الشبهة الثالثة:
نَقَلَ الكاتبُ الشابُّ مُغالطةً أخرى عن المرحوم «المُطَهَّرِي» فقال:
"هل الحدُّ الفاصل بين التوحيد والشرك هو الاعتقاد بقدرة كائن ما وبتأثيره فوق الطبيعي؟ أي أن الاعتقادَ بأن موجوداً ما - ملاكاً أم إنساناً (مثلاً نبيّاً أو إماماً)- يملك قدراتٍ خارقةٍ تتجاوز قوانين الطبيعة، شركٌ، أما الاعتقاد بقدرته وتأثيره ضمن الحدّ الطبيعي والمُتعارف عليه فليس شركاً. وكذلك الاعتقاد بقدرة إنسان رحل عن الدنيا وتأثيره شركٌ لأن الميت جماد والجماد من ناحية قوانين الطبيعة لا شعور له ولا قدرة له ولا إرادة، فالاعتقاد بإدراك الميت، والسلام عليه وتعظيمه واحترامه ودعائه وندائه وطلب الحوائج منه شركٌ، لأنه يستلزم الاعتقاد بقوة خارقة للطبيعة لغير الله. كذلك الاعتقاد بالتأثيرات الخفية والمجهولة للأشياء كالاعتقاد بتأثير تربة خاصة في شفاء الأمراض أو تأثير مكان خاص في استجابة الدعاء شركٌ لأنه يستلزم الاعتقاد بامتلاك شيء ما لقوة خارقة للطبيعة أي فوق قوانين الطبيعة، لأن كل ما هو طبيعيّ فهو قابل للمعرفة وللاختبار وللحسِّ واللمس. وعلى هذا فالاعتقاد بمُطلق التأثيرات للأشياء ليس شركاً (كما ظنَّ الأشاعرة) أما الاعتقاد بامتلاك أشياء لتأثيرات ما فوق طبيعية فهو شرك. فالكون ينقسم إلى قسمين: الطبيعة وما وراء الطبيعة، فما وراء الطبيعة إقليم خاصٌّ بالله، والطبيعة مجال خاص بالمخلوق أو مشترك بين الله ومخلوقاته. فهناك سلسلة من الأعمال ذات جانب ما وراء طبيعي مثل الإحياء والإماتة والرزق وأمثالها. والبقية، أعمال عادية طبيعية. الأعمال ما وراء الطبيعية إقليم خاص بالله، وبقية الأعمال إقليم مخلوقاته. هذا من ناحية التوحيد النظري.
أما من ناحية التوحيد العملي فإن كل نوع من التوجه المعنوي إلى غير الله، يعني التوجه الذي لا يكون من طريق وجه المُتَوَجِّه ولسانه وصورته وأذنيه الظاهرتين بل يتوجه المُتَوَجِّه عبر إيجاد نوع من الصلة القلبيَّة والمعنويَّة بينه وبين الطرف المُقابل فيدعوه ويستجلب انتباهه إليه ويتوسَّل به ويطلب منه الإجابة، كلها شرك وعبادة لغير الله، لأن العبادة ليست سوى هذه الأشياء، وعبادة غير الله غير جائزة بحكم العقل وضرورة الشرع وتستلزم الخروج من الإسلام. إضافةً إلى ذلك فإن القيام بمثل هذه الطقوس، فضلاً عن أنه يُعدُّ أداء لطقوس عبادية إلى غير الله، فإنه يستلزم الاعتقاد بقوة ما وراء طبيعية للشخص الذي يتم التوجه إليه (النبيّ أو الإمام)..... إنهم دون أن يشعروا يؤمنون بنوع من الاستقلال الذاتيّ في الأشياء، ولهذا يعتبرون أن لعب دور ما فوق حدّ العوامل الطبيعية العادية يستلزم الاعتقاد بأن من يقوم بهذا الدور قطب مستقل وقدرة في مقابل الله غافلين عن أن التأثير ما فوق الطبيعي للكائن الذي ينتمي إلى إرادة الحق بكل وجوده ولا يوجد لديه أيُّ جانب مستقل عن الله، مثله مثل تأثيره الطبيعي، قبل أن يستند إلى ذاته يستند إلى الله تعالى، فذلك الكائن ليس سوى مجرى لمرور فيض الحقّ تعالى إلى الأشياء. هل الاعتقاد بأن جبريل واسطة لفيض الوحي والعلم، وأن ميكائيل واسطة لفيض الرزق وأن إسرافيل واسطة للإحياء وأن مَلَك الموت واسطة لقبض الأرواح، شركٌ؟
من ناحية توحيد الخالقية تُعتبر هذه النظرية أسوأ نوع من أنواع الشرك، لأنها تُؤمن بنوع من تقسيم العمل بين الخالق والمخلوق: فالأعمال ما وراء الطبيعية هي حقل العمل الخاص بالله، والأعمال الطبيعية هي حقل العمل الخاص بالمخلوقات أو المشترك بين الله ومخلوقاته. إن القول بحقل خاص للمخلوق عين الشرك في الفاعلية. كما أن القول بحقل مشترك بين الله والناس نوع آخر من الشرك في الفاعلية.
خلافاً للتصور الشائع، فإن الوهَّابية ليست نظرية ضد الإمامة فحسب بل هي قبل أن تكون ضد الإمامة ضد التوحيد وضد الإنسان. هي ضد التوحيد لأنها تؤمن بتقسيم الأعمال بين الخالق والمخلوق، إضافةً إلى إيمانها بنوع من الشرك الذاتيّ الخفيّ الذي تمّ توضيحه، وهي ضد الإنسان من ناحية أنها لا تُدرك ملكات الإنسان وطاقاته واستعداداته، هذا الإنسان الذي جعله الله أعلى رتبةً من الملائكة وجعله بنص القرآن المجيد خليفة الله وأَمر الملائكة بالسجود له، بل تَنْزِلُ تلك النظرية بالإنسان إلى مرتبة الحيوان الطبيعي. علاوةً على ذلك فإن التفرقة والتفكيك بين الميت والحيّ على نحو يُعتَقَدُ فيه أن الأموات ليسوا أحياء حتى في العالَم الآخر وأن شخصية الإنسان كلها هي بدنه الذي يظهر بشكل جماد، تفكير ماديٌّ ومُناقضٌ للتفكير الإلهيّ..... والتفكيك والتفرقة بين الأثر المجهول والخفيّ وغير المعروف والآثار المعروفة واعتبار الأول تأثيراً ما وراء طبيعياً خلافاً للثاني نوع آخر من الشرك..... الحقيقة هي أن الحدّ الفاصل بين التوحيد والشرك، في العلاقة بين الله والإنسان والعالَم هو «من الله» و «إلى الله». الحدّ الفاصل بين التوحيد والشرك في التوحيد النظريّ «إنا لِـلَّهِ». فكل حقيقة وموجود طالما تعرَّفنا إليه بوصفه أنه لِـلَّهِ أي أن هويته وذاته وأفعاله مُستمدة من الله فقد تعرَّفنا إليه بشكل صحيح ومُطابق للواقع وبنظرة توحيدية، سواءً كان لذلك الشيء أثر أو عدة آثار أو لم يكن له ذلك، وسواءً كان لتلك الآثار جوانب ما فوق طبيعية أو لم يكن لها ذلك. لأن الله ليس إلهَ ما وراء الطبيعة أو إلهَ السماوات أو إلهَ الملكوت والجبروت فقط، بل هو إله الكون كله. فهو قريب من الطبيعة ومعها وقيُّوماً عليها بقدر ما هو كذلك بالنسبة إلى ما وراء الطبيعة، فامتلاك موجود ما لجانب ما وراء طبيعي لا يجعل منه ممتلكاً لجانب إلهيّ. وقد سبق أن قلنا إن العالَم في التصور أو النظرة الكونية الإسلامية ذو ماهيَّة «لِلَّـهِيَّة» أو «مِنَ اللـهِيَّة». لقد نسب القرآن الكريم في آيات مُتعددة أعمالاً خارقةً ومعجزةً كإحياء الموتى وشفاء الأعمى من الولادة، إلى بعض الأنبياء لكنه أضاف إلى تلك النسبة كلمة «بإذنه» فهذه الكلمة تُعبِّر عن ماهيّة «لِلَّـهِيَّة أو مِنَ اللـهِيَّة» لتلك الأعمال حتى لا يظنّ أحد أن الأنبياء مُستقلون بأنفسهم عن الله؛ فالحدُّ الفاصل بين التوحيد النظري والشرك النظري هو الانتماء إلى الله وعدم الاستقلال عنه (التوحيد) أو عدم الانتماء إلى الله واستقلال موجود عنه (الشرك)234]. إن الاعتقاد بوجود موجود لا يكون وجوده مُلْكاً لِـلَّهِ ومنتمياً إلى الله شِرْكٌ. والاعتقاد بتأثير موجود لا يكون تأثيره لِـلَّهِ ومن الله شِرْكٌ أيضاً سواءً كان هذا التأثير ما فوق طبيعي كخلق جميع السماوات والأرض أو كان أثراً صغيراً ضئيل الأهمية كقلب ورقةِ شجرةٍ رأساً على عقب.
أما الحدود الفاصلة بين التوحيد والشرك في التوحيد العملي فهي: ﴿إِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾، فالتوجُّه والالتفات إلى كلِّ موجود سواءً كان توجُّهاً ظاهرياً أم معنوياً، طالما كان على نحو التوجُّه إلى طريقٍ لأجل الذهاب من خلاله نحو الله أي على نحو التوجه إلى وسيلة لا التوجه إلى غاية ومقصد، فهو توجه إلى الله. إن التوجه إلى الطريق في كل حركة وسير وسفر، منشؤه كون الطريق طريقاً فحسب، ومنشأ التوجه إلى العلامات والإشارات والأسهم واللافتات الموضوعة في الطريق هو أن لا يضيع السائر والمسافر ويبتعد عن المقصد والهدف لأنَّ تلك العلامات والإشارات والأسهم تشير نحو المقصد وتُساعد على الذهاب إلى جهته.
إن الأنبياء والأولياء طُرُقُ الله: «أَنْتُمُ السَّبِيلُ الْأَعْظَمُ وَالصِّرَاطُ الْأَقْوَم». إنهم علامات ودلائل السير إلى الله و «أَعْلَاماً لِعِبَادِهِ وَمَنَاراً فِي بِلَادِهِ وَأَدِلَّاءَ عَلَى صِرَاطِه»، وهم الهُداة والمُرشدون نحو الحق «الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ وَالْأَدِلَّاءِ عَلَى مَرْضَاةِ اللهِ».
