حكم من ترك صلاة الجمعة بلا عذر
السؤال: ما حكم من ترك صلاة الجمعة بلا عذر؟ [6/42]
الجواب [رقم: 38]:
افترضت الجمعة على النبي ﷺ بمكة كسائر الصلوات الخمس، لكنه لم يتمكن من إقامتها بمكة، من أجل أن المشركين يمنعونه من ذلك. ولما هاجر بعض الصحابة إلى المدينة، أمر النبي مصعب بن عمير بأن يصلي بهم الجمعة. قال عبدالرحمـٰـن بن كعب — وكان قائد أبيه بعدما عمي — قال: «كان أبي إذا سمع أذان الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت: يا أبت إنك إذا سمعت أذان الجمعة ترحمت لأسعد بن زرارة؟ قال: نعم يا بني، إنه أول من جمّع بنا في (نقيع الخضمات) في (حرة بني بياضة)، وذبح لنا شاة، فتغدينا عنده. قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون» [رواه أبو داود (1069)، وابن ماجه (1082)، وابن خزيمة (1724)، وابن حبان (7013)].
أخذ بهذا الحديث من اشترط لصحة الجمعة حضور أربعين من أهل وجوبها. ولا دليل في الحديث على اشتراط هذا العدد؛ لأنها قضية حال صادفت كونهم أربعين بدون تحديد من الشارع، والصحيح أن الجمعة تصح ولو بدون أربعين، فكل قوم في قرية فإنه يجب عليهم أن يقيموا صلاة الجمعة، ولو كانوا عشرة، أو أقل أو أكثر.
أما النبي ﷺ فإن أول جمعة صلاها في مسجد بني عبد الأشهل بالمدينة حين قدم إليها مهاجرًا، ونزل على أبي أيوب الأنصاري، فوافق قدومه يوم الجمعة، فصلى بالناس، وحُفِظَ من خطبته في ذلك اليوم بعد حمد الله والثناء عليه أنه قال: «أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوْا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ، تُنْصَرُوا، تُرْزَقُوا وَتُجْبَرُوا، وَاعْلمُوا أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي مَقَامِي هَذَا، مَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا، وَاسْتِخْفَافًا بِقَدْرِهَا، فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، أَلَا وَلَا زَكَاةَ لَهُ، أَلَا وَلَا صِيَامَ لَهُ» [رواه ابن ماجه (1081)، والطبراني في الأوسط (1261)، من حديث جابر رضي الله عنه بإسناد ضعيف].
وفي هذا الحديث دليل على عقوبة التارك للجمعة بدون عذر؛ فإنه متعرض لإحباط عمله من صلاته وصيامه، ثم هو متعرض لوقوع دعاء النبي ﷺ عليه، حيث قال: «فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ». ومن لا يجمع الله شمله يكون مشتت الحال، كثير الهم والغم والبلبال، كما أن من لا يبارك في أمره يكون دائمًا هلوعًا جزوعًا، جموعًا منوعًا؛ كشارب البحر، كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا. فهو فقير، لكنه لا يؤجر على فقره، بل الفقير أحسن حالاً منه. ومن دعاء النبي ﷺ أنه قال: «اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كل فائتة بخير» [رواه ابن خزيمة (2728) من حديث ابن عباس مرفوعًا بإسناد ضعيف].
***