سبب عدم إيمان النصارى بمحمد ﷺ
السؤال: ما سبب انصراف علماء النصارى وعامتهم عن الإيمان بمحمد ﷺ والقرآن النازل عليه؟ [6/80]
الجواب [رقم: 3]:
إن أكبر صارف يصرف علماء النصارى وعامتهم عن اعتناق دين الإسلام واعتقاده، وعن التصديق بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وبالقرآن النازل عليه الذي ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد ٤٢﴾[سورة فصلت، الآية: 42] هو تأثرهم بتنفير القسيسين والمبشرين[أطلق عليهم المبشرين من باب ذكرهم بما عرفوا به وإلا فإن دعوتهم لا تعد تبشيرًا] عن الإسلام، وكثرة كذبهم وافترائهم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، بقولهم بأنه رجل عاقل، وأنه عبقري، وأن هذا القرآن هو شيء فاض على نفسه بدون أن يوحي به الله إليه، أو ينزل به جبريل عليه، تعالى الله عن قولهم وإفكهم علوًّا كبيرًا.
فهم يتلقون هذا الكذب من القسيسين والمبشرين مما جعلهم يتأثرون به، ويتربون في حال صغرهم على اعتقاده. فهذا التأثر والتأثير قد أُشرِبت به قلوبهم حتى صار لهم طريقة وعقيدة، فهو أكبر صارف يصرفهم عن الإسلام، وعن التصديق بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
والأمر الثاني: هو أن تكذيب أذكيائهم، والمفكرين منهم، إنما نشأ عن عدم معرفتهم باللغة العربية، التي هي لغة الإسلام، والتي يعرف بها بلاغة القرآن، لكون القرآن نزل بلسان عربي مبين.
فبلاغة القرآن بلغته، ومعرفة أحكامه وحكمته، وعموم هدايته ومنفعته، وذوق حلاوته، كل هذا إنما يدرك عن طريق لغته، كقوله سبحانه: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون ٣ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون ٤﴾[سورة فصلت، الآيتان: 3 – 4].
إن عدم معرفة الأمم للغة العربية التي هي لغة القرآن هو أكثف حجاب يحول بينهم وبين اعتناق الإسلام واعتقاده، والتصديق بالرسول وبالقرآن النازل عليه.
أما ترجمة القرآن الموجودة بأيدي النصارى الآن - وقد تُرجم عدة تراجم - كلها ليست بالقرآن، وتبعد جدًّا عن بلاغة القرآن، وفيها الشيء الكثير من الخبط والخلط، الخارج عن معاني القرآن، فلا تسمى قرآنًا. وإنني أنصح عقلاء النصارى المستقلة أفكارهم، بأن يوجهوا عنايتهم ورغبتهم إلى تعلم اللغة العربية، فإن تعلمها يعد من الأمر الواجب على كل أحد، وخاصة من يرغب في الدخول في الإسلام، وبها يعرف أحكام العبادات من الصلاة والزكاة والصيام، ويتبين له بطريق الوضوح أن دين الإسلام هو الدين القويم، ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم﴾[سورة الأحقاف، الآية: 30]. لأنه دين سعادة وسيادة وسياسة، صالح لكل زمان ومكان. قد نظم حياة الناس أحسن نظام، بالحكمة والمصلحة والعدل والإحسان والإتقان. فلو أن الناس آمنوا بتعاليم دين الإسلام، وانقادوا لحكمه وتنظيمه، ووقفوا عند حدوده ومراسيمه، لصاروا به سعداء؛ لأنه ﴿ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾.
إن كثيرًا من أذكياء النصارى قد تغيرت أفكارهم بعدما تعلموا اللغة العربية، فظهر لهم من فضل الإسلام وصدق القرآن ما خفي على سلفهم. لهذا أخذوا يدعون قومهم إلى الرجوع إلى الإسلام، وإلى العمل بما شرعه من الأحكام، لكونهم أصبحوا فوضى حيارى ليس لهم دين يعصمهم، ولا شريعة تنظمهم، وقد كثر الداخلون في الإسلام في هذا الزمان وأخذوا يزدادون في الدخول عامًا بعد عام.