فتاوى بن محمود

فهرس الكتاب

الردة بعد وفاة النبي ﷺ وكيف تداركها الصحابة

الردة بعد وفاة النبي ﷺ وكيف تداركها الصحابة

السؤال: ما سبب ردة بعض قبائل العرب بعد وفاة الرسول ﷺ؟ وكيف تدارك الصحابة هذه الفتنة؟ [6/249]

الجواب [رقم: 375]:

لما مات رسول الله ﷺ ارتد أكثر العرب عن الإسلام، قائلين: إنه لو كان نبيًّا لم يمت. وعلى إثر هذه الردة منعوا زكاة أموالهم. يقول بعضهم: إننا لم نؤمر أن نؤدي الزكاة إلا إلى الرسول في حالة حياته، لأجل أن يستغفر لنا، وبعد موته فلا زكاة علينا.

فعمَّت الردة جميع العرب، من أقصاهم إلى أدناهم، إلى حالة أن الصحابة جعلوا لهم حرسًا على أفواه السكك خوفًا من تَوَثُّب الأعراب عليهم. فاشتد الأمر بالصحابة، حتى قال أنس بن مالك: «إنه لما مات رسول الله ﷺ كنا كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، فما زال أبو بكر يشجعنا حتى كنا كالأسود المتنمرة».

وإن الردة عمَّت جميع الناس؛ من عرب الحجاز ونجد واليمن والبحرين وعمان، حتى إنه لم يبق مسجد يصلى فيه إلا مسجد مكة والمدينة، ومسجد عبد القيس بجواثى أي: بلد الأحساء المعروفة - وفي ذلك يقول الشاعر:

والمسجد الثالث الشرقي كان لنا
والمنبران وفصل القول والخطب
أيام لا منبر للناس نعرفه
إلا بطيبة والمحجوج ذي الحجب

وقد حاصر المرتدون قبيلة عبد القيس في بلدهم من أجل تمسكهم بدينهم حتى أرسلوا لهم رسولاً إلى أبي بكر يستنجدونه، ويستمدون منه العون على عدوهم، وقد أنشدوا في كتابهم:

ألا أبلغ أبا بكر رسولا
وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكمُ إلى قوم كرامٍ
قعود في جؤاثا محـصَرينا
كأن دماءهم في كل فج
دماء البدن تغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمٰن إنا
وجدنا النـصر للمتوكلينا

فعند ذلك تجرد الصحابة لقتال المرتدين، ليردوهم إلى الدين. فأرسلهم أبو بكر فِرَقًا، وقد اتسعت الفتنة، وعظم الخطب، فكان مع مسيلمة الكذاب جنود كأمثال الجبال، وادعت سجَاح النبوة، فكان معها من الجنود مثل ذلك. وكان أكبر من تولى قتالهم هو سيف الله خالد بن الوليد، فبالغ في قتال مسيلمة الكذاب وجنوده، حتى قتل جمع كثير من أصحاب رسول الله ﷺ في هذه المعركة، ومن جملتهم سبعون رجلاً من القراء الذين يحفظون القرآن، فقتلوا في المعركة في مكان يسمى العيينة - بالقرب من الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية - ففزع الصحابة من قتل القراء، فخافوا أن يذهب القرآن، أو يذهب شيء منه، فأمر أبو بكر بجمعه بعد مشاورة بينه وبين عمر وبين الصحابة، فاتفق رأيهم على أن جمعه هو عين الصواب والمصلحة، فولوا رئاسة جمعه زيد بن ثابت رضي الله عنه.

ثم إن الصحابة رضي الله عنهم أنجزوا قتالهم مع المرتدين حتى ردوهم إلى الدين، وألزموهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم ساروا إلى بلاد عبد القيس - بهجر وعمان - ومنهم قوم ساروا إلى اليمن لمناجزة الأسود العنسي - وهو نظير مسيلمة في الكفر والردة، وكثرة الجنود - فنصرهم الله عليهم، وعاد للدين جدته ونشاطه.

***