فليست المسألة أن التوسل والزيارة ودعاء الأولياء وانتظار الأعمال ما فوق الطبيعية منهم شرك. بل المسألة شيءٌ آخر: أولاً: يجب أن نعلم هل ترقَّى الأنبياء والأولياء في مراتب الصعود إلى درجات القُرب الإلهي حتى أصبحوا موضعاً للمواهب الإلهية أم لا؟ إن ما يُستفاد من القرآن الكريم أن الله أنعم على بعض عباده بمثل هذه المقامات والدرجات". انتهى من كتاب «مقدمة على التصور الإسلامي للعالَم» لمرتضى المطهري، القسم الثاني، التصور التوحيدي للعالَم، فصل مراتب ودرجات الشرك، ص 115 فما بعد.
والآن نقول: حقاً إن ما ذُكر أعلاه من أوضح مظاهر التشويش والتهويل والمغالطة والتلاعب بعقول الدهماء وخداع العوام، وهو كلام ينطوي على مغالطات وإشكالات عديدة جداً:
أولاً: كما لاحظنا، لقد تمّ تكرار الإشكال السابق (القول بأن الاعتقاد بأن ما سوى الله يتمتع باستقلال ذاتي هو فقط الشرك، والاعتقاد بأن كل ما سوى الله تابع لِـلَّهِ ولا يمتلك استقلالاً ذاتياً هو التوحيد)، وقد أوضحنا في المبحث السابق أن الشرك لا ينحصر بالاعتقاد بوجود كائن غير الله مستقل ذاتياً عنه بل هو أعم من ذلك، بل الجزء الأعظم من محاربة الشرك في القرآن الكريم هي محاربة مشركين لم يكونوا يعتقدون أن معبوداتهم مستقلة عن الله.
ثانياً: إن المُوحدين لا يقولون إن «الكون منقَسِمٌ إلى قسمين: الطبيعة وما وراء الطبيعة...... الخ»، كما لا يعتقدون بـ «نوع من تقسيم العمل بين الخالق والمخلوق». وكما ذكرنا في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 141 فما بعد)، يقول المُوحِّدون: إنه لا شك أن كل حَوْلٍ وَقُوَّةٍ وكلَّ تأثير في عالَم الوجود هو من الله ويستند إلى إرادته وإذنه، ولا يمتلك أي كائن سوى الله في الوجود أيَّ حَوْلٍ ولا قُوَّةٍ من عند نفسه وعلى نحو ذاتيّ مستقل عن الله، ولا فرق في هذا الأمر أبداً بين الطبيعة وما وراء الطبيعة، لكن التفاوت هو في «الإذن الإلهي» نفسه الذي هو على نوعين: إذن عام وإذن خاص. وبعبارة أخرى يقول المُوحِّدون: إن الله تعالى أعطى لعباده إذناً عاماً بميزان محدود، وكلُّ شخص، سواءً كان من العوام أم من الخواص، يُدرك حدود هذا الإذن العام ومجاله، إن حدود هذا الإذن هي حدود الاستطاعة والحرية الإنسانية ذاتها التي هي منشأ مسؤولية الإنسان، وبعبارة أخرى تتمتَّع الكائنات ضمن هذه الحدود بالفيض وبالاستطاعة التي وهبهم الحق تعالى إياها، أما خارج هذه الحدود ففيض الله على الإنسان مسدود. وبعبارة أخرى: ليس هناك أيّ دليل على أن الله أذن لبعض المخلوقين بأن يفعلوا كل ما يريدون فعله!! فبغضِّ النظر عن الإشكالات العقلية لمثل هذا الادِّعاء، لم يأْذَن الشرع لنا بادِّعاء مثل هذا الادِّعاء. وهذه العقيدة -أي الاعتقاد بأن الله أَذِنَ لبعض المخلوقين أن يفعلوا ما يشاؤون- تُشبه عقيدة المُفوّضة التي بيّنا بطلانها في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 144 فما بعد)[235].
في الواقع إنكم تقولون: إن الله أَذِنَ لبعض عباده -ومن جملتهم الأنبياء والأئمة- أن يقوموا بجميع الأعمال أو بمعظمها «من قبيل إحياء الموتى وشفاء الأكمه (الذي يولد أعمى)... الخ»!! أما المُوحِّدون فيقولون: إنه لا دليل في القرآن على أن الله أذن بفعل مثل هذه الأعمال حتى لعباده المُقرّبين الخاصين -بما في ذلك الأنبياء والأئمة- وخلافاً لادِّعاء المرحوم المطهري، لا ينسب القرآن الكريم الأعمال المُعجزة الخارقة كإحياء الميت وشفاء الأكمه ونظائرها- على المعنى الذي تقولونه ويُعجبكم- إلى بعض الأنبياء.
كتب المُطَهَّريُّ يقول: "إن ما يُستفاد من القرآن الكريم أن الله أنعم على بعض عباده بمثل هذه المقامات والدرجات". ولكن المُوحِّدين يقولون: لا أحد يُنكر قرب الأنبياء والأئمة من الله ورفعة مقامهم وعُلوِّ شأنهم ووصولهم إلى أعلى درجات الفلاح، ونحن نؤمن بذلك من صميم قلبنا، أما إذا كان قصدكم من عُلوِّ مقامهم ومن درجاتهم الرفيعة أن لهم تدخلاً في صنع المعجزات وأنهم واسطة في إجابة دعاء العباد حتى بعد رحيلهم عن الدنيا -كما سنرى في الصفحات القادمة- فإن هذا الأمر لا يُستفاد من القرآن بأيّ وجه من الوجوه.
أما ما ذكرتموه من أن الحدّ الفاصل بين التوحيد النظري والشرك النظري هو الاعتقاد بأنَّ كُلَّ شيءٍ تابعٍ لِـلَّهِ، فلا أحد يُنكر ذلك، كل ما في الأمر أن هذا القول يُبيِّن أحد مصاديق الشرك فقط لا كلَّ مصاديقه.
33ثالثاً: من جملة الآيات التي يتم تفسيرها، أكثر من جميع الآيات الأخرى، على نحو خاطئ، والاستفادة منها بشكل غير صحيح خداعاً للعوام، الآيات المُتعلقة بمعجزات حضرة عيسى (ع) (سورة آل عمران: 49، وسورة المائدة: 110). ولقد ذكرنا إيضاحات كافية حول هذه الآيات في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 138فما بعد)، فلا داعي لتكرارها هنا، لكننا نُذكِّر فقط بأننا قلنا هناك: إن مصدر الوحي والمعجزة واحد، والذي يُرسل الوحي هو الذي يصنع المعجزة، ودرجة تدخل النبيّ وشخصيته وإرادته وقوته المعنوية (الروحية) في المعجزات هي نفس درجة تدخله في الوحي. وبعبارة أخرى: إذا كانت لإرادة الرسول وقوته الباطنية الروحية تدخل في الوحي فإن لها تدخل في المعجزة أيضاً وإلا فلا.
ونقول هنا إتماماً للحُجّة على الخرافيين وإكمالاً لها: أنتم تعتقدون "إنه ببركة العبودية للحق يصل الإنسان ليس إلى السيطرة التامَّة على بدنه فحسب، بل إن سيطرته وإرادته تنفذان إلى عالَم الطبيعة الذي يُصبِحُ مطيعاً للإنسان فيملك الإنسانُ في ظلّ القدرة والطاقة التي اكتسبها نتيجة تقرّبه من الله التصرُّفَ في عالَم الطبيعة ويكون منشأً لسلسلةٍ من المعجزات والكرامات، وفي الحقيقة يُصبح قادراً على التصرُّف في الكون والسيطرة عليه"[236].
ونحن نسأل: هل كان للرسول الأكرم ص أيُّ تدخُّل في المعجزة التي أتى بها، أي في نزول آيات القرآن الكريم عليه؟ من البديهي أن من له علم بالقرآن لا يُجيب عن هذا السؤال بالإيجاب لما يلي:
أ) قبل نزول الآيات الأولى من سورة العلق لم يكن النبيُّ الأميّ قد أدّى بعدُ عباداته وعبوديته على النحو الذي يستوجب عروجه إلى أعلى مدارج الكمالات المعنوية والروحية التي تجعله - حسب قولكم- يمتلك القدرة على التصرف في أمور العالَم، كي يكون له تدخل في إظهار معجزة القرآن. ولهذا نرى أن القرآن الكريم خاطب النبيّ قائلاً: ﴿مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ﴾[الشورى: ٥٢].
ولو كان للنبيّ تدخُّلٌ في نزول القرآن لما كان هناك من ضرورة إلى أن يُكرِّر بين شفتيه وبصوت خافت الآيات التي تُوحَى إليه خشية نسيانها، إلى درجة أن الله تعالى نهاه عن تلاوة الآيات قبل انقضاء وحيها إليه واكتماله (سورة طه: 114[237]، والقيامة: الآيات 16 إلى 18[238]).
ولو كان للرسول الأكرم ص نوعٌ من التدخُّل والدَّوْر في نزول القرآن لما سمح لبعض المنافقين -قبل نزول الآية 43 من سورة التوبة- بعدم الخروج معه إلى غزوة تبوك قبل أن يتأكَّد من صحة ادِّعاءاتهم وأعذارهم، أو لما عمل ما يستوجب نزول الآية 37 من سورة الأحزاب عليه أو الآية الأولى من سورة التحريم. ويوجد نماذج عديدة لمثل هذه الأمور في القرآن ومن جملتها انقطاع الوحي عنه مدة 12 يوماً على الأقل رغم ميل النبيّ ص وشوقه الشديد إلى الوحي[239]، وكل هذه النماذج من الآيات تُثبت حقيقة أن الرسول الأكرم ص لم يكن له أيُّ تدخُّل أو دورٌ في ظهور معجزة القرآن. بناءً على ذلك، فإن سائر الأنبياء أيضاً لا دخل لهم في ظهور معجزاتهم وصنعها. (فَتَأَمَّل)
ب) عندما تكلَّم عيسى في المهد وعندما نال يحيى النُّبُّوة والحكمة في الطفولة والصبا لم يكونا قد قطعا بعد مدارج الكمال المعنوي والروحي الرفيعة العالية، كي يكون ذلك سبباً لظهور معجزاتهما. كما أن تعجُّب حضرة مريم من ولادتها لابن دون أب[240] يدلُّ بوضوح على أن لم يكن لها أيّ تدخُّلٌ أو دور في صنع معجزة ولادة عيسى (ع) من غير أب[241].
