس، ثم صلوا العشاء الآخرة، وأخذوا في الذكر، والشيخ أحمد قاعد على سجادة جدّه المذكور، ثم أخذوا في السماع، وقد أعدوا أحمالاً من الحطب فأججوها ناراً، ودخلوا في وسطها يرقصون ومنهم من يتمرغ فيها ومنهم من يأكلها بفمه حتى أطفأها جميعاً وهذا دأبهم. وهذه الطائفة الأحمدية مخصوصون بهذا، وفيهم من يأخذ الحيّة العظيمة فيعض بأسنانه على رأسها حتى يقطعه"[459].

أو قال ابن بطوطة عن الجماعة الذين شاهدهم قرب «نهر السرور»:

"....ووصل إلى هنالك جماعة من الفقراء [أي الصوفية الدراويش] في أعناقهم أطواق الحديد وفي أيديهم، وكبيرهم رجل أسود حالك اللون. وهم من الطائفة المعروفة بالحيدرية. فباتوا عندنا ليلة، وطلب مني كبيرهم أن آتيه بالحطب ليُوقدوه عند رقصهم، فكلفت والي تلك الجهة..... أن يأتي بالحطب فوجه منه عشرة أحمال، فأضرموا فيه النار بعد صلاة العشاء الآخرة حتى صارت جمراً، وأخذوا في السماع، ثم دخلوا في تلك النار. فما زالوا يرقصون ويتمرَّغون فيها. وطلب مني كبيرهم قميصاً، فأعطيته قميصاً في النهاية من الرقة، فلبسه وجعل يتمرغ به في النار ويضربها بأكمامه حتى طفئت تلك النار، وخمدت. وجاء إليَّ بالقميص، والنار لم تُؤَثِّر فيه شيئاً البتة. فطال عجبي منه"[460].

لا يذهبَّن بكم الظن أنني أُريد أن أعتبر أن جميع حالات الشفاء تلك هي بلا استثناء كذب، بل ما أرمي إليه هو أن لا نغفل عن الحالات غير الموثوقة لمثل هذه الأخبار. أما بالنسبة إلى حالات الشفاء الصادقة فينبغي أن ننتبه إلى أن مثل هذه الوقائع إنما تنشأ من الهيجان والتحوّلات الداخلية التي تعتري نفوس أتباع كل دين من الأديان فتُحدث أثرها في جسمه، ولا يُمكننا أن نعتبر مثل هذه الوقائع دليلاً على حقانية دين من الأديان أو مذهب من المذاهب. وأذكر أنني في الأيام التي كنت أُدرّس فيها قال لي أحد طُلاب الصف أن أحد أقربائه أُصيب أثناء مشاهدته لمباراة كرة قدم بالعمى لشدَّة الهياج! وقد قال الأطباء إن عماه ليس له علّة جسمية بل نتيجة الصدمة والهياج وأنه من الممكن إذا تعرّض إلى حالة مشابهة من الهياج والصدمة بالقوة ذاتها أن يعود إليه بصره. فالشفاء أو تغير الحال المفاجئ ينشأ في كثير من الحالات نتيجة التهيّج والهزَّة العاطفية والاختلاجات النفسية. بناءً على ذلك ليس مستبعداً أبداً أن يتأثر فرد خرافي وحساس من الحضور في مكان خاص فتتحرك مشاعره وأحاسيسه بشدّة ويدخل في حالة من الهياج النفسي، وبالنتيجة يحدث فيه تغير مفاجئ.

ولا شك ولا ريب أن كل الوقائع التي تحدث في العالَم سواءً كانت حسنة أم سيئة إنما تتحقق بإذن الله وتدبيره، وما من شيء يخرج عن إحاطة الله وقيوميته، ولكن لما كانت مثل هذه الوقائع غير العادية والخارقة منوطة بالإذن الإلهي الخاص فقط، (مثل معجزات الأنبياء والتغيرات المفاجئة وحالات الشفاء الخارقة للعادة وغير المُقيّدة بأصول الطب[461] و......) ولا دخل لسائر الموجودات فيها ولو على نحو مُقيّد، لذلك ففي نظرنا، لا بُدَّ علينا - نحن الذين نتَّبع القرآن- أن نعتبر مثل هذه النعم -ومن جملتها نعمة السلامة- عطاءً مباشراً من الله من دون واسطة، وأن نقول مُتَّبعين لما قاله حضرة سليمان (ع): ﴿هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُ [النمل: 40] حتى لا يشملنا قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ [النمل: 73]، وكي لا نكون من الذين قال تعالى عنهم:﴿فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا[أي الله] صَٰلِحٗا[أي ولداً صالحاً]جَعَلَا لَهُۥ[أي لِـلَّهِ] شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ١٩٠[الاعراف: ١٩٠]، أو قال عنهم أنهم عندما ننجِّيهم من الضيق والهلاك في الصحراء أو في البحر أو في العاصفة يجعلون لنا شركاء في هذه النعمة التي أنعمناها عليهم [الأنعام: 63 و64، النحل: 53 إلى 55، الإسراء: 66 و67، العنكبوت: 65][462].". (إلى هنا انتهى كلام السيد مصطفى الطباطبائي)

تاسعاً: إن ادِّعاءكم هذا مخالف للشرع ومخالف للتوحيد لأننا كما قلنا في تفنيدنا للشبهة السادسة (في الصفحة 165فما بعد)، كل طلب للشفاء، بل كل طلب لشيء من أحد سوى الله على نحو غير مُقيَّد شِرْكٌ، ويجب أن لا نُخدَع بقول من يقول: «ما الفرق بين الاستمداد من الطبيب الجرّاح وطلب العون منه لإجراء عمليّة الزائدة الدوديّة والاستمداد من جبريل؟!» لأن استمدادنا من الطبيب -أو حتى من الأنبياء والأئمة في زمن حياتهم الدنيوية- محدود ومشروط بقيود كثيرة فنحن نستعين بغير الله ضمن الحدود والشروط والقيود المذكورة، أما الكيفية التي يدعو الناس فيها الأئمة فهي غير مُقيَّدة، وكما ذكرنا فيما سبق المعين والمجيب غير المُقيَّد والمُطلق والمُجرَّد من جميع الحدود هو الله وحده فقط لا غير.

فعلى سبيل المثال لا أحد يطلب من الكحَّال سلامة معدته أو يتوقع منه قبوله في الجامعة، كما لا يتوقع أحد من طبيب الأسنان علاج مرض عينيه، ولا يطلب أحد من الطبيب أو من الخباز أن يجد ابنه الضائع أو يعود من سفره سالماً! كما أن من يطلب من الطبيب أو من الخباز شيئاً إنما يطلبه من مسافة مُحدّدة وعندما يكون الطبيب أو الخباز مستيقظاً واعياً ولا يتوقع أن يتمكن الطبيب من معالجته أو شفائه دون الاستفادة من القواعد الطبية، وأمثال هذه القيود والشروط..... لأنه يعتبر أولئك الأشخاص أشخاصاً ذوي قدرة وأهلية محدودة ومُقيّدة. (فَتَأَمَّل).

أما الناس لدينا فيطلبون حاجاتهم دون أيّ قيد أو حدود أو شرط في كل زمان وفي أيّ مكان مجتمعين ومتفرّقين أياً كانت تلك الحاجات من الإمام، وإن كانوا في مرقده طافوا حول المرقد واعتبروا أن الإمام حاضراً وناظراً يُشاهدهم ويسمع كلامهم!! ولا يعتقدون أن وجود مسافة بعيدة بينهم وبين الإمام تُشكِّل مانعاً أو عائقاً يمنع سماعه لدعائهم واستعانتهم!!

بناءً على ما ذُكر في البند «و» في فصل «تذكير مهم حول توحيد العبادة» (ص 116 إلى 123) إذا كان النَّبِيّ الأَكْرَم ص لا يستطيع أن يوصل كلامه إلى من رحلوا عن هذه الدنيا الفانية فمن باب أولى أن لا نستطيع نحن أن نوصل كلامنا إليهم.

وإذا كانت الملائكة لا تنزل على النبيّ طبقاً لرغبته -كما لم تنزل عليه في فترة انقطاع الوحي رغم رغبته في ذلك[463]- فإنها قطعاً لن تنزل علينا برغبتنا، كي توصل رسالتنا إلى الأنبياء والأولياء. وقد قال القرآن الكريم عن الملائكة: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ٦٤[مريم: ٦٤]. أي أن الماضي والحاضر والمستقبل بيد الله وحده وهو المحيط بنا وبكل شيء وهو الذي يعلم متى يُنَزِّلنا. وقال تعالى أيضاً: ﴿لَا يَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ يَعۡمَلُونَ ٢٧ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ ٢٨[الانبياء: ٢٧، ٢٨]. أي أن الملائكة لا يقومون بعمل إلا إذا أمرهم الله به، إلى درجة لا يتكلمون دون إذن من الله. (وراجعوا أيضاً الآية 38 من سورة النبأ).

لهذا السبب فإن أمة الإسلام مُتَّفقة ومُجمعة ولِـلَّهِ الحمد على عدم دعاء الملائكة وليس بينها أيُّ خلاف في ذلك، فلا أحد يقول: يا ميكائيل افتح لي باب الرزق، أو يا جبريل اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ اللهِ، لأن الكل يعلم أن الملائكة عباد مأمورون مُطيعون لأمر الله لا يتَنّزَّلون إلا بأمره ولا يقومون بأيّ عمل بطلبنا ورغبتنا.

والأنبياء والأولياء بإجماع أمة الإسلام رحلوا عن هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية. بناءً على ذلك لا نملك إمكانية الاتِّصال بهم.

يقول حضرة أبو الأنبياء إبراهيم (ع) -ومقامه أعلى وأرفع من كل إمام- وهو أُسوة المؤمنين جميعهم: ﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ ٨٠[الشعراء : ٨٠]. ونحن نقرأ في الدعاء: "يَا طَبِيبَ مَنْ لَا طَبِيبَ لَهُ..... يَا مَنْ لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا هُو "[464]. ولكنكم هنا تقولون: إن قبر أمير المؤمنين علي ÷ أو قبر حضرة الرضا (ع) محلّ للشفاء؟!

وليت شعري! لماذا تشفي قبور السيد نصر الدين في طهران أو السيد جلال الدين أشرف في جيلان أو قبر أحمد بن موسى المعروف بشاهچراغ في شيراز و..... ولا تشفي قبور جناب «زيد بن علي» أو جناب «النفس الزكية» أو جناب «الحسين بن علي» المشهور بشهيد فخ و..... -رضوان الله عليهم-؟!! (فَتَأَمَّل).

