الفصل الخامس والسادس [من مفاتيح الجنان]
يتعلَّق هذان الفصلان بشهري ذي القعدة وذي الحجة.
ذكر الشيخ عبَّاس في أعمال اليوم الثالث والعشرين من ذي القعدة نقلاً عن السيد ابن طاووس قوله في «الإقبال»: "ورأيت في بعض تصانيف أصحابنا العجم رضوان الله عليهم أنه يُستحبُّ أن يُزَارَ مولانا الرضا عليه السلام يوم الثالث والعشرين من ذي القعدة من قُرب أو بُعد ببعض زياراته المعروفة"!
لاحظ أيها القارئ الكريم كيف أن ابن طاووس الخرافي لم يُبيّن لنا الكتاب الذي استقى منه ذلك الكلام ولا مؤلفه، وجعل كتاباً مجهولاً مستنداً لاستحباب زيارة حضرة الرضا (ع).
ثم كتب في أعمال يوم 25 من ذي القعدة أن لعبادة ليلته ثواب عبادة سبعين سنة وكفارة ذنوب مئة عام (أي ذنوب عمر كامل)[589]! إذن يُمكن للإنسان أن يرتكب الذنوب سبعين سنة ثم يصوم ذلك اليوم فلا يبقى عليه حساب ولا عذاب ويرتاح باله!!
ثم قال: هناك عملان مُستحبّان في هذا اليوم: "الأول: صلاة مروية في كتب الشيعة القُمِّيّين". لكنه لم يُبيّن لنا أيُّ قُمِّيٍّ ذكر تلك الصلاة ولا الكتاب الذي جاءت فيه ولا السَّنَة التي أُلِّف فيها ولا الراوي التي نُقلت عنه و......؟!! ولابُدَّ أن نُذكِّر هنا بأن الشيخ عبَّاس تعهد في بداية كتابه «المفاتيح» (ص 12) أن لا يذكر إلا الأدعية والأعمال المُعتبرة والمُسندة! فليت شعري! هل هذا الذي أورده هو معنى الأدعية والأعمال الموثوقة والمسندة؟!!
ثم أورد عن راوٍ غير موثوق يُدعى «الحسن الوشاء»[590]، حديثاً حول دحو الأرض (أي بسطها تحت الكعبة فوق الماء!!)![591] لاحظوا كيف لوَّثوا الإسلام بمثل هذه الخرافات المضحكة! وليت شعري! هل كان هناك قبل وجود الأرض معنى لتواريخ 25 أو 29 ذي القعدة أو 25 يناير أو......؟!! من هذا يتبيّن أن مُلفِّق هذا الدعاء لم يكن يعلم أن الأرض كانت موجودة ثم أهبط الله آدم وزوجته إلى الأرض ثم بُنيت الكعبة بعد هبوطهما؟!!
وكذلك أورد دعاءً لا سند له يُعرف بدعاء «دحو الأرض» رووه كلهم نقلاً عن كتاب الشيخ الطوسي وليس من المُستبعد أن يكون الدعاء من اختراعه! وكثيرٌ من جمل هذا الدعاء معيبة، فمثلاً يقول: "«اللهم داحي الكعبة» بدلاً من قوله: «يا داحي الأرض». أو يقول عن رسول الله ص: «المنتجب في الميثاق القريب يوم التلاق» مع أن «يوم التلاق» هو يوم القيامة ولا مفهوم مفيد له هنا لأن النبيّ ص اصطفاه الله وبعثه قبل يوم القيامة! وقال عن الأئِمَّة: «وولاة الجنة والنار»!! أفلا يعلم أنه إذا كان الأنبياء سيُسألون يوم القيامة فلا يُمكن بالطبع أن يكون الأئِمَّة ولاة الجنة والنار؟ وأنه ليس لِـلَّهِ ولاة لثوابه وعقابه؟ أو اعتبر الأئِمَّة خَزنة سرِّ الله وقد بيَّنا مراراً بطلان هذا القول.
وأورد في الصفحة 254[592] عن حضرة الجواد (ع) أنه أخبر من حوله عن موعد وفاته مسبقاً، وهذا كلام لا يتفق مع القرآن الذي قال: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ ٣٤﴾[لقمان: ٣٤]ولا مع قول عليٍّ (ع) في نهج البلاغة (الخطبة 128). فهل يريد صاحب «المفاتيح» أن يقول إن الإمام الجواد -نعوذ بالله- لم يكن يعتقد بالقرآن ولا بقول جدّه؟!! هل كان الشيخ عبَّاس محباً لحضرة الجواد (ع)؟!
في بداية الفصل السادس -المُخصَّص لأعمال شهر ذي الحجة- يقول: إن صيام الأيام التسعة الأُوَل من شهر ذي الحجة يعدل صيام العمر كله. وهذا هو مضمون الحديث الثاني من أحاديث باب "اسْتِحْبَابِ صَوْمِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ ذِي الْحِجَّة" في «وسائل الشيعة» (ج 7، ص 334)[593]. ويجب أن نعلم أنه قد جاء في الحديث المذكور أن من صام أول يوم من العشر من ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهراً. ولكن جاء في الرواية التي قبلها أي في الحديث الأول في ذلك الباب أن من صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهراً. وجاء في الرواية الخامسة من الباب ذاته أن من صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة؟!! ألا يتلاعب هؤلاء بدين الله؟!
من أعمال الشيخ عباس المُثيرة للعجب أنه ذكر في الفصل الخامس من كتابه (ص 252)[594] -تأسياً أعمى بالروايات- أن شهر ذي القعدة شهر ولادة حضرة إبراهيم (ع)، ولكنه بعد خمس صفحات ذكر في الفصل السادس أن شهر ذي الحجة هو شهر ولادة إبراهيم (ع)!!
ثم أورد الشيخ عبَّاس دعاءً ممتازاً جداً باسم «دعاء عرفة» منسوباً إلى سيد الشهداء حضرة الإمام الحسين (ع) وهو -حسب قول الكفعمي في حاشية «البلد الأمين»- منقول عن ابنَي «غالب الأسدي» ولا سند معتبر له. وعلى كل حال فهذا الدعاء دعاءٌ جيِّدٌ إذا عرف الإنسان معانيه ولا إشكال في قراءته عملاً بإذن الشريعة العام بالدعاء. أما الزيارة التي أوردها ابن طاووس في كتابه «إقبال الأعمال» فتشتمل على اصطلاحات العرفاء والصوفية مما يُبيِّن أنها من وضع بعض أتباعهم.
64في الصفحة 277[595] يوصي الشيخ عبَّاس بقراءة «الزيارة الجامعة الثالثة» ويذكر الدعاء المذكور في الباب الثالث الخاص بالزيارات بعد قصة السيد الرشتي (ص 553) وهو دعاء خرافي تماماً ويُعجب الاستعمار ومليء من لعن بعض المسلمين وإعلان البراءة منهم!! ورغم أن هذه الزيارة منقولة عن الإمام الصادق ÷ إلا أنه جاء فيها: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ»!!
65اعتبر كتاب «المفاتيح» أن يوم الثامن عشر من ذي الحجة هو يوم «عيد الغدير»، وطبقاً للحديث الذي أورد جزأً منه في الصفحة 278 وجزأً آخر في الصفحة 281 فإن الإمام الصادق ÷ قال: "صِيَامُ يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ يَعْدِلُ صِيَامَ عُمُرِ الدُّنْيَا" (وسائل الشيعة، ج 5، ص 224) [ونقول إذا كان هذا اليوم عيداً حقاً فكيف يكون لصيامه أجر وثواب، خلافاً لعيدي الفطر والأضحى - أي الأعياد التي تحل مرة في السنة - التي لا يجوز الصيام فيها. وإن كان يوم الغدير عيداً حقاً فلماذا لم تُشرع له صلاة العيد جماعةً، كما شرعت لعيدي الفطر والأضحى؟!!]. ثم يقول: "وَهُوَ عِيدُ اللهِ الْأَكْبَرُ وَمَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً إِلَّا وَتَعَيَّدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَعَرَفَ حُرْمَتَهُ [ونقول كيف يحتفل الأنبياء السابقون وأتباعهم بواقعة الغدير التي لم تقع بعد؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!] وَاسْمُهُ فِي السَّمَاءِ يَوْمُ الْعَهْدِ الْمَعْهُودِ وَفِي الْأَرْضِ يَوْمُ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ وَالْجَمْعِ الْمَشْهُودِ[596] وَمَنْ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَزُولَ مِقْدَارَ نِصْفِ سَاعَةٍ يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةَ الْحَمْدِ مَرَّةً وَعَشْرَ مَرَّاتٍ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ وَعَشْرَ مَرَّاتٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَعَشْرَ مَرَّاتٍ ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ﴾عَدَلَتْ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةَ أَلْفِ حَجَّةٍ وَمِائَةَ أَلْفِ عُمْرَةٍ. وَمَا سَأَلَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَحَوَائِجِ الْآخِرَةِ إِلَّا قُضِيَتْ كَائِناً مَا كَانَتِ الْحَاجَةُ"!![597].
إن الشيخ عبَّاس يتجاهل أن أحد رواه هذا الحديث: «علي بن الحسين العبدي» المهمل ومجهول الحال و«محمد بن موسى الهمداني» الضعيف والوضَّاع للأحاديث كما يقول علماء الرجال! لكنه يعترف قائلاً:
"ولا يخفى عليك أنّ السّيد في «الإقبال» قدّم ذكر سورة «القَدْر» على «آية الكرسي» في هذه الصّلاة، وتابعه العلامة المَجْلِسِيّ في «زاد المعاد» فقدّم ذكر «القَدْر» كما صنعتُ أنا في سائر كتبي، ولكنّي بعد التتبّع وجدت الأغلب ممّن ذكروا هذه الصّلاة قد قدّموا ذكر «آية الكرسي» على «القَدْر»، واحتمال سهو القلم من السّيد نفسه أو من النّاسخين لكتابه في كلا موردي الخلاف وهما عدد الحمد وتقديم «القَدْر» بعيدٌ غاية البُعد، كاحتمال كون ما ذكره السّيد عملاً مستقلاً مغايراً للعمل المشهور، والله تعالى هو العالم.."[598].
ثم نقل الشيخ عبَّاس حديثاً آخر عن «سهل بن زياد»[599] يقول إن الإمام الصادق ÷ سُئل: "هَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَعْظَمُهَا حُرْمَةً. قُلْتُ: وَأَيُّ عِيدٍ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: الْيَوْمُ الَّذِي نَصَبَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ص أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاه.......الخ"[600].
ونقول: لو أن النبيّ اعتبر يوم الغدير عيداً فلماذا لم يكن الراوي يعلم ذلك الأمر في زمن الإمام الصادق ÷ حتى سأل الإمام عن ذلك؟ ألم يسمع من آبائه أن هذا اليوم عيد؟ ثم لماذا لم يعمل حضرة علي (ع) بوصية النبيّ ولم يتخذ ذلك اليوم عيداً في فترة خلافته؟ ولم يُعرّف للناس هذا العيد والأعمال الخاصة به؟!! ولماذا لم يُعيّد النبيّ زمن إقامته في المدينة في هذا اليوم الذي كان أنبياء السلف أيضاً يُعيِّدون فيه؟!! في أيِّ كتاب مُعتبر من كتب السيرة النبوية قرأتم أن النبيّ ص كان يُعيِّد كل سنة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة؟!
ثم نقل الشيخ عبَّاس في هذا الفصل روايةً عن خبيث باسم «أبي النصر البزنطي» الذي عرّفنا به في التنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (ص 257). هذا الكذاب اعتبر يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة أفضل وأعلى شأناً من ليلة القدر في شهر رمضان المبارك!!
ولكن الأكثر أهميةً من كل ذلك هو موضوع نصب علي (ع) بأمر الله خليفةً بعد رسول الله ص مباشرة في ذلك اليوم. وهذا ادِّعاء مخالف للتحقيق بل كذب. وَمِنْ ثَمَّ إذا كان أصل القضية كذب فمصير التعييد في ذلك اليوم وصحة أو سقم ما لفّقوه من العبادات والأدعية الخاصة به يُصبح معلوماً. (فتأمَّل)
النقطة المهمَّة التي من الضروري أن نعلمها هي أن علماءنا وكُتَّابنا -مع الأسف- غالباً ما يقولون في خطبهم وكتبهم أن النبيّ ص جمع الناسَ في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة إلى جانب غدير خم ورفع يد عَلِيٍّ وقال: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ.... الخ". ولكنهم مع كل أسف لا يُشيرون إلى مُقدِّمات تلك الحادثة ويُبيِّنون واقعة الغدير بشكل مبتور وناقص ليخدعوا بذلك العوام!! والحقيقة هي أن النَّبِيّ الأَكْرَم ص كان قد أرسل جماعةً بإمرة عَلِيٍّ (ع) إلى منطقة اليمن -حيث كانت تُقيم قبيلة «همدان»- لأجل الدعوة وجباية الزكاة. وبعد أن نفَّذ أمير المؤمنين علي ÷ المُهِمَّات التي أُوكلت إليه[601] ورأى أن أيام الحج قد اقتربت وهو يعلم أن رسول الله ص قد عَزَمَ هذا العام على الحج، لذا كان مستعجلاً للحاق بالنبيّ بسرعة كي لا تفوته فرصة أداء الحج مع رسول الله ص، لكن القافلة التي كانت معه وفيها أموال الزكاة ومن جملتها الجمال والشِّياه وأحمال أخرى كانت تسير ببطء وكان من الممكن إذا ظلَّ معها أن يصل متأخراً إلى النبيّ ولا يدركه إلى بعد أن يكون قد انتهى من مناسك الحج، لذا أناب عليٌّ شخصاً مكانه أميراً على القافلة وأسرع السير إلى مكة فوصل إلى النبيّ ص في الوقت المناسب. وبعد أداء مناسك الحج عاد عليٌّ إلى قافلته التي أصبحت على مشارف مكة فرأى أن المسؤولين عن القافلة تصرَّفوا ببعض أموال الزكاة فيها فركبوا على الجمال التي كانت من مال الزكاة ولبسوا بعض الحلل من مال الزكاة معتبرين أن لهم الحق في ذلك باعتبارهم من العاملين عليها (التوبة: 60)، فغضب عَلِيٌّ من هذا العمل الذي قاموا به دون إذن من النبيّ، ووبَّخ نائبه الذي ناب عنه في إمارة القافلة خلال غيبته، ونزع ما أخذه المسؤولون عن القافلة من أيديهم وقال: لا بُدَّ من تسليم هذه الأموال أولاً إلى رسول الله صليقوم هو عندئذ بإعطاء كل ذي حق حقه.