ج) خلافاً لادِّعاء الخرافيين، لا يُستفاد من كتاب الله أن الأنبياء كان لهم تدخُّلٌ في ظهور المعجزات، لأن القرآن يُصرّح بأن الرسول الأكرم ص كان يميل بشدة إلى ظهور معجزات على يديه تحمل قومه على الإيمان، حرصاً منه على إيمان قومه ورغبةً منه في إسلامهم ونجاتهم إذْ كان يُحزنه إعراض قومه عن دعوة الحق ويأسف ويغتمُّ لذلك حتى يكاد يُهلك نفسه[242]، ولكن خلافاً لميله الشديد لم تكن تظهر على يديه أيّ معجزة عندما لم تكن حكمة الله تقتضي ذلك. لهذا السبب عندما كان يُقال عن النبيّ ص: ﴿وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ﴾[الانعام: ٣٧]، كان القرآن يُجيب عن ذلك قائلاً: ﴿قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةٗ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٧﴾[الانعام: ٣٧]، أو عندما كان يُقال: ﴿لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ﴾كان القرآن يُجيب في الآية ذاتها: ﴿فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ ٢٠﴾[يونس : ٢٠][243] ويقول أيضاً: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞ﴾[الرعد: ٧]. أو عندما يُقال: ﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتٞ مِّن رَّبِّهِۦ﴾[العنكبوت: ٥٠] كان القرآن يُجيب في الآية ذاتها: ﴿قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ ٥٠﴾[العنكبوت: ٥٠] [244].
ويقول للنبيّ: ﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ﴾[الانعام: ٥٠]. ويقول: ﴿قُلۡ... مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ... قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۗ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِٱلظَّٰلِمِينَ ٥٨﴾[الانعام: ٥٧، ٥٨] (أي أنني لو كنت أمتلك القدرة على إهلاككم لاستفدت منها في القضاء عليكم أو هزيمتكم).
د) قال المرحوم المطهري حول معجزات الأنبياء:
"لقد أعطى الله تعالى أصحاب المعجزات نوعاً من القدرة والإرادة يستطيعون بها أن يتصرَّفوا في الكائنات بإذن الله وأمره، فيُحوّلوا العصا إلى ثعبان، ويجعلوا الأعمى بصيراً، وحتى يُحيوا الميت، ويُخبروا عن الغيب..... الخ"[245].
أما المُوحِّدون فيقولون مُتعلّمين من القرآن ومن أقوال الأئمة[246]: إن الأنبياء -بمن فيهم حضرة عيسى (ع)- على الرغم من عُلوِّ مقامهم وعروجهم إلى أعلى درجات القرب من الحق، لا دخل لهم في ظهور المعجزات، لأنهم كانوا بشراً مخلوقين جاؤوا إلى الدنيا يوماً ورحلوا عن الدنيا في يوم آخر ولم يكونوا قادرين على التغلُّب على حاجتهم إلى الهواء والتنفُّس وحاجتهم إلى الطعام وبالطبع حاجتهم إلى دفع فضلات الطعام عن أبدانهم و.....، وكانوا يحتاجون إلى النوم، ولم يكونوا مُنزّهين عن النسيان في غير أحكام الشريعة ومسائلها (سورة الكهف: 24 و61 و73) ويتعبون (سورة الكهف: 62) وكانوا يمرضون [247]. إذن لم يكن الأنبياء مُسيطرين على أجسامهم وحاكمين على الطبيعة ومُحيين للأموات، ولم يُفوّض الله تعالى لأولئك الشخصيات ذات المقام الرفيع -بمن فيهم حضرة موسى وعيسى عليهما السلام- القدرة على تحويل العصا إلى ثعبان أو إحياء الموتى وشفاء الأعمى و..... بل كانت المُعجزات تظهر على أيديهم بإذن الله الخاص وبإرادته، تأييداً للأنبياء وإثباتاً لصدق ادِّعاءاتهم. ولو كان الله قد فوّض إلى الأنبياء أنفسهم القدرة على إحياء الموتى أو جعل العصا ثعباناً أو..... وكانت نفوس أولئك الأجلاء الكرام تتمتَّع بمثل تلك القدرة، لَمَا تساءل أحد الأنبياء في نفسه، عندما مرّ على قريةٍ خاويةٍ على عروشها قد مات أهلها، كيف يُحيي الله هذه القرية بعد موتها؟ [سورة البقرة: 259]، وَلَمَا سألَ حضرةُ إبراهيم (ع) اللهَ عزّ وجلّ أن يُريه كيف يُحيي الموتى كي يطمئنَّ قلبُهُ [سورة البقرة: 260]، وَلَمَا خاف حضرة موسى (ع) قطعاً من تحول العصا إلى ثعبان مبين وولَّى هارباً منه [سورة القصص: 31] ولما قال لفرعون: ﴿قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾[الاسراء: ١٠٢].
34ولو كان النبيّ الأكرم ص مُسيطراً على أرواح الآخرين وضمائرهم ومُسخِّراً لها لاستطاع أن يهدي من أحبّ، أما القرآن فيقول خلاف ذلك، إذ يقول للنبيّ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٥٦﴾[القصص: ٥٦]. ولهذا السبب لمَّا كان الناس يُطالبون الأنبياء بمعجزة ويقولون: ﴿فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ﴾[ابراهيم: ١٠] كان الأنبياء يُجيبونهم قائلين: ﴿إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾[ابراهيم: ١١].
هـ) إحدى القضايا التي يُحاول بعضهم أن يحمل الآيات المُتعلّقة بحضرة سليمان (ع) عليها، تأثُّراً بأكاذيب «الكافي» (الحديث 5 من الباب 93 فيه) ونظائره، أو تأثراً بأباطيل الصوفية والعرفاء (كالأمور التي جاءت في كتاب «تذكرة الأولياء» لفريد الدين العطار النيشابوري وكتاب «حدائق الأنس» للجامي)، هي قولهم إن كان هناك من يستطيع أن يأتي بعرش ملكة سبأ من أرض اليمن إلى حضرة سليمان في فلسطين في أقل من طرفة عين، فلماذا لا تمتلك نفوس الأنبياء والأئمة مثل تلك القدرة على صنع أعمال معجزة كتحويل العصا إلى ثعبان وإحياء الموتى مثلاً؟! ثم إن الله تعالى أوكل إلى سليمان تعيين جهة الرياح وسخّر الرياح له فما الإشكال في أن يتصرف الأنبياء والأئمة في الطبيعة وأمور العالَم بإذن الله؟
وسنقوم ههنا -أداءً لواجبنا الديني وبهدف توعية الناس إلى الحقيقة- ببيان حقيقة هذا الأمر، بالاستناد إلى آيات القرآن الكريم المباركة، والله المستعان:
لقد صرّح القرآن الكريم أن حضرة سليمان (ع) كان لديه -إضافةً إلى العمال من البشر- عمَّالاً من الجن يعملون في خدمته [سورة النمل: 17] وكان كل فريق منهم يقوم بأعمال خارقة للعادة لم تكن مُستطاعة للبشر في ذلك الزمن. فكان بعضهم يغوص إلى أعماق البحار وبعضهم يصنع له أبنية عجيبة كبناء قصر فناؤه من الزجاج [سورة النمل: 44]، وبعضهم ﴿يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ﴾[سبا: ١٣]... الخ، وهكذا.....
ولم يكن أولئك العمال مُسخِّرين لقوة سليمان النفسية بل قال تعالى: ﴿فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ ٣٦ وَٱلشَّيَٰطِينَ كُلَّ بَنَّآءٖ وَغَوَّاصٖ ٣٧ وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ ٣٨﴾[ص : ٣٦، ٣٨]، أي أن تسخير الشياطين والجن وتقييدهم في الأصفاد كي لا يخرجوا عن طاعة سليمان وأوامره، كل ذلك كان من فعل الله، وكانوا يعملون له بإذن الله، فإذا زاغ بعضهم عن أمر الله وأراد أن يتفلَّت من طاعة سليمان أذاقه الله من عذاب السعير. [سورة سبأ: 12][248].
كما لم تكن الرياح مسخَّرةً لنفس سليمان بل قال الله إنه بعد أن نجح سليمان في امتحانين إلهيين وَحَمِدَ اللهَ وأناب إلى الحق، سخَّر تعالى له -نتيجة ذلك- الريح تجري بأمره [سورة ص: 31 حتى 36] وأن غُدُوَّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحَهَا شَهْرٌ (أي أنه كان يُسيّر الريح مسيرة شهر صباحاً ويُسيّرها مسيرة شهر مساءً في الجهة المُخالفة لجهة مسيرها في الصباح)، أي أنه كما سخَّر الله تعالى النار فجعلها برداً وسلاماً على إبراهيم (ع) وقال: ﴿قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ٦٩﴾[الانبياء: ٦٩]، وكما ألان اللهُ تعالى الحديدَ لداود (ع) في زمنه كما قال: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ١٠﴾[سبا: ١٠]، وكما أمر الطيور والجبال أمراً تكوينياً أن تُردِّد مع داود (ع) تسبيحه لِـلَّهِ [سورة الأنبياء: 79، وسورة سبأ: 10][249]، كذلك، وعلى نفس المنوال سخَّر الله تعالى بقدرته اللامحدودة الرياح لسليمان أي أمرها أن تطيع سليمان، لا أنه جعل في نفس سليمان قُدْرَةً روحيةً على تسخير الرياح.
والعجيب أن بعض المشايخ كأنهم لم يقرؤوا القرآن أو قرؤوه وتجاهلوا تماماً بعض آياته، فقد قال القرآن مراراً: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ ٣٢ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ٣٣﴾[ابراهيم: ٣٢- ٣٣]. أو قال: ﴿أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾[لقمان: ٢٠].
فهل هناك عاقلٌ يقول إن ما في السماوات والأرض مُسخّرٌ لنا فرداً فرداً بولايتنا التكوينية؟!! فكيف يُمكننا أن نقول استناداً إلى الآية 81 من سورة الأنبياء إن سليمان كانت له ولاية تكوينية على الرياح؟!!