لقد كان حضرة الرضا (ع) يقول في دعائه الله تعالى: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنَ الَّذِينَ ادَّعَوْا لَنَا مَا لَيْسَ لَنَا بِحَقٍّ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا فِينَا مَا لَمْ نَقُلْهُ فِي أَنْفُسِنَا، اللَّهُمَّ لَكَ الْخَلْقُ وَمِنْكَ الرِّزْقُ وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]...... اللَّهُمَّ لَا تَلِيقُ الرُّبُوبِيَّةُ إِلَّا بِكَ وَلَا تَصْلُحُ الْإِلَهِيَّةُ إِلَّا لَكَ فَالْعَنِ النَّصَارَى الَّذِينَ صَغَّرُوا عَظَمَتَكَ وَالْعَنِ الْمُضَاهِئِينَ لِقَوْلِهِمْ مِنْ بَرِيَّتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا عَبِيدُكَ وَأَبْنَاءُ عَبِيدِكَ، لَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا نَفْعاً وَلَا ضَرّاً وَلَا مَوْتاً وَحَيَاةً وَلَا نُشُوراً، اللَّهُمَّ...... مَنْ زَعَمَ أَنَّ إِلَيْنَا الْخَلْقَ وَعَلَيْنَا الرِّزْقَ فَنَحْنُ بِرَاءٌ مِنْهُ كَبَرَاءَةِ عِيسَى (ع) مِنَ النَّصَارَى، اللَّهُمَّ إِنَّا لَمْ نَدْعُهُمْ إِلَى مَا يَزْعُمُونَ فَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا يَقُولُونَ وَاغْفِرْ لَنَا مَا يَدَّعُونَ"[465].

كما قال حضرة الإمام الصادق ÷: "فَوَ اللهِ مَا نَحْنُ إِلَّا عَبِيْدُ الَّذِي خَلَقَنَا وَاصْطَفَانَا، مَا نَقْدِرُ عَلَى ضَرٍّ وَلَا نَفْعٍ وَإِنْ رَحِمَنَا فَبِرَحْمَتِهِ وَإِنْ عَذَّبَنَا فَبِذُنُوبِنَا وَاللهِ مَا لَنَا عَلَى اللهِ مِنْ حُجَّةٍ وَلَا مَعَنَا مِنَ اللهِ بَرَاءَةٌ وَإِنَّا لَمَيِّتُونَ وَمَقْبُورُونَ وَمُنْشَرُونُ وَمَبْعُوثُونَ وَمَوْقُوفُونَ وَمَسْئُولُونَ...... وَاللهِ لَوِ ابْتُلُوا بِنَا وَأَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ لَكَانَ الْوَاجِبَ أَنْ لَا يَقْبَلُوهُ، فَكَيْفَ وَهُمْ يَرَوْنِّي خَائِفاً وَجِلًا أَسْتَعْدِي اللهَ عَلَيْهِمْ وَأَتَبَرَّأُ إِلَى اللهِ مِنْهُمْ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي امْرُؤٌ وَلَدَنِي رَسُولُ اللهِ ص وَمَا مَعِي بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ، إِنْ أَطَعْتُهُ رَحِمَنِي وَإِنْ عَصَيْتُهُ عَذَّبَنِي عَذَاباً شَدِيداً أَوْ أَشَدَّ عَذَابِهِ". (رجال الكشي، طبع كربلاء، ص 196 و197).

وقال المَجْلِسِيّ:

"أي لو كنا أمرناهم بذلك على فرض المحال فكانوا هم مبتلين بذلك مُرَدَّدِين بين مخالفتنا وبين قبوله منا، والوقوع في البدعة، لكان الواجب عليهم أن لا يقبلوه منا فكيف و إنا ننهاهم عن ذلك؟ وهم يروننا مرعوبين وجلين من الله تعالى مستعدين الله عليهم فيما يكذبون علينا"[466].

فكيف يُمكن أن يرضى الأئمة أن نأتي من أماكن بعيدة إلى قبورهم فنطوف حولها ونجعلهم وسائط بيننا وبين الله ونطلب منهم الشفاء من أمراضنا وتلبية حاجاتنا.

عاشراً: لقد كان الأنبياء والأولياء -لاسيما حضرة أبو تراب (ع)- يعيشون حياةً دنيويةً غايةً في البساطة وبعيدةً عن التجمُّل ولم يكونوا يُحبّون الحياة المترفة والعيش الباذخ والحياة في القصور المليئة بالذهب والفضة، ولا شك أنهم كارهون لهذه الأضرحة الفخمة المُجلَّلة المليئة بالذهب والفضة والمرايا والفسيفساء ذات الألوان المختلفة وأحجار المرمر التي بناها الجبَّارون والظَّلَمَة بالمال الحرام -أو على الأقل بالمال الذي فيه شبهة- والأغلب أنهم فعلوا ذلك بقصد خداع العوام[467]، فكيف يشفون الناس في مثل هذه الأمكنة.

لديّ ذكرى أرى من المناسب أن أذكرها هنا:

في صباح أحد الأيام في آخر فترة إقامتي في مدينة «مشهد»، عندما أردت الخروج من حرم حضرة الرضا (ع) رأيت رجلاً قد أمسك الضريح بيديه ووضع جبينه عليه يُتمتم بكلمات بشفتيه، فتقدَّمت نحوه وقلت: أيها السيد! مع من تتكلَّم؟ فرفع رأسه ونظر إليّ وقال: معلومٌ أنني أُكَلِّم الإمام الرضا! فقلت: وهل الإمام الرضا (ع) حيٌّ؟ فنظر إليّ هذا الزائر بتعجب إذْ كنتُ أرتدي لباس علماء الدين المُعمَّمين وقال: أجل إنه حيّ! فقلت: أنا مجتهد، وطبقاً لشرع الإسلام، يجب علينا أنا وأمثالك الذين نعلم أن حضرته لم يمت، أن نأتي بالمجرفة والمعول ونستخرج إمامنا الجليل من داخل القبر، فلا يجوز أن يُدفن المسلم -فما بالك بالإمام- في القبر وهو حيٌّ! ثم هل تعتقد أن المأمون العباسي لم يسمَّ الإمام ولم يمت الإمام من جرَّاء ذلك؟! فلماذا إِذَنْ تُحيي ذكرى يوم وفاته؟! قال: إن الإمام قد مات ولكننا نُكلم روح الإمام. قلتُ: هل روحُ الإمام في الضريح؟ فهزَّ رأسه أن: «نعم»، فقلتُ: إن الذي بنى هذا القبر هو الشاه عباس المجرم شارب الخمر، فأين كانت روح الإمام قبل الشاه عباس؟ ثم أين قال القرآن أو الحديث إن روح الإمام تكون في الضريح؟ وأيّ مرجع قال إن روح الإمام في الضريح؟ فقال: لا أعلم؟ فقلتُ: هل تعتقد أن روح الإمام تسكن في دنيانا هذه؟ قال: فأنت ماذا تقول؟ قلتُ: إن روح النبيّ والإمام في عالَم البقاء وليست في عالَم الفناء وهي لا تسمع صوتي ولا صوتك ولا صوت أحد من الناس، أفلم تقرأ القرآن الذي خاطب الله تعالى فيه نبيَّه قائلاً: ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ ٢٢[فاطر: ٢٢]، وقال له أيضاً: ﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ [النمل: 80] فإذا كان النبيّ لا يستطيع أن يُسمع الموتى فبالطبع لن تستطيعَ أنتَ ولا أنا أن نفعل ذلك. تعجب الرجل كثيراً لسماعه هذا الكلام من شيخ مُعمَّم ولم يكن يُصدق ما تسمعه أذنيه من فرد مُعمَّم!![468]

وأتذكر ذكرى أخرى عجيبة جداً أيضاً وتدلّ على مدى تعصّب المشايخ الشديد وعدم صدقهم، ومن المفيد أن أذكرها هنا لإيقاظ الناس وتوعيتهم وهي من النماذج البارزة للآية المباركة التي تقول: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ[الشورى: ١٤]:

قبل سنوات ماضية كنا في إحدى المجالس الخاصة وكان معنا شخص أو شخصان وقام أحد المشايخ الذي كان مشهوراً إلى حد ما وله وجه بين الناس بالتحاور معي حول توحيد العبادة والطواف والنذر والذبح و الخ... وكان يقول: إذا كنتَ في ميدان فردوسي[469] تبحث عن محل خاص - مثلاً بائع حلويات - ولأجل أن تجده كنتَ تلفّ حول الميدان، فهل يجوز أن نقول بما أنّك طفت حول تمثال الشاعر فردوسي فإنك قد عبدتَهُ؟!! وما رأيك بقوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ غِلۡمَانٞ لَّهُمۡ[الطور: ٢٣]، هل يمكن القول إن الغلمان يعبدون أهل الجنة؟!!

وأردف يقول: والأهم من ذلك أن «السجود» من أقوى وأوضح أشكال العبادة ويدل على غاية الخضوع التذلل، ولكننا نرى في القرآن أن الملائكة يسجدون لغير الله أي لآدم ولم يُعتَبَر هذا الأمر عبادة لآدم، بناء على ذلك فإن السجود والطواف والنذر و..... وأمثال هذه الأعمال لا تكون عبادةً إلا إذا اقترنت باعتقاد فاعلها بإلهية من تُقَدَّم له!!

واستنتج قائلاً: لا يجوز لكم أن تحكموا على عمل ما بأنه عبادة استناداً إلى ظاهر هذا العمل فقط دون أخذ نية العامل بعين الاعتبار، بل لا بد أن يكون العمل قد تمَّ بنية التقرُّب إلى من يُعتقد فيه الإلـهية كي يُعْتَبَر عبادةً، فإن قلتَ لقد نذرت ألف تومان للمسكين الذي في حيِّنا كي يشفَى ابني فهل تكون قد نذرتَ لِـلَّهِ أم لذلك المسكين؟! و (العقيقة)[470] مثل النذر حيث يقوم المسلم بذبح أضحية لأجل سلامة طفله الوليد. إنك تقدم الأضحية أو العقيقة لِـلَّهِ أي أنك في الواقع تفعل ذلك لتنال رضا الحق وتدفع مبلغاً للمسكين، لا أن المسكين هو الذي تنذر له بل الذي تنذر له هو الله. فإذا قال شخص لقد نذرت للإمام الرضا أو لحضرة موسى بن جعفر أو..... أنني لو عاد ابني المسافر سالماً فسأذهب لزيارتهم، فليس قصده أنه نذر للإمام بل هو يقصد أنه يهدي ثواب عمله له!!! وهذا كمثل الإنفاق: فإذا أنفقتَ تبتغي بذلك وجَه الله، اُعتُبِر إنفاقكَ عبادةً، أما لو أنفقت لِلَفْتِ أنظار الناس نحوك ونيل الجاه لديهم، اُعْتُبِر إنفاقك رياءً ومعصيةً، في حين أن ظاهر العمَلَين واحد وهو إعطاء المال أو اللباس أو الطعام لفقير! [فالنية هي التي تحكم على العمل وليس مجرَّد شكله الظاهري].