ثَقُلَ على أفراد القافلة هذا الالتزام الشديد والصرامة التي مارسها عَلِيٌّ (ع) في تنفيذه للأمور بشكل صحيح ودقيق، وانزعجوا منه، لذا عندما حضروا عند رسول الله ص بسطوا ألسنتهم بغيبة عَلِيٍّ (ع) عند النبيّ واشتكوا تشدُّدَه وصرامته معهم إلى النبيّ وأظهروا انزعاجهم من ذلك ومن جملة ذلك أن ذهب رئيس القافلة إلى النبيّ ص وأبدى سخطه وعدم رضاه عن مرافقة عَلِيٍّ في السفر بسبب تشدُّده، بيد أن النَّبِيّ الأَكْرَم ص -خلافاً لما توقعوه- أيَّد دقة نظر عَلِيٍّ والتزامه التام بموازين الشرع ودافع عن عَلِيٍّ إلى درجة أن أمير القافلة ندم على ما قاله بحق عَلِيٍّ (ع). ولكن سائر أفراد القافلة أعربوا حيثما حلّوا عن تأذِّيهم وعدم رضاهم عما حصل فوصلت تلك الشكاوى إلى مسامع النبيّ المباركة. لذا قام النبيّ لأجل أن يُفهم مسؤولي القافلة المذكورة والناس الذين كانوا مع النبيّ في عودته من مكة إلى المدينة والذين كان كثير منهم قد سمع إساءة القول وطعن مسؤولي القافلة بحضرة عَلِيٍّ (ع)، أن يفهِمَهُم أنهم أخطؤوا، هذا من جهة، ولكي يُبيِّن من الجهة الأخرى تأييده لعمل عَلِيٍّ (ع) وتصويبه له[602]، جمع الناس قرب غدير خم وقال: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاه، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَه وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ "[603].
أمَّا لو أراد النبيُّ ص أن يُعيِّن عَلِيَّاً خليفةً له في حكم المسلمين وإمامتهم بعده مباشرةً لفعل ذلك في مكة عندما كان جميعُ المسلمين حاضرين في مناسك الحج ولم يفعله في منطقة غدير خم التي تبعد مئتي كيلومتر تقريباً عن مكة!!![604] عندما لم يبقَ معه لا أهل مكة ولا أهالي كثير من مناطق الجزيرة العربية الأخرى! (فلا تتجاهل).
ثانياً: لو أراد النبيّ ص الذي كان أفصح الناس بياناً، بيان إمارة عَلِيٍّ وخلافته في حكم المسلمين التي يُفترض أنها أحد أهم أصول الدين، لبيَّن ذلك بأوضح العبارات كأن يقول مثلاً: «أيُّها الناس عَلِيٌّ خليفتي فيكم بعد وفاتي»[605] لا أن يستخدم كلمةً لها -كما يقول علماء اللغة- 25 معنى ثم يتكلم في بقية الجملة عن محبّة عَلِيٍّ ومعاداته كي يكون ذلك قرينةً مُؤيّدةً لمعنى المحبة والنصرة والولاء لا معنى الخلافة والزعامة!! حتى أنه لم يستخدم كلمة «الوالي» (فَتَأَمَّل) (بشأن الآية 67 من سورة المائدة من الضروري مراجعة كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» ص 623).
ثالثاً: لنفرض جدلاً أن أبا بكر وعمر كانا طالبا جاهٍ وأن حبَّ الرئاسة أو الحسد دفعهما إلى تخطّي أمر الله ورسوله وعصيانه! فالسؤال المُلِحّ الذي يطرح نفسه: لماذا لم يُعِر الأنصار (= أهل المدينة) الذين لم يتوانوا لسنوات طويلة بعد رحيل النبيّ عن بذل النفوس والأموال والأولاد في سبيل الله، والذين لم تكن في رئاسة أبي بكر أيُّ منفعة دنيوية لهم، والذين جاهدوا سنوات عديدة في سبيل عُلوِّ شأن الإسلام وطاعة النبيّ وكانوا إلى جانبه، لم يُعيروا أيَّ اهتمام لأمر الله ورسوله وبايعوا أبا بكر خليفةً للنبيّ ص طواعيةً ولم يُعطوا عَلِيّاً (ع) مقام الزعامة عليهم؟!!
ويجب أن نعلم أن أبا بكر وعمر كانا من المهاجرين ولم يكن لهما أقرباء كُثُر في المدينة ولا كان لهما هناك جيشٌ وأجهزةُ أمنٍ مُجهَّزةٌ تأتمر بأمرهم وتقاتل لأجلهم، مما يعني أن الأنصار كانوا يستطيعون بسهولة أن يُزيحاهما ويُبايعون عَلِيّاً مكانهما ويُجلسونه على مسند الخلافة. أضف إلى ذلك أنه يجب أن لا ننسى -كما يقول أخونا الفاضل جناب السيد مصطفى الطباطبائي أيّده الله تعالى- أن القول بأن عَلِيّاً بايع الخلفاء بالإكراه والإجبار وتجاهَلَ حقه الإلهي فيه إهانةٌ لذلك الإمام الهُمام وانتقاصٌ من قدره؟!
رابعاً: لماذا لم يستند حضرة عَلِيٍّ (ع) في تلك الأيام إلى حديث الغدير ولم يعتبر ذينك الشخصين مرتدَّيْن؟! في رأيكم هل يُعتبر من يتنكَّر لأحد أصول الدين مسلماً. (فَتَأَمَّل جداً). هل الذي يُزيح من اختاره الله ويرفضه مسلم؟! (فلا تتجاهل). لماذا لم يستشهد ابن عمة عَلِيٍّ (ع) «الزبير بن العوام» الذي كان من مجاهدي الإسلام الكبار وكان رجلاً شجاعاً، وكان في بداية الأمر غير موافق على اختيار أبي بكر لمنصب الخلافة بعد النبيّ ص، بحديث الغدير؟! ولماذا لم يستند عمُّ عَلِيٍّ جناب «العباس بن عبد المطلب» الذي كان من وجوه قريش، وابنه «عبد الله بن عباس» المُلقّب بحبر الأمة والذي كان مُفسِّراً للقرآن ومعظم الأحاديث المُتعلّقة بسيرة عَلِيٍّ (ع) منقولة عنه، وأخوه «الفضل بن العباس» وأخوه الآخر «قُثم بن العباس» الذي كان من أنصار عَلِيٍّ (ع) ولم يكن من الموافقين على خلافة أبي بكر، إلى حديث الغدير وإلى النصّ الإلهي على خلافة عَلِيٍّ وإمارته؟![606]
خامساً: رغم أن عَلِيّاً (ع) لم يستند إلى حديث الغدير، وطبقاً لما نقلته التواريخ، لم يكن عليٌّ راضياً -مثله مثل جناب العباس بن عبد المطلب أيضاً- عن إسراع الناس إلى السقيفة واستعجالهم في اختيار الخليفة دون مشاورة رأي كبار المهاجرين بمن فيهم عَلِيٌّ نفسه والعباس وأولاده والزبير و...... بشأن خلافة النبيّ، وقد أعرب بصراحة عن عدم رضاه عن ذلك الأمر واعترض على ما فعله الصحابة لأنه عندما بايع أبا بكر قال له: "[إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ] وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ص نَصِيباً"، بناءً على ذلك لا يُمكننا القول: إن الجو في ذلك الزمن كان جواً استبدادياً خانقاً لا يستطيع المسلم فيه أن يُظهر رأيه ومخالفته للحاكم وأن عَلِيّاً لم يكن قادراً على إبراز عقيدته، لأن امتناع عَلِيٍّ عن مبايعة أبي بكر مدة شهرين ونصف أو ثلاثة أشهر أو ستة أشهر -إن صحّ الخبر بشأن هذه المدة[607]- يدل على حريته في العمل ويدل على أن عَلِيّاً كان يعتبر نفسه أليق وأكثر أهليةً على إدارة شؤون المسلمين من أبي بكر وسائر الصحابة، لكنه لما رأى أوضاع المسلمين بعد النَّبِيّ الأَكْرَم ص مضطربةً بسبب ظهور مُدّعي النبوة ومانعي الزكاة وانتهاز اليهود والنصارى والمنافقين لفرصة ضعف المسلمين والصدمة التي صُدم بها المسلمون نتيجة رحيل رسول الله ص، قرَّر التخلّي عن رأيه الشخصي ورأي سائر أنصاره وعدم الإصرار عليه، وتقدّم بكل كرم نفس وإنكار للذات إلى مبايعة أبي بكر وأعطى أبا بكر بهذا المشروعية الكاملة لخلافته ولم يكن يمتنع أبداً عن نصحه وإرادة الخير له. (فَتَأَمَّل جداً). وإلا - [لو كان عليٌّ منصوبٌ ومُعَيَّنٌ مِنْ قِبَلِ الله لحكم المسلمين]-، لاستحال أن يقوم هذا الإمام الهمام الذي قال: "إِنِّي واللهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وهُمْ طِلاعُ الأرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ ولا اسْتَوْحَشْتُ. وإِنِّي مِنْ ضَلالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ والْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ، لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي ويَقِينٍ مِنْ رَبِّي. وإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهِ لَمُشْتَاقٌ وحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ. ولَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وفُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً وعِبَادَهُ خَوَلاً والصَّالِحِينَ حَرْباً والْفَاسِقِينَ حِزْباً.....". (نهج البلاغة، الرسالة 62) بمبايعة مرتدٍّ مثل أبي بكر تنكّر - حسب قولكم - لأصل من أصول الدين بل لقاوم انتخاب أبا بكر بغير وجه حق لمخالفته للشرع ولِأَمْر الله، وَلَرَفَضَ مُبايعته كما فعل «سعد بن عبادة» وَلَهَاجَرَ من المدينة إلى مكة أو إلى مكان آخر، ليسعى إلى هداية الناس وإرشادهم إلى حقيقة الأمر. لأنه ما من ريب في أن مُبايعة المعصوم لفرد بالخلافة تستوجب منحه المشروعية، فإذا كان ذلك الشخص المُبَايَع غير أهل للخلافة كانت مُبايعة المعصوم له سبباً في إضلال الأمة، ولا يرضى الإمام المنصوب من عند الله بضلال الأمة بالطبع. (راجعوا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» ص 602 -603).
سادساً: يقول مُفسِّرو الشيعة في تفسيرهم لآية: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا [608]...﴾[المائدة: ٣] التي هي جزء من الآية 3 من سورة المائدة وتفسيرهم للآية 67 من سورة المائدة أيضاً التي يتعلّق ما قبلها وما بعدها بأهل الكتاب، إنه لما نصب رسول الله ص عَلِيّاً خليفةً له على المسلمين يوم غدير خم، نزلت عليه الآية 3 من سورة المائدة. ويقولون: إن هذه الآية مُتعلّقة بولاية عَلِيٍّ (ع) وإمامته المنصوص عليها من الله!! هذا في حين أن العبارة التي ذُكرت أعلاه هي جزء من الآية 3 فقط ولو لاحظنا الآية بتمامها لعلمنا أنها لا تتناسب مع ادِّعائهم؛ لأن بداية الآية والآيتين اللتين قبلها والآيات التي بعدها كلها تتعلّق بفروع الأحكام والحلال والحرام ولا تتناسب مع البيان المُفاجئ في وسط الكلام دون مراعاة لسياق الآيات للولاية والإمامة المنصوص عليها من الله لعليٍّ (ع) (فَتَأَمَّل). ثم إن الادِّعاء بأن هذا الجزء من الآية نزل في غدير خم مخالف لقول الإمام الصادق ÷ الذي قال: "نزلت المائدة كملاً ونزل معها سبعون ألف ملك"[609]، ومخالف للأحاديث التي تقول: إن الآية موضع الاستشهاد نزلت في عرفة لا في غدير خم! باؤك تجرُّ وبائي لا تجرُّ؟!!
أما بالنسبة إلى الآية 67 من سورة المائدة فإن عَلِيّاً (ع) لم يعتبر في أيِّ وقت من الأوقات تلك الآية مُتعلّقةً بخلافته الإلهية وإلا لقام بتذكير المسلمين بها بعد وقائع السقيفة، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمام الحُجّة على أقل تقدير، ولدعا جميع المسلمين إلى طاعة أمر الله، لا أن يكتفي بالشكاية من عدم مشاورته في الأمر فقط!! وبصرف النظر عن إيمانه بأنه أولى بالأمر! (فَتَأَمَّل).
يقول المُفسّر الكبير وأخونا الفاضل السيد مصطفى الطباطبائي -حفظه الله تعالى من شرّ أعدائه- أنه مذكور في المصادر الشيعية أن عَلِيّاً نفسه قال إنه إذا مات ولي أمر المسلمين فعليهم أن يبادروا إلى اختيار إمام لهم قبل أي عملٍ آخر، مما يُبيِّنُ أن عَلِيّاً كان يعتبر رئاسة المسلمين وإمرتهم أمراً انتخابياً لا انتصابيّاً ولهذا السبب لم يقل أبداً إنه طالما كنت موجوداً أو كان أحد عشر فرداً من أولادي موجودون فعلى المسلمين أن يعتبروننا زعماءهم وبعد رحيلنا جميعاً فقط يُمكنهم أن يختاروا من يُدير زمام أمورهم!
