تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

الزيارة الجامعة الكبيرة

الزيارة الجامعة الكبيرة

بعد ذلك خصَّص مؤلف «المفاتيح» فصلاً خاصاً لـ «الزيارات الجامعة»، ذكر فيه خمس زيارات أهمها وأشهرها الزيارة الثانية المعروفة باسم «الزيارة الجامعة الكبيرة». والزيارات الجامعة هي الزيارات التي لا تختص بنبيّ أو بإمام مُعيّن، وعلى حدّ قولهم: يُمكن أن يُزار بها كل إمام من الأئمة عليهم السلام (المفاتيح، ص543)[790].

لقد سعينا طول عمرنا أن نُفهم العوام أن دعاء غير الله على نحو غير مُقيَّد عبادةٌ، وأنه لا تجوز عبادة غير الله، وكرَّرنا بيان هذه المسألة في الكتاب الحاضر مراراً وتكراراً. ولكننا نرى أنه من الضروري قبل نقد «الزيارة الجامعة الكبيرة» أن نُؤكِّد هنا مرَّة أخرى على هذه المسألة المهمة لعلَّ العوام يستيقظون ويُدركون بُطلان نصوص هذه الزيارات التي تُقرأ في آلاف الأمكنة في وقت واحد:

ينبغي أن نعلم أنه من المُحال على غير الله -نبيَّاً كان أم إماماً- أن يكون في مكانين في آن واحد، كما لا يُمكن أن يسمع في آن واحد عدَّة أصوات ونداءات على نحو مستقل أو من أماكن مختلفة في آن واحد، ولا أن يرى جهات مختلفة في وقت واحد، وعلى هذا فقس، لأن جسمه وروحه محدودان ومُقيَّدان. قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ ٤٩[القمر: ٤٩].فكل مخلوق حتى النبيّ له حدود وقَدْرٌ محدود، والله تعالى وحده صاحب الوجود اللامحدود والمُطلق. فكل محدود لا يستطيع الحضور في أماكن متعددة على نحو غير محدود بل يكون له في الزمان الواحد مكان واحد لا أكثر. وسَمْع المخلوق أيضاً محدود ومُقيَّد، يعني أنه يجب أن يملك آلةً للسمع، وثانياً: قوة السمع لديه محدودة ومُقيَّدة بسلامة آلة السمع وبوجود الصوت في مسافة محدَّدة، فلا يُمكنه أن يسمع الأصوات بصورة غير مُقيَّدة وغير محدودة وغير مشروطة أو يسمع في آن واحد أصوات عديدةً كلاً على حدة، أي يسمع كل صوت مستقلاً عن الصوت الآخر. وإن لم يُرد شخص أن يفهم هذا الأمر العقلي الواضح فإننا نُبيِّن له أقوالاً تُثبت ذلك قالها الأشخاص الذين يدَّعي حُبَّهم واتِّباعهم[791]. يقول حضرة عَلِيٍّ (ع): "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ ولا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ ....." (نهج البلاغة، الخطبة 46) أي لا أحد سوى الله يُمكنه أن يكون مع المسافر ويكون في الوقت ذاته مع أهله الباقين في بلده. وجاء في البند 99 من دعاء «الجوشن الكبير»: "يَا مَنْ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ يَا مَنْ لَا يَمْنَعُهُ فِعْلٌ عَنْ فِعْلٍ يَا مَنْ لَا يُلْهِيهِ 65)[792]. ولذلك فإن حضرة موسى (ع) الذي كان من أُولي العزم من الرسل ومقامه أرفع من مقام غيره من الأنبياء لما سمع صوت انفجار الجبل وَقَعَ مغشياً عليه: ﴿وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗا[الاعراف: ١٤٣] لأن سمعه لم يكن سمعاً غير محدود وغير مُقيَّد. ولم تعرف حضرة مريم (ع) -التي يدعوها النصارى في كل وقت وفي كل حال ومكان على نحو غير مُقيَّد- الملاكَ الذي تمثَّل لها بشراً سوياً (مريم: 18) كما لم يكن نبيُّ الله زكريا يعلم من أين أتى رزق حضرة مريم (آل عمران: 37) ولا غروَ فعلمهم لم يكن علماً غير محدود.