وتابَعَ يقول: لاحظوا أن القرآن قال: ﴿مَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ... ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌ[المائ‍دة: ٣]، وأنتم تعلمون أن من عادات الناس في الجزيرة العربية في عهد الجاهلية كان تقديم القرابين للأصنام، وقد حرّم الإسلام هذا العمل، وحتى أهل السنة - كما في سنن أبي داوود - رووا أن النبي ص كان يحرص بشدَّة على أن لا يضحّي الناس للأوثان والأصنام بناءً على عاداتهم القديمة. فلماذا تعمّمون قول القرآن حول المشركين والوثنيين على المسلمين؟!

وتابع قوله : كما أنكم تخطئون في فهم الآية التي تقول: ﴿أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ[الزمر: ٣]، إذ اعتبرتم أن عمل المسلمين في زيارة مراقد الأئمة والطواف حولها يشابه أعمال المشركين [الذي يتقرَّبون بأوليائهم إلى الله]، مع أنه لا علاقة للآية المذكورة بالمسلمين، فلماذا لا تنتبهون إلى الجزء الأخير من الآية الذي يقول: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ ٣[الزمر: ٣]. بناء على ذلك يتبيّن أن المشركين كانوا يكذبون ولم يكونوا يعتبرون في قلوبهم الأصنامَ مجرد «واسطة» أو «وسيلة» للتقرب إلى الله، بل كانوا يعطون للأصنام مقاماً أعلى من هذا المقام ويعتقدون فيهم أمراً أرفع شأناً!! (انتهى كلام الشيخ المُحَاوِر لي).

كان كلام هذا المُحاوِر عجيباً في نظري فعلاً، لأنه كان يتشبّث بأمور بطلانها في غاية الوضوح والبداهة، كي لا يتخلَّى عن عقيدته الخرافية!! قلت له: نعم لو أن العمل يتم بالصورة التي تذكرها، لا يمكن اعتباره طوافاً عبادياً، لكن بالله عليك قُل لي بكل تجرُّد وصدق: هل طواف الذين يطوفون حول مراقد أئمة الدين في حرم مشهد أو كربلاء أو حرم قم يشبه طوافي حول ميدان فردوسي بحثاً عن محل بائع الحلويات؟! ألا تعلم حقيقةَ أن الناس يعتبرون صاحب القبر الذي يطوفون حوله عليماً بحالهم ويتوقعون منه أن يلبّي حاجاتهم ويشفع لهم بالقدرة التي منحها الله له، الأمر الذي لا دليل شرعي عليه بالطبع؟

وبالنسبة إلى النذر: أنا أيضاً أعتقد مثلك أنه لا ينعقد أي نذر إلا إذا كان لِـلَّهِ وأُدِّي بصيغة خاصة كقول الناذر: «لِـلَّهِ عَلَيَّ......» أي: أنذر لِـلَّهِ إن حقَّق لي حاجتي أن أقوم بالعمل الفلاني [عمل خير مطلوب شرعاً]. لكنني أسألك وأقسم بالله عليك: ألا تعلم أن 99% من النذور التي يفعلها الناس لا تتم بهذه الصورة؟ هل تدّعي هذه الادّعاءات صادقاً وبدافع خيِّرٍ؟ إن لم يكن هذا العمل تعصّباً ولجاجاً فما هو إذاً؟

أجل، عندما تُحْشَر في الزاوية أمام المعترضين المطّلعين على أعمال الناس تجاه أئمة الدين تقول إن إقامة مجالس مائدة أبي الفضل أو النذر للإمام الرضا... إنما تتم بهذه الصورة وهي قول الناذر نذرت لِـلَّهِ وأهديت ثواب ذلك إلى حضرة أبي الفضل أو الإمام الرضا أو موسى بن جعفر أو......، لكن هذا الادعاء كذب محض وأنت تعلم جيداً أن 99% من الناس لا ينذرون بهذه الطريقة ومع ذلك فإنك لا تنهاهم عن ذلك، فأنا لم أسْمَع نهيك عن ذلك.

أنت تعلم جيداً أن الناس يقولون: إذا شُفِيتُ من مرضي أو قُبِل ابني في الجامعة أو كسب أبي القضية في المحكمة أو عاد أحد أعزائي من السفر سالماً أو..... فسأذهب لزيارة الإمام الرضا (ع) بنيّة أن الإمام عالمٌ بكلامي وقصدي - وإن لم نقل إن قائل ذلك الكلام يعتقد أن الإمام يمكنه أن يلبي حاجته بالقدرة التي أعطاه الله إياها - فعلى الأقل نقول على وجه القطع واليقين أن قائل ذلك الكلام يعتقد أن الإمام سيشفع له عند الله ويأخذ له حاجته من الله عندما يعلم أن قائل ذلك الكلام سيذهب إلى مرقده ويعظّمه ويكرّمه ويظهر له محبّته، فما هو الباعث على أن يقوم الناذر - هذا طبعاً حسب ادّعائك - بإهداء ثواب نذره أو أضحيته إلى السيد نصر الدين أو شاه چراغ ولا يهدي ثواب ذلك إلى روح أبيه أو أمه أو أخيه أو أخته؟ أليسوا هم أكثر حاجة إلى هذا الثواب من ذلك الإمام أو حفيد الإمام؟! نعم، إنه لا يفعل ذلك لأنه يعلم أن أباه وأمه لا يقدران على فعل شيء، ولكنه يعتقد أن الإمام الفلاني أو حفيد الإمام الفلاني عليم بحاله وعلى الأقل يشفع له عند الله ويحقِّق له مطلوبه وحاجته من الله!!

أما قولك إن الله تعالى قال: ﴿طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ[النور : ٥٨]فإن المراد من هذه الجملة المعاشرة والمصاحبة لا الطواف التعظيمي الذي نقصده نحن، ومثل تلك المعاشرة خارجة عن بحثنا تماماً، أو قول الله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ غِلۡمَانٞ لَّهُمۡ كَأَنَّهُمۡ لُؤۡلُؤٞ مَّكۡنُونٞ ٢٤[الطور: ٢٣]، أو قوله: ﴿يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكۡوَابٖ وَأَبَارِيقَ وَكَأۡسٖ مِّن مَّعِينٖ ١٨[الواقعة: ١٧، ١٨]471] ، فالمراد هو الضيافة الكاملة والخدمة التامة، يعني أن هؤلاء الخدم يعتبرون مخدوميهم بحاجة دائمة إلى خدماتهم لا أن الخدم ينظرون إلى مخدوميهم بوصفهم شفعاء لهم عند الله! كما أنهم لا يطلبون أي حاجة من مخدوميهم المُطاف بهم. هذا بالطبع إذا اعتبرنا «الطواف» في هذه الآيات هو الدوران حول الشخص لا خدمته، في حين أن القرآن بذكره للأكواب والأباريق والكؤوس يبيّن لنا أن المقصود هو الخدمة لا الطواف بمعنى الدوران. وأنت تعلم جيداً أنه إذا قيل أنّ الخُدَّام في العرس الفلاني أو في المطعم الفلاني «كانوا يطوفون على الضيوف أو الزبائن بالأواني المملوءة بالأطعمة والفواكه والأشربة كما تطوف الفراشة حول الشمعة» فليس المقصود أن الخدّام كانوا يدورون 360 درجة حول كل ضيف أو زبون!! بل المقصود إنهم كانوا يبذلون قصارى جهدهم في الخدمة والضيافة[472]. لاحظوا أننا في موضوع «الطوافّ» لا ننكر «نيّة» الطائف ولسنا غافلين عن حقيقة حاله ولا نقول: إن «النية» ليست شرطاً, بل نقول: إن الطواف يقع في ورطة الشرك بنيّة أقل من اعتبار المطوف به إلهاً خالقاً محيياً مميتاً ومالكاً للسماوات والأرض.

إن الإشكال في عمل الناس هو أنهم يعتبرون أئِمَّة الدين مطلعين على أحوالهم، ولهذا السبب يطوفون حول قبورهم ويُقَبِّلُون أضرحتهم ويتبرَّكون بها وبعد أن يلمسوا الضريح يمسحون رؤوسهم ووجوههم بأيديهم ويطوفون بأمواتهم حول أضرحة الأئِمَّة أو يطوفون بخليط المُكَسَّرات أو السكر النباتي[473] حول الضريح لتحلّ فيها البركة أو يحتفظون بغبار ضريح الإمام الرضا للتبرك به، أو يقدِّمونه إلى أعزَّتهم كهدية ويدعون الأئمَّة بلا قيد أو شرط. وأنت مُطَّلعٌ تماماً على هذا الأمور لكنك تتجاهل هذه الحقيقة! بناءً على ذلك ليس من الضروري أن يعتبر الطائف أن المطوف به هو الله الخالق حتى يكون طوافه به عبادة له، بل مجرد قيام الطائف بدعاء أئمة الدين بنحو غير مقيد واعتباره أئمَّةَ الدين مطلعين على أحواله، ومجرد قيامه بهذا العمل [الحج إلى قبورهم والطواف حولها] والتبرك بأضرحتهم يكفي للحكم بأن عمله مخالف للشرع وغير جائز. لماذا تتجنب الصدق والإنصاف في نقاشك وتكتم الحقائق وتصور أن طواف الناس حول قبور الأئمة يماثل الدوران حول ميدان (ساحة) فردوسي؟! عندما أدور حول ميدان فردوس فإنني لا أفكر في تمثال فردوسي إطلاقاً بل كل ما أفعله هو البحث عن الدكان المطلوب، أما الناس فعندما يطوفون حول قبور الأئِمَّة فإنهم يفعلون ذلك ليهتم بهم المطاف به ويوليهم عنايته، فأين هذا من ذاك؟!

ثم متى قال الله تعالى في كتابه أن لزيارة قبور الأئِمَّة ثواب وأجر حتى يُهدي الزائر ثواب زيارته إلى الإمام؟ هل هناك من معنى أن أقوم بالسفر من أهواز إلى مشهد لأزور قبر الإمام رضا (ع) وأطوف بقبره لمجرد أن أقدِّم الثواب الذي تدَّعُونه لهذا العمل إلى الإمام؟ هل تبحث فعلاً عن الحق والحقيقة عندما تقول مثل هذا الكلام في نقاشك؟! هل أنت غافل حقيقةً عن الفرق بين الدوران حول ميدان فردوسي بحثاً عن محلٍّ ما وطواف الناس حول أضرحة الأئِمَّة أو أحفادهم وتعتبر من صميم قلبك أن العملين مثل بعضهما؟!!