ويُؤكِّد ذلك أن الآيات قبل الآية 67 وبعدها تتعلّق بأهل الكتاب، والقول بأن الآية 67 تنصُّ على خليفة إلهي بعد النبيّ -مثله مثل ادِّعاء هذا الأمر بشأن الآية الثالثة من سورة المائدة-، مُخِلٌّ بالسياق وغير متناسب مع موضوع الآيات. أضف إلى ذلك فإن ما تدَّعيه الأحاديث والروايات حول سورة المائدة يستدعي السؤال القائل: لماذا ذُكِرَتْ المُقدِّمَةُ في القرآن ولم يُذكر ذو المُقدِّمة فيه؟! وثالثاً: إن عدم وجود «واو» العطف في بداية الآية 68 يدل على أن الرسالة التي يجب تبليغها هي ما ذُكر في هذه الآية التي تلت الآية 67 مباشرةً وليس شيئاً آخر لا يتناسب مع سياق الكلام والآيات السابقة واللاحقة (لاسيما أننا نعلم أن النصارى في الدولة الرومانية البيزنطية الشرقية كانوا قد أعدّوا جيشاً لمهاجمة المسلمين في أواخر حياة النبيّ المباركة، وكانوا ينوون شنَّ حملة على المسلمين انطلاقاً من تبوك). فمثلاً لو قيل: "أبلغ فلاناً ما سأقوله لك وأعلن له ما أُريده وَكُن صريحاً وقاطعاً في كلامك" فإنه من المعقول أن يُقال إن مراد المتكلم من الجملة التي تأتي بعد «الواو» أمر كُليٌّ يتعلّق بطول الحياة بشكل عام، أما لو قال ذلك القائل دون «واو» عطف: "القَ فلاناً وأعلن له ما أُريده: كُن صريحاً وقاطعاً في كلامك" فإن هذا يدل على أن قصد المتكلم من الصراحة والقطع هو الصراحة والقطع في إعلان ما يُريده المتكلم والرسالة التي يذكرها. رابعاً: لو كانت الرسالة الواجب إبلاغها خلافةَ عَلِيٍّ لوجب أن تُختم الآية بإعلام الله نبيَّه بحمايته من المنافقين لا من الكافرين في حين أن نهاية الآية 67 وَ68 تُشير إلى حمايته من الكافرين. أضف إلى ذلك لو كان الموضوع الواجب تبليغه خلافة عَلِيٍّ بعد النبيّ لكان من المناسب أن يتمّ التأكيد على حفظ روح خليفةِ النبيّ (أي عَلِيٍّ) وحمايته من مؤامرات المنافقين المعارضين لخلافته ودسائسهم لا حماية النبيّ الذي كان جميع المسلمين مطيعين لأمره. (فَتَأَمَّل).
سابعاً: لا يُمكننا القول إنه لو لم يُبايع عَلِيٌّ (ع) أبا بكر، رغم أنه يعتبره - حسب قولكم - مرتداً، لربما تعرّض إلى الاغتيال. وذلك لأن الله لا يترك حماية حُجَّته التي نصبها لأجل هداية أمة خاتَم النبيين، كما حمى رسولَهُ ص -الذي كان في بداية بعثته أكثر وحدةً من عَلِيٍّ (ع)-، من شرّ المشركين. كتب العالم العراقي الشهير المرحوم الشيخ «محمد حسين آل كاشف الغطاء» في كتابه «أصل الشيعة وأصولها» يقول:
"ولكن يخطر على بالي أنّي جمعتُ ما وجدتُه في كتب تراجم الصحابة كالإصابة [في تمييز الصحابة] وأُسد الغابة [في معرفة الصحابة] والاستيعاب [في معرفة الأصحاب] ونظائرها من الصحابة الشِّيعة زهاء ثلاثمائة رجل من عظماء أصحاب النبي ص كلّهم من شيعة علي عليه السَّلام، ولعل المُتَتَبِّع يعثر على أكثر من ذلك"[610].
بناءً على ذلك لا يُمكن أن نقول إن عَلِيّاً كان وحيداً ولم يكن له أنصار ولم يكن أمامه من خيار سوى البيعة مضطراً! وكما لم يكن في عدم مبايعة «خالد بن سعيد بن العاص» وأخيه «أبان» ونظائرهما خطراً عليهما، كذلك لم يكن هناك خطر على حياة عَلِيٍّ إذا امتنع عن البيعة.
على ضوء ما ذُكر أعلاه ينبغي أن نعلم أن بيعةَ عَلِيٍّ، الذي كان تلميذ مدرسة النبيّ الأول، لأبي بكر أكبرُ دليل على أن خلافة أبي بكر لم تكن مغايرةً لأصول دين الإسلام، وأهمُّ سند وشاهد على مشروعية خلافة الخلفاء الراشدين، وامتيازٌ كبير وخاصٌّ لهم. (فلا تتجاهل). لقد كان لمُبايعة عَلِيٍّ لأبي بكر تأثير كبير على سائر المسلمين كما اعترف بذلك المرحوم «كاشف الغطاء» قائلاً:
"ولكنَّه [أي الإمام علي عليه السلام] باتفاق الفريقين [أي الشيعة والسنَّة] امتنع أوَّلاً عن البيعة، بل في صحيح البخاري - في باب غزوة خيبر-: أنَّه لم يُبايع إلاّ بعد ستة أشهر وتبعه على ذلك جماعة من عيون الصحابة كالزبير وعمّار والمقداد وآخرين"[611].
أي أن بيعة عَلِيٍّ (ع) لأبي بكر هي التي حملت أنصار عليٍّ (ع) وأتباعه إلى أن يُبايعوا أبا بكر أيضاً. (فَتَأَمَّل).
66أضف إلى ذلك أن عَلِيّاً (ع) الذي كان أعلم من الآخرين بأحكام البيعة والذي قال نفسه: "لأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ لا يُثَنَّى فِيهَا النَّظَرُ ولا يُسْتَأْنَفُ فِيهَا الْخِيَارُ" (نهج البلاغة، الرسالة 7). ولهذا السبب قال زمن خلافته لطلحة والزبير: "فَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ فَارْجِعَا وتُوبَا إِلَى اللهِ مِنْ قَرِيبٍ، وإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وإِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ[612]. ولَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ والْكِتْمَانِ، وإِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا الأمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلا فِيهِ كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ". (نهج البلاغة، الرسالة 54).
بناءً على ذلك واستناداً إلى تصريحات الإمام بشأن البيعة وبشأن حكم المسلمين -خاصةً ما ذكرناه في الرسالة 64 من نهج البلاغة- لا يُمكننا أن نقول إن حضرة عَلِيٍّ (ع) بايع أبا بكر مكرهاً ومجبراً!! إن من يعرف عَلِيّاً (ع) يعلم جيداً أنه من المستحيل على مثله أن يُبايع حتى ولو مجبراً وبالإكراه، شخصاً يرى أن خلافته مخالفةٌ صريحةٌ لأمر رسول الله ص! (فتأمَّل دون العصبيّة). إنهم ينسبون إلى عَلِيٍّ (ع) ما لم يقبله هو نفسه من الآخرين. (فَتَأَمَّل) فهل هم صادقون في ادِّعائهم حُبَّ عَلِيٍّ؟!
ثامناً: إن مشاركة عَلِيٍّ (ع) في مجلس الشورى المُكوَّن من ستة أشخاص الذي اقترحه عمر دليل واضح أيضاً على أن حضرته لم يكن يعتبر نفسه منصوصاً عليه من الله ومنصوباً في مقام الحكم والإمامة مِنْ قِبَلِ النبيّ ص. لأن كل مسلم -فضلاً عن عَلِيٍّ (ع)- يعلم أنه لا يجوز التشاور في أمر إلهي صريح بل المشاورة تكون فيما ليس فيه أمرٌ أو نهيٌ شرعيٌّ. هل شاور النبيّ مثلاً أحداً من الناس حول أي شهر من أشهر السنة ينبغي صومه؟!
بناءً على ذلك لو كان عَلِيٌّ (ع) يعتقد أنه مأمور مِنْ قِبَلِ الله بأن يتولّى خلافة المسلمين وإمارتهم، لَمَا جاز له أن يُشارك في الشورى بل كان من الواجب عليه أن يقول: إن تشاوركم في أمر منصوص عليه شرعاً هو من باب الاجتهاد في مقابل النص وهو أمر باطل!
هنا أرى من الضروري في هذه الأيام الأخيرة من عمري أن أكتب كلمات بشأن شورى الأشخاص الستة توعيةً لإخوتي في الإسلام لأن المشايخ لدينا في الغالب يُضلِّلون الناس حول هذا الموضوع وليس لهم اهتمام بإظهار الحقيقة، حتى أن بعض علمائنا الكبار الذين كان أحدهم أستاذاً جامعياً وكانت له بصيرة كافية وجيدة في تاريخ الإسلام وكان يتبرأ من جنايات التاريخ، لم يتجاوز ما يُعجب الناس وما تعوَّدوا سماعه في بيانه لحقيقة قصة شورى الأشخاص الستة في كتبه وخطبه ربما خوفاً من المشايخ والعوام!! ولكننا نعتبر أنفسنا مسؤولين عن توعية إخوتنا المسلمين وعن العمل لأجل الوحدة الإسلامية لذلك سنعرض للقراء المحترمين في هذا الصدد بعض الأمور باختصار كي يتأمَّلوا فيها أنفسهم وبعد التحقيق والتفكُّر يتَّبعوا ما يرونه حقاً، ونُقدِّم هذه السطور استناداً إلى تأليف كتبه أحد علماء مدينة بندر عباس المعاصرين الذي هو في نظرنا بعيد عن التعصب الذي نُشاهده لدى كثير من أهل السنة -مثل كثير من الشيعة- الذين يتعصَّبون لجميع أجزاء مذهبهم، بل نراه عالماً مُحقِّقاً لا فاضلاً مُقلِّداً ومُرادنا هو السيد «عبد الرحيم الخطيب» وكتابه المؤلف من جزأين الأول باسم «الشيخين» والثاني باسم «الصهرين» ونوصي بهذه المناسبة إخواننا بقراءة هذين الكتابين.
اعلَم أنه كبار وأعيان أهل المدينة، خوفاً من وقوع اختلاف ونزاع بين المسلمين حول مسألة الخلافة أصرُّوا على عمر أن يُعيِّن خليفةً له على المسلمين كي يُبايعه الناس؛ فاقترح عمر في نهاية المطاف أن يُرشِّح ستة أشخاص من كبار أصحاب رسول الله ص كانت لهم سوابق عظيمة ومؤثرة في نُصرة الإسلام والتضحية في سبيل إعلاء كلمة دين الله، وكان أولئك الستة هم:
1- حضرة عليٍّ (ع).
2- الزبير بن العوام ابن عمة عليٍّ (ع).
3- طلحة بن عبيد الله الذي كان مسافراً حين أُصيب عمر ولم يكن حاضراً في المدينة وكان من العشرة المُبشَّرة وقد شُلَّت يده بسبب ما أصابه من جراح في معركة أُحد.
4- عثمان بن عفان صهر النبي وعديل عليٍّ (ع).
5- عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المُبشَّرين وثامن فرد دخل إلى الإسلام بدعوة أبي بكر، وقد هاجر مرّة إلى الحبشة وأخرى إلى المدينة وكان زوج أخت عثمان.
6- سعد بن أبي وقَّاص ابن عمة عبد الرحمن بن عوف فاتح القادسية.
دعا عمر أولئك الستة ما عدا طلحة الذي كان غائباً وقال لهم: "إني نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم، لا يكون هذا الأمر إلا فيكم. وقد قُبض رسول الله ص وهو عنكم راضٍ. إني لا أخاف الناس عليكم إن استقمتم، ولكني أخاف عليكم اختلافكم فيما بينكم فيختلف الناس". (أي إذا أحسنتم النيَّة وسلكتم الصراط المستقيم ووضعتم مصلحة الإسلام نُصب أعينكم فلا خشية من الناس عليكم لأن الناس ستُسلّم لكم وترضى بمن اخترتموه. أما الذي أخشاه فهو أن تختلفوا فيما بينكم فيُؤدي اختلافكم إلى وقوع النزاع بين المسلمين والهرج والمرج). وسيحضر ابني «عبد الله» اجتماعكم ويشهد سعيكم ولكن لا يحق له أن يُنتَخَب لهذا المنصب، ولديكم بعد رحيلي عن الدنيا ثلاثة أيام تجتمعون فيها وتتشاورون ولا بُدّ أن يتمّ اختيار الخليفة من بينكم في اليوم الرابع ويتولّى زمام أمور المسلمين.
ثم أمر عمر «صُهيب بن سنان الرومي» أن يُصلّي في الناس في المسجد إماماً تلك الأيام الثلاثة كي يجتمع أولئك المُرشَّحون الستة ويتشاورن فيما بينهم في أمر الخلافة مع ابنه عبد الله -الذي لم يكن من المُرشَّحين-. واجتمع المُرشَّحون -عدا طلحة الذي كان مسافراً- في بيت «المِسْوَر بن مخرمة». ولما سمع الناس أصوات المُرشَّحين تتعالى إلى خارج المنزل وعرفوا أن كلاً من المُرشَّحين كان يُدافع عن أهليِّته للخلافة، تعجَّب أحد كبار الأنصار ويُدعى «أبو طلحة الأنصاري» الذي كان مسؤولاً مع عددٍ من أصحاب النبيّ ص عن حراسة دار الشورى بأمر عمر، وقال: كنت أظنُّ أن كلاً منكم سيمتنع عن قبول مقام الخلافة خوفاً من مسؤوليَّتها الخطيرة، وأن كُلاً منكم سيكل هذه المهمة للآخر لكنني أرى الآن أنكم جميعاً حريصون على الخلافة وكُلاً منكم يُجادل الآخر لإقناعه بذلك وأنكم تتجادلون وتتنافسون على الخلافة. أُقسم بالله أنني لن أحرس هذا المنزل بعد الأيام الثلاثة التي أوصى بها عمر بل سأترك المنزل وأجلس في بيتي لأنظر ماذا تفعلون!
في ختام المطاف قام عبد الرحمن بن عوف لأجل إنهاء النزاع والمنافسة بين المُرشَّحين الذين كان لكل منهم أنصار فقال: أيُّكم يُخْرِجُ نفسه منها ويولِّيها غيره على أن يُوليّها أفضلكم؟ فأمسكوا عنه ولم يُجبه أحد من المُرشَّحين إجابةً صريحةً، فقال عبد الرحمن بن عوف: "أنا أخرِجُ نفسي، فرضي القوم بذلك وعليٌّ ساكت، فقال له: «ما تقول يا أبا الحسن؟» فقال: «أعطني موثقاً لتُؤْثِرَنَّ الحقَّ ولا تتَّبع الهوى، ولا تخصَّ ذا رحم لرحمه، ولا تألو الأمة». فقال: «أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدّل وغيّر، وأن ترضوا من اخترت، ولكم عليَّ ميثاق الله أن لا أخصَّ ذا رحم ولا آلو المسلمين». فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله، ومن ثم أخذ عبد الرحمن يستشير الصحابة وأُمراء الأجناد وأشراف الناس فيمن يصحُّ أن يُختارَ خليفةً من بين هؤلاء. وكان يستشير رؤساء القبائل الذين جاؤوا إلى المدينة للاطِّلاع على ما يجري في أمر الخلافة حتى أنه استشار عدداً من النساء العارفات ذوات البصيرة. يقول ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية» ما يُشبه ما ذكره البخاري أن جميع الناس كانوا يميلون إلى عثمان ما عدا «عمار بن ياسر» وَ«المقداد بن الأسود» اللذين كانا يُفضِّلان عليّاً (ع)!
