تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

الخاتمة: في زيارة الأنبياء العظام (ع) وأبناء الأئمَّة الكرام

الخاتمة: في زيارة الأنبياء العظام (ع) وأبناء الأئمَّة الكرام

يقول مؤلف المفاتيح في الصفحة 561[795] تحت عنوان هذا الفصل: "... اعلم أن تكريم الأنبياء (ع) وتعظيمهم واجب عقلاً وشرعاً لا نُفرّق بين أحد من رسله، وزيارتهم راجحة مستحسنة والعلماء قد صرّحوا باستحباب زيارتهم........ [إلى قوله]: فلم أظفر بزيارة مأثورة تخصّهم عدا ما سلف في باب زيارة أمير المؤمنين (ع) من زيارة آدم ونوح (عليهما السلام)".

ثم سعى أن يخترع لهم زيارات. ولكن نحمد الله أنه لم يظفر بزيارات لهم وإلا لو أراد أن يضع لكل واحد من المئة وعشرين ألف نبيّ، وللأئمة وأحفادهم زيارات لكان عليه أن يبني من شرق العالَم إلى غربه قباب وأضرحة وأفنية ومنارات... لهم.

76ورغم أن الشيخ عبَّاس نفسه قال[796]:

"يُرْوَى عن المرحوم الفقيه الزاهد الورع الحاج المُلَّا محمد إبراهيم الكلباسي - طاب ثراه - نقلاً عما جاء في (شفاء الصدور) من أن أحد أفاضل أهل المنبر قال في محضره، في ذيل قصَّةٍ يرويها: إن الحسين (عليه السلام) قال: "يا زينب! يا زينب!"؛ فإذا بهذا الفقيه الورع يردّ عليه - بلا محاباة - وعلى مشهد من الملأ، وبصوت مرتفع، ويقول: فضَّ الله فاك! فالإمام لم يَقُلْ: يا زينب! مرَّتين، بل قالها مرَّةً واحدة!! فعلى السلالة الجليلة من أهل المنبر أن يراقبوا أحوالهم في هذا الصدد، وأن يتبصَّروا بمفاسد الكذب بعامَّة، فيتركوا المطالب الكاذبة والمرويات الموضوعة، بل يمتنعوا عن نقل كل ما رأوه أو سمعوه، ويقتصروا على الأمور التي يكون ناقلها موثوقاً"[797].

وكتب أيضاً يقول:

"... حتى بِتْنَا نسمع في مجامع علماء المذهب أكاذيب صريحة تُذْكَر، والنهي عن هذا المنكر غير مُتَيسِّر، وأضحى جماعةٌ من ذاكري المصائب لا يتورَّعون عن اختراع وقائع مبكية، وكَثُرَ اختراع الأقوال منهم، واعتبروا أنفسهم ممن يشملهم الحديث "مَنْ أَبْكَى فَلَهُ الْجَنَّة‏"، وشاع هذا الكلام الكاذب مع الأيام حتى صار يظهر في مؤلفات جديدة، وإذا حاول مُحدِّثٌ مُطَّلعٌ أمينٌ مَنْعَ هذه الأكاذيب، نسبوها إلى كتاب مطبوع أو كلام مسموع، أو تمسَّكوا بقاعدة «التسامح في أدلة السنن»، وتوسَّلوا منقولات ضعيفة توجب اللوم والتوبيخ من الملل الأخرى، كجملة الوقائع المعروفة التي ضبطت في الكتب الجديدة، في حين أنه لا عين ولا أثر لهذه الوقائع عند أهل العلم والحديث، كعرس القاسم في كربلاء الذي نقل في كتاب (روضة الشهداء) من تأليف الفاضل الكاشفي، وقام الشيخ الطريحي[798] - وهو من أجلة العلماء والمعتمدين - بنقله عنه، ولكن في كتاب (المُنْتَخَب) أموراً كثيرةً جرى التساهل والتسامح بها، وهي لا تخفى على أهل البصيرة والاطِّلاع...." [799] (انتهى كلام الشيخ عبَّاس في منتهى الآمال)

ولكن مع الأسف لم يعمل الشيخ عبَّاس نفسه بهذه التوصيات ونقل روايةً حول زيارة حضرة المعصومة عن «علي بن إبراهيم» الذي رُويت عنه كثير من الخرافات في كتاب «الكافي» وعن «العَمْرَكي» معلول الرواية أيضاً مضمونها: "مَنْ زَارَهَا عَارِفاً بِحَقِّهَا فَلَهُ الْجَنَّة "!![800]

وينبغي أن نقول: إذا كانت زيارة رسول الله ص وحضرة عَلِيٍّ (ع) زمن حياتهما الدنيوية لا توجب لزائرهما الجنة فكيف توجب زيارة قبر أحد أحفادهما دخول الجنة؟!! لو التقى شخص بحضرة موسى بن جعفر (ع) زمن حياته هل كانت تجب له الجنة بذلك؟ بالطبع لا. إن الوضَّاعين والكذَّابين يَغُرُّون الناس ويُضيفون من عند أنفسهم ما شاؤوا إلى دين الله.

أذكر أنني عندما كنتُ في قم، لو دار شخصٌ المدينةَ فجراً لرأى كثيراً من المساجد مُغْلَقَةً، ولكنه إذا نظر إلى صحن حضرة المعصومة ومقبرتها لرآه يغصُّ بالناس. كيف ابتعد المسلمون عن التوحيد واغترُّوا بالخرافات وانطبق عليهم ما قاله تعالى بشأن أهل الكتاب: ﴿وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٢٤[ال عمران: ٢٤]؟!