أما بالنسبة إلى «السجدة» فإن في كلامك مغالطة، ذلك بأننا لم نرَ أنا ولا أنت الملائكة والجنّ - والشيطان من الفريق الثاني [الكهف: 50]- ؛ بناءً على ذلك من أين تعلم أن للملائكة والجن جبهةً وأيدٍ ورُكَباً وأقداماً مثلنا، وأن السجود الذي طُلب منهم يُماثِلُ سجودَنَا؟ هل كان قصد يوسف (ع) من قوله لحضرة يعقوب (ع): ﴿إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ ٤[يوسف: ٤] أن الشمس والقمر يسجدان له بوضع أعضائهما السبعة[474] على الأرض؟!! أو أن القرآن الذي قال: ﴿وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ ٦[الرحمن: ٦]قصد أنهما يضعان أعضائهما السبعة على الأرض ساجدين؟!! وكذلك إذا تأملنا الآية 100 من سورة يوسف (ع) التي تقول: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗا[يوسف: ٩٩] لتبين لنا أن سجدتهما - كما ذكر ذلك أبو الفتوح الرازي- كانت سجدة تعظيم وتكريم لا سجدة عبادة، لأن الآية تُصرِّح بأن يوسف رفع أبويه على العرش، ومعلومٌ أن الذي يجلس على العرش أو كرسي الحكم لا يمكنه أن يضع جبهته على الأرض في هذه الحالة. (فتأمل) بناءً على ذلك لقد قام والدا يوسف وإخوته - الذين شملتهم عبارة «خَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗا» - بعمل كان في عرف ذلك الزمان دالاً على الإكرام والخضوع ولم يكن سجود عبادة.

كل شيخ يعلم أن مفردات مثل «الصلاة»[475] و«الركوع» [سورة المائدة: 55، وص: 24] لم تأتِ في القرآن الكريم دائماً بمعناها الشرعي المنقول والفقهي بل استعملها القرآن الكريم أحياناً بمعناها اللغوي الأصلي.

وبالنسبة إلى موضوع «السجود» لآدم ينبغي أن ننتبه إلى أن المأمورين بالسجود لم يكونوا بشراً، وَمِنْ ثَمَّ فمن الواضح أن السجود هنا لم يأتِ بمعناه المصطلح الشرعي، بل المقصود منه المعنى اللغوي الأصلي وهو إظهار التعظيم والتكريم. ولذلك فلا يجوز قياس سجود الملائكة، أي تعظيمهم وتكريمهم لآدم، على السجود العبادي وسائر العبادات التي يقوم بها البشر.

ثانياً: أمر الله تعالى الملائكة والجن صراحةً بالسجود لآدم، ولو أمرنا الله في القرآن أن نؤدي العبادات لغيره تعالى لأطعناه فيما أمر وَلَمَا كان بيننا بينكم خلاف. فعليكم أن تأتوا بدليل واحدٍ على أن الله أجاز لنا أداء العبادة لغيره، كأن ندعو ونتضرع لغيره ونطلب منه حاجاتنا على نحو غير مقيد، أو نؤدي الطواف والنذر ونحر الأضاحي لغيره.... في حين أن الأمر خلاف ما تدَّعون إذ نهانا القرآن مراراً وتكراراً عن دعاء غير الله دعاءً غيرَ مقيَّد، وذمَّ المشركين على قيامهم بأعمال عبادية كالطواف والنَّذْر تجاه معبوداتهم التي يدعونها من دون الله رغم أن كثيراً منهم - على أقل تقدير (إن لم نقل كلهم)- ما كانوا يعتبرون معبوداتهم مستقلةً (عن الله).

ثالثاً: إذا كان «السجود» لا يُعتَبَر سجوداً شرعياً إلا إذا اقترن بنية الساجد واعتقاده أن المسجود له إلهاً وادّعيتَ أن القرآن ينص على أنّ السجود قد أُمِر به لغير الله، فلماذا نهى الإسلام عن مطلق السجود لغير الله واعتبره عملاً ممنوعاً ومحرَّماً دون أن يُقيِّد ذلك بأي قيد؟ لقد أتيت بمثال عن أمر لا يجوز فعله لغير الله، فإن كنت محقاً في كلامك فأتنا من القرآن بمثال عن عمل عبادي تم أداؤه لغير الله ولم ينه الإسلام عنه.

أما قولك بأن للعبادات ظاهراً وباطناً ونيّةً، فأنت تعلم جيداً أننا لا نجهل هذه الأمور وكلنا نعلم أنّه لو قُذِف بشخص عارٍ بالقوة في حوض ماء فلا يُعتَبَر عمله غسلاً ارتماسياً! و أنه لو أعطى شخصٌ فقيراً لباساً أو مالاً أو طعاماً لا لوجه لله بل تلبية لرغبة نفسية فلا يُعتَبَر عمله ممارسة لعبادة الإنفاق ولا يُثاب عليها، أو لو أعطى فقيراً شيئاً رياءً وسمعةً - كما تقول - لكان عمله معصية قطعاً لأنه لم يرد بعمله نيل رضا الله.

لكنك تعلم أن العبادات نوعان: النوع الأول العبادات التي لها قالب محدّد ومعيّن كالصلاة والسجود والنذر والطواف ونحر الأضاحي و..... فمثل هذه العبادات لا يجوز القيام بها لغير الله حتى بشكلها الظاهري. النوع الثاني: أعمال الخير والعبادات التي ليس لها قالب محدّد كالإنفاق العام الذي يمكن أن يؤديه الإنسان جالساً أو واقفاً، ليلاً أو نهاراً، للقريب أو للغريب، بيده مباشرةً أو عبر شخص آخر..... الخ. أولاً: إنك ضربت مثالاً للعبادات من النوع الثاني لا من النوع الأول، ثانياً في كلا النوعين من العبادات النقطة الرئيسية المهمة هي الجهة التي تؤدَّى إليها الأعمال العبادية! لهذا السبب إذا عمل الإنسان عمل خير يحبّه الله ولكنه لم يقصد بعمله هذا وجه الله بل عَمِلَه رياءً أو بنيّةٍ غير الرياء كأن يريد به استعطاف ولفت نظر غير الله، كان عمله معصيةً واُعتُبِر هذا الرياء شعبة من الشرك. (فتأمّل).

بناء على ذلك، حتى لو أراد شخص أن ينحر شاةً لِـلَّهِ ولكنه فعل ذلك أمام إمام أو ملك أو رئيس جمهورية أو أمام عزيزٍ عاد من السفر، فإن عمله هذا مُنْتَقَد في عقيدتنا لأنه أراد بهذه التضحية جلب اهتمام الإمام أو الملك أو..... (يعني غير الله). أما الذي يطوف حول مرقد أحد أئمة الدين الأجلاء فإنه يريد أن يطّلع صاحب القبر على عمله، ولو كان يعتبره غير مطّلع على عمله لَمَا جاء من أماكن بعيدة لزيارته و لَمَا طاف حول قبره و لَمَا ناداه، بناء على ذلك، فإنه يريد من طوافه حول قبره أن يلتفت إليه صاحب القبر ويهتم بأمره، لأنه يريد في الواقع أن يتوسّط له عند الله ويشفع له.

أما الذي ينذر إذا شفي مريضه أن يعطي مالاً لمسكين في حيّه أو يطعمه فإنّه لا يريد لفت انتباه المريض إليه واهتمام المريض به، ولا لفت انتباه الفقير إليه واهتمامه به، بل كل ما يريده هو أن ينتفع مريضه بهذا النذر، وكذلك الذي يقوم بسنة العقيقة يعلم جيداً أن وليده لا يعلم شيئاً عن عملِ أبيه هذا، بل الذي يقوم بالعقيقة يبغي أن يعلم الله بعمله ويقبله ويدفع عن وليده الشرّ بعمل الخير هذا الذي فعله لأجله، هذا في حين أنك تعلم جيداً أن الناس لدينا عندما ينذرون للإمام فإن الإمام لا ينتفع بالنذر بل الناذر هو الذي يبحث عن النفع ويبحث عن التفات الإمام إليه واهتمامه به، وفي الواقع يريد من المنذور له (الإمام) أن يشفع له عند الله ويتوسط له عنده.

أما بالنسبة إلى قولك إن المشركين كانوا يعتبرون معبوداتهم أعلى شأناً وأعظم مقاماً من مجرد وسطاء وشفعاء فهو قولٌ عارٍ عن الدليل لأن القرآن يقول صريحاً إن المشركين كانوا يقولون: ﴿هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ[يونس : ١٨]، والشفيع هو الواسطة أو الوسيط، علاوة على ذلك لا يجوز لنا أن نلفّق من عند أنفسنا أموراً وأقوالاً حول هذه الآيات القرآنية، ألم تقرأ قول الله في إحدى السور المكيّة من القرآن: ﴿فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢ ۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٢٨[الاحقاف: ٢٨]، فالقرآن نفسه بيّن أنّ هدف المشركين من قيامهم بالأعمال العبادية لمعبوداتهم أن يتقرّبوا بها إلى الله ولا نستطيع نحن أن نلفّق كلاماً مخالفاً لذلك من عند أنفسنا. إن الله تعالى العليم بالسرائر يقول إن كذب المشركين كان هذا الأمر بالذات، أما أنت فتدّعي أن كذبهم كان شيئاً آخر!!! فلماذا لم يشر القرآن إلى كذبهم ذاك الذي تتحدّث عنه؟

56قال صاحب تفسير «الميزان» لدى تفسيره الآية الثالثة من سورة الزمر:

".... وهؤلاء هم الملائكة والجن وقِدِّيْسُو البشر وهؤلاء هم الأرباب والآلهة بالحقيقة [عند المشركين]. أما الأصنام المصنوعة المنصوبة في الهياكل والمعابد فإنما هي تماثيل للأرباب والآلهة وليست في نفسها أرباباً ولا آلهةً غير أن الجهلة من عامتهم ربما لم يفرقوا بين الأصنام وأرباب الأصنام فعبدوا الأصنام كما يعبد الأرباب والآلهة وكذلك كانت عرب الجاهلية"[476].

ثم تابع يقول أنه في عقيدة المشركين: "... الأرباب والآلهة هم المعبودون عندهم وهم موجودات ممكنة مخلوقة لِـلَّهِ مُقَرِّبَةٌ عنده، مُفَوَّضَةٌ إليهم تدبير أمر العالم، لكل بحسب منزلته وأما الله سبحانه فليس له إلا الخلق والإيجاد وهو رب الأرباب وإله الآلهة[477]". [478].57

قُلْ لي الآن: ما الفرق بين نظرة الناس لدينا إلى الأئِمَّة والشخصيات الدينية المقدَّسة العظيمة وسلوكهم نحوهم وبين نظرة المشركين وسلوكهم نحو الشخصيات التي كانوا يعبدونها؟ لاحظ أن أستاذك العلامة [محمد حسين] الطباطبائي صرَّح في تفسيره لسورة الزمر في تفسير «الميزان»: "إن الله لا يقبل عبادة شخص يعبد الله ويعبد غير الله أيضاً". (فتأمَّل). فلنفرض أن المشركين - بناء على فرضك الذي لا دليل عليه - كانوا يعتبرون معبوداتهم أرفع مقاماً وأعلى شأناً من مجرّد شفعاء ومُقَرَّبين من الله، أفلم يكن القرآن لِيَعْتَرِضَ عليهم لو كانوا يعتبرون معبوداتهم شفعاء ومُقَرَّبِين من الله فقط؟! لقد ذمّهم القرآن حول هذا الموضوع بالذات كما يقول صاحب تفسير «الميزان» واعترض عليهم فيه؟! [479]

أما ما نَسَبْتَهُ إلى سنن أبي داود فإن لم تَخُنّي ذاكرتي فهو حديث لا يفيد بأي حال من الأحوال حَصْر النهي عن نحر الأضاحي لغير الله بنحرها للأصنام فقط بل نهي الإسلام شامل لنحر الأضاحي لأيِّ أحدٍ غير الله سواء للأصنام أم لغير الأصنام، وبعبارة أخرى الإسلام لا يُجيزُ النذرَ إلا لِـلَّهِ وحده فقط. ثم قلتُ له: على كل حال إذا عدتُ إلى المنزل فسوف أقرأ الأحاديث ذات العلاقة ولو كنتُ مخطئاً فسأتصل بك هاتفياً لأخبرك وأعترف بخطئي.