وقد ذكرنا توضيحات كافية في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 538 - 539) حول الآيات 38 إلى 41 من سورة النمل المباركة، فلا نُكرِّر ذلك هنا، لكننا نُذكِّر أنه خلافاً لما يدّعيه الخرافيون، تُبيِّن آيات القرآن بوضوح حقيقة أن نبيّ الله حضرة سليمان لم يكن لديه ولاية تكوينية ولم يقم بإحضار عرش ملكة سبأ بقدرته النفسية وقوته الروحية المعنوية - التي يقولون إنها فُوِّضت إليه ووُهبت له بإذن الله- بل طلب ممن كانوا يعملون في خدمته بأمر الله ويقومون بأعمال خارقة للعادة، أن يُحضروا له عرشها. يُمكننا أن نفهم من آيات القرآن أنه كان في استطاعة أكثر من شخص في مجلس سليمان أن يأتي له بعرشها بصورة غير عادية وبسرعات مختلفة بالطبع، لذلك طلب سليمان (ع) من أهل مجلسه أن يأتوا بعرشها وقال لهم: أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن تأتي هي إلينا: قَالَ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ﴾ [سورة النمل: 38]. ولا دليل لدينا على أن الذي أتى بالعرش كان إنساناً، (والبيِّنة على المُدَّعي). أما لو أصررتم -استناداً إلى الروايات- على أنه كان إنساناً يُدعى «آصف بن برخيا» أو «بلخيا» أو «أسطوم» أو.....، ففي هذه الصورة أياً كان ذلك الشخص، فإنه -طبقاً للمستندات ذاتها التي ذكرها الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» - قد ذكر اسم الله الأعظم ودعا به فاستُجيب دعاؤه وأُحضر عرش بلقيس إلى مجلس سليمان بإرادة الله[250]. خاصةً أن سليمان (ع) قال بعد أن رأى العرش حاضراً أمامه: ﴿هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي﴾ [النمل: 40]، فبناءً على ذلك لا مكان لادّعاء امتلاك الأنبياء والأئمة للولاية التكوينية.
ولكننا نعتقد أن الذي أتى بعرش بلقيس كان كائناً غير بشري مُطَّلعاً على بعض ما في اللوح المحفوظ وكان في استطاعته أن ينقل شيئاً من مكان إلى آخر في أقل زمن ممكن. ولا يُمكننا أن نُلفِّق من عندنا بأنه كانت لديه ولاية تكوينية وأنه كان يتصرف في عالَم الخليقة وأن أرواح الآخرين وضمائرهم كانت تحت سيطرته ومُسخَّرةً له!!
35وينبغي أن ننتبه إلى أن الحقَّ تعالى ذمَّ في الآية 73 من سورة الحج[251] الذين يعبدون غير الله دون دليل شرعي، ثم قال مُستخدماً حرف «لن» [252]-ودون أن يستثني أحداً من هذا النفي- أنه لو اجتمع جميع الذين عُبدوا من دون الله -بما في ذلك بعض الأنبياء كحضرة عيسى[253] والأئمة والملائكة و...[254]- وتكاتفوا وتعاونوا مع بعضهم، لن يستطيعوا أن يخلقوا ذبابةً ولا أن يستعيدوا شيئاً سلبتهم الذبابة إياه، إذن كيف يُمكن أن يقول تعالى في سورة آل عمران إنه منح حضرة المسيح (ع) القدرة الروحية على إحياء الموتى أو شفاء الأكمه (الأعمى من الولادة) أو أنه أعطى سليمان القدرة الروحية على تعيين جهة الرياح؟!
إن قيل عن الجزء الأول من الآية إن المقصود هو أنهم لن يستطيعوا الخلق على نحو مُستقل عن الله، فينبغي أن ننتبه إلى أن الجزء الثاني من الآية يدل على أن المقصود يعمُّ الخلق المُستقل عن الله والخلق المُفوَّض من قبل الله، لأنه إذا فُوِّض إلى مخلوق القدرة على الخلق فإنه يمتلك عندئذ مراتب ما دون الخلق وبالطبع يستطيع أن يستعيد ما سلبه الذباب منه. (فتأمَّل)
أما بشأن الآية 49 من سورة آل عمران المباركة فينبغي أن ننتبه إلى بضعة نقاط مهمة فيها كي يتفق ما نذكره بشأنها مع سائر آيات القرآن:
النقطة الأولى: يقول القرآن الكريم: ﴿و إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٥٠]أي أن المعجزات عند الله وحده. ويقول أيضاً: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بَِٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾[رعد 38 - غافر: ٧٨].
النقطة الثانية: لو قلنا إن عيسى خلق الطير بالقدرة التي وهبه الله إياها ففي هذه الحالة كان يكفيه أن يقول: «أخلق طيراً بإذن الله» ولما كانت هناك ضرورة إلى جملة: ﴿مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيَۡٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا﴾[ال عمران: ٤٩]. (فتأمَّل جداً دون العصبية). ولكن وجود هذه الجملة يُبيِّن أن للمعجزة نسبتين:
الأولى: نسبتها إلى الله تعالى الموجِد والمُكوِّن لها، كما بيَّنا ذلك في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 138 فما بعد)، والله تعالى ذاته قال عن المعجزات: ﴿وَكُنَّا فَٰعِلِينَ﴾[الانبياء: ٧٩]، وَمِنْ ثَمَّ فنسبة المعجزة إلى الله نسبة حقيقية.
والنسبة الثانية: هي ارتباط المعجزة بادِّعاء الأنبياء وهي أيضاً نسبة حقيقيَّة صحيحة لأن الله تعالى حقَّق تحويل التمثال الطيني للطير إلى طير حقيقي أو حقق شفاء الأعمى من الولادة أو الأبرص أو تحوَّل العصا إلى ثعبان استجابةً لطلب النبي أو دعائه أو توجهه، تصديقاً لادِّعائه النبوة وتأييداً له، وبهذا الاعتبار كانت المعجزة خاصة بالنبي أو منسوبة إلى النبي ومُؤيّدةً له.
النقطة الثالثة: لما كان تفسير القرآن بالقرآن من أوثق الطرق وأكثرها صحةً لفهم آيات القرآن، سنتَّبِعُ هذا المنهج في تفسيرنا للآيات المُتعلّقة بمعجزات عيسى (ع) وسنستند في توضيحنا للآية 49 من سورة آل عمران إلى الآية 110 من سورة المائدة[255] التي نزلت بعد سورة آل عمران وفسَّرت الآية 49 منها وأوضحت المقصود منها.
من الضروري أن ننتبه إلى أن الآية 49 من سورة آل عمران نقلت لنا قول حضرة عيسى (ع) الذي خاطب به قومه في مقام إظهار المعجزات، وفي مثل هذا المقام لا ضرورة لذكر بعض التفاصيل. أما الآية 110 من سورة المائدة فقد نقلت لنا خطاب الله تعالى لعيسى (ع) في مقام تذكيره بفضل الله تعالى عليه ورحمة الله إيَّاه، ولذلك ذكرت التفاصيل، ولهذا السبب -خلافاً للآية 49 من سورة آل عمران التي جاء فيها ضمير «هـ» المُذكّر وفعل المُذكّر «فيكون» الذي يرجع إلى «الطير»- استخدمت الآية 110 من سورة المائدة ضمير المُؤنَّث «ها» وفعل المُؤنّث «فتكون» الذي يرجع إلى كلمة «هيئة» ويدل على أن عيسى (ع) إنما خلق «هيئة» الطير من الطين بالإذن الإلهي العام الذي يتمتَّع به الآخرون أيضاً، ثم نفخ في هذه الهيئة، فتحولت تلك الهيئة والصورة المذكورة إلى طير بإذن الله الخاص، وعلى هذا فالآية بيَّنت وجود تفاوت بين هذين الفعلين، خاصةً أنها ذكرت قيد ﴿بِإِذۡنِي﴾ [المائدة: 110] بعد جملة: ﴿وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيَۡٔةِ ٱلطَّيۡرِ بِإِذۡنِي﴾[المائدة: ١١٠]وقبل جملة: ﴿تَنفُخُ فِيهَا﴾[المائدة: 110]. في حين أنه لا شُبهة بأن جميع الناس -إضافةً إلى عيسى- كانوا قادرين على ذلك العمل. فهذ القيد يُبيِّن أنه حتى موعد إظهار تلك المعجزة وزمنه لم يكن متروكاً لعيسى ولا بيده بل منوطاً بالإذن الإلهي وموكولاً إليه، وكان عيسى (ع) مُجازاً بإظهار تلك المعجزة بعد الإذن والإعلام الإلهيين له بذلك، فإذن لم يكلِ الله تعالى له القدرة على صنع مثل هذه المعجزة بقدرة الله.
36وفي هذه الآية ذاتها لم يستخدم الله تعالى بشأن إحياء الأموات تعبير «تُحْيي الْمَوْتَى» بل استعمل تعبير «تُخْرِجُ الْمَوْتَى » الذي يُبيِّن معنى «أُحيي» الذي ورد في الآية 49 من سورة آل عمران، ويدل على أن عيسى كان يُخرج الموتى لأجل أن يتم إحياؤهم، أما الإحياء فلم يكن من فعله[256]، خاصةً أن عيسى (ع) قال في الآية المذكورة من سورة آل عمران: ﴿وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾[ال عمران: ٤٩]، ولكنه لم يُبيِّن كيفية ذلك الإحياء، فلم يقل في مُتابعة كلامه مثلاً: «بالدعاء» أو «بمسح اليد على الميت» أو «بالتوجه إلى الله»..... كما لم يقل: «بالقدرة التي أعطانيها الله»، بل قال: «بإذن الله» التي تعني في الأمور التكوينية «بإرادة الله»، كما جاء في قوله تعالى ﴿وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦ﴾[الاعراف: ٥٨]، وقوله تعالى: ﴿تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ بِإِذۡنِ رَبِّهَا﴾[ابراهيم: ٢٥]، وقوله تعالى: ﴿وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓ﴾[الحج : ٦٥]. بناءً على ذلك، يتبيَّن أن الله هو الموجد والخالق والصانع للمعجزة المنسوبة إلى النبيّ[257].