ولكن هناك مسألة في هذه الروايات ينبغي أن لا نغفل عن شرحها. تتفق جميع التواريخ بما في ذلك دائرة المعارف لفريد وجدي على أنه في صبيحة اليوم الرابع استدعى عبد الرحمن بن عوف في المسجد النبوي وأمام الملأ حضرة عليٍّ (ع) في بداية الأمر وبسط إليه يد المُبايعة، في حين أنه بناءً على ادِّعاء الأحاديث [كحديث البخاري وكلام ابن كثير] كانت أكثرية الناس القاطعة تُرجِّح عثمان، وعلى هذا كان من الواجب على عبد الرحمن طبقاً لتعهُّده أن يُبايع عثمان مباشرة ودون تردد ويُعرِّفه للناس خليفةً لا أن يمدّ يده بالبيعة أولاً لعليٍّ (ع)! (فتأمّل دون العصبيّة).
فمن الواضح أن نتيجة تحقيق عبد الرحمن بن عوف وتفحّصه للأمر بين وجوه الناس وأعيان أهل المدينة أفادت أن أياً من المُرشَّحَين الأصليَّين، أي عليّ وعثمان، لم يحظَ بأكثرية ساحقة، بل كان بعض الناس يُشير بعليّ وبعضهم الآخر يُشير بعثمان. بل ربما كانت الآراء التي تُشير إلى عَلِيّ أكثر قليلاً من التي أشارت إلى عثمان ولهذا السبب بدأ عبد الرحمن ببسط يده بمُبايعة عليّ ابتداءً أو أن رأيه الشخصي كان تقديم عليّ (ع).
نعم، في صبيحة اليوم الرابع أرسل عبد الرحمن بن عوف «المِسْوَر بن مخرمة» الذي عُقِدت مشاورات انتخاب الخليفة في منزله، ليطلب من عليٍّ (ع) وعثمان الحضور إليه، وذهبوا جميعاً لأداء صلاة الفجر في مسجد النبيّ. وكان كبار صحابة رسول الله ص -من المهاجرين والأنصار- ورؤساء القبائل وأُمراء الجند وسائر طبقات الناس قد اجتمعوا في المسجد ينتظرون ما آل إليه أمر الخلافة في دار الشورى. امتلأ المسجد بالناس حتى أن أعضاء مجلس الشورى لم يجدوا مكاناً يجلسون فيه إلا بصعوبة.
بعد انتهاء الصلاة وقف عبد الرحمن بن عوف على منبر النبيّ ص وعليه عمامته التي عمَّمه بها رسول الله ص، وقال: أيها الناس إني قد سألتكم سراً وجهراً عن إمامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إما عليّ وإما عثمان. فقم إليَّ يا عليّ فقام إليه عليّ فوقف تحت المِنبر فأخذ عبد الرحمن بيده فقال: هل أنت مُبايعي على كتاب الله وسنة نبيّه ص وفِعْلِ أبي بكر وعمر؟ فقال علِيٌّ: «اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي». فأرسل يده ثم نادى: قم إليَّ يا عثمان فأخذ بيده وهو في موقف عليٍّ الذي كان فيه فقال: هل أنت مُبايعي على كتاب الله وسنة نبيّه ص وفِعْلِ أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم. فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان ثم قال: اللهم اسمع واشهد اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان[613]. فأقعد عثمان على الدرجة الثانية من المِنبر وجعل الناس يُبايعونه. وطبقاً لما روته كتب التاريخ كان علِيٌّ (ع) -كما تعهّد- أول من بايع عثمان خليفةً بعد عبد الرحمن بن عوف، عندئذ بايع عامة الناس عثمان بالخلافة بمن في ذلك أولئك الذين كانوا يميلون قبل ذلك إلى عليٍّ. ورضي الجميع ببيعة عثمان. ورجع طلحة الذي كان مسافراً إلى المدينة بعد أن انتهى أمر تعيين الخليفة فبايع عثمان أيضاً.
هنا ينبغي أن نتأمل في عدة مسائل أحدها: لماذا لم يُجب حضرة عليّ (ع) على سؤال عبد الرحمن بن عوف إجابةً صريحةً وقاطعة؟
استناداً إلى ذكاء عليّ ودرايته الكبيرة ودقة فهمه وبُعد نظره في الأمور المختلفة والتزامه الشديد بأمر الشرع حتى في أدق الأمور وأصغرها، وهذه المزايا كانت مشهورة عنه يعرفها الخاص والعام، لذا في قضية دار الشورى هذه كان عليّ (ع) الوحيد الذي لم يقبل اقتراح عبد الرحمن دون قيد أو شرط خلافاً للآخرين الذين قبلوا اقتراحه دون قيد أو شرط؛ فعليٌّ -استناداً إلى الدراية التي كان يتمتع بها- لم يقبل اقتراحه لأنه رأى أن عبد الرحمن لم يلتزم بما تعهّد به في بداية الأمر من أن لا يخصَّ ذا رحم ولا يألو المسلمين. لقد كان عليّ يعلم أكثر من أيّ شخص آخر أن الإسلام ليس سوى القرآن والسنة وأن إضافة شرط «اتِّباع سيرة الشيخين والعمل بفعل أبي بكر وعمر» أمر زائد. هل كان أحد ينتظر من أبي بكر أن يعمل في زمن خلافته بشيء سوى القرآن والسنة حتى يحق لعبد الرحمن بن عوف أن يشترط مثل ذلك الشرط على الخليفة الثالث؟
والأمر الثاني: أنه مما يُؤسف له أن بعض الناس تحججوا بهذا العمل الذي فعله عبد الرحمن وكبَّروا الموضوع وقالوا: لو كان عمل الخليفتين الأول والثاني صحيحاً لرضي عليٌّ بشرط عبد الرحمن! مع أن المسألة ليست كذلك، بل من الواضح أن الأمر في غايته كان إعراباً من عليٍّ (ع) عن عدم رغبته في أن لم يُرد أن يكون مُقلِّداً لهما. هذا فحسب (فتأمَّل).
لقد كان مقام عليّ (ع) أرفع من ذلك والواقع أنه لا يجوز لأيّ مجتهد أن يكون مُقلِّداً لغيره بل عليه أن يعمل بالكتاب والسنة طبقاً لعلمه وتحقيقه فما بالك بالتلميذ الأول لمدرسة الإسلام حضرة عليّ الذي كان الخليفتان الأول والثاني ذاتهما يرجعان إليه لحلِّ غوامض الأمور ومعضلات المسائل[614].
من المعروف أنه في زمن «مالك بن أنس» فقيه المدينة المشهور وإمام المذهب المالكي، قام الخليفة العباسي [هارون] بإحضار «مالكٍ» واقترح عليه أن يقوم بجمع كتب وفتاوى سائر الفقهاء، ولا يُبقي إلا القرآن وكتاب «المُوطأ» لمالك فقط، كي يعمل الناس جميعاً بآرائه الفقهية، فرفض الإمام مالك هذا الاقتراح وقال: أنا لا أرضى بمثل هذا العمل أبداً ولا أتحمّل مثل هذه المسؤولية، ولا ينبغي للناس أن يُقلِّدونني بل إذا وجدوا أن استنباطي من الكتاب والسنة والأدلة التي استندتُ إليها صحيحةً فيُمكنهم أن يقبلوا رأيي. هل يُمكن لأحد أن يقول: إن مالكاً لم يكن يقبل بآراء نفسه وفتاواه؟!! لو قيل اليوم لآية الله منتظري أو گلپايگاني: هل أنت مستعد لحكم إيران طبقاً للكتاب والسنة وسيرة آية الله الخميني والمطهري؟ فقالا: بل نعمل بالكتاب والسنة وما يؤدي إليه عِلْمُنَا، فهل يعني ذلك أنهما يُخالفان السيد الخميني والمطهري ويعتبران أقوالهما ضلالاً وأعمالهما باطلةً؟!!
بناءً على ذلك فإذا قال عليّ: أعمل بالقرآن والسنة ولم يقبل شرطاً إضافياً فإنه قال قولاً صحيحاً مَبْنيَّاً على الموازين الشرعية والعقلية، لكن كلامه هذا ليس دليلاً على أنه كان معارضاً للخليفتين من قبله ومُخَطِّئاً لهما، وإلا لَمَا أثنى عليهما أحسن الثناء، ولو كان غير قادر على إعلان خطئهما فكان يستطيع على الأقل أن يسكت، في حين أنه -خلافاً لميل المُفَرِّقين بين المسلمين- كان يذكرهما بالخير في موارد متعددة. لو كان عليّ (ع) يرفض اعتبار معظم أعمال الشيخين عادلةً وجيدة فلماذا أقسم قائلاً: "ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم وَإن المُصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمهما الله وَجزاهما بأحسن الجزاء"[615].
كما لم يكن مضطراً أن يقول: "فتولّى أبو بكر تلك الأمور فيسَّر وشدّد وقارب واقتصد"، أو يقول: "فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً". أو يقول: "فلما احتضر بعث إلى عمر فولَّاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا"[616].
هل تحتملون أن يقول مسلمٌ عاديٌّ بشأن غاصبي مقام الإمامة الإلهية مثل ذلك الكلام، فما بالك أن يقوله عليٌّ (ع)؟! هل يُدافع الفرد مغصوب الحق عن غاصبي مقامه الإلهي إلى درجة قوله: "واللهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً". (نهج البلاغة، الخطبة 240). هل يُرسل مغصوب الحق ابنَيْهِ العزيزين حضرات الحسنين لحراسة الغاصب والدفاع عنه كي لا يُصيبه أذى؟!! ألم يكن مغصوب الحق قادراً على أقل تقدير أن يسكت عن قول شيء بشأن الغاصب وأن يعتزل أمره ولا يُبدي اهتماماً به؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
وبالنسبة إلى عثمان يجب أن نعلم أنه لم يكن يعتبر أعمال الخليفتين قبله مخالفةً للكتاب والسنة ولم يكن قبوله للشرط الزائد الذي لا دليل عليه الذي اقترحه عبد الرحمن أمراً عجيباً، رغم أن دقة نظر حضرة عليٍّ امتيازٌ كبيرٌ خاصٌّ به ولا يُنكره أحد. لكن الأهم من كل شيء هو مُبايعة حضرة عليٍّ له الأمر الذي لا يترك حُجّةً لأحد[617]. (فلا تتجاهل). ولكن مع الأسف الشديد فإن علماءنا وكُتَّابنا يروون قضية خلافة عثمان في كتبهم أو من على منابرهم بالصورة التالية فقط:
أمر عُمَر في مرض موته صهيبَ الروميَّ أن يختار ستة أفراد من أصحاب النبيّ وأن يجمعهم في منزلٍ ليتشاوروا ويختاروا من بينهم خليفةً ويقوم على رؤوسهم، وأمر عُمَرُ صُهَيْبَاً قائلاً: إن اجتمع خمسةٌ ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتَّفق أربعةٌ فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثةٌ رجلاً منهم وثلاثةٌ رجلاً منهم فحكِّموا عبد الله بن عمر، فأيّ الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منه فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا [الثلاثة] الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس!!![618] ثم قال ذلك الكاتب: من الواضح تماماً إن الطريقة التي أمر عُمَرُ باتباعها في الشورى والترتيب الذي اتَّخذه لتعيين خليفته لم يكن ليُتيح لعليٍّ أن يصل إلى الخلافة، لأن عبد الرحمن بن عوف سيميل إلى عثمان قطعاً لقرابته منه!
وأقول: إن أغلبَ علمائنا يتجاهلون تماماً عيوب الرواية المذكورة!! في حين أننا لو تأملنا في متن هذه الرواية لاتَّضح لنا خطؤها وأنها رواية موضوعة لأنها تقول: أنه إذا اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فعلى صهيب أن يضرب عنقه ويفصل رأسه عن جسده!! في حين أنه من الواضح أنه إذا اجتمع خمسة ورضوا رجلاً خليفةً فإن الشخص الذي رضوه سيكون هو الخليفة ولن يبقى هناك مخالف يأبى ذلك ليقطع صهيبٌ عُنُقَهُ!!
وكذلك بالنسبة إلى ادِّعاء تلك الرواية أن عمر قال: إن اتَّفق أربعةٌ فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، لأنه عندما يجتمع أربعةٌ ويختارون شخصاً فإن من يُخالف ذلك لن يكون الشخصان الباقيان بل واحداً منهما فقط لأن الآخر سيكون هو الذي تمَّ اختياره للخلافة! والأمر ذاته ينطبق على مقولة: إن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فافعل كيت وكيت. وذلك لأنه عندما يختار ثلاثة أشخاص رجلاً فإن المُعترضين على ذلك لن يكونوا ثلاثة بل اثنين فقط إذ الثلاثة هم الذين قاموا بالاختيار والرابع هو الذي تمّ اختياره فلم يبقَ إلا شخصين مخالفين وَمِنْ ثَمَّ فبما أن الأكثرية مع ذلك الاختيار والمُعترضين أقلية فلا مشكلة في الأمر ورأي الأقلية لن يكون نافذاً ولن تكون هناك حاجة إلى الأمر بقتلهما! إن صدور مثل هذا الأمر غير محتمل من شخص قليل العقل فما بالك بأن يصدر عن عمر الذي كان -بمساعدة مشاوريه ومنهم حضرة عليّ (ع)- يُدير إحدى أكبر إمبراطوريات عصره وكان الجميع مطيعين له.
أضف إلى ذلك أنه جاء في ذلك الأمر المنسوب لعمر أن كل من خالف من أعضاء الشورى الستة أولئك وجب ضرب عنقه!! فهل كان شخص مثل عليّ (ع) أو الزبير أو سعد فاتح القادسية الذي كان لكل منهم أنصار ومؤيدون سيبقى جالساً مكتوف الأيدي حتى يُنفِّذ مأمور عمر أمره بضرب عنقه؟! هل كان مأمور عمر يستطيع أن يواجه عدة أشخاص ويقتلهم؟! ولنفرض أن الأمر كذلك فهل كان قتل أصحاب النبيّ الكبار في المدينة سيمرُّ بهذه البساطة، وهل كان أحد سيقبل بتنفيذ مثل ذلك الأمر؟ وهل كان قتلهم سيحلُّ مشكلة الخلافة أم على العكس سيُحدث فتنةً كبيرةً لا تُعلَم عاقبتُها؟ إن مثل تلك الفتنة التي ستنشب عندئذ لن تكون في صالح أيّ أحد وبالطبع فليس من المعقول أن يُصدر عمر مثل هذا الأمر!
