تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

التعريف بالشيخ عبَّاس القُمِّي وكتابه

التعريف بالشيخ عبَّاس القُمِّي وكتابه

لنأتِ الآن إلى كتاب «مفاتيح الجنان» والتعريف بمؤلِّفه:

اعلَم أن المرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس القُمِّيّ كان عالماً مُتَتَبِّعاً شديد الزُّهْدِ، ومُتَعَبِّداً وَرِعاً، ولكنه كان ساذجاً طيب القلب سريع التصديق، وفي نظري لم يكن ذا علم وافٍ بكتاب الله، كما لم يكن يمتلك ملكة الاجتهاد، وكان متقاعساً عن استخدام نعمة العقل، خلافاً لأوامر القرآن الذي دعانا مراراً وبتأكيد بالغ إلى التفكُّر والتعقُّل!

قال الشيخ في مقدمة كتابه: "... قد سألني بعض الاخوان من المؤمنين أن أراجع كتاب «مِفْتَاح الجنان» المتداول بين النّاس، فأؤلّف كتاباً على غراره، خلواً ممّا احتواه ممّا لم أعثر على سنده، مُقتَطِفاً منه ما كان له سند يدعمه،..... فأجبتهم الى سُؤلهم فكان هذا الكتاب وسمّيتُهُ «مَفَاتِيْحُ الجنان»"[24].

وكتب أيضاً بعد ذكر «زيارة وارث» يقول:

"قال شيخنا[25] في كتابه الفارسي «لؤلؤ ومرجان»: إنّ هذه الكلمات الّتي ذُيِّلَتْ بها هذه الرّوايةُ إنّما هي بدعةٌ في الدّين وتجاسرٌ على الإمام (عليه السلام) بالزّيادة فيما صدر منه، وفوق ذلك فهي تحتوي على أباطيل وأكاذيب بيّنة الكذب، والغريب المدهش أنّها شاعت بين النّاس وذاعت حتّى يُهتَف بها في كلّ يوم وليلة عدّة آلاف مرّة في مرقد الحُسين (عليه السلام) وبمحضر من الملائكة المقرّبين وفي مطاف الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، ولا منكر ينكرها أو رادع يردع عن الكذب والعصيان، فآل الأمر إلى أن تُدوَّن هذه الأباطيل وتُطبَع في مجاميع من الأدعية والزّيارات يجمعها الحمقاء من عوام النّاس فتزعمها كتاباً فتجعل لها اسماً من الأسماء ثمّ تتلقَّفُهَا المجاميع فتسري من مجموعة أحمق إلى مجموعة أحمق آخر، وتتفاقم المشكلة فيلتبس الأمر على بعض طلبة العلم والدّين. وإنّي صادفت طالباً من طلبة العلم والدّين وهو يزُور الشّهداء بتلك الأباطيل القبيحة فمسست كتفه فالتفت إلَيَّ فخاطبتُه قائلاً : ألا يشنع من الطّالب أن ينطق بمثل هذه الأباطيل في مثل هذا المحضر المقدّس؟ قال: أليست هي مرويّة عن الإمام (عليه السلام)؟ فتعجّبت لسؤاله وأجبته بالنّفي. قال: فإنّي قد وجدتها مدوّنة في بعض الكتب، فسألته عن الكتاب فأجاب كتاب مِفْتاح الجنان ، فسكتُّ عنه فإنّه لا يليق أن يكلِّمَ المرءُ رجلاً أدَّى به الغفلة والجهل إلى أن يَعُدَّ المجموعةَ الّتي جمعها بعض العوامّ من النّاس كتاباً من الكتب ويستندَ إليه مَصدراً لما يقول، ثمّ بسط الشّيخُ (رحمه الله) كلامه في هذا المقام وقال: إنّ عدم ردع العوام عن نظائر هذه الأمور الغير الهامّة والبدع الصّغيرة كغسل أويس القرني وحساء أبي الدّرداء (وهو التّابع المخلص لمعاوية)، وصوم الصّمت بأن يتمالك المرء عن التكلّم بشيء في اليوم كلّه، وغير ذلك من البدع، الّتي لم يردع عنها رادع ولم ينكرها منكر، قد أورثت الجرأة والتّطاول، ففي كلّ شهر من الشّهور وفي كلّ سنة من السّنين يظهر للنّاس نبيٌّ أو إمام جديد فترى النّاس يخرُجُون من دين الله أفواجاً". (انتهى كلامه رُفِعَ مقامه).