ثم إنه لو وهب الله تعالى القدرة على إحياء الموتى إلى غيره لما قال أبو الأنبياء وخليل الرحمن حضرة إبراهيم (ع): ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَ لَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِي﴾[البقرة: ٢٦٠]. وأساساً لو أن القدرة على صنع المعجزات كانت قد أُعطيت للأنبياء لقال حواريو المسيح (ع): هل تستطيع أن تُنزل علينا أنتَ مائدةً من السماء بدلاً من قولهم: ﴿هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ﴾[المائدة: ١١٢]؛ فهذا يُبيِّن أن الحواريين لم يكونوا يعتبرون إيجادَ المعجزة أمراً مُستطاعاً للنبيّ ذاته. (فتأمَّل). ولهذا السبب دعا عيسى (ع) ربَّه كي يُنزل عليهم مائدةً من السماء فأجابه تعالى قائلاً: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡ﴾[المائدة: ١١٥].
بناءً على ذلك ينبغي أن نعلم أن ظهور سائر المعجزات كان على هذا المنوال أيضاً.
علاوةً على ذلك، فقد صرَّح الله تعالى، إتماماً للحُجَّة، أنه لا يُفوِّض إلى أحد ولا يهب أحداً صفاتٍ تُوجب مُشابهته لِـلَّهِ كإحياء الموتى وشفاء المرضى من غير وسيلة، وتبديل ماهيّة الأشياء (كتبديل العصا ثعباناً أو إخراج الناقة من الجبل و....) وتدبير أمور حياة الناس، والحضور في كل مكان، والسمع غير المحدود و..... فقال تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ٢٨ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٖ﴾[الروم: ٢٨، ٢٩].
جاء في تفسير «مجمع البيان»:
"كانت تلبية قريش: «لبَّيْكَ اللهم لبَّيْكَ، لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما مَلَكَ»، فأنزل الله تعالى الآية ردَّاً عليهم وإنكاراً لقولهم.... أي أنكم إذا لم ترضوا في عبيدكم أن يكونوا شركاء لكم في أموالكم وأملاككم فكيف ترضون لِرَبِّكم أن يكون له شركاء في العبادة؟....... ثم قال سبحانه مُبيِّناً لهم أنهم إنَّما اتَّبعوا أهواءهم فيما أشركوا به «بل اتَّبع الذين ظلموا» أي أشركوا بالله «أهواءهم» في الشرك «بغير علم» يعلمونه جاءهم من الله...."[258].
37إن التدبُّر في المثال الذي ذكرَتْهُ الآيةُ الكريمةُ يُبيِّن بوضوح أن الآية تعمُّ أكثر من الوجه الاستقلالي للشرك لأنها تقول: كما أنكم لا تُعطون لعبيدكم ذلك القدر من المال والممتلكات الذي يجعلهم مُساوين لكم ومُشابهين لكم، رغم أنَّ مُساواة العبد لمولاه منشؤها المال الذي يُعطيه المولى للعبد وليس للعبد من ذات نفسه مالاً ولا ملكاً، ويستطيع المولى أن يسحب من عبده ما أعطاه إياه فالله تعالى لا يُعطي لعبيده مثل هذه القدرات[259].
النقطة الرابعة: أما قول المُطَهَّرِيّ إن «الإنسان خليفة الله بنصِّ القرآن المجيد» فهو قول غير صحيح، وهو ينسِبُ في الواقع أكاذيب الباب 70 من «الكافي» وأباطيل العرفاء والصوفية التي لا دليل عليها، إلى القرآن الكريم. راجعوا بشأن الزعم أن الإنسان خليفة الله ما ذكرناه في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 436). وليت المرحوم المُطَهَّرِيّ أبدى مزيداً من الدقة والإنصاف فقال: الإنسان خليفة الله «بحسب ظاهر القرآن» بدلاً من قوله «بنصِّ القرآن المجيد»، رغم أن ذلك القول أيضاً غير صحيح إلا أنه أقلّ بُعداً عن الدقَّة والإنصاف من العبارة التي استخدمها.
أما قوله: إن عقيدة المُوَحِّدين مضادَّة للإنسان إذ تَنْزِلُ به إلى مرتبة الحيوان الطبيعي، فهو قولٌ ناشئٌ من تعصبه للخرافات الحوزوية، وإلا فبُطلان هذا القول أوضح من أن يعجز عن إدراكه.
فليت شعري! أإذا قلنا: إن الإنسان يُمكنه أن يصل إلى أعلى درجات الفلاح ولكن في الوقت ذاته لا يستطيع -حتى لو كان نبياً- أن يُحيي الميت أو يشفي الأعمى من الولادة أو يُحوِّل العصا ثعباناً أو يَسْمَع جميع الأصوات والنداءات في زمن واحد، نكون قد نزلنا بمرتبة الإنسان إلى مستوى الحيوان الطبيعي؟!! هل الوصول إلى أسمى الفضائل الأخلاقية وأعلى درجات المعرفة الإنسانية والسيطرة على النفس وكسب أهلية نيل رضوان الله و...... شيء قليل ولا يُوجب ارتقاء الإنسان عن درجة الحيوانية؟ في رأيكم يا سماحة الشيخ هل كان أولئك الصحابة الذين تبدي محبَّتك لهم مثل جعفر الطيار وأبي ذرّ الغفاري وعمَّار بن ياسر وشهداء بدر وأُحد و..... رضي الله عنهم -الذين لم يكونوا يُحيون الموتى ولم تكن الريح مُسخَّرةً لإرادتهم- مُجرَّد حيوانات طبيعية؟!! أنصِف القول، هل عقيدتنا ضد الإنسان أم عقيدتكم؟
النقطة الخامسة: نسأل الشيخ المُطَهَّرِيّ: لماذا لا تستند إلى القرآن لإثبات مقصدك وما ترمي إليه، ولماذا لم تأتِ بآية واحدة من كتاب الله كشاهد يدعم كلامك؟ بل اقتصرت على التشبُّث بجمل مأخوذة من «الزيارة الجامعة» الفاقدة للاعتبار[260] مع أن الاستناد إليها، على الأقل في مثل هذا المقام، لا يصحُّ.
إضافةً إلى ذلك فنحن لم نقل إن الأنبياء والأئمة -عليهم السلام- ليسوا أولياء لِـلَّهِ، أو ليسوا هادين مُرشدين إلى الحق ودعاةً إلى الله وأدلاءَ على مرضاة الله، بل كل ما نقوله هو أنه لا يُمكننا أن نستنتج من كونهم هُداةً ومُرشدين، جواز دعائهم في كل مكان وزمان وفي كل حال من الأحوال وجواز الطواف حول مراقدهم وجواز اعتبارهم مُطَّلعين على أحوالنا سامعين لأدعيتنا حتى بعد رحيلهم عن الدنيا! (فَتَأَمَّل).
النقطة السادسة: لو صدقتم والتزمتم بقولكم إنه يجب النظر والتوجه إلى الأنبياء والأولياء بوصفهم طريقاً نسلكه نحو الحق لا غاية بحدِّ ذاتها، فإننا نتفق معكم تماماً في هذا الكلام، ونُؤيدكم فيه من كل قلبنا، لأننا نُصرُّ أننا يجب أن نتَّبع تعاليم أولئك الكرام الأجلاء ونتأسَّى بأفعالهم في حياتنا.
لكننا نسألكم بالله عليكم اصدقونا القول: ما هي التعاليم الباقية التي تركها لنا أمثال «السيد نصر الدين» أو «الإمام زاده صالح» في طهران أو «شاهچراغ» في شيراز أو «حضرة المعصومة» في قم -ونظائرهم الكثيرين ممن لا توجد بلدة ولا قرية ولا صقع في إيران يخلو من مزاراتهم!!- التي تستفيدون منها الآن للسلوك نحو الحق تبارك وتعالى؟
إنكم تصرفون أموال المسلمين دون مُجوِّز شرعي على بناء القباب والأضرحة وتزيين قبور أولئك الصالحين[261]، وتحثُّون المسلمين على زيارة قبورهم وقراءة نصوص الزيارات عندها والطواف حول مراقدهم والنذر لهم وطلب الشفاعة منهم[262]، وتُؤمنون بثوابات عظيمة لزيارة قبورهم، وتعتقدون بصفات فوق بشرية ليس للأئمة فحسب بل حتى لوكلائهم ونُوَّابهم!!
يوصي الشيخ عبَّاس القُمِّيّ الناسَ، نقلاً عن كتاب «تحفة الزائر» للمجلسي وكتاب «مفاتيح النجاة» للسبزواري[263]، فيقول:
"إِذَا كَانَ لَكَ حَاجَةٌ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاكْتُبْ رُقْعَةً عَلَى بَرَكَةِ اللهِ وَاطْرَحْهَا عَلَى قَبْرٍ مِنْ قُبُورِ الْأَئِمَّةِ إِنْ شِئْتَ أَوْ فَشُدَّهَا وَاخْتِمْهَا وَاعْجِنْ طِيناً نَظِيفاً وَاجْعَلْهَا فِيهِ وَاطْرَحْهَا فِي نَهَرٍ جَارٍ أَوْ بِئْرٍ عَمِيقَةٍ أَوْ غَدِيرِ مَاءٍ فَإِنَّهَا تَصِلُ إِلَى السَّيِّدِ (ع) وَهُوَ يَتَوَلَّى قَضَاءَ حَاجَتِكَ بِنَفْسِهِ!! وَاللهُ بِكَرَمِهِ، لَا تُخَيِّبُ أَمَلَكَ. تَكْتُبُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كَتَبْتُ إِلَيْكَ يَا مَوْلَايَ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكَ- مُسْتَغِيثاً وَشَكَوْتُ مَا نَزَلَ بِي مُسْتَجِيراً بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بِكَ مِنْ أَمْرٍ قَدْ دَهَمَنِي..... فلجأت فيه إليك وتوكلت في المسألة لِـلَّهِ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عليه وعليك....... الخ ".
وأقول: ليت شعري! إن لم تكن هذه الأمور شركاً فما هو الشرك إذن؟!