بناءً على ذلك فإن النبيّ والأئمة سواءً في زمن حياتهم الدنيوية أم بعد انتقالهم إلى عالَم البقاء، ليسوا في كل مكان، بل ليسوا حتى في مكانين، ولا يسمعون جميع الأصوات ولا يُمكنهم الإصغاء لمن يقولون لهم: «السلام عليك»، كما لم يكونوا كذلك زمن حياتهم الدنيوية، إذْ كانوا إذا كلَّمهم شخصان في وقت واحد ينتبهون إلى كلام أحدهما ويذهب عنهم كلام الآخر، والآن أيضاً بعد أن فقدوا آلة سمع الأصوات الدنيوية وانتقلوا أيضاً من عالَم الفناء إلى عالَم آخر تماماً (عالَم البقاء)، فإنهم لا يسمعون بالطبع أصواتنا ولا يلتفتون إلى هذا العالَم.

هذا الأمر الذي ذكرناه يفهمه كلُّ عاقلٍ مؤمنٍ يقرأ القرآن دون تعصُّب، اللهم إلا إذا كان مُتعصِّباً مُتاجراً بالخرافات أو كان مُتعلِّقاً جداً بعادات آبائه وأجداده وآدابهم.

بعد هذه المُقدِّمة يُعْلَم أن الزيارات الجامعة سواءً كانت كبيرةً أم صغيرةً، بل جميع الزيارات والأدعية المُشابهة لها، لم تأتِ مِنْ قِبَلِ الشارع، بل وضعها أشخاص خرافيون وأشاعوها وروَّجوها بين الناس.

لا تتناسب «الزيارة الجامعة الكبيرة» التي تبتدئ بالمدائح والتمجيد والغُلُوِّ والتملُّق مع السيرة المتواضعة للأئمة. هل من الممكن للإمام عَلِيّ النقيّ الهادي (ع) الذي كان «يجلس في منزله على الحصى ويذكر الله وينشغل بمُناجاة ربِّه»[793]، وكان مثالاً للتقوى والتواضع أن يقول للناس: اقرؤوا صفحات عديدة أمام قبري وقبور آبائي تطفح بالغُلُوِّ والبُعد عن الحقيقة والتملُّق؟ هل من يدعو إلى ذلك يكون إماماً مُوحِّداً زاهداً أم مُتكبِّراً طالباً للجاه؟!

إن إمامنا متواضع زاهد وكان يلفت انتباه الناس دائماً نحو الله ويشدهم إليه لا إلى نفسه، ولم يكن مُتكبِّراً ولا مُعْجَبَاً بنفسه حتى يُثني على نفسه في صفحات عديدة ويُمجِّدها ويطلب من الناس أن يدعوه بتلك الصفات العليا -بل بالصفات الخاصة بالله- كي يرضى عنهم!! (فَتَأَمَّل).

في هذه الزيارة تمَّ وصف الأئمة -تقليداً للأدعية الموضوعة الأخرى- بوصف «صفوة المُرسلين» ولا يُعْلَم أيُّ نبيّ، وبناءً على أيّ دليلٍ ومستندٍ، اصطفى أولئك الأجلاء الكرام للإمامة!

وجاء في هذه الزيارة وصف الأئمة بأنهم: "عِبَاده الْمُكْرَمِونَ الَّذِينَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون‏" أي جُعل الأئمّة مصداقاً للآية 27 من سورة الأنبياء، مع أن الآية تتعلقّ بالملائكة لا بالبشر، كما تدل على ذلك أيضاً الآيات التي جاءت قبل تلك الآية وبعدها، وقد اعتبر عَلِيٌّ (ع) الآية المذكورة خاصة بالملائكة (نهج البلاغة، الخطبة 91).