وأقول: أنا الفقير ألاحظ هذا القول وأنعم النّظر فيه أنّه القول الصّادر عن عالم جليل واقف على ذوق الشّريعة المقدّسة واتّجاهاتها في سننها وأحكامها. وهو يبدي بوضوح مَبْلَغَ اهتمام هذا العالم الجليل بالأمر ويكشف عمّا يكظمه في الفؤاد من الكآبة والهمّ ، فهو يعرف مساوئه وتبعاته على النّقيض من المحرومين عن علوم أهل البيت (عليهم السلام) المقتصرين على العلم بضغث من المصطلحات والألفاظ ، فهُم لا يعبؤون بذلك ولا يبالون، بل تراهم بالعكس يصحّحونه ويصوِّبونه ويجرون عليه في الأعمال، فيستفحل الخطب ويعاف كتابَ «مصباح المتهجّد» [للشيخ الطوسي]، و«الإقبال» [إقبال الأعمال] و«مهج الدعوات» و«جمال الأسبوع» و«مصباح الزّائر» [للسيِّد ابن طاووس] و«البلد الأمين» و«الجُنَّةُ الواقية» [للكفعمي]، و«مفتاح الفلاح» [للشخ البهائي]، و«المقباس» [مقباس المصابيح] و«ربيع الأسابيع» و«التّحفة» [تحفة الزائر] و«زاد المعاد» [للمجلسي]، ونظائرها[26]، فيستخلفها هذه المجاميع السّخيفة فيدسّ فيها في «دعاء المجير» وهو دعاء من الأدعية المأثورة المُعتبرة كلمةَ «بعفوك» في سبعين موضعاً فلم ينكرها منكر، و«دعاء الجوشن الكبير» الحاوي على مائة فصل، يبدع لكل فصل من فصوله أثراً من الآثار، ومع ما بلغتنا من الدّعوات المأثورة ذات المضامين السّامية والكلمات الفصيحة البليغة يُصاغ دعاء سخيف غاية السّخف فيسمّى بدعاء الحُبّى فينزّل من شرفات العرش فيفتري له من الفضل ما يدهش المرء ويبهته؛ من ذلك -والعياذ بالله- أنّ جبرئيل بلَّغ النّبيَّ محمّداً ص أنّ الله تعالى يقول: إنّي لا أعذّب عبداً يجعل معه هذا الدّعاء وإن استوجبَ النّار وأنفقَ العمر كلّه في المعاصي ولم يسجدْ لي فيه سجدةً واحدةً، إنّني أمنحه أجر سبعين ألف نبيٍّ وأجر سبعين ألف زاهدٍ وأجر سبعين ألف شهيدٍ وأجر سبعين ألف من المُصلّين وأجر من كسى سبعين ألف عريان وأجر من أشبع سبعين ألف جائع، ووهبته من الحسنات عدد حصا الصّحارى وأعطيته أجر سبعين ألف بقعة من الأرض وأجر خاتم النّبوّة لنبيّنا ص وأجر عيسى روح الله وإبراهيم خليل الله وأجر إسماعيل ذبيح الله وموسى كليم الله ويعقوب نبيّ الله وآدم صفيّ الله وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والملائكة، يا محمّد من دعا بهذا الدّعاء العظيم دعاء الحُبّى أو جعله معه غفرت له واستحييت أن أعذّبه !!!... الخ.

...

و وصل الأمر إلى أن أصبح الأمر منحصراً بكتاب «المفتاح» ويرجع إليه العوام والخواص والعرب والعجم وما ذلك إلا لأن أهل العلم والدّين لا يبالون بالأحاديث والرّوايات، ولا يراجعُون كتب علماء أهل البيت الطّاهرين وفقهائهم ولا ينكرون على أشباه هذه البدع والزّوايد وعلى دسّ الدّساسين والوضاعين وتحريف الجاهلين ولا يصدّون من لا يرونه أهلاً ولا يردعون الحُمَقاء فيبلغ الأمر حيث تُلَفَّق الأدعية بما تقتضيه الأذواق أو يُصاغ زيارات ومفجعات وصلوات ويطبع مجاميع عديدة من الأدعية المدسوسة وينتج أفراخ لكتاب «المفتاح»، وتعمّ المشكلة فيروج الدّس والتّحريف ونراهما يسريان من كتب الأدعية الى سائر الكتب والمؤلّفات فتجد مثلاً كتابي الفارسي المسمّى «منتهى الآمال» المطبوع حديثاً قد عبث فيه الكاتب بما يلائم ذوقه وفكره،...

