فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

دية المرأة

السؤال:

التاريخ: 14/1/1399هـ.

الحمد لله، سؤال عن حكم دية المرأة في الشرع، وهل هي كدية الرجل أو على النصف من ذلك؟

الجواب [رقم: 275]:

أن هذه المسألة قد أشيعت وانتشرت بين الناس بسبب أن بعض الصحف في الإمارات العربية نشرت القول بمساواة دية المرأة للرجل بدون تفريق، لهذا وجّه إلينا السؤال عنها رجاء طلب الجواب فيها، فأجبت بما نصه:

الحمد لله، إن لكل مقام مقالاً، وإن الحكم الشرعي يدور مع علته، فهو منوط بسببه، وقتل المرأة إما أن يكون عمدًا فله حكمه، أو أن يكون خطأ فله حكمه أيضًا، ففي كتاب عمرو بن حزم أن النبي ﷺ كتب إلى أهل اليمن: «أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ؛ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ؛ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ» [رواه النسائي (4853)، وابن حبان (6559)].

ثم ذكر تقدير أروش سائر الأعضاء كلها، وهذا الحديث تلقاه العلماء بالقبول، وجرى العمل به في شريعة الإسلام عند سائر أئمة المذاهب.

قال في المغني: ودية الحرة المسلمة نصف دية الحر المسلم، قال ابن المنذر وابن عبدالبر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل[المغني لابن قدامة (8/402)].

وهذا القول والتقدير يتمشى على قتل الخطأ، وأن فيه ما ذكر من نصف دية الرجل، غير أنه يستثنى من ذلك مساواتها للرجل في أروش الشجاج والجروح إلى الثلث من دية الرجل، بحيث إن في قطع الإصبع منها عُشر الدية مثل دية إصبع الرجل، وفي الإصبعين خُمس الدية عشرون من الإبل كدية إصبعي الرجل، وفي ثلاثة ثلاثة أعشار الدية أي: (ثلاثون من الإبل) كدية أصابع الرجل، وفي أربعة أصابع منها ترجع إلى التنصيف أي إلى نصف دية أصابع الرجل (عشرون من الإبل).

والأصل في ذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا» أخرجه النسائي والدارقطني، وصححه ابن خزيمة[سنن النسائي (4805)، وسنن الدارقطني (3128)]، وهو نص يقدم على ما سواه.

وقال ربيعة: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر. قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون. قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون، قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون، قال: قلت: لما عظمت مصيبتها قلّ عقلها؟ قال: هكذا السنة يا ابن أخي، وهذا مقتضى سنة رسول الله ﷺ، رواه سعيد بن منصور[مصنف عبدالرزاق (17749 - 17750)، والسنن الكبرى للبيهقي (8/168)، (16311)]، ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم إذ لم ينقل عنهم خلاف ذلك.

وفيه أحاديث تثبت التنصيف في كل الشجاج والجروح كالنفس وإن كانت ضعيفة، لكن يقوي بعضها بعضًا، من ذلك ما روي عن معاذ بن جبل عن النبي ﷺ قال: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ» [رواه البيهقي في الكبرى (8/166)، (16305)]، وقد ضعفه البيهقي، وأخرج عن علي رضي الله عنه أنه قال: دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل[السنن الكبرى للبيهقي (8/167) (16309)]. وهو من رواية إبراهيم النخعي عنه، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عنه، وأخرجه أيضًا من وجه آخر عنه وعن عمر[مصنف ابن أبي شيبة (27496)، والسنن الصغرى للبيهقي (3066، 3067)].

وقال في بداية المجتهد: اتفقوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل في النفس، فقال جمهور فقهاء المدينة تساوي المرأة الرجل في عقلها من الشجاج والأعضاء إلى أن تبلغ ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية عادت ديتها إلى النصف من دية الرجل، أعني دية أعضائها من أعضائه. انتهى[بداية المجتهد لابن رشد (4/208)].

وقد أجمع الصحابة على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، فقد روي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضوان الله عليهم ذلك، ولم ينكر عليهم أحد، ولأن المرأة ميراثها وشهادتها على النصف من الرجل فكذلك في ديتها.

