دعاء سريع الإجابة
نسب الكفعميُّ دعاءً إلى حضرة الكاظم (ع) دون ذكر راويه عن الإمام، ومتن الدعاء يدل على أن صاحبه كان أُميَّاً جاهلاً! يقول في هذا الدعاء: «يا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد »!!![394] ولو سأل أحد هذا الوضَّاع: من هو المُنادي والمُخاطَب في هذه الجملة؟ لعجز عن الجواب. ونسأل: كيف لم ينتبه الكفعميّ أو صاحب المفاتيح إلى هذا الخطأ الواضح؟! هل كان ذلك بسبب كثرة علمهم وشدَّة زهدهم؟!
وجاء في هذا الدعاء: "وبالاسم الذي حجبته عن خلقك فلم يخرج منك إلا إليك"؟!!
سبحان الله! هل يخرج شيء من الحق ثم يدخل إليه؟!! وحتى لو قلنا إن المقصود كان شيئاً آخر ولفَّقنا لهذه الجملة معنىً آخر فلا شُبهة في أن هذا التعبير عارٍ عن الفصاحة والبلاغة، ولا يقول حضرة الكاظم (ع) قطعاً مثل هذا الكلام. ليت شعري! لماذا ينبغي أن تُكتب مثل هذه النصوص الركيكة في كتبنا الدينية؟
50ثم روى الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في الصفحة 111[395] دعاء يبتدئ بجملة: "يَا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكَارِه "، وقدم لهذا الدُّعاء قائلاً: "روى الكفعمي في المصباح دعاءً وقال: قد أورد السّيد ابن طاووس هذا الدّعاء للأمن من السّلطان والبلاء وظهور الأعداء، ولخوف الفقر وضيق الصّدر".
ونقول: إن قول ابن طاووس ليس حُجَّةً شرعيةً. وهذا الدعاء هو الدعاء السابع في الصحيفة السجَّادية وليس من المعلوم أن حضرة السجاد كان يدعو به لأجل الحالات المذكورة.
وفي الصفحة 112 نقل الشيخ عباس عن الكفعميّ دعاءً[396] تكلمنا عليه فيما سبق. تُراجع الصفحة 59 من الكتاب الحالي.
وفي الصفحة 113[397] أورد الشيخ عبَّاس رسالةَ استغاثةٍ كتبها السيد عليخان الشيرازي خاطب بها صاحب الزمان لا سند لها ولا تتصل بأئمَّة الدين، بل يقولون: إن شخصاً سمع في منامه هذا الدعاء!!![398] وعلينا أن نسأل: هل لصاحب الزمان الغائب -استناداً إلى الدلائل الشرعية الصحيحة- وُجودٌ؟[399] وهل الأحلام حُجَّةٌ شرعيةٌ؟ وهل يُمكن أن يكون غير الله غياث المُستغيثين أيضاً؟!! وما هو دليلكم على جواز أن نعتبر غير الله مُغيثَنَا بصورةٍ غير محدودةٍ وغير مُقيَّدةٍ؟
في هذا الدعاء اعتُبر صاحب الزمان حُجَّةً وذُكر أنه يُطهِّر الأرض من الكفر في الطول والعرض! هذا مع أن الله تعالى قال في كتابه: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِ﴾[النساء: ١٦٥]فبأيِّ دليل تجعلون صاحب الزمان حُجَّة الله؟! ثانياً: طبقاً لآيات القرآن سيبقى الكفر والعداوة بين الناس إلى يوم القيامة كما قال تعالى عن النصارى واليهود: ﴿فَأَغۡرَيۡنَا (وألقَینا)بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ﴾[المائدة: ١٤ و 64]، فطبقاً لهذه الآية ستبقى جميع الفرق والمذاهب الباطلة بما فيها اليهود والنصارى إلى يوم القيامة، وستبقى العداوة والبغضاء بينهم ولن تُطهَّر الأرض في طولها وعرضها من الكفر والعداوة والبغضاء إلى يوم القيامة.
وقال تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّ﴾[البقرة: ٢٥٦]، بناءً على ذلك لم يُرسل الله أحداً كي يُدخل شعوب العالَم في الإسلام بالقوة. بل على الشعوب أن تستيقظ وأن تبحث عن الهداية وتختار طريق الحق بإرادتها الحرّة. ولا يجوز أساساً أن نُكره الناس على الإسلام وقد بيَّن لنا القرآن الكريم أن رسول الله ص كان يدعو الناس إلى الإسلام ولكنه لم يُجبر أحداً على الدخول فيه. فإذا لم يُدخل النَّبِيُّ الأَكْرَمُ ص بدعوته جميعَ الناس في الإسلام فكيف يستطيع أحدُ أتباعه أن يفعل ذلك؟!
وفي هذا الدعاء أو الاستغاثة اعتُبِرَ الأئمَّةُ حُججُ الله واعتُبروا معصومين؟ أما بالنسبة إلى العصمة فينبغي أن نعلم أن الله تعالى قال لرسوله: ﴿وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ﴾[محمد: ١٩]. نعم، إنه مما لا شك فيه - بالدلائل العقلية والنقلية - أنَّ رسولَ اللهِ ص كان مصوناً من الخطأ ومحفوظاً من النسيان في إبلاغ آيات الله وأحكام الشريعة، ولكننا لا نملك دليلاً قرآنياً يدل على أنه كان مصوناً من الخطأ فيما عدا ذلك، وَمِنْ ثَمَّ فإن «العصمة المُطلقة» للأنبياء لا سند قرآني لها. والأهمُّ من ذلك أن قياس غير الأنبياء على الأنبياء خطأ، فالأنبياء ومنهم رسول الله ص، يوحَى إليهم وقد اختُتِم الوحيُ بمحمد ص فلا يوحى لأحَدٍ بَعْدَهُ، وَمِنْ ثَمَّ فلا دليل شرعيّ بأيّ وجه من الوجوه على عصمة غير الأنبياء. (فَتَأَمَّل).