والغاية الّتي توخيتها بعرض هذه النّماذج من التّحريف هي بيان أمرين:

أوّلاً:... الزّيادات الّتي يبعثنا الجهل على إضافتها إلى الأدعية والزّيارات والتغييرات والتّصرفات الّتي تقتضيها طباعنا وأذواقنا النّاقصة زعماً أنها تزيد الأدعية والزّيارات كمالاً وبهاءً، وهي تنتزع منها الكمال والبهاء وتسلبها الاعتبار عند أهلها العارفين، فالجدير أن نُـحافِظَ على نصوصها المأثورة فنجري عليها لا نزيد فيها شيئاً ولا نحرف منها حرفاً.

ولنلاحظ ثانياً: الكتاب اّذي تكلمنا عنه أنّه كتابٌ لمؤلّفٍ حيٍّ يراقب كتابه ويترصّد له، [ورغم ذلك] فيَجري فيه من التّحريف والتّشويه نظائر ما ذكرتُ، فكيف القياس في سائر الكتب والمؤلّفات؟ وكيف يجوز الاعتماد على الكتب المطبوعة إلا إذا كانت من المؤلّفات المشهورة للعلماء المعروفين وعرضت على علماء الفنّ فصدّقوها وأمضوها،....

وإنّي قد أقدمت على تأليف هذا الكتاب وأنا واقف على طباع النّاس في هذا العصر وعدم اهتمامهم لنظائر هذه الأمور، وإنّما ألّفته إتماماً للحجّة عليهم فجدَّدت واجتهدت في أخذ الأدعية والزّيارات الواردة في هذا الكتاب عن مصادرها الأصيلة وعرضتُها على نسخ عديدة، كما بذلت أقصى الجهد في تصحيحها واستخلاصها من الأخطاء كي يثق به العامل ويسكن إليه إن شاء الله، ولكن الشّرط هو أن لا يحرّفه الكاتب والمستنسخ وأن يتخلّى القارئُ عمّا يقتضيه طبعه وذوقه من التّغيير.

روى الكُلَيْنِيُّ -رضي الله عنه- عن «عبد الرّحمن القصير» قال: دخلت على الصّادق صلوات الله وسلامه عليه، فقلتُ: جُعِلْتُ فداك! إنّي اخترعتُ دعاءً، قال: دعني من اختراعك، فأعرض (عليه السلام) عن اختراعه ولم يسمح أن يعرض عليه......... الخ."[27].

[24] مفاتيح الجَنان، مقدمة المؤلف، ص 12 (ص 43 من النسخة المُعَرَّبة) كما أنه أشار في ختام فصل «أدعية شهر رمضان» (ص 245 أو ص 328 في النسخة المُعَرَّبة) أيضاً إلى أنه لا يُثبِتُ في كتابه أي روايةٍ يجد أنها غير معتبرةٍ. وَمِنْ ثَمَّ فيبدو أنَّه كان يعتبر كلَّ ما ذكره في كتابه مقبولاً ومعتبراً، لكن قراءتكم لكتابنا الحالي ستثبت لكم أنه على الرغم مما قيل في حق كتابه «المفاتيح» من مدح وثناء، إلا أن مؤلفه في الواقع لم يكن يميِّز بين صحيح الروايات وسقيمها! وسوف نرى في هذا الكتاب أن أغلب الرويات المسندة التي ذكرها فيه ساقطة من الاعتبار، فضلاً عن الروايات التي لا سند لها. [25] يقصد به «الحاج ميرزا حسين نوري [الطبرسي]» صاحب كتاب مستدرك الوسائل ووكتاب «لؤلؤ و مَرْجَان» بالفارسية وغيرهما من الكتب. توفي سنة 1319هـ. ق. [26] سنرى في كتابنا الحالي أن الشيخ عباس القمي نقل كثيراً مما أورده في كتابه عن الكتب المذكورة أعلاه، هذا مع أن أغلبها لا يختلف كثيراً عن الكتاب الذي ينتقده! فهي كذلك كتب مشحونة بالخرافات المناقضة للعقل وللقرآن، وبالطبع لولا ذلك لما جذبت نحوها فرداً خرافياً قليل العقل مثل الشيخ عباس القمي! [27] مفاتيح الجنان، فصل (بيان ما أضيف إلى زيارة وارث) ص 432 فما بعد (ص 552 من النسخة المُعَرَّبة). وقد أورد الشيخ عباس القمي مرَّةً ثانيةً روايةَ «عبد الرحيم القصير» هذه في فصل (آداب الزيارة) صفحة 314، (ص 415 من النسخة المُعَرَّبة) ونهى هناك أيضاً عن قراءة الزيارات "المخترعة التي لفَّقها بعض الأغبياء من عوام الناس فأشغل بها الجُهَّال" على حد قوله.