فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام

الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام

الجواب [رقم: 342]:

إلى الفاضل المكرم الدكتور/ محمد عزت نصر الله المحترم.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛

فقد استلمنا كتابكم الكريم وبرفقته الرسالة المتعلقة بذكر شأن الجنة التي أهبط منها آدم، وطلبت مني إبداء الرأي فيما يترجح لدي في محلها، وقد طرق العلماء موضع ذكرها بدون يقين على محلها، وقد استقصى ابن القيم في كتاب (الروح) الكلام عنها، كما أن صاحب تفسير المنار تكلم فيها أيضًا في المجلد الأول منه، كما أنك ذكرت أقوال العلماء فيها، وأقوى الأقوال أنها جنة في السماء لا يعلم موضعها إلا الله.

والقول الثاني: أنها جنة في الأرض، أي بساتين، واستشهدوا لذلك بالدلائل التي لا تنطبق على الجنة التي وعد الله أولياءه، من وجود إبليس فيها حيث تسلط على آدم فحسن له أكل الشجرة الممنوع منها، ومتى علمنا أن هذه جنة غرسها الله بدون عامل ولا معامل، وإنما هي بمحض القدرة، وجب علينا أن نكف عن الخوض بالجزم في موضعها.

وأضعف الأقوال من يقول إنها كوكب قديم أصبح فتاتًا بين المريخ والمشتري، وهو ما أشير إليه بأنه كوكب عدن، فعندي أن هذا قول ضعيف لا يستند إلى دليل، وحسبنا أن نؤمن بكل ما أخبر الله به من وجود هذه الجنة، وإدخال آدم وزوجته حواء هذه الجنة إلى نهاية المدة التي قضى الله بإخراجهم منها.

هذا والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(13/3/1393هـ، 16/4/1973م) رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية
عبدالله بن زيد آل محمود

***

لقاء صحفي مع مجلة الفجر القطرية[نشر في مجلة الفجر القطرية في 19 رمضان 1396هـ (13/9/1976م)]

فضيلة الشيخ.. نلاحظ - بكل أسف - أن خطبة الجمعة هابطة المستوى في معظم المساجد ولا تفي بالغرض منها.. فأسلوبها عقيم.. ويغلب عليها الجهل.. فما هو الحل؟

الجواب [رقم: 343]:

الفطرة من قوت البلد.. والله يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[سورة التغابن، الآية: 16].. وكما تعلم فإن عدد العلماء النابهين لدينا قليل.. والمساجد كثيرة.. ونحاول قدر ما نستطيع أن نرفع مستوى الوعظ والإرشاد.. بل وهناك خطة موضوعة لذلك.. وقد تم إقامة معهد للأئمة والخطباء افتتح منذ فترة قصيرة.. ولكن مما يزيد المشكلة أن معظم الطلبة ينصرفون إلى علوم أخرى، ولا يقبلون على دراسة الدين والتفقه فيه.. وعلى العموم؛ فإنني أنوي بعون الله جمع خطبي وأحاديثي ومحاضراتي لطبعها وتوزيعها على الخطباء للاستفادة منها[أصدر الشيخ كتاب الحكم الجامعة والذي ضم أكثر خطبه].

سمعت أن لك موقفًا من تعليم المرأة؟

الجواب [رقم: 344]:

لا.. لا.. إن تعليم المرأة العلم النافع أمر لا غبار عليه.. والتعليم أمر مشترك بين الرجال والنساء.. فإن قلنا: إن النساء في حاجة إلى العلم والأدب والإصلاح، وتعلم سائر العلوم والفنون كالرجال.. فهذا صحيح.. والعلم النافع مطلوب ومرغوب فيه في حق الرجال والنساء.. لكن من العلم ما يكون جهلاً. وقد استعاذ النبي ﷺ من علم لا ينفع[رواه مسلم (2722) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه].. ولا يستعيذ الرسول ﷺ إلا من الشر.

هذا هو موقفي من تعليم المرأة.. أنا أؤيد ذلك تمامًا لما فيه مصلحتها ومصلحة الأمة.. ولكن اعتراضي هو على سفر المرأة للتعلم.. هذا حرام وضد الشرع.. حرام أن تذهب الفتاة للدراسة والتعلم فتعيش في مجتمعات تفسد شرفها وأخلاقها.. فلا فائدة من اكتسابها للعلم إذا فقدت ذلك كله.. كما أن سفرها للخارج سيعرضها للاختلاط.. وهذا أمر محرم..

