تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

تنبيه حول الأفكار والعبارات الصوفية

تنبيه حول الأفكار والعبارات الصوفية

نظراً إلى أننا نُشاهد في هذا الدعاء وفي عدد من الأدعية الشائعة بين الناس في زماننا ومن جملتها دعاء «كميل» والمناجاة الخمس عشرة و.....، عبارات صوفيّة، أرى من اللازم أن أذكر هنا بعض الأمور المُتعلِّقة بهذا الأمر:

إحدى المسائل التي يجب أن نُنزِّه اللهَ سبحانه وتعالى عنها وصال الخلق بذات الحق الأقدس تبارك وتعالى. أما الصوفيَّة فاستناداً إلى مقولة "الفناء في الله والبقاء بالله" -التي لا تعدو ادّعاءً محضاً وعُجباً بالنفس ولا دليل عليها من القرآن أو الأحاديث المُعتبرة- يقولون إن الوصل بالحق ووصول العارف إلى الحق تعالى شأنه أمرٌ ممكنٌ!! وهذا الادِّعاء الجُزاف من الآثار الباقية لأديان ما قبل الإسلام، كدين «بوذا» وقول بعض النصارى، وقول عدد من مشركي اليونان أيضاً.

جاء في كتاب «نفحات الأُنس» للجامي[153] (ص 102): كان بوذا يعتبر بشكل عام أن غاية كمال النفس الإنسانية اتِّصالها بـ «النيرفانا» الذي هو مقام «الفناء».

هذا ويقول الصوفيَّةُ: إذا مارس الإنسان الرياضة الروحيّة ووصل إلى الحقيقة سقطت عنه الشريعة![154] كما قال المولى الروميّ في المُجلّد الخامس من ديوانه «المثنويّ»: «لَوْ ظَهَرَتِ الحَقَائِقُ بَطَلَتِ الشَّرَائِعُ»، ويقول: إذا وصلتَ إلى الله لم تعد بحاجة إلى الرسول والقرآن.

وقال «منصور الحلاج» طبقاً لما نقله «الميرزا طاهر القمي»[155] في كتابه «تحفة الأخيار» (ص 116): "إن المرء قائم على بساط الشريعة ما لم يصل إلى مقام التوحيد فإذا وصل إليه سقطت من عينه الشريعة"!!

وقال الشيخ «فريد الدين العطار»:

خدا را يافتم ديـدم حقيـقت برون رفتم من از عين شريعت

أي: وجدت الله ورأيت الحقيقة فخرجـــــــت من عين الشريعة

يقول الصوفيّة: إذا وصل الإنسان إلى الحق لم يعد بحاجة إلى الصلاة وأن من وصل إلى الله سقطت عنه التكاليف! لكن الأنبياء - عَلَيْهِمُ السَّلَام - لم يدَّعوا مثل هذا الادِّعاء. لذلك نرى أن حضرة عيسى (ع) كان يقول﴿وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا ٣١[مريم: ٣١]، وقال القرآن الكريم عنه: ﴿لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَكۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعٗا ١٧٢[النساء : ١٧٢].ألم يكن حضرة روح الله (ع) واصلاً؟ أوليس الملائكة المُقرَّبون المشغولون على الدوام بتسبيح الله وتقديسه (البقرة: 30) واصلين للحق؟!

إن الأنبياء - عَلَيْهِمُ السَّلَام - رغم أنهم كانوا أكثرَ الناسِ قُرباً من الله، كانوا يعتبرون أنفسهم مُكلَّفين بعبادة الله وإخلاص العبودية لربِّهم حتى آخر لحظة من عمرهم، وكان النَّبِيّ الأَكْرَم ص يُكثر من الصلاة وعبادة الله ولم يتوقف حتى آخر عمره المبارك عن العبادة وأداء واجبات الشريعة والعمل بأحكامها.

إن الله تعالى لم يتحدث في كتبه السماوية عن الوصل به والفصل عنه، ولم يدعُ عباده إلى الوصول إليه. إن الله حاضر ناظر في كل مكان وليس بعيداً عنا حتى نسعى إلى الوصول إليه، كما أنه ليس جسماً ولا جوهراً حتى يصح في شأنه الاتِّصال والانفصال، إذْ كل شيء يقبل الاتِّصال به محدودٌ، والحق تعالى غير محدود.