ثم يواصل الشيخ عبَّاس القُمِّيّ كلامه قائلاً:
"ثُمَّ تَصْعَدُ النَّهْرَ أَوِ الْغَدِيرَ وَتَعْتَمِدُ بِهِ بَعْضَ الْأَبْوَابِ إِمَّا «عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ الْعَمْرِيَّ» أَوْ وَلَدَهُ «مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ» أَوِ «الْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ» أَوْ «عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ» فَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَبْوَابَ الْإِمَامِ (ع) فَتُنَادِي بِأَحَدِهِمْ وَتَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَشْهَدُ أَنَّ وَفَاتَكَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنْتَ حَيٌّ عِنْدَ اللهِ مَرْزُوقٌ.......... وَهَذِهِ رُقْعَتِي وَحَاجَتِي إِلَى مَوْلَانَا (ع) فَسَلِّمْهَا إِلَيْهِ فَأَنْتَ الثِّقَةُ الْأَمِينُ ثُمَّ ارْمِ بِهَا فِي النَّهَرِ وَكَأَنَّكَ تُخَيَّلُ لَكَ أَنَّكَ تُسَلِّمُهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهَا تَصِلُ وَتُقْضَى الْحَاجَةُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى..... فَيُعْلَم بذلك أن مائدة إحسان وجود إمام الزمان - صلوات الله عليه - وجوده وكرمه وفضله وَنِعَمِهِ مبسوطةٌ في كل قطر من أقطار الأرض، لكل مضطرب ضعيف، وضائع منهك، ومتحير جاهل تائه، وأن بابه مفتوح، وجادَّته مشرعة، مع صدق الاضطرار والحاجة، والعزم مع صفاء الطويَّة وإخلاص السريرة، فمن كان جاهلاً جرَّعه من شراب علمه، أو تائهاً أخذ بيده إلى سواء سبيله، أو مريضاً ألبسه لبوس عافيته....... والمقصود في هذا المقام هو أن صاحب الزمان -صلوات الله عليه- حاضر بين العباد، وناظر في أحوال الرعيَّة، وقادر على كشف البلايا، وعالم بالأسرار والخفايا.... الخ"[264].
ويُواصل كلامه حتى يصل إلى القول:
"نعم، إن إجابة المضطر لا تصدر إلا عن الله تعالى أو عن خلفائه!!!"[265].
ويُعَرِّفُ الشيخُ عبَّاس القُمِّيُّ قراء كتابه «الباقيات الصالحات» (حاشية مفاتيح الجنان، ص 248 فما بعد) بصلاةٍ باسم «الاسْتِغَاثَةُ بحضرة البتول» فيقول:
".... فَإِذَا سَلَّمْتَ [من الصلاة المذكورة] كَبِّرِ اللهَ ثَلَاثاً وَسَبِّحْ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ (ع) ثُمَّ اسْجُدْ وَ قُلْ مِائَةَ مَرَّةٍ: «يَا مَوْلَاتِي فَاطِمَةُ أَغِيثِينِي» ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَرْضِ وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُدْ إِلَى السُّجُودِ وَقُلْ ذَلِكَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَاذْكُرْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اللهَ يَقْضِيهَا"[266].
أو ينقل عن كتاب «مكارم الأخلاق» للطَّبْرَسِي تُهمةً مفتراة على الإمام المظلوم حضرة الصادق (ع) أنه قَالَ:
"إِذَا كَانَتْ لِأَحَدِكُمُ اسْتِغَاثَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللهِ! يَا عَلِيُّ يَا سَيِّدَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ! بِكُمَا أَسْتَغِيثُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ! أَسْتَغِيثُ بِكُمَا. يَا غَوْثَاهُ بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، وَتَعُدُّ الْأَئِمَّةَ (ع)، بِكُمْ أَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَإِنَّكَ تُغَاثُ مِنْ سَاعَتِكَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى؟!!"[267].
أو يقول: إن إمام الزمان قال «للحسن بن مثلة الجمكراني»[268]: "صلاة ركعتين في مَسْجِدِ جَمْكَرَان تعدل صلاة ركعتين في جوف الكعبة!!".
أو يذكر زيارة «هانئ بن عروة» (ص 404)[269] أو زيارة «النواب الأربعة» ويعتبرها من وظائف زوَّار الكاظمين، وأن على الزائر مخاطبتهم قائلاً: "بِكَ إِلَيْهِمْ [أي إلى الأئمَّة] تَوَجُّهِي، وَبِهِمْ إِلَى اللهِ تَوَسُّلِي" (ص 492 -493)[270].
يا للعجب! ألم يسمع الشيخ عبَّاس القُمِّيّ آية:﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨﴾[الجن: ١٨]؟! ألم يقرأ قول الإمام الرضا (ع) الوارد في تفسير «مجمع البيان» للشيخ الطَّبْرَسِيّ ذيل تفسير هذه الآية ؟!
ونسأل الشيخ المُطَهَّرِيّ: أليست الصفات التي تُثبتها للإمام صفاتٍ إلهيةً؟ هل يسمع وكلاء الإمام ونُوَّابه أو هانئ ابن عروة أيضاً كل نداء ودعاء بعد موتهم؟! هل كَتَبَ المَجْلِسِيُّ أو الشيخُ عبَّاس القُمِّيّ تلك الأمور بقصد أن يتوجه الناس إلى الأنبياء والأولياء بوصفهم مُجرَّد طريق يسلكونه للوصول إلى الحق تبارك وتعالى لا بوصفهم غاية بحدِّ ذاتها؟!!
ونسأل المُطَهَّرِيّ أيضاً: هل أستاذك الذي قال في كتابه:
"إذ للإمام مقامات معنوية مستقلة عن وظيفة الحكومة. وهي مقام الخلافة الكلية الإلهية التي ورد ذكرها على لسان الأئمة (ع) أحياناً، والتي تكون بموجبها جميع ذرَّات الوجود خاضعة أمام "ولي الأمر"!!!...... وفي الأساس فإن الرسول الأكرم ص والأئمة (ع) - وبحسب رواياتنا[271]- كانوا أنواراً في ظل العرش قبل هذا العالم، وهم يتميزون عن سائر الناس في انعقاد النطفة والطينة[272]....."[273].
هل كان قصده أن يتوجَّه الناس إلى الأنبياء والأولياء بوصفهم طريقاً للذهاب نحو الحقِّ تعالى وليس بوصفهم غايةً؟!!
ورغم أنَّ أَكْل الترابَ ليس جائزاً، والإسلام ليس فيه أيُّ حكم شرعيٍّ مُخالفٍ للصحة، فهل العلماء الذين يُجيزون أكل تُربة حضرة الحسين (ع) بقصد الشفاء، قصدهم فقط أن يتوجَّه الناس إلى الأنبياء والأولياء بوصفهم مُجرَّد طريق للذهاب إلى الحقِّ تعالى وليس التوجّه إليهم كغاية وهدف؟!
هل ألَّف آية الله العظمى (!) السيد «أبو الفضل النبوي» القُمِّيّ كتابه «أمراء هستي» [أي أمراء الكون] بهدف أن يتوجَّه قراؤه إلى الأنبياء والأولياء بوصفهم طريقاً للذهاب نحو الحق تعالى فحسب لا التوجّه إليهم كغاية وهدف؟!!
هل شعبنا الذي يُقسم أفراده ليل نهار في الأزقة والأسواق بأبي الفضل العباس أو بالإمام الحسين أو بحضرة الرضا أو بـ.....، كما كان أهل الجاهلية يُقسمون بأصنامهم ويقولون:
وباللات والعُزَّى ومن دان دينها وبالله، إن اللهَ منهنَّ أكبرُ!
وعدم نهيكم إياهم عن ذلك، هو لأجل أن يتوجَّ الناسُ إلى الأنبياء والأئمة بوصفهم مُجرَّد طريق للسير نحو الحق تعالى لا بوصفهم هدفاً وغايةً؟!!
هل كان ما ذكره الشيخُ الطوسيُّ المُلقَّب بشيخ الطائفة في كتابه «مصباح المُتهجّد» (باهتمام أنصاري الزنجاني، ص 278) والعلامةُ المَجْلِسِيُّ في كتابه «زاد المعاد» (كتابفروشي إسلامية، ص 526) من دعاء بعد صلاة جعفر الطيار يقول فيه الداعي: "يَا مُحَمَّدُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ يَا رَسُولَ اللهِ! يَا عَلِيُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَنَا عَبْدُكُمَا..."، كان بهدف أن يتوجَّه الناس إلى الأنبياء والأئمة بوصفهم طريقاً نحو الحق تعالى لا بوصفهم هدفاً وغايةً؟!!
هل مجيء أفراد شعبنا من مناطق بعيدة لزيارة مراقد أئمة الدين ومسحهم أيديهم على أضرحتهم ثم فركهم رؤوسهم ووجوههم بالضريح ونذرهم لأصحاب تلك القبور وبسطهم الموائد لهم وذبحهم القرابين لهم، وعدم نهيكم إياهم عن مثل هذه الأفعال، هو لأجل أن يتجَّه الناس إلى الأنبياء والأئمة بوصفهم طريقاً نحو الحق تعالى لا بوصفهم هدفاً وغايةً؟!! في حين أنكم تعلمون أن المشركين، ومن جملتهم قريش، كانوا يذهبون لزيارة «العُزَّى» ويُقدِّمون لها الهدايا ويذبحون لها القرابين. (راجعوا كتاب «الأصنام» لهشام بن محمد الكلبي، ص 18 و 33).
هل جاهد رسول الله ص كل ذلك الجهاد وتحمَّل كل تلك المصاعب والمرارات كي يترك الناس أصنامهم والأعمال التي كانوا يقومون بها نحو الأصنام تقرُّباً بها إلى الله، ليقوموا بالأعمال ذاتها تجاه مرقده ومرقد أعزَّائه من آل بيته الكرام؟!! هل هذا هو معنى التوحيد؟!
هل تُصرف كل هذه الأموال الباهظة والمبالغ الكبيرة التي كان ينبغي إنفاقها على بناء المستشفيات والمدارس وشق الطرق ومساعدة المسلمين المرضى والمحرومين وعلى الأعمال ذات النفع العام، لكنها تُنفق على تجديد بناء قبور أئمة الدين وتزيينها، وأنتم لا تنهون الناس عن ذلك بل تُشجِّعونهم على فعله، هو بهدف أن يتوجَّه الناس إلى الأنبياء والأئمة بوصفهم طريقاً نحو الحق تعالى لا بوصفهم هدفاً وغايةً؟!!