وجاء في هذه الزيارة: "بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ (اللهُ) وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ..... ". من المفيد بشأن هذا الغُلُوّ مراجعة «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الباب 33، الحديث الثالث، الصفحات من 284 حتى 287).

إن «الزيارة الجامعة الكبيرة» تتضمَّن إشكالات عديدة، وبما أننا درسنا هذه الزيارة ونقدناها سنداً ومتناً في كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات] (ص 97 حتى 101 و 350 حتى 356) فلا نُكرِّر ذلك هنا ونُحيل القارئ المحترم إلى الكتاب المذكور.

وتكلَّمنا فيما سبق في هذا الكتاب الحاضر (ص 347) عن الزيارة الجامعة الثالثة فلا داعي لتكرار الكلام عليها هنا.

ثم أورد الشيخ عبَّاس تحت عنوان: "المقام الثاني: فيما يُدعى به عقيب زيارات الأئمَّة عليهم السلام" (ص 554 و 555 من المفاتيح)[794] أدعيةً لا تنسجم مع القرآن ولا مع العقل، إذ يقول فيها: "يَا وَلِيَّ اللهِ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ذُنُوباً لَا يَأْتِي عَلَيْهَا إِلَّا رِضَاك ‏"!! وعلينا أن نقول لقارئ هذا الدعاء: أيُّها الجاهل الذي لا علم له بالقرآن، بدلاً من أن تذهب إلى قبر الإمام وتتملَّق له وتقول الأكاذيب، اذهب وتُب إلى الله، فإن الله تعالى أمر في القرآن المُذنبين بالتوبة، فأين تجد في كتابه أنه قال إن عبادي الصالحين يُمكنهم أن يُنقذوكم من عواقب ذنوبكم ويُعْفُوكم من مسؤوليَّتكم عمَّا اقترفتموه؟! إن التكلم مع الأموات عند قبورهم وسؤالهم والطلب منهم بدعة ولو اطَّلع الإمام على عملك هذا لتبرأ منك. إن الإمام الذي رحل إلى عالَم البقاء لا علم له بما تفعله وحتى لو كان حياً في هذه الدنيا الفانية وسمع كلامك لم يكن مُكلَّفاً أن يُصغي إلى أوهامك. لماذا ترجع إلى غير الله في طلب الغفران مع أن الله أرحم الراحمين؟! إن مقام العبادة ليس كسائر الأفعال في هذه الدنيا حتى يحتاج إلى واسطة! ولا حاجة لك إلى وُسطاء مع الله الحاضر في كل مكان والناظر لكل شيء.

المقام الثالث من فصل «الزيارات الجامعة» يتعلّق بـ «الصلوات على الحُجج الطاهرة (ع)» المروية عن «أبي المُفضَّل الشيباني» الذي ضعَّفه علماء الرجال والذي عرَّف به الأستاذ «محمد باقر البهبودي» تحت رقم 121 في كتابه «معرفة الحديث» (ص 209 إلى 212) بشكل وافٍ. هذا الراوي الذي لا اعتبار لحديثه ينقل عن «أبي محمد عبد الله بن محمد العابد» المُهمل والمجهول!! الآن احكم أيُّها القارئ بنفسك على مدى وثاقة مرويَّات هذا الفصل!

[790] «مفاتيح الجنان» (النسخة المُعرَّبة)، ص 676. (الـمُتَرْجِمُ) [791] تُراجع الصفحة 414 من الكتاب الحاضر. [792] تُراجع الصفحة 414 من الكتاب الحاضر. [793] داستان راستان [قصص الصادقين]، مرتضى مطهري، ص 77، نقلاً عن «بحار الأنوار». [794] «مفاتيح الجنان» (النسخة المُعرَّبة)، ص 700. (الـمُتَرْجِمُ)