الفصل الرابع [من مفاتيح الجنان]: في فضل زيارة مولانا أمير المؤمنين علي (ع)
قال أمير المؤمنين علي ÷: "هَلَكَ فِيَّ رَجُلانِ مُحِبٌّ غَالٍ ومُبْغِضٌ قَالٍ"، وقال: "يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وبَاهِتٌ مُفْتَرٍ" (نهج البلاغة، الحكمة 117 و469)[690]. ولحسن الحظ لا يوجد في زماننا أحد مُبغضٌ لعليٍّ، ولكن المُحِبِّين الجاهلين - الذين هم أسوأ من الأعداء- كثيرون!!
ولما كُنَّا قد تعرَّضنا في كتاب «زيارت وَزيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] (ص 259 فما بعد) إلى نقد الزيارات المذكورة في هذا الباب فإننا نُحيل القُرَّاء المحترمين إلى ذلك الكتاب ونذكر هنا على نحو الاختصار بعض الأمور في هذا الموضوع.
يقول الشيخ عبَّاس: "فإذا بَلَغْتَ بَابَ حِصْنِ النَّجَفِ فَقُلْ ....."[691] في حين أنه لم يكن في زمن الإمام بوَّابة للنجف بل لم تكن هناك قرية حتى يأمر الإمام بأننا إذا وصلنا إلى باب حصنها أن نقول كذا وكذا! من هذا يَتَبَـيَّنُ أن جميع هذه الأقوال وُضِعَتْ في القرون اللاحقة!! أو يروي في فضل زيارة أمير المؤمنين حديثا فيه: "... وَاللهِ يَا ابْنَ مَارِدٍ مَا يُطْعِمُ اللهُ النَّارَ قَدَماً اغْبَرَّتْ فِي زِيَارَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) مَاشِياً كَانَ أَوْ رَاكِباً .."[692].
بناءً على هذا الكلام فإن أهل العراق جميعهم من أهل الجنة ولن يرى أحدهم النار أصلاً، لماذا؟ لأنهم يزورون مرقد عليّ (ع)! في حين أنه لو التقى مسلمٌ بعليّ (ع) أثناء حياته أو زاره لم يكن ذلك موجباً لدخوله الجنة، لكن يبدو أن قبر الإمام في نظر الغُلاة أكثر أهمية من الإمام نفسه!! ثم جاء في آخر الحديث: "يَا ابْنَ مَارِدٍ اكْتُبْ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَاءِ الذَّهَبِ ". نعم، يجب كتابة موضوعات هؤلاء الجاهلين الغُلاة بماء الذهب لأنها تُؤدِّي دوراً مهماً في إضلال الناس وإبعادهم عن القرآن وتشغلهم بالخرافات وهذا كلُّه يُعجب المُستعمرين ويُسعدهم!
أو يروي الشيخ عبَّاس خبراً لا اعتبار له يقول: "بِظَهْرِ الكُوفَةِ قَبْرٌ لا يلُوذُ بِهِ ذو عاهةٍ إلا شَفَاهُ اللهُ "![693] ولو سألهم سائلٌ فقال: فلماذا إذن يذهب مراجع التقليد الساكنون في النجف إلى بلدان أوروبا للعلاج كلما أُصيبوا بمرض أو يُحضرون لهم طبيباً من تلك البلدان، بدلاً من ذهابهم إلى مرقد حضرة عليّ (ع)؟! أضف إلى ذلك أن أمير المؤمنين ÷ نفسه كان يمرض! فكيف يكون الذهاب إلى قبره سبباً للشفاء؟! فبماذا يُجيبون؟ اللهم حُلَّ لنا هذا اللغز!