نعم، في تلك الجلسة لم يقدّم الشيخ المذكور أي جواب مقنع، ولما حان وقت طعام الغداء انتهى النقاش دون الوصول إلى نتيجة مفيدة.

ولما رجعت إلى منزلي أخذت كتاب سنن أبي داود وقرأت الحديث الذي أشار إليه الشيخ المذكور ورأيت أن الشيخ - كما كنت أتوقّع - لم يكن صادقاً في نقله وأن الحديث الذي أشار إليه يؤيِّد كلامنا لا كلامه. وفيما يلي أنقل لكم نصَّ هذا الحديث من الجزء الثالث من سنن أبي داود، كتاب الأيمان والنذور، (باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر)، كي يحكم القراء بأنفسهم في هذا الأمر:

الحديث 3312: "...... أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ ص فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ، قَالَ: أَوْفِي بِنَذْرِكِ. قَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، مَكَانٌ كَانَ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: لِصَنَمٍ؟ قَالَتْ: لاَ. قَالَ: لِوَثَنٍ؟ قَالَتْ: لاَ. قَالَ: أَوْفِي بِنَذْرِكِ"[480].

3313: " نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ص أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ص فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ص: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لاَ، قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» قَالُوا: لاَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: »أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»".

ثم في الحديثَيْن اللذَيْن وردا في سنن أبي داود أيضاً بعد الحديثين المذكورين، جاء أن رجلاً قال لرسول الله ص: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ ذَكَرٌ أَنْ أَنْحَرَ عَلَى رَأْسِ بُوَانَةَ فِي عَقَبَةٍ مِنَ الثَّنَايَا عِدَّةً مِنَ الْغَنَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: «هَلْ بِهَا مِنَ الأَوْثَانِ شَيْءٌ؟». أو «هَلْ بِهَا وَثَنٌ أَوْ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ» قَالَ: لاَ. فقَالَ ص: «فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَ بِهِ لِـلَّهِ ».

لاحِظوا كيف أن الإسلام يحرّم نحر الأضاحي لغير الله والذي عُبِّر عنه [أي عن غير الله] في الأحاديث المذكورة أعلاه بكلمة: «الصنم»، وكما قلنا في الصفحات الماضية كانت أصنام المشركين وأوثانهم تماثيل تذكّرهم بالملائكة وبالشخصيات المقدَّسة العظيمة ولم يكن المشركون يؤدون تلك الأعمال للأخشاب والأحجار والمعادن بحد ذاتها. وهنا نقول إن الشخصيات العظيمة والجليلة في الإسلام (الأنبياء والأئمة والأولياء) ليسوا بخارجين عن عنوان «غير الله» وَمِنْ ثَمَّ فلا يجوز أداء الأعمال العبادية لهم أيضاً مثل النذر ونحر الأضاحي والطواف وغير ذلك. (فتأمّل جدّاً).

قل اختتام هذا المبحث، ولكي يطمئن القارئ الطالب للحق إلى أن الشيخ المذكور لأجل أن ينقذ نفسه من الزاوية التي حُشِرَ بها، ادعى بشأن الآية 3 من سورة الزُّمَر[481] ادعاءً يفتقر إلى الدليل، وأنه وخلافاً لكلامه، كان المشركون يعتبرون معبوداتهم مُقَرِّبة لهم إلى الله، وكان كذبهم المُشار إليه في آخر الآية هو هذا الأمر بالذات أي هو ادعاؤهم أن معبوداتهم تقرّبهم من الله وتشفع لهم عنده، نأتي بما قاله صاحب تفسير «الميزان» في تفسيره للآية 28 من سورة الأحقاف أي قوله تعالى: ﴿فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢ ۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ وَذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٢٨[الاحقاف: ٢٨]، قال:

"و«قُرْبَانَاً» بمعنى ما يُتَقَرَّبُ به، والكلام مسوق للتهكم، والمعنى: فلولا نصرهم الذين اتخذوهم آلهةً حال كونهم مُتَقَرَّبَاً بهم إلى الله كما كانوا يقولون: ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ[الزمر: ٣].

و قوله: ﴿بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡ[الاحقاف: ٢٨]: أي ضل الآلهة عن أهل القرى وانقطعت رابطة الألوهية والعبودية التي كانوا يزعمونها ويرجون بذلك أن ينصروهم عند الشدائد والمكاره فالضلال عنهم كناية عن بطلان مزعمتهم."

كما اعتبر تفسير «منهج الصادقين»[482] أيضاً -ذيل تفسيره للآية 3 من سورة الزمر- أن المشركين كانوا كافرين بنعمة المنعم الحقيقي، وكاذبين بما ادَّعوه من شفاعة الآلهة.

وجاء في «تفسير نمونه» أيضاً ذيل تفسيره الآية 28 من سورة الأحقاف:

"وتوبِّخ الآية الأخيرة من هذه الآيات هؤلاء العصاة، وتذمُّهم بهذا البيان: ﴿فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢ؟.

حقّاً، إذا كانت هذه آلهة على حق، فلماذا لا تعين أتباعها وعُبَّادَهَا وتنصرهم في تلك الظروف الحسّاسة، ولا تنقذهم من قبضة العذاب المهول المرعب؟ إنّ هذا بنفسه دليل محكم على بطلان عقيدتهم حيث كانوا يظنّون أنّ هذه الآلهة المخترعة هي ملجأهم وحماهم في يوم تعاستهم وشقائهم.....

وأخيراً تقول الآية: ﴿ذَٰلِكَ إِفۡكُهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٢٨فإنّ هذا الهلاك والشقاء، وهذا العذاب الأليم، واختفاء الآلهة وقت الشدّة والعسر، كان نتيجة لأكاذيب أولئك وأوهامهم وافتراءاتهم"[483]. انتهى.

وقال شيخ الطائفة الطوسي في تفسيره «التِّبْيان» ذيل تفسيره الآية 3 من سورة الزُّمَر:

"وقوله ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ[الزمر: ٣]معناه الحكاية عما يقول الكافرون الذين يعبدون الأصنام فإنهم يقولون: ليس نعبد هذه الأصنام إلا ليقربونا إلى الله زلفى أي «قُرْبَى»- في قول ابن زيد- وقال السدي: الزُّلْفَى: «المنزلة». و(الأَوْلِيَاءُ) جمع ولي، وهو من يقوم بأمر غيره في نصرته، وحذف (يقولون) لدلالة الكلام عليه، وهو أفصح، وأوجز.

ثم اخبر تعالى فقال ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ [يوم القيامة] فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ من إخلاص العبادة لِـلَّهِ والإشراك به، ثم قال ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ ٣[الزمر: ٣]معناه إن الله تعالى لا يهديه إلى طريق الجنة أو لا يحكم بهدايته إلى الحق، (مَنْ هُوَ كاذِبٌ) على الله في أنه أمره باتخاذ الأصنام[484]، كافر بما أنعم اللهُ عليه، جاحد لإخلاص العبادة، ولم يرد الهداية إلى الإيمان‏"[485].

هذا وقد ذكرت بعض كتب التفسير لدى تفسير الآية 3 من سورة الزُّمَر حديثاً عن النبي ص فيما يلي نصُّهُ:

"إِنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَسْأَلُ كُلَّ إِنْسَانٍ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ فَيَقُولُ كُلُّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ: رَبَّنَا إِنَّا كُنَّا نَعْبُدُهَا لِتُقَرِّبَنَا إِلَيْكَ زُلْفَى! قَالَ: فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: اذْهَبُوا بِهِمْ وَبِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ إِلَى النَّارِ مَا خَلَا مَنِ اسْتَثْنَيْتُ فَإِنَّ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ" [الأنبياء: 101].‏ (نور الثَّقلين[486]، ج 4، ص 475).

وقال المرحوم الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» ذيل تفسيره للآية 3 من سورة الزمر، عن المشركين:

" «وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ »: أي زعموا أن لهم من دون الله مالكاً يملكهم وهاهنا حذف يدل الكلام عليه أي يقولون «مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ» أي ليشفعوا لنا إلى الله. والزلفى: «القربى»، وهو اسم أقيم مقام المصدر..... «إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي» إلى طريق الجنة أو لا يحكم بهدايته إلى الحق «مَنْ هُوَ كاذِبٌ» على الله وعلى رسوله [يقصد الأنبياء السابقين]‏"[487].

وقال في تفسيره للآية 28 من سورة الأحقاف:

فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢ»: أي فهلا نصر هؤلاء المهلكين الذين اتخذوهم آلهة وزعموا أنهم يعبدونهم تقرُّبَاً إلى الله تعالى، ثم لم ينصروهم لأن هذا استفهام إنكار «بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ» أي ضلَّت الآلهة وقت الحاجة إليها فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم «وَذلِكَ إِفْكُهُمْ» أي اتخاذهم الآلهة دون الله كذبهم وافتراؤهم وهو قوله «وَما كانُوا يَفْتَرُونَ» أي يكذبون من أنها آلهة"[488].

هذا، ثم سمعت بعدها أن الشيخ المذكور بقي يكرِّر الكلام ذاته في جلسات تدريسه للطلاب الشباب أو في خطبه المنبرية التي يلقيها على العامَّة ويواصل خداعه لهم وتضليله. وقد بَعَثْتُ إليه برسالةٍ قلتُ له فيها: إن كنتَ تريدُ الحق والخير فعليك أن تطرح الإشكالات التي أذكرها أنا وأمثالي على ما تقوله ثم تفنّدها بالدليل والبرهان، أما إصرارك على إعادة الكلام نفسه الذي قلته ورددت عليه فهو أمرٌ مخالفٌ للإنصاف العلمي وهو في الواقع خداع للعامة، ألا تخاف الله عندما تكتم دلائل الخصم وتتجاهلها وتعرض للناس كلاماً أنت تعرف الردّ عليه؟ ولم يجب على رسالتي وفي الوقت ذاته لم يتوقف عن تكرار كلامه واستمر على ذلك. ولقد ثبت لي مراراً خلال السنين الطويلة التي قضيتها بين المشايخ أن أكثرهم لا يبحث عن الحق والحقيقة. وَاللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَلَهُ الْحَمْد.

