تعارض مفاتيح الجنان مع القرآن

فهرس الكتاب

تنبيهٌ مُهِمٌّ حول «توحيد العبادة»

تنبيهٌ مُهِمٌّ حول «توحيد العبادة»

اعلم أن أهم مسألة في الإسلام هي بلا شك مسألة الشرك والتوحيد التي عليها مدار شقاء العباد أو سعادتهم الأبدية.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا ٤٨[النساء : ٤٨].

وقال لنبيِّه الأكرم ص: ﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٦٥ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ٦٦[الزمر: ٦٥، ٦٦].

ويدلُّ تقديم المفعول به (أي لفظ الجلالة) على الفعل في قوله تعالى: ﴿بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡعلى الحصر، أي: اعبد الله وحده فقط ولا تعبد غيره.

وقال تعالى أيضاً بشأن الناس: ﴿وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ ١٠٦[يوسف: ١٠٥][173].

ولذلك يجب علينا أن نبذل كل اهتمامنا وننتبه كل الانتباه حتى نحفظ إيماننا من شوائب الشرك ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً[174]، ومن الضروري أن نحرّر أنفسنا في هذا المجال من قيود العادات والتقاليد المنتشرة في البيئة المحيطة بنا والآداب والرسوم التي جرى عليها آباؤنا وأجدادنا، والتي ليس عليها دليل شرعيٌّ محكَم، وأن لا نقبل في هذا المجال بأي كلام ليس له سندٌ حتى لو كان كلاماً لمشايخ مُعمَّمين، ولا نُخْدَع بالأحاديث الواهية غير المعتَبَرة (فتأمّل جداً).

ولما وصل كلامنا هنا إلى ذكر المشايخ المُعمَّمين أجد من الضروري أن أذكر هنا الآية القرآنية التالية إتماماً للحُجَّة، إذ حذَّرَتِ الآيةُ المسلمينَ وخاطبت المؤمنين قائلةً: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ[التوبة: ٣٤][175].

من جملة المشكلات والانحرافات الدينية التي ابتُلي بها شعبنا وجرّتنا إلى ورطة الشرك مسألة التوسل وطلب الشفاعة، وبدلاً من أن يقوم علماؤنا بإرشاد الناس إلى الصواب في هذا الأمر ونهيهم عن مثل هذه الانحرافات، نجدهم يُشجِّعون الناس عليها، كي يبقى سوق الخرافات رائجاً ورزقهم منه مزدهراً!

إذا تدبَّر شخصٌ آيات القرآن الكريم دون تعصب وأحكام مُسبقة، سوف يرى أن جزءاً مُهمَّاً من آيات القرآن يتعلَّق بردِّ الشرك في العبادة. إن كتاب الله يؤكد في موضوع «التوحيد» على جانب «توحيد العبادة» أكثر من أيّ شيء آخر[176]. فيما يلي سنذكر بعض الأمور الضرورية لتوعية الناس حول مسألة «توحيد العبادة»:

أ) قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠[غافر: ٦٠].

قال الطَّبْرَسِي في «مجمع البيان»: "وفي الآية دلالة على عظم قدر الدعاء عند الله تعالى وعلى فضل الانقطاع إليه". بناءً على ذلك فإن الدعاء عبادة[177]، والذي يتكبَّر عن التضرُّع إلى الله ودعائه يستحقُّ دخول النار، وبما أن المسلمَ أُمر بآية: ﴿وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠[الكهف: ١١٠]، فقد حَرُم عليه أن يدعوَ غير الله. (فَتَأَمَّل جداً).

قال تعالى في الآية 60 من سورة غافر ادعوني أنا ولم يقل ادعوا أنبيائي وأوليائي، وأتى بجملةٍ شبه شرطيةٍ (=جواب الطلب) ليدل على أن تحقق مفاد الجملة التالية (جواب الطلب) مشروط ومنوط بتحقُّق جملة الطلب، أي أن شرط استجابة الدعاء، دعاء الله[178]. بناءً على ذلك، فمن يدعو غير الله لا يكون قد عمل بمفاد الجملة الأولى (جملة الطلب) وَمِنْ ثَمَّ فلن يتحقق في حقه مفاد جملة جواب الطلب، هذا فضلاً عن أن في دعائه غير الله مخالفة صريحة لقوله تعالى: ﴿فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨... قُلۡ إِنَّمَآ أَدۡعُواْ رَبِّي وَلَآ أُشۡرِكُ بِهِۦٓ أَحَدٗا ٢٠[الجن: ١٨، ٢٠].

يقول أمير المؤمنين علي (ع) عن القرآن الكريم: "يَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ويَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ "[179]. انطلاقاً من هذا الإرشاد القيّم جداً للإمام عَلِيٍّ (ع)، وبمُقارنة بعض آيات القرآن مع بعضها الآخر يُمكننا أن نُدرك بوضوح أن «الدعاء» يُعتبر في نظر القرآن من أبرز مصاديق «العبادة».

إضافةً إلى الآية 60 من سورة غافر التي تكلَّمنا عليها أعلاه، فإن القرآن استخدم في كثير من المواضع «الدعاء» في مكان «العبادة» واعتبر دعاء غير الله شركاً، فمثلاً قال في موضع من الكتاب: ﴿وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ ٢٠[النحل: ٢٠]، وقال في موضع آخر: ﴿أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡ‍ٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ ١٩١[الاعراف: ١٩١]، ويقول أيضاً: ﴿وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ..[الفرقان: ٣].

وإذا قال القرآن في موضع: ﴿قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا[الانعام: ٧١]، أو قال: ﴿يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُۥ وَمَا لَا يَنفَعُهُۥۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ ١٢[الحج : ١٢]، أو قال: ﴿وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذٗا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠٦[يونس : ١٠٦]؛ فإنه قال في موضع آخر: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ[يونس : ١٨]، أو قال: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ[الفرقان: ٥٥].

وإذا قال القرآن في موضع: ﴿ٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ[ اعراف 29 وغافر: ٦٥]، أو قال: ﴿فَٱدۡعُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ[غافر: ١٤]؛ فإنه قال في موضع آخر: ﴿فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ ٢[الزمر: ٢]، وقال أيضاً: ﴿قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ ١١[الزمر: ١١]، وقال: ﴿قُلِ ٱللَّهَ أَعۡبُدُ مُخۡلِصٗا لَّهُۥ دِينِي ١٤[الزمر: ١٤]، وقال: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ[البينة: ٥].

وإذا قال القرآن في موضع: ﴿فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨[الجن: ١٨]؛ فقد قال في موضع آخر: ﴿أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ[يوسف: ٤٠].

وإذا قال في موضع: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَدۡعُواْ رَبِّي وَلَآ أُشۡرِكُ بِهِۦٓ أَحَدٗا ٢٠[الجن: ٢٠]، فإنه قال في موضع آخر: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ[النساء : ٣٦]، وقال أيضاً: ﴿يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ[النور : ٥٥].

وإذا قال في موضع: ﴿وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ١٣[فاطر: ١٣]، فإنه قال في موضع آخر: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا[النحل: ٧٣]، وقال: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا[العنكبوت: ١٧].

بناءً على ذلك، فيجب على المسلم أن يدعو الله وحده[180]، ولا يدعو غيره[181].

ومما يُؤسف له بل يُثير العجب والدهشة أن أهل زماننا يدعون غير الله بِـحُجَجٍ وتبريرات مختلفة ويتوسلون إلى غير الله! وعلماء الدين ساكتون بل يُشجِّعون الناس على ذلك!!

18ب) وقال الله تعالى: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا ٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ٥٧[الاسراء: ٥٦، ٥٧].

ذمَّ الله تعالى في هذه الآيات الذين يدعون الشخصيات العظيمة والمُقرَّبة من الله طلباً لكشف الضُّرِّ عنهم أو تبديله[182]. يقول تعالى إن هؤلاء لا يملكون دفع الضرِّ عنكم أو تغيير أوضاعكم وتبديلها، وهذا الأمر ليس من مسؤوليتهم. بل أولئك المُقرَّبون -الذين تدعونَهم- هم أنفسهم يبحثون عن وسيلةٍ يستجلبون بها رحمة الله لهم وتنقذهم من عذابه، ومن الواضح أن مثل أولئك الأشخاص الذين يرجون رحمة ربِّهم ويخافون عذابه ليسوا بأيِّ وجه من الوجوه كائنات لا روح فيها كالأصنام والتماثيل، بل هم عباد عظماء صالحون مُقرَّبون من الله، ومع ذلك قال تعالى إن مثل أولئك الأشخاص لا يجوز دعاؤهم ولا فائدة من دعائهم. ولكن مع الأسف فإن الناس لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة ولا زالوا يدعون أئمة الدين الذين غادروا هذه الدنيا منذ أكثر من ألف عام وانتقلوا إلى عالم آخر بحُجج مُختلفة، أو تعصباً ولِجاجاً ويعتبرونهم «باب الحوائج»!!

بالطبع يقول المُتعصِّبون: لما كان الأنبياءُ والأئمَّةُ مُقرَّبين من الله فإن دعاءهم جائز.

لكن اللهَ تعالى اعتَبَرَ -كما لاحظنا في الآيتين 56 و57 من سورة الإسراء- أنَّ المُقَرَّبين منه عبادٌ له لا يملكون فِعْلَ شَيْءٍ، فلا يملكون دفع الضُّرِّ عنكم ولا تبديل أحوالكم، بل هم أنفسهم يبحثون عن وسيلة تكون سبباً لجلب رحمة الحق ودفع العذاب الإلهي عنهم، ولم يقل إنهم يدعون الوسيلة بل قال «يبتغون الوسيلة» أي يبحثون عنها ويطلبون الحصول عليها (فَتَأَمَّل).

أيُّ جواب سيُجيب به المُسترزقون بالدين ربَّهم تعالى يوم القيامة بعد هذه الآيات الواضحة؟ ألا يخافون يوم القيامة؟! في رأينا إن سبب بقاء مثل هذه الأعمال الشركية بين المسلمين رغم هذه الآيات الواضحة والصريحة في القرآن، هو تعصُّب العلماء ولجِاجهم والتبريرات المُخادعة التي يختلقونها وتشبُّثهم بأحاديث موضوعة وضعيفة.

ج) وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٩٤... وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَكُمۡ وَلَآ أَنفُسَهُمۡ يَنصُرُونَ ١٩٧[الاعراف: ١٩٤، ١٩٧]، وقال تعالى أيضاً: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٤٠[الروم: ٤٠]، وقال سبحانه: ﴿أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ١٧... وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ ٢٠ أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٢١... وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٧٣ فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٧٤[النحل: ١٧، 20، ٢١ ، 73، 74].

وقال سبحانه: ﴿وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ ١٩ يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ ٢٠ أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ ٢١... أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡۖ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِيۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ ٢٤ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ ٢٥[الانبياء: ١٩-21، 24- ٢٥]

في هذه الآيات يُبيِّن الله تعالى لنا أنه هو وحده مالك رقاب جميع الكائنات التي في الأرض أو السماوات -أعم من الملائكة والأنبياء وسائر المُقرَّبين- وأنه المُتصرِّف بهم وأنهم جميعاً يعبدون الله ليل نهار، فإن كنتم صادقين في حُبِّكم لهم واتِّباعكم لهم فعليكم أن تعبدوا الله وحده كما هم يفعلون، أي أن تجعلوا اللهَ معبودَكم، لا أولئك الأشخاص. وكما جاء في «تفسير نمونه» [183] فإن الآية 21 من سورة الأنبياء تُشير في الحقيقة إلى أن المعبود يجب أن يكون هو الخالق، خاصةً خالق الحياة التي تُشكِّل أوضح مظاهر الخلق. ويقول مؤلف «تفسير الميزان»[184] ذيل تفسيره للآية 24 من سورة الأنبياء[185] أيضاً: "إن ما في القرآن من الوحي النازل عليَّ وهو «ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ»، والوحي النازل على من سبقني من الأنبياء وهو «ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي»، في أمر عبادة الإله: يحصر الألوهية والعبادة فيه تعالى".

علاوةً على ذلك فإن الله تعالى يقول إن كان عملكم صحيحاً في تقديمكم صنوف العبادات لغير الله، فأْتُوا ببرهان على صحة عملكم هذا، وبيِّنوا أن الله وشريعته الإلهية أمرا بذلك. في الواقع إن شريعة هذا النبيّ والأنبياء السابقين لم تُجِزْ تقديم أي صنف من صنوف العبادة إلى أحد سوى الخالق، بل إننا أوحينا إلى جميع الأنبياء أن لا معبود بحق سوى الله، لذلك يجب أن يُعبد الله وحده فقط لا غير ولا يجوز أن نضع على حساب دين الله تلك الأعمال العبادية التي يُقدمها اليهود والنصارى لأئمة الدين وعُظمائه أو يُؤدِّيها المسلمون الخرافيون أيضاً لعظماء دينهم.

د) قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ ٨٦ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَى ٱللَّهِ يَوۡمَئِذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٨٧[النحل: ٨٦، ٨٧]، وقال أيضاً:﴿وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ ٢٨ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ إِن كُنَّا عَنۡ عِبَادَتِكُمۡ لَغَٰفِلِينَ ٢٩ هُنَالِكَ تَبۡلُواْ كُلُّ نَفۡسٖ مَّآ أَسۡلَفَتۡۚ وَرُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٣٠[يونس : ٢٨- ٣٠].

19تدل الآيات المذكورة أعلاه أن العابد والمعبود والداعي والمدعو والمُشرك والذين اتُّخِذوا شركاء لِـلَّهِ، كلهم سيُحضَرون أمام الله يوم القيامة. وفي المحكمة الإلهية في ذلك اليوم سيقول المعبودون لعابديهم والمَدعُوُّون لمن كانوا يدعونهم: إنكم لم تكونوا تدعوننا أو تعبدوننا كما تظنون بل كنتم تدعون وتعبدون معبودات غير واقعية وهميَّة ومُتخيَّلة، لأن العابد والمعبود كلاهما مخلوقان لِـلَّهِ ومحتاجان إليه بنفس الدرجة، لكن العابد كان يتصور أن لمعبوده صفات إلهية، وَمِنْ ثَمَّ فإنه كان في الواقع يعبد معبوداً لا وجود له في عالَم الواقع. ولهذا فسيقول المدعوون والمعبودون يوم القيامة لمن كانوا يدعونهم ويعبدونهم: لقد أخطأتم واشتبه عليكم الأمر، إذْ لم نكن نحن تلك المعبودات الخيالية الوهمية التي تصورتموها ولم نكن أبداً نمتلك تلك الصفات التي تخيلتموها لنا.

بناءً على ذلك فإن الذين يدعون الأئمة أو ذراريهم من الصالحين ويُقدِّمون لهم صنوف العبادة من نذر وطواف وخضوع وتذلُّل مُتخيِّلين أنهم أمام إمام حاضر وناظر وقاض للحاجات؛ قد صنعوا في ذهنهم كائناً خيالياً. في حين أن الإمام الحقيقي (أو سائر المعبودات) سيقولون لهم يوم القيامة: لم نكن نحن كما ظننتم وإننا بريئون من عملكم ونُشهِدُ اللهَ أننا لم نكن نعلم بعبادتكم لنا.

فإن قال شخص: إن المراد في الآية الأصنام التي لا حِسَّ لها، نقول له: أولاً: لم تأتِ في الآية كلمة «أصنام». ثانياً: كيف للأصنام الفاقدة للحس والشعور أن تتكلم يوم القيامة؟ بل الحقيقة أن معبودات المشركين لم تكن منحصرة بالأصنام. ثالثاً: لم يكن المشركون يُعظِّمون «الأصنام» ويتذللون أمامها على نحو الاستقلال بل كانوا يعتبرون «الصنم» تمثالاً ومُذكِّراً بالشخصيات العظيمة من الرجال الصالحين أو الملائكة، ولذلك فيوم القيامة يتكلم أولئك الصالحون والملائكة لا الأخشاب والأحجار، كما قال تعالى: ﴿وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ ١٧ قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا ١٨ فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا ١٩ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا ٢٠[الفرقان: ١٧- ٢٠].

ومن جملة الآيات التي يتمسكون بها كي يجعلوا العوام يظنون أن نواهي القرآن عن دعاء غير الله تختص بالأصنام فقط، الآية 98 من سورة الأنبياء[186]. وبهذه المناسبة أتذكر أنه في إحدى جلسات تفسير القرآن التي كنت أعقدها في منزلي، حضر مرَّةً عالمُ دينٍ (شيخٍ) شابٍّ لا أدري هل كان حضوره بهدف تخريب الجلسة أم كان باحثاً عن الحقيقة فعلاً. وفي وسط الجلسة نهض وقال بصوت عال اعتراضاً على كلامي: إنَّ استنادَك إلى الآيات التي نهى الله فيها عن دعاء غير الله وادِّعاءَك أن هذه الآيات تنهى عن دعاء الأنبياء والأئمة، غير صحيح لأن الآيات كانت تُخاطب مشركي مكة الذين كانوا وثنيين يعبدون الأصنام فبأيِّ دليل جعلت هذه الآيات تشمل غير الأصنام؟ ثم إن القرآن يقول: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨[الانبياء: ٩٨]فهل تعتقد أن حضرة عيسى ومريم والأئمة والصالحين أيضاً سيدخلون جهنم وسيُعذِّبهم الله؟

فقلت له: سبحان الله! إنك تعترض على كلامي بمثل ما اعترض المشركون لأن أحد المشركين قد أشكل على النَّبِيّ الأَكْرَم ص هذا الإشكال ذاته![187]

ثانياً: ليس استنادنا مقصوراً على تلك الآية فقط، بل إن آيات عديدة في القرآن إضافة إلى الحقائق التاريخية كلها تؤيد كلامنا في أن نهيَ الله عن دعاء غيره يشمل دعاء غير الأصنام أيضاً.

ثالثاً: ثم لماذا لم تقرأ الآية التي بعدها التي استخدم القرآن فيها كلمة «هَؤُلاء» واستعمل صيغة الجمع المُذَكَّر «وَرَدُوْا» الخاص بالعقلاء.

رابعاً: إن الآية التي جاءت بعد آيتين من الآية التي ذكرتها (الآية 101) أزالت إشكالك. ألم تقرأ تفاسير الشيعة لهذه الآيات؟!

وللأسف انجرَّت الجلسة في ذلك اليوم إلى جدل وتشنج ولغط بين أصدقاء ذلك الشيخ الشاب وبين أصدقائنا ولم يُؤدِّ ذلك إلى نتيجة مفيدة، لكن من المناسب هنا أن أُبيّن معنى الآية المذكورة وأذكر بعض التوضيحات بشأنها:

يقول تعالى: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨ لَوۡ كَانَ هَٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا وَرَدُوهَاۖ وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٩٩... إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ١٠١[الانبياء: ٩٨ و 99 ١٠١].

قال أغلب المُفسِّرين، ومن جملتهم الشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي ذيل الآية 101 من سورة الأنبياء: إن المقصود من قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ[الانبياء: ١٠١]حضرة عيسى وعُزير ومريم والملائكة الذين عبدهم الناس خلافاً لإرادتهم ودون أن يرضوا بذلك، وهذه الآية استثنت هؤلاء من مفاد الآية 98.

قال الشيخ الطوسي: "وقال قوم: المُراد بقوله ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ[الانبياء: ٩٨]الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة غير الله، فأطاعوهم، فكأنهم عبدوهم، كما قال: ﴿يَٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَ[مريم: ٤٤] أي لا تطعه"[188].

وقال العلامة الطباطبائي في تفسير «الميزان»:

"والمراد بقوله: ﴿وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ[الانبياء: ٩٨] ولم يقل: ومن تعبدون - مع تعبيره تعالى عن الأصنام في أغلب كلامه بألفاظ تختص بأولي العقل كما في قوله بَعْدُ: ﴿مَّا وَرَدُوهَا[الانبياء: ٩٩]- الأصنام والتماثيل التي كانوا يعبدونها دون المعبودين من الأنبياء والصلحاء والملائكة كما قيل، ويدل على ذلك قوله بَعْدُ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ١٠١[الانبياء: ١٠١]. والظاهر أن هذه الآيات من خطابات يوم القيامة للكفار وفيها القضاء بدخولهم في النار وخلودهم فيها لا أنها إخبار في الدنيا بما سيجري عليهم في الآخرة واستدلال على بطلان عبادة الأصنام واتخاذهم آلهة من دون الله".

وقال في تفسير الآيتين 22 و23 من سورة الصافات[189] بعد أن اعتبر الآيتين مشابهتين للآية 98 من سورة الأنبياء: "و يمكن أن يكون المراد بلفظة "ما" ما يعم أولي العقل من المعبودين كالفراعنة والنماردة، وأما الملائكة المعبودون والمسيح (عليه السلام) فيخرجهم من العموم قوله تعالى: "﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ١٠١[الانبياء: ١٠١]".

وجاء في «تفسير نمونه» ذيل الآية 101 من سورة الأنبياء:

"وبالرغم من أنّ ظاهر الجملة يشمل كلّ المؤمنين الحقيقيين، إلاّ أنّ البعض احتمل أن تكون إشارة إلى من عُبِد من دون الله كالمسيح ومريم (عليهما السلام)، الذين عُبِدوا دون إرادتهم، ولمّا كانت الآيات السابقة تقول: ستكونون أنتم وآلهتكم في جهنّم، وكان من الممكن أن يشمل هذا التعبير أمثال المسيح (عليه السلام)، فإنّ القرآن يُبيّن هذه الجملة كاستثناء بأنّ هذه الفئة سوف لا ترد الجحيم أبداً.

وذكر بعض المُفسّرين سبباً لنزول هذه الآية، وهو يوحي بأنّ البعض قد سأل الرّسول الأعظم ص نفس هذا السؤال، فنزلت الآية تجيبهم".

وشأن النزول الذي أشار إليه «تفسير نمونه» هو ما ورد في تفسير السيد «گازر»[190] الذي قال: "كان سبب نزول هذه الآية أن رسول الله ص ورد يوماً المسجد الحرام فرأى صناديد قريش الذين وضعوا في الحطيم 360 صنماً وكانوا يسجدون لها. جلس رسول الله ص قريباً منهم وأخذ بمُحاورتهم. فكلَّم النضرُ بن الحارث رسولَ الله ص فأفحمه النبيُّ ص وألزمه الحُجَّة. فتلا عليهم رسول الله ص قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨[الانبياء: ٩٨] فضاق الأمر عليهم وقاموا. فرأوا عبد الله بن الزِّبَعْرِيّ فقالوا: لقد قال محمَّدٌّ اليوم كيت وكيت، وقد أحزننا ذلك. فقال: لو كنتُ حاضراً لأفحمتُهُ وخصمته، فذهبوا وأحضروا رسول الله ص. فقال له ابنُ الزِّبَعْرِيّ: يا محمد! أأنت تقول: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ...؟ قال: أجل. فقال: هذه الآية عليك. فقال النبيّ: لماذا؟ فقال: لأنها تشمل العُزير الذي عبده اليهود وعيسى الذي عبدته النصارى والملائكة التي عبدها بنو مليح من العرب. فقال رسول الله ص: إن معبوداتهم هي الشياطين التي دعتهم إلى عبادة أولئك الذين ذكرتهم[191]، ولم يكن أولئك المعبودون راضون بذلك[192]. فأنزل الله تعالى هذه الآية: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ[الانبياء: ١٠١][193].

لقد أوضح المُفسِّرون أن حرف «ما» الذي جاء في مثل هذه الآيات أو في آيات مثل قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ٥[الشمس: ٥]أو حرف «ما» في سورة الكافرون، معناها «الشيء». وكلمة «الشيء» إذا كانت تُفيد العموم فإن اعتراض أمثال «ابن الزِّبَعْرِيّ» والمُغرضين من أمثاله ليس له محل، لأن الآيات ذات العلاقة (أي الآية 17 من سورة الفرقان، والآية 98 من سورة الأنبياء، والآيتان 23 و24 من سورة الصافات) خُصِّصت بالدلائل العقلية والنقلية المُستقلة فخرجَ من عمومها الملائكةُ والأنبياءُ والصالحون الذين عُبِدوا خلافاً لإرادتهم ودون رضاهم، فوعدهم الله الحُسنى. بناءً على ذلك فلا وجه لاعتراض أمثال «ابن الزِّبَعْرِيّ».

فإن قيل استناداً إلى سبب نزول الآية: كيف يُمكن أن يقول النبيُّ ص إن المقصود من الآية هم «الشياطين»، مع أن الشياطين هم من زمرة ذوي العقول، وحرف «ما» لا يشمل العقلاء؟ فنقول: إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأصنام والتماثيل بحدِّ ذاتها كانت محترمة أيضاً بسبب انتسابها إلى الأنبياء والصالحين والملائكة و..... لذلك كان استخدام حرف «ما» للإشارة إلى الأصنام مناسباً أكثر، ولكن يجب أن ننتبه إلى أنه قد تمَّ استخدام كلمة «هؤلاء» وفعل الجمع «وردوا» وهذه الألفاظ مناسبة أكثر للشياطين ومن يحملون صفات الشياطين من أمثال فرعون ونمرود، ولهذا السبب أيضاً فُسِّرت كلمة «هؤلاء» في الآية 99 من سورة الأنبياء، في تفسير «مجمع البيان»، بالأصنام والشياطين[194].