والنقطة الأخرى أننا لو افترضنا جدلاً أن عمر أراد مثل ذلك المجلس التشاوري وأمر بإقامته بمثل ذلك الأمر المخالف للشرع، فهل كان عليّ (ع) سيُشارك في مثل مجلس الشورى ذاك؟! أضف إلى ذلك أنه لو كان عليّ (ع) يعتبر نفسه منصوباً مِنْ قِبَلِ الله فهل كان سيُشارك في ذلك المجلس التشاوري ويقبل بالتعهّدات التي أُخذت فيه ويُبايع من اختاره أصحاب ذلك المجلس ويمنح خلافته الغاصبة المشروعيَّةَ؟! لو كان الأمر واضحاً منذ البداية بأن أعضاء الشورى رتّبوا الأمر على نحو لن يُنتخب فيه عليٌّ فلماذا لم يرفض عليٌّ المشاركة في ذلك المجلس المرتب على ذلك النحو منذ بداية الأمر؟! هل كان يريد أن لا يفوته مشاركة الآخرين في تجاهلهم وإعراضهم عن الإمام المنصوص عليه من الله؟!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
والنقطة الأخرى أن راوي رواية قتل المخالفين تلك شخصٌ يُدعى «أبو مخنف» وهو ليس موثوقاً في نظر علماء الرجال[619].
وكذلك بالنسبة إلى الروايات التي تقول: إن على ثلاثة أشخاص أن يتنازلوا عن حقهم إلى ثلاثة آخرين فهي روايات متعارضة مختلفة فبعض المؤرخين ومنهم «ابن الأثير» يقول: بعد انتهاء مهلة الأيام الثلاثة التي حدّدها عمر، طلب عبد الرحمن بن عوف في صبيحة اليوم الرابع من أهل الشورى أن يتنازل بعضهم عن حقه لآخر فتنازل الزبير عن حقه لصالح ابن عمته عليّ وتنازل سعدٌ عن حقه إلى عثمان [في حين أن ابن خلدون قال في تاريخه: إن سعداً تنازل عن حقه إلى عليّ. وقد روى الطبري بالطبع أن حضرة عليّ ذهب إلى سعد وأقسم عليه أن لا يتحد ضده مع عبد الرحمن بن عوف لصالح عثمان] ولا يوجد هنا ذكر لطلحة. لكن بعضهم مثل «ابن كثير الدمشقي» يقولون: منذ اليوم الأول أراد عبد الرحمن من المُرشَّحين أن يتنازل بعضهم للآخر، فتنازل الزبير لعليٍّ وطلحةُ لعثمانَ وسعدٌ لعبد الرحمن، في حين أن التواريخ تقول: إن طلحة كان مسافراً وغائباً. كما أنه جاء في تلك الروايات أن عمر أمر «المقداد بن الأسود» أن يقتل المخالفين إذا لم يتَّفقوا بعد مُضيِّ مهلة الأيام الثلاثة، في حين أن الكل يعلم أن المقداد كان من مُحبّي حضرة عليٍّ (ع) وأنصاره الصادقين إلى درجة أنهم اعتبروه من شيعة عليّ (؟!) ففي هذه الحالة كيف يُمكن لِعُمَرَ أن يختاره لمثل هذه المهمة؟!! (فلا تتجاهل).
تاسعاً: النقطة الأخرى التي تُستغلُّ غالباً لتضليل العوام هي أنهم يقولون: لو لم يُعيّن رسول الله ص شخصاً خليفةً بعده مباشرةً وكانت مهمة انتخاب الخليفة تقع على عاتق شورى المسلمين فلماذا لم يجعل عمر أيّ شخص من الأنصار ضمن مجلس التشاور الذي عيَّنه؟! أو لماذا قام أبو بكر بتعيين عُمَر ونصبه خليفةً له من بعده؟!
أُقرُّ أن العوام لو خُدعوا بمثل هذا الإشكال لَمَا استطاع أحد أن يلومهم! لأن أغلب الناس، حسبما رأيت حتى اليوم، لا يعرفون أن مُعظم صحابة النبيّ ص في صدر الإسلام كانوا مُتَّفقين على أن زعيم المسلمين ينبغي أن يُختَارَ من المُهاجرين الذين كان أغلبهم من قريش، وأن هذا أقرب إلى ما كان رسول الله ص يميل إليه ويُعجبه. ذلك أن قريش بسبب ما كانت تمتهنه في ذلك العهد من التجارة [وخدمة بيت الله الحرام]، كانت أكثر معرفةً بأمور البلاد وبأحوال الناس وأكثر قدرةً على التعامل مع طبقات الناس المختلفة من الأنصار الذين كان أغلبهم يعمل بالزراعة ومعرفته بسائر مناطق الجزيرة العربية أقل من قريش.
ولم يكن هناك -ولِـلَّهِ الحمد والمنَّة- اختلاف في هذا الأمر بين أبي بكر الذي قال: «الأئمة من قريش» وحضرة عَلِيٍّ (ع) (نهج البلاغة، الخطبة 60 - 67)، بل كان اختلاف عَلِيٍّ مع الخلفاء يدور حول الأليق بمنصب الخلافة من بين المُهاجرين. (فَتَأَمَّل جداً). ولكنهم كانوا مُتَّفقين جميعاً على أن الخليفة ينبغي أن يكون قُرشياً يرضى به جميع المسلمين![620]
ولكن المسألة المهمة جداً هنا هي مسألة البيعة التي تُعتبر الطريق الأوحد لاكتساب الخليفة المشروعية، ولا فرق في أمر البيعة بين المهاجرين والأنصار. أي أنه حتى المُهاجر القُرشيّ لا تُصبح إمارته شرعيّةً ما لم يرضَ به الأنصار ويُبايعونه طوعاً، كما صرَّح حضرة عَلِيٍّ (ع) بشأن تعيين الخليفة فقال: "إِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِـلَّهِ رِضًا " (نهج البلاغة، الرسالة 6، وجاءت هذه الرسالة أيضاً في كتاب «وقعة صفّين»). يقول أخونا الفاضل جناب السيد «مصطفى الطباطبائي» -حفظه الله تعالى-: "لو اكتفى عَلِيٌّ في رسالته تلك بقوله: "إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَلا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ" لكان هناك وجه لصحة فرضية من قال: إن قصد عَلِيٍّ من تلك الرسالة كان «الاحتجاج على الخصم» بما يؤمن به، ولكننا نلاحظ أن عَلِيّاً (ع) لم يكتفِ بهذه الجملة بل أعقبها بكلام ابتدأه بأداة الحصر «إنما» مُبيِّناً أن الشورى حق المُهاجرين والأنصار فقط وقال:"فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِـلَّهِ رِضًا ". وهذه الجملة لا علاقة لها بما يؤمن به الخصم كي نقول: إن عَلِيّاً أراد أن يُجادل خصمه بلسانه وبما يعتقد به، بل الجملة في مقام تقرير مبدأ شرعيٍّ بشأن انتخاب حاكم مجتمع المسلمين. (انتهى كلام الطباطبائي). وإلا فلم تكن هناك ضرورة أن يحتجَّ عَلِيٌّ (ع) على الخصم بمسألة «رضا الله» وينسب إلى الله تعالى نسبةً خاطئةً ومخالفةً للحقيقة!! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!
أجل لم يكن فارس ميدان الفصاحة مُضطّرّاً أن يحصر اختيار الخليفة بإجماع المُهاجرين والأنصار وأن يعتبر في الوقت ذاته أيضاً أن «رضا الله» يتحقَّق بذلك الإجماع!! بل كان بإمكانه أن يكتفي في الاحتجاج على الخصم بكتابة جملة: (إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ]. وقد واصل الإمام رسالته تلك قائلاً: "فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ[621] ووَلاهُ اللهُ مَا تَوَلَّى". ولم يكن الإمام مُضطّرّاً أن يستشهد في كلامه بالقرآن ويتأسَّى بقوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥﴾[النساء : ١١٥].
على ضوء ما ذُكِرَ أعلاه، لو رجعنا إلى مسألة «البيعة» لعلمنا أن مُجرّد اقتراح شخص أو عدة أشخاص لمنصب الخلافة مِنْ قِبَلِ أبي بكر وعمر لم يكن وحده سبباً لصيرورة هذا الشخص خليفةً شرعاً ما لم ينلْ رضا ومُبايعة المُهاجرين والأنصار له بالخلافة (فاتَّقِ الله ولا تتجاهل). بناءً على ذلك فإن الشخص القُرَشيّ -في زمن الصحابة- الذي كان يستطيع أن ينال رضا «الأنصار» ومُبايعتهم له بالخلافة، يُصبح خليفةً شرعاً، أما لو كان ذلك الشخص المُعيّن لا يحظى برضا الأنصار الذين كانوا يُشكّلون الأكثرية فإن تعيين أبي بكر وعمر له لن يُفيده في شيء.
وبالمناسبة فقد اختلق بعضهم قصةً بشأن أن النبيّ عيَّن حتماً شخصاً بعده لمنصب الخلافة، نذكرها هنا لإيقاظ إخوتنا المؤمنين. مضمون القصة يقول: إن رجلاً شيعياً نزل ضيفاً على جماعة من السنة وعاهدهم أن لا يتطرق إلى أيّ بحث مذهبي فقبلوا منه ذلك. وقام في مجلسهم بمدح أبي بكر وتمجيده ولكنه قال في ختام كلامه: لقد كان أبو بكر أكثر حرصاً على خير المسلمين من النبيّ!! تعجّب أهل المجلس من كلامه وانزعجوا منه وقالوا: كيف تقول ذلك؟ كيف يُمكن أن يكون أبو بكر أكثر حرصاً من رسول الله ص على مصلحة المسلمين وخيرهم؟! فقال الرجل الشيعي: لأن أبا بكر لم يترك أمة الإسلام دون أن يُعيّن لها حاكماً بل نصب عمر خليفةً على المسلمين من بعده، ولكن حسب عقيدتكم ترك رسول الله ص أمته بلا حاكم ولم يُعيِّن لهم خليفة؟! ثم غادر الضيف المجلس!
إن ضعف هذا الاحتجاج واضح لأن رسول الله ص لم يترك الأمة بلا راعٍ بل ترك بينهم القرآن الكريم وسنته أي شريعة الإسلام التي من ضمنها قانون «البيعة»، وكان يجب على المسلمين بعد رحيل خاتَم النبيين أن يستفيدوا من تعاليمه ويتشاوروا فيما بينهم في أمر الحكم (الشورى: 38) ويحلّوا مسائلهم من خلال الشورى. ولو قام النبيّ بتعيين أحد خليفة على المسلمين لأصبح ذلك أمراً شرعياً ولم يكن هناك مجال لاكتساب التجربة وارتقاء المسلمين (فَتَأَمَّل). ولكن مُجرّد رأي أبي بكر وعمر أو غيرهما لم يكن له في نظر المسلمين أي حُجّية شرعية فإذا وقع بينهم خلاف في مسألة من المسائل كانوا مُلزمين، لإثبات رأيهم، أن يستشهدوا بالقرآن والسنة ويستندوا إليهما، ولم يكن لهما سبيل سوى هذا. بناءً على ذلك لم يكن أحد يُصبح خليفة بمُجرّد قول أبي بكر وعمر ما لم يُبايعه المُهاجرون والأنصار عن رضا فإن لم ينل رضاهم وبيعتهم لم يُعدَّ خليفةً. وَمِنْ ثَمَّ فإن قول أبي بكر وعمر كان بالنسبة إلى المسلمين مُجرّد اقتراح لهم الحق في أن يقبلوه أو يرفضوه. (فلا تتجاهل).
ومن الطريف أن نعلم أن أهل السنة أيضاً اخترعوا قصةً حكاها لي أحد الإخوة البلوش. مضمون القصة: إن عالماً سُنياً ذهب إلى النجف ونزل في ليلةٍ ضيفاً عند أحد علمائها. ولما أراد العالم الشيعي المُضيف أن يذهب في صباح اليوم التالي إلى الحوزة العلمية طلب منه ضيفه أن يصطحبه معه في طريقه إلى المدرسة ليُسافر من هناك فيما بعد. قبل المُضيف ذلك وفي الطريق سأل العالم السني مُضيفَه قائلاً: كيف حال مدارسكم في النجف؟ فبدأ العالم الشيعي يُحدّثه عن النشاطات المختلفة لتلاميذه في المدارس الشرعية ومن جملة ذلك الكتب التي يؤلفونها والدعاة الذين يُرسَلُون إلى المناطق المختلفة ليدعوا الناس إلى الإسلام ويُعلّموهم أحكام الدين وأنهم يُشاركون في الأعمال ذات النفع العام كما أن لطلاب الشريعة دور بارز في النضال السياسي ومُحاربة انحرافات حكومة العراق وهكذا. فسأل الضيف السني قائلاً: هل يؤمن فُضلاء حوزتكم الذين يقومون بهذه الأعمال بالإسلام؟!! تعجّب العالم الشيعي من سؤاله وقال: ما هذا الكلام الذي تقوله؟! بالطبع هم مؤمنون ويقومون بهذه الأعمال الإيمانية ويتحمَّلون في سبيل الإسلام السجن والتعذيب! فقال العالم السنِّي: إن هذا يُبيّن أنكم أكثر نجاحاً في عملكم من خاتَم النبيين ص لأنكم استطعتم خلال مدة عشر أو اثني عشر أو خمسة عشر عاماً من عملكم الدعوي والتربوي في الحوزة أن تُرَبُّوا مئات الفُضلاء المؤمنين، أما الرسول الخاتَم فإنه لم يستطع خلال مدة ثلاثة وعشرين عاماً أن يُربّي سوى ثلاثة أو سبعة مؤمنين في حين ارتدّ أكثر من تربوا بشكل مباشر على أيديه وأزاحوا الإمام الذي عيّنه الله عليهم حاكماً، عن منصبه، وكسروا ضلع ابنه نبيّهم وأسقطوا جنينها (أي حفيد النبي) وأضلّوا أكثر عالَم الإسلام!!! بعد هذا الكلام ودَّع العالم السنيُّ مُضيفَه وَذَهَبَ!
67عاشراً: المسألة المهمة جداً والتي تُعدُّ من معضلات التشيع التي لا تُحَلّ والتي تصافق جميع علمائنا تقريباً على كتمانها ولا يتعرَّضون لها بعد فراغهم من بحث حديث الغدير ويتوقعون أن مسألة النصّ على سائر الأئمة وعصمتهم أصبحت مُسلَّمةً أيضاً ووضعوا حديث اللوح الفاضح لحلِّ هذه المشكلة بالذات، هي أنه حتى لو أغمضنا أعيننا وآذاننا وقبلنا ما يقوله علماؤنا بشأن حديث الغدير دون تأمل، فلا خلاف في أن حديث الغدير حتى لو دلّ على الإمامة الإلهية فإنه يُثبتها لعَلِيٍّ (ع) فقط فكيف تُثبتون النصّ الإلهي على سائر الأئمة؟! هل تستطيعون أن تُقدِّموا لنا نصّاً حول إمامتهم الإلهية له عُشر شُهرة حديث الغدير؟!!