أو يقول: «اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْحَرَمَ حَرَمُكَ وَالْمَقَامَ مَقَامُك »!! أي هذا الحرم الذي بناه الظلمة بالمال الحرام أو المال الذي فيه شُبهة هو حرمُكَ يا ألله! فليت شعري! هل علَّم الأئِمَّةُ أنفسُهُم هذه الجمل للمؤمنين، وهل كان الأئِمَّةُ يُزكُّون أنفسَهم ويرفعون من شأن ذواتهم إلى هذا الحدّ؟ وهل كانوا مُعجبين بأنفسِهِم ومُصابون بالغرور إلى هذا الحدّ؟ أم أن الوضَّاعين نسبوا إليهم نصوص الزيارات هذه كذباً وزوراً؟ إن الذين وضعوا هذه الزيارات ما كانوا يعرفون الله حق المعرفة ولا كان لهم علمٌ بسيرة النبيّ والأئمة عليهم السلام.
وجاء في فصل «في الزِّيَارَات المُطْلَقَة» في وصف حضرة الأمير (ع) أن الزائر يقول: «انْتَجَبْتَهُ بِعِلْمِكَ وَجَعَلْتَهُ هَادِياً لِمَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ وَالدَّلِيلَ عَلَى مَنْ بَعَثْتَهُ بِرِسَالَاتِكَ وَدَيَّانِ الدِّين .......الخ» أليس هذا الكلام كفراً؟ ألا يُخالف كلام عليّ؟ إن لم يكن مثل هذا الكلام كفراً فما الكفر إذن؟! هل كان عليٌّ الذي كان يأمر بالاقتداء بسُنة النبيّ (نهج البلاغة، الخطبة 205) مُتَّبعاً لرسول الله ص أم دليلاً للرسول؟[694] لماذا لم يعهد الله بهداية الأُمَّة إلى دليل الأنبياء؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
لعنة الله على الذين أشاعوا بين المسلمين وأتباع القرآن كل خرافة وكل كلام باطل باسم المدائح والثناء والتمجيد وإظهار المحبَّة و...... يجب أن يتمّ إفهام الناس أن الإسلام ليس دين المدائح والنياحة والأعمال غير المنطقية وقد نهى رسول الله ص عن مثل هذه الأعمال، كما قال: «احْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَاب»[695]. وقال عن النياحة: «النِّيَاحَةُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ»[696]. و: «نَهَى رسول الله ص عَنِ الرَّنَّةِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَنَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهَا»[697]. وعندما قُتل جناب جعفر بن أبي طالب -رضوان الله عليه- قال النبيّ لفاطمة (ع): «لَا تَدْعِي بِذُلٍّ وَلَا ثُكْلٍ وَلَا حُزْنٍ»[698]. وجاء في الحديث أيضاً: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ لِفَاطِمَةَ (ع): إِذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَخْمِشِي عَلَيَّ وَجْهاً وَلَا تَنْشُرِي عَلَيَّ شَعْراً وَلَا تُنَادِي بِالْوَيْلِ وَلَا تُقِيمِي عَلَيَّ نَائِحَةً» [699]. وقال ص: «لَعَنَ الْخَامِشَةَ وَجْهَهَا وَالشَّاقَّةَ جَيْبَهَا وَالدَّاعِيَةَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور»[700]. وقال ص: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ، وَلا من سَلَقَ، ولا من خَرَقَ، ولا مَنْ دعا بالويل والثبور"[701]. وقال: "إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ نَغَمِ لَعِبٍ وَلَهْوٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَان"[702]. وقال: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ"[703]. ونهى النبيّ ص الناس عن النياحة عندما استُشهد عمّه جناب حمزة بن عبد المطلب (ع)[704]. وقال: "صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ يُبْغِضُهُمَا اللهُ إِعْوَالٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ وَصَوْتٌ عِنْدَ نَغْمَةٍ يَعْنِي النَّوحَ وَالْغِنَاءَ"[705]. وقال أيضاً: "ضَرْبُ الْمُسْلِمِ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ إِحْبَاطٌ لِأَجْرِهِ"[706]. وقال الإمام الباقر (ع) أيضاً: "أَشَدُّ الْجَزَعِ الصُّرَاخُ بِالْوَيْلِ وَالْعَوِيلِ وَلَطْمُ الْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَجَزُّ الشَّعْرِ مِنَ النَّوَاصِي وَمَنْ أَقَامَ النُّوَاحَةَ فَقَدْ تَرَكَ الصَّبْرَ وَأَخَذَ فِي غَيْرِ طَرِيقِهِ"[707].