على ضوء ما ذُكر أعلاه نأتي الآن إلى توضيح الآية موضح البحث ونظائرها:

لو تدبَّرنا القرآن وتأمَّلناه دون تعصُّب وأحكام مُسبقة لرأينا أن هذا الموضوع قد تمَّ توضيحه بشكل كافٍ في كتاب الله. ولا مكان لمثل هذه المُغالطات وأن الخرافيين لا قصد لهم من هذه الإشكالات سوى خداع العوام وربما خداع أنفسهم أيضاً.

من الواضح تماماً أن أهم عوامل التفرق في الأديان والانحراف عن دين الله وأكثرها شيوعاً هو عبادة الشخصيات التي تحدث أحياناً بشكل مباشر تجاه شخصيات مُعيَّنة أو تحدث أحياناً بشكل غير مباشر بتعظيم المقابر وتقديسها أو تعظيم مظاهرها وتماثيلها وتعظيم الأشياء المُتعلِّقة بها وتقديسها. ولكننا نعلم -كما لاحظنا فيما ذكرناه أعلاه- أنه سيتم يوم القيامة إحضار العابدين والمعبودات التي عبدوها من دون الله، والداعين والمدعوِّين سوى الله. وستكون المعبودات والمدعوون يوم القيامة على قسمين:

الأول: الذين عُبِدوا دون رضا منهم، ولما علموا يوم القيامة بأن هناك من عبدهم تبرؤوا من ذلك وكذَّبوا عابديهم (سورة يونس: 28 - 30، وسورة النحل: 86 - 87، وسورة الفرقان: 17 - 19).

الثاني: المُطاعون من أئمَّة الضلالة ومن السادة المُتكبِّرين والطواغيت الذين لم يكونوا يعترضون على عبادة الناس لهم واستسلامهم لهم. وهؤلاء يُقِرُّون بضلالهم يوم القيامة[195] (الصافات: 32) ويُعذَّبون مع أتباعهم الذين قلَّدوهم وأطاعوهم. (سورة الأعراف: 38- 39، وسورة القصص: 62 - 64، وسورة الأحزاب: 67، وسورة الصافات: 22 - 34).

وبالطبع فإن مظاهر وتماثيل كلا الفريقين ستكون حَطَبَاً لجهنم. والمقصود من رمي التماثيل والأصنام الفاقدة للحس والشعور في جهنم، كما قال المُفسِّرون، -ومن جملتهم الطبرسي في «مجمع البيان» ومؤلفي «تفسير نمونه» - تشديد الحسرة والحزن على المشركين وتوبيخهم عندما يرون أنهم يحترقون بألسنة لهب النار التي تتصاعد من أصنامهم وتماثيل معبوداتهم.

هـ) قال تعالى: ﴿...وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ١٣ إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ ١٤... قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا ٤٠[فاطر: ١٣، ١٤ ، 40].

وقال تعالى أيضاً: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٤ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ ٥ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ ٦[الاحقاف: ٤-٦].

وصرَّح الله تعالى قائلاً: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا لَهُمۡ فِيهِمَا مِن شِرۡكٖ وَمَا لَهُۥ مِنۡهُم مِّن ظَهِيرٖ ٢٢[سبا: ٢٢]. وقال كذلك: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡ‍ٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ ٧٣[الحج : ٧٣].

20أيها القارئ الكريم! تدبَّر هذه الآيات المذكورة وتأمَّلَها جيداً. المقصود من عبارة « مِن دُونِ ٱللَّهِ » في هذه الآيات، كما هو ظاهر، ما سوى الله أو ما هو أدنى من الله، إذاً لا تجوز عبادة أيِّ كائن ليس في الوحي دليل صحيح على وجوب عبادته سواءً كان نبياً أم إماماً أم مُقَرَّباً لأنَّ كلَّ هؤلاء ينطبق عليهم أنهم: ﴿عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡۖ[الاعراف: ١٩٤][196]. فاستناداً إلى الآيات التي ذكرناها لا يجوز أن نُخدع بقول من يقول: إن الأنبياء والأئمة والصالحين، نتيجة لطاعتهم وعباداتهم الكثيرة، يبقون على صلة بالدنيا بعد موتهم ويُمكنهم أن يصنعوا الكرامات وكيت وكيت، وأنهم، باختصار، مُطَّلعون على من يُناديهم، ويستعين بهم!!

ويجب أن نقول في الردِّ على مثل هذا الادِّعاء: أولاً: ليس على ادِّعائكم هذا أيُّ دليل أو سند من القرآن. ثانياً: كيف ستُجيبون اللهَ يوم القيامة الذي قال لكم لا تدعوا غير الله، وقال إن كل من دعوتموه غير الله فهو عبد مخلوق مثلكم ولا يستطيع خلق شيء. أي أن كل من كان مخلوقاً ولم يكن خالقاً ولم يكن بيده خلق العباد ورزقهم وإحياؤهم وإماتتهم، لا يجوز دعاؤه. وقال كذلك إن الذين تدعونهم أمواتٌ غير أحياء ولا يعلمون أيَّان يُبعثون.

و) وقال تعالى أيضاً: ﴿رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِۦٓ إِلَٰهٗاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا ١٤ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِۢ بَيِّنٖۖ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا ١٥[الكهف: ١٤، ١٥]. وقال كذلك: ﴿ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ٣٩ مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٠[يوسف: ٣٩، ٤٠].

في هذه الآيات تصريح بأن دعاء غير الله - والمقصود بالطَّبع هو الدعاء الذي يستلزم فرض صفات إلهية للمدعوّ[197]- لابُدَّ أن يستند إلى دليل من الشرع. ولم يُنزل الله دليلاً على جواز هذا العمل أصلاً. وبما أن الله تعالى أمر أن لا نعبد إلا إياه، وقال لنا في الوقت ذاته إن الدعاء عبادة -كما مرَّ معنا في البند أ-، فالنتيجة هي أنه تعالى أمرنا أن لا ندعو إلا إياه، وَمِنْ ثَمَّ فلابُدَّ أن نجتنب تماماً وبشدَّة دعاء غيره سبحانه وتعالى.

في الآيات الأخيرة قال يوسف ÷ إن معبوداتكم التي تلجؤون إليها وتعتبرونها باب حوائجكم، مخلوقةٌ كلُّها، وَمِنْ ثَمَّ فهي لا تستحق العبادة، ولكنكم تدعونها كآلهة ومعبودات وتعبدونها. لقد وضع آباؤكم وأجدادكم تلك الألقاب والعناوين للأوثان واتبعتموهم في ذلك تقليداً منكم لهم؛ في حين أنه لا دليل على ذلك في كتاب الله. إن الله الرحيم لا يقبل أن يخضع عبده أمام مخلوق مهما كان ذا مقام عالٍ ويتذلل له ويخضع أمامه خضوعاً تاماً. (فَتَأَمَّل جداً)

إذاً، لقد ذمَّ القرآن الكريم في الآيات المذكورة الذين يعبدون غير الله استناداً إلى ظنونهم ودون حُجَّة من الله وبيَّن أن دعاء غير الله بمنزلة عبادة غير الله، وحكمُه حكمُها، ودعاء غير الله والاستمداد من غير الله -ذلك الدعاء والاستمداد اللذَيْن يستلزمان فرض صفات إلهية للمدعوّ- هو بمثابة إضفاء صفات إلهية على غير الله!!

21والمسألة المُهِمَّة الأخرى التي يخدع المشايخ بها العوام في الغالب، هي ما ذكرناه سابقاً من أنهم يسعون إلى حصر النهي في الآيات المذكورة أعلاه بـ«الأصنام»، ولكننا أوضحنا أن المقصود من عبارة «دون الله» العقلاء والشخصيات العظيمة الصالحة والمُقرَّبون من الله الذين يُحبُّهم الناس ويتوجَّهون إليهم، بدليل أنه قد أُشير إليهم في كثير من الآيات بالاسم الموصول «مَنْ» الخاص بالعقلاء[198] -لا بالخشب والحجر والمعادن- لأنه من الواضح أن المشركين الذين كانوا يدعون الأصنام كانوا يفعلون ذلك لكون تلك الأصنام تماثيل ومظاهر تُذكِّرهم بالعظماء والأولياء والمُقرَّبين والصالحين أو الملائكة أو.....، فكانوا في الحقيقة يدعون أولئك الشخصيات لا الأخشاب والأحجار بحدِّ ذاتها على نحو الاستقلال. وبناءً على تصريح القرآن فإن الذين يدعوهم المشركون كانوا أشخاصاً عارفين بالله وعابدين له وَيَسْعَوْنَ إلى التقرُّب من الحق تعالى ويبتغون وسيلةً تُقَرِّبهم مِنَ اللهِ (الإسراء: 57) ولا شك أن مثل أولئك الأشخاص كانوا رجالاً صالحين ولم يكونوا أخشاباً وأحجاراً ومعادن. فالأصنام كانت موضع توجه واهتمام وتقديس بوصفها مرآة وآلة لتلك الشخصيات العظيمة، وحرمة الأصنام وتقديسها مِنْ قِبَلِ المشركين منشؤهما في الواقع تقديس المشركين واحترامهم وتعظيمهم لتلك الشخصيات التي تُمَثِّلُها الأصنام. وخلاصة الكلام، أن توجه المشركين واهتمامهم الحقيقي كان في الواقع تجاه تلك الشخصيات العظيمة كما يفعل البوذيون والهندوس الذين يُعظِّمون ويُكرِّمون تماثيل «بوذا» أو «كريشنا» بوصفها مُشابهة لهما ومُذكِّرة بهما، أي بسبب نوع من الانتساب إليهما لا أنهم يُعظِّمون الأخشاب أو الأحجار التي صُنعت منها تلك الأصنام، وإلا لما كان هناك من داعٍ أن يتجشَّم المشركون عناءَ نحت الأخشاب والأحجار وصُنعها على أشكال مُحدَّدة كشكل «بوذا» أو «وُدّ» أو «سُوَاع» أو.... بل كان بإمكانهم أن يُكرِّموا ويُعظِّموا الأخشاب والأحجار وحدها[199].

كل من لديه اطَّلاع على تاريخ الجزيرة العربية يعلم أن «اللات» و«العُزّى» و«مَناة» كانت تماثيل لملائكة (النجم: 19- 28)، وأنه -كما ذكر «هشام بن محمد الكلبي»[200] في كتابه «الأصنام»-، و«الصدوق» في كتابه «علل الشرائع» (الفقرة 3)، والطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» وسائر علماء التفسير ذيل الآية 23 من سورة نوح[201]: إن «ودّ» و «سُواع» و «يغوث» و....الخ، كَانُوا أفراداً صالحين وأولياءَ يَعْبُدُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فلما ماتوا اتَّبع مُريدوهم سيرتهم وسُنَّتهم في عبادة الله وطاعته ولكن بالتدريج ومع مرور الزمن وعلى إثر الابتعاد عن زمن الأنبياء، صار الناس في عباداتهم يتوجَّهون إليهم أيضاً، ثمّ وسوس لهم الشيطان ووسوست لهم أنفسهم أن يصنعوا على صورهم تماثيل بحُجّة أن هذه الصور تُذكِّرهم بهم وبمُجاهداتهم وتكون سبباً في حثِّهم وتحريضهم على العبادة[202]. فكان الناس يأتون لرؤية تلك التماثيل ويُعظِّمونها ويُكرِّمونها ويطوفون حولها أو كانوا يتوجَّهون إلى قبور أولئك الأفراد الصالحين ويُعظِّمونها وبهذا ابتعدوا عن التوحيد ونهج أنبياء الله.

22اعترف أحد المُتعصِّبين المُدافعين عن الخرافات قائلاً: "لقد أثبت الباحثون المسلمون الكبار اليوم استناداً إلى دراسة كثير من الآيات والأحاديث والنصوص التاريخية وتحليلها أن شرك كثير من الوثنيين (إن لم نقل جميعهم) كان شركاً في العبادة لا شركاً في الذات. أي أنهم كانوا يؤمنون أن الله ذاتٌ واحدةٌ وأن لا خالق ولا رازق إلا هو، ولكنهم كانوا يعتبرون الأصنام والأوثان كائنات تُقرِّبهم من الله وأنهم إن أرضوها فإنهم سينالون رضا الله أيضاً ببركة شفاعتها لهم عنده، ونصوص آيات القرآن التي نزلت في تلك البيئة تشهد بهذه الحقيقة.

﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٦١ ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ٦٢[العنكبوت: ٦١، ٦٢].

فهاتان الآيتان تدلَّان على أن العرب في عصر الرسالة لم يكونوا يؤمنون بخالق ولا رازق غير الله، ولكنهم رغم ذلك كانوا يعبدون 360 صنماً ويخضعون أمامها، وسبيل الجمع بين هاتين العقيدتين لم يكن سوى أن شركهم كان شركاً في العبادة ولم يكن شركاً في الذات والربوبية..... وبعبارة أخرى كان هناك فرق في نظرهم بين «الله» و«الإله»، فكلمة «الله» اسم علم لِـلَّهِ الواحد الفرد. في حين أن لكلمة «الإله» مفهوماً عاماً يعني المعبود، ولذلك كنا نُشاهد حول الكعبة 360 معبوداً، وكل هذه المعبودات كانت في نظرهم «إله» ولم تكن «الله»، ولذلك أمرهم النبيُّ أن يقولوا: لا «إله» -أي لا معبود- إلا «الله» وحده نفسه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فلا تعبدوا أحداً سواه. وإذا رجعتم إلى الآيات: 25 من سورة لقمان، و 38 من سورة الزمر، و 87 من سورة الزخرف ازدادت هذه الحقيقة وضوحاً لكم. بناءً على ذلك فإن وجود كلمة «الله» بين العرب الجاهليين ليس دليلاً على أنهم كانوا مُوحِّدين..... إن دراسة عقائد الشرك والوثنية في ذلك العصر وتحليلها تُعطينا النتائج التالية:

1- كان أهل الجزيرة العربية يؤمنون بالله بوصفه مبدأ الوجود وكانت كلمة «الله» شائعةً جداً بينهم وكانوا يعتقدون في الغالب أن الأصنام مظاهر تستحقُّ التقديس والعبادة وكانوا يعتبرونها «آلهة» (= معبودات) لا خالقة للكون والوجود[203]، وكانوا يُنكرون رسالة الأنبياء ويُنكرون المعاد «أي القيامة» ولذا لم يكن نبيُّ الإسلام ص بحاجة إلى إثبات الصانع لهم وكان كفاح الإسلام مُنصبَّاً في أغلبه على إثبات ضرورة توحيد المعبود ونفي الأصنام التي كانوا يعتبرونها شريكةً لِـلَّهِ بصور مختلفةَ! وهناك آيات عديدة في القرآن تُوضِّح هذا المعنى وهو أن الناس في ذلك الزمن كانوا يؤمنون بشكل ما بالله تعالى، كآية: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٦١[العنكبوت: ٦١].

وكانوا يُبرِّرون عبادتهم للأصنام بعدة أقوال منها:

أ) نحن لسنا أهلاً أن نعبد الله بعظمته وعليائه بشكل مباشر ودون واسطة، فهذه الأصنام يُمكنها أن تكون الواسطة بيننا وبين الله[204]. يقول القرآن على لسان هذا الفريق من المشركين: ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ[الزمر: ٣]. و: ﴿هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ[يونس: ١٨]"[205].

ولهذا السبب نرى أن الآية 23 من سورة نوح لم تقل عن تلك الأصنام: «أصنامكم» بل قالت: «آلهتكم»، ذلك لأن الواقع أن الأفراد الصالحين المذكورين هم الذين كانوا موضع التجليل والتوجُّه ولم تكن تلك الأصنام [المنحوتة على أشكالهم] سوى مرآة وآلة للتوجه، وإلا فمن البديهي أن الأخشاب والأحجار بحدِّ ذاتها لم تكن موضع توجه وإجلالٍ وتعظيم[206]. علاوة على ذلك، فقد استخدم القرآن عنوان «دون الله» وهو لفظ عام يشمل الجماد وغير الجماد وذي الشعور وغير ذي الشعور[207].

ولتوضيح المُراد وبيانه، ضرب الله تعالى في الآيات التي أوردناها سابقاً من سورة الحج، مَثَلاً فقال: لو اجتمع جميع المخلوقين وتعاونوا كي يخلقوا ذباباً فإنهم لن يستطيعوا فعل ذلك؛ فكيف تدعون مثل هؤلاء العاجزين وتطلبون منهم الغوث والعون؟! ومن الواضح تماماً أنه ليس المقصود من عبارة «دون الله» في الآية: الصنم الحجري والخشبي، بدليل أن القرآن استعمل في الإشارة إلى من هم «دون الله» ضميرَ «الذين» وضمائر الجمع الخاصة بالعقلاء (ذوي الشعور). أضِف إلى ذلك أن الأنبياء والمقربين - بإجماع المسلمين - لا يستطيعون خلق ذبابة وليس لهم أي مشاركة في خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات، بل حتى المشركون كانوا يُقِرُّون بهذا الأمر. فبِحُكْم هذه الآيات إذاً، لا يجوز دعاؤهم ونداؤهم، فمن يدعوهم ويناديهم لرفع البلاء وكشف الضُّرّ منحرف عن «التوحيد» وليس موحِّداً.

في الآيات (17 و20 و21 و73 و74) من سورة النحل يقول الله تعالى لا تُساووا بين من لا يخلق ومن يخلق. لا يجوز أن تتوجَّهوا في طلب حوائجكم وأدعيتكم إلى من لا يخلق ولا يقدر على الخلق. والخالق تعالى يعلم سرَّكم وجهركم وَمِنْ ثَمَّ فتعلّق أملكم بغير الخالق الذي لا يعلم شيئاً عن باطنكم ولا يعلم صدقكم من كذبكم ليس عملاً مُبرَّراً ولا معقولاً. وتدلُّ الآيتان 20 و21 من سورة النحل[208] أنه لا يجوز دعاء غير الخالق، الذي يموت ولا يعلم متى يُبعث، ومن المعلوم أن الأنبياء والأولياء جميعهم كانوا كذلك[209]. بناءً على ذلك فإن دعاءهم مُخالف للتوحيد. والآية 73 [210] تشمل كل معبود غير الله سواءً كان ذا روح أم جماداً. وتشمل هذه الآية العقلاء أيضاً بدليل كلمة «لَا يَسْتَطِيعُونَ » التي لا تُستعمل في حق الجمادات التي لا تعقل.

إذاً، بناءً على صريح القرآن الذي أمر النبيَّ أن يقول: ﴿قُلۡ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا رَشَدٗا ٢١[الجن: ٢١]، وأن يقول: ﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ[الاعراف: ١٨٨]، فحتى النبيّ ص لا يجوز أن يُدعَى، سواءً قبل رحيله عن الدنيا أو بعد وفاته ورحيله. ومقصودنا من الدعاء بالطبع -كما قلنا مراراً- ذلك الدعاء الذي يستلزم افتراض صفات فوق بشرية للمدعوِّ (أي للنبيّ ص].

وتدل الآية 74 [211] من سورة النحل أنه لا يجوز أن نُشبِّهَ اللهَ المُتعال بالخلق أو نضرب له الأمثال بآرائنا، لأن الله وحده لا مثيل له، فالذين شبَّهوا اللهَ بالمَلِكِ -كما كان يفعل مشركو صدر الإسلام- وقالوا إننا بسبب ما نحن عليه من سواد الوجه وكثرة الذنوب لا نستطيع أن نتصل بالله مباشرةً، كما لا يستطيع أيُّ فرد من الرعية أن يلتقيَ بالمَلِكِ أو برئيس البلاد مباشرةً. ولكي يجعلوا للأنبياء والأولياء تدخُّلاً في عمل الله، قالوا لا بُدَّ لنا من التوجُّه نحو من لهم جاهٌ ومنزلةٌ عند الله وقربٌ منه فهم يستطيعون بما لديهم من القرب والمنزلة أن يتوسطوا لنا ويشفعوا لنا كي يُحقِّق المَلِكُ لنا ما نطلبه. وبهذا القياس نجعل المُقرَّبين من الله شُفعاءَنا في قضاء الحوائج وغُفران الذنوب وأمثالها، كي يطلبوا من الله لنا قضاء حوائجنا أو غُفران ذنوبنا[212]، أقول: إن من قالوا بهذا التشبيه تنكَّبُوا الصواب وأخطؤوا في تمثيلهم وأثبتوا جهلهم بالله، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: قال تعالى: ﴿فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٧٤[النحل: ٧٤]فالله تعالى هو نفسه يذكر في الموارد اللازمة، أمثلةً مناسبةً ولكنه لم يذكر مثل هذا التمثيل، أما أنتم فذكرتم هذا التمثيل المُخالف لنهي القرآن من عند أنفسكم ودون أيِّ دليلٍ أو بيِّنةٍ شرعيّةٍ!

ثانياً: تشبيهكم ومثالكم غير مناسب إطلاقاً لأن الله تعالى يختلف عن المَلِكِ أو رئيس البلاد اختلافاً كبيراً:

1- المَلِكُ ووزراؤه ومُقرَّبوه من جنس واحد، أما الله فليس من جنس الشفعاء.

2- المَلِكُ لا علم له بقلوب الرعية ولا يعرف الصادق من الكاذب، لكن الله تعالى عليم بذات الصدور.

3- المَلِكُ ليس حاضراً مع رعيِّته وناظراً لهم في كل مكان وزمان، بل هو بعيد عنهم، أما الله تعالى فلا يغيب العباد لحظةً عن نظره وعلمه، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد. إضافةً إلى ذلك لو قال سلطانٌ لرعيِّته: راجعوني متى ما كانت لديكم حاجة وأنا دائماً بقربكم. هل يجوز أن تتجاهل رعيَّته هذا الأمر وتُعرض عنه، وتقول للملك: علينا أن نرجع أولاً إلى وزرائك وموظفي بلاطك؟ كلا بالطبع.

4- المَلِكُ يحتاج إلى الوزراء والموظفين ولا يُمكنه أن يحكم دونهم، أما الله فهو غنيٌّ عن العالَمين.

5- يُمكن أن يكون المَلِكُ أقلَّ رحمةً وعفواً من الوزراء والموظفين، أما الله تعالى فلا يُمكن أن يكون أحد أرحم منه لأنه ﴿أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ[الاعراف: ١٥١]فهو أرحم من جميع مخلوقاته وأكثر منهم عفواً وغُفراناً.

6- لا يستطيع المَلِكُ أن يُنجز أكثر من عمل في زمن واحد أو أن يسمع أكثر من صوت في وقت واحد، ولا أن يُجيب أكثر من شخص في آنٍ واحد، أما الله تعالى فليس كذلك بل هو كما وصفه أمير المؤمنين علي ÷: "وَإِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وَفِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ وَمَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَجَان " (نهج البلاغة، الخطبة 195)، "لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ ولا يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ ولا يَحْوِيهِ مَكَانٌ " (نهج البلاغة، الخطبة 178)[213].

علاوةً على ذلك إن كنتم تعتقدون أن النبيَّ والإمام هم بالنسبة إلى الله مثل الموظفين والوزراء بالنسبة إلى المَلِكِ فلماذا نقرأ في «دعاء المشلول» في «مفاتيح الجنان»: "يا مَنْ. .... لَمْ يَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَلا كانَ مَعَهُ وَزيرٌ، وَلاَ اتَّخَذَ مَعَهُ مُشيراً، وَلاَ احْتاجَ إلى ظَهير ". ولماذا نقرأ في البند 99 من دعاء «الجوشن الكبير»: "يا مَنْ لا شَريكَ لَهُ وَلا وَزيرَ "!

23للأسف إن شعبنا يضفي على غير الله الصفات الخاصة بالله وحده!! فمثلاً تجد أن الذين يطوفون حول قبر الإمام أو أحد أحفاده[214] يُخاطبون صاحب القبر جميعاً في آنٍ واحد، ولا يقول أحدهم للآخر اصبر لا تتكلم حتى أنهي كلامي فأنا الآن أُكلِّم الإمام أو روح الإمام! أو لا يصبر أحد حتى يُنهي الآخر كلامه فيبدأ هو بعرض حاجته، بل الجميع يتكلمون في آنٍ واحد ويُخاطبون الإمام أو صاحب القبر!! وهذا معناه أنهم يؤمنون أن صفة الله «لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنِ شَأْنٍ » ثابتة لغير الله (صاحب القبر) أيضاً!!!

والناس لدينا يدعون الإمام أو الوليَّ المُقرَّب في كل مكان سواءً كان الداعي في جوار قبر أم في جوار منزل أم في الشارع [أم فوق جبل أم في عرض البحر]، في النهار أو الليل أو مُنتصف الليل، في السفر أو الحضر وفي أيِّ حالة كانت، ويعتقدون أن دعاءهم مسموع وأن الإمام أو الوليّ سيتوسط لهم ويشفع لهم عند الله[215]!! وهذا بلا شك ولا ريب إضفاءٌ لصفات الله تعالى [وهي اللامحدودية المكانية والزمانية والحضور والمعية مع كل شيء في كل مكان وزمان] على غير الله!!!