على القارئ الطالب للحق أن يعلم أن أحد أكبر علماء الشيعة القدامى هو الشيخُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَان العكبري البغدادي (ت 413هـ)، ويُلقّب بالشيخ «المُفيد» ويعتبرونه شيخ الأمة وعلَم الشيعة. ألَّف الشيخ المفيد كتاباً معروفاً ومُعتمداً كثيراً لدى الشيعة عنوانه «الإرشاد في معرفة حُجج الله على العباد»، ويهدف الكتاب إلى إثبات الإمامة الإلهية للأئمة الاثني عشر. خُصِّصَ الجزء الأول منه للمسائل المُتعلّقة بحضرة عَلِيٍّ (ع)، والجزء الثاني خصَّصه مؤلّفه لسائر الأئمة. بعد أن ذكر المسائل التاريخية في الجزء الأول لم يتورَّع الشيخ المفيد عن الإتيان بالقصص التي تُعجب العامة رغم ضعف سندها ووضوح بُطلان متونها، كالقصة التي أتى بها في الفصل 74 من الباب الثالث حول اكتشاف نبع للماء كان مستوراً تحت صخرة كبيرة مما أدّى إلى إسلام راهب نصراني مُعتزل في دير!
جاء في هذه القصة أن ساكن الدير قال لحضرة عَلِيٍّ (ع): "إِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِنَا وَنَأْثِرُ عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّ فِي هَذَا الصُّقْعِ عَيْناً عَلَيْهَا صَخْرَةٌ لَا يَعْرِفُ مَكَانَهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَلِيٍّ لِـلَّهِ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ آيَتُهُ مَعْرِفَةُ مَكَانِ هَذِهِ الصَّخْرَةِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى قَلْعِهَا".
وأقول: ألم يُفكّر شيخ الأمة وعلَم الشيعة في نفسه أنه لو تمَّ التعريف بوصيّ النَّبِيّ الأَكْرَم ص في كتب النصارى على ذلك النحو فلابُدَّ ولا ريب في أن تكون تلك الكتب قد عَرَّفَتْ -كما بيّن القرآن - بالنبيّ ذاته أيضاً، وَمِنْ ثَمَّ فلو كانت تلك الفرقة من النصارى تؤمن بتلك الآيات لوجب أن تعتنق الإسلام أولاً وبعد ذلك تطَّلع على خبر نصب عَلِيٍّ (ع) في منصب الخلافة في الغدير وتعرف وصيّ النبيّ أو -حسب قول مُلفّق القصة- كان عليها أن تنتظر حتى يأتي إليها وصيّ النبيّ ويكشف لها عن نبع الماء، لا أن يبقى أهل تلك الفرقة نصارى وساكنين في الدير حتى سنة 36 هجرية!!
68والطريف أن أهل الدير رغم أنهم لم يكن عندهم علم بأن في أرضهم نبع للماء لم يبنوا صومعتهم إلا في جوار ذلك المكان الذي اكتُشف فيه ذلك النبع؟! والأعجب من ذلك أن مُلفّق القصة لم يكن له علم بسيرة أمير المؤمنين علي ÷ لأنه قال في القصة: "ثُمَّ جَاءَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ وَوَضَعَهَا حَيْثُ كَانَتْ فَأَمَرَ أَنْ يُعْفَى أَثَرُهَا بِالتُّرَابِ"!! مع أن الذين لهم علم بسيرة ذلك الإمام الجليل يعلمون جيداً أن حضرة عَلِيٍّ (ع) حفر في حياته المباركة كثيراً من الآبار ووقفها على المسلمين فإذا وجد نبع ماء في أرض الجزيرة العربية القاحلة ما كان سيُغطّيه أبداً بل كان سيتركه ظاهراً كي ينتفع الناس به، لكن مُلفّق القصة الجاهل بعَلِيٍّ (ع) لما أدرك أن أهل التفكير من سامعيه سيسألون: أين تقع تلك العين التي كشفها عَلِيٌّ في زمن معركة صفّين؟ اضطر -وهو يعلم أن تلك العين ليست سوى أسطورة من اختراعه ولا وجود لها في عالَم الواقع- إلى القول بأن الإمام أخفاها بعدما اكتشفها!!
ثم أتى جناب شيخ الأمة وعلَم الشيعة في الفصلين 76 وَ78 من الباب الثالث من الجزء الأول بأسطورة «ردّ الشمس» وَ«التكلم مع الثعبان»!![622]
69النقطة المهمة جداً التي نلفت إليها نظر القارئ المحترم بشدة هي أن الشيخ المُفيد لم يُقدّم لنا في الجزء الثاني من كتابه «الإرشاد» أيّ نصّ مُعتبر وموثوق يثبت الإمامة الإلـهية لسائر الأئمة، بل كل ما قدّمه لنا هو الادِّعاء وعدد من القصص وأحياناً بعض الأحاديث واضحة البُطلان أو الروايات التي لا تدل على المقصود!!! من هذا يُعلَم أنه لم يكن لديه نصوص مُعتبرة [في النصّ الإلهي على الأئمة]!! (فلا تتجاهل).
يُمكننا مثلاً أن نشاهد أحد أقواله المضحكة في الفصل المُخَصَّص لحضرة سيد الشهداء عليه آلاف التحية والثناء، حين يقول: "طاعته لجميع الخلق لازمة وإن لم يدعُ إلى نفسه للتقيّة التي كان عليها؟!!"[623]. وأقول: إذن فما ذنب الذين لم يعتبروا ذلك الإمام إماماً منصوباً من عند الله؟! أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟
أو أنه صرَّح في الفصل المُتعلّق بحضرة السجاد (ع) أن محمد بن الحنفية «أخ الإمام الحسين لأبيه» ليس إماماً لعدم وجود نصّ على إمامته، ولكنه اعتبر حضرة السجاد (ع) صاحب منصب إمامة المسلمين في عصره دون ذكر نصّ مُعتبر على ذلك ولم يستند في ذلك إلا إلى حديث اللوح الفاضح!!![624] أو مثلاً نجده في الباب الخاص بالإمام الحسن العسكري (ع) لا يأتي بأيِّ شيء سوى أحاديث الباب 132 من المجلد الأول من أصول الكافي الذي يشتمل على 13 حديث، والعجيب أنه ليس هناك من تلك الأحاديث الثلاثة عشر حديث واحد صحيح[625]. (فَتَأَمَّل جداً).
ما ذكرناه هو مُجرّد نماذج بالطبع، وليس لبقية أبواب الجزء الثاني من «الإرشاد» من ناحية إثبات الإمامة الإلهية، وضع أفضل[626]. وإني لأتعجّب من السيد «محمد رضا الحكيمي» الذي خصَّص نصف أحد كتبه للحديث عن الشيخ المُفيد، ولكنه لم يُشر أيّ إشارة إلى عيوب مُؤلَّفاته!! علينا أن ندعو الله أن لا ينخدع الناس بتلك المدائح والثناءات وأنواع التمجيد.
تذكير: في نظرنا إن أفضل كتاب حول موضوع خلافة حضرة عَلِيٍّ (ع) الكتاب الشريف «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد] تأليف أخينا الفاضل المُحقق المُجاهد جناب «حيدر علي قلمداران» (رحمه الله). والذين يقرؤون كتباً من قبيل «عبقات الأنوار» أو «الغدير» أو..... من الضروري أن لا يغفلوا عن قراءة هذا الكتاب. وبالنسبة إلى إمامة سائر الأئمة من المُفيد أيضاً ما ذكرناه في الإصدار الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (الصفحات 609 إلى 676 و807 إلى 893 على الأقل).
بعد أن ثبت أن حديث الغدير لا يدل على الخلافة المباشرة لعَلِيٍّ بعد النبيّ وأن عيد الغدير لا يستند إلى دليل وسند شرعي، نأتي الآن إلى الكلام على صلاةٍ رواها كذّابون وضُعفاء مثل «محمد بن سنان»[627] و«داود بن كثير الرقي»[628] وأتحفوا بها المسلمين ولفّقوا في نهايتها دعاءً تنضح منه رائحة النفاق والشقاق والتفرقة! فمثلاً لما كان أبو بكر مشهوراً بين المسلمين بلقب «الصديق»، اعتبر هذا الدعاء حضرة عَلِيٍّ (ع) «الصديق الأكبر»[629]، كما اعتبر عَلِيّاً: «الْحُجَّة عَلَى بَرِيَّتِهِ الْمُؤَيَّد بِهِ نَبِيُّهُ وَدِينُه». أي أن هذا الدعاء اعتبر عَلِيّاً حُجّة الله مع أن هذا مخالف لقول عَلِيٍّ نفسه الذي قال: «تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ص حُجَّتُهُ » (نهج البلاغة، الخطبة 91). والله تعالى إضافةً إلى تأييد نبيّه ودينه بعَلِيٍّ (ع)، أيّد دينه أيضاً بأفراد آخرين فتلك الصفة ليست خاصةً بعَلِيٍّ (ع) وحده. في هذا الدعاء اعتُبر عَلِيٌّ (ع): "خازِناً لِعِلْمِهِ [أي علم الله]، وَعَيْبَةَ[630] غَيْبِ اللهِ، وَمَوْضِعَ سِرِّ اللهِ...". وهذه الأقوال مخالفة للعقل والقرآن لأن علم الله عين ذاته ولا يحتاج علم الله إلى خازن وحافظ للخزانة (راجعوا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، صفحة 427 وصفحة 870)، وغيبُ الله وسرُّه خاصٌّ بذاته الأحدية ولا يحتاج إلى عَيْبَة وأمين! في هذا الدعاء اعتُبر عَلِيٌّ شاهداً على الخلق، وهذه الصفة -كما أوضحنا في الصفحات السابقة (ص 320 فما بعد)- لا إطلاق لها بل هي مُقيَّدة بشهادته على مُعاصري حضرته.
واعلم أن أعداء الإسلام والمسلمين -كما نشاهد ذلك في أحاديث موضوعة أخرى- أساؤوا القول بنحو الكناية بحق الشيخين أو الخلفاء الثلاثة الأوائل. وفي هذا الدعاء أيضاً إشارة إلى الجبت والطاغوت و..... في حين أنه بعد فتح مكة لم يبقَ ثمَّة أثر للجبت والطاغوت والأوثان كي يبرأ المسلمون منها!! هل يُفيد مثل هذا الدعاء ونظائره سوى بثّ سوء الظن والعناد والعداء بين المسلمين؟!
كتب الشيخ عبَّاس بعنوان العمل التاسع من أعمال يوم الغدير يقول: "أن يهنّئَ من لاقاهُ من إخوانه المؤمنين بقوله: اَلْحَمْدُ للهِ الّذى جَعَلَنا مِنَ الْمُتَمَسِّكينَ بِوِلايَةِ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَالأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ".
من البديهي أنه لا يوجد مسلمٌ مخالفٌ لهذه الجملة لأن جميع المسلمين يُحبّون عَلِيّاً (ع) ويعتبرونه أُسوةً لهم، ولكن إذا عرف القارئ المحترم الرواية التي أُخذت عنها تلك الجملة الصحيحة لتعجّب كثيراً قطعاً! جاء الحديث المذكور في كتاب «إقبال الأعمال» (ص 464) ويدَّعي أن الملائكة الكاتبين الذين يكتبون أعمال العباد يرفعون القلم في عيد الغدير لمدة ثلاثة أيام عن مُحبي أهل البيت وشيعتهم ولا يكتبون ذنوبهم [كي يرتكبوا ما شاؤوا من الأفعال!!] وأن ذلك اليوم هو يوم الصفح عن مُذنبي شيعة أمير المؤمنين علي ÷!!![631]
اعلم أنه لا يوجد في زماننا شخص عدوٌّ -نعوذ بالله- لعَلِيٍّ أو مُنكر لوجوب ولايته ومحبّته أو لا يرى أنه إمام وقدوة للمؤمنين. في حين أننا رأينا ضمن الأعمال والأدعية المنسوبة إلى عيد الغدير جملاً تتضمن لعن مُنكري ولاية عَلِيٍّ والبراءة منهم، بشكل مُتكرّر، مع أنه لا أحد يُنكر قضايا الغدير وكل المسلمين يعلمون أن رسول الله ص أوصى في غدير خم بموالاة حضرة الأمير (ع)، ولكن هؤلاء الكُتَّاب يريدون أن يُثبتوا بالقوة أو بالأحاديث الموضوعة خلافة عَلِيٍّ (ع) المباشرة للنبيّ!! هذا رغم أن عَلِيّاً (ع) نفسه وأنصاره -كما مرّ معنا في الصفحات السابقة- لم يكونوا يدّعون الخلافة المنصوص عليها من الله. (فلا تتجاهل).
يطلب الداعون في هذه الأدعية من الله تعالى مراراً أن يجعلهم من المُتمسكِّين بولاية عَلِيٍّ (ع) في حين أنهم بسبب البِدع والعقائد غير المُستندة أو الموضوعة التي ابتدعوها والتي تُخالف عقائد ذلك الإمام الجليل وأعماله جعلوا أنفسهم في زُمرة مُخالفي الإمام أو أعدائه! ولذلك نقول: إن مُجرّد الدعاء والادِّعاء لا يُصبح شيئاً بل على الإنسان أن يُثبت بعمله أنه مُحبّ فعلاً لأمير المؤمنين (ع) وليس عدواً له.
في فضل يوم المباهلة[632] يقول إن جبريل هبط في ذلك اليوم بآية التطهير[633] التي نزلت في علي وفاطمة والحسنين عليهم السلام. وقد تكلمنا بالتفصيل في التنقيح الثاني لكتابنا كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (ص 613 إلى 620) عن آية التطهير فلا نكرر الكلام هنا. ويقول أيضاً: "في هذا اليوم أيضاً تصدّق أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه على الفقير وهو راكع، فنزل فيه الآية إنّما وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ [المائدة: 55]."
أقول: حول موضوع تصدُّق أمير أو إعطائه الزكاة أثناء الركوع في الصلاة يُراجَع ما جاء في الكتاب الشريف: «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (ص 145 إلى 148). وما ذكرناه في كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، (ص 621 حتى 628).
ثم يقول في أعمال يوم 25 من ذي الحجَّة: "وهو اليوم الذي نزلت فيه ﴿هَلۡ أَتَى...﴾في شأن أهل البيت لأنّهم كانوا قد صامُوا ثلاثة أيّام وأعطوا فطورهم مِسكيناً ويتيماً وأسيراً وأفطروا على الماء"!!!
