الشبهة الأولى:
من جملة مُغالطات المشايخ التي يذكرونها ليُضفوا المشروعية على دعائهم الأنبياء والأئمة والأولياء وندائهم لهم، قولهم: رغم أن القرآن اعتبر الدعاء والنداء عبادة [سورة الجن: 18] ولكن ليس كل دعاء عبادة وإلا للزم أن نقول إن الأنبياء أيضاً كانوا يعبدون غير الله!! مثلاً نقول: إن نوح كان يعبد قومه أو الرسول الأكرم كان يعبد أصحابه!!! لأن القرآن نقل عن نوح ÷ أنه قال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا ٥ فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا فِرَارٗا ٦ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ﴾[نوح: ٥- ٧] ]. أو قال القرآن عن النبيّ: ﴿وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ﴾[ال عمران: ١٥٣]. فهل يُمكن القول إن نوحاً كان يعبد قومه؟ بناءً على ذلك ليس الدعاء عبادة دائماً بل الدعاء بقيد «الاعتقاد بإلهية المدعوّ واستقلاله في التأثير» هو العبادة فقط.
وأقول: إن الفرق بين الدعاء والنداء العُرفيين أي المُقيَّدين والمحدودَين وبين الدعاء والنداء العباديين أي الدعاء غير المُقيَّد، أظهر من الشمس وكل طفل يُدرك الفرق بينهما. ومع ذلك فقد أكدنا مراراً في الصفحات الماضية أن موضوعنا يتعلّق بطريقة الدعاء والنداء. موضوعنا هو حول ذلك النداء والدعاء الذي يستلزم بالضرورة فرض صفات غير محدودة وغير مُقيَّدة للمدعوّ، ومن الواضح أن الدعاء المُقيَّد والعرفي أمر خارج عن موضوعنا تماماً والآيات التي يتشبثون بها (كالآيتين المذكورتين أعلاه ونظائرهما) هي بلا أيّ شُبهة وبوضوح كامل من مصاديق الدعاء والنداء العُرفيين المُقيَّدين اللذين لا علاقة لهما بموضوع بحثنا إطلاقاً. نحن نقول -كما مرّ في الصفحات السابقة- استناداً إلى آيات عديدة في القرآن: إن الدعاء غير المُقيَّد وغير المحدود هو في حدِّ ذاته عبادة، وقد اعتبر القرآن هذا العمل بحدِّ ذاته ودون قيود إضافية عبادة، وَمِنْ ثَمَّ فإن مثل هذا الدعاء لا يجوز التوجّه به إلى غير الله ولا يجوز أن يُضيف أحد من عند نفسه قيوداً لهذا العمل حتى يُعتبر «عبادة»! (فَتَأَمَّل) ولقد لفَّق الخرافيون لتوصيف الشرك والتوحيد مُغالطات من عند أنفسهم سوف نتعرَّض لها في الصفحات القادمة.