فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

الخلق الحسن

السؤال: ما هو الخلق الحسن المرغوب شرعًا؟ [6/262]

الجواب [رقم: 296]:

الخلق الحسن ينحصر في فعل ما يجمله ويزينه، واجتناب ما يدنسه ويشينه، أو يقال: إنه ينحصر في فعل الفرائض والفضائل، واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل.

وأكثر الناس حينما يسمع أحدهم بحسن الخلق يظنه مقصورًا، أو مقصودًا ببشاشة الوجه، وطيب الكلام، وهذا نوع من مكارم الأخلاق بلا شك، لكن الخلق الحسن هو أعم وأشمل من هذا كله. والله يقول لنبيه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم ٤[سورة القلم، الآية: 4]، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله ﷺ قالت: كان خلقه القرآن[رواه مسلم (746)]. يتأدب بآدابه، ويأَتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ثم قرأت ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين ١٩٩[سورة الأعراف، الآية: 199] فأَمره ربه بأَن يعطي من حرمه، وأن يصل من قطعه، وأن يعفو عمن ظلمه.

ومن حسن خلقه أنه يصل الرحم، ويحمل الكلّ، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر.

فمن حسن الخلق بر الوالدين، وصلة الأرحام، والتودد إليهم بوسائل الإكرام والاحترام، وأن يصاحبهم في الدنيا بالمعروف والإحسان، حتى يودع في قلوبهم محبته، والدعاء له، والثناء عليه.

وقد سئل النبي ﷺ عن أكرم الناس فقال: «أَكْرَمُ النَّاسِ أَتْقَاهُمْ لِلرَّبِّ، وَأَوْصَلِهِمْ لِلرَّحِمِ، وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ» [رواه ابن أبي شيبة في المصنف (25397)، وأحمد (27434)، والطبراني في الكبير (24/257/ 657)، والبيهقي في شعب الإيمان (7578)، وفي الزهد الكبير (877) من حديث درة بنت أبي لهب رضي الله عنها].

فصلة الأرحام كما أنها من محاسن الأخلاق، فإنها أيضًا من الأسباب التي يوسع الله بها في الأرزاق، ويبارك بها في الأعمار، كما في الصحيح: أن النبي ﷺ قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُمِدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [رواه البخاري (2067)، ومسلم (2557) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه]، فالواصل موصول، والقاطع مقطوع، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.

ومن حسن الخلق الإحسان إلى الجيران بإيصال النفع إليهم، والعطف عليهم، وقضاء حوائجهم، ومعاشرتهم بطيب الوفاق، وكرم الأخلاق، ففي الحديث: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» [رواه البخاري (6019) من حديث أبي شريح العدوي رضي الله عنه].

ومن حسن الخلق إفشاء السلام، على الخاص والعام، بأن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف؛ لأن من محاسن الإسلام إفشاء السلام، وإطعام الطعام، فمن حقوق المسلم على المسلم: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وَإِذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ» [رواه مسلم (2162) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

و«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَلْتَقِيَانِ؛ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» [رواه البخاري (6077)، ومسلم (2560) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه].

ومن حسن الخلق أن تسلم على أهل بيتك إذا دخلت عليهم، وهذه سنة مشهورة، وقد أصبحت بين الناس مهجورة.

وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: «ثلاثة كلهم ضامن على الله: رجل خرج مجاهدًا في سبيل الله، ورجل دخل المسجد للصلاة، ورجل دخل بيته بسلام» [رواه أبو داود (2494)، والبخاري في الأدب المفرد (1094)، وابن حبان (499)، والحاكم (2400) وقال: صحيح وأقره الذهبي، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه].

وقال: «إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِيتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ» [رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (405)، والطبراني في مسند الشاميين (429)، والحاكم (53)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1688) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه] إلى آخر ما ذكر.

وقد قال النبي ﷺ لأنس: «يَا أَنَسُ، إِذَا دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَسَلِّمْ عَلَى أَهْلِكَ تَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ» [رواه الترمذي (2698) وقال: حديث حسن غريب، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه].

فأخبر النبي ﷺ في هذا الحديث أن السلام على أهل البيت من الأسباب التي ينزل الله بها البركة على أهله. وهذا السلام يقضي بالمحبة والانسجام بين صاحب البيت وأهله، كما يقضي بسعة الرزق، ونزول البركة في البيت.

***