ويُخاطب الناس لدينا الإمام الميت أو أحد أحفاده قائلين: اشفِ لي ابني أو حُلَّ لي مشكلتي الفلانية وقس على هذا. كأن الله أوكل إلى الأئمة فعل ذلك! مع أن الله تعالى لم يتخذ لنفسه شريكاً في أيِّ أمر من الأمور ومن جملتها استجابة أدعية العباد واستغاثاتهم.

قال سبحانه: ﴿أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ[الزمر: ٣]، وقال تعالى أيضاً: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّ‍ُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ١٨[يونس: ١٨].

يُشير اسم الإشارة «هؤلاء» وكذلك يرجع ضمير «هم» في كلمة «نعبدهم» وضمير الواو في كلمة «يُقرِّبونا» كلها إلى الأولياء الذين يدعوهم الناس ويرون فيهم مرجعهم في طلب الحوائج ومعبودهم، أي أن المدعوين كانوا من العقلاء وذوي الشعور. وكانوا الأولياء والصالحين أو الملائكة الذين يتوجَّه إليهم المشركون في طلب حوائجهم وفي أدعيتهم ويدعونهم لكي يُقرِّبوهم من الله ويشفعوا لهم عنده، ويقولون: نحن لسنا أهلاً أن نتكلَّم مع الله مباشرةً لأننا مُذنبون ووجوهنا سوداء يملؤنا الخزي والعار، لذا فإننا بحاجة إلى أن نتجه إلى أولئك الأولياء والملائكة ونتذلَّل لهم ونخضع لهم ونُعظِّمهم كي يشفعوا لنا عند الله. وهذا كشأن الناس في زماننا الذين يعتقدون أن كل من قام بتعظيم قبور الأنبياء والأولياء وتكريمها فإن أصحاب تلك القبور سيشفعون له عند الله، ويقولون: نحن لا نعبدهم لكن لما كانت وجوهنا سوداء مليئة بالخزي والعار، ولسنا أهلاً للاتِّصال مباشرة بالله ومُناجاته أو طلب شيء منه، فإننا نتجه إلى النبيّ والأئمة ونجعلهم واسطة بيننا وبين الله كي يشفعوا لنا عنده[216]!!

لإبطال كل هذه الخرافات والحُجج قال تعالى إن الله لا يعلم وجود مثل هذا الشيء في السماوات والأرض والشيء الذي لا يعلمه الله معناه أنه شيء ليس له وجود له أصلاً لهذا لا يتعلَّق علم الله به، لذا يسأل الله في الآية: أتريدون أن تُخبروا الله عن شيء لا يعلمه في السماوات والأرض؟!!! لو كان لمثل هؤلاء الوسطاء والشفعاء وجود لأخبر الله عباده عنهم بلا ريب ولعرَّفهم لعباده في كتابه ولم يترك عباده جاهلين بهم. (فَتَأَمَّل جداً).

علاوةً على ذلك فإن الله تعالى قال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة: ١٨٦]، فالله، خلافاً للملوك ولسائر المخلوقات التي ليست قريبة من كل فرد من العباد، قريبٌ منا في كل لحظة وآن بل أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو معنا أينما كُنَّا. بناءً على ذلك فلا مُبَرِّر إطلاقاً لتوسيط شخص ليس أقرب إلينا من الله. ولا يوجد أحدٌ من المخلوقات حتى الأنبياء والأولياء أقربُ إلينا من حبل الوريد ولا أحدٌ عليمٌ بذات صدورنا. ولهذا السبب قال تعالى ادعوني ولم يقل ادعوا عبادي المُقرَّبين وذلك لأننا عندما ندعو ذاتاً هي أقرب إلينا من أيِّ شيء آخر وعليمةً ببواطننا وأرحمَ بنا من أيِّ كائن آخر، لا نكون بحاجة بأيِّ وجه من الوجوه إلى واسطةٍ أو شفيعٍ. (فَتَأَمَّل)

ولذلك قال الله تعالى بكل صراحة إتماماً للحُجَّة على العباد: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلۡبَٰطِلُ[لقمان: ٣٠].

24ومن ناحية أخرى قال تعالى لنبيِّه: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ[الروم: ٥٢]، وقال أيضاً: ﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ ٢٢ إِنۡ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ٢٣[فاطر: ٢٢، ٢٣].

بناءً على الآيتين الأخيرتين من سورة فاطر لا يستوي الأحياء والأموات أي أن الأموات ليسوا كالأحياء حتى ولو كانوا أنبياء أو صُالحين أو أولياء أو مُقرَّبين، لأنهم بعد رحيلهم عن الدنيا يتمتعون بحياة أخرويَّة لا حياة دنيويّة، وأساساً إن كل مُستمع -ما عدا الله عزَّ وجلّ- حتى ولو كان من الأنبياء والصالحين إنما يستمع بواسطة آلة ويرى بواسطة آلة فلما رحلوا عن الدنيا وتعطلت أعضاء حواسهم (الآذان والأعين.... الخ) انقطعت صلتهم عن الدنيا[217]. بناءً على ذلك فإن ذلك الفريق من المسلمين الذي اغترَّ بخيالات واهية وخرافات موروثة وجاء إلى قبر نبيّ أو وليّ أو حفيد إمام وأخذ يتضرع إليه ويدعوه ويسأله ويُكلِّمه ويطلب منه إذن الدخول إلى حضرته ويُخاطبه بقراءة نص زيارة خاصَّة ويطلب منه تلبية حوائجه ورفع مشكلاته ويظن أن صاحب القبر يسمعه، يقوم بعمل مُخالف تماماً لتعاليم القرآن. (فَتَأَمَّل جداً)

وفي الآية 52 من سورة الروم[218] تمَّ استخدام حرف التأكيد «إِنَّ» وبدون استثناء استخدم الله لفظ «المَوْتَى» الذي هو لفظ جمع جاء في سياق النفي مما يُفيد العموم ويدل على أن الموتى جميعاً بلا استثناء لا يرون المرئيات ولا يسمعون المسموعات، وحتى رسول الله ص لا يُمكنه رغم مقامه العالي الرفيع أن يُسمع الموتى فكيف يُمكن لزيد وعمرو أن يُسمعوا الموتى؟!!

جايى كه عقـــاب پر بـريزد از پشــــه لاغــــــرى چـــــه خيزد؟!

إذا كان ريش النسر يتساقط ما عسى أن تفعله البعوضة الضعيفة

فالذي يذهب إلى قبور الأنبياء والأئمة والشخصيات الدينية العظيمة ويقول: "السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا..... أَشْهَدُ أَنَّكَ تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرُدُّ جَوَابِي وَتَرَى مَقَامِي "[219]!! يشهد على أمر مُخالف للعقل ومُخالف للقرآن وينبغي أن يعلم أنه في شريعة الإسلام شهادة المرء على أمر ليس له به علم صحيح ولم يره بعينه أو يسمعه بأذنه حرام وإثم[220]. (فَتَأَمَّل)

يقول بعض المُدافعين عن الخرافات إن المقصود من «المَوْتَى » في الآية 80 من سورة النمل وفي الآية 52 من سورة الروم موتى القلوب أي الكفار الذين عميت بصائرهم وماتت قلوبهم فشبَّههم الله تعالى بالأموات الحقيقيين، فالمراد من هذه الآية أن النبيّ لا يستطيع أن يُسْمِع كلامَ اللهِ للكُفَّار.

فنقول: إن كلامكم هذا يُثبت كلامنا بشكل أفضل لأن الله شبَّه الكفار والمُعاندين بِـ «الموتى الحقيقيين » و«وجه الشَّبه» في هذا التشبيه هو: عدم القدرة على سماع الكلام لدى «المُشَبَّه» و«المُشّبَّه به»، وكما تعلمون يجب أن يكون «وجه الشَّبه» في «المُشَبَّه به» (الموتى) أقوى منه في «المُشَبَّه» (الكفار)، وَمِنْ ثَمَّ فيجب أن يكون عدم سماع الأموات أمراً مُسلَّماً به وقطعياً كي يُشبِّه الله الكفار والمُعاندين بهم، إضافةً إلى ذلك فقد صرَّح القرآن أن النَّبِيّ الأَكْرَم ص لا يُسمع من في القبور. (فاطر: 22)

25ز) قال الله تعالى مُخاطباً فريقاً من أهل جهنم: ﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ ١٢[غافر: ١٢].

إذا قال شخص للناس لا تدعوا أحداً غير الله حتى على سبيل أن تطلبوا منه أن يتوسط لكم ويشفع لكم عند الله، اعترضوا على كلامه ورفضوه!! وكان عليهم أن يعلموا أن الله اعتبر مثل هذه الحالة نوعاً من عدم الإيمان بالآخرة فقال: ﴿أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَۚ قُلۡ أَوَلَوۡ كَانُواْ لَا يَمۡلِكُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَعۡقِلُونَ ٤٣ قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗاۖ لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٤٤ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ٤٥ قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٤٦[الزمر: ٤٣، ٤٦].

كما نُلاحظ في الآيات أعلاه، فإن سبب عذاب أهل جهنم وشقاءهم هو أنهم عندما كانوا يجدون شخصاً يدعو الله وحده في الدنيا ولا يدعو أحداً غيره، كانوا يشمئزون منه، أما إذا دعا الله ودعا أئمة الدين والصالحين معه، قبلوا ذلك منه وصدَّقوا عمله!! كما نجد في زماننا أنهم يُنادون دائماً غير الله في المجالس والمحافل التي تُقام باسم عبادة الله، فيقولون مثلاً: يا محمد، يا أبا الفضل، يا حسين، يا صاحب الزمان، ويعتبرون ذلك عبادة لِـلَّهِ ويغترُّون بها ويغتبطون بها!! في حين أن الله تعالى قال: ﴿أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥ[الزمر: ٣٦]، فهذه الآية جاءت على سبيل الاستفهام الإنكاري والتوبيخي في مقام إثبات كفاية الخالق، ودلالتها على هذا الأمر أقوى وأشد من دلالة الجملة الخبرية[221].

إن النقطة المُهمّة التي لا يجوز أن نغفل عنها هي أن القرآن (الزمر: 45) اعتبر الحالة المذكورة دليلاً على عدم الإيمان بالآخرة. ولما كان المشايخ يجعلون هذا الأمر بحدّ ذاته حُجَّةً لادِّعائهم أنه بما أن الشيعة يؤمنون بالآخرة فلا تشملهم هذه الآية بل معنى الآية يقتصر على المشركين الذين لم يكونوا يؤمنون بالآخرة!! لذلك أرى من الضروري أن ألفت نظر القُرَّاء الكرام بشكل مؤكد إلى هذه النقطة: وهي مجيء عبارة «مِنْ دُونِهِ » في الآية (يعني من دون الله) لذلك فإذا كان هناك من يدَّعي الإسلام ويعمل مثل من ذَكَرَتْهُم الآية، فهو في نظر القرآن لا يُؤمن بالآخرة ذلك الإيمان الذي يرضاه الله عزّ وجلّ. وبالله عليكم أليس حال كثير من الناس اليوم مُشابهاً لحال من ذكرتهم الآية؟!

إن آخرة الخرافيين مليئة بالوسطاء والشفعاء ولكن الآخرة التي بيَّنها القرآن: أولاً: الشفيع فيها لا يختاره الناس بل الله يأذن له، والشفاعة أساساً ليست سوى أمر محدود واستثنائي. ثانياً: تلك الشفاعة لا تُنال بواسطة مدح أئمة الدين الصالحين وتملُّقهم أو لطم الصدور وضرب البدن بالسلاسل أو أداء أعمال عبادية لغير الله. (فَتَأَمَّل)

أذكر أنني قلت مرّةً لشيخ مُتعصِّب حول هذه الآية: إن الأمر لا يخلو من حالتين إما أن عقيدتي في «توحيد العبادة» صحيحة وأنه لا يجوز دعاء غير الله ولا يجوز مُناداة الأنبياء والأئمة ودعاؤهم، أو أن عقيدتي غير صحيحة. فلو كنت تؤمن حقيقةً بالآخرة وتخاف الحساب يوم الجزاء، فعليك أن تحتمل على الأقل واحد بالمئة أن يكون دعاء غير الله الذي جاء كل هذا الذم له والنهي عنه في القرآن الكريم إثماً وخطيئةً يُحاسب عليها الإنسان يوم القيامة، وأنك ستُسأل في ذلك اليوم العظيم: لماذا كنت تدعو الأئمة؟ أليسوا غير الله؟ متى قال لكم عَلِيٌّ (ع) أو أبو الفضل ادعوني أنا أيضاً حتى دعوتهما واستعنت بهما، إضافةً إلى دعائك الله؟! متى دعا عَلِيٌّ في أدعيته أحداً غير الله أو جعل روح النبيّ واسطة وشفيعاً بينه وبين الله حتى اتَّبعته أنت بقيامك بمثل هذا العمل؟! أين ذكر الله لك أن لا تُؤدِّ أعمالك العبادية إليه مباشرة كالدعاء والنذر والطواف بل قدم هذه العبادات إلى واسطة ذي منزلة لديّ؟! أو إذا أردت أن تطلب مني شيئاً فاطلبه من خلال وساطة واسطة مُقرَّبة؟ أين قال القرآن إن أولاد الأنبياء أو أتباعهم كانوا يستعينون بأنبيائهم بعد وفاتهم ورحيلهم عن الدنيا، ويطلبون منهم المدد ويسألونهم أن يطلبوا من الله أن يغفر لهم؟!!