هنا أذكر ذِكرى كنت قد أوردتها أيضاً في مقدمة تفسير «تابشى از قرآن» [شعاع أو قبس من القرآن]:
"جاءني يوماً أحد الخطباء الدينيين وقال: هل تؤمن بأن سورة الإنسان (الدهر) في الجزء 29 من القرآن نزلت بشأن أمير المؤمنين عليّ ÷ وأهل بيته؟ قلت له: نعم، أؤمن بذلك، ولكن ما موقفك أنت؟ فأنا أعتقد أنك لا تؤمن بذلك، بل لا تعتبر الإمام عليّاً (ع) مُتَّبِعاً للعقل ولا للقرآن، وأنك تُقَلِّلُ من شأن القرآن!! فاستاء الرجل وقال: لماذا تتهمني؟! فقلتُ له: لا أتَّهمك بل أدَّعي أمراً لديَّ الدليلُ عليه، وسأثبت لك الآن على نَحْوٍ يجعلك أنت نفسك تُقرُّ بما أقول. هل تعتقد أن هذه السورة نزلت من أولها إلى آخرها بشأن عليٍّ (ع)؟ قال الرجل: نعم. قلتُ: حسناً، جاء في بداية السورة﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ﴾[الانسان: ٢]، وجاء في تفاسير الشيعة أن المقصود من الإنسان هنا هو الإمام عليٌّ، أتؤمن بذلك؟ قال: أجل. قلتُ: حسنٌ جداً. ثم قال تعالى بعدها: ﴿مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ﴾[الانسان: ٢]، هل تؤمن - كما جاء في الآية - بأن الإمام عليّاً خُلِقَ من نُطفةِ حضرة أبي طالب وفاطمة بنت أسد، فتأمَّل الرجل قليلاً وسكت ولم يُجِبْ، ثم قال: كلا إن علياً خُلِق من نور، وكان موجوداً قبل أبيه بمئات آلاف السنين. قلتُ: إذن تَبيَّنَ أنك لا تؤمن بأن هذه الآية وهذه السورة نزلت بشأن عليٍّ عليه السلام، فلماذا أقررت بنزولها بشأن عليٍّ في بداية الأمر؟ ولماذا كتبتم في تفاسيركم[634] بأن هذه السورة نزلت بشأن عليٍّ عليه السلام؟؟ أضِف إلى ذلك أنه جاء في [بعض] تفاسير الشيعة أنَّ الحسن والحسين مرضا فنذر عليٌّ وفاطمة [وفضَّة جارية لهما] إنْ برئا مّما بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، فلمَّا شفيا، فقام عليٌ - استعداداً للصوم - بشراء ثلاثة أصواع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزته خمسة أرغفة، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا أول يوم من أيام الصوم، فوقف عليهم سائل وقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكينٌ من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه بأقراص الخبز الخمسة!!! وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء - بما في ذلك أَمَتُهُم فِضَّة - وأصبحوا صياماً!! فلما أمسوا في اليوم الثاني ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم، فآثروه بأقراص الخبز الخمسة، وباتوا مرَّةً أُخرى لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً، ووقف عليهم أسيرٌ في الثّالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك. فلما أصبحوا أخذ عليٌّ بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله ص، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: كذا وكذا... فنزل عندئذٍ قوله تعالى: ﴿وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا ٨﴾[الانسان: ٨]؟!
هل تقبل بهذه القصَّة؟ قال: بلى. قلتُ: حسناً، إن كانت هذه القصة صحيحةً، فإن علياً وأهل بيته عليهم السلام لم يتَّبعوا الحكمة والعقل ولا اتَّبعوا القرآن، بل خالفوا أمر الله بعملهم هذا. قال: كيف؟ قلتُ: أولاً: ألم يكُ يكف ذلك السائل أو اليتيم نصف رغيفٍ من الخُبْز؟ هل كان ذلك السائل أو اليتيم يريد فتح دُكَّانٍ لبيع الخُبز؟ ثم أليس الأقربون أولى بالمعروف؟ ألم يكن بمقدور الإمام عليّ أن يعطي السائل نصف رغيف من الخبز ويطعم نفسه وزوجه وأولاده بقية الأرغفة حِفْظاً لصحتهم وسدَّاً لجوعهم. ألم يخالف بإعطائه كل الأرغفة للمسكين وترك أولاده جوعى قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا ٢٩﴾[الاسراء: ٢٩]وآية ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا ٦٧﴾[الفرقان: ٦٧]؟؟[635] ألم يخالف بذلك أيضاً حكم العقل الذي جعله الله حجَّةً على الإنسان؟! ألم يكن النبي ص والإمام (ع) تابعين للقرآن؟ كيف لا وقد أمر الله تعالى رسوله باتِّباع القرآن فقال: ﴿ٱتَّبِعۡ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ﴾[الانعام: ١٠٦]؟ ألم يكن أهل بيته مأمورون بالعمل بأمر الله تعالى هذا؟ وإذا كان الله تعالى قد أمر نبيه باتِّباع العقل، فكيف لا يتِّبع عليٌّ وأهلُ بيته العقل والقرآن؟ كيف يترك أولاده المساكين ضعافاً وجوعى؟ وهل الإمام الذي لا يعرف واجباته العقلية ولا أوامر القرآن إمامٌ؟ ثم ما ذنب الجارية [فضَّة] حتى يُعطى خُبزُها للآخرين؟!![636]
فما جاء في التفاسير مخالفٌ للقرآن ومخالفٌ للعقل، ومُضْعِفٌ للقرآن، ويُظْهِرُ أهل بيت رسول الله ص وكأنَّهم جاهلين بالقرآن.
و اللهُ لا ينزِّل أي آياتٍ في الثناء على شخص جاهل بالقرآن لا يتَّبع العقل، ولا يوحي سورةً في مدحه. إننا نؤمن أن القرآن مجموعة من الحقائق وأنه مُطابق للفطرة وأن حضرة عليٍّ وحضرة الزهراء - عليهما السلام - كانا عاقلين وعالمين بالشريعة، وأن ما ذكره الرواة الخرافيون تهمةٌ لهم.
إذا تأمَّلْنا الآية الشريفة وتدبرناها بعيداً عن التعصُّب للاحظنا أن المِسْكِين وَاليَتِيم وَالأَسِير عُطف بعضهم على بعض بواو العطف التي تدل على الجمع بين المعطوفات، فأكثر ما يمكن قوله: إن الثلاثة: المسكين واليتيم والأسير، جاؤوا إلى باب بيت عليٍّ (ع) مع بعضهم في ليلة واحدة، فأعطاهم الأرغفة في تلك الليلة فقط، وطبخ خبزاً آخر للسحور من صاعي الشعير الباقيين[637]. (فتأمَّل) إن كلمات مسكين ويتيم وأسير لم تُعطف على بعضها بحرف "ثُمَّ" فلا ضرورة لتفسير الآية الكريمة بأن السائلين جاؤوا في ثلاثة أيام متوالية، وعندئذٍ فلا يبقى ثمَّة مبرِّرٌ أن يقوم خمسة أشخاص صائمين جائعين بإعطاء ثلاثة جائعين خمسة أرغفة من الخبز، بل الأكثر تناسباً مع تعاليم الشرع أن يتم إعطاؤهم ثلاثة أرغفة على أكثر تقدير، (ولا دليل على استحباب التصدق برغيف الأمة الفقيرة فضة أيضاً!![638]) ويتم إبقاء رغيفين ليُطْعَمَ منها طفلين تعافيا للتوّ من مرضهما ولا يُبقَيَا جائعين!
فما جاء في الروايات مخالفٌ للقرآن ومخالفٌ للعقل والمنطق، كما أنه يُظْهِرُ أمير المؤمنين علي (ع) وأهل بيته جاهلين بالشريعة!!. فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا؟
***
[589] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبة)، ص 342. (الـمُتَرْجِمُ) [590] لقد عرَّفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 151 فما بعد. [591] ذكر أستاذ الشيخ عبَّاس القُمِّي -أي الميرزا حسين النوري الطبرسي- في كتابه «مستدرك الوسائل» (ج 1، ص 593) رواية تقول: إن يوم 29 ذي القعدة هو يوم هبوط الكعبة! [592] أو ص 344 من النسخة المُعَرَّبة من المفاتيح. (الـمُتَرْجِمُ) [593] ونص الحديث في الوسائل: "مَنْ صَامَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الْعَشْرِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ- كَتَبَ اللهُ لَهُ صَوْمَ ثَمَانِينَ شَهْراً، فَإِنْ صَامَ التِّسْعَ كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ صَوْمَ الدَّهْر ". (الـمُتَرْجِمُ) [594] الصفحة 342 من النسخة المُعَرَّبة من «المفاتيح». (الـمُتَرْجِمُ) [595] الصفحة 376 من النسخة المُعَرَّبة من «المفاتيح». (الـمُتَرْجِمُ) [596] لما كان حبل الكذب قصير فإنه ذكر في الدعاء المنقول عن الشيخ المفيد أن هذا اليوم هو يوم «الجمع المسؤول»! [597] وسائل الشيعة، ج 5، ص 224. [598] مفاتيح الجنان، النسخة المُعَرَّبة، ص 378. (الـمُتَرْجِمُ) [599] عرّفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 86 فما بعد. [600] وسائل الشيعة، ج 7، ص 323، الحديث 1. [601] دعا عليٌّ (ع) الناسَ في اليمن إلى الإسلام وقضى بين المسلمين وأشرف على جباية الزكاة. [602] لا شك أن هدف النبي ص من كلامه بحق عليٍّ في ذلك الموقف لا يقتصر على ما ذكره المؤلف بل من الواضح أنه يدل على رغبة النبيِّ ص ببيان استقامة عليٍّ (ع) ونزاهته ومكانته العظيمة في الإسلام وشدة قربه من النبي ووجوب نصرته وحرمة قتاله، ولا يخفى أن الله تعالى ألهم رسوله قول ذلك في ذلك المقام واللحظات الأخيرة من عمره الشريف لعلمه تعالى بانقسام المسلمين في المستقبل ومحاربة فريق منهم - أي الناكثين والقاسطين والمارقين- لعليٍّ عليه السلام. (الـمُتَرْجِمُ) [603] الجملة الأولى "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاهُ" أخرجها الترمذي وابن ماجه في سننهما وأحمد في مواضع من مسنده، والحاكم في المستدرك، والطبراني في مواضع من معجمه، وَحَكَمَ غير واحدٍ من أساطين المحدِّثين بتواترها، منهم: الإمام السيوطي في كتابه: "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة"، والإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير"، والعلامة الزرقاني شارح المواهب اللدنّيّة بالمنح المحمّديّة للقسطلاني، والفقيه المحدث محمد بن جعفر الحسني الإدريسي الشهير بالكتاني في كتابه: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر". أما الحديث بتمامه فقد الإمام أحمد في مسنده، ج 1، ص118 و119، وبأرقام 950 و951 في الطبعة التي حققها أحمد محمد شاكر، وقال: إسناده صحيح. وأخرجه الحاكم في المستدرك، عن «زيد بن أرقم» مرفوعاً، ج3، ص109، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجَاه بطوله. وأخرجه من طريق آخر عن «زيد بن أرقم» في ج 3، ص533، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه. وأورده الذهبي في تلخيصه مُقِرَّاً بصحته. ورواه النسائي في «السنن الكبرى»، ج 5، ص 136 وص 155، وفي «خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب»، ص21 طبعة التقدم بمصر، وص93 ط الحيدري، وص35 ط بيروت. وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن حبشي بن جنادة (ج4، ص16، رقم 3514) وقال الهيثمي في المجمع (ج9، ص106): رجاله وُثِّقُوا. وأخرجه البزَّار في مسنده (ج3، ص34، رقم 786) وقال الهيثمي (ج9، ص105): رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. (الـمُتَرْجِمُ) [604] من الضروري أن نذكِّر بنقطة هامة توعيةً للقراء المحترمين وهي أن عليهم أن يُلقوا نظرةً إلى خريطة الجزيرة العربية كي يلاحظوا أن غدير خم يبعد عن مكة حوالي 200 كيلومتر شمالاً أو أكثر. إن الانتباه إلى هذه النقطة يلفت انتباهنا إلى كذب ما يدَّعيه مشايخنا من أن النبيّ أدلى بحديث الغدير في مكان كان أهل كل منطقة يتفرقون فيه عن القافلة ليتجهوا نحو أوطانهم!! إذْ من الواضح أنه لم يكن من الضروري لأهل القبيلة الفلانية القاطنين في شرق مكة مثلاً أن يقطعوا مئتي كيلومتر شمالاً كي يفترقوا عن القافلة ويتجهوا نحو الشرق!! فمثلاً إذا أراد أهل اليمن -التي تقع جنوب مكة- العودة إلى بلادهم أو أراد أهل الطائف أيضاً أن يرجعوا إلى موطنهم أو أراد بعض أهل العراق العودة إلى ديارهم لفعلوا ذلك من ميقاتهم الذي يقع على بعد حوالي 95 إلى 110 كيلومترات شمال شرق مكة لا أن يقطعوا مسافة 200 كيلومتر شمال مكة ثم يختاروا طريقهم للذهاب إلى بلدانهم!! (فَتَأَمَّل). بناءً على ما تقدم فإن الذين بقوا ضمن قافلة النبيّ بعد قطع مئتي كيلومتر بعيداً عن مكة كانوا من الذين يقصدون العودة إلى المدينة وأطرافها أو العودة إلى المناطق الواقعة في طريقهم نحو المدينة فحسب. [605] من الضروري في هذا الموضوع مراجعة التنقيح والإصدار الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 657. [606] اعلم أن أنصار عَلِيٍّ (ع) كانوا أكثر ممن ذكرناه في المتن، والذين ذكرناهم هم نماذج منهم فقط، وبما أننا ذكرنا اسم «الزبير» فينبغي أن ننتبه إلى أن علماءنا يُضلّلون الناس بشأن «الزبير بن العوام»، ومن الضروري أن نتعرّف قليلاً على أحواله. كان «الزبير» ابن عمة عَلِيٍّ (ع) ومن مجاهدي الإسلام الكبار ومن العشرة المُبشَّرين. أسلم وعمره ستة عشر عاماً، وشهد غزوات الرسول جميعها وهاجر إلى الحبشة والمدينة وبذل تضحيات في فتح مصر. كان «الزبير» من أنصار عَلِيٍّ (ع) الصادقين وقد صرّح عليٌّ قائلاً: "مَا زَالَ الزُّبَيْرُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، حَتَّى نَشَأَ ابْنُهُ المشؤوم عَبْدُ اللهِ فَأَفْسَدَهُ". (نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 