تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

دعاء التوسُّل

هو دعاءٌ لا أصل له من أوله إلى آخره ولا صلة له إطلاقاً بأئمة الدين. ورغم ذلك يقول الشيخ عبَّاس القُمِّي:

"قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) عن بعض الكتب المعتبرة (؟!): روى محمّد بن بابويه هذا التّوسّل عن الأئمة (عليهم السلام)"!.

ولكنه لم يذكر لنا اسم الكتاب الذي روى فيه ابن بابويه هذا الدعاء، ولا اسم راوي هذا الدعاء ولا اسم الإمام الذي رُوي عنه!! عِلماً أن هذا الدعاء لم يَرِدْ في أيٍّ من كتب الشيعة المشهورة المُخصصة لذكر الأدعية مثل «الصحيفة السجادية» وشرحها الموسوم بـ «رياض السالكين»، وكتاب «عُدّة الداعي» لابن فهد الحلي، وكتاب «مفتاح الفلاح» للشيخ البهائي.

نعم، إن دعاء التوسُّل من موضوعات صُنَّاع المذاهب الذين لا يتورَّعون عن وضع الأدعية، وكما أشار صاحب «مفاتيح الجنان» فإن دعاء التّوسّل بالأئمة الاثني عشر المنسوب إلى الخواجة نصير الدّين هو تركيب من هذا التّوسّل ومن الصلاة على الحُجج الطّاهرين في خطبة بليغة أوردها الكفعمي في أواخر كتاب المصباح، كما أورد الكفعميّ في كتابه «البلد الأمين» تلخيصاً لدعاء التوسُّل في المفاتيح وجعله في آخر دعاء «الفرج» في كتابه.

وأقول: لا يخفى أن «الخواجة نصير الدين» كان عالماً مُتلوِّناً ينطبق عليه المثل «يدور مع النَّعماء حيث تدور!!» فكان مُدَّةً في خدمة الإسماعيلية السَّبُعية (أي القائلين بسبعة أئمة)! وعلى كل حال لا يملك الخواجة وأمثاله الحق في التشريع ولم يجعل الله تعالى قوله حُجَّةً للمسلمين.

كما أن متن هذا الدعاء معلول ومعيب لأنه لم يثبت أن أيّ أحد من الأئمة توسَّل بالأئمة الآخرين في دعائه! فمثلاً لم يقل الإمام الحسين (ع) أبداً في دعائه: "يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ يَا حُسَيْنَ بْنِ عَلِيٍّ، أَيُّهَا الشَّهِيدُ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، يَا حُجَّةَ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، يَا سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا إِنَّا تَوَجَّهْنَا وَاسْتَشْفَعْنَا وَتَوَسَّلْنَا بِكَ إِلَى اللهِ وَقَدَّمْنَاكَ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَاتِنَا يَا وَجِيهاً عِنْدَ اللهِ اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ اللهِ"!!!.

أي لم يدعُ ذاته ولم يجعل نفسه شفيعاً لنفسه، أو لم يدعُ حفيدَ حفيدِهِ الذي لم يُولد جدّه بعد، ليجعله شفيعه عند الله!! إن وضع مثل هذه الأدعية عمل مضحك يدل على قلَّة عقل واضعها.

ويقول الشيخ عبَّاس القُمِّيّ: "وعلى رواية أخرى قُل بعد ذلك: "......تَوَسَّلْتُ بِكُمْ إِلَى اللهِ....... وَاسْتَنْقِذُونِي مِنْ ذُنُوبِي عِنْدَ الله‏.....الخ!!

ونسأل الشيخ عبَّاس القُمِّيّ: ألم تقرأ القرآن الذي خاطب الله تعالى فيه رسوله الكريم بأسلوب الاستفهام الإنكاري فقال: ﴿أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ ١٩[الزمر: ١٩]؟! أو الذي قال: ﴿وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ؟ [ال عمران: ١٣٥] أو الآية 23 من سورة يس[377] والآيات التي قالت إن غفران الذنوب والنجاة من عقابها أو العذاب عليها بيد الله وحده؟! فإذا كان رسول الله ص لا يستطيع أن يُنقذ عبداً من عباد الله من عذاب الله فكيف يستطيع الأئمة فعل ذلك؟!

وقد قال الله تعالى عن المؤمنين أنهم: ﴿...إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ[ال عمران: ١٣٥]، وقال إنهم يُكفِّرون عن سيئاتهم بقيامهم بالأعمال الصالحة والحسنات [سورة هود: 114][378]، ولم يقل إن سبيل غُفران الذنوب هو توسيط الأنبياء والصالحين الذين رحلوا عن الدنيا!

وقال عَلِيٌّ (ع): "أَسْتَغْفِرُكَ لِذُنُوبِي الَّتِي لَا يَغْفِرُهَا غَيْرُك‏"[379]، وقال حضرة السجاد (ع) أيضاً: "لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سِوَاكَ، وَلَا لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُك‏"[380].