أما لو كانت عقيدتي غير صحيحة ولم يكن دعاء غير الله ممنوعاً ولا حراماً فهل تحتمل حتى نصف بالألف أن تُحاسب يوم القيامة وأن تُسأل: لماذا اعتبرت الله وحده كافياً لك؟ (الزمر: 36) أو تُسأل: لماذا اعتبرت الله وحده حاضراً ناظراً وسميعاً في كل مكان؟ ولماذا لم تكن تدعو الوسطاء والشفعاء بل تدعو الله وحده مباشرة؟!!!

لا شك أن الذي يؤمن بالآخرة إيماناً صادقاً حقيقياً يحتاط ولا يدعو غير الله لأن احتمال الخطر والضرر والشقاء الأخروي عند دعاء غير الله -بما في ذلك دعاء الأنبياء والأئمة- أقوى بكثير من خطر عدم دعائهم.

صحيح أن الله قال عن المشركين: ﴿وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا ٤٦[الاسراء: ٤٦]، لكن يجب على الذين يدَّعون الإسلام أن يأخذوا العبرة من هذه الآية ولا يعتبرونها قاصرة على مشركي عصر النبيّ وأن يسعوا أن لا يكونوا مثل أولئك! (فَتَأَمَّل). إن الفرق بين كلامي وكلامك أنني أقول: ادعوا الله وحده في طلب الحوائج وطلب المغفرة و....، أما أنتم فتُعارضون هذا الكلام وتقولون: إضافةً إلى الله ادعوا غير الله أيضاً، مع أن القرآن قال مراراً وتكراراً «ادعوا الله» ولم يقل أبداً «ادعوا النبيّ أو الإمام»، وقال عن عباد الله الصالحين: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [السجدة: 16]، ولم يقل: «يدعون نبيَّهم أو إمامهم»، بل قال: ﴿فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨[الجن: ١٨].

***

نأمل أن تكون الآيات القرآنية الكريمة التي أوردناها في الصفحات السابقة سبباً لتنبُّه القراء المحترمين وأن يتدبروها ويتأملوا فيها جيداً فلا يخسروا ببساطة نعمة التوحيد العظيمة لاسيما «توحيد العبادة» ولا ينسوني من صالح دعائهم.

أختم هذا الفصل بكلام رواه الشيخ عبَّاس القُمِّيّ عن أمير المؤمنين علي ÷ رغم أن الشيخ عبَّاس في نظرنا لم يعمل بمفاده، لعلّ هذا الحديث أيضاً يُفيد في وعي القراء وتنبُّههم أكثر، قال الإمام:

"ما لي أرى الناس إذا قُرِّبَ إليهم الطعام ليلاً تكلَّفوا إنارة المصابيح ليُبصروا ما يدخلون بطونهم، ولا يهتمون بغذاء النفس بأن يُنيروا مصابيح ألبابهم بالعلم ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في اعتقاداتهم وأعمالهم؟!"[222].

