حديث الكساء المُدْرَج في آخر كتاب المفاتيح
قال الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في بداية هذا الحديث الذي ذُكِر دون بيان رجال سنده: "عن كتاب «العوالِم» بسند مُعْتَبَر[803] عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن حضرة فاطمة (ع)".
وهذا الادّعاء كذب ولم يُرَ أي سند لهذا الحديث. ولو كان سند هذا الحديث «صحيحاً» أو على الأقل «حسناً» لما توانَوا قطعاً عن ذكر سنده، كي يزيدوا من اعتباره وأهميته.
والأهم من ذلك اعتراف الشيخ عباس القمي نفسه الذي قال:
"وأما الحديث المعروف بحديث الكساء الشائع في زماننا بهذه الصورة، فليس له أثر في الكتب المعتبرة وأصول الحديث ومجامع المحدِّثين المتقنة ويمكن القول إنه مما اختصَّ به كتاب «المُنْتَخَب»"[804].
كما يُلاحَظ، فإن الشيخ عبَّاس القُمِّيّ الذي يعتمد على كثير من الأخبار غير المُوَثَّقة والكتب غير المُعْتَبَرة يصرِّح هنا أن مثل هذا الحديث لا يوجد في كتب المتقدمين. وكما رأينا في الصفحات السابقة فهو ليس حسن الظنّ بروايات «الطُّرَيْحي» ويعتبره مُتسامحاً[805].
علاوة على ذلك فإن «فخر الدين الطُّرَيْحي» كان يعيش في القرن العاشر وبينه وبين جابر بن عبد الله ألف سنة، فكيف روى عنه هذا الحديث الذي لم يكن المحدِّثون قبله يعرفونه. أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
وإذا رجعنا إلى كتابَي «غاية المرام» و«تفسير البرهان» للسيد هاشم البحراني للاحظنا أن البحراني جمع كل خبر يتعلق بمسألة الكساء، ورغم ذلك لا نجد في رواياته ما يشبه حديث «الطُّرَيْحي» هذا، فمثلاً تقول الأحاديث إن حضرة الزهراء (ع) جاءت إلى بيت النبي، أما هذا الحديث فعلى العكس من ذلك يقول إن النبي ص هو الذي جاء إلى بيت فاطمة (ع)!! وأكثر الأحاديث اعتبرت الكساء خيبرياً أما هذا حديث «الطُّرَيْحي» فاعتبره يمانياً، ثم إن هذا الحديث يقول إن النبي كسى نفسه بالكساء على نحو كان كل من يدخل فيه لا يرى النبي ص بل كان يُدرِك حضور النبي تحت الكساء بواسطة رائحة جسمه, ويطلب الحضور تحت الكساء، في حين أن الأحاديث الأخرى تقول إن النبي كان يدعوهم إلى الانضواء تحت الكساء.
في أواسط هذا الحديث تُنْقَلُ أمورٌ عن الله وجبريل دون واسطة النبي ص، فنسأل: وهل كان يوحَى لأحد غير النبي ص؟! وهل يستطيع أحد أن يخبرنا عن أحوال الملكوت سوى النبيص؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
في هذا الحديث يقسم الله ويقول: "وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءً مبنيّةً ولا أرضاً مدحيّةً، ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئةً، ولا فلكاً يدور، ولا بحراً يجري، ولا فُلْكاً تسري، إلّا لأجلكم ومحبّتكم، هؤلاء الخمسة الذين تحت الكساء ... الخ".
وهذا الكلام مخالف لآيات القرآن التي تقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ... ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٢ ﴾ [البقرة: ٢١، ٢٢]ولقوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا﴾[البقرة: ٢٩]، وقوله سبحانه: ﴿سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾[لقمان: ٢٠]، وقال تعالى في سورة إبراهيم:﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ ٣٢ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ٣٣ وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ ٣٤﴾[ابراهيم: ٣٢- ٣٤].
وعلى كل حال فلم يستثنِ الله أحداً ولم يختص عالم الخليقة بشخص أو يخلقه لأجل شخص، لكن واضعي الأحاديث الجاهلين بالقرآن الذين لا علم لهم بالقيامة يقولون إن الله خلق السماوات والأرض والأفلاك و..... لأجل خمسة أشخاص. نعوذ بالله من الخسران ومن الكذب على الله السبحان.
إن هذا الحديث يتضمّن بالطبع إشكالات أخرى أيضاً مثل دخول جبريل تحت الكساء و..... ولكننا نكتفي بهذا المقدار من نقده.
إن الخرافات والأوهام كثيرة بين الناس عندنا ولا أملك في هذه الأيام القدرة على التفصيل في هذا الأمر أكثر من ذلك، وفي نظري ما ذكرتُهُ يكفي لتنبّه أصحاب التفكير السوي من الناس وأتباع القرآن ويقظتهم.
أسأل الله تعالى أن ينقذ الناس لدينا من شر المُتَكَسِّبِين بالدين وتجار الخرافات ويعيننا ويحفظنا من شرِّ أهل الدنيا والخرافيين. آمِين يَا رَبَّ الْعَالَمِين. وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، وَمَا أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ الْعَظِيم.
خادم الشريعة المطهَّرة: سيد أبو الفضل ابن الرضا (البرقعي)
[803] جاء في بعض النسخ كلمة «صحيح» بدلاً من كلمة «مُعْتَبَر». [804] عباس القمي، منتهى الآمال، كتاب فروشى اسلاميه، (بخط الحاج الميرزا حسن الهريسي الأرونقي) ج1، ص445. [805] راجعوا الصفحة 488 من الكتاب الحالي. وقد أعرب الشيخ عبَّاس القُمِّيّ مرة أخرى على عدم ثقته بمؤلفات «الطُّرَيْحي» على النحو التالي: "لم يرد ذكر للمحامل وللهوادج في غير خبر مسلم الجصَّاص، ومع أن العلامة المَجْلِسِيّ قد نقل هذا الخبر فإن مصدره (المُنْتَخَب) للطريحي، وكتاب (نور العين)، وحال الكتابين لا تخفى على أهل فن الحديث..."." (منتهى الآمال، ج1، ص409). [أقول: وهو في النسخة المترجمة إلى العربية لمنتهى الآمال في: ج2، ص 569، ضمن فصل: «ورود أهل البيت الكوفة». (الـمُتَرْجِمُ)].