453). إن الناس لدينا لم يسمعوا عن الزبير إلا أنه خرج في حرب عليٍّ (ع)، في حين أن ذلك ليس هو القصة بتمامها، ورغم أن الزبير كان سنة 36 للهجرة في صفِّ المحاربين لعليًّ (ع) إلا أنه قبل وقوع القتال بين الفريقين ندم وتنحَّى عن الجيش جانباً، فلما رأى الثوار الهائجون أن خروج شخصية بارزة مشهورة كالزبير سبب لضعفهم في مواجهة جيش عليٍّ (ع) قام شخص انتهازيٌّ يُدعى «عمرو بن جرموز» باغتيال «الزبير» على حين غرّة. بناءً على ذلك فإن «الزبير» اغتيل خارج المعركة. ولكن مما يُؤسف له أن علماءنا وكُتَّابنا لا يُشيرون إلى نُصرة الزبير لعليٍّ (ع) مُدّةً طويلةً من عمره ولا إلى ندمه وعدم مشاركته في الحرب ضدّ عليٍّ (ع)، ويبالغون في تضخيم حضوره في جيش مخالفي عليٍّ (ع) سنة 36 للهجرة!! وعلى كل حال كلامنا هنا هو أننا نلفت نظر القراء الكرام إلى أن مثل تلك الشخصية الكبيرة لو فهمت من حديث غدير خم في السنة العاشرة للهجرة النصَّ على خلافة عليّ (ع) لَمَا كتم ذلك قطعاً ولَمَا تجاهله. (فَتَأَمَّل) [607] إذا أخذنا اهتمام عليٍّ الشديد بصيانة الإسلام بعين الاعتبار وأخذنا بعين الاعتبار أيضاً الفتن المتلاحقة للمرتدين ومُدَّعي النبوة التي بدأت بعد رحيل النبيّ ص، فإنه من المستبعد أن يتأخر ذلك الإمام الجليل الذي كان من أعظم مجاهدي الإسلام وفدائييه مدة 3 أشهر أو 6 أشهر عن بيعة أبي بكر وإكمال مشروعية خلافته. وهذا الادِّعاء لا يتوافق مع قول أمير المؤمنين الذي قال -في الرسالة 62 من نهج البلاغة-: ".... فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإسْلامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ ص فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإسْلامَ وأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلايَتِكُمُ". [608] يقول أخونا الفاضل جناب السيد مصطفى الطباطبائي طبقاً للنص الصريح لهذه الآية تمَّ دين الله بالقرآن وسنة النَّبِيّ الأَكْرَم صالقطعية ووصل إلى كماله ولم يبقَ فيه نقص أو شيء لم يُقَل بعد، حتى يأتي آخرون بعد النبيّ فيُكمِّلونه! ولهذا السبب ورد عن الأئمة الكرام أحاديث عديدة يقولون فيها: اعرضوا ما رُوي عنا على القرآنفما وافق القرآن فاقبلوه وما خالفه فارفضوه. أما في الموارد التي سكت عنها الدين فإن القرآن قد بيَّن لنا الطريق التي يجب على المسلمين أن يسلكوها وهي تشاور العلماء والمحققين المسلمين في الأمور واتِّخاذهم القرارات بشأنها لا اتِّباع الفتاوى الشخصية لهذا أو ذاك! (فَتَأَمَّل) [609] مجمع البيان للطبرسي، مُقدّمة تفسير سورة المائدة. [610] الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأصولها، الطبعة السابعة، ص 145. [611] أصل الشيعة وأصولها، ص 192 - 193. من الملفت للانتباه أن المرحوم كاشف الغطاء روى في كتابه هذا ذاته ستة أحاديث تدل على منزلة عليّ الخاصة ومكانته المتميزة في الإسلام. وذكر الحديث السادس قائلاً: "6- الحديث المشهور: «عليٌّ مَعَ الحقِّ وَالحقُّ مَعَ عليٍّ»". ولكن يا ليته ذكر في متابعة كلامه أن «ابن أبي الحديد» شارح نهج البلاغة المعروف قال: "قد صرح شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى بهذا وصرح به تلامذته وقالوا: لو نازع عقيب وفاة رسول الله ص وسل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها، وحكمه في ذلك حكم رسول الله ص لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال «عليٌّ مَعَ الحقِّ وَالحقُّ مَعَ عليٍّ يدور حيثما دار» وقال له غير مرة «حربك حربي و سلمك سلمي»". (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، درا المعرفة ودار الكتاب العربي و...، المجلد الأول، ص 211 و 212 ، في شرح الخطبة رقم 38). [612] من الواضح تماماً أنه في العمل الذي لا يتمُّ بالإجبار والإكراه فإنه بعد تحقق عقد البيعة لا يُسمع ادِّعاء عدم الرضا القلبي بها، والشاهد على ذلك أن حضرة أمير المؤمنين علي ÷قال عن الزبير يدعوه للدخول في البيعة ثانيةً: "يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ ولَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وادَّعَى الْوَلِيجَةَ؛ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وإلا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ". (نهج البلاغة، الخطبة 8). [613] تاريخ الطبري، ج 5، ص 2786، والكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 3، ص 37، والبداية والنهاية، ابن كثير، ج 4، ص 146. [614] كان النصح الخاص والمودة الصادقة سائدان بين كبار الصحابة، وإذا حصلت كدورةٌ بين بعضهم أحياناً فإن ذلك لم يكن يذهب بأصل الصداقة والأُخُوَّة بينهم وسرعان ما كانت تلك الكدورة تنتهي بالصلح والصفاء. كان الخلفاء يقبلون دائماً وصايا حضرة عليّ (ع) واقتراحاته. فالكل يعلم أن أبا بكر قَبِلَ رأي عليّ (ع) بشأن مبدأ تاريخ الإسلام وأنه كان يُشاور عليَّاً (ع) في أموره. وكان عليٌّ يقوم بمهمَّة تقسيم الغنائم في زمن خلافة الشيخين. وفي زمن فتوح الشام رجَّح أبو بكر رأيَ عليّ (ع) على آراء الآخرين وعمل به. وكانت أمور القضاء أيضاً في فترة خلافة الشيخين بيد عليّ. وكان عمر كثيراً ما يُرجع المُستفتين في المسائل الفقهية إلى حضرة عليّ. (راجعوا كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (ص 120 و121) والإصدار الثاني لكتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 427 - 428 و 600 حتى 603). وعلى الأقل فالمشهور بيننا أن عمر كان يقول: «أقضانا علي» أو يقول: «أعوذ بالله من مسألة ليس لها أبو الحسن» أو يقول: «عجزت النساء أن تلد مثل عليّ». وقد روى الشيعة والسنة أخباراً تُفيد أن عمر عدل عن رأيه بعد أن سمع رأي عليّ. والمعروف أن عمر كان يقول: «إذا حكم عليّ بأمر خلافاً لرأيي فاتَّبعوا رأيه» إلى حدّ أن عمر قام مرّةً بحبس غلام، فصادف عليّ في طريقه الغلام والمأمورين وسأل عن الموضوع فلما علم بحال الغلام حكم ببراءته فأعادوا الغلام إلى أهله فسأل عمر المأمورين: لماذا لم تُنفِّذوا أمري؟ فقالوا له: ألم تقل أنت نفسك مرات عديدة إذا حكم عليّ خلافاً لحكمي فاعملوا بقوله؟ وقد فعلنا بما أمرت! (من الضروري مراجعة حاشية الصفحة 120 من كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد]). أيها القارئ اللبيب: هل يقوم غاصبو الخلافة عادةً باحترام من غُصب حقه والرجوع إليه إجلاله وإكرامه والثناء عليه وتمجيده والعمل برأيه، أم يقومون بإبعاد الناس عنه وحرفهم عنه؟!! [615] نصر بن مزاحم المنقري (ت 212 هـ)، وقعة صفّين، ص 89. [616] إبراهيم بن محمد الثقفي (ت 283هـ)، الغارات، ج 1، ص306. ولا تنحصر جمل عليّ (ع) في تأييد الشيخين بالموارد المُشار إليها أعلاه ولكن ما ذكرناه نماذج تكفي في بحثنا هنا. وندعو القراء الكرام إلى الرجوع إلى الكتاب القيم: «راهى به سوى وحدت اسلامى» [أي طريق نحو الوحدة الإسلامية، تأليف السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي]، ص من 163 حتى 182. [617] راجعوا حاشية الصفحة 359 من الكتاب الحاضر. [618] انظر تاريخ الطبري، ج 3، ص 294، والكامل في التاريخ لابن الأثير، أحداث سنة 23 هــ ، ذكر قصة الشورى. (الـمُتَرْجِمُ) [619] قال الدَّارَقُطْنِيّ عنه (في الضعفاء والمتروكون، رقم 449): "إخباريٌّ ضعيفٌ". انتهى. وقال عنه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (الترجمة رقم 1621): "عن يحيى [بن معين] قال: أبو مخنف ليس بشيء، وهذا الذي قاله ابن معين يوافقه عليه الأئمة، فإن لوط بن يحيى معروف بكنيته وباسمه حدَّث بأخبار من تقدَّم من السلف الصالحين ولا يبعد منه أن يتناولهم، وهو شيعيٌّ محترق". انتهى. وقال: الذهبي في ميزان الاعتدال (ج3، الترجمة رقم 6992): "لوط بن يحيى أبو مخنف، أخباريٌّ تالفٌ، لا يُوثَقُ به". انتهى. (الـمُتَرْجِمُ) [620] أُؤكد هنا على ضرورة ملاحظة ما ذُكر في الكتاب القيم «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، (ص من 82 إلى 104). [621] لاحظوا أن الإمام اعتبر المُهاجرين والأنصار الذين -حسب قولكم- أزاحوا الإمام المنصوب مِنْ قِبَلِالله جانباً وولّوا غيره مكانه: «مؤمنين»!! في حين أنه كان يستطيع في مقام مُحاججة الخصم أن يكتب بدلاً من ذلك عبارة «أكثر الناس» مثلاً أو نظائرها ولا ينصُّ على أن أولئك الأفراد «مؤمنين». (فَتَأَمَّل) [622] راجعوا بشأن هاتين الأسطورتين كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات]، ص 114 حتى 116 و 251 حتى 253. [623] حقاً إنه لمن الظلم والبُعد عن الإنصاف نسبة التقيّة إلى حضرة سيد الشهداء رضوان الله تعالى عليه. [624] بشأن حديث اللوح الفاضح راجعوا كتاب «شَاهْرَاه اتِّحَاد» [طَرِيق الاتِّحاد]، الصفحة 166 فما بعد، فصل «نظرة إلى أحاديث النص وبيان درجتها من الصحة» والتنقيح الثاني لكتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، القسم المتعلق بتمحيص أحاديث الباب 183 من المجلد الأول من أصول الكافي، ج2، ص 862 إلى 893. [625] راجعوا بشأن هذه الأحاديث الثلاثة عشر كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 663 - 664. [626] في نظرنا من المُفيد للأفراد المُحققين إذا واجهوا عالماً خرافياً أن يقولوا: ليس عندنا أيّ نقاش بشأن دلالة حديث الغدير، ونحن نفترض أن حضرة عَلِيٍّ (ع)منصوص عليه ومنصوب من عند الله وخليفة مباشر لرسول اللهص، فائتنا بنصٍّ مُعتبر واحد على النصّ الإلهي على سائر الأئمة! [627] عرّفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 304 إلى 308. [628] عرّفنا به في كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 399 - 400 و 458. [629] كما أنه في دعاء الصفحة 281 و 282 من المفاتيح المنقول عن الشيخ المفيد تمّ تلقيب عَلِيٍّ بـ «الفاروق بين الحق والباطل» أُسوةً بلقب الفاروق الذي اشتُهر به عمر. [630] معنى كلمة «عيبة» الوعاء والخزانة التي توضع فيها الثياب. [631] جاء في جزء من الرواية المذكورة ما يلي: "وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَأْمُرُ اللهُ فِيهِ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ أَنْ يَرْفَعُوا الْقَلَمَ عَنْ مُحِبِّي أَهْلِ الْبَيْتِ وَشِيعَتِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ الْغَدِيرِ وَلَا يَكْتُبُونَ عَلَيْهِمْ شَيْئاً مِنْ خَطَايَاهُمْ كَرَامَةً لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ........ وَيَوْمُ الْبِشَارَةِ وَالْعِيدِ الْأَكْبَرِ....... وَيَوْمُ الصَّفْحِ عَنْ مُذْنِبِي شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ..... وَيَوْمُ عِيدِ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ .... وَهُوَ يَوْمُ التَّهْنِيَةِ يُهَنِّي بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَئِمَّةِ عليهم السلام.". وفي هذه الرواية أمور عجيبة أخرى أيضاً ولكننا نكتفي بما ذكرناه منها هنا. [632] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 381. (الـمُتَرْجِمُ) [633] يقصد بآية التطهير قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣﴾[الأحزاب: 33]. (الـمُتَرْجِمُ) [634] يُنْظَر مثلاً تفاسير: التبيان للشيخ الطوسي، وتفسير فرات الكوفي، وتفسير البرهان للشيخ البحراني، وتفسير نور الثقلين للحويزي، ومن المعاصرين تفسير الأمثل لآية الله ناصر مكارم الشيرازي، كلها ذيل تفسيرهم للآية 8 من سورة الإنسان. [635] والآية 41 من سورة الأنعام. [636] من الطريف أنه يظهر من القصة أن المسكين واليتيم والأسير كانوا في تلك الأيام الثلاثة مراقبين تماماً لذلك البيت! وكانوا لا يأتون لطلب الصدقة إلا في لحظة الإفطار بالضبط، عندما تكون أيدي أصحاب البيت قد امتدَّت إلى الخبز لتفطر عليه، ولم يأتِ أحدٌ من أولئك الثلاثة الطالبين للصدقة متأخراً ولو ثلاثة دقائق عن وقت الإفطار بما يعطي الفرصة لأهل البيت أن يأكلوا ولو لقمة أو لقمتين من خبزهم، وينفقوا ما بقي منه!!. [637] إذا كان كل صاع يساوي 2400 أو 2176 غراماً، فإن ثلاثة أصواع من الشعير تعدل 6,5 كغ من الشعير وهذا يكفي لِـخَبْزِ 15 رغيفاً! [638] لم أسمع حتى الآن أحداً يقول إن الآيات المذكورة نزلت في فضة أيضاً!