إذن ما العمل؟ خاصة أن فروع العلم أصبحت متعددة.. وأصبح لكل تخصص كلية أو جامعة لا بد من الانتقال إليها للدراسة فيها؟

الجواب [رقم: 345]:

لقد طبعت في ذلك رسالة أجبت فيها على عدد من الأسئلة المشابهة.. وإنني أرى أن تقوم الفتاة بتعلم ما هو متاح أمامها في بلدها ووسط أهلها.. كما أنني أرى أنه يمكنها تحصيل العلم النافع وحدها.. وذلك بمواجهة الكتب والفنون وسائر المؤلفات وبسؤال العلماء عن المشكلات؛ لأن هذا هو طريق حصول العلم للرجال والنساء.. فالراسخون في العلم، والمتوسعون فيه، إنما يتوصلون إلى ما تحصلوا عليه بهذه الطريقة.. فلماذا تترك المرأة هذا؟ ثم تحرص ويحرص أهلها على السفر الذي حرمه الشارع بقوله: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» رواه البخاري ومسلم[صحيح البخاري (1088)، وصحيح مسلم (1339) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].. خصوصًا مثل السفر البعيد الذي تتعرض فيه إلى الأخطار والأضرار.. ثم إلى الافتتان بها، الناشئ عن الخلوة بها واختلاطها بالرجال في الملاهي! والمجتمعات وسائر الأحوال والأوقات، تقليدًا لما يسمونه تحرير المرأة عن رق أهلها وزوجها!

يمضي الشيخ في حديثه متحمسًا ويقول: أليس من الأوفق والأليق لهذه الفتاة ولأهلها، أن تتعلم مبادئ العلوم الشريفة عند أهلها، وفي مدارس بلدها وأهل ملتها، لتستعين بالبيئة والمجتمع على تحسين تربيتها، لتكون في بيت زوجها وأهلها صالحة مصلحة؟!

ثم يقول الشيخ نقلاً عن رسالته:

إن عذر دعاة الاختلاط هو الحرص على حصول العلم والتعلم لكل من الرجال والنساء، مع اختصار مصروف النفقة في سبيله، وهذا سهل ميسر وليس بعذر يبيح أكل الميتة للمضطر، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[سورة الطلاق، الآية: 4]، فالحكومة القائمة بالصرف على كافة المعارف ومنها الجامعات، لن تعجز عن النفقة في حالة انفصال كل جنس عن الآخر، وأما القول بدعوى الحرص منهم على حصول العلم كما يزعمون، فإن الاختلاط يعد من أسباب موانع العلم وتعويق حصوله، إذ هو ضار بالمتعلمين والمتعلمات؛ لكونه يغري الشباب والشابات ويصرفهم عن فهم العلم وتعلمه.. إن الاختلاط يعد من مساوئ الأخلاق وليس من خلق أهل الإسلام في شيء.

إذن، وماذا عن اشتغال المرأة؟

الجواب [رقم: 346]:

فيه ضرر على زوجها وعلى عيالها وعلى البلاد أيضًا.. وسوف يكون اشتغالها على حساب حق أولادها في التربية السليمة، وعلى حساب زوجها وراحته في منزله.. وينعكس ذلك كله على المجتمع بأسره.. ولي رسالة أخرى لم تطبع بعد تناولت فيها هذا الموضوع، وكان عنوانها (نهاية المرأة الغربية، بداية المرأة العربية).

ولكن أحيانًا يكون عمل المرأة ضرورة اقتصادية، مثل مساعدتها لزوجها في تحمل أعباء الحياة.. أو أن تشعر المرأة أن العمل هو حق لها وواجب عليها نحو مجتمعها، الذي يحتاج إلى علمها وخبرتها، سواء كانت مدرسة أو طبيبة أو غير ذلك؟

الجواب [رقم: 347]:

نعم أنا لا أعارض اشتغال المرأة.. ولكن يجب أن نوفر لها الجو الشرعي الإسلامي الذي تستطيع من خلاله القيام برسالتها دون تعريضها للمهالك.. لا بد من الحرص على أن يكون عمل المرأة في شيء محترم.. وأن تكون بعيدة عن الرجال.. وهذا شرط ضروري.. أما غير ذلك فلا نراه، ولا نقره، وما زلت أقول: إنه إذا كان الراتب يكفي الرجل وجب على المرأة أن تبقى في بيتها.. هذا أليق.. وألزم لمصلحة أولادها وزوجها ومجتمعها.. ولنتذكر دائمًا أن عمل المرأة في الدوائر والمعامل ضياع للبيت، وخراب للعيال.

كنت أعرف مقدمًا أن أكثر ما يثير الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود هو مجرد مناقشته في آرائه بالنسبة للتلفزيون أو أفلام السينما.. ولذلك آثرت أن أبقي كل أسئلتي حول هذا الموضوع إلى نهاية اللقاء، والآن جاء دورها.

فضيلة الشيخ.. لماذا أغلقت السينما في قطر؟ وما معنى ذلك خاصة وأن سهرات التلفزيون عامرة في كل ليلة بنفس الأفلام التي تقرر من أجلها إغلاق السينما طوال شهر رمضان؟

الجواب [رقم: 348]:

إن الأضرار الناجمة عن نشر التلفزيون هي أشد وأشر من أضرار السينما بكثير.. لكون السينما لا يتعدى ضررها إلا من يحضرها.. وفي الغالب لا يحضرها إلا الهمج والسذج!!.. الذين لا قيمة لهم في المجتمع!! أما التلفزيون فإنه يغزو الناس في عقر دورهم. فيوقع الفتنة في صغارهم وكبارهم بما يشاهدونه من أفلام الخلاعة التي هي بمثابة الدرس.. تخدر الرؤوس كتخدير خمر الكؤوس.. فهي أشد ضررًا من كل شيء.. ومن الواجب منع نشر سائر الأفلام الخليعة؛ احترامًا لحرمة رمضان ولحرمة جميع المسلمين، واتقاء نشر هذه الفواحش التي تسيء سمعة البلاد والعباد.