علاوةً على ذلك فإنه لا سبيل للعقول والأفكار إلى إدراك كنه ذات الله، فكيف يُمكنها أن تصل إليه؟

يقول الحق تعالى:﴿وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦[ق: ١٦]، ويقول أيضاً: ﴿وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ[الحديد: ٤]، وَمِنْ ثَمَّ فلا معنى للوصل والفصل عن الله تعالى. ويقول عَلِيٌّ (ع): "لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ولا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ ولا نَعْتٌ مَوْجُودٌ" (نهج البلاغة، الخطبة 1).

نعم، إن لقاء رحمة الله أو عذابه ممكنةٌ ولكن هذا غير الوصل بذات الحق تعالى. وليت شعري! كيف يمكن للإنسان، الذي عجز عن إدراك نظام جسمه وروحه المُحيِّر للعقول ولم يستطع الوصول إلى كنه أصغر مخلوقات الله ومعرفة حقيقته، أن يصل إلى خالق الكون؟ إن هذا الادِّعاء منشؤه الجهل والرعونة وقلة الحياء. وكل من قرأ الخطبة 186 من نهج البلاغة أدرك أن مسألة الوصل بالحق تعالى والفصل عنه باطلة. ولم يُؤثَر عن النبيّ ص أي دعاء صحيح مقبول يشتمل على عبارات الوصل والفصل أو الفراق والوصال أو العشق والمعشوق في حق الله، لأن العشق يستوجب التبدُّل في الحال ؛ والذات الإلهية لا يتطرّق إليها التغيُّر والتبدُّل. ثانياً: العشق شدَّة ميل النفس إلى الشيء وليس لِـلَّهِ ميل نفسي. ثالثاً: لا بُدَّ في العشق أن يكون المعشوق قابلاً للتصور والله مُنزَّه عن أن يتصوره مخلوق. رابعاً: الأنبياء لم يدعوا العبادَ إلى عشق الله ولم تأتِ في القرآن كلمة العشق والعُشَّاق، ولم يقل الله تعالى: يا أيها العُشَّاق ولا يا أيها العاشقون. ولم يُرغِّب الله تعالى عباده بعشقه. خامساً: إن صفات الله وأسماءه توقيفيةٌ أي موقوفةٌ على ورود الشرع بها، وليس في الشرع ولا في عبارات القرآن كلمة الوصال والفراق والعاشق والمعشوق و.....، وإذا وُجدت أخبار فيها مثل هذه المفردات في كتب المُتأخِّرين فهي من وضع الصوفية والدراويش.

فادِّعاء الشعراء والصوفية أنهم عاشقون لِـلَّهِ لا ينسجم مع تعاليم الكتب السماوية وهو نوع من قلة الأدب والوقاحة والعُجب بالنفس والله مُنزَّه عن الوصل والفصل والمعشوقية، فعلى الذين يدَّعون الوصول إلى الله تعالى ووصاله أن يتوبوا.

***

[153] هو: نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي (817 - 898 هـ/ 1414 - 1492 م)، عالمٌ وأديبٌ ونحويٌ وشاعرٌ وفقيهٌ حنفيٌّ ومتكلِّمٌ صوفيٌّ نقشبندي، ولد في قرية من قُرى ولاية جام من أعمال هراة، وعاش أغلب حياته في هراة وتُوفِّي فيها تاركاً عشرات الآثار في النحو والفقه والتصوف والكلام. والاسم الكامل لكتابه المشار إليه: «نفحات الأنس في حضرات القُدْس» وهو من أشهر ما كُتِبَ في طبقات الصوفية وتراجم رجالهم بالفارسية، وقد تُرْجِمَ الكتاب إلى العربية ونشره الأزهر الشريف في مصر. (الـمُتَرْجِمُ) [154] الواقع أن هذا ليس قول جميع الصوفية بل قول قلَّةٍ ضئيلةٍ منهم. (الـمُتَرْجِمُ) [155] هو الميرزا محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي الأصل النجفي المنشأ القُمِّيّ الموطن والوفاة. (يُعرَف باختصار بالميرزا طاهر القُمِّيّ) من علماء الشيعة الأخبارية، كان معاصراً للمجلسي وتوفي في حدود سنة 1100هـ. وكان شديد المخالفة للصوفية. له آثار عديدة منها كتابه الأربعين في فضائل أمير المؤمنين. بهجة الدارين في مسائل الحكمتين. حجة الإسلام في أصول الفقه والكلام. حكمة العارفين في رد شبه المخالفين. الفوائد الدينية في الرد على الحكماء الصوفية... الخ. (الـمُتَرْجِمُ)