***

[173] راجعوا في تفسير الآيات الثلاث المذكورة أعلاه ما ذكرناه في تفسير «تابشى از قرآن» [أي شعاع من القرآن]، تأليف كاتب هذه السطور. [174] قال رسول الله (ص): "الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الأسود في الليلة المظلمة". لذا يجب على المؤمن أن ينتبه بشدة إلى حفظِ إيمانه من أن يختلط بالشرك. [175] ينبغي أن ننتبه إلى أن كلمة «الأحبار» تعني مُطلق علماء الدين. ولذلك نجد أن ابن عباس كان يُطلق عليه لقب «حِبْر الأمة»، فالحبر ليس مقصوراً على الأساقفة والآباء المسيحيين أو كهنة اليهود وعلماء دينهم. والراهب أيضاً مفرد كلمة «الرهبان» التي تعني الزُهَّاد الذين يسلكون طريق العُزلة والرهبانية ويُكرِّسون حياتهم للعبادة ورعاية أحكام الشرع ولا يلتفتون إلى الدنيا والأمور الدنيوية وغالباً ما يعيشون في أديرة أو صوامع أو زوايا يتعبدون الله فيها. ويُطلق اللفظ أيضاً على المُتَّقين الورعين من الرهبان. ولكنني لما كنت أعلم أن الخرافيين والمُتحجِّجين سيناقشون هذا التفسير للآية فإنني سأذكر التفسير المشهور لدى عامة الناس وأوضح الآية طبقاً لذلك التفسير : تقول الآية يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من علماء الدين اليهود ورهبان النصارى ليأكلون أموال الناس بغير وجه حق ويصدون الناس عن سلوك سبيل الله. ينبغي أن ننتبه إلى أنه لا يُمكن أن نحصر معنى الآية بذمِّ علماء اليهود والنصارى وزُهَّادهم لأن المُخاطَبين في الآية هم المسلمون إذ بدأت الآية بقوله تعالى: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ». فالآية تريد أن تلفت أنظار المؤمنين إلى أنه لا يجوز أخذ العقائد وأحكام الشريعة من أشخاص لمجرَّد أنهم من العلماء والأحبار والزُّهَّاد، بل لا بُدّ من أن يُطالب العلماء والزُهّاد بالدليل الشرعي على أقوالهم. هذا هو المعنى المقصود. وإلا فإن مُجرّد إخبار المسلمين بأن علماء اليهود ورهبان النصارى يصدون الناس عن سلوك سبيل الله ويأكلون أموال الناس بالباطل أمر لا علاقة للمسلمين به إذ إن هؤلاء لا يأكلون أموال المسلمين، علاوةً على أنه عندئذ لا حاجة إلى قيد «كثيراً» لأن اليهود والنصارى -ليس كثيراً منهم فقط- بل جميعهم يُعارضون الإسلام ويصدون الناس عن اتِّباعه. (فَتَأَمَّل) في الواقع إن الآية تريد أن تُحذر المسلمين من الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى وهو قبولهم لأقوال أحبارهم ورهبانهم دون دليل، وذلك لأن ما هو سيء لليهود والنصارى سيء أيضاً للمسلمين ولا يجوز للمسلم أن يقبل كلام أي شخص حتى لو كان عالماً أو زاهداً ما لم يستند كلامه إلى دليلٍ شرعيٍّ وحُجّةٍ قاطعة. وليس المراد من جملة « لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ» أنهم كانوا يأخذون أموال الناس بالجبر والإكراه، بل المُراد أنهم كانوا يأكلون أموال الناس بعناوين شرعية وبحُجّة العمل بحكم من أحكام الدين، كما يفعل كثير من العلماء والروحانيين في زماننا الذين يسترزقون من أموال الناس باسم الدين ويأخذون من الناس أموالاً باسم الحقوق الشرعية وسهم الإمام وخُمس غير الغنائم الحربية الذي لم يُشرَّع في الإسلام أصلاً، ويعتبرون ذلك من فروع الدين، ولا يولون الزكاة التي أكَّد القرآن عليها مراراً وتكراراً ذلك الاهتمام الواجب والذي تستحقه ويحصرونها بأموال محدودة!! وذلك لأن الزكاة بتصريح القرآن يجب إنفاقها على الفقراء والمساكين ومصالح المسلمين العامة ولا تختص بالعلماء العباد والزهاد. فالمسلمون أيضاً ابتُلوا بطاعة مشايخهم المُعمَّمين وقبول أقوالهم لمُجرَّد أن العالم الفلاني قال ذلك دون أن يُحققوا في صحة قوله وأدلته. وإذا تساءل شخص حول جملة «وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ» مُتعجِّباً كيف يُمكن لعلماء الدين والزهاد أن يصدوا الناس عن سبيل الله؟ فإني ألفت نظره إلى أنه من الواضح أن مثل هؤلاء الأفراد لا يقولون للناس صراحةً: لا تسلكوا سبيل الله، لأنهم حسب الظاهر يتمسكون بالدين والشريعة ويعتبرون أنفسهم من الدعاة إليها والمُروِّجين لها، لكنهم عملياً يتركون الدين الواقعي ويشتغلون بالدعوة إلى أمور باسم الدين يقومون بترويجها بين الناس مع أنها ليست من الدين. فمثلاً يُصوِّرون دين الإسلام -الذي هو دين التحقيق وطلب الدليل والبرهان- بأنه دين يأمر الناس بتقليد العلماء. وبدلاً من الجهاد في سبيل الله يُعلِّمون الناس البكاء والعويل والنياحة ولطم الصدور وضرب الأجسام بالسلاسل وقراءة الأشعار والمدائح. لقد أنشؤوا إلى جانب المساجد أبنية باسم «الحسينية» و«المهدية» و«الفاطمية» وسكت العلماء عن ذلك، فبدلاً من التوحيد والتوجه إلى الله وحده، علَّموا الناس التوجه إلى الأنبياء وإلى أئمة الدين الصالحين وقراءة الأدعية الشركية مثل دعاء الندبة ودعاء التوسل!! وشجعوهم على تملّق أولياء الله والتزلف لهم بالمدائح مع أنهم انتقلوا من دار الفناء إلى دار البقاء [وليسوا بحاجة إلى تلك المدائح]. وللأسف يظنُّ الناس أن كل من وضع على رأسه عمامة وتلقَّب بألقاب فخمة مثل: ثقة الإسلام أو المرجع الكبير أو آية الله العظمى .....، فإن كل ما يقوله موافق للقرآن، ويظنون أيضاً أن المشايخ خُدَّامٌ مُخلصون للدين ودُعاةٌ صادقون إلى حقائق الإسلام لكن الواقع غير ذلك، فلقد أمضيتُ سنوات طويلة من عمري في الحوزات العلمية في قم والنجف ومشهد، أدرس فيها العلوم الشرعية بين علماء الدين وطُلاب الشريعة وتعرَّفْتُ على نقاط ضعفهم وقوتهم عن كثب. وسآتي هنا فقط بأقوال بعض علماء الدين الذين نالواكثيراً من الثناء والمدح والتقدير بعد الثورة. آمل أن تُوقظ هذه الأقوال القراء الأعزاء وتُوعيهم وما ذلك على الله بعزيز. القول الأول أنقله عن صاحب تفسير «الميزان» [محمد حسين الطباطبائي] الذي قاله في تفسيره للآيات من 15 إلى 19 من سورة المائدة إذ قال: "وذلك أنك إن تبصَّرت في أمر هذه العلوم وجدت أنها نُظِّمت تنظيماً لا حاجة لها إلى القرآن أصلاً، حتى أنه يُمكن لمتعلم أن يتعلمها جميعاً: الصرف والنحو والبيان واللغة والحديث والرجال والدراية والفقه والأصول، فيأتي آخرها، ثم يتضلَّع بها ثم يجتهد ويتمهّر فيها وهو لم يقرأ القرآن، و لم يمسّ مصحفاً قط......الخ". وكتب الأستاذ «مرتضى مطهري» أيضاً حول ترك الناس للقرآن وهجره يقول: "إن كان علم الشخص علمه بالقرآن أي كان من أهل تدبر القرآن وكان عالماً بشكل كامل بتفسير القرآن، كم يا تُرى سينال احتراماً بين الناس؟ لا شيء! ولكنه إذا كان عالماً بكفاية الآخوند مُلَّا كاظم الخراساني، فإنه سيُعتبر شخصاً محترماً وفاضلاً وذا شخصية جليلة! فالقرآن أصبح مهجوراً بيننا وكل ما أصابنا من شقاء وبلاء فهو بسبب إعراضنا عن القرآن. كان أحد علمائنا الأفاضِل يقول: ذهبتُ إلى لقاء آية الله الخوئي -سلَّمه الله تعالى- وقلتُ له: لماذا تركت درس التفسير الذي بدأت به سابقاً؟ ... فأجاب قائلاً: إن هناك عوائق ومشكلات في درس التفسير..... فقلتُ له: إن العلامة الطباطبائي واصل درس التفسير في قم بل كرّس معظم وقته لهذا الأمر فماذا حصل؟ فقال: لقد ضحَّى السيد الطباطبائي. أي أن السيد الطباطبائي ضحَّى بنفسه وسقطت شخصيته من الناحية الاجتماعية. وحقَّاً ما قال! العجيب أنه في أكثر مراكزنا الدينية أهميةً، عندما يصرف الإنسان عمره على القرآن يُبتَلى بمئات المشاكل والمصاعب، فتجده يخسر كل شيء: الرزق، المعاش، الشخصية والاحترام. أما لو صرف عمره في دراسة كتب مثل «الكفاية» فإنه ينال كل شيء. ولذلك يوجد آلاف الأشخاص الذين يعرفون «الكفاية» أربعة أضعاف، أي يعرفون الكفاية والردِّ عليها وردِّ ردِّها والردِّ على ردِّ ردِّها!! ولكن لا يوجد شخصان يعرفان القرآن بشكل جيد!!!كل من سألته عن تفسير آية قال لك: يجب الرجوع إلى التفاسير .....الخ". (ده گفتار، مقالة رهبرى نسل جوان) [أي كتاب: المقالات العشرة، مقالة زعامة جيل الشباب]. القول الثاني سأذكره نقلاً عن مُنظمة «فدائيان إسلام» أتباع المرحوم السيد «مجتبى مير لوحي» (أي نوّاب صفوي)، الذين كنتُ قريباً منهم جداً في أيام شبابي. قالوا في كتاب «راهنماى حقايق» [أي المُرشد إلى الحقائق] مُخاطِبين المشايخ ذوي الألقاب الكبيرة الذي يَبْدُون أنهم شخصيات عظيمة الفضل في نظر العامة: "إنك بذلت من الجهود للوصول إلى المنصب والرئاسة ما لم تبذل واحداً على الألف منه في كل عمرك لحفظ الإسلام. أقسم بالله أنك لو شعرت بأي خطر على منصبك ومقامك الدنيوي ستكون مستعداً للقيام بكل تكفير أو تفسيق، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار ببنيان الإسلام المُقدّس، فلا يهمك أن يتم حرق وإبادة حصيلة مصائب الأنبياء ومحمد وآل محمد ونتيجة الدم المُقدّس لحضرة سيد الشهداء عليه السلام فلذة كبد النبيّ صطالما لم تشعر أن في ذلك خطراً على شخصيتك ومقامك!!". (وعلى من يريد التفصيل أن يرجع إلى الكتاب المذكور). وكتب الأستاذ «مرتضى المطهري» حول طريقة عيش عدد من الشيوخ يقول: "إن شيوخ الشيعة ..... مضطرون إلى مراعاة ذوق عوام الناس وعقيدتهم، وأن يُحافظوا على حُسن ظن الناس بهم. وأغلب مفاسد علماء الدين الشيعة منشؤها هذا الأمر بالذات ..... إن مما يبعث على الأسف الشديد هو أن الناس يرون بأمّ أعينهم أولاد بعض مراجع التقليد الكبار وأحفادهم ومن يلوذ بهم من حواشيهم، يتصرفون بأموال المرجعية بلا نظم ولا حساب ويختلسون من أموال علماء الدين ويصرفونها بكل إسراف خلال سنين مديدة ولا ينتهي هذا الأمر ....الخ". فاعتبروا يا أولي الأبصار. (يُمكن لمن أراد التفصيل أن يرجع إلى كتاب «ده گفتار» أي المقالات العشرة، مقالة المشكلة الأساسية في مؤسسة علماء الدين). [176] من المفيد الرجوع في هذا الموضوع إلى تفسير «تابشي از قرآن» أي شعاع من القرآن. [177] ورد في الأحاديث أن «الدعاء مخّ العبادة». انظر ما قاله الطَّبْرَسِي، في «مجمع البيان» ذيل الآية 60 من سورة غافر، إذ نقل أحاديث نذكرها فيما يلي: قال النبيُّ (ص): «الدعاء هو العبادة». وقال الإمام الباقر (ع): «أفضل العبادة الدعاء». وقال الإمام الصادق (ع) عن الدعاء: «هي العبادة الكبرى». [178] نتعجَّب من المشايخ الذين كلما رأوا حديثاً أو أثراً ليس في صالح رواج دكانهم تحاشوا ذكره إلا قليلاً! ومن جملة ذلك أنني نادراً ما رأيت أحداً يُشير خلال تفسيره للآية 60 من سورة غافر إلى ما قاله الإمام السجاد (ع) في البند 15 من الدعاء رقم 45 في الصحيفة السجادية حين قال: "وَقُلْتَ: (ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ اسْتِكْبَاراً". (وراجعوا أيضاً وسائل الشيعة، ج 4، ص 1083- 1084). أو إلى ما جاء في البند 13 من الدعاء رقم 46 من الصحيفة السجادية الذي يقول: "خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إلاَّ لَكَ، وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إلاّ بِكَ ". [179] نهج البلاغة، الخطبة 133. [180] المقصود هو ذلك النوع من الدعاء الذي يستلزم افتراض صفات إلهية للمَدْعُوِّ. [181] كما جاء في «مفاتيح الجنان» (في فضيلة وأعمال شهر رمضان المبارك، دعاء أبي حمزة الثمالي) أن حضرة السجاد (ع) قال: "وَالْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي لَا أَدْعُو غَيْرَهُ وَلَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لِي دُعَائِي". وروي أيضاً في «الصحيفة السجادية» أنه دعا قائلاً: "لاَ يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي، وَلاَ يَتَّفِقُ أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي". (وكان من دعائه عليه السلام متفزعاً إلى الله عز وجل). وقال أيضاً: "فَلاَ أَدْعُو سِوَاكَ، وَلاَ أَرْجُو غَيْرَكَ". (دعاؤه في التضرع). وروي عن عَلِيٍّ (ع) أنه قال في دعائه: "وَرَبِّيَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَلَا أَدْعُو مَعَهُ إِلَهاً آخَر". (الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الرابع والعشرين من الشهر). وقال الإمام الصادق (ع) أيضاً: "لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُشْرِكاً حَتَّى يُصَلِّيَ لِغَيْرِ اللهِ أَوْ يَذْبَحَ لِغَيْرِ اللهِ أَوْ يَدْعُوَ لِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". (خصال الصدوق، الحديث 341). [182] جاء في حاشية كتاب «مفاتيح الجنان» ذاته (وفيها كتاب «الباقيات الصالحات» للشيخ عباس القُمِّيّ ذاته، في قسم «أدعية العافية» نقلاً عن كتاب «عدَّة الداعي») عن الإمام الصادق÷أنه قال: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَيَّرْتَ أَقْوَاماً فَقُلْتَ: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا فَيَامَنْ لَا يَمْلِكُ كَشْفَ ضُرِّي وَلَا تَحْوِيلَهُ عَنِّي أَحَدٌ غَيْرُه .... الخ". وكذلك نقرأ في البند 90 من دعاء الجوشن الكبير: "يَا مَنْ لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا هُوَ ". [183] «تفسير نمونه» تفسير كامل للقرآن بالفارسية يقع في 20 جزءاً، ألَّفه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، أحد مراجع الشيعة الإمامية المعاصرين في قم، الذي لا يزال على قيد الحياة. وتُرجِم إلى العربية باسم: «الأمثل في تفسير كتاب الله المُنْزَل» في 20 مجلداً أيضاً. (الـمُتَرْجِمُ) [184] هو السيد محمد حسين الطباطبائي، من علماء الشيعة الإمامية في القرن العشرين، توفى سنة 1412هـ./1992م. كان ذا مشرب فلسفي عرفاني، وترك عدداً من الكتب في الفلسفة وغيرها، ومن أبرز مؤلفاته تفسيره «الميزان» بالعربية في 20 مجلداً، وتُرجم كله إلى الفارسية أيضاً. (الـمُتَرْجِمُ) [185] أي قوله تعالى: ﴿ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِي[الانبياء: ٢٤](الـمُتَرْجِمُ) [186] أي قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨[الانبياء: ٩٨]. (الـمُتَرْجِمُ) [187] للاطِّلاع على هذا الإشكال الذي استشكله المشرك «ابن الزبعري» راجعوا ما سنذكره بعد صفحتين. [188] الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، الطبعة الحجرية، ج 2، ص 295. [189] أي قوله تعالى: ﴿ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٢٢ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡجَحِيمِ ٢٣[الصافات : ٢٢، ٢٣]. (الـمُتَرْجِمُ) [190] السيد گازر هو حسب رأي فريق من المحققين: السيد الشيخ أبو المحاسن بن الحسن الجرجاني، من علماء الإمامية ومتكلميهم في القرن التاسع أو العاشر الهجري، ومؤلف نصف تفسير: «جلاء الأذهان وجلاء الأحزان» بالفارسية. (الـمُتَرْجِمُ) [191] كما تدل على هذه الحقيقة: الآيةُ 41 من سورة سبأ [أي قوله تعالى: ﴿قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ ٤١]. [192] كما تُشير الآية 18 من سورة الفرقان إلى هذا الموضوع. [وهي قوله تعالى: ﴿قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا ١٨. [193] جلاء الأذهان وجلاء