إن تعصب المشايخ ومخالفتهم للحق لا تنحصر بهذا الشخص. من النماذج الأخرى لذلك أحد طلاب الشريعة الشباب الذي كان يحضر أحياناً جلسات التفسير التي أعقدها في منزلي وكان يطرح إشكالات مختلفة على ما أقوله، وكان من الواضح أنه متردد بين قبول عقائدنا أو قبول خرافات أهل الحوزة[489]، وجاء يوماً وحده لعيادتي حيث كنت مريضاً طريح الفِراش، وقال لي أثناء كلامه: أنت مثل الوهابيين تعمِّم نهي القرآن عن دعاء الأصنام على المسلمين الذين لا يدعون الأصنام، فما دليلك على هذا التعميم؟ مثلاً قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ١٣ إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ [فاطر: ١٣، ١٤] فهذا يبيّن أنّ المدعويين لا يملكون القشرة الرقيقة التي تغلّف نواة التمرة (= قطمير) وهو كناية عن عدم ملكهم لشيء مطلقاً. ومن الواضح أنّ الأصنام لم تكن تمتلك شيئاً، أما النبيّ الأكرم ص أو أمير المؤمنين علي ÷ فليسا كذلك. فهل تعتقد الآن أن النبي لا يملك شيئاً على الإطلاق؟! ألا يملك حضرته ص عند الله أعلى المقامات؟! أليس هو حيٌّ عند ربه يُرزَق؟! أليس مصداقاً لقوله تعالى: «عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ»؟!! ألا تعتبر أنّ شهداء بدر وأحد وجميع الذين استُشهِدوا في سبيل الله أحياء عند ربهم يُرزَقون؟! ألا تعتبرهم مالكين لدرجات عالية رفيعة ومالكين للرزق الذي يُرْزَقونه عند الله؟! فكيف تعتبر المسلمين الذين لا يدعون الله بل يدعون النبي والأئمة الذين مقامهم أعلى من مقام الشهداء مشمولين بالآيات التي نزلت في حق عبّاد الأصنام والأوثان؟!

قبل أن أردّ على شبهة هذا الشاب سألته: هل تعرف آية الله العظمى السيد محسن الحكيم؟ قال: أجل. قلت: كيف كان هذا العالِم؟ فأثنى عليه الشاب ثناءً كبيراً معتبِراً إياه مجتهداً ومرجعاً مشهوراً ذا مقام رفيع وأستاذاً كبيراً من أساتذة الحوزة العلمية في العراق وأثنى على أسرته أيضاً وقال إن أولاده يناضلون ضد الحكومة العراقية و..... فعرفتُ أنه حسن الظن جداً بالمرحوم الحكيم. ولما كنت طريح الفراش بسبب المرض وكانت كتبي على الرفوف إلى جواري أشرت إلى كتابي «أحكام القرآن» ورجوته أن يحضره لي فقام وأخذ الكتاب من الرف وأعطاني إياه. فقلت له: لو قلت لكَ إن آية الله الحكيم كان سُنِّياً بل كان وهابياً فهل تصدق؟ قال: لا أصدق ذلك أبداً، ما هذا الكلام الذي تقوله؟ إنه كان مرجعاً عظيماً من مراجع الشيعة وهذا أَظْهَرُ مِنَ الشَّمْس. عند ذلك فتحت كتاب «أحكام القرآن» واستخرجت منه كُتَيِّباً صغيراً وأعطيته إياه وقلت له اقرأه، إن هذا الكُتَيِّب الذي يحمل على غلافه عنوان «أباطيل الحكيم»، اعتَبَرَ السيدَ الحكيمَ مروِّجاً لمذهب الوهَّابية ومنكراً للأمور المعروفة من الدين بالضرورة بل اعتبر آية الله الحكيم دجَّالاً ومروِّجاً للوهَّابية[490]. بُهِت الشاب من رؤية هذا الكُتَيِّب وتعجّب كثيراً ولم يدرِ ما يقول، وفي النهاية قال: ما علاقة هذا الكُتَيِّب بموضوع نقاشنا؟! قلت له: لا علاقة لهذا الكتيب ببحثنا، لكنك رأيت بأم عينك اتِّهام عدد من شيوخ النجف للعالمِ الذي تعتَبِرُه مرجعاً رفيع القدر للشيعة بأنه دجال وأنه وهَّابي. لقد أردتُ بذلك أن أُفهِمك أنه لا ينبغي أن يخاف الإنسان ويرتعب من كل تهمة وافتراء. كثير من علماء المذاهب - سواء من الشيعة أو من السنة - عندما يواجهون رأياً مخالفاً لمزاجهم وَلِمَا اعتادوا عليه يعتبرون المخالف منحرفاً ويتّهمونه بالخروج من مذهبهم. إن كانوا شيعةً اتّهموا من يخالفهم في الرأي بأنه وهَّابِيٌّ أو سُـنِّـيٌّ وفاقد للولاية و..... وإن كان سُنِّيَاً اعتَبَر من يخالفه بالرأي شيعياً رافضياً و.....! هذا في حين أن الواجب على الإنسان عندما يُراد إبطال رأي الطرف المقابل أن يُبرِز دليله وبرهانه على بطلان قول خصمه فقط. بناء على ذلك، من المهم أن تعلم:

أولاً: أنه لا أهمية لكون كلامنا يشبه كلام الوهابيين أو لا يشبهه، وكذلك سأقول لشخص سُنِّيٍّ إذا قال لي إن كلامك في هذا الموضوع يماثل كلام الشيعة: لا أهمية لمشابهة كلامي لكلام الشيعة، المهم: ما هو الدليل والمستند على ما أقوله وأدّعيه؟

ثانياً: هذه الشبهة التي سمعتَها من شيوخ الحوزة العلمية ضعيفةٌ للغاية، وقد بيّنتُ مرات عديدة بطلان هذه المغالطة في جلساتي ولعلّك لم تسمع ذلك ولكن طلَبَكَ مني أن آتيك بالدليل على التعميم طلبٌ جيِّدٌ جداً. وإليك بيان الدليل على ما أقول: أولاً: يجب أن ننتبه إلى أن تصورَنا نحن الناطقون باللغة الفارسية عن كلمة «مَلَكَ» و «مَالِكٌ» لا ينطبق تماماً على معنى الكلمتين في لغة القرآن. لو رجعنا إلى كتاب الله للاحظنا أن المُلْك ومشتقاته - والتي مصدرها في اللغة العربية من «مَلْك ومُلْك ومِلْك» بمعنى: استولى على الشيء وكان في قدرته أن يتصرّف فيه بما يريد - جاءت في القرآن الكريم على معانٍ أوسع بكثير مما تظنّه. فمثلاً نقول في اللغة الفارسية: «مَنْ دَسْتْ دَارَم» [وترجمته الحرفية: أنا أملك يداً] أو «من دارنده‌ىِ دستم» أو ربما نقول: «من مالك دست خويشم» [وترجمته الحرفية: أنا مالك يدي]، أما في اللغة العربية فنقول في مثل هذه الموارد «لي يَدٌ» أو «عندي يد»، ولا يُقال في العربية «فلانٌ يملك يداً»، وبعبارة أخرى، لا يُستفاد في اللغة العربية من فعل «المُلْك» للتعبير عن امتلاك شيء إلا إذا كان المراد هو أكثر من امتلاك شيء. فمثلاً في القرآن الكريم يقول تعالى: ﴿مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا[طه: ٨٧] أي لم نخلف موعدك باختيارنا وإرادتنا، فكما يُلاحظ كلمة «مَلْك» هنا ليست بمعنى امتلاك الشيء. أو يقول تعالى: ﴿لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا ٣٧[النبا: ٣٧]ومن الواضح أن فعل «يَمْلِكُونَ» في الآية ليس بمعنى مُلْك الشيء لأن «الخطاب» ليس شيئاً قابلاً للتملُّك! أو عندما يقول تعالى على لسان الهدهد: ﴿وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ[النمل : ٢٣]فليس المُراد أن جميع أهل سبأ كانوا عبيداً مملوكين ملك اليمين لبلقيس، بل المقصود أن بلقيس كان حاكمةً لهم متصرِّفة بأمرهم، وأنها صاحبة القرار وزمام أمور شعب سبأ بيدها. ولهاذ السبب يُطلَق على الشاه الذي يملك التصرُّف بأمور الناس عِبارة «المَلِك». أو عندما يقول تعالى: ﴿لَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا ٣[الفرقان: ٣]فإنه من الواضح أن إماتة الأحياء أو إحياء الموتى أو بعثهم ونشورهم ليست أشياء قابلة للتملُّك والحيازة، بل المراد أن مثل هذه الأمور لا يقدر عليها أحدٌ سوى الله. لقد استخدم القرآن الكريم بشأن من توضَع لديه أمانةٌ بحيث يجوز له التصرَّف فيه فعل «مَلَكَ يَمْلِكُ» رغم أن من بيده الأمانة ليس مالكاً لها في الواقع لأنه ليس صاحبها، فقال تعالى: ﴿مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ[النور: ٦١]فأنت تعلم أن المجاهدين الذين كانوا يخرجون للجهاد مع رسول الله ص كانوا يتركون مفاتيح بيوتهم أمانةً لدى بعض معارفهم كي يهتموا بأمور بيوتهم. فلم يكن أولئك المعارِف مالكين حقيقيين للمفاتيح ولكن كان لهم حق التصرُّف بها في فترة غياب أصحابها.

ثالثاً: إذا كنت ذا سلامة في بدني فهذا لا يعني أنني أملك السلامة بل يعني أنني سالم أي أنني واجد للسلامة، وكذلك إذا كنت ذا جمال فهذا لا يعني أنني أملك جمالاً بل يعني أنني جميل أي واجد للجمال، ولهذا السبب ذاته لا أستطيع أن أنقل السلامة أو الجمال أو أبيعها أو أعطيها لآخر كما لا يستطيع أحد أن يأخذهما مني (فتأمّل). وقياساً على هذا إذا كان لي يوم القيامة مقامات عالية فإنني أكون واجداً لهذه الدرجات والمقامات لا أكون مالكاً لها ولا أستطيع أن أعطي هذه الدرجات لك أما الله تعالى فهو مالك الدرجات ويمكنه أن يمنح ما يشاء هذه الصفة أو المقام أو أي صفة أخرى أو يأخذها ممن يشاء. بناء على ذلك، فإن الأمور التي لا تقبل التملّك إذا عُبِّر عنها بفعل الملك فإنما يُقصَد من ذلك وجدان تلك الأمور أو الاتصاف بها. وفي رأينا إن رسول الله ص الذي يملك أعلى الدرجات عند الله هو «واجد» لتلك الدرجات لا ممتلك لها (فتأمّل). وَمِنْ ثَمَّ فإنه لا يستطيع بالطبع أن يعطيك تلك الدرجات أو جزءاً منها أو يسلبك درجاتك أو يسلبني درجاتي. إن الله لم يأذن لأحد بمثل ذلك.