***
إن سائر زيارات أمير المؤمنين علي ÷ التي جاءت في «المفاتيح» -وتعرّضنا لنقدها باختصار في كتاب «زيارت وَزيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات]- معيبة أيضاً لاسيما الزيارة السادسة التي جمعت كل ما أمكنها من عبارات كُفرية وخرافية!! وأحد رواة هذه الزيارة هو «سيف بن عَميرة» الذي لُعن على لسان الأئمة[708]. في هذه الزيارة وُصِف عليٌّ (ع) بأنه: «باب الله» وَ«عين الله» وَ«جنب الله» وَ«وجه الله» وَ«قسيم الجنة والنار» وَ......، ثم اعتبر عليّاً «نور الأنوار» مما يُبيِّن أن مُلفِّق هذه الزيارة كان من المُتأثِّرين بعقائد الفلاسفة اليونانيين الذين كانوا يقولون: إنَّ اللهَ خلقَ العقلَ الأوَّلَ أو نورَ الأنوار ثم خلق العقلُ الأولُ كلَّ شيءٍ أو خُلق كلُّ شيء من نور الأنوار!! كما اعتبرت الزيارة علياً «حبل الله المتين» في حين أن أمير المؤمنين علي ÷ اعتبر أن القرآن هو «حبل الله المتين» (نهج البلاغة، الخطبة 156 وَ176 وَ190).
وجاء في هذه الزيارة أيضاً: «السَّلَامُ عَلَى الْأَصْلِ الْقَدِيمِ وَالْفَرْعِ الْكَرِيمِ. السَّلَامُ عَلَى الثَّمَرِ الْجَنِي». وهذا يُبيِّن أن واضع هذه الزيارة مُتأثِّرٌ بالنصارى وقد دسَّ فكرة التثليث في هذه الزيارة! ويأتي الزائر الغافل ويقرأ الزيارة المذكورة ولا يدري أنها تتضمن عبارات مشوبة بالشرك، ويتقرَّب بقراءتها إلى الله!! ولقد ذكرنا في كتاب «زيارت وَزيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] (الصفحة 272) رأي الشيخ محمد حسن النجفي صاحب «الجواهر» بهذه الزيارة، لذا من الضروري قراءة الكتاب المذكور بشأن هذه الزيارة والزيارة السابعة؟
وفي فقرة «وداع الأمير عليه السلام» (الصفحة 365)[709]يقول الشيخ عبَّاس:
"فإذا شئت وَدَاعَهُ فَوَدِّعْهُ بهذا الوداعِ الّذي أوْرَدَهُ العلماءُ تِلْوَ ما ذكروه مِنَ الزّيارة الخامِسة".
إن مما يُثير العجب أن الخرافيين -من جهة- يعتبرون عليّاً حاضراً وناظراً في كل مكان ويدعونه ويُنادونه في كل الأحوال قائلين: «يا علي مدد»، ومن الجهة الأخرى يعتبرونه موجوداً في حرمه فقط فإذا غادروا الحرم ودَّعوه!! والواقع أن كلا الأمرين خطأ لأن الإمام (ع) قد غادر هذه الدنيا المادية الفانية نهائياً وإلى غير رجعة بعد استشهاده وانتقل إلى دار البقاء ولم تعد له صلة بدنيانا المادية وهو مُتنعِّم بنعمِ ربِّه.
