تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

الفصل الثامن [من مفاتيح الجنان]

الفصل الثامن [من مفاتيح الجنان]

هذا الفصل هو الفصل الأخير من الباب الأول من مفاتيح الجنان وخاصٌّ بالمُناجاة ويشتمل على خمس عشرة مُناجاة ثم مُناجاة منظومة منسوبة إلى أمير المؤمنين علي ÷.

ادَّعى العلامة المَجْلِسِيّ أن هذه المُناجاة مرويَّةٌ عن حضرة السجاد (ع) وأنه وجدها في كتب بعض الأصحاب! ولكنه لم يذكر لنا اسم ذلك الكتاب ولا اسم مؤلفه ولا أسماء الرواة الذين رووه!! بناءً على ذلك فإن هذه المُناجاة الخمس عشرة لا سند لها، وحتى أنها ليست مذكورة في الصحيفة السجادية. وَمِنْ ثَمَّ فلا ندري هل كان رواة تلك المُناجاة مؤمنين أم لا؟ هل كانوا عدولاً أم فاسقين؟ غلاةً أم لا؟ يعتبرون الله قابلاً للرؤية أم لا؟ هل كانوا صوفيين أم مسلمين مُلتزمين بالقرآن؟ وهكذا.....

إذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نُمحِّص متون هذه المُناجاة لنرى هل تحتوي على ألفاظ أو عبارات غير صحيحة أو غير لائقة بذات الباري القُدسيَّة تبارك وتعالى؟ في رأينا إن معظم هذه المُناجاة عبارة عن تعابير صوفية في حين أنه كما يظهر من «الصحيفة السجادية» لم يكن لدى السجاد (ع) مثل تلك التعابير ولم يكن يعتبر الله قابلاً للرؤية. في حين أنه جاء مثلاً في نصِّ المُناجاة الثالثة أي «مُناجاة الخائفين» عبارة: "وَلَا تَحْجُبْ مُشْتَاقِيكَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى جَمِيلِ رُؤْيَتِك‏"، وجاء في المُناجاة الثامنة عبارة: "وَصْلُكَ مُنَى نَفْسِي..... وَرُؤْيَتُكَ حَاجَتِي"، وجاء في المُناجاة التاسعة قوله: "فَاجْعَلْنَا[401] مِمَّنِ..... مَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ..... وَأَعَذْتَهُ مِنْ هَجْرِكَ..... وَاجْتَبَيْتَهُ لِمُشَاهَدَتِك‏"، ويقول أيضاً في المُناجاة الحادية عشرة: "وَغُلَّتِي لَا يُبَرِّدُهَا إِلَّا وَصْلُكَ..... وَشَوْقِي إِلَيْكَ لَا يَبُلُّهُ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِك‏"، ويقول في المُناجاة الثانية عشرة: "فَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِين‏..... قَرَّتْ بِالنَّظَرِ إِلَى مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ"، ويقول في المُناجاة الخامسة عشرة: "أَقْرِرْ أَعْيُنَنَا بِرُؤْيَتِك‏"!! لقد أتينا بهذه الجمل كنموذج فقط وإلا فإن المُصطلحات والعبارات الصوفية كثيرة جداً في تلك المُناجاة.

ولا يخفى أن بعض جمل هذه المُناجاة مخالف لعقيدة صاحب المفاتيح ومن جملة ذلك قوله في المُناجاة السابعة أي (مُناجاة المُطيعين لِـلَّهِ): "لَا وَسِيلَةَ لَنَا إِلَيْكَ إِلا أَنْت"، ولذلك نسأل مؤلف المفاتيح: إن كنت تقبل بهذه المُناجاة فلماذا تعتبر الأئمة وحتى غير الأئمة وسيلةً إلى الله؟