فإذا قال القرآن: إن المعبودات التي تدعونها لا تملك شيئاً مطلقاً فمعنى ذلك أنها لا تملك التصرّف بشيء وهذا لا يتنافى مع امتلاكها لمقامات عظيمة ودرجات كثيرة. إن مغالطة المشايخ هي أنهم يتجاهلون الفرق بين «الاتصاف» بالشيء وبين «ملك» الشيء كي يستطيعوا أن يدافعوا عن الخرافات ويخدعوا العوام. لأن كثيراً من الناس لا يعلمون أن فعل «مَلَك يَمْلِك فهو مالِك» في اللغة العربية يعني في كثير من الحالات صاحب القدرة على التصرف ونفاذ الإرادة.

رابعاً: لقد بين لنا القرآن أن الأنبياء لا يعلمون شيئاً عن العالم الفاني بعد رحيلهم عنه [سورة المائدة: 117]، وبناء على ذلك لا نستطيع أن نوصل صوتنا إليهم، كما نرى أنه تعالى قال في الآية التي تم الاستشهاد بها: ﴿لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ [فاطر: ١٤]، وذلك لأنهم انتقلوا إلى عالم البقاء ولم يعودوا قاطنين في عالم الفناء. ولو كان المقصود مجرد التماثيل الخشبية والحجرية و..... لما كان هناك من ضرورة لذكر جملة ﴿لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ لأن المشركين كانوا يعلمون جيداً أن أصنامهم هذه غير قادرة على الكلام والسماع والرؤية ولا تملك فعل شيء [الأنبياء: 65][491]. وأضاف القرآن كذلك قوله عنها: ﴿وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡ[فاطر: ١٤]، ولو كان المشركون يعبدون جمادات من الخشب والمعادن والحجر فإن الجماد لا شعور له ولا قدرة له على فعل شيء حتى يكفروا بشرك من أشرك به يوم القيامة. ولانتفى كلياً احتمال سماعه لعبادة من عبده، لكن هذا الفرض ذُكِر في الآية مما يفيد أن المعبودات التي كان المشركون يدعونها كانت أشخاصاً ذات شعور ولم تكن التماثيل سوى تجسيداً لها ومذكّرةً بها، ولذلك فإن تلك المعبودات سوف تعترض على عمل المشركين تجاهها وتجاه تماثيلها.

خامساً: لقد قرأتَ أيضاً في تفسير «الميزان»[492] وتفسير «نمونه»[493] اللذَيْن ألفهما علماء قم، قولَهُما إن المشركين لم يكونوا يعبدون مجرد تماثيل خشبية أو معدنية بحد ذاتها، بل كانوا يعتبرون تلك التماثيل مظاهرَ تمثِّلُ لهم الملائكة والجن والأنبياء والصُّلَحاء والكائنات المُقَدَّسة وتذكِّرهم بها.... بناء على ذلك كان الملائكة والصُّلحاء أيضاً ذوي مقامات عالية ودرجات رفيعة عند الله. هل تعتقد أن النبيّ الأكرم ص و أمير المؤمنين علي ÷ وحدهما فقط لديهما مقاماً رفيعاً وشأناً عظيماً عند الله وأنهما وحدهما حيِّينِ عند ربهما يُرزَقان؟! وأن سائر الأنبياء والصالحين والملائكة و... - مثل حضرة المسيح (ع) وحضرة مريم (ع) اللذَيْن نجد تماثيلهما في الكنائس واللذَيْن يدعوهما النصارى في الشدائد والمُلِمَّات بصورة غير مقيَّدة مع أن قول القرآن بأنهما ﴿وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ يشملهما - ليس لهم أي مقام رفيع ولا منزلة عالية عند الله وليسوا «أَحۡيَآء عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ»؟!

لقد قال القرآن عن شفعاء المشركين: ﴿أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَۚ قُلۡ أَوَلَوۡ كَانُواْ لَا يَمۡلِكُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَعۡقِلُونَ ٤٣[الزمر: ٤٣] ، ألم يكن لأولئك الشفعاء درجات ولم يكن لهم حواس وصفات؟!!

بناء على ذلك، عليك أن تأتي بدليل يفيد أن القرآن حصر النهي عن دعاء غير الله دعاءً غير مقيَّد بدعاء الأصنام في عصر الجاهلية في الجزيرة العربية في حين أنّ في نظرنا نهي القرآن يشمل كل ما يدخل تحت عنوان «من دون الله» ولا يختص بالتماثيل الخشبية والحجرية و..... ولما كان الأنبياء والأولياء والأوصياء والملائكة والجن و..... غير خارجين من عموم عبارة «من دون الله» لذا كل من كان تابعاً للقرآن كان عليه أن يُراقب نفسه بشدة كي لا يقوم بعمل نحو غير الله يدخل تحت ذلك النهي القرآني. وبعبارة أخرى تخصيصك هو الذي لا دليل عليه لا تعميمنا. (فتأمّل).

وهكذا انتهى النقاش ولم يعد ذلك الشاب إلى زيارتنا، لكنني سمعت أنه كان يغتابني ويسيئ الكلام بحقي هنا وهناك. نعوذ بالله من العصبية.

تذكرت الآن وأنا أكتب هذه الأسطر الآية الكريمة التي يقول تعالى فيها: ﴿وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ١١٧[المؤمنون : ١١٧]. ويجب أن ننتبه إلى أن جملة «لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ» صفة بعد الصفة للموصوف الذي هو كلمة «إِلَهًا». يعني أن هذه الجملة تصف الصفة التي جاءت قبلها. وبعبارة أخرى فإن القرآن الذي قال: ﴿فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨[الجن: ١٨]واعتبر الدعاء عبادةً وقال: ﴿أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ[يوسف: ٤٠] وكرر أكثر من مرة الاستفهام الإنكاري : ﴿أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِ؟ [النمل: 62و 64]، ونهى عن عبادة ما ليس هناك من حجَّة ولا برهان على جواز عبادته [سورة آل عمران: 151، الأنعام: 81، الأعراف: 33، الحجّ: 71] لا يقول بالطبع أن « مِن دُونِ ٱللَّهِ » على نوعين: نوع يوجد عليه برهان (أي: لَهُ بُرْهَانٌ بِهِ) ونوع يفتقد إلى البرهان على عبادته (أي: لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ]، بل يقول إن كل ما هو «مِنْ دُونِ اللهِ» صفته أنه (لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ] (فتأمَّل جداً). وجملة: ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓ[المؤمنون : ١١٧]جزاء الشرط وللتهديد، وعلى المسلم أن ينتبه إليها كثيراً.

في رأي كاتب هذه السطور لما كان المشايخ لا برهان لهم فيما يقولون، فإنهم يضطرون إلى المغالطة والسفسطة و إثارة العوام. نعوذ بالله من العصبيَّة.