ألا ترى في ذلك مبالغة يا شيخ.. التلفزيون أصبح أداة تسلية وثقافة ومعرفة.. ويمكنني أن أشاهد فيه ما أريد.. أو أغلقه دون ما لا أريد؟

الجواب [رقم: 349]:

لا.. لا.. لا.. هذه حجة باطلة.

ألا يوجد تلفزيون في دارك؟

الجواب [رقم: 350]:

حاشا لله.. حاشا لله..

قد يكون في ذلك حرمانًا لأهلك من برامج ثقافية وعلمية مفيدة يحتاجون إليها في حياتهم؟

الجواب [رقم: 351]:

حاشا لله.. ليس في ذلك أي حرمان.. بل هو راحة لهم واطمئنان.. يقول لي بعض الناس إنه من الممكن أن تقتصر المشاهدة على ما ينفعهم فقط من خلال جهاز التلفزيون.. ولكنني أقول: ما دام الفساد يمكن أن يدخل من بينهم فلماذا لا نمنعها من الأساس.. ثم إن الإنسان لا يستطيع أن يكون مراقبًا على ما يشاهده أبناؤه في كل وقت.

وعلى كل حال فإنني أناشد جميع المسؤولين عن الإعلام الاقتصار على نشر ما ينفع الناس في أمر دينهم ودنياهم واجتناب نشر الأفلام الخليعة وكل ما يفسد أديان الناس وفطرتهم.. ويوقعهم في الافتتان بما يشاهدونه من الصور المتحركة الناطقة.

فضيلة الشيخ.. لو طلبوا منك تقديم حديث ديني من خلال التلفزيون.. هل ترفض؟

الجواب [رقم: 352]:

نعم..

لماذا؟

الجواب [رقم: 353]:

هذا هو رأيي..

ولكن هذا حديث في الدين يستفيد منه الناس؟!

الجواب [رقم: 354]:

هناك وسائل غير ذلك لإفادة الناس.

أثار فيلم (محمد رسول الله).. زوبعة هائلة.. رغم حرص مخرج الفيلم على عدم ظهور صورة النبي ﷺ... ما رأي فضيلتكم؟

الجواب [رقم: 355]:

إن الأفلام السينمائية من هذا النوع تفتح بابًا للفتنة على الناس.

أولاً: حرام التعرض لشخص الرسول.. وحرام التعرض لحركته وكلامه، وكذلك أحكامه مع الصحابة.. ولنا رسالة في هذا الموضوع لم تطبع بعد.

ومن ناحية أخرى: فقد رأى بعض رجال الدين أن قصة الفيلم نفسها بها بعض الأخطاء في تسلسل الحوادث.. كما وضع صورًا غير واقعية وغير صحيحة من الناحية التاريخية والدينية.. وهذا وحده يكفي لاتهام الفيلم.

أجل كان هذا هو رأي بعض رجال الدين.. بينما أكد البعض الآخر أنه فيلم يخدم الرسالة الإسلامية ويتيح لدول الغرب أن تتعرف على حقيقة الدعوة الإسلامية منذ بدايتها؟

الجواب [رقم: 356]:

قلت: إن هذا يفتح بابًا للفتنة لا داعي له.. اليوم فيلم عن الرسالة.. وغدًا فيلم عن الصحابة.. وبعده فيلم عن الرسول.. وهكذا.. ونفتح على أنفسنا بابًا يدخل منه من يريد.. ويختلط الحق بالباطل.. ويخضع ذلك كله للرغبة والهوى، وفي ذلك شر عظيم.

قال أحد الجالسين مخاطبًا الشيخ عبدالله: طال عمرك، قرأت اليوم في إحدى الصحف إنهم يستعدون الآن في فرنسا لإخراج فيلم عن الحياة الجنسية للمسيح.

وضحك الشيخ عبدالله.. ضحك من أعماقه.. ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم.

وبعد؛ فمعذرة يا سيدي الجليل.. فهذا هو لقائي الأول معك.. وهو أيضًا - على ما أعلم - أول لقاء لك مع الصحافة.. وقد بقي لدي الكثير الذي كنت أود مناقشتك فيه وسماع رأيك بصدده.

وبقي لدي أن أرجوك أيضًا لأن تعدل عن رأيك في موضوع الصور التي ترفضها.. سوف ينشر الموضوع وليس به صورة واحدة لك.. وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي ينشر فيها حديث دون صورة صاحبه.

ورفض الشيخ بإصرار.

قلت: هل هو حرام؟

الجواب [رقم: 357]:

قال: لا أقول إنه حرام.. ولكنني لا أرغب!

وانتهى الحديث.

***