38ومن المناسب أن أذكر هنا نموذجاً واحداً فقط -كمثال- على التبذير المُخالف للشرع، فقد خصَّصَتْ جريدة «اطلاعات» في سبعة أيام متتالية خلال شهر آبان عام 1344 هجرية شمسية[274] قسماً للأخبار المُتعلّقة بضريح حضرة أبو الفضل، سأذكر منها الخبرين التاليين: "تمَّ بناء الضريح المُطهّر لحضرة أبي الفضل العباس (ع) بأمر من آية الله السيد محسن الحكيم وبأيدي الفنانين الأصفهانيين ذوي الخبرة. وسيتم حمله ونقله يوم غد ضمن مراسم جليلة من أصفهان إلى كربلاء. ذكر مراسلنا في مدينة أصفهان في تقرير له أنه قد تمَّ استهلاك ما مجموعه سبع مثاقيل من الذهب (= 35 كيلوغرام) وأربعين ألف مثقال من الفضة (= 2000 كيلوغرام) في صناعة هذا الضريح.... الخ". (جريدة اطِّلاعات، 23 آبان 1344، العدد 11832).
والخبر الثاني يقول: "تمَّ نقل الضريح المُطهَّر لأبي الفضل العباس (ع).... من ميدان نقش جهان. وكان أمام قافلة الضريح السيد إمام جمعة أصفهان..... وكان الناس يذبحون القرابين من الإبل أو البقر أو الغنم أمام الضريح المُطهَّر لحضرة أبي الفضل. وأصبحت مدينة أصفهان شبه معطلة، وقام الناس بربط قطع قماش أو مناديل أو أقراط أو أطواق على الأقمشة الخضراء التي لُفَّت بها الشاحنات الحاملة للضريح..... وكان مُرافقو تلك القافلة المُقدَّسة 300 شخص من النساء والرجال كان خمسون شخصاً منهم مُلتزمون بنقل الضريح المُطهَّر على نفقة صاحب الجلالة وليّ العهد رضا البهلوي..... الخ". (جريد اطِّلاعات، 25 آبان 1344، العدد رقم 11834).
كَتَبَ أخونا العالم الأستاذ «قلمداران» رحمه الله في مُقدّمة كتابه «الزكاة» (ص 15 و 16) نقلاً عن العدد 8271 من جريدة «كيهان» يقول: "لقد تمَّ تركيب أكثر الثريات في العالَم أناقة وجمالاً في حرم حضرة الرضا..... وكان عدد الثريات 95 ثريا تمَّ شراؤها بحوالي 20 مليون تومان. وهذه الثريَّات أُضيفت بالطبع إلى الثريَّات التي كانت من قبل وقيمتها لا تقل عن قيمة الثريَّات السابقة".
ثم أردف قائلاً: "أما حساب سائر الأشياء والزينات والموقوفات فحدّث ولا حرج، ومن هذا يُمكنك أن تُدرك مدى ابتعاد الناس عن الإسلام". فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ .
أحد علماء زماننا المشهورين سيِّدٌ يُدعى «محمد رضا الحكيمي» كثيراً ما يتشدَّق بالاهتمام بالمحرومين والفقراء والضعفاء، ولكنني لم أسمع منه حتى الآن أيَّ اعتراض على مثل هذه الأعمال ولم أسمع أنه نهى مرَّةً واحدةً الناسَ عن القيام بمثل هذا الإسراف والتبذير.
النقطة السابعة: سنجيب عن افترائه الذي قال فيه: "فإن التفرقة والتفكيك بين الميت والحيّ على نحو يُعتَقَدُ فيه أن الأموات ليسوا أحياء حتى في العالَم الآخر وأن شخصية الإنسان كلها هي بدنه الذي يظهر بشكل جماد، تفكير ماديٌّ ومُناقضٌ للتفكير الإلهيّ". في الفقرة الرابعة. وليس المُطَهَّرِيُّ وحدَه بالطبع الذي يفتري هذا الافتراء، بل أستاذه أيضاً كتب في أحد كتبه يقول:
"إن قصد هذه الأقلام الدموية المسمومة من خدمة الدين هو أن نعتبر خُدَّام الدين وخُدَّام شريعة مليار مسلم، وأئمة الدين والشريعة والمُضحّين، والشهداء في سبيل الله الذين هم -بحكم الفلاسفة القطعيّ في جميع عصور الدنيا وبتصريح كتاب الله- أحياء خالدون، جمادات وأبدان مُتحلِّلة مُتفسِّخة ونتعامل معهم باحتقار وتصغير وننساهم.... الخ!!!" [275]
إن لم نقل إن هذا الكلام كذب، فهو بلا أيّ شُبهة -كما سنرى في الصفحات القادمة- مصداقٌ بارزٌ للقول بلا علم، لأنه لا يوجد مُوحِّدٌ واحدٌ يعتبر أولئك الشخصيات العظيمة الجليلة جمادات بالية بعد وفاتها، والله يعلم أننا لا نُريد أبداً أن نتعامل معهم باحتقار وتصغير لشأنهم[276]، بل عقيدة المُوحِّدين هي أن يتذكِّر الناس دائماً أولئك الأجلاء الكرام ويُحبُّوهم، وأن يتعلَّمَ المؤمنون سنن الأنبياء والأولياء وسيرتهم وأقوالهم وأفعالهم، ويجعلوهم أُسوةً لهم في أعمالهم وسلوكهم. إن كلام المُوحِّدين مخالف لما يزعمه أولئك عنهم وسيأتي بيان ذلك في الصفحات القادمة.
[234] لقد بيَّنّا بُطلان هذا القول وتهافته وضعفه في الصفحات من 123 إلى 132 من الكتاب الحالي. [235] لقد اعتبر ذلك الكاتب الشاب في كتابه المذكور عقيدة المُفوضة عقيدة شركية وباطلة. ارجعوا إلى الصفحة 122 من الكتاب الحالي. [236] الشيخ جعفر السبحاني، «نيروى معنوى پيامباران»، نشر قدر، ص 26. والكلام الذي تمّ بيانه على النحو المكور أعلاه هو الخُرافة التي أُطلِق عليها اسم «الولاية التكوينية». وقد أوضحت بطلان هذه الفكرة أو العقيدة في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ص 141). كما ألفتُ كتابي «درسى از ولايت» (درس حول الولاية) بشكل خاص للردِّ على هذه الخرافة وإثبات بطلانها. [237] نصّ الآية الكريمة التي يشر إليه المؤلِّف: ﴿وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا ١١٤﴾[طه: ١١٤]. (الـمُتَرْجِمُ) [238] ونص الآيات: ﴿لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ ١٦ إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ ١٧ فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ ١٨ ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ ١٩﴾ [القيامة: ١٦- ١٩] (الـمُتَرْجِمُ) [239] راجعوا تفسير مجمع البيان، تفسير سورة الضحى المباركة. [240] الذي يدل عليه قوله تعالى على لسانها: ﴿قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ﴾[سورة آل عمران: الآية 47. و مثله أيضاً سورة مريم: الآية 20] (الـمُتَرْجِمُ) [241] ويُشار إلى أن زكريا (ع) أيضاً تعجَّب من إمكانية ولادة امرأته العاقر فقال: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞ﴾[ال عمران: ٤٠]وقال: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا ٨﴾[مريم: ٨]؛ مما يدلُّ على أنه لم يكن هو صانع تلك المعجزة وإلا لما تساءل عن إمكانية حدوثها ولا استغرب منها! (الـمُتَرْجِمُ) [242] يدلُّ على ذلك قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا ٦﴾[الكهف: ٦](الـمُتَرْجِمُ). [243] لو كانت القدرة على إيجاد المعجزة قد حصلت في نفس النبيّ -حتى بإذن الله- لما كان هناك معنى للانتظار ولقام النبيّ بإيجاد معجزة بالقدرة التي اكتسبتها نفسه المطهرة من جانب الله، أو لقال: سآتي بالمعجزة عندما أرى المصلحة في ذلك ولم يقل: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أي لمل جعل نفسه في زمرة المنتظرين مع مخالفيه. كما لم يكن هناك من داعٍ إلى أن يقول تعالى له: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ» (فَتَأَمَّل). [244] جاء في تفسير «جمع البيان» حول هذه الآية: "«قل» يا محمد لهم «إنما الآيات عند الله» ينزلها ويظهرها بحسب ما يعلم من مصالح عباده وينزل على كل نبي منها ما هو أصلح له ولأمته ولذلك لم تتفق آيات الأنبياء كلها وإنما جاء كل نبي بفن منها «وإنما أنا نذير مبين» أي منذر مخوف من معصية الله مظهر طريق الحق والباطل وقد فعل الله سبحانه ما يشهد بصدقي من المعجزات.". [245] مرتضى المطهَّري، كتاب «ولاءها و ولايتها»، أي الولاءات والولايات، نشر دار التبليغ الإسلامية، قم، القطع الصغير، ص98. [246] قال المَجْلِسِيُّ حول معجزات حضرة المسيح (ع): "وَفِي قَوْلِ أَئِمَّتِنَا (ع): إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ خَلْقَ تَقْدِيرٍ لَا خَلْقَ تَكْوِينٍ، وَخَلْقُ عِيسَى -عَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ هُوَ خَلْقُ تَقْدِيرٍ أَيْضاً، وَمُكَوِّنُ الطَّيْرِ وَخَالِقُهُ فِي الْحَقِيقَةِ اللهُ عَزَّ وَجَل". (بحار الأنوار، ج 4، ص 207). وقال حضرة الإمام الرضا (ع) أيضاً: ".... لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُ (أي من عليٍّ عليه السلام) الْفَقْرُ وَالْفَاقَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ وَشَارَكَهُ فِيهَا الضُّعَفَاءُ الْمُحْتَاجُونَ لَا تَكُونُ الْمُعْجِزَاتُ فِعْلَهُ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ إِنَّمَا كَانَتْ فِعْلَ الْقَادِرِ الَّذِي لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ لَا فِعْلَ الْمُحْدَثِ الْمُحْتَاجِ الْمُشَارِكِ لِلضُّعَفَاءِ فِي صِفَاتِ الضَّعْف". (الاحتجاج على أهل اللجاج، أحمد بن علي الطَّبْرسي، تعليقات محمد باقر الخراسان، النجف، مطبعة النعمان، ج 2، ص 234)، وَنقله عنه المَجْلِسِيُّ أيضاً في بحار الأنوار، ج 25، ص 276. [247] كما قال حضرة إبراهيم (ع): ﴿ وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ ٨٠﴾[الشعراء: 80]. كما ابتُلي عليّ (ع) بمرض في عينيه. كما مرض الرسول الأكرم ص في آخر أيام عمره المبارك. فالكائن الذي صفاته محدودة والذي يفقد سلامة بدنه بمرض من الأمراض كيف يُمكنه أن يتقبل صفات واجب الوجود؟ راجعوا أيضاً كلام الشيخ الصدوق عن الإمام، الذي أوردناه في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 133. [248] من المفيد الرجوع هنا إلى تفسير «مجمع البيان» الآية 12 من سورة سبأ. [249] فاعل المعجزات في كلا الآيتين هو الله كما تُصرّح الآيات. ولاحظوا أيضاً مقطع الآية 79 من سورة الأنبياء الذي يقول: ﴿وَكُنَّا فَٰعِلِينَ﴾[الأنبياء: 79]، فهل يُمكن أن يكون هناك بيان أوضح من هذا؟ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا؟ [250] جاء في الأدعية المروية عن حضرة عليّ (ع) أنه كان يقول في دعائه اللهَ عزّ وجلّ: "وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي سَأَلَكَ بِهِ عَبْدُكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ فَأَتَيْتَهُ بِالْعَرْشِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُه ". (الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الخامس عشر من الشهر). [251] وهي قوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ ٧٣﴾[الحج: ٧٣]. (الـمُتَرْجِمُ) [252] يُستخدم هذا الحرف غالباً بمعنى النفي الأبدي، وقد جاء بهذا المعنى أيضاً في الآية 143 من سورة الأعراف. [253] لاحظوا أن عوام النصارى يدعون عيسى وأمه عندما يُواجهون مشكلات ومصاعب. [254] لا يُمكننا أن نقول: إن المقصود من عبارة «من دون الله» في الآية المذكورة أعلاه «الأصنام» لأن القرآن استخدم اسم الموصول «الذين» وضمير الجمع «الواو» وضمير «هم» بحق «من دون الله» وهي كلها حروف وضمائر خاصة بالعقلاء ذوي الشعور ولا تُستخدم بحق الجمادات. [255] ونص المُراد منها: ﴿... وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيَۡٔةِ ٱلطَّيۡرِ بِإِذۡنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِيۖ وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِيۖ وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِي﴾ [المائدة: ١١٠] . [256] يقول الشيخ الطوسي، في تفسيره «التِّبْيان»، في تفسير الآية 49 من سورة آل عمران والآية 110 من سورة المائدة: "وإنما قيَّد قولَه: ﴿ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا﴾ بقيد «بِإِذْنِ اللهِ" ولم يقيد قوله: ﴿أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيَۡٔةِ ٱلطَّيۡرِ﴾بذكر «إذن الله» لينبِّه بذكر الإذن أنه من فعل الله دون عيسى. وأما التصوير والنفخ، ففعله، لأنه مما يدخل تحت مقدور القدر، وليس كذلك انقلاب الجماد حيواناً فإنه لا يقدر على ذلك أحد سواه تعالى. وقوله: ﴿وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾على وجه المجاز إضافةً إلى نفسه، وحقيقته: ادعوا الله بإحياء الموتى فيحييهم الله فيحيون بإذنه". انتهى. وقال الشيخ الطوسي أيضاً في تفسير شفاء الأكمه والأبرص: "قوله ﴿وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِي﴾: معناه إنك تدعوني حتى أبرئ الأكمه، وهو الذي خُلِق أعْمَى......... وقوله: «وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي»":أي اذكر إذ تدعوني فأحيي الموتى عند دعائك وأخرجهم من القبور حتى يشاهدهم الناس أحياء. وإنما نسبه إلى عيسى لما بينا من أنه كان بدعائه.". انتهى. (التِّبْيان، الطبعة الحجرية في خط أبو القاسم خوشنويس، ص 317 و582). [257] راجعوا أيضاً كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 146-147. [258] تفسير «مجمع البيان»، ذيل الآية 28 و29 من سورة الروم. (بتقديم وتأخير وتلخيص (الـمُتَرْجِمُ)). [259] لا شك أن ممكن الوجود والمخلوق لا يُمكن أن يتَّصف بصفات واجب الوجود. «أين التراب وربُّ الأرباب»؟ [260] بشأن عدم صحة هذه الزيارة راجعوا كتاب «زيارت و زيارتنامه» (زيارة المزارات وأدعية الزيارات) ص 98 حتى 101، وص 350 حتى 356. [261] حول هذه المسألة، من المفيدة جداً بل من الضروري قراءة كتاب «زيارت و زيارتنامه» (زيارة المزارات وأدعية الزيارات) للمرحوم قلمداران. [262] من الطريف أن الشيخ عباس القمي ذاته يعترف أن هناك خلاف بشأن موضع قبر «أبو الحسن علي بن جعفر العُريضي» الذي يذهب قومنا فوجاً فوجاً إلى زيارة قبره، فقد اختلفوا هل دُفن في قم أم في قرية «العُرَيْض» التي تبعد مسافة فرسخ عن المدينة المُنورة وكان يسكن فيها هو وذرِّيته (منتهى الآمال، ج 2، ص 164). ورغم أن اسم ولد واحد من أولاد حضرة الكاظم (ع) كان «حمزة»، لكن الشيخ عباس القمي يقول بشأن «أبو القاسم حمزة بن موسى»: إن قبره في «شاه عبد العظيم» (في مدينة ريّ). ثم يقول في صفحة تالية: إن قبر المذكور "معروف في بلدة اصطخر من أعمال شيراز وهو مشهور هناك ويزوره القاصي والداني..... وفي قرية ترشيز أيضاً هناك من يعتقد أن ثمة مقبرة للإمام زاده حمزة". ثم يقول في الصفحة ذاتها: "ويوجد في مدينة قم الطيبة مزار معروف باسم شاه زاده حمزة ..... وله فناء وقبة وضريح، ويدل كلام صاحب «تاريخ قم» أن ذلك الشخص الجليل هو حمزة بن موسى (ع) ذاته". (منتهى الآمال، ج 2، ص 234 وَ235). فليت شعري! كيف يكون لإنسان واحد ثلاثة قبور في أماكن مختلفة؟! وإذا كان هذا حال قبر ابنٍ مباشرٍ لأحد الأئمَّة فما بالك بقبور الأحفاد والذريّة! للأسف إن عوام الناس لا ينتبهون إلى هذه المسائل وحيث ما وجدوا قُبَّةً وضريحاً هُرِعوا إلى زيارة صاحبه وتأمَّلوا الثواب من ذلك!! حتى أنهم يجعلون من موضع ما مزاراً لمُجرَّد رؤية شخص مناماً في ذلك، كما قال الشيخ عباس القمي: "أُقعد أحمد بن قاسم وابتُلي بمرض شديد وأصاب الجدري عينيه فأتلفهما ولما أدركته الوفاة دُفن في مقبرة قديمة في مالون..... فرأى بعض الصالحين في قم مناماً سنة 371 أن الذي يسكن في هذه التربة هو رجل فاضل جداً وأن لمن زاره ثواب عظيم وأجر جزيل، فقاموا بتجديد بناء قبره وتحديثه واستأنف الناس زيارته. وقال جماعة من الثقاة إن كثيراً ممن كانوا مُبتلين بأمراض قديمة أو كان في عضو من أعضاء جسمهم بلاء ونقص شُفوا من عللهم عندما ذهبوا إلى قبره وطلبوا الشفاء، ببركة روحه الشريفة!!!". (منتهى الآمال، ج 2، ص 165). وللأسف إن العوام لا يسألون أنفسهم كيف يُمكن للناس أن ينالوا الشفاء بواسطة من لم يستطع أن يشفي عيني نفسه؟! كما أنهم لا يتساءلون من أين عرفوا أن لزيارة قبره أجراً وثواباً عظيمين؟ ولا يتساءلون هل الأحلام والمنامات حُجَّة شرعية؟! [263] كتاب «مفاتيح النجاة» هو بالفارسية في الأدعية المأثورة، ومؤلفه هو المولى المحقق الفقيه محمد باقر السبزواري (توفي 1090 هـ. ق.) صاحب كتاب ذخيرة المعاد. (الـمُتَرْجِمُ) [264] منتهى الآمال، ج 2، ص 491 و492. أو النسخة المعرَّبة لكتاب «منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل»، للشيخ عباس القمي، تعريب الأستاذ نادر التقي، بيروت، الدار الإسلامية، 1994م-1414هـ.، باب رقعة الحاجة، ج 2، ص 652 - 653. (الـمُتَرْجِمُ) [265] قارن قول الشيخ عبَّاس القُمِّيّ هذا الذي لا يعتبر إجابة المُضطرين خاصة بالله تعالى بهذه الآية من القرآن التي قال تعالى فيها: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ ...أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِ﴾ [النمل: 62]. [266] ورواها المَجْلِسِيُّ في بحار الأنوار، ج 91، ص 31. (الـمُتَرْجِمُ) [267] ورواها المَجْلِسِيُّ في بحار الأنوار، ج 88، ص 357. (الـمُتَرْجِمُ) [268] للتعرُّف على حاله راجعوا كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] تأليف المرحوم الأستاذ حيدر علي قلمداران، الصفحة 167. [269] ص 522 من النسخة المُعرَّبة لمفاتيح الجنان. [270] ص 620 من النسخة المُعرَّبة لمفاتيح الجنان. [271] لماذا لا يستند إلى آية من القرآن؟! الجواب واضح وهو أنه ليس في القرآن أثر لمثل هذه العقائد. [272] قارنوا هذه الأقوال بآيات القرآن الكريم التي يقول الله تعالى فيها لنبيِّه: ﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡ ..﴾[الأحقاف: 9]، ويقول: ﴿قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ﴾[إبراهيم: 11]. ويجب أن ننتبه إلى أن الأنبياء أيَّدوا ذلك المقطع من كلام مُخالفيهم الذين كانوا يقولون: ﴿إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا﴾[إبراهيم: 10]. (فَتَأَمَّل) وقال الله تعالى في القرآن للنبيّ الأكرم (ع) أيضاً: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ﴾[الكهف: 110، وفصلت: 6]. [273] روح الله الموسوي الخميني، ولاية الفقيه، انتشارات أمير كبير، بالتعاون مع معرض الكتاب في قم، ص 67 و68. [274] يوافق سنة 1965 ميلادية. (الـمُتَرْجِمُ) [275] روح الله الموسوي الخميني، كشف الأسرار، نشر ظفر، ص 40. [276] يشهد الله أنني أشك أن يكون حبّه للنبيّ الأكرم ص بمقدار حبّي له.