صلاة الجمعة خلف الواعظ المسافر
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛
فإني أتقدم إلى دار الإفتاء بقطر لفضيلة الشيخ رئيس المحاكم الشرعية عبدالله بن زيد آل محمود... راجيًا تحري الإجابة الناجزة، ولكم الأجر...
أسند إليّ حاكم أبو ظبي الوعظ والإرشاد العام رسميًّا في إمارات الساحل، ولن أجد فرصة أشمل للنفع من خطبة الجمعة برضا أئمة المساجد وترحيبهم بدافع الحب منهم لي، ولكن وجد أهل العلم الذين يقولون: إنه لا تجوز صلاة الجمعة خلف واعظ ينتقل من مقر سكنه إلى إمارة بينها وبينه مسافة قصر؛ لأن الواعظ سيكون مسافرًا.
والمطلوب: كيف ينطبق حكم مسافر على واعظ وظيفته الرسمية التجول في الإمارات بأمر الحاكم ورضا أئمة المساجد وهذه طبيعة عمله، وليس الواعظ مسافرًا، ولكنه يتردد بين بلدة وأخرى بخصوص أداء المهمة الدينية فقط المعين لها، والمعترض يزعم بطلان الخطبة والصلاة على مذهب المالكية، ثم هل يجوز للذين ينهون عن الصلاة يوم الجمعة وراء المسافر، هل يجوز لهم أن يقلقوا الإمام فيما إذا كان الإمام مذهبه يجيز صحة ذلك؟ هذا على فرض صحة القول بأنه لا تجوز الصلاة وراء المسافر، ولن نسلم بصحة هذا القول فيما يتعلق بالواعظ العام المعين رسميًّا لهذه المهمة برضا أئمة المساجد كلهم في كل بلد، خصوصًا وقد أصبحت الإمارات الست التي يعمل فيها الواعظ في حكم إمارة واحدة بعد الاتحاد الذي تم بينها هذا العام، (دولة الإمارات العربية المتحدة)، وكيف يمنع نفع الواعظ العام المعين لهذا من أجل قول منسوب إلى بعض أهل العلم؛ ثم نرجو توضيح الدليل من كتاب الله وسنة رسوله على أن العالم إذا كان مسافرًا وانتفع الناس واهتدوا بوعظه في خطبة الجمعة، فكيف يمنع ويقدم بدله من لا يكاد يبين؟ ثم كيف ينطبق حكم السفر على واعظ عيّن لهذه المهمة الدينية التي يتعطش إليها المجتمع لحبهم للوعظ من قلوبهم وانتفاعهم به، وكيف ينطبق حكم المسافر عليه وهو المعين لهذا؟ خصوصًا وقد أصبحت الإمارات المتحدة دولة واحدة في ظل الاتحاد.
نرجو بإذن الله سرعة الشفاء بالجواب الذي يفتح الطريق أمام الدعوة الإسلامية، ويتيح لها الازدهار والانتشار ويقضي على التعصب الذي مبناه حب الأنانية، وليس بيت القصيد مسافر وغير مسافر...
أفيدونا، ولكم الثواب يا أولي الألباب من الملك الوهاب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
(18 جمادى الثانية 1391هـ، 9/8/1971م) المستفتي/ محمد بن حسن التندي
الجواب [رقم: 36]:
الحمد لله، بناءً على السؤال الصادر من الشيخ محمد بن حسن التندي، الواعظ العام في إمارة أبوظبي وسائر قرى عمان الساحل، حيث طلب الجواب عن حكم الواعظ المتنقل من بلد إلى بلد في سبيل نشر الوعظ والإرشاد، بين البلدان في تقديمه عليهم في صلاة الجمعة، وقد حصل من قال بمنع إمامته؛ لاعتبار أنه مسافر ليس بمقيم، فهل تصح إمامته بهم في الجمعة أم لا؟
إنني أبدي الاعتذار عن تأخير الجواب لكون وصول الرسالة المتضمنة للسؤال صادف غيبة مني عن محل عملي في إجازة صيفية، وهذا أوان الاستدراك للجواب.
إن فقهاء الحنابلة قالوا: ولا تنعقد الجمعة بمسافر، ولا يكون إمامًا فيها، (قاله في المغني)[المغني لابن قدامة (2/195)]، يريدون بعدم انعقاد الجمعة به؛ لأنه لا يحسب في العدد المشروط لصحة الجمعة، بناءً على القول المرجوح بأنها لا تصح الجمعة إلا بحضور أربعين من أهل وجوبها. وهذا القول مقتبس من مفهوم حديث: «لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ» [أخرجه الطبراني في الأوسط (1/249)(818)، والصواب أنه من قول ابن عمر رضي الله عنهما كما ذكر البيهقي في السنن الكبرى (3/262) (5639)]. قالوا: لأنه ليس من أهل فرض الجمعة فلم تنعقد به، ولا تصح إمامته لكونه ليس بمستوطن، والاستيطان شرط لوجوب الجمعة، هذا حاصل ما قرروه في حجة المنع من إمامته، ويتبين بطريق الوضوح أنه لا دليل عندهم على ذلك، وإنما هي من تدقيقات الفقهاء العارية عن الدليل، وحديث: «لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ» ليس فيه ما يدل على أنه متى صلى مع المقيمين لا تكون له جمعة، فكما أنه تصح إمامته بالمقيمين في سائر الفرائض حتى في الرباعية فيقصر ويتم الناس، فكذلك تصح إمامته في الجمعة بطريق القياس والنص، وقد صلى النبي ﷺ بأهل مكة صلاة الظهر، فصلاها ركعتين، فلما سلم التفت إليهم فقال: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» [أخرجه مالك في الموطأ (1/213) (404)] فما هذا الفرق في صحة إمامته في سائر الفرائض ويمنع من إمامته في الجمعة؟ والصحيح أن المسافر كما تصح منه الجمعة بالإجماع متى فعلها مع المقيمين، فإنها تصح خلفه، إذ الجمعة كسائر الفرائض، وقد كان رسول الله ﷺ، ثم الخلفاء من بعده يرسلون الأمراء والقضاة إلى البلدان، فيتولون بهم صلاة الجمعة وهم ليسوا بمستوطنين، ونقل في المغني عن أبي حنيفة والشافعي أنه يجوز للمسافر أن يكون إمامًا في الجمعة، ووافقهم مالك على ذلك[المغني لابن قدامة المقدسي (2/253)]. انتهى.
وهذا هو الحق والصواب ونحن نفتي بموجبه، والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(9/8/1391هـ، 29/9/1971م)
رئيس المحاكم الشرعية بقطر
***