الأحزان، [تفسير كامل بالفارسية في 11 جزءاً]، أبو المحاسن الحسين بن الحسن الجرجاني، باهتمام مير جلال الدين الحسيني الأرموي، ج6، ص 163 -164. [194] راجعوا على سبيل المثال تفسير «مقتنيات الدرر» للسيد الحائري الطهراني، دار الكتب الإسلامية، (طهران)، ج 7، 198 - 199 . [195] من الواضح تماماً أن الأشخاص من أمثال: العزير وعيسى ومريم عليهم السلام الذين عُبِدوا، ليسوا ممن يعتبرون أنفسهم ضالين يوم القيامة، بل هم يتبرؤون ممن عبدهم ودعاهم ويكذِّبون من فعل ذلك ويعترضون على فعله. وسنوضح هذه النقطة بتفصيل أكبر لاحقاً في الكتاب الحالي. [196] خاصة أنهم قد رحلوا عن الدنيا ولم يعد لهم آذانٌ يسمعون بها أصوات هذا العالَم، ولذا فإن دعاءهم ونداءهم لغو محض. [197] روى الشيخ الحر العاملي رواية جاء فيها أن الإمام قال: "مَا جَاءَكُمْ عَنَّا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَخْلُوقِينَ فَاجْحَدُوهُ وَلَا تَرُدُّوهُ إِلَيْنَا " («إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات»، ج 7، ص 468). أقول (الـمُتَرْجِمُ): ورواه المجلسي في بحار الأنوار، ج 25، ص 364. [198] صرّح العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ذيل تفسيره للآية 98 من سورة الأنبياء أن الله تعالى ذَكَرَ في أغلب كلامه الأصنام بألفاظ خاصة بذوي العقول. (تفسير الميزان، ج 14، ص 327). [199] وعلى النحو ذاته نجد الناس في زماننا لا يعتبرون الذهب أو الفضة أو الألمنيوم بحد ذاتها أشياء ذات قداسة أو مُحترمة أو قابلة للتَبَرَّكُ بها، لكن بمجرد أن تُستخدم تلك المعادن في بناء ضريح إمام أو عبدٍ صالحٍ من ذريَّته، يعتبرونها مقدَّسَةً و يَتَبَرَّكُون بها -لانتسابها إلى ذلك الإمام أو أحد ذريته- فتجدهم يقبِّلونها، ويضعون جباههم عليها، ويمسحون أيديهم بها ثم يمسحون أيديهم برؤوسهم ووجوههم!! ويرى العلماء هذه الأفعال ولا يعترضون عليها! (فتأمَّل) [200] ابن الكلبي: هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي الكوفي الشيعي المعروف بابن الكلبي (ت 204هـ) نسَّابَة ومؤرِّخ وراوِيَة، ألَّف عديداً من الكتب، منها كتابه «الأصنام» الذي يُعتبَر من المراجع المهمَّة للتعرف على ديانة العرب زمن الجاهلة وإبَّان ظهور الإسلام. (الـمُتَرْجِمُ) [201] أي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا ٢٣ [نوح: ٢٣]. (الـمُتَرْجِمُ) [202] "عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللهِ صكَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ!". الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والنسائي وابن ماجه في سننهما، وانظره في التاج الجامع للأصول، ج1، ص243-244. وَرُوِيَ عَنِ النبيّ الأكرم ص أيضاً أنه قال: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ والنَّصَارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ". (كتاب «المصنَّف» للشيخ عبد الرزاق الصنعاني، ج5، ص 431 الحديث 9754. و ج6، ص 53، الحديث 9987. و «من لا يحضره الفقيه» للشيخ الصدوق، ج1، ص 178، الحديث 532. و مسند الإمام زيد، مكتبة الحياة، ص 177. وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ج1، باب 3، الأحاديث 13 إلى 29. كما رُوي الحديث المذكور في موطأ مالك و صحيح البخاري وسنن الترمذي وسنن أبي داود ومسند أحمد بن حنبل. [203] صرَّح العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير «الميزان»، ذيل الآية 19 من سورة الأنبياء أن المشركين الوثنيين الذين كانوا يعتقدون أن الآلهة تُشارك الله في التدبير وفي لزوم عبادتها، ولكنهم لم يكونوا يعتبرون أحداً شريكاً لِـلَّهِ في المُلْك. [204] حول هذا التشبيه الذي يقول به المشركون راجعوا الفقرة هـ في هذا الفصل من الكتاب الحالي. [205] الشيخ جعفر السبحاني، «راز بزرگ رسالت» [أي سر الرسالة العظيم]، انتشارات مكتبة المسجد الجامع في طهران، الصفحات: 233 و 234 و 243 و 244. [206] روى الشيخ عبَّاس القُمِّيّ: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ص مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ. فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ (ع) وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ! فَقَالَ ص: قَاتَلَهُمُ اللهُ أَمَا واللهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ". (بحار الأنوار، ج 21، ص 106). [207] لابد أن ننتبه إلى عموم النهي القرآني. إن اعتراض القرآن على المشركين كان فحواه: لماذا تتعاملون مع ما هو «من دون الله» التعامل الذي يليق بالله فقط؟! ولم يكن اعتراض القرآن أنه لماذا تتشبثون بفلان (أ) وتجعلونه واسطةً بينكم وبين الله، ولا تتمسكون بفلان (ب) ليكون هو الواسطة بينكم وبين الله؟! [أقول (الـمُتَرْجِمُ): يعني أن الاعتراض القرآني هو على أصل اتخاذ الشفعاء والوسطاء من الأساس، لا على هوية الشفيع أو الوسيط. فتأمَّل]. [208] أي قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ ٢٠ أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٢١[النحل: ٢٠، ٢١]. [209] أجمع المسلمون على أن الرسول الأكرم ص تُوفي ورحل عن هذه الدنيا وأنه لم يكن يعلم متى تقوم الساعة كما بيَّنت ذلك آيات القرآن الصريحة (الأعراف: 187)، وكما قال الإمام السجاد (ع) أيضاً: "أَيْنَ السَّلَفُ الْمَاضُونَ وَالْأَهْلُون وَالْأَقْرَبُونَ وَالأَوَّلُون وَالآخِرُون وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ طَحَنَتْهُمْ واللهُ الْمَنُونُ وَتَوَالَتْ عَلَيْهِمُ السِّنُونَ وَفَقَدَتْهُمُ الْعُيُونُ وَإِنَّا إِلَيْهِمْ صَائِرُونَ فَإِنَّا لِـلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُون".‏ (منتهى الآمال، الشيخ عبَّاس القُمِّيّ، ج 2، ص 20 وَ21). [210] أي قوله تعالى ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ٧٣[النحل: ٧٣]. [211] أي قوله تعالى: ﴿فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٧٤[النحل: ٧٤]. [212] قارنوا بين هذا القول وبين ما ذكره الشيخ جعفر السبحاني عن قول مشركي مكة في الصفحة 109 من الكتاب الحالي. [213] وجاء في مفاتيح الجنان في دعاء الجوشن الكبير (البند 99) "يَا مَنْ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ يَا مَنْ لَا يَمْنَعُهُ فِعْلٌ عَنْ فِعْلٍ يَا مَنْ لَا يُلْهِيهِ قَوْلٌ عَنْ قَوْلٍ يَا مَنْ لَا يُغَلِّطُهُ سُؤَالٌ عَنْ سُؤَالٍ ". كما يروي الشيخ عبَّاس القُمِّيّ في ص 15 من كليات مفاتيح الجنان (ص 48 من المفاتيح المعربة) في التعقيبات العامة للصلوات اليومية دعاءً عن الصحيفة العلوية فيه: "يا مَنْ لا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ وَيا مَنْ لا يُغَلِّطُهُ السّائِلُونَ ...". ونقرأ في الدعاء الخامس من أدعية الأسحار في شهر رمضان -كما جاء في كتاب «مفاتيح الجنان»، ص 197 - 198 (ص 277 من المفاتيح المعربة): "يَا مَنْ...... لَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا يَشْغَلُهُ شَيْ‏ءٌ عَنْ شَيْ‏ءٍ". [214] ينبغي أن ننتبه إلى أن الطواف صنف من صنوف العبادات، ولا يجوز تقديم العبادات مثل الطواف والدعاء والنذر و..... إلى غير الله تعالى. ومن ثَمَّ فلا يجوز الطواف حول غير الكعبة دون دليل شرعيّ صحيح. (فَتَأَمَّل). ومن المناسب هنا أن أذكر حديثاً رواه أحمد الطبرسي في كتابه «الاحتجاج» عن النَّبِيّ الأَكْرَم ص أنه لما جاءه المشركون يُجادلونه حول أصنامهم وقالوا مُبرِّرين لعبادتهم الأصنام: ...... إِنَّ هَذِهِ [أي الأصنام] صُوَرُ أَقْوَامٍ سَلَفُوا كَانُوا مُطِيعِينَ لِـلَّهِ قَبْلَنَا فَمَثَّلْنَا صُوَرَهُمْ وَعَبَدْنَاهَا تَعْظِيماً لِـلَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَفَاتَنَا ذَلِكَ فَصَوَّرْنَا صُورَتَهُ فَسَجَدْنَا لَهُ تَقَرُّباً إِلَى اللهِ تَعَالَى كَمَا تَقَرَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَكَمَا أُمِرْتُمْ بِالسُّجُودِ بِزَعْمِكُمْ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ [الكَعْبَةَ‏] فَفَعَلْتُمْ ثُمَّ نَصَبْتُمْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِأَيْدِيكُمْ مَحَارِيبَ سَجَدْتُمْ إِلَيْهَا وَقَصَدْتُمُ الْكَعْبَةَ لَا مَحَارِيبَكُمْ وَقَصْدُكُمْ بِالْكَعْبَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا إِلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: أَخْطَأْتُمُ الطَّرِيقَ وَضَلَلْتُمْ ..... أَخْبِرُونَا عَنْكُمْ إِذَا عَبَدْتُمْ صُوَرَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَسَجَدْتُمْ لَهُ وَصَلَّيْتُمْ فَوَضَعْتُمُ الْوُجُوهَ الْكَرِيمَةَ عَلَى التُّرَابِ بِالسُّجُودِ لَهَا فَمَا الَّذِي أَبْقَيْتُمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ يَلْزَمُ تَعْظِيمُهُ وَعِبَادَتُهُ أَنْ لَا يُسَاوَى بِهِ عَبْدُهُ؟ أَرَأَيْتُمْ مَلِكاً أَوْ عَظِيماً إِذَا سَاوَيْتُمُوهُ بِعَبِيدِهِ فِي التَّعْظِيمِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ أَيَكُونُ فِي ذَلِكَ وَضْعٌ مِنَ الْكَبِيرِ كَمَا يَكُونُ زِيَادَةٌ فِي تَعْظِيمِ الصَّغِيرِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَفَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ مِنْ حَيْثُ تُعَظِّمُونَ اللهَ بِتَعْظِيمِ صُوَرِ عِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ لَهُ تَزِرُونَ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ فَسَكَتَ الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ قَالُوا سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص لِلْفَرِيقِ الثَّالِثِ: لَقَدْ ضَرَبْتُمْ لَنَا مَثَلًا وَشَبَّهْتُمُونَا بِأَنْفُسِكُمْ وَلَا سَوَاءَ وَذَلِكَ لِأَنَّا عِبَادُ اللهِ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ، نَأْتَمِرُ لَهُ فِيمَا أَمَرَنَا، وَنَنْزَجِرُ عَمَّا زَجَرَنَا، وَنَعْبُدُهُ مِنْ حَيْثُ يُرِيدُهُ مِنَّا، فَإِذَا أَمَرَنَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَطَعْنَاهُ وَلَمْ نَتَعَدَّ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا، لِأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ أَرَادَ مِنَّا الْأَوَّلَ وَهُوَ يَكْرَهُ الثَّانِيَ وَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ أَطَعْنَا ثُمَّ أَمَرَنَا بِعِبَادَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ نَحْوَهَا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ الَّتِي نَكُونُ بِهَا فَأَطَعْنَا فَلَمْ نَخْرُجْ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ. وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ أَمَرَنَا بِالسُّجُودِ لآِدَمَ لَمْ يَأْمُرْ بِالسُّجُودِ لِصُورَتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّكُمْ لا تَدْرُونَ لَعَلَّهُ يَكْرَهُ مَا تَفْعَلُونَ إِذْ لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ص: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَذِنَ لَكُمْ رَجُلٌ فِي دُخُولِ دَارِهِ يَوْماً بِعَيْنِهِ أَلَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا دَاراً لَهُ أُخْرَى مِثْلَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ وَهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ عَبْداً مِنْ‏ عَبِيدِهِ أَوْ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ أَلَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَأْخُذُوهُ أَخَذْتُمْ آخَرَ مِثْلَهُ. قَالُوا: لَا. لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَنَا فِي الثَّانِي كَمَا أَذِنَ لَنَا فِي الْأَوَّلِ. قَالَ: فَأَخْبِرُونِي اللهُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتَقَدَّمَ عَلَى مِلْكِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ بَعْضُ الْمَمْلُوكِينَ. قَالُوا: بَلِ اللهُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. قَالَ: فَلِمَ فَعَلْتُمْ وَمَتَى أَمَرَكُمْ أَنْ تَسْجُدُوا لِهَذِهِ الصُّوَرِ؟ قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ: سَنَنْظُرُ فِي أُمُورِنَا وَسَكَتُوا". (أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي (ت القرن 6 هـ؟)، الاحتجاج على أهل اللجاج، مطبعة النعمان، تعليقات محمد باقر الخراسان، ج 1، ص 22 فما بعد). [215] قال أمير المؤمنين علي÷عن الله عز وجل: اسْتَنْجِحُوهُ وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَمْنِحُوهُ فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ وَلَا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ وَإِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وَفِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ وَمَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَجَان‏". (نهج البلاغة، الخطبة 195). وقال أيضاً: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ ولا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً والْمُسْتَصْحَبُ لا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً ". (نهج البلاغة، الخطبة 46). بناءً على ذلك فإن الله وحده حاضر ناظر في كل مكان وكل حين وليس أحد كذلك إلا الله. [216] قارنوا بين هذا القول وبين ما ذكره الشيخ جعفر السبحاني عن قول مشركي مكة في الصفحة 109 من الكتاب الحالي. [217] لقد بيَّن لنا القرآن أنه لما أمات الله نبيّاً مئة عام ثم بعثه انقطعت صلة ذلك النبيّ خلال تلك الفترة بالدنيا فلما بُعث لم يكن يعلم بما جرى في الفترة التي كان ميتاً فيها ولا بمُدَّتها. (البقرة: 259). [218] أي قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ ٥٢[الروم: ٥٢]. [219] مستدرك الوسائل، ج10، ص 345 نقلاً عن كتاب «عدَّة الداعي» لابن فهد الحِلِّي. وانظر بحار الأنوار، ج97، ص 295، نقلاً عن الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس، و ج 97، ص 375 في زيارة أمير المؤمنين التي روها المجلسي بقوله: "الشَّيْخُ الْمُفِيدُ وَالشَّهِيدُ وَالسَّيِّدُ بْنُ طَاووُسٍ فِي كِتَابِ الْإِقْبَال..." وذكر الزيارة. وهذه العبارة موجودة في كثير من الزيارات. (الـمُتَرْجِمُ) [220] يُشير إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا ٣٦[الاسراء: ٣٦](الـمُتَرْجِمُ) [221] جاء في البند 93 من دعاء «الجوشن الكبير» في «مفاتيح الجنان»: "يا كافياً من كل شيء". [222] منتهى الآمال، الشيخ عبَّاس القُمِّيّ، ج 2، ص 13. والرواية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 261.