تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

39الشبهة الرابعة:

39الشبهة الرابعة:

من الآيات الأخرى التي يستغلَّها الخرافيون ويُسيئون تفسيرها الآية 154 من سورة البقرة والآية 149 من سورة آل عمران، ويقولون: إن الأنبياء والصالحين والشهداء أحياء عند ربِّهم يُرزقون فكيف تقولون إنهملا يسمعون نداءنا؟! ثم يُصوِّرون أن المُوحّدين يعتبرون أن الأنبياء والشهداء هلكوا وبادوا بعد موتهم وأصبحوا جمادات لا شعور لها!! في حين أنهم يكذبون في ذلك! إذ الواقع أننا نقول إن الأنبياء والشهداء وسائر الصالحين ليسوا أحياءً في هذه الدنيا الفانية، وقد تخلَّوا عن ذلك القالب الدنيوي وانتقلوا إلى عالَم البقاء وهم أحياء في عالَم رحمة الحق تعالى الذي يُعبِّر القرآن عنه بعبارة: ﴿عِندَ رَبِّهِموهم هناك أحياء يُرزقون في ذلك العالَم، كما قال تعالى: ﴿لَهُمۡ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمۡ[الانعام: ١٢٧]. لذلك فإنهم عندما يَرِدُون إلى عالَم آخر يتمتعون بحياة أخروية متناسبة معه وتنقطع صلتهم بهذه الدنيا كما انقطعت صلتهم عن قالبهم (جسمهم) الدنيوي. أضف إلى ذلك أن حياة الأنبياء والشهداء والأولياء لا تستلزم علمهم بما في ضمائر الناس ولا تستلزم حضورهم في كل مكان وزمان وذلك لأنهم لما كانوا في الدنيا لم يكونوا عالمين بكل شيء ولا حاضرين في كل مكان[277]. (فَتَأَمَّل).

وقد بيَّن القرآن الكريم أنهم فرحون بما آتاهم الله من رزق في ذلك العالَم [سورة آل عمران: 17]، في حين أنهم لو كانوا في الدنيا وكانوا مُطَّلعين على ما يجري فيها من الظلم والمآسي التي يُعاني منها أتباعهم لتبدَّل فرحهم إلى حزن وغمٍّ.

وقال الله تعالى أن حضرة عيسى (ع) سيُجيب يوم القيامة عن السؤال الإلهي بما يلي: ﴿وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ١١٧[المائ‍دة: ١١٧].

بناءً على ذلك، وبتصريح القرآن، يذهب الأنبياء بعد وفاتهم إلى عالَم البقاء وتنقطع صلتهم عن دنيانا فلا يبقى لهم علم بها، كما حصل للنبيّ الذي أخبرنا القرآن بأن الله توفَّاه ثم بعثه بعد مئة عام فكان ذلك النبيّ عندما بُعث جاهلاً بما جرى في الدنيا خلال فترة وفاته وجاهلاً بمُدّة موته. [سورة البقرة: 259].

بناءً على ذلك فقد تبيَّن أن قول المُطَهَّرِيّ: "فإن التفرقة والتفكيك بين الميت والحيّ على نحو يُعتَقَدُ فيه أن الأموات ليسوا أحياء حتى في العالَم الآخر وأن شخصية الإنسان كلها هي بدنه الذي يظهر بشكل جماد، تفكير ماديٌّ ومُناقضٌ للتفكير الإلهيّ" كذبٌ افُتري على المُوحِّدين[278]، وإلا فلا يوجد مُوحّد في الدنيا يقول: إن الأنبياء والشهداء ليسوا أحياءً حتى في عالَمٍ آخر، بل يقول الموحِّدون: إن الأنبياء والشهداء، بعد رحيلهم عن الدنيا، لا تبقَى لهم صلةٌ بها، وإن علمهم وإدراكهم ليسا مطلقين بل محدودان بعالَم البقاء ولا يشملا عالَم الفناء (فَتَأَمَّل).

[277] راجعوا كتابنا «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، الصفحات 130 إلى 134. [278] كرَّر الكاتب الشاب في كتابه هذا الافتراء ذاته أيضاً فقال: "لما كان الوهَّابيُّون لا يعتقدون بتجرّد الروح وبقائها بعد الموت، تصوَّروا أن أرواح الأنبياء والأولياء والصالحين أيضاً تهلك مع هلاك بدنهم وتنعدم بموتهم وَمِنْ ثَمَّ اعتقدوا أن طلب الآثار والخواص والقيام بعمل ما من كائن لم يعد له وجود أمر مخالف للعقل!". (نقد و تحليلي پيرامون وهّابيگري) (نقد وتحليل حول الوهَّابيَّة، ص 208). ولكن هذا الادِّعاء -كما لاحظنا- كاذبٌ ولا يوجد مسلمٌ يقول إن الروح تنعدم، بل يقول المُوحِّدون: إن الروح تنتقل إلى عالَم آخر وتنقطع صلتها عن الدنيا الفانية، ونحن لا نستطيع أن نتصل بها ونُسمعها أصواتنا. راجعوا ما قلناه في الكتاب الحالي (ص 116 فما بعد) في توضيح الآية 52 من سورة الروم والآيتين 22 و23 من سورة فاطر. إضافةً إلى ذلك يتضح أن ما قاله من أن: "الروح ..... لا تموت أبداً ولا تتلاشى بموت البدن بل تزدهر وتُصبح أقوى وأكثر علماً بعد تحرُّرها من قالب البدن وقفص الجسم" (الكتاب السابق ذاته ص 209). هو كلام زائد ولا داعي له لأن بقاء الروح لا خلاف عليه بين المؤمنين بالأديان الإلهية. ثانياً: لأن ما قاله يصدق على أرواح الصالحين ولكن بالنسبة إلى أرواح غير الصالحين لا بُدَّ أن نقول: إن أرواحهم لا تزول بالموت ولكنها لا تزدهر ولا تقوى بعد الموت بل تذبل وتغتمُّ وتضيق. ثالثاً: النقطة الأهم بشأن أرواح الصالحين أن علينا أن ننتبه إلى أن ازدهارها وزيادة قدرتها وعلمها بعد تحرُّرها من قفص البدن ليس ازدهاراً وقدرةً وعلماً غير محدود، بل تبقى ضمن العالَم الآخر ولا تشمل سعتها وعلمها العالَم الفاني الذي تحرَّرت منه بل ازدهار أرواح أولئك الأجلاء الكرام وعروجها ومعرفتها تكون في عالَم البقاء وعالَم البرزخ وعند رحمة الربِّ ودار السلام و ..... . وعلى أيِّ حال لا يُمكننا أن نستنتج من هذا الكلام أننا نستطيع أن نتصل بتلك الأرواح ولا أن نُسْمِعَهَا كلامَنَا. (فَتَأَمَّل). ولا تفيد أدلة الفلسفة الإسلامية أيضاً وفلسفة المُلَّا صدرا (يعني الفيلسوف صدر الدين الشيرازي) التي يفتخر بها هذا الشاب كثيراً -ومباحث النفس فيها صعبة وقويَّة ومن الواضح أنه مرعوب منها - أن الروح تصبح مطلقة غير مُقَيَّدة بأيّ حدود بعد مفارقتها القالب الجسمي المادي! (فَتَأَمَّل).