بالطبع علينا أن ننتبه إلى أنه لا يجوز أن ننسب هذه المُناجاة الخمس عشرة إلى الشرع دون دليل ومستند، أما ما عدا ذلك فانطلاقاً من الإذن الإلهي العام بالدعاء لا حرج في قراءة بعض هذه المُناجاة فمثلاً قراءة الْمُنَاجَاةِ الرَّابِعَةِ (مُنَاجَاةُ الرَّاجِينَ) لا إشكال فيه، بشرط أن لا نعتبرها واردة بنصِّها عن الشرع. وسنذكر هنا ترجمة هذه المُناجاة:

"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يَا مَنْ إِذَا سَأَلَهُ عَبْدٌ أَعْطَاهُ، وَإِذَا أَمَّلَ مَا عِنْدَهُ بَلَّغَهُ مُنَاهُ، وَإِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ قَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، وَإِذَا جَاهَرَهُ بِالْعِصْيَانِ سَتَرَ عَلَيْهِ وَغَطَّاهُ، وَإِذَا تَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَبَهُ وَكَفَاهُ.

إِلَهِي! مَنِ الَّذِي نَزَلَ بِكَ مُلْتَمِساً قِرَاكَ فَمَا قَرَيْتَهُ؟ وَمَنِ الَّذِي أَنَاخَ بِبَابِكَ مُرْتَجِياً نَدَاكَ فَمَا أَوْلَيْتَهُ؟ أَيَحْسُنُ أَنْ أَرْجِعَ عَنْ بَابِكَ بِالْخَيْبَةِ مَصْرُوفاً وَلَسْتُ أَعْرِفُ سِوَاكَ مَوْلًى بِالْإِحْسَانِ مَوْصُوفاً؟ كَيْفَ أَرْجُو غَيْرَكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ؟ وَكَيْفَ أُؤَمِّلُ سِوَاكَ وَالْخَلْقُ وَالْأَمْرُ لَكَ؟ أَأَقْطَعُ رَجَائِي مِنْكَ وَقَدْ أَوْلَيْتَنِي مَا لَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِكَ؟ أَمْ تُفْقِرُنِي إِلَى مِثْلِي[402] وَأَنَا أَعْتَصِمُ بِحَبْلِكَ؟

يَا مَنْ سَعِدَ بِرَحْمَتِهِ الْقَاصِدُونَ وَلَمْ يَشْقَ بِنَقِمَتِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ، كَيْفَ أَنْسَاكَ وَلَمْ تَزَلْ ذَاكِرِي؟ وَكَيْفَ أَلْهُو عَنْكَ وَأَنْتَ مُرَاقِبِي؟ إِلَهِي! بِذَيْلِ كَرَمِكَ أَعْلَقْتُ يَدِي وَلِنَيْلِ عَطَايَاكَ بَسَطْتُ أَمَلِي، فَأَخْلِصْنِي بِخَالِصَةِ تَوْحِيدِكَ وَاجْعَلْنِي مِنْ صَفْوَةِ عَبِيدِكَ.

يَا مَنْ كُلُّ هَارِبٍ إِلَيْهِ يَلْتَجِئُ‏، وَكُلُّ طَالِبٍ إِيَّاهُ يَرْتَجِي، يَا خَيْرَ مَرْجُوٍّ وَيَا أَكْرَمَ مَدْعُوٍّ وَيَا مَنْ لَا يُرَدُّ سَائِلُهُ وَلَا يُخَيَّبُ آمِلُهُ. يَا مَنْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لِدَاعِيهِ وَحِجَابُهُ مَرْفُوعٌ لِرَاجِيهِ: أَسْأَلُكَ بِكَرَمِكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ مِنْ عَطَائِكَ بِمَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي وَمِنْ رَجَائِكَ بِمَا تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي وَمِنَ الْيَقِينِ بِمَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيَّ مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا وَتَجْلُو بِهِ عَنْ بَصِيرَتِي غَشَوَاتِ الْعَمَى. بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".

[401] إذا لاحظنا الجمل التي جاءت بعد هذه الجملة تبيَّن لنا أنه كان من الأفضل بدلاً من كلمة فاجعلنا أن يقول «فاجعلني». [402] يقول أفضلُ من اختاره اللهُ: رسولُ اللهص: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠[الكهف: 110].