وهذه الأقوال كلها تتمشى على دية قتل الخطأ لا التعمد.

وقد وُجد من الفقهاء من يقول بوجوب التنصيف في جميع أروش الشجاج والنفس، وكما حكي أيضًا عن بعض العلماء كابن عُلية والأصمّ أنهما قالا: دية الحرة كدية الرجل الحر. لقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» [رواه المروزي في السنة (236)، والبيهقي في الكبرى (16191) من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه].

قال في المغني: وهذا قول شاذ مخالف لإجماع الصحابة، ومخالف لسنة النبي ﷺ حيث قال: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ» وهي أخص مما ذكروه[المغني لابن قدامة (8/402)].

ثم ليعلم أن لقتل العمد حكمًا يخالف هذا الحكم المقتضي للتنصيف، وذلك أن رسول الله ﷺ قال: «إِنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَمْدًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ؛ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ» [رواه النسائي (4853)، وابن حبان (6559)، والحاكم (1447)، والبيهقي (7255) من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه].

وقال: إن الرجل يقتل بالمرأة، يعني في حالة قتل العمد، بحيث إن الواجب الأصلي من تعمد قتل المرأة وهو قتل من قتلها بطريق القصاص، إلا أن يرضى أولياؤها، فمتى لم يرض أولياء المرأة القتيلة إلا بمثل دية الرجل، فإنه يحكم لها بدية الرجل كاملة، بدلاً عن القصاص، لكون هذا يتمشى على رضا القاتل ورضا ورثة الدم، أي: أولياء القتيلة.

وإنما خص الشارع الدية بالإبل لكونها الأصل في الديات في قول بعض الفقهاء، ولأن العرب وخاصة الأعراب هم أغنى الناس بالإبل، وكانت النقود في زمنهم قليلة الوجود، ولم يهمل الشارع ذكر النقود، بل ثبت في كتاب النبي ﷺ لعمرو بن حزم المشهور أنه قال فيه: «وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ مِثْقَالٍ» [رواه النسائي (4853)، وابن حبان (6559)، والحاكم (1447)، والبيهقي (7255) من حديث ابن حزم رضي الله عنه]، ومثله ما روي عن ابن عباس أن رجلاً من بني عدي قتل فجعل النبي ﷺ ديته اثني عشر ألف درهم من الفضة. رواه أبو داود والترمذي[سنن أبي داود (4546)، وسنن الترمذي (1388)، وسنن النسائي (4803)، وسنن ابن ماجه (2629)].

فهذان أصلان في الدية على القول الصحيح الراجح. وبتقدير زنة المثقال من الذهب يكون مجموع دية النفس في قتل الخطأ كالآتي: بالنسبة إلى الليرة العثمانية هو (10/5902)، وبالنسبة إلى الليرة الإنجليزية هو (10/5312) أما تقديرها بالفضة البالغ بمجموعها اثني عشر ألف درهم فضة فهي بالريال الفرنسي ألف ومائتان وثلاثون ريالاً (1230) فرنسيًّا، وحيث إن الريال الفرنسي يساوي ريالين ونصفًا فضة سعودية، فيكون مجموع الدية من الفضة هو ثلاثة آلاف وخمسة وسبعين ريالاً (3075) فضة سعوديًّا.

فهذا ملخص التقدير لدية الذهب والفضة، وقد انتقل الناس عند عدم الذهب والفضة وقلة رواجها إلى تقديرها بالعُمل الورقية المتداولة بين الناس؛ لاختلاف أسعار الذهب والفضة هبوطًا وصعودًا في كل زمان وفي كل مكان.

وقد جرى الحكم في سائر المحاكم الشرعية بالعمل بتنصيف دية المرأة في قتل الخطأ، وقد كفانا القرآن كف هذه الفتنة فقال سبحانه: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[سورة النساء، الآية: 11]، وقال: ﴿وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ[سورة النساء، الآية: 176] أي: لئلا تضلوا.

فالخروج عن حدود ما رسمه الله وسنة رسول الله ﷺ يعتبر من الضلال المبين.

فهذا حاصل ما وقع الجواب عنه في تفصيل دية المرأة على حسب ما ذكرنا. والله أعلم.

رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بقطر عبدالله بن زيد آل محمود

***