[447] مفاتيح الجنان، ص 145 و 146. وفي مفاتيح الجِنان (المُعَرَّب)، ص 219- 220. [448] حول هذا الموضوع من الضروري مراجعة كتاب «زيارت و زيارتنامه» ص 107 إلى 113. [449] سفرنامه (رحلة) ابن بطوطة، ترجمة محمد علي موحد، بنگاه ترجمة ونشر كتاب، ص 10. [450] سفرنامه (رحلة) ابن بطوطة، ص 9 و 10. [451] يطابق سنة 1978 ميلادية. (الـمُتَرْجِمُ) [452] حول مخالفة هذه الأقوال للشرع راجعوا البند التاسع في هذا الفصل. [453] إن قراءة ما ذكرناه في الصفحات من 148 إلى 156 من الكتاب الحاضر مفيدة. [454] سفرنامه (رحلة) ابن بطوطة، ص 177. [455] يقصد بالقبة الفناء الداخلي الذي فيه الضريح الواقع تحت القبة. [456] لا يُستبعد أن تكون أيدي النُّقباء ومسؤولي إدارة الحرم هي التي تعمل بالخفاء من وراء الكواليس، وقد بيَّنا ما يُشبه ذلك في الصفحات 358 و 359 من كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات]. والصفحات من 21 إلى 25 من الكتاب الحاضر. [457] سفرنامه (رحلة) ابن بطوطة، ص 166 و167. [458] فلاسفة بزرگ [الفلاسفة العظام]، تأليف آندريه كرسون، ترجمة كاظم عمادي، انتشارات صفي عليشاه، ج 2، ص 214، 215 و 217. [459] سفرنامه (رحلة) ابن بطوطة، ص 174 و175. [460] سفرنامه (رحلة) ابن بطوطة، ص 174 و175. [461] لأن الشفاء المستند إلى استخدام أصول علم الطب العادية يتعلق بالإذن الإلهي العام. [462] لقد ذكرنا نصوص هذه الآيات في الصفحات 125 من الكتاب الحاضر. [463] راجعوا تفسير سورة الضحى وتفسير الآيات 9 إلى 13 من سورة الكهف في تفسير «مجمع البيان» للطبرسي. [464] دعاء الجوشن الكبير، البند 59 و 90 . [465] الشيخ الصدوق، كتاب الاعتقادات. [466] بحار الأنوار، ج 25، ص 290. [467] من الضروري مراجعة كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات] ص 207 إلى 213، والكتاب الحاضر ص 156 - 163. [468] لقد أجريت ما يُشبه هذا الحوار مرات عديدة وفي أكثر من مزار مع بعض الزوار. [469] أحد الميادين (الساحات) المعروفة في وسط مدينة طهران. (الـمُتَرْجِمُ) [470] العقيقة إحدى السنن الإسلامية التي يقوم المسلم فيها - لكي يحفظ الله له ولده المولود حديثاً - بحلق شعر ولده في اليوم السابع من عمره ويتصدق بوزن الشعر فضة أو بما يعادل قيمتها ويعطي هذا المال للفقراء أو يذبح أضحية ويوزّعها على المستحقين. [471] قارنوا هذه الآية بـ [سورة الإنسان: 15 و19، والصافات: 45، والزخرف: 71]. [472] لو لاحظنا الروايات لرأينا أن خلفية مثل هذه الآيات هي الخدمة، فمن ذلك أن العلامة المجلسيّ روى حديثين عن النبي وعن أمير المؤمنين علي ÷ بأن «الوِلدان» يقومون بخدمة أهل الجنّة. وجاء في حديث رسول الله ص: «خُلِقُوا لِخِدْمَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (بحار الأنوار، ج 5، ص 291، الحديث 5 و 6). [473] خليط المكسرات خليط من الفستق والبندق واللوز والكاجو والتوت المجفف ونحوها. والسكَّر النباتي يستخدمه الإيرانيون أحياناً مع الشاي لوجع المعدة. (الـمُتَرْجِمُ) [474] أعضاء السجود السبعة هي: الجَّبْهَة (أو الوَجْه) والرُّكْبَتَانِ، وَالْيَدَانِ، وَالْقَدَمَانِ. (الـمُتَرْجِمُ) [475] على سبيل المثال لم تُستَخدَم كلمة «الصلاة» ومشتقاتها بمعناها الاصطلاحي أو معناها الشرعي المنقول في الآيات الكريمة التالية: البقرة: 157، التوبة: 99، و103، النور: 41، الأحزاب: 43 و56. [476] السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج‏17، ص 233. (الـمُتَرْجِمُ) [477] المصدر السابق نفسه، ج17، ص 234. (الـمُتَرْجِمُ) [478] اعتبر «تفسير نمونه» [لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي] أيضاً أن معبودات المشركين لم تكن الأحجار والأخشاب والمعادن بل كانت الملائكة والجن وبشكل عام بعض الموجودات المقدّسة في العالم. وننقل إليكم هنا ما جاء في تفسير «نمونه» على نحو الاختصار، ومن أراد التفصيل فليراجع تفسير سورة الزمر في التفسير المذكور: " منطق عبدة الأصنام واضح هنا، فأحد أسباب عبادة الأصنام هي أنّ مجموعة كانت تزعم أنّ الله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يحيط به الإدراك الإنساني من عقل أو وهم أو حس، فهو منزّه عن أن يكون مورداً للعبادة مباشرة، فلذا قالوا: من الواجب أن نتقرّب إليه بالتقرب إلى مقربيه من خلقه، وهم الذين فوض إليهم تدبير شؤون العالم، فنتخذهم أرباباً من دون الله ثمّ آلهة نعبدهم ونتقرَّب إليهم ليشفعوا لنا عند الله ويقربونا إليه زلفى، وهؤلاء هم الملائكة والجنّ وقِدِّيسو البشر. ولما أحسّوا بأن ليس باستطاعتهم الوصول إلى أولئك المقدسين، بنوا تماثيل لهم، وأخذوا يعبدونها، وهذه التماثيل هي نفسها الأصنام، .... وبهذا الشكل فإنّ الأرباب في نظرهم، هم أولئك الذين خلقهم الله وقرَّبهم إلى نفسه، وفوض إليهم تدبير شؤون العالم بأمره تعالى. [لاحظ أيها القارئ الكريم أن علماء قم اعترفوا أن المشركين لم يكونوا يعتبرون معبوداتهم مستقلَّةً] وكانوا يعتبرون البارئ عزّ وجلّ هو (رب الأرباب) وهو خالق عالم الوجود، ومن النادر أن يوجد من الوثنيين من يقول بأن هذه الأصنام المصنوعة من الحجر والخشب، أو حتى آلهتهم الوهمية -أي الملائكة والجن وأمثالهم- هي التي خلقت هذا الكون وأوجدته. وبالطبع فإنّ هناك أسبابا أخرى لعبادة الأصنام، ومنها أنّ الاحترام الفائق الذي يُكِنُّونَه في بعض الأحيان للأنبياء والصالحين يتسبَّب في احترام حتَّى التمثال التي تُنحَت أو تُصنَع لهم بعد وفاتهم، ومع مرور الزمن تأخذ هذه لتماثيل طابعاً استقلالياً، ويتبدَّل الاحترام إلى عبادة، ولهذا فإنّ الإسلام نهى بشدّة عن صنع التماثيل. .... وقد ورد في كتب التاريخ أنّ عرب الجاهلية كانوا يُكِنُّونَ احتراماً فائقاً للكعبة الشريفة ولأرض مكّة المكرّمة، ولهذا كانوا يأخذون معهم قطعة حجر صغيرة من تلك الأرض عندما يذهبون إلى مكان آخر، ويضفون عليها الاحترام والتقديس، ومن ثمّ يعمدون إلى عبادتها". [أقول: وهذا يشبه عمل الناس لدينا الذين يأخذون من غبار حرم حضرة الرضا (ع) ويعطنونه للناس للتبرّك به، أو يطوفون بخليط المُكَسَّرات أو السكر النباتي حول الضريح لتحلّ فيها البركة، ثم يهدونها للآخرين!! فتأمَّل]. وتابع الشيخ ناصر مكارم الشيرازي يقول في تفسيره: "وعبادة الأصنام- بأي شكل كانت- ما هي إلّا أوهام وخيالات لا صحة لها ترشحت من أفكار ضعيفة وعاجزة، حرفت الناس عن الطريق الرئيسي الأصيل لمعرفة الله. والقرآن المجيد يؤكّد بصورة خاصّة على أنّ الإنسان يستطيع أن يتَّصل بالله من دون أي واسطة، وأن يتحدث معه ويناجيه ويطلب منه حاجته، ويطلب العفو والتّوبة، فكلّ هذه الأمور من الله وتحت تسلط قدرته. وسورة الحمد توضّح هذه الحقيقة، لأنّ قراءة العباد المستمرّ لهذه السورة في صلواتهم اليومية، تجعل العبد على اتصال مباشر مع البارئ، عزّ وجلّ، إذ أنّه يقرؤها ويطلب من الله- دون أي واسطة- حاجاته منه. .......... فالإسلام لا يرى وجود واسطة في هذا الأمر، وهذه هي حقيقة التوحيد. حتى أن مسألة الشفاعة والتوسل بأولياء الله مشروطة بإذن البارئ عزّ وجلّ وسماحه، وهذا تأكيد على مسألة التوحيد. ويجب أن تكون العلاقة هكذا، لأنّ الله سبحانه وتعالى أقرب إلينا من أيّ شي‏ء، كما يقول بذلك القرآن: ﴿وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦[ق: 16] ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ[الأنفال: 24]. وبهذا الشكل فالبارئ عزّ وجلّ ليس ببعيد عنّا، ولسنا بعيدين عنه كي تكون هناك حاجة للوساطة بين الطرفين، إنّه أقرب إلينا من كلّ قريب، وموجود في مكان وفي أعماق قلوبنا. وفقاً لهذا فإنّ عبادة الوسطاء من الملائكة والجنّ ونظائرهم، [بأي دليل لم يذكر عبادة الأئمة والصالحين العظماء ضمن المعبودات أيضاً؟] أو الأصنام الحجرية والخشبية، عمل باطل لا صحّة له، إضافةً إلى أنّه يعدّ كفراً بنعمة الله، لأنّ الذي يهب النعم أجدر بالعبادة من تلك الموجودات الميتة، أو المحتاجة إلى الآخرين من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها. لذا يقول القرآن المجيد في نهاية الآية: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ[الزمر: 3] فلا يهديه إلى الطريق الصحيح في هذا العالم، ولا إلى الجنّة في العالم الآخر، لأنّه أوصد بكلتا يديه أبواب الهداية أمامه، ولأنّ البارئ عزّ وجلّ يبعث فيض هدايته إلى من يراه لائقاً ومستعداً لاستقبالها، ولا يبعثها إلى الذين تعمدوا قتل الاستعدادات الموجودة في قلوبهم وذاتهم". انتهى كلام الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في «تفسير نمونه» نقلاً عن ترجمته العربية «الأمثَل في تفسير كتاب الله المُنْزَل»، ج 15، ص 11-14. [479] راجعوا قول العلامة الطباطبائي ذيل الآية 28 من سورة الأحقاف الآتي بعد صفحتين من الكتاب الحالي. [480] اعلم أن بين «الصنم» و «الوثن» علاقة عموم و خصوص مطلق لأن علماء اللغة قالوا عن «الصنم» أنه: «ما اتُّخِذ إلهاً من دون الله» أو قالوا: «كل ما يُشْغِل عن الله تعالى». أما عن «الوثن» فقالوا: "تمثالٌ يُعبد ويُتَّخَذ من الخشبِ أو الحجارةِ أو الذَّهبِ أو الفضَّةِ أو نحو ذلك". وقيل للوثن وثناً لأنه يُنْصَبُ في مكان محدَّد ويثبت في ذلك المكان. لذا ترجمنا الحديث بالصورة المذكورة. هذا واللهُ هو العالم. [481] أي قوله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ ٣[الزمر: 3]. (الـمُتَرْجِمُ) [482] اسمه الكامل: «تفسير منهج الصادقين في إلزام المخالفين»‏، وهو تفسير روائي أدبي ألَّفه بالفارسية: الملا فتح الله‏ الكاشاني، من علماء الشيعة الإمامية في القرن العاشر الهجري (ت 988هـ)، ويقع في 10 مجلدات، وقد طبع في طهران محقَّقاً أكثر من مرة. (الـمُتَرْجِمُ) [483] آية الله ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المُنْزَل، ج 16، ص293. [484] لعلَّه يشير إلى الآية 28 من سورة الأعراف التي تقول: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٢٨. [485] الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (340هـ)، التِّبْيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ج 9، ص 5. (الـمُتَرْجِمُ) [486] «تفسير نور الثقلين» تفسير أخباري جمع مؤلفه فيه كل الأخبار تقريباً الواردة في تفسير الآيات، ومؤلفه هو: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي من علماء الشيعة الإمامية في القرن الحادي عشر الهجري، كان أستاذاً للشيخ نعمت الله الجزائري، ومعاصراً للمجلسي صاحب البحار وللحر العاملي صاحب الوسائل وللسيد هاشم البحراني وللملا محسن فيض الكاشاني، وقد طبع تفسيره في قم، المطبعة العلمية سنة 1383 هـ. ق.، في 5 مجلدات، بتحقيق وتصحيح السيد هاشم رسولي المحلاتي. (الـمُتَرْجِمُ) [487] الشيخ الطَّبْرَسِيّ، «مجمع البيان»، ج 8، ص 762. (الـمُتَرْجِمُ) [488] الشيخ الطَّبْرَسِيّ، «مجمع البيان»، ج 9، ص 139. (الـمُتَرْجِمُ) [489] قلنا إن المقصود بالحوزة: مركز الراسات الدينية في قم أو مشهد أو النجف أو غيرها من العواصم الدينية الشيعية حيث يتلقى طلاب الشريعة العلوم الشرعية الإسلامية. (الـمُتَرْجِمُ) [490] كُتَيِّب «أباطيل الحكيم» طبعته الهيئة العلمية في النجف الأشرف في ثمان صفحات بالقطع الصغير وباللغتين العربية والفارسية وسعّرته بريالين، وانتقدت فيه آراء السيد الحكيم في المجلد الأول من كتابه «مُسْتَمْسَكُ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» في خمسة عشر مورداً، دون ذكر للدليل الشرعي. في الصفحة 7 من هذا الكتيّب قيل: «غير خفيّ على العوام فضلاً عن الخواص، أن الفتاوى المُدرجة أعلاه للسيّد محسن الحكيم بِدعة في الدين وإنكار للضروريّ من شريعة سيد المرسلين ص وتشكيك من أصول الدين وترويج لمذهب الوهَّابيين. [491] ونص الآية هو: ﴿ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ ٦٥. (الـمُتَرْجِمُ) [492] لقد ذكرنا ما جاء في تفسير «الميزان» ذيل تفسير الآية 3 من سورة الزمر في الصفحة 270 من الكتاب الحاضر. [493] راجعوا قول مؤلف تفسير «نمونه» في الصفحة 271 إلى 282 من الكتاب الحاضر .