فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

هل يعود من خسر بضاعته على شركائه في الشحن في تحمل الخسارة؟

هل يعود من خسر بضاعته على شركائه في الشحن في تحمل الخسارة؟

حضرة الفاضل سكرتير غرفة تجارة قطر - المحترم.

غرفة تجارة قطر - الدوحة.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛

لقد استلمت كتابكم المؤرخ في 4/4/1384هـ، والمتضمن للسؤال عن أمر عرض على لجنة غرفة التجارة حاصله:

السؤال: إذا اشترك عدة أشخاص بشحن بضائع على لنش وجعل كل شخص علامته الخاصة به على بضاعته، ثم أبحر اللنش وهبت ريح عاصف عليه مما اضطر نوخذا اللنش إلى التخفيف من حمولته برمي البضائع في البحر، وبذلك استطاع اللنش الوصول إلى جهة سيره، ثم تبين أن المال المرمي يخص بعض التجار دون بعض، فهل الذين رميت بضائعهم يرجعون في الخسارة على الآخرين الذين سلمت بضائعهم أم لا؟ بحيث تكون خسارة المرمي بالورار[بالورار: (عامية)، أي: بالدور] بين الجميع.

الجواب [رقم: 238]:

إن هذه القضية لا يزال فيها الخلاف جاريًا بين العلماء من سائر المذاهب، فمذهب الإمام مالك أنه متى حصل اضطراب الأمواج وخشي الركاب من الغرق فألقوا بعض أموال التجار فإن السالمة أموالهم يشتركون في خسارة المال الملقى على حسب قيم الأموال، ولا يلحق السفينة ولا الركاب شيء من الضمان.

أما مذهب الشافعية والحنابلة فإن الذين سلمت أموالهم لا يشاركون في خسارة المال الملقى، أشبه ما لو غار عليهم عدو فأخذ بعض أموال التجار وترك بعضًا، فإن المأخوذة أموالهم لا يشاركون السالمة أموالهم في الخسارة، والبحر عدو، وهذا هو الذي نعمل به ونحكم بموجبه حسب ظاهر المذهب لقول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [سورة الإسراء، الآية: 15]، خصوصًا في مثل هذا الزمان والمكان الذي ليس فيه رقيب على النوخذا فيما يحمل وفيما يفعل، فتراه يحمِّل الأموال الكثيرة بدون مراقبة ولا موازنة ولا احتساب لوقوع الأهوية والعواصف، ثم يحمل من الركاب فوق الشحن ما يستطيع الحصول عليه من الأنفس الكثيرة، حتى إن اللنش ليكاد يغرق وهو على الساحل، كل هذا من أجل شدة الطمع في زيادة النول، ولعلمه أنه غير مؤاخذ بما يفعل، واللنش لغيره كما أن الأموال لغيره، ثم إن الركاب يتسرعون غالبًا إلى إلقاء الأموال عند أدنى عرض من الأمواج لعلمهم أنهم غير مطالبين بغرامة ما قذفوه منها في سبيل نجاتهم بأنفسهم، مع العلم أن الحنابلة والشافعية يوجبون الضمان عليهم في كل ما قذفوه من الأموال في سبيل سلامتهم بأنفسهم، ويردون على الموالك الذين يبرِّئونهم من عهدة الضمان، ويبرئون اللنش أيضًا من عهدة الضمان، ويقولون: إنكم متى أبرأتم الركاب من عهدة الضمان لهذا المال الذي قذفوه بأيديهم في سبيل نجاتهم فلم تجعلوا عليهم شيئًا من الضمان، وكذلك أبرأتم اللنش من الضمان، وهي حقيقة مال وقد سلمت بتخفيف الأحمال، فبراءة صاحب المال السالم ماله من ضمان المشاركة في المال الملقى أولى وأحرى، فتحميله غرامة للمشاركة في المال المقذوف بدون أن يقع منه إتلاف له لا بالمباشرة ولا التسبب - أنه من الظلم له، أما سلامة ماله فإنها تنسب إلى الله لا إلى القذف نفسه.

فهذا حاصل ما نراه ونحكم به، فلا نحمل السالم ماله غرامة شيء من المال المقذوف، وأقرب من يتوجه عليهم الضمان للمال المقذوف هم النوخذا والركاب الذين باشروا الإلقاء بأيديهم في سبيل سلامتهم، لولا أن العرف جار بعدم مطالبتهم، فهذا حاصل ما لدي في خصوصه.. والباري يحفظكم.

استدراك...

معذرة عن التأخير في الجواب من أجل الشغل بالأمور القضائية كما لا يخفى عليكم..

(4/7/1384هـ، 9/11/1964م)
عبدالله بن زيد آل محمود
رئيس المحاكم الشرعية بقطر

***