واقعة طريفة في مسجد جمكران
ذهبتُ يوماً من الأيام إلى مسجد جمكران الذي يقع على بُعد فرسخ من مدينة قم، وتوجد في هذا المسجد بئر صغيرةٌ، يكتب العوام رسائل إلى إمام الزمان يذكرون فيها حوائجهم ويُلقون برسائلهم في تلك البئر!! وكانت هناك قرب المسجد منضدة عليها أوراق مطبوعة تُباع كل ورقة منها بتومانين (20 ريال إيراني)، فكل من أراد كتابة رسالةٍ إلى إمام الزمان يشتري ورقةً من تلك الأوراق ويملؤها! ألقيت نظرةً على تلك الأوراق فرأيت أن أعلاها يحتوي على عبارات مطبوعة تحتها عدة أسطر فارغة ينبغي أن يملأها المشتري ويكتب فيها حاجته ثم في أسفل الورقة توجد عبارات أخرى أيضاً مطبوعة تقول: يا حسين بن روح (أحد النُّواب الأربعة) أوصل هذه الرسالة إلى إمام الزمان!! فكان الزوار يشترون تلك الأوراق ويكتبون فيها حاجاتهم ويرمونها داخل البئر. سألتُ الذي كان جالساً خلف تلك المنضدة يبيع تلك الأوراق: إن هذا النائب (الحسين بن روح) مات قبل ألف ومئتي عام فكيف يُمكن لمن مات أن يستلم رسالةً ويوصلها إلى إمام الزمان؟! إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب! فقال لي: هنا حوزة علمية ولو كان في هذا العمل إشكال لاعترض عليه علماء قم ومراجعها؟! لم أرَ حيلة سوى السكوت لأن الأمر لا يقتصر -مع الأسف الشديد- على عدم اعتراض العلماء والكُتَّاب على هذه الخرافة بل تجد في كتبهم تقريراً لها، ومن جملة ذلك ما قاله صاحب كتاب «المفاتيح» إذْ كتب يقول:
"وغير خفيّ إنهم في مماتهم أيضاً وسائط، فمن اللاّزم أن يُبَلَّغَ الإمامُ (عليه السلام) ما يُكتَبُ في الحاجات والشّدائد من الرّقاع عن طريقهم وبوسيلتهم، كما عُرف في محلّه"!![749].
وينبغي أن نقول: أجل، هذه هي معلومات هؤلاء العلماء والمُحدِّثين والكُتَّاب الذين جذبوا الناس إليهم وحرَفوهم عن جادَّة الصواب! وما من أحد يسأل: كيف يُمكن لميت أن يوصل رسائل الناس إلى الإمام الحيّ؟! يبدو أن هؤلاء القوم لا يؤمنون بما يقوله القرآن الكريم من أن الأحياء والأموات لا يستوون (فاطر: 22)، فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ؟؟
في الصفحة 510 يقول: "إن الملك (الشاه) عبّاس الأوّل نزل مشهد الرّضا (ع) في الخامس والعشرين من ذي الحجّة سنة ألف وستّ.... الخ"[750].
وأقول: أحد أسباب جهل شعبنا وتخلفه وشقائه هو أنه لما بدأت أوربا تستيقظ من نوم القرون الوُسطى بعد استفادتها من الثقافة الإسلامية التي كانت قد وصلتها عن طريق اسبانيا (الأندلس)، وبدأ الأوربيون بالصناعات والتقدُّم في العلم والفنون والسياحة والتعرُّف على بقاع العالَم المختلفة، كان سلاطين العالَم الإسلامي ومن جملتهم الصفوية مشغولين باللهو واللعب وخداع الناس والأعمال التي لا فائدة منها مثل السير مشياً على الأقدام إلى مشهد! لم يكن الشاه عبّاس يُقيم الصلاة وكان يشرب الخمر وكان مُجرماً قتل أحد أبنائه واقتلع أعين ابنيه الآخرين وارتكب جرائم عديدة أخرى، ولكن ليقوم بخداع العامة عطَّل عدّة آلاف من أفراد الجيش مُدَّة ستة أشهر كاملة ليسيروا على الأقدام بأُبَّهة وفخفخة إلى قبر الإمام الرضا في مشهد ويعودوا منه!! في حين أن شعب بلاده كان إذا احتاج إلى رصاصة واحدة وجب عليه أن يشتريها من أوربا وكذلك لم يكن يمتلك إبرة خياطة فإذا احتاج إليها اضطر إلى شرائها من الدول الأجنبية! فبدلاً من سعيه في عمارة مملكته التي كانت مُتأخِّرة عن الشعوب الأوربية من ناحية الصناعة والعلوم والفنون، وسعيه لأجل اتِّحاد المسلمين ووحدتهم، اهتمَّ بالسير مشياً على الأقدام إلى مشهد وصرف أموالاً طائلةً على تعظيم القبور وبناء القُبَّة والمنارات المُذهَّبة والفضية كي يهتمَّ الناس بالمرقد وبعبادة القبور، وعلى حدِّ قوله صنع كعبةَ حوائجَ للفقراء.
