تنبيهٌ مُهِمٌّ حول الأدعية التي ليس في نُصُوصِهَا أيُّ عَيْبٍ
سألني أحد إخواني في الله ممن قرأ الإصدار الأول لهذا الكتاب: ما الإشكال مثلاً في دعاء يوم الأحد أو دعاء «الجوشن الكبير» اللذَيْن وردا في «المفاتيح» واشتملا على مضامين جيدة جداً وليس فيها أي جمل شركية، ولماذا لا نقرؤهما؟
فأجبته قائلاً: أنا لا أقول لا تقرؤوا مثل هذه الأدعية، ولكن أقول لا تعتبروا هذه الأدعية مأمورٌ بها بالذات في الشرع (أي واردةً عن الله ورسوله).
لذلك أرى من الضروري أن أذكر هنا -في هذا الإصدار الجديد الثاني للكتاب - كلاماً حول الأدعية والأحاديث والآثار الدينية بشكل عام.
يشهد الله العليم القدير أنني لستُ أبداً ضدّ قراءة الأدعية التي لا تخالف جملها العقل أو القرآن، لكنني أرى من الضروري التذكير بنقطة مهمة، غالباً ما يسكت العلماء عن بيانها، وقد أشرت إليها في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 273)، وهي أنه إذا كان لدينا نص حديث أو دعاء خالٍ من أي إشكال من الناحية الشرعية فإن هذا وحده لا يكفي لنسبته إلى الشارع، في حين أن فقهاءنا يقولون في أغلب الأحوال: ليس لدينا دليل على مخالفة الحديث الفلاني للكتاب والسنة. أو يقولون: يمكننا أن نؤول هذا الحديث على نحو يتوافق مع سائر الأدلة. أو يقولون: يمكن الجمع بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى، وهكذا... وعلى هذا الأساس يقبلون الأحاديث والآثار بوصفها نصوصاً دينيةً، في حين أن عملهم هذا غير مُبَرَّر، لأنه لا بد من وجود أدِلَّة مُحْكَمَة لإسناد أي حديث أو أثر إلى الشارع ولا يجوز أن نعتقد أن كل كلام صحيح لا إشكال فيه يجوز نسبته إلى الشارع، وبعبارة أخرى إن إسناد شيء إلى الشريعة لا يكفي فيه أن يكون نَصُّهُ خالياً من أي عيب ومتوافقاً مع القرآن، بل لا بد من حصول العلم واليقين بصدوره الفعلي عن صاحب الشرع استناداً إلى أدلة كافية ومُحْكَمة تدل على ذلك. وكما قلنا في بحث موضوع «التسامح في أدلة السنن» ينبغي علينا قبل أن نحتاط في رفض شيء هو من الشرع، أن نحتاط في إسناد شيء ليس من الشرع إلى الشرع، وذلك لأننا في الحالة الأولى لسنا مكلَّفين أن نعتبر الحديث أو الأثر الذي لا يمتلك جميع اللوازم والمقتضيات المطلوبة لنسبته إلى الشرع، جزءاً من الشرع ثم نطلق على عملنا هذا اسم الاحتياط (لأن إتمام الحجة والإبلاغ الكامل هو من وظيفة الشارع)، ولكننا مأمورون قطعاً بالحذر والاحتياط من نسبة أمر أو نصٍّ إلى الشرع قبل أن نحصل على جميع لوازم وشروط انتسابه إلى الشرع فعلاً. (فتأمَّل جدَّاً).
ولهذا السبب فإننا نجيب الذين يقولون: ليس من المحال عقلاً أن يصدق الرواة الكذابون في بعض الأحوال، ويستنتجون أنه من الممكن والمحتمل للحديث الذي لا يتضمَّن أيَّ إشكال شرعي لكن راويه غير موثوق، أن يكون صادراً فعلاً عن الشارع وجزءاً من الشرع. نجيبهم قائلين: نعم، يمكن أن يكون هذا النص صادراً عن الشرع فعلاً، لكن هذا الاحتمال لا يوجب علينا تكليفاً شرعياً بنسبته إلى الشرع، بل يبقى تكليفنا على ما هو عليه من أنه لا يُسْمَح لنا أن نثبت صدور شيء (حديثاً أو دعاء أو غير ذلك) عن المشرِّع سبحانه وتعالى، قبل توفُّر جميع الشروط والأدلَّة اللازمة لإثبات الصدور الحقيقي لهذا الأمر أو الحديث أو النص عن الشارع.
وبعبارة أخرى إذا كان من الصحيح القول: إنّ كلام الشارع لا يمكن أن يكون خطأ أبداً، فإنه من غير الصحيح القول إن كل كلام صحيح يمكن نسبته إلى الشارع. (فتأمَّل).
بناءً على ذلك، لو قرأ أحد هذه الأذكار والأدعية التي لا تتضمن نصوصها أي إشكال شرعي، ليس انطلاقاً من ورودها بالذات عن الشرع بل لكونها داخلةٌ تحت عمومات الأمر بالدعاء وأنها من المباحات الشرعية، فلا إشكال في ذلك لأن قارئ هذه الأدعية لا ينسبها إلى الشرع، ونعلم أن الشرع بشكل عام أذن لنا بالذكر والدعاء والتضرع إلى الله، فيمكننا أن ندعوه بكل دعاء منضبط بضوابط الشرع وخالٍ من أي إشكال أو عيب في ألفاظه.
فإذا كان الأئِمَّة قد دعوا بتلك الأدعية دون أن تكون مرويَّةً عن رسول الله ص - كما هو حال أغلب الأدعية المذكورة في المفاتيح وأمثاله من الكتب - فإن قراءة أولئك الأئِمَّة الأجلاء عليهم السلام لتلك الأدعية لم يكن بمعنى ورودها في الشرع[166] بل بمعنى عملهم بالإذن الشرعي العام بالدعاء. وطالما لم تتوفر الأدلة الكافية والمحكمة لنسبة تلك الأدعية إلى الشارع المقدَّس فلا يجوز لنا أن ننسبها إليه.
[166] وذلك طبقاً لما رويناه عن عليٍّ (ع) من قوله: "السُنَّةُ ما سَنَّ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ والبِدْعَةُ مَا أُحْدِثَ مِنْ بَعْدِهِ ". (راجع ص34-37 من الكتاب الحالي).