وفي هذا الدعاء أو الاستغاثة جُعِلت الآية الخامسة من سورة القصص التي تتعلّق ببني إسرائيل وبفرعون وهامان خاصَّةً بصاحب الزمان!! وليت شعري! هل يحق للسيد عليخان الشيرازي أو لأيّ أحد آخر أن يُفسِّر آيات القرآن على هواه أو يُفسِّرها على ضوء أحاديث ضعيفة دون مُراعاة لسياقها؟!
وفي هذا الدعاء يقول الداعي لصاحب الزمان الذي لا يعرف أين هو: "حاجتي كذا وكذا فاشفع لي في نجاحها فقد توجَّهت لك بحاجتي لعلمي أن لك عند الله شفاعةً مقبولةً"!! ومرَّةً أخرى نسأل: هل الشفاعة بإذن الله واختياره أم بإرادة العبد المُذنب واختياره؟! هل يستطيع كل عبد حقيقةً أن يجعل أحد أئمة الدين الأجلاء شفيعاً له من خلال التملُّق له وتمجيده وتبجيله؟ هل نصب الشُّفعاء وتعيينهم متروك للعباد فهم يختارون من يشاؤون ليشفع لهم؟ إن كان الأمر كذلك فالمسيحيون يرغبون أن يكون حضرة المسيح (ع) وحضرة مريم شُفعاء لهم، والصوفية يميلون إلى أن يكون عبد القادر الجيلاني شفيعاً لهم، والشيعة يرغبون أن يكون أبو الفضل العباس أو حضرة المعصومة أو أيّ إمام أو حفيد من أحفاد الأئمة شُفعاء لهم إما جميعاً أو فرداً فرداً؟ فهل الله مُطيع لمن ذكرنا؟ هل قال الله في كتابه: لقد جعلت هؤلاء القوم شُفعاء لكم وسأقبل شفاعتهم حتماً؟ هل يستطيع كل من ارتكب إثماً أو جريمةً أن يدفع -ضمن نظام العدل الإلهي- نبيَّاً أو عبداً صالحاً للشفاعة له بالتملُّق له وتمجيده، ويكون من الواجب على الله أن يقبل شفاعة هذا الشفيع؟!
لقد قال الله في كتابه: ﴿لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗاۖ لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾[الزمر: ٤٤]. يتبيَّن من هذه الآية ومن تقديم «لِـلَّهِ» على «الشفاعة» ومن كلمة «جميعاً» أن أمر الشفاعة وتعيين الشفيع كله بيد الله وحده فقط لا غير، ولم يوكَلْ إلى أيّ أحد آخر، والله تعالى يقول: إن الذي بيده مُلك السماوات والأرض والحاكم فيهما هو الذي بيده زمام أمور الشفاعة فعلى الناس أن يسعوا إلى كسب رضا الله بواسطة الأعمال الحسنة التي قال تعالى عنها: ﴿إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ١١٤﴾[هود: ١١٤] وبواسطة التوبة والتضرُّع إلى الله، كي يعفو الله عنهم أو إذا أراد أن يرحمهم من خلال شفيع عيَّن لهم شفيعاً ليشفع لهم بإذنه، إذ إن الله وحده يعلم من هو المُذنب الذي يستحقُّ الشفاعة ويكون أهلاً لها كما قال تعالى: ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦ﴾ [يونس : ٣] ، كما نصَّت الآية 26 من سورة النجم على أن الشفاعة منوطة بإذن الله. فهذه الآيات كلها تدل بشكل قاطع على أن تعيين الشفيع ونصبه بيد الله وحده[400].
[394] مفاتيح الجِنان (المُعَرَّب)، ص 176. [395] مفاتيح الجِنان (المُعَرَّب)، ص 177، وسمَّاه الشيخ عباس القمي بـ«دعاء الأَمْن». [396] هو «دُعَاء الفَرَج»، الذي يتضمن جملة "يا مُحَمَّدُ يا عَلِيُّ يا عَلِيُّ يا مُحَمَّدُ اِكْفِياني فَاِنَّكُما كافِيانِ...الخ". وهو في الصفحة 178 من مفاتيح الجِنان (المُعَرَّب). [397] مفاتيح الجِنان (المُعَرَّب)، ص 179، وأُطْلِقَ عليه: "دعاء الاستغاثة بالحُجَّة (عج)"! [398] راجعوا بحار الأنوار، ج 91، ص 31 و 32. [399] راجعوا كتابي «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول» (ج2، الصفحات من 665 إلى 684)، وكتابي الآخر: «بررسي علمي در أحاديث مهدي». [أي تحقيق علمي في أحاديث المهدي] . [400] راجعوا الكتاب الحاضر، ص 93، البند «ب»، وراجعوا بشكل خاص كتاب «تابشى از قرآن»، [شعاع من القرآن] ذيل الآية 254 من سورة البقرة، وكتاب «زيارت و زيارتنامه»، ص 231، وكتابي «أحكام القرآن»، المسألة 1802 حتى 1822. ولا يخفى أن بعض المسائل التي أوردتُها في كتابي «أحكام القرآن» لم تعد مقبولة لديَّ اليوم وأن كتابي المذكور يحتاج إلى التصحيح والإصلاح.