لاحظوا أنه رغم وجود هذه الأحاديث الواهية التي لا اعتبار لها ازدادت في قم القباب والمنارات والموقوفات والدكاكين إلى حدّ لا يعلمه إلا الله. كل سنة يتمّ رمي ملايين التومانات في الأضرحة. في زمن [الشاه محمد رضا] بهلوي جاء شخصان من الأغنياء إلى مرقد حضرة المعصومة واشتروا قبرين كل قبر بستمئة ألف تومان!! ولا يعلم إلا اللهُ كم يُقدَّم من الأموال لشراء مثل هذه القبور، وكم من النذور وقطع السجاد والثريات تُهدى كل سنة لمرقد حضرة المعصومة وسائر الأئمة ثم تُباع قطع السجاد القديمة والثريات في المزاد العلني، ولا يعلمُ إلا الله المبالغ التي تُستحصل من بيعها؟!!

ولقد لفّقوا أيضاً أموراً لأجل حضرة عبد العظيم لأجل أن ينتفعوا منها، فمثلاً في الصفحة 565 نقل الشيخ عبَّاس القُمِّيّ عن فرد مجهول قوله:

"... رأى رجل من الشّيعة في المنام رسول الله ص قال له: إنّ رجلاً من ولدي يحمل من سكة الموالي ويدفن عند شجرة التّفاح في باغ (بستان) عبد الجبّار بن عبد الوهّاب وأشار إلى المكان الّذي دفن فيه، فذهب الرّجل ليشتري الشّجرة ومكانها من صاحبها، فقال له: لأي شيء تطلب الشّجرة ومكانها؟ فأخبره بالرّؤيا، فذكر صاحب الشّجرة أنّه كان رأى مثل هذه الرؤيا وأنّه جعل موضع الشّجرة مع جميع الباغ (البستان) وقفاً على الشّريف والشّيعة يدفنون فيه..."[801].

ورووا روايةً أخرى عن فرد مجهول أيضاً ادّعى أن حضرة الهادي قال إن زيارة عبد العظيم مثل زيارة الإمام الحسين عليه السلام!!

لاحظوا كيف اعتبروا ادّعاء فرد مجهول ورؤيا فرد مجهول دليلاً على فضيلة عملٍ ما، وقد امتلأت مدينة ري من المنارات والقبة والضريح ببركة هذه الرؤيا الدسمة(!) وأخذ الناس يهدون ملايين التومانات نذوراً وموقوفات لذلك الضريح، وأصبح ذلك مصدر رزقٍ ممتازٍ لفريقٍ من العاطلين عن العمل من سدنة ذلك المقام. وعلى كل حال فإن عوام الناس يُفتَنون دائماً وينجذبون إلى القباب الذهبية والأضرحة الفضية المليئة بالمرايا و.....!!

***

نكتفي بهذا المقدار من دراسة ونقد كتاب «مفاتيح الجنان»، ونذكّر أن لكتاب «المفاتيح» ملحقات[802] أكثر خرافيةً من متنه وأسوأ منه، وفي نظرنا يستطيع القارئ المحترم، بعد قراءته هذا الكتاب الحاضر، أن يميّز بنفسه وثاقة أو عدم وثاقة سائر موضوعات كتاب المفاتيح.

ولكنني أرى من الضروري أن أُطلِع القرّاء على بعض الأمور بشأن «حديث الكساء» المُدْرَج في آخر كتاب «المفاتيح».

[795] «مفاتيح الجنان» (النسخة المُعرَّبة)، ص 708. (الـمُتَرْجِمُ) [796] قال ذلك في آخر الجزء الأول من كتابه «منتهى الآمال» تحت عنوان «في ذم الرياء والكذب في المآتم ومفاسد الكذب». (الـمُتَرْجِمُ) [797] منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، تعريب الأستاذ نادر التقي، بيروت، الدار الإسلامية، 1994م/1414هـ ق، ج1، ص 663. (الـمُتَرْجِمُ) [798] الطريحي: هو الشيخ فخر الدين بن محمد علي بن أحمد الطريحي، النجفي (979 - 1085هـ = 1571 - 1674 م) فقيه وأصولي ومحدِّث ومؤرِّخ ولغويّ ومفسِّر، من الإمامية، ولد بالنجف، وتوفي بالرماحية. وترك عدداً من المؤلفات منها: «مجمع البحرين ومطلع النيرين» في تفسير غريب القرآن والحديث، و«المنتخب في جمع المراثي والخطب». (الـمُتَرْجِمُ) [799] المصدر السابق نفسه، ج1، ص 667، وفي النسخة الفارسية الأصلية لمنتهى الآمال، كتابفروشى اسلامية، ج 1، ص 479 و 473. [800] وكتب في الصفحة 566 من المفاتيح حول زيارة عبد العظيم: "من زار قبره وجبت له الجنة". [801] «مفاتيح الجنان» (النسخة المُعرَّبة)، ص 711 تحت عنوان «زيارة الشاه عبد العظيم الحسني (ع)». (الـمُتَرْجِمُ) [802] حول ملحقات المفاتيح راجعوا التوضيحات التي ذكرناها في الصفحة 42 من الكتاب الحاضر.