[690] وجاء أيضاً عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله في هذا المعنى: "وسَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ ومُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وخَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالاً النَّمَطُ الأوْسَطُ، فَالْزَمُوهُ والْزَمُوا السَّوَادَ الأعْظَمَ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وإِيَّاكُمْ والْفُرْقَةَ.....". (نهج البلاغة، الخطبة 127) (الـمُتَرْجِمُ) [691] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 455. (الـمُتَرْجِمُ) [692] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 450. والحديث رواه الشيخ الطوسي في التهذيب، ج 6، ص 21-22. و المَجْلِسِيّ في بحار الأنوار، ج2، ص 147 نقلاً عن كتاب فرحة الغري. (الـمُتَرْجِمُ) [693] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 450. [694] وقع المؤلف البرقعي هنا بهفوة كبيرة إذ ظن أن معنى جملة: «وَالدَّلِيلَ عَلَى مَنْ بَعَثْتَهُ بِرِسَالَاتِكَ» أن عليا دليلٌ ومرشدٌ للنبي ص والعياذ بالله، ولم يُفَرِّق بين الدليل للشيء، والدليل على الشيء، فالدليل على الشيء هو الذي يدل الناس ويُرشد الآخرين إليه، فمعنى الجملة: إن الله جعل عليَّاً دليلاً يرشد الناس إلى رسول الله وإلى سنته وشريعته. وهذا المعنى موضع اتفاق بين المسلمين فليس في هذه الجملة أي عيب فضلاً عن أن تكون كفراً!! والعجيب أن المرحوم البرقعي علَّق على هذه الجملة غير المعيبة وترك التعليق على الجملة التي بعدها وهي وصف عليٍّ (ع) بأنه: "دَيَّان الدِّينِ بِعَدْلِكَ"!! مع أن الدَّيَّان: اسمٌ من أسماء الله الحسنى، ومعناه: المحاسِبُ المُجَازِي، والحَكَمُ القاضي بين العباد يوم الدِّين. فنسبة هذه الصفة لغير الله هي الغلوّ المحض الذي لا يقبله الله ولا رسوله ص ولا عليٌّ (ع). (الـمُتَرْجِمُ) [695] وسائل الشيعة، ج 12، ص 132، الحديث الأول. [696] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 376. ووسائل الشيعة، ج 2، ص915. [697] وسائل الشيعة، ج 2، ص 915، وج 12، ص 91، ورُوي في مسند زيد (ص 175) عن عليّ (ع) أنه قال: "نهى النبيُّ ص عن النوح". [698] وسائل الشيعة، ج 2، ص 915، و ج 12، ص 91. [699] وسائل الشيعة، ج 2، ص 916، وقال حضرة سيد الشهداء (ع) - مُتَّبعاً سنة جده الكريم - لأخته زينب: "يا أُخيّة! إنّي أُقْسِمُ عليكِ فَأَبِرِّي قَسَمِي: لا تَشُقِّي عليَّ جَيْبَاً ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت!". (الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 97). [700] مُسَكِّنُ الفؤاد، زين الدين العاملي، ص 108. ومستدرك الوسائل، ج 1، ص 144. [701] مسند الإمام زيد، ص 175. وقد أورد الشهيد الثاني هذا الحديث في كتابه بالصورة التالية: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخدود وشقَّ الجيوبَ" (مُسَكِّنُ الفؤاد، ص 108). [702] مستدرك الوسائل، ج 1، ص 144- 145. [703] المُصنَّف، ج 3، ص 559. ووسائل الشيعة، ج 12، ص 91. ومستدرك الوسائل، ج 1، ص 143. [704] المُصنَّف، ج 3، ص 561. [705] مستدرك الوسائل، ج 1، ص 144. [706] الكُلَيْنِيّ، فروع الكافي، ج 1، ص 224. وكذلك قال أمير المؤمنين علي ÷ أيضاً: "مَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ عَمَلُهُ" (نهج البلاغة، الحكمة 144). [707] فروع الكافي، ج 1، ص 222. [708] وقد عرّفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، في الصفحات 105 إلى 106. [709] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 478. (الـمُتَرْجِمُ)