ألم يكن الشيخ البهائي يعرف جيداً الشاه عبَّاس[751] وأجداده ويعرف أيَّ أُناس كانوا؟؟ ومع ذلك نجده يُخاطب الملك على تقواه قائلاً:
مقراض به احتياط زن اى خادم ترسم ببُرى شهپر جبريل أمين
أي: اضرب المقراض بِحِيطَةٍ وَحَذَرٍ أيها الخادم فإني أخشى أن تقطع جناح جبريل الأمين!
أليس في تصوير جبريل عظيم الشأن بأنه كالفراشة التي تحوم حول الحرم الذي بُني من الأموال التي سُلبت ونُهبت من أهالي مدينة «هرات»، إهانةٌ للدين وتحقيرٌ له؟! هل يجوز إهانة مُعلِّم رسول الله ص أي جبريل الأمين؟! هل كان مدح الشيخ البهائي للشاه عبَّاس السفاك للدماء علامة على شدة تقوى الشيخ البهائي؟! لو فرضنا أن أمير المؤمنين علي ÷ اطَّلع على هذه الأعمال هل كان سيرضى عن «غلامَ شاهِ الرجال» و«كلب عتبة عَلِيٍّ»؟؟[752] هل لدينا في شريعة الإسلام تذهيب للقُبَّة والقبور وهل يجوز إنفاق أموال بيت المال في مثل هذه الأمور؟! هذا على فرض أن هذه الأموال حلال فكيف إذا كانت حراماً؟! (فَتَأَمَّل جداً).
ثم تكلم الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في الصفحة 511 [753]عن المعجزات والكرامات التي ظهرت في مشهد الرضا، وقد ذكرنا سابقاً في هذا الكتاب بعض التوضيحات اللازمة حول هذا الأمر (ص 250 حتى 270) فلا نُكرِّر ذلك هنا[754]. وإن مما يُؤسف له أن أمر الخرافات وصل في بلادنا إلى حدّ أن امتلأت مدننا بمجالس التوسل برُقيَّة، مع أن حضرة سيد الشهداء (ع) لم يكن لهم ابنةٌ باسم «رُقيّة» أصلاً!! فهل يجهل المدَّاحون وقُرَّاء المراثي هذا الأمر أم يتجاهلونه كي يُواصلون استرزاقهم من عملهم في غفلة من الناس؟!
***
[749] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 619. (الـمُتَرْجِمُ) [750] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 636. [751] ينبغي أن نعلم أن الشاه عبَّاس وأجداده، وجماعة القزلباش أساساً لم يكونوا من الشيعة بل كانوا على مذهب «أهل حق» [العليّ اللهية] الباطل والمُنحرف من أساسه!! (فلا تتجاهل). [752] هي ألقاب كان يتلقب بها الشاه عبَّاس الصفوي ليُظهر نفسه للعامة بمظهر المُحبّ والمُوالي لعلي بن أبي طالب وآل النبيّ. وقصده من «غلام شاهِ الرجال» أي غلام عليّ (ع). (الـمُتَرْجِمُ) [753] مفاتيح الجنان (النسخة المُعَرَّبَة)، ص 637. (الـمُتَرْجِمُ) [754] ويُراجع أيضاً كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارت المزارات وأدعية الزيارات] ص 358 - 361.