ثم إن دعاء «التوسُّل» هذا اعتبر شخصَ رسول الله ص وأشخاص الأئمة هم «الوسيلة» وهو قول بيَّنا بُطلانه بالتفصيل في الصفحات الماضية [381] فلا نُكرِّر الكلام بشأنه هنا.

للأسف لقد ابتُلي الناس بالشرك وأصبحوا يدعون غير الله في أدعيتهم وتعوَّدوا بشدَّة على هذا العمل، ومهما أتيتهم من دليل فإنَّهُم لا يتركون ما اعتادوا عليه، وأصبح حالهم مُشابهاً لحال من قال لهم القرآن مُهدِّداً: ﴿إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ ١٢[غافر: ١٢][382].

يجب أن تكون العبادة، ومن جملتها الدعاء، مطابقةً لأمر الله، فأين قال تعالى: ادعوا عبادي المُقرَّبين؟ إن الله تعالى حاضر وناظر في كل مكان وعليم بذات الصدور وخبيرٌ تماماً بما في ضمير عباده ومثل هذا الإله لا يحتاج بالطبع إلى واسطة. متى قال رسول الله ص: أيها المسلمون! كلما وقعتم في مشكلة فادعوني أو ادعوا أحداً من أحفادي واجعلونا واسطتكم في قضاء حوائجكم؟!

ونسأل قارئ دعاء «التوسُّل»: ألم تقرأ القرآن الذي قال إن الشفاعة لِـلَّهِ جميعاً وليست بيد أيّ أحد سوى الله وأن الإذن بها بيد الله وحده؟ ألا تعلم أن الأنبياء والأئمة لا يعملون عملاً مخالفاً لأوامر الله؟! فإن كنتَ حقيقةً تُريد شفاعتهم لك فعليك أولاً أن تطلب ذلك من الله وعندئذٍ فالله تعالى هو الذي يجعل من يشاء شفيعاً لك إذا رأى الصلاح في ذلك ولا يحق لك أن تختار من عند نفسك أحد أئمة الدين الكرام الذين رحلوا عن الدنيا وتجعله شفيعك؟![383] هل الرسول الأكرم ص أو الإمام الذي تطلب منه أن يشفع لك يعلم كل ذنوبك ويعلم حقيقة حالك وما يدور في ذهنك ويعلم حقيقة سريرتك وأفكارك؟ إن النبيّ الأكرم ص لم يكن في حال حياته مُطَّلعاً على أعمال مُعاصريه الخفية[384]، كما أن القرآن الكريم قال لنا أنه ليس لأحدٍ علم بأحوال العباد ولا أحد خبير بذنوبهم سوى الله: ﴿وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا [الاسراء: ١٧ و فرقان 58]فكيف تتوقع أن يقوم الإمام الذي لا يعلم أيّ ذنوب قد ارتكبت بالشفاعة لك لمُجرَّد أنك تملَّقْتَهُ وزُرْتَهُ وأثنيتَ عليه؟!

ثم نقل الشيخ عبَّاس القُمِّيّ دعاء توسُّل آخر عن كتاب «قبس المصباح» وحذف مُقدِّمته التي يطفح الكذب من جميع نواحيها، ويُمكن أن نقرأ أصل هذا الدعاء وما فيه من أكاذيب في بحار الأنوار (ج 91، ص 32 إلى 36). وراوي هذا الدعاء هو «الحسن بن محمد بن جمهور العمي». وللاطِّلاع على حاله يُراجع كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 316).

وأورد الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في الصفحة 108[385] دعاءً عن كتاب «البلد الأمين» [للكفعمي] وهو بلا سند في الكتاب المذكور. ولا إشكال في متنه لذلك يدخل تحت إذنِ اللهِ العامِّ بالدعاء.

[377] أي قوله تعالى: ﴿ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً إِن يُرِدۡنِ ٱلرَّحۡمَٰنُ بِضُرّٖ لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ ٢٣[يس: 23]. (الـمُتَرْجِمُ) [378] أي قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ١١٤[هود: 114]. (الـمُتَرْجِمُ) [379] الصحيفة العلوية، من دعائه (ع) في الاستخارة بالله، ص 238. [380] الصحيفة السجادية، الدعاء الثاني عشر. [381] راجعوا الكتاب الحاضر، ص 200 إلى 222. [382] راجعوا الكتاب الحاضر، ص 118 البند «ز». [383] راجعوا كتاب «زيارت و زيارتنامه»، حاشية الصفحة 231 فما بعد، وتفسير «تابشى از قرآن» ذيل الآية 254 من سورة البقرة. [384] راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 130-131 وص 134-135. [385] وهو في النسخة المعربة للمفاتيح، في ص 173.